أبو بكر يوسف لعويسي
24-Aug-2018, 11:45 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يليق بجلاله وجماله وكماله سبحانه وتعالى ، له الحمد كله وله الشكر كله على ما منّ به علينا من الاستقامة والوسطية على منهج النبوة ، وأصلي وأسلم على سيد الخلق وإمام المرسلين سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
فإن التأريخ يعيد نفسه ، فما أشبه الليلة بالبارحة ؛ لأن الذين سجلوا أسماءهم على صفحات التأريخ بالانحراف والزيغ والضلال من الأولين والآخرين تشابهت قلوبهم ، فما وجد كفر أو ضلال أو انحراف أو زيغ أو بدعة في غابر الزمان إلا وجد من يتصف بذلك قولا وفعلا عبر التأريخ إلى يوم النّاس هذا ..
قال الله تعالى :{وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}(البقرة 118-119) .
فما من نبي ولا رسول بعثه الله إلا قيل له ما قد قيل للرسل قبله ، من السب والشتم والسخرية والاستهزاء والتكذيب والعناد والاستكبار والوصف بالتشويه وقلب الحقائق ، والتحدي ، وقصد التخلص منه بالقتل ، وطلب المستحيل بأسئلة تعجيزية تعنتية ليسقطوه ، ولكن الله في كل مرة ينتصر لرسله ، وكذلك ينتصر لأوليائه من المؤمنين الصادقين علماء وطلبة العلم ،(( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )).
وقال تعالى :{مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ }(43) فصلت .
قال ابن جرير (21/481): يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ما يقول لك هؤلاء المشركون المكذّبون ما جئتهم به من عند ربك إلا ما قد قاله من قبلهم من الأمم الذين كانوا من قبلك، يقول له: فاصبر على ما نالك من أذى منهم، كما صبر أولو العزم من الرسل . وقال تعالى :{ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }(51).
هكذا في كل عصر ومصر عبر التأريخ ما وجدت فرقة من فرق الضلال والزيغ إلا وجدت مثلها فيمن بعدهم تشابهت قلوبهم في ذلك : فانظر إلى المشركين من قريش يعلمون يقينا أن النبي صلى الله عليه وسلم بريء مما اتهموه به ويعلمون يقينا صدقه وأمانته ..
فنجد اليوم في الفرق الذين ينتسبون إلى الإسلام بل إلى السنة ومنهج النبوة – زعموا - مثل الحدادية يعلمون يقينا براءة العلماء وطلبة العلم السلفيين الذين كشفوا باطلهم ؛ ثم يتهمونهم بتهم هم منها براء ، براءة الذئب من دم ابن يعقوب ، ويفترون عليهم الكذب لينفروا النّاس عنهم حسدا من عند أنفسهم ،تماما كما فعل المشركون يوم افتروا على رسول الله لينفروا النّاس عنه ويصدونهم عن دعوة الحق .
والعجيب في هؤلاء المتأخرين أن منهم من يكذب ويكذب بصفاقة وجه ، وبلا حياء من الله تعالى ولا من خلقه ، ويحلف الأيمان المغلظة على ما يرمي به مخالفه يظن أن حبل الكذب طويل وأنه سينجيه ، وما هي إلا مدة ويظهر الله الحق ، وينكشف الكذب والباطل ، ويعلم النّاس أنهم هم من رموا الأبرياء بدائهم وانسلوا ، ولكن:(( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ )).
وهذا فعل الكفار والمشركين تماما الذين رموا الرسل بالكذب والأشر وهو ألصق بهم فها هم قوم صالح ثمود يرمونه بذلك وهم أحق بما رموه . قال تعالى مبينا ذلك :{ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ }(26) سورة القمر . وهاهم كفار قريش يرمونه صلى الله عليه وسلم بما رمى به الكفار من قبلهم رسلهم ، فقد رموهم بالسحر والكذب ، وهم يعلمون أنهم كاذبون في ذلك .
قال تعالى :{ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} (4) سورة ص .
