المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يأمر المرء بالمعروف وينهى عن المنكر وهو واقع فيه ؟



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
13-Dec-2017, 09:12 PM
قال الله سبحانه و تعالى

في سورة المائدة آية: 79

( كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ )
قال الإمام
القرطبي

رحمه الله في تفسيره:

" كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ " أَيْ لَا يَنْهَى بَعْضهمْ بَعْضًا : " لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " ذَمّ لِتَرْكِهِمْ النَّهْي , وَكَذَا مَنْ بَعْدهمْ يُذَمّ مَنْ فَعَلَ فِعْلهمْ .
خَرَّجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَوَّل مَا دَخَلَ النَّقْص عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل كَانَ الرَّجُل أَوَّل مَا يَلْقَى الرَّجُل فَيَقُول يَا هَذَا اِتَّقِ اللَّه وَدَعْ مَا تَصْنَع فَإِنَّهُ لَا يَحِلّ لَك ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنْ الْغَد فَلَا يَمْنَعهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُون أَكِيلهُ وَشَرِيبه وَقَعِيده فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّه قُلُوب بَعْضهمْ بِبَعْضٍ ) ثُمَّ قَالَ : " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ " إِلَى قَوْله : " فَاسِقُونَ " ثُمَّ قَالَ : ( كَلَّا وَاَللَّه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَر وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيْ الظَّالِم وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقّ وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقّ قَصْرًا أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بِقُلُوبِ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض وَلَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ ) وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضًا ، وَمَعْنَى لَتَأْطُرُنَّهُ لَتَرُدُّنَّهُ . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَالْإِجْمَاع مُنْعَقِد عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَر فَرْض لِمَنْ أَطَاقَهُ وَأَمِنَ الضَّرَر عَلَى نَفْسه وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنْ خَافَ فَيُنْكِر بِقَلْبِهِ وَيَهْجُر ذَا الْمُنْكَر وَلَا يُخَالِطهُ.

وَقَالَ حُذَّاق أَهْل الْعِلْم : وَلَيْسَ مِنْ شَرْط النَّاهِي أَنْ يَكُون سَلِيمًا عَنْ مَعْصِيَة بَلْ يَنْهَى الْعُصَاة بَعْضهمْ بَعْضًا ,
وَقَالَ بَعْض الْأُصُولِيِّينَ : فُرِضَ عَلَى الَّذِينَ يَتَعَاطَوْنَ الْكُؤُوس أَنْ يَنْهَى بَعْضهمْ بَعْضًا وَاسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْآيَة ; قَالُوا : لِأَنَّ قَوْله : "كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَر فَعَلُوهُ" يَقْتَضِي اِشْتِرَاكهمْ فِي الْفِعْل وَذَمّهمْ عَلَى تَرْك التَّنَاهِي.
وَفِي الْآيَة دَلِيل عَلَى النَّهْي عَنْ مُجَالَسَة الْمُجْرِمِينَ وَأَمْر بِتَرْكِهِمْ وَهِجْرَانهمْ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي الْإِنْكَار عَلَى الْيَهُود : " تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا " " وَمَا " مِنْ قَوْله : " مَا كَانُوا " يَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع نَصْب وَمَا بَعْدهَا نَعْت لَهَا ; التَّقْدِير لَبِئْسَ شَيْئًا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ . أَوْ تَكُون فِي مَوْضِع رَفْع وَهِيَ بِمَعْنَى الَّذِي.
تفسير القرطبي

*********************

و قال اللهعزّ وجلّ في سورة البقرة، آية: 44



( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )
قال العلامة
محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

