المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
22-Jan-2018, 09:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

وعلى المعلمين أن يكونوا متعاونين على البر والتقوى كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :" المسلم أخو المسلم لا يسلمه و لا يظلمه " . وقوله:" مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " ، وقوله صلى اللهعليه وسلم :" والذي نفسي بيده ، لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه من الخير ما يحبه لنفسه " .
وقوله :" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " وشبك بين أصابعه ، وقال صلى الله عليه وسلم :" لا تحاسدوا ولا تقاطعوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا " . وهذا كله في الصحيح .
وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :" ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟"قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : " صلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة ، لا أقول : تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ".
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :" تفتح أبواب الجنة كل يوم إثنين وخميس ، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا ، إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال : أنظروا هذين حتى يصطلحا ". وقال صلى الله عليه وسلم :" لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث . يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ".
وليس لأحد من المعلمين أن يعتدي على الآخر، ولا يؤذيه بقول ولا فعل بغير حق ، فإن الله تعالى يقول : (( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا )) [ الأحزاب 58 ] ،وليس لأحد أن يعاقب أحدا على غير ظلم ولا تعدي حد ولا تضييع حق ، بل لأجل هواه . فإن هذا من الظلم الذي حرم الله ورسوله . فقد قال تعالى فيما روى عنه نبيه صلى الله عليه وسلم :" يا عبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا ".
وإذا جنى شخص فلا يجوز أن يعاقب بغير العقوبة الشرعية ، وليس لأحد من المتعلمين والأستاذين أن يعاقبه بما يشاء . وليس لأحد أن يعاونه ولا يوافقه على ذلك ، مثل أن يأمر بهجر شخص فيهجره بغير ذنب شرعي ، أو يقول : أقعدته أو أهدرته أو نحو ذلك ، فإن هذا من جنس ما يفعله القساقسة والرهبان مع النصارى والحزابون مع اليهود ، ومن جنس ما يفعله أئمة الضلالة والغواية مع أتباعهم . وقد قال الصدّيق الذي هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته : أطيعوني ما أطعت الله ، فإن عصيت الله ، فلا طاعة لي عليكم . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ". وقال :"من أمركم بمعصية الله ، فلا تطيعوه ".
فإذا كان المعلم أو الأستاذ قد أمر بهجر شخص ، أو بإهداره وإسقاطه وإبعاده ونحو ذلك ، نظر فيه ، فإن كان قد فعل ذنبا شرعيا ، عوقب بقدر ذنبه بلا زيادة . وإن لم يكن أذنب ذنبا شرعيا ، لم يجز أن يعاقب بشيء لأجل غرض المعلم أو غيره .
وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء ، بل يكونون مثل الأخوة المتعاونين على البر والتقوى كما قال تعالى : (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )) [ المائدة 2 ]
وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهدا بموافقته على كل ما يريده ، وموالاة من يواليه ، ومعاداة من يعاديه . بل من فعل هذا ، كان من جنس جنكزخان وأمثاله الذين يجعلون من وافقهم صديقا والي ، ومن خالفهم عدوا باغي . بل عليهم وعلى أتباعهم عهد الله ورسوله بأن يطيعوا الله ورسوله ، ويفعلوا ما أمر الله به ورسوله ، ويحرموا ما حرم الله ورسوله ، ويرعوا حقوق المعلمين كما أمر الله ورسوله . فإن كان أستاذ أحد مظلوما نصره ، وإن كان ظالما لم يعاونه على الظلم بل يمنعه منه ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" انصر أخاك ظالما أو مظلوما ". قيل : يا رسول الله ، أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما ؟ قال :" تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه ".
وإذا وقع بين معلم ومعلم أو تلميذ وتلميذ أو معلم وتلميذ خصومة ومشاجرة ، لم يجز لأحد أن يعين أحدهما حتى يعلم الحق ، فلا يعاونه بجهل ولا بهوى ، بل ينظر في الأمر فإذا تبين له الحق ، أعان المحق منهما على المبطل ، سواء كان المحق من أصحابه أو أصحاب غيره . وسواء كان المبطل من أصحابه أو أصحاب غيره ، فيكون المقصود عبادة الله وحده وطاعة رسوله ، واتباع الحق والقيام بالقسط . قال الله تعالى : (( يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلوا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا )) [ النساء 135 ] ، يقال : لوى يلوي لسانه : فيخبر بالكذب . والإعراض : أن يكتم الحق ، فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس .
ومن مال مع صاحبه ـ سواء كان الحق له أو عليه ـ فقد حكم بحكم الجاهلية وخرج عن حكم الله ورسوله ، والواجب على جميعهم أن يكونوا يدا واحدة مع الحقي على المبطل ، فيكون المعظم عندهم من عظمه الله ورسوله ، والمقدم عندهم من قدمه الله ورسوله ، والمحبوب عندهم من أحبه الله ورسوله ، والمهان عندهم من أهانه الله ورسوله بحسب ما يرضي الله ورسوله لا بحسب الأهواء ، فإنه من يطع الله ورسوله ، فقد رشد ، ومن يعص الله ورسوله ، فإنه لا يضر إلا نفسه .

المصدر:مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [ ج 14 ص 277 ]