قال ابن كثير (7/53): يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ فِي تَعَجُّبِهِمْ مِنْ بِعْثَةِ الرَّسُولِ بَشَرًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ} وَقَالَ هَاهُنَا: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} أَيْ: بَشَرٌ مِثْلُهُمْ، {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} أَيْ: أَزَعَمَ أَنَّ الْمَعْبُودَ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ؟! أَنْكَرَ الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ -قَبَّحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى-وَتَعَجَّبُوا مِنْ تَرْكِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا قَدْ تَلَقَّوْا عَنْ آبَائِهِمْ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَأُشْرِبَتْهُ قُلُوبُهُمْ فَلَمَّا دَعَاهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَلْعِ ذَلِكَ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَإِفْرَادِ اللَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ أَعَظَمُوا ذَلِكَ وَتَعَجَّبُوا وَقَالُوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ . ا.هـ
وقال تعالى مسليا لنبيه :{ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ }(4) فاطر .
قال أبو جعفر بن جرير (20/430):يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: وإن يكذبك يا محمد هؤلاء المشركون بالله من قومك فلا يحزننك ذاك، ولا يعظم عليك، فإن ذلك سنة أمثالهم من كفرة الأمم بالله، من قبلهم وتكذيبهم رسل الله التي أرسلها إليهم من قبلك، ولن يعدو مشركوا قومك أن يكونوا مثلهم، فيتبعوا في تكذيبك منهاجهم ويسلكوا سبيلهم .
(وَإِلَى اللَّهِ تُرْجعُ الأمُورُ) يقول تعالى ذكره: وإلى الله مرجع أمرك وأمرهم، فمُحِل بهم العقوبة، إن هم لم ينيبوا إلى طاعتنا في اتباعك والإقرار بنبوتك، وقبول ما دعوتهم إليه من النصيحة، نظير ما أحللنا بنظرائهم من الأمم المكذبة رسلها قبلك، ومنجيك وأتباعك من ذلك، سنتنا بمن قبلك في رسلنا وأوليائنا.
وقال عز من قائل :{ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }(44).
قال ابن جرير (18/652): يقول تعالى ذكره مسليا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عما يناله من أذى المشركين بالله، وحاضا له على الصبر على ما يلحقه منهم من السبّ والتكذيب: وإن يكذّبك يا محمد هؤلاء المشركون بالله على ما آتيتَهم به من الحق والبرهان، وما تعدهم من العذاب على كفرهم بالله، فذلك سنة إخوانهم من الأمم الخالية المكذّبة رسل الله المشركة بالله ومنهاجهم من قبلهم، فلا يصدنك ذلك، فإن العذاب المهين من ورائهم ونصري إياك وأتباعك عليهم آتيهم من وراء ذلك، كما أتى عذابي على أسلافهم من الأمم الذين من قبلهم بعد الإمهال إلى بلوغ الآجال.
فها هو التأريخ يعيد نفسه ، تشابهت بل تطابقت عداوة الكفار للرسل وحيلهم ومكرهم وكيدهم للنيل منهم والقضاء عليهم وعلى ما جاءوا به من الحق .
كذلك تشابهت قلوب الذين لا يعلمون من أهل الزيغ والأهواء من هذه الأمة قديما وحديثا على عداوة أهل الحق أتباع الرسول ، وفي مقدمتهم الصحب الكرام والعلماء الربانيين الذين هم على نهجهم ..
قال تعالى :{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ }(5) غافر .
والآيات في هذا المعنى كثيرة .. والتأريخ يعيد نفسه ...فهو ليس بأول رسول كذب ، والذين كذبوه ليسوا بأول أمة كذبت رسولها ؛ بل كل أمة همت لتأخذ رسولها بالقتل والإبعاد والتخلص منه ، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ؛ ولكن الله من وراء ذلك ينصره ويعزيه ويسليه ليصبر على البلاء العظيم ، ويستمر في طريقه في نشر الحق ودعوة النّاس إليه ، وهكذا ينبغي أن يتأسى به دعاة الحق من العلماء الربانيين وشيوخ العلم الصالحين المصلحين فإن هذه الآيات وإن كانت خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم فهي خطاب لأتباعه أهل الحق ودعاته من أمته. ومما تشابهت القلوب وزاغت بسببه اتباع المتشابه ، والتأويل الفاسد الذي يرسخ في القلوب الشبه ويثبت الافتراق والاختلاف على منهاج النبوة تشابه طوائف هذه الأمة باليهود والنصارى والمجوس وغيرهم ..
