المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تَذْكِيْرُ الشَّيْخِ الْبُخَارِيِّ الْفَاضِلِ بِاسْتِمْرَارِ الصِّرَاعِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
03-Jul-2010, 10:29 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


إن الحمد لله نحمده-تعالى-ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.


أما بعد:


فإن أصدق الحديث كتاب الله-تعالى-، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


وبعد:


نحمد الله-جل في علاه-أن هيئ لنا هذا اللقاء، ونسأله-جل وعلا-المزيد من فضله، وأن يوفقنا جميعًا لهداه، إنه سميع مجيب، وهذا لقاء-إن شاء الله-مبارك في بلد مبارك، أسأل الله-جل وعلا-أن ينفعنا به، وهنا كليمه نتذاكر فيها لعل الله أن ينفعنا بها جميعًا.

معلوم أيها الأحبة أن الصوارف عن الحق كثيرة، والتشغيبات على الحق وحملة الحق أكثر، وإذا ما تأمل المؤمن الحصيف السني النقي هذه الأمور وتمعن فيها، وجد أن لذلك سببًا عظيمًا، أعني: تشغيبات أهل الباطل، وتشكيكات أهل الهوى على الحق وحملة الحق.

ولشيخ الإسلام كلمة أذكر معناها، وقد قالها غيره من أهل العلم أنه: (لا تقوى السنة في مكان إلا وخمدت فيه البدعة، وما قويت البدعة في مكان إلا وضعفت فيه السنة)السنة والمراد بالضعف هنا والقوة، السنة هي قوية، لكن المراد: (حملة السنة)، فكلما قوي حملة السنة قويت السنة بأهلها، بالذب عنها بنشرها في الناس بتعليمهم....إلى آخره.

وكلما ضعف أهل السنة، يعني: (حملة السنة)، قويت البدع واشتد أمرها واشتد خطرها، ولعل هذا من باب التقريب أيضًا ونزيده إيضاحًا، يعني: قبل فترة وجيزة من الزمن، كان أهل السنة في المشرق والمغرب هنا وهناك، يعني في قوة ومنعة بسبب ماذا؟ وجود جمع من أهل العلم الكبار، كشيخنا الشيخ عبد العزيز-رحمه الله-، وشيخنا محمد بن عثيمين، والألباني، ومقبل، والنجمي، وغيرهم في جماعة من أهل العلم وأهل السنة، رحم الله الميت منهم وحفظ ما بقي من الأحياء.

لكن بموت هؤلاء وفقدهم انجلت وانكشفت الساحة، كأنك كنت تتترس بجبال، وتظن أنه لا يوجد خلف الجبل شيء، لا جيوش ولا غزاة، فلما مات هؤلاء كأن هذه الجبال رفعت فانكشفت الساحة، وإذا بك تجد جيوشًا من أهل الباطل على شتى صنوفهم وألوانهم وأشكالهم وأطروحاتهم، وأفئدتهم وأهوائهم نسأل الله العافية والسلامة.

فانكشف الغطاء وذهبت الناس يمنة ويسرة، هذا يرمي بشرر وهذا يرمي بشبهة، وهذا يرمي بفتنة، فاجتالت الناس هذه الشياطين-نسأل الله العافية-، ليخرجوهم عن الصراط المستقيم، هذا التشبيه من باب التقريب والحق كذلك، فكلما كانت السنة قوية بحملة أهل السنة، وإلا الشيخ ابن باز وإلا ابن عثيمين وإلا الألباني وإلا مقبل وإلا هؤلاء ما كان معهم جيوش تقاتل أو تنحر الناس، ليس مع هؤلاء إلا شيء واحد وهو سيف العلم والسنة، فما علا سيف العلم والسنة رؤوس أهل الأهواء جميعًا والفتن إلا وقطعها، لأن الحجة ظاهرة وقائمة، والله-جل وعلا-يقول: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُمَنْيَنصُرُهُ).

فإذا ما تأملت قوة السنة حتى ولو كنت في قلب أهل الأهواء، ومعك سيف العلم والسنة تقوى، لعلى أذْكُرَكُم وأذَكِّرَكُم بمناظرة شهيرة مشهورة، بين عبد الله بن عباس-رضي الله تعالى عنهما-وبين الخوارج.

