المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة ( تذكير الوَالِهْ بعلاماتِ محبةِ اللهِ للعبد وبغضه لَهْ )



أبو بكر يوسف لعويسي
23-Jan-2018, 01:08 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى والحمد لله على محبته لعبادة المؤمنين ، والحمد لله على محبته لعباده لمتقين ، والحمد لله على محبته لأهل طاعته ، والحمد لله على بغضه وكرهه لأعدائه ، فإنّا نحب ما يحب ربنا ونبغض ما يبغض ، وذلك من أوثق عرى الإيمان ، وأصلي وأسلم على نبينا وحبيبنا محمد خليل الله وحبيبه ، وعلى آله وصحبه ، وعلى من تبعهم بإحسان ومحبة وتعظيم إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد أخبرنا الله تعالى في كتابه وعلى لسان نبيه أنه يحب بعضا من خلقه ، ويكره ويبغض ويمقت آخرين ، كما أخبرنا أنه يحب صفات في عباده فمن اتصف بهن كان من أهل محبته ، كما أخبرنا أنه يبغض ويكره صفات في عباده فمن اتصف بهن كان من أهل مقته وبغضه .
وإن الله إذا أحب عبدا جعل له المحبة في السماء والأرض ، وكذلك إذا أبغض شخصا جعل له البغضاء في السماء والأرض ، ولكن هذا قد يشكل على كثير ممن لم يفهم العلم ، على مراد الله تعالى فيقول : هؤلاء بعض الأنبياء لم يتبعهم إلا أقل القليل فهل ذلك مما يدل على أنهم غير محبوبين ؟؟.
وكذلك كثير من العلماء ودعاة السنة المصلحين من ورثة الأنبياء النزاع من القبائل على مر التاريخ كانوا غرباء وفي بعض الأزمان والأماكن كانوا أندر من الكبريت الأحمر ، وعاشوا غربة شديدة فهل ذلك مما يدل على أنهم كانوا غير مرغوب فيهم وغير محبوبين عند الله وعند ملائكته والصالحين من عباده ؟؟.
وهل يعني ذلك أن الله سبحانه وتعالى ما جعل لأوليائه من الأنبياء والغرباء المصلحين القبول والمحبة في الأرض ؟؟؟.
والجواب : كيف يقال ذلك في أولياء الله تعالى وأحبابه ، وهم في الأصل أحبابه وأولياؤه ، ولكن الله جعل لهم القبول والمحبة عند أهل الحق من عباده الصالحين ، أما عند أهل الباطل فلا ، أو يقال أن ذلك يختلف باختلاف الأزمان والأماكن ، وقلة أهل الحق وكثرتهم ، وهذا مشاهد فحيث كان أهل الحق والصلاح وكيفما كانوا يضع الله القبول لأهل محبته ..
أو يقال أن الله جعل علامات وصفات إذا وجدت في عباده كانوا أهل محبته ، ومحبة ملائكته ، ومحبة أهل الحق من خلقه ، ولو كانوا قليلين ، فلم يجعل لهم القبول عند الكثرة ليختبرهم ويختبر بهم فينظر كيف يعملون ..
ففي صحيح البخاري (6502) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (( إِنَّ اللَّهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ : كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ )).
وفي مصنف ابن أبي شيبة (260) نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، قِيلَ: مَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: «النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ».وأحمد 3784 وأخرجه الترمذي (2629) ، وابن ماجه (3988) الصحيحة (1273) قال أحمد شاكر إسناده صحيح وصححه الأرنئوط في المسند وفي سنن ابن ماجة .والحديث أخرجه مسلم في صحيحه (146) دون قوله : قيل من الغرباء ..))
فإذا اتصف العبد بأداء الفرائض وحافظ عليها على الوجه المحبوب إلى الله امتثالا ومحبة وتعظيما لله قدر استطاعته ، واجتنب المنهيات إنابة واستغفارا ، وحرص كل الحرص على التقرب إلى مولاه بالنوافل باستمرار كان من أوليائه وأهل محبته ولو كان غريبا وحيدا بين أهل الدار ... والعكس بالعكس ..
فالله سبحانه من صفاته أنه يحب ، ويكره ، ويبغض ، ويمقت، فهناك أعمال وصفات وذوات وأفعال لا يحبها الله، بل يكرهها ويبغضها، ويمقتها ، وكراهيته - ومقته ، وبغضه - سبحانه - حق ؛ وهي من الصفات الفعلية على الوجه الذي يليق بذاته الكريمة وجلاله وكماله ، على قاعدة أهل السنة والجماعة :{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }(11) الشورى .
فهو سبحانه يبغض ويكره، ويمقت ، يكره أشخاصاً ويكره أعمالاً، ويبغض صفات وعلامات ، فنحن نؤمن بذلك كله كما وصف نفسه بذلك في كتابه العزيز.ومن عقيدتنا أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات .
وهذه الصفات الفعلية لا يلزم عليها أي لازم باطل، بل هي صفات كمال؛ لأن من كمال الله أن يغضب إذا جاء موجب الغضب، وأن يسخط إذا جاء سبب السخط، ويكره ويبغض إذا جاء موجب وسبب الكره والبغض.
فمن صفاته الكره وعدم الحب : ومن صفاته تبارك وتعالى : الكره ، ومن أدلة هذه الصفة من الكتاب قوله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ }(46) التوبة.
ومن السنة المطهرة ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ)).البخاري بَابٌ: مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ (6507-6508 )من حديث أبي موسى الأشعري ومسلم (2683) من حديث عبادة بن الصامت (2684) من حديث عائشة (2685)من حديث أبي هريرة (2686)من حديث أبي موسى .
وقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)) أخرجه البخاري (1477)، ومسلم (593). ومن صفاته البغض:
ومن أوصافه الثابتة له سبحانه : البغض، فهو سبحانه يبغض الكفر والكافرين، والعصاة والعاصين .
ومن أدلة ثبوت هذه الصفة :" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((... وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ ، فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ، إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، قَالَ: ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ ، قَالَ : فَيُبْغِضُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ )) أخرجه أحمد (9352)، قال محققه إسناده صحيح على شرط مسلم ، وأخرجه مسلم (2637).