فقد اختلفت اليهود على موسى ، واختلفت النصارى على عيسى وقالت كل منهم في الأخرى أنها ليست على شيء ، واختلفت هذه الأمة وتفرقت وتشبهت باليهود والنصارى ، وقالت كل طائفة منهم للأخرى أنها ليست على شيء ؛ فعلوا فعل اليهود والنصارى في بعضهم البعض ، والعجيب ليس في نيل الفرق المخالفة لمنهج النبوة مِن بعضها البعض إلى درجة القتل والسبي ، فذلك أخبر به المعصوم في عدة أحاديث ، وإنما العجب كل العجب أن يحصل هذا التشابه من بعض من ينتسب إلى الفرقة الناجية والطائفة المنصورة أهل السنة والجماعة ، ولكن إذا عرف السبب بطل العجب ..
وقد بين صلى الله عليه وسلم عمق ودقة التتبع ، والتشبه في قوله : ((لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم )) . قيل: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: ((فمن)) . متفق عليه.
فانظر- رحمك الله - كيف تشابهت قلوبهم ، ولولا تشابهها في الزيغ والضلال وتتابع سنن القوم الذين يتبعون المتشابه من القول والأخذ بالشبه لما حصل هذا الذي نحن نعيشه من التفرق والتمزق ، وشدة البأس بيننا مما مكنا لأهل البدع والضلال لتتمكن من رقاب الكثير من إخواننا . فهؤلاء كبار الفرق في هذه الأمة من روافض وخوارج وقدرية ، ومرجئة ، وغيرهم ... تنتشر عقائدهم ، ومناهجهم ، وأفكارهم بيننا في أثواب غير ثيابهم ، وفي ألبسة غير لباسهم ، يلبسها أناس تشابهت قلوبهم مع اليهود والنصارى في تحريف الكلم عن موضعه وكتم الحق ، واتباع المتشابه من الوحي ، وافتراء الباطل وركوب أمواج التأويل الفاسد وتقديمه للناس في صورة الحق ، وتزيين الباطل ببعض الحق وتقديمه للنّاس من الجانب الذي يظهر فيه الحق ، وإخفاء الباطل الذي هو أصل فيه ...حتى يكون مقبولا عند السذج من النّاس ..
ومما حصل من التشابه في من ينتسبون للسنة والجماعة هو شدة التأثر بالـتأويل الفاسد ، ولي أعناق النصوص وتحريفها عن مراد الله ومراد رسوله ، وحمل الكلام ما لا يحتمل ، والتجاوز بالعقل عن فهم السلف الصالح ، وركب شبه أهل البدع والتنقيص من قدر العلماء الكبار ، وتولي أحداث الأسنان زمام الأمور ،وكبر كيد الأتباع لبعضهم البعض ، وعظيم الافتتان بحب الذات ، ولباس ثوب التعالم ، والغلو في الإفراط والتفريط ، والجرأة في طعن العلماء ، والرضا عمن كان موافقا ولو كان من الأعداء المخالفين ، والغضب عمن كان مخالفا لو كان من الأولياء الموافقين ؛ بسبب ذلك كله وغيره وأكثر منه حصل التشابه وتتبع سنن القوم إلى درجة لو دخلوا جحر ضب لدخله هؤلاء ..
فهذه المحاكاة للقوم هي لتشابه الكثير من القلوب في مرضها وعدم خوفها من العواقب ..
والحامل على ذلك هو الحسد والتعصب وإتباع الهوى وحب الانتقام الذي ينبع عن زيغ في القلوب المريضة ، وعن شهوة خفية - أنا على الحق وكل من خالفني فهو على الباطل - كما تقوله اليهود للنصارى نحن على حق وغيرنا على باطل وكما تعكسه النصارى على اليهود ، وهكذا تقوله كل طائفة تنتسب لهذه الأمة ولكنهم اجتمعوا على عداوة الطائفة المنصورة والرفقة الناجية ورميها عن قوس واحدة ، وقد تأثر بذلك أقوام فانقلبوا على إخوانهم ورموهم بما رمى به أولئك الطوائف الطائفة الناجية .
أضف إلى تلك الأسباب شهوة التصدر والزعامة ، وحب الانتقام ممن يقف في طريقهم بالنصح والنقد العلمي .