وهذه المناظرة قد ذكرها وأوردها مطولة الحافظ الحاكم في المستدرك، والبيهقي في الكبرى بإسناد صحيح، وفيه: أنه ذكر أن ابن عباس-رضي الله تعالى عنهما-لما أراد الخروج إلى الحرورية هؤلاء لمناظرتهم، وكان قد اجتمع عليهم علي-رضي الله عنه-لقتالهم.

لبس أحسن الحلل، مع أنه لا يلبسها دائمًا، لبس أحسن حلة عنده، واستأذن أمير المؤمنين علي-رضي الله تعالى عنه-في الخروج، فقال: (إني أخشى عليك)، من ماذا يخشى عليه؟ يخشى عليه من هؤلاء السفاكين، لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، قال: (لا تخف يا أمير المؤمنين عليَّ)، فخرج إليهم وكانوا كما يقول ابن عباس في هذا الأثر: (أنهم نحو من ستة آلاف)، فاجتمع إليهم وقال: (لم أرى وجوهًا مثل تلك الوجوه مسهمة)، يعني: من السهر والتعب والإعياء والقيام والصيام.

فقال لهم لما دخل عليهم، قال: (السلام عليكم)، فأجابه، تعرفون لكل قوم من أمثال هؤلاء من يقودهم يسوس هؤلاء بالباطل، وغالبًا أهل الباطل يكون لهم غلبة، من حيث الصوت والصياح والنياحة، وقد يستخدمون الكرباج أحيانًا، فقال: (السلام عليكم)، فقالوا: (مرحبًا بك يا ابن عباس)، ما أجابوه وعليكم السلام لماذا؟ لأنهم لا يرونه من أهل السلام، لأنه كافر، يرونه من الكافرين.

قال: (ماذا تنقمون من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صهر رسول الله-صلى الله عليه وسلم-؟، قد جئتكم من عند أمير المؤمنين صهر رسول الله-عليه الصلاة والسلام-ومن عند أصحابه، فماذا تنقمون عليهم؟)، قال هذا الرجل وهو كبير فيهم، قال: (ما هذه الحلة التي عليك يا ابن عباس؟) قال: (وماذا في هذا؟).

هو عنوة لبس هذه الحلة عنوة، ليعلم الناس أو ليظهر جهلهم وهكذا الهوى دائمًا وأهله، قال: (ما هذه الحلة التي عليك يا ابن عباس؟)، قال: (وماذا في هذا؟ قد أهدي إلى رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-حلل من حلل اليمن فلبسها)، فأجابهم بالسنة، فماذا فعل هذا المجادل؟ أفحمه بسيف السنة هذا،
قام في قومه فقال: (ألم أقل لكم لا تجادلوا قرشيًا؟! هؤلاء الذين قال الله فيهم: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ، قوموا من عند ابن عباس)، أراد هذا المتكلم فيهم تنزيل هذه الآية التي نزلت في غير المؤمنين ويعملها في من؟ في ابن عباس في المؤمنين، قال: (أم أقل لكم لا تجادلوا قرشيًا؟! بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ).

وهذا ملحظ مهم: وهي طريقة لأهل الأهواء قديمة حديثة جديدة متجددة، وهي التنفير من علماء أهل السنة لينفروهم عن السنة.

قد ذكر العلامة الشاطبي-رحمه الله- في الاعتصام: إن من طرائق أهل البدع قال: (تقبيح فتاوى العلماء في أسماع العامة، لينفروهم عن السنة، أو ينفروهم من السنة) لا أن السنة هي العلماء ولا أن العلماء هم السنة، ولكن العلماء هم أدلاء إلى السنة، يدلون الناس إلى الحق.

ولهذا قال الشعبي-رحمه الله-كما في المصنف لابن أبي شيبة: (مثل العلماء مثل النجوم في السماء، إن تغيبت عنهم تحيروا، وإن تركوها ضلوا)، إن تغيبت عنهم تحيروا: تغيبت بسبب غيم أو نحو ذلك تحيروا، لا يدرون الشمال من الجنوب والشرق من الغرب، قال: (وإن تركوها)عمدًا مع وجودها(ضلوا)ن فهم في الحالتين في مهلكة، ولا بد.

ولهذا: جاء في السنن للدارمي بإسناد صحيح، عن سعيد بن جبير-رضي الله عنه-لما سأله هلال بن خباب قال: (ما علامة هلاك الناس يا إمام؟) قال: (إذا هلك علماءهم)علامة هلاك الناس (إذا هلك علماءهم)مع أنك قد تكون حيًّا ولكن الهلاك هنا هلاك معنوي.

