أبو بكر يوسف لعويسي
20-Aug-2017, 03:08 PM
سم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد ، أشهد شهادة موقن جازم أنه وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وأصلي وأسلم على سيد المرسلين وإمام المتقين ، من دعا إلى التوحيد وأقام أركانه على بينة من ربه ، و على آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
ليس من شك أن الشرك أعظم الذنوب التي تحبط الأعمال صغيرها وكبيرها وتجلب الخسارة الحقيقية للعبد في الدنيا والآخرة .. قال تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ } (13) الحج .
وقال عز وجل :{ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) الزمر .
وليس من شك أن التوحيد أعظم عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه فتورثه حلاوة الإيمان ، والأمن والطمأنينة والسعادة والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة ..
قال تعالى :{ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ }(82).
لا يقول ذلك ولا يعتقده إلا من ذاق طعم الإيمان وحلاوته ، فهو آمن مطمئن لا يخشى ضرا ولا خسارة بل ينتظر الفوز والنجاة يوم يلقى ربه ووليه الذي عاش له وبه ومن أجله.
ولا يمكن للعبد أن يسعد في الدنيا والآخرة إلا إذا حقق التوحيد ونفى عن الله الشرك بعلم وصدق وإخلاص ، ويقين ، منقادا لما تتضمنه كلمة التوحيد وأركانها وشروطها ونواقضها ، فمن اتصف بهذا واعتقده وعمل به فهو الذي له الأمن التام يوم القيامة والهداية في الدنيا والآخرة إلى السعادة والفلاح .
وهذا سؤال وجه العلامة الشيخ المحدث المجدد الألباني - رحمه الله – وكان جوابه في غاية من الصواب والنصح، وإليك السؤال والجواب مع بعض النتف التي تزيده وضوحا ودقة وجمالا وكمالا ، حتى تكتمل الصورة وتفهم المسألة على وجهها الصحيح الصريح .
س ) – كيف يتم نفي الشرك عن الله تبارك وتعالى ؟
الجواب : قال الشيخ- رحمه الله - نفي الشريك عن الله تعالى لا يتم إلا بنفي ثلاثة أنواع من الشرك :
الأول : الشرك في الربوبية (1): وذلك بأن يعتقد أن مع الله خالقا آخر - سبحانه وتعالى - كما هو اعتقاد المجوس القائلين بأن للشر خالقا غير الله سبحانه .
وهذا النوع في هذه الأمة قليل (2) - والحمد لله - وإن كان قريبا منه قول المعتزلة : إن الشر إنما هو من خلق الإنسان وإلى ذلك الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم : (( القدرية مجوس هذه الأمة . . . )) الحديث وهو مخرج في مصادر عدة عندي أشرت إليها في "صحيح الجامع الصغير وزيادته". رقم (4318).
1 - توحيد الربوبية هو إفراد الله تعالى في جميع أفعاله ، من خلق ورزق ، وملك وتدبير ، وإحياء وإماتة ، ونفع وضر ، فيعتقد جازما أن الخالق هو الله وان الرازق هو الله ، وأنه المالك والملك ، والمدبر المشرع والمحي والمميت ، والنافع الضار فلا أحد معه سبحانه يفعل فعله على الوجه الذي يريده ويرضاه ..لا يسأل عما يفعل سبحانه وتعالى .
2 – قوله الشيخ – رحمه الله - وهذا النوع في هذه الأمة قليل .. هو كذلك في بعض جوانبه دون بعض ، فمثلا لا أحد يعتقد أن مع الله خالق يخلق كخلقه ، أو مالك يملك معه شيئا من هذا الكون استقلالا، أو أحد يستطيع أن يحي ويميت ابتداء دون إرادة الله وقدرته ، وأن لا أحد يقدر الأقدار معه ..
أما في جانب توحيد جلب الرزق ، والنفع والضر فهو كثير جدا ، فكثير من النّاس عندهم خلل في توحيد الرب في جلب الرزق ، والنفع والضر ، فتجدهم يسألون المقبورين من الأولياء المزعومين أن يرزقوهم المدد ، والولد ، ووتراهم يذهبون عند السحرة والمشعوذين يفعلون لهم السحر ويكتبون لهم الطلاسم لإيجاد الوظائف التي يسترزقون من ورائها ، أو للإبقاء على الوظيفة التي هم فيها خوفا من الفقر والجوع ومنهم من يتوكل توكلا تاما على نفسه حتى أصبح عبد للدرهم والدينار وقد قال صلى الله عليه وسلم : (( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش )).رواه البخاري (2887).
وهذا ليس من شك خلل كبير عند هؤلاء في توحيد الربوبية .
قال الشيخ الثاني : الشرك في الألوهية أو العبودية (1): وهو أن يعبد مع الله غيره من الأنبياء والصالحين كالاستغاثة بهم وندائهم عند الشدائد ونحو ذلك ..
