تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : [صوتية وتفريغها] [جديد] تفريغ محاضرة الشيخ العلامة محمد بن هادي المدخلي في التعليق على أثر مفضل فِي التحذيرِ من طرقِ أَهلِ البدع



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
09-Mar-2018, 12:45 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه،
وبعد:
فيسّرني أن أقدم لإخواني هذه المادة المنهجية القيّمة وهي عبارة عن تفريغ لمحاضرة هاتفية ألقاها فضيلة الشيخ العلامة محمد بن هادي المدحلي-حفظه الله- يوم السبت ظ،ظ¥ صفر ظ،ظ¤ظ£ظ©هـ على إخوانه وأبناءه في مركز أبي بكر الصديق الإسلامي بمدينة هنترامك، ميتشجن بأمريكا الشمالية، وكانت بحضور وتقديم الشيخ عبد الرحمن العميسان -وفقه الله-

وليعلم القرّاء الكرام أنني قمت في هذه الموضوع بتقسيم المحاضرة إلى محاور أساسية حسب ما بدى لي من موضوعها، وعَنوَنْتُ لكل واحدة منها بما يناسبها -إن شاء الله-، ثم وضعته بين معقوفتين مميزا إياه باللون الأحمر.
كما أنني عزوت الآيات القرآنية إلى مواضعها من السور، وخرجت الأحاديث والآثار -حسب ما تيّسر لي- فهذا من جملة العمل المتواضع الذي أضفته إلى أصل المحاضرة[1] (https://www.sahab.net/forums/index.php?app=forums&module=forums&controller=topic&id=166215#_ftn1) ، خدمةً وتيسيراً على إخواني القرّاء الكرام، فما كان فيه من صواب فهو من توفيق الله، وما كان من خطأ فهو من تقصيري وعجزي فأستغفر الله منه.
أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا العمل، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم -جل وعلاّ- وأن يجزي شيخنا خيرا الجزاء. وأترككم مع نص المحاضرة:

((التَّعْلِيقُ عَلَى أثَرِ الإِمَامِ "مُفضَّلٍ بنِ مُهلهلٍ" فِي التَّحِذيرِ مِنْ طُرُقِ أَهْلِ البِّدَع))

الأثر:
قَالَ الإمَامُ مُفَضَّلْ بنُ مُهَلْهَلْ –رَحِمَهُ الله تَعَالَى- :
(لَوْ كَانَ صَاحِبُ الْبِدْعَةِ إِذَا جَلَسْتَ إِلَيْهِ يُحَدِّثُكَ بِبِدْعَتِهِ؛ حَذِرْتَهُ , وَفَرَرْتَ مِنْهُ , وَلَكِنَّهُ يُحَدِّثُكَ بِأَحَادِيثِ السُّنَّةِ فِي بُدُوِّ مَجْلِسِهِ , ثُمَّ يُدْخِلُ عَلَيْكَ بِدْعَتَهُ، فَلَعَلَّهَا تَلْزَمُ قَلْبَكَ ،فَمَتَى تَخْرُجُ مِنْ قَلْبِكَ) [ابن بطة في الإبانة الكبرى:394]


قال الشيخ محمد بن هادي المدخلي –حفظه الله تعالى- :(1) (https://www.sahab.net/forums/index.php?app=forums&module=forums&controller=topic&id=166215#_ftn1)
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حيَّاكُم الله ومرحباً بكم أيُّها الإخوة والأبناء الكِرام، وأسأل الله -جل وعلا- أن يبارك في الجميع.


[ تمهيد ]
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلامُ على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعد:
فإنه لمن دواعي السُّرور أن ألتقي بإخوتي وأبنائي في أمريكا في هذه الليلة؛ ليلة الأحد الموافق لليلة السادس عشر من شهر صفر عام تسعة وثلاثين وأربع مئة وألف من هجرة المصطفى r في موضوع مهمٍ جدا، بل هو في هذا الزمان مما ينبغي ويتأَكّد التذكيرُ به والتواصي به والتناصُح به بين أهل السنة، ذلكم الموضوع الخطير على الدين، من أهمَلَهُ وأغفَلهُ ولم يتفقَّد نفسه فيه، دخل عليه الخَلَلُ في دينه، والنقص في دينه، والانحراف في دينه، بل ربما أدَّى به إلى الرِّدَّة -والعياذ بالله- كما ذكر ذلك السّلف -رحمهم الله تعالى- فإنه قد جاء عن جمعٍ من السلف أن أكثر النّاس وأسرع النّاس ردة عن الإسلام هم أهل الأهواء -عياذا بالله من ذلك-.
ذلكم الموضوع الذي أُشيرُ إليه هو ما سمعتم في مقدّمة أخينا الشيخ الدُّكتور عبد الرحمن العُمَيسان -وفقه الله- الإشارةَ إليه، في أثر مفضّل ابن مهلهل الضّبي السّعدي -رحمه الله تعالى- ، ذلكُم الأثر العظيم الذي امتلئ بالفقه في هذا الجانب، وينبغي مراعاته في هذا الوقت.

[فصلٌ في: التحذير من مجالسة أهل الأهواء والبدع ]