ولكن أشد هذه الطوائف اليوم غلوا وإيغالا في التعصب واتباع الهوى هي الطائفة الحدادية ، التي شابهت الخوارج ، وقد كشف عوارها الشيخ العلامة المجاهد ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله - ومتع بعلمه الأمة - يلبسون بلباس السلف الصالح ، ويظهرون للنّاس أصولهم الخبيثة مغلفة بشيء من الحق ،فالذي يطالعها وهو لا يعلم يراها كأنها هي عين الحق وذاته ، ويخفون جانب الباطل ، وقد أهلكهم التعصب الأعمى واتباع الهوى حتى أصبح من أصولهم أن كل من خالفهم فهو ضال أولا ، ومبتدع ثانيا ، وكافر ثالثا ، هكذا يتدرجون في الطعن في أهل السنة ،وعلى رأسهم وفي مقدمتهم العلماء المعروفين بصحة المعتقد وسلامة المنهج ، والغيرة على السلفية والذود عن حياض السنة ، كما فعلوا مع العلامة الألباني ، والعلامة ابن باز والعلامة ، ابن عثيمين ، والعلامة ربيع السنة وغيرهم من العلماء السابقين واللاحقين ، الأحياء والأموات والقافلة طويلة ..
وإذا خاف أحدهم من المجاهرة بالطعن والنيل من العلماء غمزهم وعرض بهم ليهون من شأنهم وينتقص من قدرهم ، أما شيوخ العلم وطلبته فحدث ولا حرج في رميهم بالبوائق واحتقارهم وتجهيلهم ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
وهذا الأصل هو أصل خارجي رافضي ؛ فالخوارج والروافض ؛ بل كل الفرق الهالكة يعتقدون أن كل من خالفهم فهو ضال أو مبتدع أو كافر ، وأن ذلك هو الحكم فيه ، ينفذ فيه لو كان الأمر إليهم ، أو استطاعوا أن يصلوا إليه بعيدا عن رقابة الأمن وغياب سلطة ولي الأمر . أما المخالف الذي رموه بغير مكفر ؛ أو أصاب ذنبا لا يخرجه من الملة - إن ثبت عنه ذلك - وإلا فهي تهم يجعلونها وصمة عار في جبينه إلى يوم القيامة لا تقبل منه توبة ولا يزال عنه اسم الفسق ، ولا يوصف بعدالة ، ولو جاءهم بيد بيضاء عليها ألف يمين مغلظة إلا أن يدخل بيت الطاعة ويناصرهم على باطلهم ويكافح من أجل ذلك ، وهذا أصل من أصول الرفض والخوارج ..
وأنا أقرأ في بعض الكتب الفرق إذ استوقفني بعض الكلام لبعض العلماء يعرف فيه بفرقة من الفرق الخوارج الشيعية تسمى البترية ، تعتقد أن من أخطأ وتاب لا تقبل له توبة ، فقلت سبحان الله ما أشبه الليلة بالبارحة ، وها هو التأريخ يعيد نفسه ، وها هي القلوب تتشابه ، وها هم الذين لا يعلمون يقولون مثل قولهم ، وما أصدق العلماء وأبصرهم بانحرافات هذه الطوائف ، وفي مقدمتهم العلامة ربيع بن هادي المدخلي ، الذي وصف الحدادية بأنهم أشد من الخوارج ، وأن من أصلهم أن من أخطأ لا يقبلون توبته حتى لو أعلنها ألف مرة .
و(والله إن الأمر كذلك ؛ بل هؤلاء أخبث منهم لأنهم يرمون الأبرياء بتهم لم يسمعوا بها حتى رأوها مكتوبة عنهم أو سمعوها على ألسنتهم في مجالسهم الخاصة ثم العامة ، أو أنها أمور لا تستدعي تهويلا وتشنيعا يعيرونهم بها ويلصقونها بهم وصمة عار في جبينهم إلى يوم القيامة حتى لو أقسموا لهم بالأيمان المغلظة ، أنهم أبرياء منها.
ومما زادوا على من تقدمهم أنهم لا يقبلون الحلف بالله ، ولا الأيمان المغلظة ويريدون ممن مخالفهم أن يقبل منهم كثرة حلفهم ..
وهذا فيه تهوين من شأن الحلف بالله وعدم إجلال الله سبحانه وتعالى ، وعدم تقديره وتعظيمه ، مخالفين منهج النبوة في ذلك . ومن صفاتهم أنهم يكثرون الحلف بالله حتى يروجون باطلهم الذي ألبسوه شيئا من الحق أنهم ما فعلوا ولا قالوا ، ولقد فعلوا قالوا كلمة الضلالة ، والطعن والعيب والتعيير ولكنهم قوم بهت .
