المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (متابعة الرسول-صلى الله عليه وسلم-ميزان الظاهر)فضيلة الشيخ: عبيد الجابري-حفظه الله-



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
29-Jun-2010, 11:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وليُّ الصالحين ورب الطيبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد ولد آدم أجمعين-صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين وسلم تسليمًا كثيرًا-.




أما بعد:



فإن الله-سبحانه وتعالى-قد بين لعباده سبيل الخير وسبيل الشر، طريق الهدى وطريق الضلالة، كما قال تعالى: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)(10-الفجر)، وقال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)(3-الإنسان)، وقال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)(8-الشمس).


فهذه الآيات وفيما معناها من آي التنزيل الكريم أدلة قاطعة، وبراهين ساطعة، على أن الله-سبحانه وتعالى-قد بين لعباده ما يتقون، وهذا البيان كما سمعتم في التنزيل الكريم، وفي سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فإنه-جل وعلا-لم ينصب أحدًا سفيرًا إلى خلقه سوى محمد-صلى الله عليه وسلم-، أعني من هذه الأمة
.
فهو-عليه الصلاة والسلام-آخر من بعثه الله من النبيين والمرسلين، ورسالته خاتمة الرسالات، والكتاب المنزل عليه من رب العالمين هو آخر الكتب، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)(107-الأنبياء)، وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)(28-سبأ)، وقال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)(158-الأعراف)، وفي الحديث الصحيح: (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة).


والحاصل: أن ما شرعه الله-سبحانه وتعالى-لعباده ليعبدوه به، ويتقربوا إليه به، هو في كتابه وفي سنة رسوله-صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(7-الحشر).


والمعنى: مهما يأمركم به هذا الرسول فاعملوه وإن كان يشق على الناس، ومهما ينهاكم عنه فاجتنبوه وإن كانت النفوس تهواه.
ثم ختم الآية بقوله: (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، وهذه الآية نظيرها قوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (63-النور).


والمقصود: أن من أراد سبيل المؤمنين وطريق المتقين، فليلزم شرع الله الذي أنزله على محمد-صلى الله عليه وسلم-و أوحاه إليه، هذا الشرع إما كتاب وإما سنة صحيحة، فالسنة تفسر القرآن وتدل على ما يدل عليه القرآن، وتعبر عما يعبر عليه القرآن، قال-صلى الله عليه وسلم-: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)فذكر الحديث وفيه: (ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله).


وفي التنزيل الكريم ما هو أقوى من هذا، قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4))(3-4النجم) فتبين بهذه النصوص وما في معناها من آي التنزيل الكريم، والمتواتر الصحيح عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه لا يعبد الله إلا بما شرعه في هذين الوحيين.
ولهذا قال أهل العلم في معنى شهادة (أن محمدًا رسول الله): هي طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وما زجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.

ويذكر أهل العلم بناءًا على ما استفاض لديهم من الأدلة وهي آي التنزيل الكريم، وصحيح سنة محمد-صلى الله عليه وسلم-أن من شروط العمل الصالح التي لا يقبل الله العمل إلا بها تجريد المتابعة لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-.


فالعمل يحكم عليه من جهتين:
الجهة الأولى: باطنه لا يعلمها إلا الله-سبحانه وتعالى-، ولا سبيل للخلق إليها، وهذه جهة الإخلاص.

الجهة الثانية: متابعة النبي-صلى الله عليه وسلم-، وهذه جهة ظاهرة، فإن ما يظهر من أعمال الناس وأقوالهم لا يخلو عن قسمين:

القسم الأول: إما أن يكون موافقًا للسنة، وهذا صحيح.

القسم الثاني: وإما أن يكون مخالفًا لها، وهذا باطل.
فأهل السنة لا يحكمون على بواطن الناس، ولا يتحسسون عن نياتهم، هذا موكول إلى الله-سبحانه وتعالى-، فهو الذي يعلمه ويحاسب الناس عليه يوم يلقونه، وإنما يحاسب أهل السنة ويحكمون على ما يظهر لهم من أقوال الناس وأعمالهم، أسوتهم في ذلك محمد-صلى الله عليه وسلم-.