فإن مجالسة أهل الأهواء والبدع خطرها في الدين عظيم على المجالِس، والبدعُ قد كثُرت وانتشرت وهي من أعظم الشُّرور التي حدثت في هذه الأمَّة، وبسببها تفاقم أمرُ هذه الأمة، وبسببها حصل الإلتباس على الناس في الدين.
هذه البدع المضلة، وأهلها هُم المضِلُّون، حصل بسببها لَبْسُ الحقِ بالباطل-عياذا بالله من ذلك-، والمبتدعة بلسان حالهم -وإن لم يقولوا بمقالهم- مستدركون على الله القائل: ï´؟الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًاï´¾[المائدة:3] ، والمبتدعة بلسان حالهم -وإن لم يقولوه بألسنتهم ومقالهم- مستدرِكون على الرسول r الذي ما قبضه الله U إليه إلى الرفيق الأعلى إلاّ وقد بيّن لنا البيان التام الكامِل ï´؟الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًاï´¾[المائدة:3] ، وما توفي -عليه الصلاة والسلام- إلا وقد تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .
ففي البدع استدراكٌ على الله واتهامٌ للنبي صلى الله عليه وسلم بعدم البلاغ وبعدم إكمال الدين، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام محذراً منها : »شَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَة« [انظر: مسلم: 15236، والنسائي:1578 واللفظ له] ، وقد صحت الزيادة المشهورة »وَكُلُّ ضَلَالَةٍفِيالنَّارِ« [النسائي: 1578] عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
فالمبتدعة يأتون إلى الناس بعبادات لم يشرعها الله ولا رسوله، ويأتون إلى النّاس بعقائد لم يشرعها الله ولا رسوله r ، ويأتون إلى الناس باستحسانات لم يشرعها الله ولا رسوله ، ولذلك صدَق عليهم قوله -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح مسلم في مقدمته: »سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ«[مسلم: 1/12].
والمرادُ بذلك أن هؤلاء المبتدعة هم الذين يأتوننا بما لم نعرفه عن سلفنا الصالح من آبائنا وأجدادنا وآباء أجدادنا وأجدادهم وهكذا إلى عصر أصحاب رسول الله r ، فَهُمْ مُحدِثون في دين الله ما ليس منه، ومُلبِّسون على الناس دينهم نسأل الله العافية والسلامة.
وإذا كان أمرُهم كذلك وجب هجرُهم ومنابذتهم وعدم الإصغاء إليهم، ولا الاستماع إلى كلامهم، ولا مجالسَتِهم، ولا القُرْب منهم، فهجرهم ومنابذتهم من أعظم أصول الدين التي يحفظ الله I بها على المسلم دينه، وبها -بعد رحمتهU- يقيه شرّ الهلاك والارتماء في أحضان أهل البدع والضلالات، وقد جاء في القرآن ما فيه إشارةٌ إلى هذا الأصل، حيث قال الله U : ï´؟وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىظ° يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىظ° مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَï´¾ [الأنعام:68] .
فأهل الأهواء والبدع -عياذا بالله- أمرهم عظيم، وخطرهم جسيم على هذه الأمة، فلذلك تكاثرت الآثار وتوافرت، بعضها يؤيد بعضا، وإن اختلفت الألفاظ فالمعنى واحد، جاءت عن السلف متضافرةً متكاثرةً في التحذير منهم، وعدم الرُّكون إليهم، وعدم الجلوس معهم، وعدم ائتمانهم، فالآثار عن السلف في هذا كثيرة، وسِيَرهم إذا نظرتم فيها وقرأتموها وجدتموها مليئة بالتحذير من أهل البدع، والحَّث على إذلالهم، والبعد عنهم، والبراءة منهم، وذلك بسبب أنّ مجالَسَتهم ممرضة للقلوب -نعوذ بالله من ذلك- وقد جاء ذلك عن بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وأظنه إبن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ ، فَإِنَّ مُجَالَسَتَهُمْ مُمْرِضَةٌ لِلْقُلُوبِ) [الآجري في الشريعة: 1/453، وابن بطة في الإبانة الكبرى(371) بلفظ "لا تجالس" ، وقد عزاه بهذا اللفظ إلى الحسن(373)] رضي الله عنه، مجالَسَتهم ممرضة للقلوب، تُمرِضُ الدِّين، فإن الدِّين: "إعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، وعملٌ بالجوارح والأركان، يزداد بالطاعة، وينقص بالعصيان -نسأل الله العافية والسلامة- "، يجب علينا أيها الأحبة أن نقبل نصح الناصحين وعظة الواعظين وأن نعلم أن هذا العلم دين، فننظر ما نصنع فيه، وننظر عَمَّن نأخذ، وننظر أيضا بمن نقتدي، وننظر أيضا إلى من هو الأمين على الدِّين ، فأهل البدع كُلهم مبطلون أفّاكون آثمون لا يرعَوُون ولا ينظرون، وأهل البدع لا يتَّقُون.
فالواجب علينا -معشر الأحبة- أن نكون حذِرين منهم، ومجانبين لهم، وأن نمشي على ما مشى عليه علمائنا الأوَّلون وأن لا نجلس إليهم، ولنعلم أن أصحاب البدع يتظاهرون -لنا معاشِر أهل السنة وللمسلمين عموماً- بحسن الأخلاق، ويتظاهرون بالدعوة إلى الدين، ولا يظهرون بدعهم من أول وهلة، لأنهم لو أظهروها حينما نجلس إليهم لحذرناهم ، ولكن إذا رَأَوا منا الغفلة في هذا الباب، ورَأوا منا التساهل في هذا الباب، ورَأوا منا التجاهُل في هذا الباب، فإنهم يطمعون، ولا يبدؤوننا بما هم عليه من الضَّلال، لأنهم يعلمون إذا أظهروا ذلك من أول وهلة، وأخرجوهُ للسُّني، فإن السُّني سينفِر منهم من أول ما يسمع ذلك، ولخبثهم ومكرِهم وشدّة ضررهم وتلونهم لا يبدؤون الإنسان بدَعوته إلى ما هُم عليه من الضَّلال، وإنما إذا تمكَّنوا مِنه، أمكَنُوا فيهِ سُمَّهُم -نسأل الله العافية والسلامة-، وإذا كان الأمرُ كذلك فالواجب على المسلم أن يحذَر من هؤلاء، وأن يعلم أن مجالَسَتَهم شرٌ، وليعلم أنه وإن لم يلْقَها من أول وهلة سيجدُها ولو بعد حين، فالسّلف –رحمهم الله تعالى- صادقون، مجرِّبون، عندهم الخبرة في هذا -رحمهم الله-، ومن تأمَّل الوقائع والحوادث على مَرِّ الزَّمان وجد مصداق مقالهم -رحمهم الله تعالى-.

فلا يظنَن إنسانٌ أن هؤلاء الأئمة -رحمهم الله- يبالغون، ولا يظنَنَّ إنسانٌ أن هؤلاء الأئمة -رحمهم الله تعالى- يَغْلُون في هذا البَاب، لا والله ، وإنما هُم مجرِّبُون.

ولهذا سمعتم هذا الأثر العظيم أثر مفضّل بن ملهل -رحمه الله- الذي قال فيه: (لَوْ كَانَ صَاحِبُ الْبِدْعَةِ إِذَا جَلَسْتَ إِلَيْهِ يُحَدِّثُكَ بِبِدْعَتِهِ) يعني من أول ما تجلس، (حَذِرْتَهُ), يعني تحذره وتهرب منه وتتركه، (وَفَرَرْتَ مِنْهُ), إذن كيف يلبّس عليك ؟!، يلبّس عليك أن يبدأ معك بالحديث عن السنّة وبأحاديث السنّة حتى تطمئن إليه، فإذا اطمأننت إليه، حينئذ يمكِّن شوكته في جسمك ويغرزها فيه، فيُرسِل السُّموم -نسأل الله العافية والسلامة-، يُدخِل عليك بدعته بعد ذلك، فإذا أدخل عليك البدعة مع ما تراءى لك به، وتظاهر لك به، وتزيَّن لك به في بدو الأمر من دعوته إلى السنّة وإظهار السنّة تعلَّقت به، فحينئذ إذا تعلقت به، أرسل إليك هذا البلاء وهذا السُّم الزُّعاف فلعله لا يخرج من قلبك، يلزَمه فلا يخرُج منه، ولا تستطيعُ إخراجه، فحينئذ يصبح الصاحِبُ ساحِب فيَسحَبُك إليه، ويصبح المجاَلَس (إسم مفعول: هذا المبتدع الذي جالستهُ) يصبح مجاَنَس تجانسُهُ أنت فتصير على طريقته –نعوذ بالله من الضلالة والغواية بعد الهداية فنسأل الله العافية والسلامة.

فهؤلاء المبتدعة الواجب عليك أيها الأخ المسلم السُّني أن تبتعد عنهم، وأن تقرأ أقوال السَّلف فيهم، فمن هذا أثر عَمْرو ابْن قَيْس الملائي المشهور، يقول : (لَا تُجَالِسْ صَاحِبَ زَيْغٍ , فَيزِيغَ قَلْبكَ) [ابن بطة في الإبانة:366 و390 ، عن الملائي: قال:كان يُقال، ثم ذكره].

فصاحب البدعة إذا جالسته لا يكشف لك عن حاله وعن إعتقاده وعن طريقه السيئة من أول ما تجلس إليه ومن أول ما تسمع منه، وَلَكِنَّهُ بعدما يلبِّس عليك ويستوثِق منك بما أظهره وما ظهر به من السنة ، يصب فيك سُمَّه نسأل الله العافية والسلامة ، والمرء على دين خليله نسأل الله العافية والسلامة، فالواجب علينا أن ننظُر من نخالِل، لأن أصحاب الأهواء مُداخلَتُهم بلاء، ومجالَسَتُهم شقاء، والسَّماع منهم انحرافٌ وضلالٌ عن دين الله -جلّ وعلا- في آخرته، فنعوذ بالله من ذلك.