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجُلًا يَسْرِقُ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: سَرَقْتَ؟ قَالَ: كَلَّا وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، قَالَ عِيسَى: ((آمَنْتُ بِاللهِ، وَكَذَّبْتُ عَيْنِي )) البخاري (3444) ، ومسلم (2368) (149) وأحمد (8154 ).
وقوله: "فقال: آمنت بالله" قال السندي: أي: فلا أردُّ من توسل به عن مطلوبه تعظيماً وإجلالاً له، فلا بدَّ أن أصدقك وأكذب عيني. وقوله: "وكذبت عَيْني" قال الحافظ في "الفتح" 6/489: بالتشديد على التثنية (يعني في عيني) ، ولبعضهم بالإِفراد، وفي رواية المستملي: "كذبت" بالتخفيف وفتح الموحدة و"عيني" بالإِفراد في محل رفع.
وقال السندي : "كذبت عيني" أي: آمنت بأنه أجل وأعظم من أن يحلف به كاذباً فصدقت الحالف به، وكذبت نفسي.انتهى كلامه . قلت: ( قاله عليه السلام مبالغة في تصديق الحالف بالله تعالى ، تبرئة له لأنه يحتمل أن المال ماله أو هو وصي عليه ، أو قاله تعظيما لله تعالى ، مع عدم نفي التهمة عن الرجل .
وقال ابن القيم – رحمه الله - في اجتماع الجيوش الإسلامية : (2/122): رُوِّينَا مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَشَى إِلَى أَمَةٍ لَهُ فَنَالَهَا فَرَأَتْهُ امْرَأَتُهُ فَلَامَتْهُ، فَجَحَدَهَا فَقَالَتْ لَهُ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَاقْرَأِ الْقُرْآنَ فَإِنَّ الْجُنُبَ لَا يَقْرَأُ (الْقُرْآنَ)
فَقَالَ: شَهِدْتُ بِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ... وَأَنَّ النَّارَ مَثْوَى الْكَافِرِينَا
وَأَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ الْمَاءِ طَافَ ... وَفَوْقَ الْعَرْشِ رَبُّ الْعَالَمِينَا
وَتَحْمِلُهُ مَلَائِكَةٌ شِدَادٌ ... مَلَائِكَةُ الْإِلَهِ مُسَوِّمِينَا
فَقَالَتْ : آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ عَيْنِي ، وَكَانَتْ لَا تَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَلَا تَقْرَؤُهُ.
وفي البخاري بَابُ مَا جَاءَ فِي البَيِّنَةِ عَلَى المُدَّعِي
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه)) . رواه مسلم .
وفي (( شرحه للنووي )) أنه قال : وجاء في رواية «البيهقي» بإسناد حسن أو صحيح زيادة عن ابن عباس مرفوعا: ((لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر)) المشكاة (3758 )وقال صحيح .
فإن لم تكن بينة ، ولا دليل ، وجاءت يمين المنكر فالقول قوله ، والتهمة في حق المدعي تثبت ، كما يقال ، هات الشهود أو حد في ظهرك . من هي البترية :
(الثَّالِثَةُ) : الْبَتْرِيَّةُ أَصْحَابُ بَتْرٍ التُّوصِيِّ، قَالُوا بِنَحْوِ قَوْلِ مَنْ قَبْلَهُمْ، إِلَّا أَنَّهُمْ تَوَقَّفُوا فِي كُفْرِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. لوامع الأنوار(1/85). وهي من فرق الزيدية، أتباع كثير النوى (النواء) الأبتر، توقفوا في أمر عثمان رضي الله عنه ، وقالوا: علياً أفضل النَّاس بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، ووافقوا المعتزلة في كثير من أصولهم. انظر: الملل والنحل (1/ 161)، والفرق بين الفرق (ص23)، ومقالات الإسلاميين (ص68 ـ 69). والاعتصام (3/358).
وقال ابن الجوزي في تلبيس إبليس (1/20): وانقسمت الحرورية اثنتي عشرة فرقة ....إلى أن قال : والعاشرة : هي البترية : زعموا أن من عصى ثم تاب لم تقبل توبته .