وهاكم بعض الأمثلة التي حكم عليها محمد-صلى الله عليه وسلم-:

فمن تلكم الأمثلة المستفيضة أن رجلًا قال له: (ما شاء الله وشئت يا رسول الله)، قال: (ويحك أجعلتني لله ندًا، قل ما شاء الله وحده)، ومنها حديث المسيء صلاته وهو حديث مشهور، ويحفظه كثير من أبناءنا وبناتنا في الصفوف الابتدائية.

وخلاصته: أن ذلك الرجل دخل المسجد فصلى ثم جاء فسلم على النبي-صلى الله عليه وسلم-، فقال له: (ارجع فصلي فإنك لم تصلي)ثلاث مرات، وفي المرة الرابعة علم الرجل أن صلاته ليست على شيء، فقال: (والذي بعثك بالحق نبيًا لا أحسن غير هذا فعلمني)فعلمه النبي-صلى الله عليه وسلم-الصلاة الصحيحة، والحديث معلوم معروف مشهور.

والمقصود: التنبيه على أمرين أو ثلاثة:

العمل الأول: التزود من العلم، والمقصود به العلم الشرعي، وهو فقه الكتاب الكريم، وفقه سنة النبي-صلى الله عليه وسلم-، وعلى وفق فهم السلف الصالح وهم: (كل من مضى بعد رسول الله-صلى الله عليه وسلم على أثره)من الصحابة-رضي الله عنهم-، ثم الأئمة بعدهم.

فمن أئمة التابعين: سعيد بن المسيب وأبو العالية الرياحي والشعبي عامر بن شراحيل والقاسم بن محمد بن أبي بكر وعروة بن الزبير وغيرهم.

وبعد التابعين من الأئمة: كالأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المحترمة المتبوعة، والليث بن سعد، وأصحاب الأمهات الست، وغيرهم ممن هو على هدى وتقوى وتوحيد وسنة، هذا هو العلم الشرعي، فإن المرء كل ما ازداد علمًا استنارت بصيرته، وصلحت سريرته وعلانيته.

وإلى ذلكم الإشارة بقوله-صلى الله عليه وسلم-: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)يعني يرزقه في الدين الفهم والبصيرة حتى يعلم أن ما يعمله مأمور به من الله-عز وجل-، وأن ما يدعه ويتركه منهيٌ عنه من الله-جل وعلا-، فلا تفقه المتابعة الصحيحة إلا بالعلم الشرعي.

ولهذا: كان ورثة الأنبياء-عليهم الصلاة والسلام-من أممهم العلماء، قال-صلى الله عليه وسلم-: (وإن العلماء هم ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به اخذ بحظ وافر).

وأبلغ من هذا قول الحق-جل وعلا-:(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)(28-فاطر)، وقد زكى الله-سبحانه وتعالى-أهل العلم، أعني: الشرعي الراسخين فيه تزكية ما فوقها تزكية، وتعديل ما فوقه تعديل، وذلكم أنه استشهد هم على أعظم المقامات، بل هو أصل الدين وأساسه، أتدرون ما هو؟ إنه وحدانيته، قال-جل وعلا-: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(18-آل عمران)، فصفوة الله من أتباع الأنبياء أصحابهم ثم من تبعهم بإحسان من أهل العلم والدين والإيمان.

ومن فضائل العلم وأهله: أنه كلما وجد العلماء في الأمة قويت السنة وقوي التمسك بها، وانشمرت البدعة حتى تكاد تضمحل، وإذا قل أهل العلم فشا الجهل وظهرت البدعة وقويت وقوي أهلها، وهذا يستوجب علينا توقير أهل العلم، واحترامهم والأخذ عنهم والذب عنهم-الذب عن أعراضهم-.

وقديما كانوا يقولون: (امتحنوا أهل المدينة بمالك، وامتحنوا أهل مصر بالليث بن سعد، وامتحنوا أهل الشام بالأوزاعي، وامتحنوا أهل الكوفة بسفيان، وامتحنوا أهل الموصل بالمعافى بن عمران).

فكان أهل الأقطار من علماءهم يسألون الوافدة إليهم عن علماءهم، فإن أثنوا عليهم خيرًا قربوهم وأكرموهم، وإن اثنوا عليهم شرًا أبعدوهم ومقتوهم، وذلكم لما قام في قلوب القوم ونفوسهم من حب أهل العلم الشرعي، لأنهم حملة الشرع، فشرع محمد-صلى الله عليه وسلم-ورثه أصحابه، وورثه عن الصحابة أئمة التابعين، وورثه عن أئمة التابعين من سمينا وهكذا لا يزال شرع محمد-صلى الله عليه وسلم-يتوارثه أهل العلم والدين والإيمان.