واعلم أيها الأخ السُّني أنه ليس لصاحب بدعة هَمٌ ولا قَصدٌ إلاَّ أن يحرِفَ الناس عن دين الله تبارك وتعالى، وإذا كان الأمرُ كذلك فيجب علينا معشر الأحبّة أن نحذَر من هؤلاء، لأن مجالسَتهم شرٌ على من يجالِسُهم في الدين والدنيا نسأل الله العافية والسلامة، والواجب علينا أن نكون كما قال أئمة الهُدى، أن نبتعد عن هؤلاء، وأن نحذَرهم غاية الحذر، لأن في الجلوس معهم -نسأل الله العافية والسلامة- الهلاك، وفي الجلوس معهم الضلال، وفي الجلوس معهم الإنحراف عن دين الله جل وعلا. وليعلم الإنسان أن هؤلاء لا يمكن أن يتّفقوا معه مادام على غير طريقهم، ولكنهم لا ييئسوا منه، ويحاولون بكل الطرائق أن يضِّلوه فإذا تمكَّنُوا منه فهذا مرادُهم، وإن لم يتمكنوا منه فإنهم حينئذٍ سيتركونَه ويلفظونه.

[فصلٌ في: بيان مخالفة المميِّعة والمُخذّلة لهذا الأصل العظيم]

فمُجالسة أهل الأهواء -أيها الأحبّة- ممَّا ابتلينا به هذه الأيام، وخاصة ممن اُبتلوا بدافع التخذِيل والتَّميِيع.
فإنا قد اُبتلينا بهذين الصنفين من الناس الذين يخذِّلون أهل السنة عن هجر المبتدعة، وعن التباعد منهم، وإظهار عيبهم، والطعن فيهم، وتحذير الناس منهم.

هؤلاء المخذِّلين لا يرون بأساً في أن تجالسوا أهل الأهواء، ولا يرون بأساً في أن تجالسوا أهل البدع، حتى إنَّ بعض هؤلاء "يفتخر بأنه ولله الحمد! ليس له اشتغال بالجرح والتعديل! ، ويفتخر بأنه ليس له اشتغال بتفريق الأمة!" هذا لا يجوز، كلماتٌ ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله فيه العذاب.

أمَّا الجرح والتعديل لأهل الإسلام من حيثُ الإستقامة وعدم الإستقامة فباقٍ إلى قيام الساعة، وهَاهُم الشُّهود لا يزالُ الناسُ يطعنون فيهم عند القُضاة في المحاكم، ويطعنون في عدالتهم، فلا تُقبل شهادتهم، فلا يؤخذ بها في الدينار والدرهم، وفي دماء المسلمين وأموالهم، فإذا كان هذا باق إلى يوم القيامة حفاظاً على دُنيا المسلمين، فلهو في باب الحفاظ على دين المسلمين أولى وأحرى.

فالطعن في أهل الأهواء والبدع وبيان حالهم وكشف أمرهم وفضح ما هُم عليه، هذا قد حكى فيه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وغيره من الأئمة: كالبَغوي والذّهبي وابن عبد البر وغيرهم وغيرهم قد حكوا فيه الإجماع رحمهم الله تعالى، فالطعن فيهم باقٍ إلى يوم القيامة ، بل السلف -رحمهم الله- يعدُّون هذا من أفضل أنواع الجهاد، بل هو أفضل من الضَّرب بالسُّيوف عندهم، لماذا؟ لأن فيه حِفظا لدين الله تبارك وتعالى.

فالواجب علينا أن نحذر كل الحذر من مجالسة هؤلاء المبتدعة والسَّماع منهم، فإذا رأينا من يجالسهم أو يسمع منهم، وجبَ علينا أن نحذِّرَه، وأن نعرّفه ثم إن رأيناه بعد ذلك يجالسهم فعلينا أن نتَّقِيَهُ لأنه صاحبُ هوى، ولا يمكن أن يجلس -بعد أن تُعَرِّفَهُ وتحذِّرَهُ- إلاَّ وهو على طريقته، فالواجب عليك أن تحذَر منه.

ويجب عُقوبة -كما ذكر شيخ الإسلام في كلامه المشهور الذي يعرفه الكثير ولله الحمد من طلبة العلم [كما في مجموع الفتاوى: 2/132]- مَنْ ينتسب إليهم، أو يذب عنهم، أو يثني عليهم، أو يعتذر لهم، فهذا لابد من القيام عليه وبيان حاله، لأنه يتظاهر لأهل السنّة بأنه سُني وسلفي، لكن في الحقيقة داءه على أهل الإسلام عظيم، وشرُّه عليهم عظيم، وخطره عليهم جسيم، لأنه سُني، وإذا جلس إلى هؤلاء، وتلقّح بأفكارهم، وأخذ دينهم وطريقهم، فإنه وحينئذ سينتهي به الأمرُ أن يكون معهم، وعلى طريقتهم، ومدافعا عنهم، أو مشككاً -أقل الأحوال- في الكلام الذي يصدُر من علماء الإسلام فيهم.

وهو معاند لقول الله عز وجل في الآية السابقة التي ذكرناها-: ï´؟وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىظ° يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىظ° مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَï´¾[الأنعام:68].
هذه الآية فيها وعظٌ جميل، وفيها وعظٌ بليغ للذين يتساهلون بمجالسة أهل البدع والمشركين والمتلونين والمتلاعبين بدين الله -تبارك وتعالى-، فيها حثٌ على البُعد عن هؤلاء جميعا،
ï´؟وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَاï´¾ : يعني بغير علم، ويصرفونها عن معانيها الصحيحة،
ï´؟فَأَعْرِضْ عَنْهُمْï´¾: فأمر الله U بتركهم. ثم قال:
ï´؟حَتَّىظ° يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِï´¾ : يعني حتى ينتهوا عن هذا الباطل الذي هُم فيه.
ولو نسيت وحصل لك نسيان، فاسمع ماذا يقول الله -جل وعلا- :
ï´؟وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُï´¾ : يعني فتقعد معهم، إذن فالجلوس معهم من طريق الشيطان وتزين الشيطان وتَسْوِيل الشيطان وتحسين الشيطان لذلك.
قال: ï´؟فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىظ° مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَï´¾ : فسمَّاهم الله U ظالمين، وهم مستَحقُّون لذلك، لأنهم يحرّفون كلام الله، ويتلاعبون بكتاب الله، وبسنة رسول الله r ، ويحملونها على أهوائهم، ويردُّونها على أهوائهم المضلة، ويردونها على بدعهم الفاسدة، فإذا لم يُنكَر عليهم، وإذا لم يُغَيَّر ما هُمْ فيه، فإنهم يشبِّهون على العَامَة.

ويزيدُ هذا الذين يجلِس من أهل السُّنة بجلوسه مع أهل الأهواء يزيدُ خطورة عن أهل الأهواء بأن ضرره على أهل الإسلام أكثر، يقولون:
"لو كان في فلان شر ولو كان فلانٌ مبتدع! ، ما جلس إليهم فلان! " فيجعلون حضوره معهم وإن لم يكن على طريقتهم، وإن لم يكن راضيا بأفعالهم، يجعلون جلوسه معهم شُبهة يلبِّسون بها على النّاس، ويُشَبِّهون بها على العَامَّة، فيكون حينئذ -معشرَ الأحبة- حُضورُ هذا السُّني أو هذا السَّلفي مجالِس هؤلاء المبتدعة والقعود معهم فيه شرٌ عظيم، وفيه مفسدة عامة زيادة على المفسدة الخاصة، فإن في هذا الأثر مفسدتين:
المفسدة الأولى: انحرافه هو في النهاية وفي النتيجة.
والمفسدة الثانية: هي تلبيسُه على الناس وعلى أهل السنة بحضوره مع هؤلاء المبتدعة، فتكون هناك مفسدة زائدة على مجرّد سماعه هو، وانحرافه هو.