...أنقول لمن لا يفعل ما أَمَر به، ومن لا يترك ما نهى عنه: "لا تأمر، ولا تنهَ"؟
فالجواب: نقول: لا، بل مُرْ، وافعل ما تأمر به؛
لأنه لو ترك الأمر مع تركه فِعلَه ارتكب جنايتين:
الأولى: ترك الأمر بالمعروف؛
والثانية: عدم قيامه بما أمر به؛
وكذلك لو أنه ارتكب ما ينهى عنه، ولم يَنْهَ عنه فقد ارتكب مفسدتين:
الأولى: ترك النهي عن المنكر؛
والثانية: ارتكابه للمنكر..
ثم نقول: أينا الذي لم يسلم من المنكر!
لو قلنا: لا ينهى عن المنكر إلا من لم يأت منكراً لم يَنهَ أحد عن منكر؛
ولو قلنا: لا يأمر أحد بمعروف إلا من أتى المعروف لم يأمر أحد بمعروف؛
ولهذا نقول: مُرْ بالمعروف، وجاهد نفسك على فعله، وانْهَ عن المنكر، وجاهد نفسك على تركه...
تفسير سورة البقرة. المجلد الأول
****************************

قال الشيخ العلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين رحمه الله


إختلف العلماء –رحمهم الله- في اشتراط أن يكون الآمر و الناهي فاعلاً لما أمر به تاركاً لما نهى عنه، و الصحيح أنه لا يشترط، و أنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر و لو كان لا يفعل المعروف ولا يتجنب المنكر، فإن ذنبه عليه.
لكن يجب أن يأمر و ينهى؛ لأنه إذا ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لكونه لا يفعل المأمور ولا يترك المحظور، لأضاف ذنباً إلى ذنبه، لذا فإنه يجب عليه أن يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر، وإن كان يفعل المنكر ويترك المعروف.
ولكن في الغالب بمقتضى الطبيعة الفطرية أن الإنسان لا يأمر الناس بشيء لا يفعله، بل يستحي و يخجل، و لا ينهى الناس عن شيء يفعله.
لكن الواجب أن يأمر بما أمر به الشرع و إن كان لا يفعله و أن ينهى عما نهى عنه الشرع و إن كان لا يتجنبه؛ لأن كل واحد منهما واجب منفصل عن الآخر، و هما غير متلازمين.
ثم إنه ينبغي للآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر أن يقصد بذلك إصلاح الخلق و إقامة شرع الله، لا أن يقصد الإنتقام من العاصي أو الإنتصار لنفسه، فإنه إذا نوى هذه النية لم يُنْزِل الله البركة في أمره و لا في نهيه، بل يكون كالطبيب يريد معالجة الناس ودفع البلاء عنهم، فينوي بأمره أولاً إقامة شرع الله، وثانياً إصلاح خلق الله، وكذلك نهيه، حتى يكون مصلحاً و صالحاً، نسأل الله أن يجعلني وإياكم من الهداة المهدتين، و المصلحين الصالحين، إنه جواد كريم.

المصدر:
شرح: " باب في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر" من كتاب "رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين" للإمام النووي رحمه الله. صفحة: 511-512. من المجلد الأول.
*************************



وقال الله تبارك وتعالى في سورة البقرة:" أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ " الآية:44.



قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية:


{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ } أي: بالإيمان والخير.

{ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ } أي: تتركونها عن أمرها بذلك، والحال: { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }.

وأسمى -وسُمِيَّ- العقل عقلاً لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير, وينعقل به عما يضره، وذلك أن العقل يَحُث صاحبه أن يكون أول فاعلٍ لما يأمر به, وأول تاركٍ لما ينهى عنه.

فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله, أو نهاه عن الشر فلم يتركه, دل على عدم عقله وجهله, خصوصاً إذا كان عالمًا بذلك, قد قامت عليه الحجة.

وهذه الآية, وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل, فهي عامة لكل أحد لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ }.

وليس في الآية أنَّ الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين.

وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره ونهيه, وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما, لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين, والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر, فليس في رتبة الأول, وهو دون الأخير.

وأيضا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة.


من كتاب: تيسير الكريم الرحمن في تفسير المنان: صفحة: 51.







سحاب (https://www.sahab.net/forums/index.php?app=forums&module=forums&controller=topic&id=61051)