وهذا مع الأسف في هذه الأمة كثير ويحمل وزره الأكبر أولئك المشايخ الذين يؤيدون هذا النوع من الشرك باسم التوسل " يسمونها بغير اسمها " .
1 – توحيد الألوهية أو العبودية : هو أن تفرد الله تعالى في أفعالك فلا تصرف شيئا منها لغيره سبحانه كما قال تعالى :{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(162-163) الأنعام.
فلابد من توحيد الله تعالى في جميع أفعالك أيها العبد ، وأن لا تشرك فيها شيئا معه مهما كان فالله أغنى الشركاء عن الشرك . وقال :{ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }(15) الزمر .
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه " رواه مسلم (2985).
أَيْ: أَنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ ، وَابْتِغَاءً لِمَرْضَاتِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ تَفْسِيرٌ لقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}. تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 485).
قال الشوكاني : والشِّرْكُ الْجَلِيُّ يَدْخُلُ تَحْتَ هذِهِ الآيةِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، وَعَلَى فَرْضِ أَنَّ سَبَبَ النُّزُولِ هُوَ الرِّيَاءُ كَمَا يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَا، فَالِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ ، لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ. فتح القدير (3/377).
الثالث : الشرك في الصفات (1): وذلك بأن يصف بعض خلقه تعالى ببعض الصفات الخاصة به عز وجل كعلم الغيب مثلا.. وهذا النوع منتشر في كثير من الصوفية (2).
في مجموع فتاوى الشيخ توقف الوصف الثالث هنا ، أما في التعليق على متن الطحاوية (ص7- 10) ففيها زيادة مهمة انقلها حتى يتم النفع بها .
قال الشيخ – رحمه الله – بعد قوله: وهذا النوع منتشر في كثير من الصوفية .. ومن تأثر بهم مثل قول بعضهم في مدحه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم .
ومن هنا جاء ضلال بعض الدجالين، يزعمون أنهم يرون رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - اليوم يقظة، ويسألونه عما خفي عليهم من بواطن نفوس من يخالطونهم، ويريدون تأميرهم في بعض شؤونهم، ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما كان ليعلم مثل ذلك في حال حياته {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء} (الأعراف:188) .
فكيف يعلم ذلك بعد وفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى؟؟
1 – والشرك أيضا في الأسماء ، وهو أن يطلق بعض الأسماء الخاصة لله والتي لا يجوز أن يتسمى بها غيره على بعض آلهتهم ويعتقدون فيهم ما لله تعالى خالصا كمن يتسمى أو يسمونه بملك الملوك ، وكما كان المشركون يسمون آلهتم بأسماء الله ويعبدونها .
فِي التَّنْزِيل: {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى} بالتثقيل وَالتَّخْفِيف.
قال ابن جرير الطبري ( 22/522) يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها المشركون اللات، وهي من الله ألحقت فيه التاء فأنثت، كما قيل عمرو للذكر، وللأنثى عمرة; وكما قيل للذكر عباس، ثم قيل للأنثى عباسة، فكذلك سمى المشركون أوثانهم بأسماء الله تعالى ذكره، وتقدّست أسماؤهم، فقالوا من الله اللات، ومن العزيز العُزَّى .
2 – وكذلك من يصف بعض خلق الله بصفات خاصة لله في التشريع الخاص به ، وأن تشريعهم أفضل من تشريع الله أو مساوي له ، وإذا كان كذلك فلا حاجة لتشريع الله تعالى استغناء بتشريع من أصبغوه عليه صفة من صفاته تعالى الخاصة به .
قال الشيخ - رحمه الله - هذه الأنواع الثلاثة من الشرك من نفاها عن الله في توحيده إياه فوحده في ذاته وفي عبادته وفي ( أسمائه )وصفاته فهو الموحد الذي تشمله كل الفضائل الخاصة بالموحدين ومن أخل بشيء منه فهو الذي يتوجه إليه مثل قوله تعالى : { ..لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } الزمر65 ، فأحفظ هذا فإنه أهم شيء في العقيدة.
انتهى كلام العلامة المحدث الألباني من شرح العقيدة الطحاوية. من الجامع لتراث الألباني مجموع فتاوى الشيخ .
وفي التعليق على الطحاوية قال : فلا جرم أن المصنف [أي الطحاوي في عقيدته] رحمه الله بدأ به، ومن شاء التفصيل فعليه بشرح هذا الكتاب [ أي الطحاوية ] وكتب شيوخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن عبد الوهاب، وغيرهم ممن حذا حذوهم واتبع سبيلهم {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} (الحشر:10).
"التعليق على متن الطحاوية" (ص7 - 10). باب أركان نفي الشرك بالله . تمت والحمد لله .