فهذه المجالس التي لا تعدُّ ولا تحصى مع أهل الباطل، يكون حينئذٍ شرُّها عظيم على الخاص والعام:
الخاص: هو المجالِس.
والعام: الذين يرَوْن في هذا الجليس -الذي يجلس للمبتدعة- القُدوة فيقتَدون به، فيقولون كما قلتُ لكم: "لو كان في هؤلاء شر ما جلس إليهم فلان وفلان وهو سلفي! "، فيصبح هذا متَعَلقا لمن قل علمهم، أو ممن مرضت قلوبهم -عياذا بالله من ذلك-.

فالنجاة النجاة معشر الأحبة بالبعد عن أهل الأهواء، ومناجزتهم، ومفاصلتهم. وليُعلَم أن هؤلاء أضرّ علينا من أهل البدع الأصلِيِين، الذي يجالس المبتدعة إذا رأيته وحذَّرته ونصحته فأبَى، اِعلم والله أنه أشَدّ عليك من المبتدعة الأصليين، لأن المبتدع الأصلي معروف عند أهل السنة، يعرفونه، أمّا الذي يجالسه وأصله من أهل السنّة وظاهرهُ السنّة، هذا يكون ضرراً عليهم -نسأل الله العافية والسلامة-.

ولذلك جاء في الأثر المشهور في هذا جداً عن فُضيل بن عياض -رحمه الله-أنه قال: (مَنْجَلَسَمَعَصَاحِبِ بِدْعَةٍفِيطَرِيقٍ؛فَجُزْفِيطَرِيقٍ غَيْرِهِ) [البربهاري في شرح السنّة، وابن بطة: 493 بلفظ آخر] يعني: لا تجلس إليهم، ولا تمر من هذا الطريق أصلاً، خُذ طريقا آخر ومُر فيه.
فمجالسة أهل البدع ضررٌ على الإنسان في دينه -نسأل الله العافية- ودُنياه:

أمّا في دُنياه: فإنه يُلحق بأهل الباطل،
وأمّا في دِينه: فإنهم يحرِّفونه عن دينه، ويضلونه عن دينه عياذا بالله من ذلك، وهذا الذي يريدونه هُم، فإنهم إذا حصلوا على ذلك حصل لهم الاصطياد للذي يُريدون.
وقد كان السلف -رحمهم الله- لا يسمعون الآية من القرآن من المبتدع، لأنهم لا يأمنونهم على دين الله -تبارك وتعالى-، لأنهم لا يأمنونهم من أن ينقلبَ شرُّهم إليهم، ولهذا من أحبَّ صاحب بدعةٍ فإنه سيتردى حينئذ وينتهي به الأمرُ إلى ما عليه صاحب البدعة. وقد كان السَّلف -رحمهم الله تعالى جميعاً- يحْذَرون من هذا، ويحَذِّرون منه.
فإذا كان كما سمعنا في كلام الفُضَيْل بن عياض يقول : إذا لقيت المبتدع وصاحب هذا في طريق فأنت خذ طريقاً آخريعني: حتى لا تراهم، وما ذلك إلاّ لأن قلوب النّاس ضعيفة، وربما تعَلَّقت بالمظاهِر.
فأهل البدع لا ينبغي لأحد أن يجالسهم كما قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-، وهو مشهورٌ عنهُ غاية الشُّهرة ، قال : (أهلُ البِّدَعِ ماَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يُجَالِسَهُمْ ، وَلَا يُخَالِطَهُمْ، وَلَا يَأْنَسَ بِهِمْ)[الإبانة 495] ، فالواجبُ على العبدِ أن يبتعد غايةَ البُعد.

[و]الآيةُ التي تلوناها أنفاً، ينبغي لطالب العلم أن يقف على كلام الشوكاني في هذا، فإنه كلام جميل في تفسيره، وقد بَيَّن -رحمه الله تعالى- النُّصْح الواجب عليه لأهل الإيمان في هذا الباب، فأنا أحب من أبنائي أن يرجعوا إلى هذا الموضِع في كتاب الله U في تفسير الشوكاني -رحمه الله تعالى- لهذه الآية العظيمة التي تلوناها عليكم قبل قليل وهي قوله عز وجل: ï´؟وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَاï´¾ [الأنعام:68] ، ففيها كلامٌ جميلٌ جداً للشيخ العلاّمة الشوكاني -رحمه الله تعالى- ، فإن طلبة العلم بحاجة إليه، وطلبة السُّنة في هذا العصر بحاجة إليه، فهذه الآية فيها وعظٌ عظيمٌ لنا معاشر المسلمين، وفيها أيضا مدحٌ للذين يتباعدون عن هؤلاء المبتدعة فيسلَمَ لهُم دينُهم.
وليُعلَم أن الإنسان عليه أن يراقب الله U في نفسه، وأن لا يأمن الجلوس مع أهل الأهواء، وأن لا يأمن على نفسه الزيغ، فإن الإنسان إذا أمن على نفسه فقد وقع في البلاء عياذا بالله من ذلك.
ومن يأمن البلاء على نفسه ؟! ، من أين له السلامة ؟! ، من الذي أعطاه بهذا صكٌ وأمان بأن الله قد عصمه وقد حفظه؟! ومن أين له أن الله -سبحانه وتعالى- قد تعهّد له بالسلامة ؟!
هذا كله -نسأل الله العافية والسلامة- من تلاعب الشيطان بأهل الإسلام وبأهل الإيمان.
فالواجب علينا –معشر الأحبة جميعاً- أن نبتعد عن هذا الباب، وأن نحذَر مجالسة أهل الأهواء، لأنهم شرٌ علينا في الدين والدنيا.

[فصلٌ في: الرَّدِ عَلَى بَعْض شُبُهاَتِ المُخاَلِفِين في ذلك]

ومن المكائد التي ينصِبُها الشيطان لابن آدم في هذا الوقت وقبل:

1/ قوله:
"أنا أثق بنفسي، أنا ما عندي ثقة في نفسي؟! أنا أثق في نفسي -والحمد لله- عارف ما عندي".

لا يا أيها العبد المسكين، اعلم أن القلوب ضعيفة، والشُبَه خطّافة، وأهل الشُبّه أهل تلبيس، فعليك أن تطلُب السلامة والنجاة، لأن العبد إذا أمن مكر الله أخذه الله عز وجل من حيث لا يدري.
فالواجب عليك أيها المسلم أن تبتعد فلا تعتمد على نفسك، فإن النفس ضعيفة، وهي أعدى عدو المرء، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذُ بربه عز وجل وهو المعصوم- من شرِّ نفسه، فمَنِ الذي يأمن على نفسه البلاء ؟!
النبي عليه الصلاة والسلام يقول: »فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ« [أحمد، وأبو داود وحسنه الألباني: 3/250، وابن باز في التحفة]، وهذا الذي يقول: "أنا واثق من نفسي" مسكين، لو كان يعلم هذا الدُّعاء، لماَ قال هذا عن نفسه.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: »فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ«، فالنفس إذا لم تُدْرِكها رحمة الله U أوقعت صاحبها في الهلاك.
فالواجب علينا جميعا أن نحذر وأن نبتعد عن هذه المقالة "أنت ما عندك ثقة في نفسك ؟!، لا أنا واثق من نفسي!" هذا كلامٌ باطل.

2/ وهكذا شُبهة أخرى،
يقولون لك: "خذ الحق واعرف الحق، وإذا عرفت الحق فإنك ستعرف الباطل".