هذا الأصل الخبيث كم جر من نكبات على السلفيين ، وكم أوقع من قطيعة وهجر بين الأحباب ، وكم صد عن سبيل دعوة الحق ، وكم أوقع من ظلم وتعد ، وكم سبب من رد الحق وانتهاك الحرمات ، وكم .. وكم ..
قال الشيخ ربيع في وصف الحدادية ((في الإنترنت جماعة يصفون أهل السنة أنهم حدادية وصفات الحدادية متوفرة فيهم : الغلوّ ، الكذب ، رد الحقّ ، نفس الطريقة الحدادية، فافهموا هذا ، واضبطوا صفات الحدادية ، فمن وجدت فيه فهو من الحدادية أو شبيه بهم أو أسوأ منهم)) . فتاوى في العقيدة والمنهج (الحلقة 1)
وقال - حفظه الله - : الحدادية لهم أصل خبيث وهو أنهم إذا ألصقوا بإنسان قولا وهو برئ منه ، يعلن براءته منه فإنهم يصرون على الاستمرار على رمي ذلك المظلوم بما ألصقوه به ، فهم بهذا الأصل الخبيث يفوقون الخوارج .انتهى .
هكذا يعيد التأريخ نفسه ، وهكذا تشابهت قلوب القوم ، فاتبعوا سنن من كان قبلهم يفتون في عضد أهل السنة والجماعة تمزيقا وتفريقا وإضعافا للصف السلفي - وإن زعموا أنهم من حماته ، يرابطون على ثغور الحق ، بغيرة شديدة وتضحية أكيدة ، والحقيقة غير ذلك فقد أوتي السلفيون من قبلهم ودخل الخصوم والأعداء وكل الطوائف المخالفة من قبلهم يضربون بسهامهم الرابطة القوية التي تربط السلفيين، ويضرمون نار الفتنة بينهم ، ومع وضوح ذلك يأبى القوم أن يتفطنوا لما يحاك لهذه الدعوة المباركة ، ويصرون على المضي في توسيع الهوة بين الأخوة ، ومساعدة الخصوم على الدخول من ثغراتهم ، وإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله .
نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الحق ، وأن يصلح أحوالنا وأن يهدينا سواء السبيل إن ربي سميع قريب مجيب .
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يليق بجلاله وجماله وكماله سبحانه وتعالى ، له الحمد كله وله الشكر كله على ما منّ به علينا من الاستقامة والوسطية على منهج النبوة ، وأصلي وأسلم على سيد الخلق وإمام المرسلين سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
فإن التأريخ يعيد نفسه ، فما أشبه الليلة بالبارحة ؛ لأن الذين سجلوا أسماءهم على صفحات التأريخ بالانحراف والزيغ والضلال من الأولين والآخرين تشابهت قلوبهم ، فما وجد كفر أو ضلال أو انحراف أو زيغ أو بدعة في غابر الزمان إلا وجد من يتصف بذلك قولا وفعلا عبر التأريخ إلى يوم النّاس هذا ..
قال الله تعالى :{وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}(البقرة 118-119) .
فما من نبي ولا رسول بعثه الله إلا قيل له ما قد قيل للرسل قبله ، من السب والشتم والسخرية والاستهزاء والتكذيب والعناد والاستكبار والوصف بالتشويه وقلب الحقائق ، والتحدي ، وقصد التخلص منه بالقتل ، وطلب المستحيل بأسئلة تعجيزية تعنتية ليسقطوه ، ولكن الله في كل مرة ينتصر لرسله ، وكذلك ينتصر لأوليائه من المؤمنين الصادقين علماء وطلبة العلم ،(( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )).
وقال تعالى :{مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ }(43) فصلت .
قال ابن جرير (21/481): يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ما يقول لك هؤلاء المشركون المكذّبون ما جئتهم به من عند ربك إلا ما قد قاله من قبلهم من الأمم الذين كانوا من قبلك، يقول له: فاصبر على ما نالك من أذى منهم، كما صبر أولو العزم من الرسل . وقال تعالى :{ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }(51).
هكذا في كل عصر ومصر عبر التأريخ ما وجدت فرقة من فرق الضلال والزيغ إلا وجدت مثلها فيمن بعدهم تشابهت قلوبهم في ذلك : فانظر إلى المشركين من قريش يعلمون يقينا أن النبي صلى الله عليه وسلم بريء مما اتهموه به ويعلمون يقينا صدقه وأمانته ..