التفاتة مهمة فتح الله بها :
وقوله : ((... وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ ، فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ، إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، قَالَ: ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ ، قَالَ : فَيُبْغِضُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ ..))
لمّا قال في أهل السماء أي الملائكة جاء بلفظ أهل السماء فتشمل جميع الملائكة ، ولما وضع القبول والبغضاء في الأرض جاء بلفظ الأرض ولم يقل أهل الأرض ليدل على أنه يمكن أن يكون من يبغض المحبوب ويحب المبغض بمعنى أن يكون العبد بين محب ومبغض ، ولا يمكن أن يجتمع أهل الأرض على محبة عبد، ولا على كراهيته ، وهذا نبينا وصحابته على رأس القائمة ،فنبينا لا يشك أحد أنه حبيب الله وخليله ؛ ومع ذلك وُجد في أهل الأرض من يبغضه ويكرهه ويحاربه ، وهكذا أبو بكر وعمر وباقي الصحابة رضوان الله عليهم أحب الخلق إلى الله بعد الأنبياء هناك من يكرههم ويكفرهم وينال منهم .
وفي شرح السنة للبغوي (13/56) وَكتب أَبُو الدَّرْدَاء إِلَى مسلمة بْن مخلد: سَلام عَلَيْك أما بعد: فَإِن العَبْد إِذا عمل بِطَاعَة الله، أحبه الله، فَإِذا أحبه الله، حببه إِلَى عباده ، وَإِن العَبْد إِذا عمل بِمَعْصِيَة الله أبغضه الله، فَإِذا أبغضه ، بغضه إِلَى عباده.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخَصِمُ) . رواه البخاري: (13/180) (7188)، ومسلم : (4/2054)(2668). والألد: شديد الخصومة. والخصم: الحاذق بالخصومة.
وعن البراء بن عازب أنّه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول في الأنصار: ((من أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله )). رواه البخاري : (7/113) ( 3783) ، ومسلم:(1/85)(75).
ومن صفاته المقت :
وقوله تعالى : {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:3]، والمقت هو الكره أيضاً.
وقوله تعالى : {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} (35)غافر.
وفي السنة : عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ : (( أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ، مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ...)) أخرجه مسلم (2865)وصحيح الجامع (1223).
وجاء في نصوص الكتاب والسنة أنّ الله لا يحب الكافرين ، والظالمين، والمفسدين والمسرفين ، والمستكبرين، والمعتدين، والخائنين ، والفرحين. ولا يحب كل مختال فخور، وكفّار أثيم ، وخوّان أثيم . ولا يحب الفساد . والعكس بالعكس تماما فإنه يحب أضداد هذه العلامات وغيرها مما سأذكره ..
وقبل أن أتطرق إلى علامات أهل محبته أبدأ بعلامات أهل بغضته لأنها أقل من الصفات التي يحبها الله في عباده ، أبينها حتى يجتنبها العبد ؛ فإذا فعل كان مهيئا للاتصاف بعلامات أهل محبته أو كان منهم لأنه بالضد تتبين الأضداد أيضا.
قال بعض الشعراء :
والضد يظهر حسنه الضد ... وبضدها تتميز الأشياء
وقال آخر :
ضدان لما استجمعا حسنَا ... (فالضد يظهر حسنَه الضدُ).
فمعرفة الضد يُكْمِلُ في هذه المعرفة ويجعلها حسنة إذا عرفت مقابله، فالضد، يعني : العلم بالضد يظهر حسنه وكماله وجماله الضد. علامات الذين يكرههم الله :
1 – صفة الكفر ، والكافرين :
قال الله تعالى وتقدس :{ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } (276) البقرة .
قال ابن كثير (1/715): وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} أَيْ: لَا يُحِبُّ كَفُورَ الْقَلْبِ أَثِيمَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُنَاسَبَةٍ فِي خَتْمِ هَذِهِ الْآيَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَهِيَ أَنَّ الْمُرَابِيَ لَا يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْحَلَالِ، وَلَا يَكْتَفِي بِمَا شَرَعَ لَهُ مِنَ التَّكَسُّبِ الْمُبَاحِ، فَهُوَ يَسْعَى فِي أكل أموال الناس بالباطل، بأنواع المكاسب الْخَبِيثَةِ، فَهُوَ جَحُودٌ لِمَا عَلَيْهِ مِنَ النِّعْمَةِ، ظَلُومٌ آثِمٌ بِأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ.
وقال بعض أهل التفسير : وجملة : والله لا يحب كل كفار أثيم معترضة بين أحكام الربا.
ولمّا كان شأن الاعتراض ألا يخلو من مناسبة بينه وبين سياق الكلام ، كان الإخبار بأن الله لا يحب جميع الكافرين مؤذنا بأن الربا من شعار أهل الكفر، وأنهم الذين استباحوه فقالوا إنما البيع مثل الربا، فكان هذا تعريضا بأن المرابي متسم بخلال أهل الشرك.
ومفاد التركيب أن الله لا يحب أحدا من الكافرين الآثمين لأن (كل) من صيغ العموم..
قال الله تعالى وتقدس :{ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } (32) آل عمران.
قال ابن جرير الطبري – رحمه الله - (6/325): قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: قل، يا محمد، لهؤلاء الوفد من نصارى نجران: أطيعوا الله والرسول محمدًا، فإنكم قد علمتم يقينًا أنه رسولي إلى خلقي، ابتعثتُه بالحق، تجدونه مكتوبًا عندكم في الإنجيل، فإن تولَّوا فاستدبروا عما دعوتهم إليه من ذلك، وأعرضوا عنه، فأعلمهم أن الله لا يحبُّ من كفر بجحد ما عرف من الحق، وأنكره بعد علمه، وأنهم منهم، بجحودهم نبوّتك، وإنكارهم الحقّ الذي أنت عليه، بعد علمهم بصحة أمرك، وحقيقة نبوتك، كما:- 6850 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير:" قل أطيعوا الله والرسول "، فأنتم تعرفونه - يعني الوفد من نصارى نجران - وتجدونه في كتابكم "فإن تولوا" على كفرهم " فإن الله لا يحبّ الكافرين ".