إذن لماذا حذرنا النبي r من البدع قبل حدُوثِها؟!
وهو القائل –عليه الصلاة والسلام-: »فإنَّه من يَعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأُمور، فإنَّ كلَّ محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة«[أبو داوود:4607، والترمذي:2676، وابن ماجه:42، وصححه الألباني] »وَكُلُّ ضَلَالَةٍفِيالنَّارِ« [النسائي].
النبي -عليه الصلاة والسلام- حذَّرَنا من البدع قبل أن توجد وقبل أن تحدُث، طلباً للسلامة لنا منها.
فكيف بنا نحنُ لا نحذِّر منها وقد وقعت؟! ولا نحذِّر من أهلها وقد عرفناهم؟! وقد طلعت وذَرَّت قُرونهم؟! وقد وُجِدوا بيننا؟!
إنّ هذا علينا أعظم وأعظم في الوجوب، من علِم يجبُ عليه أن يحذِّر من هؤلاء. فيجب أن تُرَد هذه المقالة الخبيثة، التي المقصود منها –والعلمُ عند الله- المحافظة على أهل الأهواء لا ينالهم كلام من أهل السنة وهيهات.

3/ وهكذا،
من التلبيسات التي يلبِّسون بها على الناس في هذا الزمن، ليتركوا التحذير من أهل الأهواء والبدع، أن يقول لك القائل:
"يا اخي اسمع الكلام، وخذ الخير وخذ الحق، واترك الباطل"

هذا كلامٌ باطل، فإن سماعَ الكلام يقتضي أن نجلِس إليهم، هذا شر، لماذا لم يقل السَّلف ذلك؟ ، السلف كانوا يقولون "إياكم وإياهم".
ولاَ تَــصْحَبْ أَخـَـا الجَهْلِ *** وَإيــَّــــــــــــــــــــــاكَ وإِيــَّـــــــــــــــــــــــــــاهُ
فـَــــكَـمْ مِـنْ جَــاهِــــــلٍ أَرْدَى *** حَلِيماً حِـــيـــــــنَ آخــَــــــــــــــــــــاهُ
يــُــــــقَــــــــــاسُ المَــرْءُ بـِــالمَرْءِ *** إِذَا مَـــــــــــــــــا هُـــوَ مَاشَــــــــــــاهُ
وَللشَّـــيْءِ عَلـَـى الشَّــــــــيْءِ *** مَقَــــايِيـــــسُ وَأَشْبَـــــــــــــــــــــــــــــاهُ
[ابن بطة في الإبانة: 461، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قاله لرجلٍ رآه يصحبُ رجلاً كرهه له]

فـ »المَرْءُ عَلى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ«[أبو داوود (4833)، والترمذي وحسّنه (2378)] ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.
أبدا، إذا رأيت الرجل يسلِّم على الرجل فاعلم أنّه يحبه، لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: »أَفَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ، أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ«[مسلم:54، وإبن مندة في الإيمان:330 واللفظ له]
فالمبتدع لا يُجلَس إليه، فضلاً عن أن يُسمَع منه، وهؤلاء يقولون: "اجلس واسمع وأنت لك عقل تميّز، خذ الحق واترك الباطل" هذا كلامٌ باطل، لأنه كما سمعتُم -قبل قليل- كلام المفضَّل ابن مهلهل السّعدي –رحمه الله- يقول:
(لَوْ كَانَ) يحدّثك (صَاحِبُ الْبِدْعَةِ) (بِبِدْعَتِهِ) أول ما تجلس إليه (فِي بُدُوِّ) أمره لـ (حَذرْتَهُ) (وَلَكِنَّهُ يُحَدِّثُكَ) بالسنّة، فإذا تمكَّنَ مِنك أَلقَى (عَلَيْكَ بِدْعَتَهُ، فَلَعَلَّهَا) تَعلَقُ بقَلبِك (فَمَتَى تَخْرُجُ) مِنه .
هذا هو الصحيح، هذا كلام السّلف، هذا كلام الفقهاء، وأمّا هؤلاء فهُم الجُهلاء، فمن فارق طريق السلف وخالفها فهو الجاهل، ومن مشى على طريق السلف فهو العالم.


[فصلٌ في: بَيَان حَالِ الصَّعَافِقَة وَالتَّحذِير مِنْهُمْ]

وأيضا، هناك جنسٌ آخرٌ قريبونَ من أهل الأهواء، وإن تظاهروا بالسنّة في هذا العصر في عصرنا هذا في أيّامنا هذه؛ وهم الصّعافقة، فإنّهم ملحقون بأهل الأهواء ، وستكشف لكم الأيّام ما عليه هؤلاء الصّعافقة الفراريج الذين ظهروا علينا في هذه الأزمان، وفي هذا الزّمن خاصّة، في كل مكان ظهروا، هؤلاء الصّعافقة، الأغمار، الصغار، الأحداث ، أحداث الأسنان وسفهاء الأحلام، ويتظاهرون بلزوم المشايخ أو القرب من المشايخ؛ وإذا ما جاء طالب العلم وجلس إليهم لن يبدؤه بهذا، لن يبدؤه بنشر ما عندهم من الباطل.

وإنما يتظاهرون بأنهم مع الأكابر ومع العلماء ومع الشّيوخ؛ وهم كذّابون، والله كذّابون ،طعّانون في العلماء، في مجالسهم الخّاصة، يطعنون فيهم ويلمزونهم، إذا خلا بعضهم إلى بعض، تكلم بعضهم مع بعض بما هم عليه في الحقيقة والواقع.

وقد ابْتُلِينا بصنف من هؤلاء، فاحذروهم معشر الأحبة؛ فإذا وردتم على بلاد العلم فلا تجلسوا إلاّ إلى العلماء، إلى الكبار، إلى المشايخ، و احذوا هؤلاء الصّعافقة الذين يقطعون الطريق عليكم.
فلهم شبهة الآن قريبة من شبهة أهل البدع :"لزوم الأكابر... لزوم الأكابر... ونحن مع الأكابر"، وهم كذّابون، ï´؟وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْï´¾ [آل عمران:119] ، يطعنون في العلماء وفي المشايخ في مجالسهم الخاصّة.
وهؤلاء شرّ على طلاب العلم، وشرّ على طلاب السنّة، وشرّ على أبناء السنّة في كل مكان ، وفي تواصلهم معهم البلاء العظيم، عن طريق وسائل التّواصل في "تويتر" أو في "الفيسبوك" أو في "انستجرام" أو فيما يتعلق "بالواتساب" أو نحو هذه الأشياء الجديدة الحادثة .

فإن المشايخ كانوا في السابق ينظرون و يسمعون، وبعضهم يتابع المواقع فيسمع ما فيها، أمّا الآن فمع وسائل التّواصل وأدوات التّواصل هذه الجديدة، فكلُ واحد من عنده، فمتى لعلك تتابع هؤلاء جميعا !

ولكن الله -جلّ وعلا- فضح هؤلاء وأخرج خبيئتهم، في "تغريداتهم" وفي "رتويتاتهم" وفي "توتراتهم" وفي "فسبكاتهم" وفي "وتسباتهم" ونحو ذلك.
أظهرهم الله على حقيقتهم، فهم مجموعة من الصّعافقة، ومجموعة من الجهلة، ولعل بعضهم قد اندسّ في أهل السنّة والعلم عند الله -جل وعلا-.

بعضهم لم يُعرفوا إلا من سنين قريبة، سنتين أو ثلاثة أو نحو ذلك، فجاءوا بعد ذلك يحكُمُون على أهل العلم !ويطعنون في أهل العلم! ويتكلمون في أهل العلم! ويقطعون الطريق على طلبة العلم في الوصول إلى أهل العلم !
فاحذروهم معشرة الأحبة، فإنهم والله فيهم شبه كبير من هؤلاء الذين ذكرناهم قبل قليل، لأنكم إذا جلستم معهم لن يحدثوكم بما هم عليهم في بُدُوِّ أمرهم، وإنما يتكلّمون بذلك إذا استثبتوا منكم، ورأوا مَيْلَكم إليهم، واستحكموا الأمر، وعلموا من قلوبكم أنها قد اطمأنّت إليهم ، فإذا ركنتم إليهم أرسلوا إليكم سهامهم و رشقوكم بها، وافرغوا فيكم سمومهم.