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد ، أشهد شهادة موقن جازم أنه وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وأصلي وأسلم على سيد المرسلين وإمام المتقين ، من دعا إلى التوحيد وأقام أركانه على بينة من ربه ، و على آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
ليس من شك أن الشرك أعظم الذنوب التي تحبط الأعمال صغيرها وكبيرها وتجلب الخسارة الحقيقية للعبد في الدنيا والآخرة .. قال تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ } (13) الحج .
وقال عز وجل :{ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) الزمر .
وليس من شك أن التوحيد أعظم عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه فتورثه حلاوة الإيمان ، والأمن والطمأنينة والسعادة والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة ..
قال تعالى :{ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ }(82).
لا يقول ذلك ولا يعتقده إلا من ذاق طعم الإيمان وحلاوته ، فهو آمن مطمئن لا يخشى ضرا ولا خسارة بل ينتظر الفوز والنجاة يوم يلقى ربه ووليه الذي عاش له وبه ومن أجله.
ولا يمكن للعبد أن يسعد في الدنيا والآخرة إلا إذا حقق التوحيد ونفى عن الله الشرك بعلم وصدق وإخلاص ، ويقين ، منقادا لما تتضمنه كلمة التوحيد وأركانها وشروطها ونواقضها ، فمن اتصف بهذا واعتقده وعمل به فهو الذي له الأمن التام يوم القيامة والهداية في الدنيا والآخرة إلى السعادة والفلاح .
وهذا سؤال وجه العلامة الشيخ المحدث المجدد الألباني - رحمه الله – وكان جوابه في غاية من الصواب والنصح، وإليك السؤال والجواب مع بعض النتف التي تزيده وضوحا ودقة وجمالا وكمالا ، حتى تكتمل الصورة وتفهم المسألة على وجهها الصحيح الصريح .
س ) – كيف يتم نفي الشرك عن الله تبارك وتعالى ؟
الجواب : قال الشيخ- رحمه الله - نفي الشريك عن الله تعالى لا يتم إلا بنفي ثلاثة أنواع من الشرك :
الأول : الشرك في الربوبية (1): وذلك بأن يعتقد أن مع الله خالقا آخر - سبحانه وتعالى - كما هو اعتقاد المجوس القائلين بأن للشر خالقا غير الله سبحانه .
وهذا النوع في هذه الأمة قليل (2) - والحمد لله - وإن كان قريبا منه قول المعتزلة : إن الشر إنما هو من خلق الإنسان وإلى ذلك الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم : (( القدرية مجوس هذه الأمة . . . )) الحديث وهو مخرج في مصادر عدة عندي أشرت إليها في "صحيح الجامع الصغير وزيادته". رقم (4318).
1 - توحيد الربوبية هو إفراد الله تعالى في جميع أفعاله ، من خلق ورزق ، وملك وتدبير ، وإحياء وإماتة ، ونفع وضر ، فيعتقد جازما أن الخالق هو الله وان الرازق هو الله ، وأنه المالك والملك ، والمدبر المشرع والمحي والمميت ، والنافع الضار فلا أحد معه سبحانه يفعل فعله على الوجه الذي يريده ويرضاه ..لا يسأل عما يفعل سبحانه وتعالى .
2 – قوله الشيخ – رحمه الله - وهذا النوع في هذه الأمة قليل .. هو كذلك في بعض جوانبه دون بعض ، فمثلا لا أحد يعتقد أن مع الله خالق يخلق كخلقه ، أو مالك يملك معه شيئا من هذا الكون استقلالا، أو أحد يستطيع أن يحي ويميت ابتداء دون إرادة الله وقدرته ، وأن لا أحد يقدر الأقدار معه ..
أما في جانب توحيد جلب الرزق ، والنفع والضر فهو كثير جدا ، فكثير من النّاس عندهم خلل في توحيد الرب في جلب الرزق ، والنفع والضر ، فتجدهم يسألون المقبورين من الأولياء المزعومين أن يرزقوهم المدد ، والولد ، ووتراهم يذهبون عند السحرة والمشعوذين يفعلون لهم السحر ويكتبون لهم الطلاسم لإيجاد الوظائف التي يسترزقون من ورائها ، أو للإبقاء على الوظيفة التي هم فيها خوفا من الفقر والجوع ومنهم من يتوكل توكلا تاما على نفسه حتى أصبح عبد للدرهم والدينار وقد قال صلى الله عليه وسلم : (( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش )).رواه البخاري (2887).
وهذا ليس من شك خلل كبير عند هؤلاء في توحيد الربوبية .
قال الشيخ الثاني : الشرك في الألوهية أو العبودية (1): وهو أن يعبد مع الله غيره من الأنبياء والصالحين كالاستغاثة بهم وندائهم عند الشدائد ونحو ذلك ..