قال ابن كثير (2/32): ثُمَّ قَالَ آمِرًا لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ خَاصٍّ وَعَامٍّ: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا} أَيْ: خَالَفُوا عَنْ أَمْرِهِ {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُخَالَفَتَهُ فِي الطَّرِيقَةِ كُفْرٌ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ، وَإِنِ ادَّعَى وَزَعَمَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ يُحِبُّ لِلَّهِ وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ، حَتَّى يُتَابِعَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ خَاتَمَ الرُّسُلِ، وَرَسُولَ اللَّهِ إِلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ الَّذِي لَوْ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ -بَلِ الْمُرْسَلُونَ، بَلْ أُولُو الْعَزْمِ مِنْهُمْ-فِي زَمَانِهِ لَمَا وَسِعَهُمْ إِلَّا اتِّبَاعُهُ، وَالدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعُ شَرِيعَتِهِ، كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} الْآيَةَ [آلِ عِمْرَانَ: 31] [إِنْ شَاءَ الله تعالى] .
وقال الشيخ السعدي – رحمه الله – (1/128): {فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} بل يبغضهم ويمقتهم ويعاقبهم أشد العقوبة، وكأن في هذه الآية الكريمة بيانا وتفسيرا لاتباع رسوله، وأن ذلك بطاعة الله وطاعة رسوله، هذا هو الاتباع الحقيقي.
قال الله تعالى وتقدس :{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }(45)الروم.
قال ابن جرير (20/112): يقول تعالى ذكره: إنما خصّ بجزائه من فضله الذين آمنوا وعملوا الصالحات دون من كفر بالله، إنه لا يحبّ أهل الكفر به.
وقال الرازي (25/106) : أَوْعَدَهُمْ بِوَعِيدٍ وَلَمْ يَفْصِلْهُ لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِ هَذَا الْإِجْمَالُ فِيهِ كَالتَّفْصِيلِ، فَإِنَّ عَدَمَ الْمَحَبَّةِ مِنَ اللَّهِ غَايَةُ الْعَذَابِ.
وإذا كان الله تعالى هو مولانا سبحانه يكره الكافرين ، فيجب على من يدعي محبة الله تعالى أن يكره وأن يبغض من يكرههم الله تعالى لأن محبة الله تعالى وحدها لا تكفي لنجاة العبد من النّار حتى يكره ما يكرهه الله ويحب ما يحبه كما قرر ذلك ابن القيم - رحمه الله - في كلامه على أنواع المحبة .
ومن الأمور التي يجب على العبد الناصح لنفسه أن يكرهها المعاصي التي هي كفر دون كفر ، أو الكفر العملي ؛ فإن الله يكره الكفر بجميع أنواعه كبيره وصغيره قليله وكثيره اعتقادي أو قولي أو عملي ، ولا يرضاه لعباده .
1 – ومن ذلك ما جاء في شرح السنة للبغوي (4/418) بَابُ كَرَاهِيَةِ الاسْتِمْطَارِ بِالأَنْوَاءِ ، وفي صحيح مسلم (1/83) 32 - بَابُ بَيَانِ كُفْرِ مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِالنَّوْءِ وفي مختصر صحيح مسلم للمنذري تحقيق الألباني (1/20) باب: من قال مُطِرُنا بالأنواء فهو كافر. وبوب عليه البخاري (2/33) بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ((شُكْرَكُمْ)). وفي صحيح ابن حبان (13/503): ذِكْرُ إِطْلَاقِ اسْمِ الْكُفْرِ عَلَى مَنْ رَأَى الْأَمْطَارَ مِنَ الْأَنْوَاءِ .
عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي أَثَرِ سَمَاءٍ، فَقَالَ لَمَّا انْصَرَفَ : (( ألَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ رَبُّكُمُ اللَّيْلَةَ؟ مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي نِعْمَةً إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ، فَأَمَّا مَنْ آمَنَ بِي وَحَمِدَنِي عَلَى سِقَائِي، وَأَثْنَى عَلَيَّ، فَذَلِكَ الَّذِي آمَنَ بِي وَكَفَرَ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ الَّذِي آمَنَ بِالْكَوْكَبِ وَكَفَرَ بِي - أَوْ قَالَ: كَفَرَ نِعْمَتِي)).
وفي موطأ الإمام مالك (2/268)(653): ((...فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ ، قَالَ : (( أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي، وَكَافِرٌ بِي. فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ. فَذلِكَ مُؤْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا. فَذلِكَ كَافِرٌ بِي، مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ )). البخاري (1038-4147)ومسلم (125).فالاستسقاء بالأنواء من الكبائر التي هي كفر دون كفر .والتي يكرهها الله تعالى لأنها تنافي شكر النعمة وتظهر كفرها ، والله يحب شكر النعم ويكره كفرها .
2 - قتل المسلم معصوم الدم . عن سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قَتْلُ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ وَسِبَابُهُ فُسُوقٌ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ))
وفي البخاري 48 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ عَنْ المُرْجِئَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : (( سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ)). هذا في الوعيد الشديد على سب المسلم ، وقتاله عَن جَرير بن عبد الله قال : قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا جَرير اسْتنصتِ الناسَ - في حجةِ الوَداع - ثم قال : لا ترجعوا بعدي كفارًا يَضربُ بعضكم رقابَ بَعض )) أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه منها (ح 121- 1739- 1741- 4405) وغيرها .. وأخرجه مسلم بَابُ «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» (ح118-120-1679).
وعن عبد الله [بن عمر] قال: كنا نتحدَّث بحجَّة الوَداع ، ولا ندري أنه الوَداعُ مِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فلمَّا كان حجة الوَداع حَمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر المسيح ... وذكر الحديث.
ثم قالَ : (( وَيلكم، أو ويحكم؟ انظروا لا ترجعوا بعدي كفارًا يضربُ بعضكم رقابَ بعضٍ)) أخرجه البخاري ( ح 4403)، ومسلم (1/ 82 ح 120) .