فاحذروهم كل الحذر معشر الأحبّة ، ولا تنظروا في مواقعهم ، ولا تستمعوا إلى كلماتهم، فإنهم -والذي لا إله إلا هو- شرّ على المسلمين وعلى أهل السنة عامة في كل مكان .

فاحذروهم غاية الحذر، لأنهم والله لا يستفيد منهم إلا أعداء الدعوة السلفية، فإنهم قد جاؤا بالفضائح والقبائح، وأهل السنّة إذا ما اطّلعوا على مقالاتهم عرفوا جهالاتهم ، و لكن الذي لم يطّلع لا يعرف، "ومن علم حجة على من لم يعلم".

و ليُعلم أنهم قد أصبحوا حجة للمبطلين على أهل السنة، فأصبحوا يستدلون بهم، وعلى أنهم هم تلاميذ المشايخ وعلى أنهم هم الذين يتكلمون بإسم المشايخ، لا والله كذبوا ورب الكعبة ؛ فلا تأمنوهم ولا تسمعوا لهم ولا تأخذوا عنهم، فإن هؤلاء قطّاع الطريق على طلبة العلم، قطاع الطّريق على أهل السنة، يقطعون الطريق في ما بينهم وبين أهل العلم.

فاحذروا -حفظكم الله- أهل الأهواء، واحذروا من المتشبّهين بطلبة العلم والعلماء، فإنهم متشبّهون وليسوا منهم في الحقيقة؛ هؤلاء شرّ و بلاء، ويوشك الله -وجل وعلا- أن يفضحهم، ويهتِك سترهم، ويفضح أمرهم، ويُظهر خِزيَهم على رؤوس الأشهاد -نسأل الله العافية و السلامة-.

فاحذروا معشرة الأحبة من الرُّكون إلى هؤلاء كما تحذرون من الركون إلى أهل الأهواء، فإن في ذلك الخير الكثير وفي ذلك دفع الشرّ كله بإذن الله عنكم وعن الدعوة و عن أهل السنة في كل مكان، فاحذروا و تنبّهوا حفظكم الله، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّقنا و إياكم .

وعليكم إذا نزل بكم الأمر، أن تأخذوا عن أئمة الهدى في السابق، عن علماء الهدى والإسلام والسنّة في هذا العصر في اللّاحق؛ وإياكم أن تأخذوا عن هؤلاء الأغمار الأغرار، الذين هم في الحقيقة حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام ، الذين يقولون ما لا يفعلون -نسأل الله العافية والسّلامة-.

احرصوا كل الحرص على أن يكون التفافكم حول أهل العلم والمشايخ، فإن النّاس لا يزالون بخير ما جاءهم العلم من قبل كبرائهم وشيوخهم فإذا جاءهم من قبل سفهائهم وصغارهم وأشرارهم هلكوا كما قال ذلك ابن قتيبة [الفقيه والمتفقه: 2 /379] في تفسيره لأثر ابن مسعود وابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-.
فاحذروا كل الحذر معشر الأحبّة ، احذوا كل الحذر من هؤلاء الصّعافقة، الّذين خرجوا علينا في هذه الفترة وفي هذه الآونة؛ وملؤا الدّنيا ضجيجا وصُراخا وعويلا، وهم والله ليسوا على شيء ، فأحذِّركم معشر الأحبّة، واعلموا أن الخير كلّ الخير في لزوم ركب أهل العلم، ولزوم غرز أهل العلم، والعودة إلى كلام أهل العلم، واحذروا كلّ الحذر من المبتدعة ومن يجالسهم ومن يتشبه بهم في طريقتهم وإن ادّعى أنه على السنة.

أسأل الله -سبحانه وتعالى- بأسماءه الحسنى وصفاته العلى- أن يثبّتنا وإياكم جميعا على الحق والهدى حتى نلقاه، وأن يرزقنا وإياكم جميعا الفقه في دينه، والبصيرة فيه، وأن ينوِّر بصائرنا، وأن يجعلنا من الثابتين على السنّة حتى نلقاه، كما أساله -جل وعلا- أن يعيذنا وإياكم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصرِف عنا وعنكم وعن المسلمين عامة في كل مكان هذه البلايا وهذه المصائب، كما أساله -سبحانه- أن يصلح حالنا وحالكم وأحوال جميع المسلمين حكّاماً ومحكومين، وأن يهدي ضال المسلمين، وأن يردَّ إلى الحق من علم في بقاءه خيرا للإسلام والمسلمين، وأن يقطع دابر من علم في بقاءه شرا للإسلام والمسلمين، إنه جواد كريم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.


[ الأسئـلة والأجوبة ]

[ السؤال الأول ]
هذا سائل يقول -وهي معاناة- يقول: أحببتُ الدعوة السلفية وعلم الجرح والتعديل، وسمعتُ العلماء، ثم بعد ذلك ارتبطت ببعض الشباب ممن يجالس بعض العلماء، وأرى في نفسي الآن غلواً، حتى إني صرتُ أنقبض عندما أسمع المشايخ يتكلمون عن الألفة والرفق في الدعوة إلى الله -عز وجل-، ووقَع في قلبي الطَّعن على إخواني أهل السنة ومن هم معي وعلى منهجي الصحيح ووقع في قلبي هذا المرض، فماهي نصيحتكم لي فضيلة الشيخ ؟، فإني قد تعبتُ من ذلك وصرتُ لا أثق في أحد ودبَّ في قلبي الوسوسة.
[ الجواب]
الحمد لله،
هذا الذي ذكرت هو الذي حذرتكم منه قبل قليل، فإن العلماءَ الجرحُ والتعديلُ عندهم على قسمين:

القسم الأول:
ما يتعلق بالرواية، ما يتعلق بالأسانيد، أسانيد الأحاديث المروية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والآثار الموقوف على أصحابه –رضي الله عنهم-، فهذا قد دوِّن وفُرِغ من تدوينه.
صحيح قول من [قال] انتهى علم الجرح والتعديل هذا صحيح من هذه الناحية، لكن مع ذلك ليس بصحيح من ناحية أخرى وهو أننا لا نزال نستعمل هذا الجرح والتعديل في الروايات إلى الآن تصحيحاً وتضعيفاً، فهل الجرح والتعديل انتهى؟، لم ينتهي، لا نزال نُعمل هذه الأقوال المدونة في كتب الجرح والتعديل الذين دونوا لنا هذه الكتب ونستعين بها على معرفة الصحيح والضعيف من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأقوال أصحابه -رضي الله عنهم- .
إذن فالمقالة على إطلاقها "علم الجرح والتعديل انتهى" ليس بصحيح، هو انتهى تدوينا لكن اعتمادا واشتغالا به واعتناء به وممارسة له وتطبيقا له على كتب السنة وعلى الأسانيد الواردة فيها باق إلى أن تقوم الساعة.
الشق الثاني:
الجرح والتعديل لأهل الأهواء، الجرح والتعديل للناس، الطعن في الناس بسبب عقائدهم، وبسبب مناهجهم، هذا باق إلى أن تقوم الساعة، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- قد أخبر أنه: "لَا تزَالُ طائفة مِنْ أُمَّتِه على الحق ظاهرين، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ"[ انظر: مسلم (1920)، أبو داود (4252)، الترمذي (2229) ] ، وهؤلاء هم أهل السنة والجماعة كما نص على ذلك أئمة الهدى: كالإمام أحمد ويحي وعلى والبخاري وابن المبارك وغيرهم من أهل العلم نصوا على أنهم أهل الحديث، وإن لم يكونوا أهل الحديث فلا يدرون من هُم ، فهؤلاء هم الذين حفظ الله –جل وعلا- بهم الدين، وهؤلاء هم الذين يحثُّون على الألفة ويحذِّرون من الفُرقة، وهم الذين يحذِّرون من أهل الأهواء والبدع، وهم الذين يحذِّرون من الطعن والوقيعة في علماء الإسلام وعلماء الأمّة، ولكن لأنك -أيها الأخ الكريم- قد جالستَ هؤلاء الصّعافقة والتفوا عليك ولم تتسع عُقولهم ولا قلوبهم لفهم ما ورد عن علماء الإسلام في هذا الباب، ولم تحتَمِله قلوبهم، فما استطاعوا الجمع، فذهبوا يغلون في هذا الباب غلواً عظيماً، فأهلكهم الغلو ، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ ، فَإِنَّماَ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ) [أحمد (1/215،347)، والحاكم (1/466) وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي] ، فالغلو أيها الأحبة ويا أيها الأخ السائل من هؤلاء بسبب قلّة علمهم.
أنا أقول لك هؤلاء الصّعافقة وهؤلاء الفراريج -الذين التفوا عليك ورَضيتَ بأن تكون معهم- لما ضعفت عُقولهم عن إدراك الجمع بين الدِّفاع عن الجرح والتعديل وأنه باقٍ وأن الطعن في الناس لديانتهم ومذاهبهم وعقائدهم وطرائقهم ومناهجهم المخالفة باقٍ إلى يوم القيامة، ولما سمعوا بعض أهل العلم يقولون "الجرح والتعديل انتهى" لم تهتدي عقولهم إلى الجمع بين ذلك وبين ما يقولُه العلماء وما يفعلونه وما يحثّون عليه، ما يقولونه من تطبيق الجرح والتعديل على أهل الأهواء، وما يفعلونه أيضا من تطبيق الجرح والتعديل على الروايات، وبين ما يحثُّون عليه من التآخي بين أتباع المنهج الواحد وأبناء المنهج الواحد وأبناء العقيدة الواحدة وأبناء الطريقة الواحدة، فلما لم تتسع عقولهم لذلك ولم تتسع قلوبهم لذلك ولم تفهمه، أخذوا بجانب منه، لأنهم حُدَثاء الأسنان -معشر الإخوة ومعشر الأحبة وأنت أيها الأخ السائل الكريم- هؤلاء حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام لا يعقلون، لأنهم ما تعلّموا وما تأصَّلوا، والذين لم يتأصّلوا لن يتوصلوا إلى الجمع بين كلام أهل العلم فيرَوْن أن ظاهره التعارض والتناقض فيذهبون يطعنون فيهم، فيقولون لك: "هذا مُمَيِّع! وهذا الشيخ متناقض! وهذا الشيخ فيه كذا وكذا!" ، وكذبوا والله، لكن لجهلهم وقلة بضاعتهم ركبوا هذا المركب، ولقلة فهمهم ولصغر عقولهم وسفاهة أحلامهم وقعوا في هذا الأمر المنكر.
فأوصيك أيها الأخ ألا تَبقى مع هؤلاء، وعليك أن تترُكَهم، وعليك أن تلزم أهل العلم الذين يبينون لك ما أشكل، فإن الناس بخير ما أتاهم العلم من قبل كبرائهم، فإذا أتاهم من قبل صغارهم وشرارهم،هلكوا، فهؤلاء قد اجتمع فيهم صغر السن وسوء القصد فهم شرار عياذا بالله من ذلك، فاتركهم وعد إلى طريقة أهل العلم، نسأل الله العافية والسلامة، فهؤلاء جهلة جهلا مركبا والجاهل المركب هو الذي لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، وهذا الذي ينطبق عليه قول الشاعر:
قــــَالَ حِمَارُ الحَكِيمِ تُومَا *** لَوْ أَنْصَفُونِي لَكُنْتُ أَرْكَبْ
لأَنَّــنِـي جَـــــــاهِــــلٌ بَسِيـــــطٌ *** وَصَــــــــــاحِبِي جَــاهِلٌ مُرَّكَّبْ
والجاهل المركب: هو الذي لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري.
إِذَا كُنْتَ لاَ تَدْرِى وَلَسْتَ كَمَنْ دَرَى
فَمَنْ لِي بَأَنْ تَدْرِي بَأَنَّكَ لاَ تَدْرِي
[جاءت بألفاظ نحوها عن أبي القاسم الآمدي: انظر مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي (2/ 158)]


فأوصيك أيها الأخ الكريم والكلام للجميع أن تبتعدوا عن هؤلاء الصّعافقة وعن هؤلاء الأغمار وعن هؤلاء السُّفهاء سُفهاء الأحلام حُدَثاء الأسنان الذين لا تتّسع قلوبهم لفهم مثل هذا الكلام، لأن عقولهم لم تفهمه، فلما ضعُفَت عقولهم عن إدراكه ضاقت قلوبهم عن تطبيقه، عياذا بالله من ذلك.
فعقلوهم لم تصِل إلى تصديقه، وقلوبهم لم تقُم بتطبيقه، فنعوذ بالله منهم، فاحذرهم أيها الأخ الكريم وفارِقهم، وإذا فارقتهم فإنك ستجد الخير العظيم عاجلا بإذن الله -تبارك وتعالى-.

[السؤال الثاني]
بعض الإخوة يحدث عنده التناقض بين ما يسمع من أثار السلف في المقارنة بين البدع والمعاصي، فتراه يركب المعاصي، ثم إذا نُصِح في المعاصي فإنه يقول: "الأهم أني لست من أهل البدع"، فتجد عنده تهوينٌ في هذا الباب، فهل هذا الاستدلال صحيح؟، وكذلك يستدل بسلامة معتقده، فماهي نصيحتكم شيخنا –حفظكم الله- ؟
[الجواب]
نصيحتي لهذا أن يقرأ القرآن ويتدبره ويعرف الآيات الواردة في هذا، قال –جل وعلا- : ï´؟ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَظ°لِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُï´¾ [فاطر: 32]
فإذا نظر إلى هذه الآية، فلينظر هل هو مع المقتصدين؟
المقتصدون: هم الذين أدَّوا ما أوجب الله عليهم، ولم يزيدوا على الفرائض شيئا، لكنهم لا يذهبون إلى المعاصي، لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَانهيتكم عنه فاجتنبوه وما أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[رواه البخاريُّ (7288)، ومسلِمٌ (1337)].
فالمقتصد: هو الذي جاء بالفرائض وحافظ عليها وإن لم يأتي بالنوافل لكنه لم يوبق نفسه بالمعاصي-عياذا بالله من ذلك.
والسَّابق: هو الذي جاء بالفرائض وزاد عليها بالنوافل.
وأمّاالظالم لنفسه: فهو الذي أوبقها بالمعاصي –عياذا بالله من ذلك-.