والمقصود: أنه ينبغي لمن كان لديه قدرة وسعة وقت أن يجهد نفسه في تحصيل العلم الشرعي، حتى ينال السعادة في دنياه وآخرته، ألم تسمعوا ما قدمناه آنفًا إلى قوله-صلى الله عليه وسلم-: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)، فهذا إخبار عن من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، بأن السعادة التامة سبيلها تحصيل العلم الشرعي، الخيرية التي تنتظم سعادة الدين والدنيا والآخرة سبيلها واحد وهو العلم الشرعي.


فلم يُقِمْ الله-سبحانه وتعالى-جاهلًا يفقه الناس في دين الله، وإنما أقام العلماء فهم أهل البصيرة.

وقد ثبت بالاستقراء أن المنتسبين لميدان الدعوة أصناف ثلاثة:

الصنف الأول: هم أهل البصيرة وهؤلاء هم الفقهاء الذين عَلِمُوْا من دين الله، عَلِمُوْا من كتابه ومن سنة نبيه-صلى الله عليه وسلم-، ومن سيرة السلف الصالح ما أهَّلَهُم إلى أن يكونوا دعاة إلى الله-عز وجل-، يسلكون سبيل محمد-صلى الله عليه وسلم-، وسبيل أصحابه، وسبيل أئمة الهدى بعدهم، فهؤلاء هم الذين أخبر الله عنهم في قوله: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(108-يوسف).

البصيرة هي: الفقه في دين الله.

الصنف الثاني: الجهلة، فهؤلاء لا يحسبون دعاة، ولا يغركم أن بعض الوسائل ترفع وبعض الجماعات الدعوية الحديثة ترفع رجالًا فوق الرؤوس، وهم من أجهل الناس في العلم الشرعي، ليسوا من أهله ولكن رفعوهم لأنهم مَعْبَر لهم وجسور.

الصنف الثالث: أهل الهوى، دعاة الهوى والضلال، فالصنف الثالث مَعْبَرُه إلى الإفساد في الأمة هم الصنف الثاني.
فتزودوا بارك الله فيكم من الفقه في دين الله، واستعينوا بالله، ورافقوا أهل العلم ما استطعتم إلى ذلك سبيلًا، والمرافقة متيسرة، كان من قبلنا يرحلون مشاة على الأقدام أو ركبانًا على الإبل أو البغال أو الحمير.


والآن قد هيئ الله من السبل ما يمكن الرجل والمرأة من تحصيل العلم الشرعي وهو في بيته جالس، عن طريق الوسائل الحديثة تمكن ولله الحمد أهل الأقطار النابهين الفطناء الحذاق الناصحين لأنفسهم، من الأخذ عن أهل العلم وهم في بيوتهم أو في مساجدهم، وهذه الوسائل منها الاتصال الهاتفي أو عن طريق شبكة الإنترنت وغير ذلك من الوسائل.



وفق الله الجميع لما فيه مرضاته



وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



بارك الله فيكم.



هذا سائل يقول: شيخنا بارك الله فيكم، إني أحبكم في الله، يستدل الحزبيون والخوارج على كفر الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، بقوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(44-المائدة)، فنرجوا من فضيلتكم بيان هذه المسألة ورد الشبهة فيها، وجزآكم الله خيرًا؟

الجواب:
أولا: ليس غريبًا أن تلقى مثل هذه الشبهة، فأهل الهوى ودعاة الضلال والانحراف بضاعتهم هي الشبه، ومنشأ هذه الشبه سوء القصد، فمن كان قصده سيئًا فلا حيلة فيه ولا نستطيع إقناعه، وعرف أن إلقاء الشبه كذلك قد يكون منشأه سوء الفهم، ولكن هذا أمره هين، وهذه المسألة قد بينها أهل العلم وأوفوها حقها وبينوا وجه الصواب فيها، وقد أدلينا بدلو بسيط.



قام بتفريغه: أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد





الثلاثاء الموافق: 19/ رجب/ 1431 للهجرة النبوية الشريفة.





بتصرف يسير.............
لقراءة الملف منسق:
هنا (http://www.box.net/shared/80vfaiszj7)

لسماع الملف الصوتي:
هنا (http://www.4shared.com/audio/He1Z1OLi/_______.html)