3 – إطلاق المسلم لفظ الكفر على أخيه المسلم .
عن ابن عمر، أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَنْ كَفّر أخاه فَقد باء به أحَدُهما)) (مستخرج أبي عوانة (114). أخرجه مسلم (1/ 79 ح 111) من طريق عبيد الله بن عمر به، ولفظه: "إذا كفر الرجل أخاه ... ".
عن أبي ذر، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (( مَن ادَّعى إلى غير أبيه فليس منَّا، ومَن ادَّعى ما ليس له فليس منَّا، ومَن رمَى رجلًا بالكفر، أو رماه بالفسق وليس كذلك ارتدَّتْ عليه)) أخرجه البخاري (الفتح 6/ 623 ح 3508) و مسلم (1/ 79 ح 112).
4- الرغبة عن الآباء والبراءة منهم :
عن أبي هُريرةَ يقول : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: (( لا ترغَبُوا عن آبائكم ، فَمَنْ رغِبَ عن أبيهِ فهوَ كفر)).قال يوسفُ : ((فإنه كافر))، وقال نافعُ بن يزيد: ((فقد كفر)). (14) أخرجه البخاري (الفتح 12/ 55 ح 6768)، ومسلم (1/ 80 ح 113) ، والإمام أحمد في مسنده (2/ 526) من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ.
وقوله : رغب عن أبيه أي: ترك الانتساب إليه وجحده، يقال: رغبت عن الشيء: تركته وكرهته. شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 52).
5- الطعن في الأنساب والنياحة على الميت :
عن أبي هُريرة، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اثنتان في الناس وَهُما بهم كفر: الطعْنُ في النسَب، والنياحَة على الميتِ )) أخرجه مسلم باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة (1/ 82 ح 121)، وأخرجه الإمام أحمد في المسند (2/ 496) من طريق ابن نمير أيضًا. وصحيح الأدب المفرد(305) باب الطعن في الأنساب .
وفي البخاري (3850) عَن ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ : «خِلاَلٌ مِنْ خِلاَلِ الجَاهِلِيَّةِ الطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ وَالنِّيَاحَةُ» وَنَسِيَ الثَّالِثَةَ، قَالَ سُفْيَانُ وَيَقُولُونَ إِنَّهَا الِاسْتِسْقَاءُ بِالأَنْوَاءِ )) أنظر صحيح الجامع 3054 وقال (صحيح) ... [طب] عن عمرو بن عوف. الصحيحة 1801: البزار.
وفي صحيح الجامع(884 - 434 ): (( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لم يدعهن الناس: الطعن في الأنساب والنياحة على الميت والأنواء مطرنا بنوء كذا وكذا، والإعداء جرب بعير فأجرب مئة بعير فمن أجرب البعير الأول» ؟!. وقال :(حسن) [حم ت] عن أبي هريرة. الصحيحة (735).
وقوله :(الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ) قال الحافظ في الفتح(ج 11 / ص 167): الْقَدْحُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ فِي نَسَبِ بَعْضٍ بِغَيْرِ عِلْم.
وقال المناوي في فيض القدير - (ج 4 / ص 214): الطعن في الأنساب: الوقيعة في أعراضهم ، والقَدح في نسبهم.
6 - العبد الآبق من سيده
عن جَريرٍ البجلي عَن النّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: (( إِذا أبق العبدُ، فلحق بالعدو، فمات فهو كافرٌ )) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان -باب تسمية العبد الآبق كافرًا (1/ 83 ح 123) وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/ 364) من طريق مكي بن إبراهيم عن داود به. وعن جَريرٍ قالَ : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-:((إذا أبقَ العبد فقد بَرِئَتْ منهُ الذِّمَّة )) خرجه مسلمٌ طريق جرير عن المغيرة بن مقسم الضبي عن الشعبي عن جرير. كتاب الإيمان - باب تسمية العبد الآبق كافرًا- (1/ 83 ح 124)،وقد أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/ 357).
7- إِتْيَانِ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا:
في جامع معمر بن راشد (11/442)( 20952 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الَّذِي يَأْتِي الْمَرْأَةَ فِي دُبُرِهَا لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» مسند أحمد (7684) وقال محققه حديث حسن. وابن ماجة (1923)وقال الألباني صحيح .
وفيه (20953 ) أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا، فَقَالَ: «هَذَا يُسَائِلُنِي عَنِ الْكُفْرِ»
وفي مسند الدارمي 1176 - أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حَكِيمٍ الْأَثْرَمِ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ» قال محققه إسناده صحيح وابن ماجة (639) قال الألباني صحيح . وأبو داود (3904) بلفظ ((..فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ)). وقال الترمذي بعد أن أخرجه (135) وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى التَّغْلِيظِ.
8 – كفران العشير وكفران الإحسان منه :
ففي الموطأ (640-199) عن ابن عباس : ((... فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئاً فِي مَقَامِكَ هذَا، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ. فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ. فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُوداً. وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا. وَرَأَيْتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَراً قَطُّ. وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ»،قَالُوا: لِمَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: «بِكُفْرِهِنَّ»،قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قَالَ: «وَيَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ. لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئاً، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْراً قَطُّ». وأخرجه أحمد (2711) والبخاري (29) و (431) و (748) و (1052) و (3202) و (5197) وأخرجه مسلم (907).
وفي البخاري (304): عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: (( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ..))ومسلم (132/79).
قال الشيخ زيد المدخلي - رحمه الله - في منظومة الفروق يبين بعض الأعمال التي يطلق عليه الكفر وهي غير مخرجة من الملة :
وما سوى هَذي فكفرٌ عملي - - - فافهم وحقِّق يا وريثَ الرُّسلِ
ككُفر نِعمةٍ وقتلِ المُسلمِ - - - ورغبةٍ عن والدٍ فلتفهَمِ
ومن يقُل بالنوءِ قد مُطرنا - - - فذاك كافرٌ كما علِمنا.