لأن العلماء هم الذين يبينون للناس الحلال و الحرام والصحيح من الباطل والصواب من الخطأ، كيف تعلم أن هذا الفعل صواب أو خطأ؟، وهذا البيع والشراء جائز أو غير جائز إلا بمن؟ بالعلماء بعد توفيق الله لك، تسأل العلماء فيدلونك بالحق.

فهنا إذا ما مات العلماء وهلك العلماء ماتت الناس، هلكت الناس، أكلت الحرام، فعلت الحرام، شربت الحرام، تعاملت بالحرام فأهلكوا أنفسهم.

والهلاك هنا له معنيان:
المعنى الأول: هلاك حقيقي وهو الموت والقبر، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما-في الصحيحين: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقي عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا)إلى آخر الحديث.

قال القرطبي-رحمه الله-في المفهم عند هذا الحديث، قال: (فإذا رفع العلم رفع العمل به، وإذا بقي الجهل عملت الناس بالجهل، فهناك يرفع العلم والعمل ويثبت الجهل والعمل به)نسأل الله العافية، فتهلك الناس.

الشاهد: قول العلامة الشاطبي: (أن من طرائق أهل الأهواء تقبيح فتاوى العلماء في أسماع العامة لينفروهم عن السنة)علماء حيض ونفاس، علماء لا يفقهون الواقع، إلى آخره من الألفاظ الموجودة، فلان متشددون فلان كذا ينفر الناس إلى غير ذلك من الكلمات الباطلة، نسأل الله العافية والسلامة.

فهم لينفروهم عن السنة، وقد يكون المرء حيًا، يعني: (حيًا بالبدن ولكنه ميت القلب)، كما قال الإمام الحسن البصري-رحمه الله-فيما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وغيره، قال:رحم الله من قال:

ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
قال: (كم في الناس هم أحياء الأبدان ولكنهم أموات القلوب).

قال: (ما هذه الحلة التي عليك يا ابن عباس؟)، قال: (وماذا في هذا؟ أهدي إلى رسول الله-عليه الصلاة والسلام-حلة من حلل اليمن فلبسها)، قال: (قوموا من عند ابن عباس)، قال بعضهم: (لا نقوم) قال آخرون: (نقوم)، ارتبك المجلس، فالذين هم مستضعفون ويقادون قاموا معه، يقودهم، يعني: من خشي على نفسه من غضبة هذا المتسلط، أما الذين يبحثون عن الحق أو المجادلون قالوا: (نجلس).

قال: (ماذا تنقمون عليهم؟)، قالوا: (ننقم عليهم ثلاث)، قال: (ما هي؟)، قالوا: (حكم الرجال في دين الله، والله يقول: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ).

انظر الآن هؤلاء يستدلون بتقرير الباطل بالدليل من القرآن ومن السنة، يستدلون على تقرير الباطل بالدليل بالقرآن وكذلك بالسنة، قال هذه واحدة.

وثانيًا قالوا: (قاتل ولم يسبي ولم يغنم، فلئن كان الذين قاتلهم من الكفار لم يغنم منهم ولم يسبهم)، وإنما تركهم لم يأخذ من غنائمهم ولا سبيهم، (ولئن كان الذين قاتلهم من المؤمنين ما حل قاتلهم)، كيف يقاتل المؤمنين ويقتل المؤمنين؟، قال: (هذه ثانية، والثالثة).

قالوا: (إنه محا اسمه من أمير المؤمنين فهو أمير للكافرين)هذه الثالثة، قال: (عندكم زيادة)، قالوا: (ما عندنا إلا هذا).
بهذه الحجج كفروا الصحابة واستباحوا دماءهم، بناءً على أن الصحابة لم يكفروا عليًا ....إلى آخره.


تم بحمد الله.............

بتصرف يسير.................



قام بتفريغه: أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد



السبت الموافق: 21/ رجب/ 1431 للهجرة النبوية الشريفة

لتحميل الملف منسق:
هنا (http://www.box.net/shared/st1xstf51u)
لسماع المقطع الصوتي:
هنا (http://www.4shared.com/audio/xMbJ-cZQ/tadhkeer.html)