المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المفهوم الصحيح للعطلة- للشيخ لزهر سنيقرة حفظه الله



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
23-Jun-2010, 11:17 AM
المفهوم الصحيح للعطلة
للشيخ لزهر سنيقرة
خطبة جمعة 6 رجب 1431 هـ
ونقلتُ المادة الصوتية من منتديات التصفية والتربية (http://www.tasfiatarbia.net/vb/showthread.php?t=4834)
وبامكانكم تحميل المادة الصوتية من هنا (http://www.archive.org/download/MafhomEl3otla/MafhomEl3otla.mp3)
~ ~ ~ ~

إن الحمد لله نحمدُه ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضلَّ له ومن يُضلل فلا هادي له. وأشهدُ أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم . يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيرًا ونساءً . واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا . يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا. أما بعد ، فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة.
أيُّها المسلمون، إن الكثير من سيئاتنا سببها ومردُّها إلى سوء أفهامنا. كثيرة هي الأمور والقضايا التي ساء فهمنا لها وتربّينا على هذا الفهم السيء ونشأت أجيالٌ من الناس عليه ، كان من نتائجه أعمالٌ سيئة كثيرة. تراكمت وتكاثرت حتى أصبحت عادة عند الناس جميعًا .
وإن من هذه القضايا والمسائل ، قضية أراها من أهم القضايا . وهي قضيتنا هذه الأيام وما سنستقبله من العُطل والإجازات. هذه العطل الذي يكثر فيها الضياع والتضييع وتكثر فيها الآفات وتكثر فيها المخالفات والسيئات. وإلى الله المشتكى. سبب ذلك أن الناس أساؤوا فهمهم لمعنى العطلة في لغتهم. ثم بعد ذلك جرى العمل على وفق هذه الأفهام السيّئة المغلوطة. إن معنى العُطل في اللغة كما قال عليه رحمة الله: هو فقدان الزينة والشغل والأعطال من الرجال الذين لا سلاح معهم . والتعطيل التفريغ والإخلاء وترك الشيء ضياعًا، وإبلٌ معطلة لا راعي لها. وتعطَّلَ الرجل بقي بلا عمل . ويُقال للدلو الذي أو التي انقطع حبلُها فلم يعد يُستسقى بها : العَطِلة. هذا المعنى لهذه اللفظة التي جعلناها فترة من أعمارنا تعود علينا في كل سنة وعام. اعتاد الناس فيها على هذه المعاني ، تعطّلوا عن أشغالهم وتركوها لأجل أن يستريحوا ولأجل أن يتقَوَوا على ما يستقدمون من أيام بعد ذلك. فعِوض أن يستغلوها فيما ينفعهم ، في دنياهم وآخرتهم ضيّعوها تضييعًا كبيرًا. ضيّعوها الضياع الذي يقابل عدم الشغل وعدم النفع وعدم الصلاح ، وضيّعوها تضييعًا آخر هو أشد جرمًا عند الله تبارك وتعالى بالوقوع في كثير من الآفات والمنكرات. منكرات في أعراسنا هذه الأيام، منكرات في شوارعنا ، منكرات في متنزهاتنا ، منكرات وأيُّ منكراتٍ في شواطئنا ومصايفنا ؟ - عياذًا بالله تبارك وتعالى.
أبهذا يُشكر اللهُ - عزّ وجل- على نِعمه ؟ ونعمه تترى علينا بالليل والنهار لا نحصيها كثرة وفضلاً من ربنا وخالقنا جلّ في علاه.
أنقابل نعمة الصحة ونعمة الفراغ ونعمة الولدِ ونعمة المال بأن نجتمعَ معهم على معصية الديّان-تبارك وتعالى-.
أم أنّ الواجب علينا خلاف ذلك؟ أن نقابل نِعم الله بحُسْن شكره عليها . وشكره عليها -تبارك وتعالى - لا يكونُ ولن يكونَ بمعصية من معاصيه أبدًا. لا يكون بالوقوع في أنواع المُنكرات والموبقات أبدًا. وإن لم يكن في هذا كله ، من المنكر هو تضييع العمر وتضييع الأوقات والساعات فيما لا ينفعنا عند ربنا جلّ وعلا.