كذا نياحةٌ بصوتٍ مُرتفع - - - فذاك كُفرٌ وبنصٍ قد رُفع
والطَّعنُ في الأنسابِ شأنُهُ خطَر - - - وفِعلُه كفرٌ بنصٍ مُعتبر
وامرأَةٌ حقَّ العشيرِ أهمَلَت - - - وهكذا الإحِسانَ منه أنكَرت
ومن يُجامع زوجةً في الدّبرِ - - - فذاك ملعونٌ بنصِّ الأثر
وكفرُهُ عن النَّبيِّ قد ورد - - - والنَّصُّ فيه ثابتٌ ومُعتمد
وفي المسنَد الصَّحيح المُخَرّج عَلى صَحِيح مُسلم لأبي عوانة (1/227): بَيانُ المعَاصِي التي إذاَ قالَها الرَّجُل وَعملها كان كفرًا وفسقًا، واستوجَب بها النَّار.
قلت : المقصود بالكفر الوارد في أحاديث الباب هو الكفر العملي الذي لا يخرج صاحبه من الملة ، وإذا كان الله سبحانه وتعالى يكره ولا يحب المعاصي التي لا يطلق عليها لفظ الكفر تغليظا لها فمن باب أولى؛ وأولى أنه يكره ولا يحب المعاصي التي أطلق عليها لفظ الكفر ، فمن باب أولى ؛ وأولى الكفر المخرج من الملة سواء كان اعتقادي أو قولي أو عملي ، أي كل ما يناقض الإيمان ويكون كفرا بذاته.
- يتبع إن شاء الله -

أبو بكر يوسف لعويسي
27-Jan-2018, 01:13 AM
2– الفساد والمفسدين : ومن العلامات التي يكرهها الله في عباده أي كانوا ، وفي أي مكان أو زمان كانوا فإن الله لا يحب الفساد والمفسدين . إن الفساد هو ضد الصلاح ، وهو إفساد الأبدان، والأديان والأوطان ، إفساد الأبدان أي فساد النفس وإفساد الغير ، وفساد الأوطان هو والإفساد في المجتمع في البلدان ، وإفساد الأديان هو إفساد ما جاءت به الرسل بالكفر والعناد والإباء والحرب والقتل للأنبياء والذين يصلحون من ورثتهم ، وهذا كله من صفات المنافقين ، الذين إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ، وفي الحقيقة أنه هم المفسدون والذي بين حقيقتهم هل من يعلم سرهم ونجواهم ظاهرهم وباطنهم .. وقال بعض أهل التفسير في قوله تعالى :{ وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون } (11) البقرة . يظهر لي أن جملة ((وإذا قيل لهم )) عطف على جملة ((في قلوبهم مرض)) لأن قوله :{ وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} . إخبار عن بعض عجيب أحوالهم ، ومن تلك الأحوال أنهم قالوا إنما نحن مصلحون في حين أنهم مفسدون .. قال : وقد عنّ لي في بيان إيقاعهم الفساد أنه مراتب : أولها: إفسادهم أنفسهم بالإصرار على تلك الأدواء القلبية التي أشرنا إليها فيما مضى وما يترتب عليها من المذام ويتولد من المفاسد. الثانية : إفسادهم الناس ببث تلك الصفات والدعوة إليها، وإفسادهم أبناءهم وعيالهم في اقتدائهم بهم في مساويهم كما قال نوح عليه السلام : " إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا " [نوح: 27] . الثالث : إفسادهم بالأفعال التي ينشأ عنها فساد المجتمع ، كإلقاء النميمة والعداوة وتسعير الفتن ، وتأليب الأحزاب على المسلمين ، وإحداث العقبات في طريق المصلحين. والإفساد فعل ما به الفساد، والهمزة فيه للجعل ؛ أي جعل الأشياء فاسدة في الأرض. والفساد أصله استحالة منفعة الشيء النافع إلى مضرة به أو بغيره، وقد يطلق على وجود الشيء مشتملا على مضرة، وإن لم يكن فيه نفع من قبل ، يقال فسد الشيء بعد أن كان صالحا ، ويقال فاسد إذا وجد فاسدا من أول وهلة، وكذلك يقال أفسد إذا عمد إلى شيءٍ صالح فأزال صلاحه، ويقال أفسد إذا أوجد فاسدا من أول الأمر. والأظهر أن الفساد موضوع للقدر المشترك من المعنيين ، وليس من الوضع المشترك، فليس إطلاقه عليهما كما هنا من قبيل استعمال المشترك في معنييه. فالإفساد في الأرض منه تصير الأشياء الصالحة مضرة كالغش في الأطعمة، ومنه إزالة الأشياء النافعة كالحرق ، والقتل للبراء، ومنه إفساد الأنظمة كالفتن والجور، ومنه إفساد المساعي كتكثير الجهل ، وتعليم الدعارة وتحسين الكفر ، ومناوأة الصالحين المصلحين ، ولعل المنافقين قد أخذوا من ضروب الإفساد بالجميع ، فلذلك حذف متعلق تفسدوا تأكيدا للعموم المستفاد من وقوع في حيز النفي. وذكر المحل الذي أفسدوا ما يحتوي عليه - وهو الأرض - لفظيع فسادهم بأنه مبثوث في هذه الأرض ؛ لأن وقوعه في رقعة منها تشويه لمجموعها. والمراد بالأرض هذه الكرة الأرضية بما تحتوي عليه من الأشياء القابلة للإفساد من الناس والحيوان والنبات وسائر الأنظمة والنواميس التي وضعها الله تعالى لها، ونظيره قوله تعالى :{ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ }(205) البقرة . قال السعدي – رحمه الله - : (1/93): {وَإِذَا تَوَلَّى} هذا الذي يعجبك قوله إذا حضر عندك {سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} أي: يجتهد على أعمال المعاصي، التي هي إفساد في الأرض {وَيُهْلِكَ} بسبب ذلك {الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} فالزروع والثمار والمواشي، تتلف وتنقص، وتقل بركتها، بسبب العمل في المعاصي، {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} وإذا كان لا يحب الفساد، فهو يبغض العبد المفسد في الأرض، غاية البغض، وإن قال بلسانه قولا حسنا. ففي هذه الآية دليل على أن الأقوال التي تصدر من الأشخاص، ليست دليلا على صدق ولا كذب، ولا بر ولا فجور حتى يوجد العمل المصدق لها، المزكي لها وأنه ينبغي اختبار أحوال الشهود، والمحق والمبطل من الناس، بسبر أعمالهم، والنظر لقرائن أحوالهم، وأن لا يغتر بتمويههم وتزكيتهم أنفسهم. ثم ذكر أن هذا المفسد في الأرض بمعاصي الله ، إذا أمر بتقوى الله تكبر وأنف، و {أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ} فيجمع بين العمل بالمعاصي والكبر على الناصحين. وقال الله تعالى وتقدس :{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }(64) المائدة. قال ابن جرير – رحمه الله – (10/461): قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ويعمل هؤلاء اليهود والنصارى بمعصية الله، فيكفرون بآياته ويكذبون رسله، ويخالفون أمره ونهيه، وذلك سعيُهم فيها بالفساد "والله لا يحب المفسدين"، يقول: والله لا يحب من كان عامِلا بمعاصيه في أرضه. قال ابن كثير (3/147): وَقَوْلُهُ: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} أَيْ: كُلَّمَا عَقَّدُوا أَسْبَابًا يَكِيدُونَكَ بِهَا، وَكُلَّمَا أَبْرَمُوا أُمُورًا يُحَارِبُونَكَ بِهَا يُبْطِلُهَا اللَّهُ وَيَرُدُّ كَيْدَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَيَحِيقُ مَكْرُهُمُ السَّيِّئُ بِهِمْ. {وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} أَيْ: مِنْ سَجِيَّتِهِمْ أَنَّهُمْ دَائِمًا يسعوْن فِي الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ. قلت : قوله تعالى (ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين) أي يبن أن هذه هي صفات اليهود الذين عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان فيهم النفاق ، فكان من صفاتهم - مع عداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إيقاد نيران الحرب والقتال والفتن والإحن ، والمكر والخديعة ، والتربص بالمؤمنين والصالحين المصلحين ، ولم يكونوا يوما حتى قبل مجيء الإسلام مصلحين للأخلاق والأعمال ، أو لشؤون المجتمع والاجتماع ؛ فهم أهل سعي للفساد على مر التاريخ ؛ فقد كانوا يسعون في الأرض سعي فساد وإفساد، ، بمحاولة منع اجتماع كلمة العرب قبل الإسلام ، وتفريقهم ، ومنعهم من الخروج من الوثنية إلى التوحيد، ومن الجهل والأمية إلى العلم ، وكذلك بعد مجيء الإسلام يسعون بالتشكيك في الدين الحق والصد عن سبيل الله والكيد والمكر للمؤمنين، حسدا من عند أنفسهم ، وحبا في دوام ترؤسهم للعباد ، والسيادة على البلاد ، وامتيازهم على المجتمع ، فهذه صفاتهم يسعون بالفساد والإفساد والله لا يحب المفسدين في الأرض، ولا يُصلح عملهم، ولا ينجح سعيهم وَالله {لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ} [يونس: 81]. والدليل على صحة هذا قوله تعالى : {ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين} بخذلانهم وهزمهم وإبطال كل مكائدهم ومكرهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين .. وحالهم هذا هو حال الكثير من المسلمين اليوم الذين وقعوا في صفاتهم واستنوا بسننهم فسلكوا سبيل المغضوب عليهم والضالين يتتبعونهم في سعيهم في الفساد والإفساد في الأرض بغير قصد أحيانا وبقصد مرات أخرى ممن يتبعون المتشابه ، ومن أشربوا في قلوبهم حب الشبهات والشهوات ، وانغمسوا في وحل التشبه بالكفار والمستشرقين ، واتباع سنن من قبلهم من اليهود والنصارى شبرا بشبر ، وذراعا بذراع . قال الله تعالى وتقدس :{ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }(77) القصص. قال ابن كثير(6/254):{وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ} أَيْ: لَا تكنْ هِمَّتُكَ بِمَا أَنْتَ فِيهِ أَنْ تُفْسِدَ بِهِ الْأَرْضَ، وَتُسِيءَ إِلَى خَلْقِ اللَّهِ {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}. قلت : لأن الفساد ضد الإحسان الذي كان من المحسن المالك لهذه الأرض إليك ؛ فلا تبغ الفساد فيها إنه لا يحب من يفسد في ملكه كما لا تحب أنت أن يفسد أحد في ملكك . فالأمر بالإحسان يقتضي النهي عن الفساد ، والعمل الذي لا يحبه الله ولا يرضاه لا يجوز لأحد من عباده عمله ، وخاصة وهو من أحسن إليهم بسببه فلا يجعلوا ذلك السبب منه للإساءة والفساد . والفساد والإفساد يكون باللسان والجوارح والجنان ، فمن فساد القلب تفسد الجوارح واللسان ، فإذا فسد القلب بالحسد والعجب والرياء ، والكبر ، والخيلاء ، والمرح والفرح ، وسوء الظن ، والاستعلاء وجب التصدر والرئاسة ، والبغضاء والشحناء ، والاستعانة بغير الله ، والاستغاثة بالمخلوق ، والغلو في الصالحين ، والغلو في الأشخاص ، والطرق ، والفرق ، والمناهج ، والزيغ بالتشرب للشبه ، والفتن فسدت الجوارح ..فأصبح صاحبها فاسدا مفسدا حسب ما ناله من فساد قلبه وانحرافه عن الفطرة التي فطر الله عليها عباده حنفاء لله.. والإفساد في الأرض يشمل جميع أنواع الفساد ، فساد النفس وفساد الغير ، وفساد المجتمع ، من غش في المعاملات والعقود ، وسرقة ، وتطفيف في الميزان ، وبخس الناس أشياءهم ، والتفريق بين المؤمنين عامة وبين الأحبة خاصة بالسحر ، والنميمة ، والغيبة ، والكذب ، والافتراء ، والظلم ، والاعتداء ، والافتراء ، وإشاعة الفاحشة ، وتتبع العورات ، والتربص بالمؤمنين ، والصد عن سبيل الله ، والتعالي بالمال والجاه ، والتعالم ، والجهل بدعوى الجاهلية ، والتعصب ، وعدم قبول الحق والخضوع له ، والأخذ بالعزة ، وتزيين القول من أجل الخداع والمكر والكيد ..