فالمعاصي خطرها عظيم، والمعاصي وإن كانت ليست كالبدع إلا أنها تضعف الإيمان وتنقصه، فيجب على المؤمن أن يبحث إلى ما يكمل ايمانه ويقوي ايمانه ويزيد ايمانه، فعليك ان يبتعد عن المعاصي فإن أصحاب المعاصي على خطر عظيم، فهو إن كان على عقيدة سليمة فهل يأمن أن يدخل الجنة من أول وهلة ؟! هذا بلاء، وهذا فهم منكوس لكتاب الله –جل وعلا- ولسنة رسوله –صلى الله- فإن النبي –عليه الصلاة والسلام- : »الإيمَانُ بِضْعٌ وسَبْعُونَ شُعْبَةً«[مسلم: 35] ويقول: »أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً« [أبوداود (4682) ، الترمذي (1162) وحسّنه] والمعاصي تنافي كمال الأخلاق والدين، فشربُ الخمر لا يتفق مع الإيمان الصحيح، يقول النبي -صل الله عليه وسلم- :» لَا يَزْنِي الزَّانِيحِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ« [البخاري(2475)، مسلم (57)]لا شك،»لَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ«، يعني كمال الإيمان منفي عنه، وإذا لم يكن الإيمان كاملا فهو ناقص، والعبد معرِضٌ نفسه للعقوبة، قال عز وجل : ï´؟فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىظ° وَاتَّقَىظ° (http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura92-aya5.html)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىظ° (http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura92-aya6.html)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىظ° (http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura92-aya7.html)وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىظ° (http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura92-aya8.html)وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىظ° (http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura92-aya9.html) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىظ° (http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura92-aya11.html) ï´¾ [الليل:5-11]، إلى أخر الآيات.
فالذين آمنوا وعملوا الصالحات هؤلاء هم الذين يرجون الفضل من الله -تبارك وتعالى- وهم : ï´؟الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَواï´¾[المؤمنون:60]مِنَ الطَّاعَاتِ، ï´؟وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىظ° رَبِّهِمْ رَاجِعُونَï´¾[المؤمنون:60]
فكيف هذا الذي يأتي المعاصي ويحتج بهذه الحجة هذا كلام باطل، فلا يحتج علينا بهذا، وهذا من قلة العلم وضعف العقل، فالمعاصي تضعف الايمان وتنقص الإيمان، فالواجب على العبد أن يحذر كل الحذر من المعاصي، ولكن نحن نقول لا شك أن المعصية ليست كالبدعة لان المعصية لا ينسبها صاحبها إلى الدين ويؤمل فيه أن يتوب، بينما صاحب البدعة ينسبها إلى الدين ويتدين لله بها، فلا يرجى منه أن يتوب عنها،كيف يتوب عن الدين والديانة التي يراها ديانة ؟

لكن ليس معنى هذا فتح الباب على مصراعيه لأهل الفجور والفسوق، ويقول: أنا أعصي الله -جل وعلا- ويكفيني أني على اعتقاد صحيح، لو كان الاعتقاد صحيحاً وقوياً لحملك على البعد عن المعاصي، فإن العبد إذا ضعف إيمانه وقع في المعاصي كما سمعنا قبل: »لَا يَزْنِي الزَّانِيحِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ« ، يعني يضعف إيمانه، فهل يحب أن يكون ضعيفا الإيمان؟ هذا يدل على ضعف العقل وقلة العلم وسفه التصور فالواجب معشر الأحبة أن يُبتَعَد عن المعاصي فإنها ضرر على العبد في دينه ودُنياه وليعلم أنها شؤم عليه في دنياه كما قال –جلاوعلا-: ï´؟وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًاï´¾[طه: 124] ، ضنك، صاحب المعاصي معيشته ضيقة ضنك شقاء تعاسة وبؤس وضيق وهَمٌّ وغَمٌّ وانقباض في القلب وأيضا ظُلمة في الوجه وضيق في الرزق نعوذ بالله من ذلك كما قال عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما- [ذكره إبن القيم في الداء والدواء: فصل آثَارِ الْمَعَاصِي، ص52] ، فالواجب على العبد المسلم أن يتقي الله –جل وعلا- ولا يلعب عليه الشيطان ولا يلبس عليه بمثل هذا المقال ونسأل الله-جل وعلا- التوفيق للجميع.

[ خاتمة و وصايا نافعة ]

[وبعد أن قام المقدّم للمحاضرة الشيخ عبد الرحمن العميسان –وفقه الله- بمداخلة طيبة، شكر فيها الشيخ وبلّغه مشاعر الإخوة نحوه ونحو غيره من العلماء، وأخبره عن حال الإخوة هناك من إقبالهم على أخذ العلم من العلماء
أردف الشيخ العلامة محمد بن هادي المدخلي –حفظه الله- قائلاً:]

وبارك الله فيكم جميعاً، وأنا أيضا أبادلُهم الشُّعور نفسه، وأسلّم عليهم جميعاً؛ فــــ ((سلام الله عليهم جميعاً ورحمته وبركاته))،
والذي أوصيهم به هو ما ذكرتُه لهم قبل قليل؛ أن يحرصوا كل الحرص على أهل العلم وأن يحذروا أهل البدع والأهواء ومجالَسَتهم، وأن يحذروا من يتشبَّه بأهل الأهواء في طرائقهم؛ من الصّعافِقة حُدثاء الأسنان سفهاء الأحلام الذين ظهروا علينا في الآونة الأخيرة.
وأوصيكم وإياهم جميعا أن -أيضا- تعتنوا بالأخذ عن أهل العلم وأن تهتموا به، وأن تبتعدوا كل البعد عن هؤلاء الذين ذكرتهم لكم أنفا، وقد بيّنتُ حال هؤلاء وكثيراً من صورهم في كلمتي -قبل ليال- التي ألقيتها إلى إخوانكم في الديار المغربية تعليقاً على أثر ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- وهو قوله: «البركة مع أكابركم«أو معالأكابر [صح بهذا اللفظ مرفوعا، وقد رواه الطبراني في الأوسط والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وانظر الصحيحة /1778 ،بينما قد روى الطبراني أيضا في الكبير (9 /114)، وابن المبارك في الزهد (815) أن عبد الله ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: (لن يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من قبل أكابرهم، وذوي أسلافهم، فإذا أتاهم من قبل أصاغرهم هلكوا)] ، فأوصي أبنائي وإخوتي جميعاً أن يستمعوا لذلك، وأن يستفيدوا منه، أسأل الله –جل وعلا-أن ينفعني وإياكم وإياهم جميعاً به.
وأوصيهم أيضا بأنهم إذا قدموا إلى بلاد الحرمين -خاصة- أن يحذروا من هؤلاء الصّعافقة كل الحذر، فإنهم والله قطّاع الطريق على طلبة العلم، وهم الذين يحاربون العلم باسم العلم، ويحاربون أهل العلم باسم أهل العلم، واللهُ -جلا وعلا- سيكشف سترهم ويهتِكُه ويفضح أمرهم عاجلاً قريباً؛ فإنه من تلبَّس بما ليس من لباسه كشفه الله -جل وعلا-.
ونسأل الله –جل وعز- أن يثبتنا وإياكم معشر الأحبة على الحق والهدى حتى نلقاه، وأن يجنبنا وإياكم جميعاً مضلات الفتن وخاصة هذه الفتنة العظيمة التي دخلتْ علينا ((فتنة الصّعافِقة)) في هذه الأيام وفي هذه الآونة، هؤلاء السفهاء؛ سفهاء الأحلام، حُدثاء الأسنان، أسأل الله –جل وعلا- أن يجنبنا وإياكم فتنتهم، وأن يجنبنا وإياكم فتنة المميِّعين وفتنة الملبِّسين على الناس بمجالسة أهل الأهواء، إنه جوادٌ كريم، وصلى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.



انتهى من تفريغها والإعتناء بها(*)

أبو عبد الله يوسف بن الصدّيق
الخميس 20 جمادى الآخرة 1439 هـ
تقرت / الجزائر

----------------------------------------------------------------------------------

(*): اعتمدت -في الفصل الرابع- على التفريغ الذي نشره على ((منتديات التصفية والتربية السلفية)) الأخ أبو هريرة موسى بختي-جزاه الله خيرا وأجزل له المثوبة-.

منقول سحاب

أبو هنيدة ياسين الطارفي
10-Mar-2018, 04:39 PM
جزاكم الله خيرا ......
وحفظ الله الشيخ الفاضل محمد بن هادي
موضوع مهم ومفيد ...