وهذه هي أول الآفات التي يقع فيها الناس هذه الأيام. فراغ عن الشغل تضييع للأوقات فيما لا ينفع لا في أمر دين ولا في أمر دنيا.
ونحن نعلم أن العبد مسؤول عن كل وقت من أوقاته . عن كل ساعة تمضي بل عن كل دقيقة ، بل عن كل لحظة . يُسأل عنها يوم القيامة.
لا تزول قدم عبدٍ يوم القيامة حتى يُسْأل عن عمره فيما أفناه . حتى يُسأل عن شبابه فيما أبلاه، بما فيه من الأعوام والشهور والأيام والسّاعات واللحظات. ديننا - ولله الحمد والمنّة- دين تيسير ودين رحمة .والله- جلّ وعلا- ما جعل في ديننا من حرج. والله تبارك وتعالى جعل في دين الإسلام السعة التي يحتاجُها العامل والتي لا بُدَّ منها للمجتهد ولكن ليس معنى هذا أن يعود الذي أصله ساعة فساعة ، هو الساعات كلّها والأوقات جميعها - عياذًا بالله.
أن يُروّح المرء عن نفسِه بشيء من الأشياء المُباحة وأن يوسّع عن أهله وعياله. هذا شيء طيّب إذا كان بضوابطه الشرعيّة ولا إفراط ولا تفريط في أمرٍ من أمورنا، والاعتدال والوسطيّة كما عرّفه علماؤنا ، هي الحسنة بين السيئتين.
لا ينبغي للإنسان أن يكون مفرطًا ، مضيّعًا ، لا يوسّع على أهله ولا على أولاده. لا يراعي هذا الأمر فيهم ولا يجوز له كذلك أن يطلق الحبل على الغالب في هذه الأمور ليفعل هؤلاء ما شاؤوا في مثل هذه الأيام.
وإنّ بعض الآباء - هداهم الله جلّ وعلا- يشجّعون ويحرّضون أبناءهم على الدراسة وقت التدريس بأن يجتهد ويدرس هذه الأيام ثم يقول له إذا جاءت العطلة، فافعل بعد ذلك ما شئت. ويفعل فعلاً بعد ذلك ما يشاء من معصية الله - جلّ وعلا- ومن الوقوع في المعاصي ومن تَتبُّع الذئاب التي تتصيّد أمثال هؤلاء إذا جاءت مثل هذه الأوقات وهذه الأيام.
مرَّ أحد الصالحين ابن عقيل - عليه رحمة الله جل وعلا- يومًا على صبيان أمضَوا عامة يومهم في اللعب ، فقال: هذا (أي منكر عليهم) ما زلتُم إلى هذا الوقت تلعبون؟ فقالوا: فرغنا (أي فرغنا من دراستنا ونحن في عطلة من أمرنا).
قال - عليه رحمة الله-: أوَ بهذا أمر الفارغ؟ أين أنتم من قوله تعالى: (( فإذا فرغتَ فانصب. وإلى ربك فارغب)) .
نتلو هذه الآيات ، إلا أنّنا نمرُّ عليها مرور الكرام. في فهم معانيها وتدبر هذه المعاني وبذلك وبهذا أُمرنا مع الأسف الشديد.
ما معنى قول ربنا - جلّ وعلا- وهو يخاطب خير خلقه وأحَبُّهم إليه : ((فإذا فرغتَ فانصب )) أي إذا فرغتَ من مشاغلك الدنيوية التي ربما تشغلك عن مستحبات العبادات والتطوّع منها فانصَب أي فاجتهد في هذه الأمور ولا تضيّع وقتك بعد أن زال عذرك ألا وهو شغلك.
والنبي صلى الله عليه و على آله وسلم أرشدنا في هذا الباب إرشادًا عظيمًا في قوله اغتنم خمسٍ قبل خمس ، من هذه الغنائم أن نغتنم فراغنا قبل شغلنا. أو أننا لا نضيّعها هذا الفراغ فيما لا ينفعُنا لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة.