والفتوى بغير فهي من أشد أنواع الفساد في الأرض ، والطعن في طلبة والعلماء ورثة الأنبياء والحط من قدرهم ، ورميهم بالبوائق ، لصد النّاس عنهم وغير ذلك .. من أسباب الفساد والإفساد في الأرض بعد إصلاحها بالتوحيد والسنة والعلم على منهاج النبوة ن وقد نهى الله تعالى عن الإفساد في الأرض بعد إصلاحها بإرسال الرسول بالشريعة الصالحة لكل زمان بالإصلاح والاستقامة على دين الله تعالى . قال تعالى :{... وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (56) الأعراف . قال أبو جعفر- رحمه الله - (12/487) : يعني تعالى ذكره بقوله:{ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}، لا تشركوا بالله في الأرض ولا تعصوه فيها، وذلك هو الفساد فيها. وقوله :" بعد إصلاحها" يقول: بعد إصلاح الله إياها لأهل طاعته، بابتعاثه فيهم الرسل دعاة إلى الحق، وإيضاحه حججه لهم . وقال القرطبي – رحمه الله - (7/227): قوله تعالى: (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها): فيه مسألة واحدة وهو أنه سبحانه نهى عن كل فساد قل أو كثر بعد صلاح قل أو كثر. فهو على العموم على الصحيح من الأقوال. وقال الخازن – رحمه الله – ( 2/211): قوله تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها يعني ولا تفسدوا أيها الناس في الأرض بالمعاصي والكفر والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله إياها ببعثة الرسل وبيان الشرائع والدعاء إلى طاعة الله تعالى، وهذا معنى قول الحسن والسدي والضحاك والكلبي... إلى أن قال : وقيل معنى الآية: ولا تفسدوا في الأرض شيئا بعد أن أصلحه الله تعالى فيدخل فيه المنع من إتلاف النفس بالقتل أو إفسادها بقطع بعض الأعضاء وإفساد الأموال بالغصب والسرقة وأخذه من الغير بوجوه الحيل وإفساد الأديان بالكفر واعتقاد البدع والأهواء المضلة وإفساد الأنساب بالإقدام على الزنى وإفساد العقول بسبب شرب المسكر وذلك لأن المصالح المعتبرة في الدنيا هي هذه الخمسة فمنع الله من إدخال الفساد في ماهيتها. قال ابن القيم – رحمه الله – كما في التفسير القيم (1/263): وقوله تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها. قال أكثر المفسرين: لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل وبيان الشريعة، والدعاء إلى طاعة الله. فإن عبادة غير الله والدعوة إلى غيره والشرك به هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك به ومخالفة أمره. قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ...} إلى أن قال : وبالجملة فالشرك والدعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره ومطاع متبع غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هو أعظم الفساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا بأن يكون الله وحده هو المعبود، والدعوة له لا لغيره، والطاعة والإتباع لرسوله ليس إلا، وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول. فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع له ولا طاعة. فإن الله أصلح الأرض برسوله ودينه، وبالأمر بتوحيده، ونهى عن إفسادها بالشرك به وبمخالفة رسوله. ومن تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله، وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدو وغير ذلك فسببه مخالفة رسوله والدعوة إلى غير الله ورسوله. ومن تدبر هذا حق التدبر وتأمل أحوال العالم منذ قام إلى الآن وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين- وجد هذا الأمر كذلك في خاصة نفسه وفي حق غيره عموما وخصوصا. ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. انتهى كلامه . وقد أخبرنا الله تعالى في محكم كتابه أن سبب غضب الله عليهم وصب العذاب عليهم هو ما أكثروه من الفساد والإفساد في الأرض ، والله لا يحب الفساد ولا يحب المفسدين . ومن أعظم الفساد اليوم في الأرض هذه الثورات والمظاهرات وقطع الطرق والحرق ، والتكسير والتخريب والدمار للممتلكات الخاصة والعامة حتى أصبحت بعض البلدان التي ظهر في الفساد يبابا خرابا ، والتي كان سببها الخروج على الحكام ونزع يد الطاعة بحجة المطالبة بالحقوق ، استغفر الله بل العقوق ، فوقع الفساد العظيم الذي لم يكن يتوقعه أحد حتى من أولئك الذين - زعموا - أنه ومظاهرات أو ثورات سلمية ، ومع هذا الواقع المؤلم ووضوحه لكل عاقل أن هذه الثورات ما جاءت بخير قط بل لم تأت إلا بالشر والفساد مازال هناك ممن أعمى الله بصائرهم ممن انقلبت عندهم الموازين ، والمفاهيم حتى أصبحوا يرون أن هذه الثورات غيرت مجرى التاريخ وهي بداية خير لنهضة إسلامية واعية وشاملة من أجل إقامة الخلافة الإسلامية المفقودة ، وهذا كله من تلاعب الشيطان بهم وقد كانت الشعوب تحيى أمنا واستقرارا كبيرا والآن بعد هذا الفساد الخطير والشر المستطير الذي وقعوا فيه يتمنى الواحد منهم لو يرجع يوم واحد من أيام حكامهم الذين وسموهم بالجبابرة والطغاة حتى يتنفسون الصعداء ويجتمعون على مائدة عشاء أو غداء في أمن وهناء وأنى لهم ذلك وصدق فيهم المثل السائر . الصيف ضيعتم اللبن . قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في شرح رياض الصالحين (3/539): في شرح قوله تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص: 83) . لا يريدون التعالي على الحق، ولا التعالي على الخلق، وإنما هم متواضعون، وإذا نفى الله عنهم إرادة العلو والفساد، فهو من باب أولى ألا يكون منهم علو ولا فساد، فهم لا يعلون في الأرض، ولا يفسدون، ولا يكون منهم علو ولا فساد، فهم لا يعلون في الأرض، ولا يفسدون، ولا يريدون ذلك؛ لأن الناس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: 1- قسم علا وفسد وأفسد، فهذا اجتمع في حقه الإرادة والفعل. 2- وقسم لم يرد الفساد ولا العلو فقد انتفى عنه الأمران. 3- وقسم ثالث يريد العلو والفساد ولكن لا يقدر عليه. فهدا الثالث بين الأول والثاني، لكن عليه الوزر؛ لأنه أراد السوء، فالدار الآخرة إنما تكون (لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ) أي تعالياً على الحق أو على الخلق (وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) . فإن قال قائل: ما هو الفساد في الأرض؟ فالجواب أن الفساد في الأرض ليس هدم المنازل ولا إحراق الزروع، بل الفساد في الأرض بالمعاصي، كما قال أهل العلم رحمهم الله في قوله تعالى: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) (الأعراف: 56) ، أي لا تعصوا الله؛ لأن المعاصي سبب للفساد. ومن الفساد في الأرض سب الله والرسول والدين والاستهزاء بالمؤمنين ؛ بل وصفهم الله بالمحاربين لله ولرسوله .. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في الصارم المسلول على شاتم الرسول ( 1/338): وأيضا قوله سبحانه: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً} الآية. وهذا السّاب محارب لله ورسوله كما تقدم تقريره من أنه محاد لله ورسوله وأن المحاد لله ورسوله مشّاق لله ورسوله محارب لله ورسوله ولأن المحارب ضد المسالم والمسالم الذي تسلم منه ويسلم منك، ومن آذاه لم يسلم منه فليس بمسالم فهو محارب وقد تقدم من غير وجه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماه عدوا له ومن عاداه فقد حاربه وهو من أعظم الساعين في الأرض بالفساد قال الله تعالى في صفة المنافقين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ}(11) البقرة . وكل ما في القرآن من ذكر الفساد مثل قوله: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} ، وقوله: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} إلى قوله: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَاد} وغير ذلك فإن السبّ داخل فيه فإنه أصل لكل فساد في الأرض إذ هو إفساد للنبوة التي هي عماد صلاح الدين والدنيا والآخرة. وإذا كان هذا السّاب محاربا لله ورسوله ساعيا في الأرض بفساد وجب أن يعاقب بإحدى العقوبات المذكورة في الآية إلا أن يتوب قبل القدرة عليه ، وقد قدمنا الأدلة على أن عقوبته متعينة بالقتل كعقوبة من قتل في قطع الطريق فيجب أن يقام ذلك عليه إلا أن يتوب قبل القدرة عليه.. وفي قال :(1/383): وإذا ثبت أن هذا الساب محارب لله ورسوله فهو أيضا ساع في الأرض فسادا لأن الفساد نوعان: فساد الدنيا من الدماء والأموال والفروج وفساد الدين والذي يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ويقع في عرضه يسعى ليفسد على الناس دينهم ثم بواسطة ذلك يفسد عليهم دنياهم وسواء فرضنا أنه أفسد على أحد دينه أو لم يفسد لأنه سبحانه وتعالى إنما قال: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً} قيل أنه نصب على المفعول له أي ويسعون في الأرض للفساد وكما قال: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} والسعي هو العمل والفعل فمن سعى ليفسد أمر الدين فقد سعى في الأرض فسادا وإن خاب سعيه وقيل: إنه نصب على المصدر أو على الحال تقديره سعى في الأرض مفسدا كقوله: {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} أو كما يقال: جلس قعودا وهذا يقال لكل من عمل عملا يوجب الفساد وإن لم يؤثر لعدم قبول الناس له وتمكينهم إياه بمنزلة قاطع الطريق إذا لم يقتل أحدا ولم يأخذ مالا على أن هذا العمل لا يخلو من فساد في النفوس قط إذا لم يقم عليه الحد. وأيضا فإنه لا ريب أن الطعن في الدين وتقبيح حال الرسول في أعين الناس وتنفيرهم عنه من أعظم الفساد كما أن الدعاء إلى تعزيره وتوقيره من أعظم الصلاح والفساد ضد الصلاح فكما أن كل قول أو عمل يحبه الله فهو من الصلاح فكل قول أو عمل يبغضه الله فهو من الفساد قال سبحانه وتعالى: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} يعني الكفر والمعصية بعد الإيمان والطاعة ولكن الفساد نوعان: لازم وهو مصدر فسد يفسد فسادا ومتعد وهو اسم مصدر أفسد يفسد إفسادا.. كما قال تعالى: {سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} وهذا هو المراد هنا لأنه قال: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً} وهذا إنما يقال لمن أفسد غيره لأنه لو كان الفساد في نفسه فقط لم يقل سعى في الأرض فسادا وإنما يقال في الأرض لما انفصل عن الإنسان كما قال سبحانه وتعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَاب}. وقال في درء تعارض العقل والنقل (9/372): وأما الفساد فهو ضد الصلاح، كما قال تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} [البقرة: 11] . وقال تعالى: {وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين} [الأعراف: 142] . وقال: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} [الأعراف: 56] . وقال: {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} [البقرة 205] . وقال: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا} [المائدة: 32] . وقالت الملائكة:{أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}[البقرة: 30]. وقال تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا} [المائدة: 33] . وقال: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون} [المؤمنون 71] . وجماع الصلاح اللآدميين هو طاعة الله ورسوله، وهو فعل ما ينفعهم وترك ما يضرهم، والفساد بالعكس.فصلاح الشيء هو حصول كماله الذي به تحصل سعادته. وفساده بالعكس. نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا من المصلحين الذين يصلحون ما أفسد النّاس من الأبدان، والأوطان والأديان على منهاج النبوة ، كما نسأله أن يجعلنا مفاتيح خير ومغاليق شر إن ربي سميع قريب مجيب .

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
27-Jan-2018, 11:55 AM
السلام عليكم ورحمة وبركاته
جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل واحين اليك