وهذا مع الأسف في هذه الأمة كثير ويحمل وزره الأكبر أولئك المشايخ الذين يؤيدون هذا النوع من الشرك باسم التوسل " يسمونها بغير اسمها " .
1 – توحيد الألوهية أو العبودية : هو أن تفرد الله تعالى في أفعالك فلا تصرف شيئا منها لغيره سبحانه كما قال تعالى :{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(162-163) الأنعام.
فلابد من توحيد الله تعالى في جميع أفعالك أيها العبد ، وأن لا تشرك فيها شيئا معه مهما كان فالله أغنى الشركاء عن الشرك . وقال :{ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }(15) الزمر .
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه " رواه مسلم (2985).
أَيْ: أَنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ ، وَابْتِغَاءً لِمَرْضَاتِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ تَفْسِيرٌ لقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}. تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 485).
قال الشوكاني : والشِّرْكُ الْجَلِيُّ يَدْخُلُ تَحْتَ هذِهِ الآيةِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، وَعَلَى فَرْضِ أَنَّ سَبَبَ النُّزُولِ هُوَ الرِّيَاءُ كَمَا يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَا، فَالِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ ، لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ. فتح القدير (3/377).
الثالث : الشرك في الصفات (1): وذلك بأن يصف بعض خلقه تعالى ببعض الصفات الخاصة به عز وجل كعلم الغيب مثلا.. وهذا النوع منتشر في كثير من الصوفية (2).
في مجموع فتاوى الشيخ توقف الوصف الثالث هنا ، أما في التعليق على متن الطحاوية (ص7- 10) ففيها زيادة مهمة انقلها حتى يتم النفع بها .
قال الشيخ – رحمه الله – بعد قوله: وهذا النوع منتشر في كثير من الصوفية .. ومن تأثر بهم مثل قول بعضهم في مدحه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم .
ومن هنا جاء ضلال بعض الدجالين، يزعمون أنهم يرون رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - اليوم يقظة، ويسألونه عما خفي عليهم من بواطن نفوس من يخالطونهم، ويريدون تأميرهم في بعض شؤونهم، ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما كان ليعلم مثل ذلك في حال حياته {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء} (الأعراف:188) .
فكيف يعلم ذلك بعد وفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى؟؟
1 – والشرك أيضا في الأسماء ، وهو أن يطلق بعض الأسماء الخاصة لله والتي لا يجوز أن يتسمى بها غيره على بعض آلهتهم ويعتقدون فيهم ما لله تعالى خالصا كمن يتسمى أو يسمونه بملك الملوك ، وكما كان المشركون يسمون آلهتم بأسماء الله ويعبدونها .
فِي التَّنْزِيل: {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى} بالتثقيل وَالتَّخْفِيف.
قال ابن جرير الطبري ( 22/522) يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها المشركون اللات، وهي من الله ألحقت فيه التاء فأنثت، كما قيل عمرو للذكر، وللأنثى عمرة; وكما قيل للذكر عباس، ثم قيل للأنثى عباسة، فكذلك سمى المشركون أوثانهم بأسماء الله تعالى ذكره، وتقدّست أسماؤهم، فقالوا من الله اللات، ومن العزيز العُزَّى .
2 – وكذلك من يصف بعض خلق الله بصفات خاصة لله في التشريع الخاص به ، وأن تشريعهم أفضل من تشريع الله أو مساوي له ، وإذا كان كذلك فلا حاجة لتشريع الله تعالى استغناء بتشريع من أصبغوه عليه صفة من صفاته تعالى الخاصة به .
قال الشيخ - رحمه الله - هذه الأنواع الثلاثة من الشرك من نفاها عن الله في توحيده إياه فوحده في ذاته وفي عبادته وفي ( أسمائه )وصفاته فهو الموحد الذي تشمله كل الفضائل الخاصة بالموحدين ومن أخل بشيء منه فهو الذي يتوجه إليه مثل قوله تعالى : { ..لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } الزمر65 ، فأحفظ هذا فإنه أهم شيء في العقيدة.
انتهى كلام العلامة المحدث الألباني من شرح العقيدة الطحاوية. من الجامع لتراث الألباني مجموع فتاوى الشيخ .
وفي التعليق على الطحاوية قال : فلا جرم أن المصنف [أي الطحاوي في عقيدته] رحمه الله بدأ به، ومن شاء التفصيل فعليه بشرح هذا الكتاب [ أي الطحاوية ] وكتب شيوخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن عبد الوهاب، وغيرهم ممن حذا حذوهم واتبع سبيلهم {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} (الحشر:10).
"التعليق على متن الطحاوية" (ص7 - 10). باب أركان نفي الشرك بالله . تمت والحمد لله .