قال ابن القيم - عليه رحمة الله - في هذا المعنى : " وقت الإنسان هو عمره، هو عمره في الحقيقة وهو يمرُّ مَرَّ السَّحاب. فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره. وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته. وإن عاش فيه عيش البهائم فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خيرُ ما قطعه به النوم والبطالة ، فموت هذا خير له من حياته. فموت هذا خير له من حياته وإن كان قضى وقته في نومٍ وفي بطالة وغفلة حتى وإن لم يقع في الحرام لأنه ما اغتنم هذه النعمة وما اغتنم هذه الأوقات وكان سلفنا -رحمة الله جل وعلا عليهم أجمعين - مضرب مَثل في شِدّة حرصهم على هذه الأوقات. وإنّ الكثيرَ منهم من علمائنا وأئمتنا ما سطّروه لأنفسهم من أعمال في حياته لا (...) أعمارهم، ولكنهم رغم ذلك لقوة وعلوّ همتهم ولقوة عزيمتهم اجتهدوا اجتهادًا كبيرًا وحرصوا حرصًا شديدًا على المحافظة على هذه الأوقات بالحِرص على أدقِّ لحظاتها. هذا الإمام الذي ذكرنا أثرًا من أثره قبل قليل ابن عقيل - عليه رحمة الله جلّ وعلا -يقول: وأنا أقصّر بغاية الجهد أوقات أكلي حتى أختار سفّ الكعك وتحسّيه بالماء على الخبز لأجل ما بينهما من تفاوت في المضغ توفّر عليّ المطالعة وتسطير فائدة لم يُدركْها.
الله أكبر! هذا يُفضل سفّ الكعك على أكل الخُبز لما بينهما من تلك اللحظات والأوقات بين المضغ والسفّ .لأن السفّ لا يُكلّف وقتًا كثيرًا بخلاف المضغ . هذه اللحظات يوفّرها لنفسِه لحياته حتى يجتهد فيها فيما ينفعه عند ربه تبارك وتعالى. ولهذا لا نعجب إذا رأينا من مؤلفات هذا الإمام ما تَحَارُ فيها العقول لكثرتها وعظمها - عليه رحمة الله جلّ وعلا-.
هذه آفة - إخواني - من أشد الآفات التي نقع فيها هذه الأيام . نروّح على أنفسنا ، لا ننكر ذلك. وليس في ديننا نكارة لذلك - على الأصل النبوي العظيم في هذا الباب- ولكن ساعة فساعة . أمّا أن نضيع كل أوقاتنا ، تمر علينا الساعات ونحن بين يديّ التلفاز ننظر فيما لا ينفعُنا ، لا أقول ننظرُ فيما يُغضب عن ربنا جل وعلا من أنواع النظر إلى المحرّمات، بل إلى ما ينفعنا في كل وقت وحين . ساعات تضيع من أعمارنا. ألهذه الدرجة بلغ بنا السفه وبلغت منا الغفلة؟ حتى يصبح أصل أعمالنا وأوقاتنا - عياذًا بالله- هو الضياع ، وإلى الله المشتكى.
هذه مفسدة من المفاسد العظيمة إخواني الكرام، ينبغي لنا أن ننتبه لها. ينبغي لنا أن نتقيَ الله -جلّ وعلا - في نِعمِه علينا وأن من نِعمه علينا نعمة الصحة والفراغ.
هذه الأوقات التي جعلها الله - جل وعلا - رأس أموالنا في حياتنا . فلا ينبغي أن نأتي ربنا يوم القيامة وقد ضيّعنا رأس المال ونأملُ أن نحقق الأرباح. لا يكون هذا أبدًا ولن يكون لا في عرفنا ولا في عُرف غيرنا- هو في عُرف جميع العُقلاء كذلك. المحافظة على رأس المال هو أول الطريق قبل التفكير في الأرباح كيفما كانت. وإنّ مثل هذه الأمور حتى يكون الأمر واضحًا ولا نُقَوَّل ما لم نَقُلْ ، من أننا نُحرِّم هذا الأمر . أي أننا نُحرّم على إخواننا أن يُرَوّحُ على أنفسهم في هذه الأيام ، كلا.
إننا نقول تذكيرًا لهدي نبينا عليه الصلاة والسلام ،أن هذا الترويح ينبغي أن يكون على وفق ضوابط شرعيّة . ألا يكون في الترويح معصية لله ، وألا يكون الترويح عادة متبعة إنما مَثَله كما يقولُ علماؤنا مَثَلُه كمثل الملح في الطعام. الملح في الطعام إذا أكثرتَ منه ، أفسد الطعام بالكُلِّيّة ، لا يصلح للأكل بعد ذلك. وإذا عدمتَه من طعامك، أفسدتَ الطعام كذلك. لا يصلح الطعام إلا بالملح ولكن بالقدر المحدد الذي لا ينبغي أن يكون فيه إفراط ولا تفريط.
مفسدة أخرى إخواني تكثرُ هذه الأيام وهي الأمر الذي دعاني لهذا الموضوع في مثل هذا المقام ، أني دُعيتُ إلى وليمة بالأمس وإذا دُعي الإنسان إلى الوليمة ، وجب عليه أن يلبيها. أن يلبي ذلك امتثالاً لأمر النبي عليه الصلاة والسلام . ولكن إذا دُعي لوليمة طعام ، أنه من السُنّة إذا طَعِم أن ينتشر.
اعترض عليّ بعض إخواني ممن كان حاضرًا الوليمة ، قال: أهذه عيادة مريض؟ (يعني كأنك جئتَ لتزور مريضًا ، طعِمتَ وانتشرت. فقلتُ: سبحان الله العظيم في نفسي. أنّ هذا الأمر سببه أننا خالفنا سُنّة نبينا عليه الصلاة والسلام ، ثم تعوّدنا هذه المخالفة حتى وإن كان الأمر بالنسبة للولائم فيه سَعة أي من الأمور التي يُباح فيها السهر والسمر لإكرام الأضياف أو ما إلى ذلك. إلا أنه أصبح عادة لنا في مثل هذه الأيام. أن هذا السهرَ والسمر هو الأصل وهذا الأصل مخالفٌ لأصل نبويّ أصّله لنا نبينا عليه الصلاة والسلام الذي كان ينهى عن السمر بعد العشاء. قال فيما رواه البخاري - عليه رحمة الله- في صحيحه من حديث أبي برزة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها.
قال ابن حجر - رحمه الله- : لأن السمر بعدها قد يؤدي النوم عن الصبح أو عن وقتها المختار أو عن قيام الليل . وكان عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه وأرضاه- يضرب الناس على ذلك. يقول : أسمرًا أول الليل ونومًا آخره؟
وقال أيضًا - عليه رحمة الله- : والمُراد بالسمر ما يكون في أمر مباح لأن المحرّم لا اختصاص لكراهته بما بعد صلاة العشاء بل هو حرامٌ في الأوقات كلها. أن هذا الذي نهى عنه النبي - عليه الصلاة والسلام- إذا كان في الأمر المباح لا سمر في غيبة ونميمة ولا سمر في النظر فيما يغضب الله -جلّ وعلا- أو سماع ما يسخطه - تبارك وتعالى - إنما هو في أمر مباح. نهانا عنه نبينا - عليه الصلاة والسلام.
أهَدْيُ نبينا أوْلَى أم ما اعتدنا عليه هذه الأيام هو الأولى ؟
فلنتقِ الله إخوة الإيمان ولنحافظ على هذه الغنيمة التي أنعم الله- جلّ وعلا- بها علينا ، غنيمة الفراغ هذه الأوقات ولنُسَخّرها فيما فيه نفع لنا في دنيانا وفي آخرتنا. نجعل من هذه الغنيمة فرصة لأبنائنا لأن يُراجعوا شيئًا من القرآن ، نجعل من غنيمتنا فرصة لأبنائنا لأن يحفظوا شيئًا من أذكار النبي المصطفى - عليه الصلاة والسلام.
فإننا والله أهملنا هذا الباب وما أكثَرَ أوجه الخير الذي قد نستفيد بها هذه الأيام حتى وإن علّمنا أبناءنا أو أدخلناهم مدارس دورات تعَلُّم الحاسوب أو تعَلُّم لغة من اللغات يكون في ذلك نفعٌ وخير - بإذن الله جلّ وعلا.
ولنجتنب هذا التضييع لأوقاتنا فيما نتفرّجه وفيما نضيّع فيه أمرنا - عياذًا بالله تبارك وتعالى-.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك.
<!-- / message -->