فنجد اليوم في الفرق الذين ينتسبون إلى الإسلام بل إلى السنة ومنهج النبوة – زعموا - مثل الحدادية يعلمون يقينا براءة العلماء وطلبة العلم السلفيين الذين كشفوا باطلهم ؛ ثم يتهمونهم بتهم هم منها براء ، براءة الذئب من دم ابن يعقوب ، ويفترون عليهم الكذب لينفروا النّاس عنهم حسدا من عند أنفسهم ،تماما كما فعل المشركون يوم افتروا على رسول الله لينفروا النّاس عنه ويصدونهم عن دعوة الحق .
والعجيب في هؤلاء المتأخرين أن منهم من يكذب ويكذب بصفاقة وجه ، وبلا حياء من الله تعالى ولا من خلقه ، ويحلف الأيمان المغلظة على ما يرمي به مخالفه يظن أن حبل الكذب طويل وأنه سينجيه ، وما هي إلا مدة ويظهر الله الحق ، وينكشف الكذب والباطل ، ويعلم النّاس أنهم هم من رموا الأبرياء بدائهم وانسلوا ، ولكن:(( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ )).
وهذا فعل الكفار والمشركين تماما الذين رموا الرسل بالكذب والأشر وهو ألصق بهم فها هم قوم صالح ثمود يرمونه بذلك وهم أحق بما رموه . قال تعالى مبينا ذلك :{ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ }(26) سورة القمر . وهاهم كفار قريش يرمونه صلى الله عليه وسلم بما رمى به الكفار من قبلهم رسلهم ، فقد رموهم بالسحر والكذب ، وهم يعلمون أنهم كاذبون في ذلك .
قال تعالى :{ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} (4) سورة ص .
قال ابن كثير (7/53): يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ فِي تَعَجُّبِهِمْ مِنْ بِعْثَةِ الرَّسُولِ بَشَرًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ} وَقَالَ هَاهُنَا: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} أَيْ: بَشَرٌ مِثْلُهُمْ، {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} أَيْ: أَزَعَمَ أَنَّ الْمَعْبُودَ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ؟! أَنْكَرَ الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ -قَبَّحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى-وَتَعَجَّبُوا مِنْ تَرْكِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا قَدْ تَلَقَّوْا عَنْ آبَائِهِمْ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَأُشْرِبَتْهُ قُلُوبُهُمْ فَلَمَّا دَعَاهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَلْعِ ذَلِكَ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَإِفْرَادِ اللَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ أَعَظَمُوا ذَلِكَ وَتَعَجَّبُوا وَقَالُوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ . ا.هـ
وقال تعالى مسليا لنبيه :{ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ }(4) فاطر .
قال أبو جعفر بن جرير (20/430):يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: وإن يكذبك يا محمد هؤلاء المشركون بالله من قومك فلا يحزننك ذاك، ولا يعظم عليك، فإن ذلك سنة أمثالهم من كفرة الأمم بالله، من قبلهم وتكذيبهم رسل الله التي أرسلها إليهم من قبلك، ولن يعدو مشركوا قومك أن يكونوا مثلهم، فيتبعوا في تكذيبك منهاجهم ويسلكوا سبيلهم .
(وَإِلَى اللَّهِ تُرْجعُ الأمُورُ) يقول تعالى ذكره: وإلى الله مرجع أمرك وأمرهم، فمُحِل بهم العقوبة، إن هم لم ينيبوا إلى طاعتنا في اتباعك والإقرار بنبوتك، وقبول ما دعوتهم إليه من النصيحة، نظير ما أحللنا بنظرائهم من الأمم المكذبة رسلها قبلك، ومنجيك وأتباعك من ذلك، سنتنا بمن قبلك في رسلنا وأوليائنا.
وقال عز من قائل :{ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }(44).
قال ابن جرير (18/652): يقول تعالى ذكره مسليا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عما يناله من أذى المشركين بالله، وحاضا له على الصبر على ما يلحقه منهم من السبّ والتكذيب: وإن يكذّبك يا محمد هؤلاء المشركون بالله على ما آتيتَهم به من الحق والبرهان، وما تعدهم من العذاب على كفرهم بالله، فذلك سنة إخوانهم من الأمم الخالية المكذّبة رسل الله المشركة بالله ومنهاجهم من قبلهم، فلا يصدنك ذلك، فإن العذاب المهين من ورائهم ونصري إياك وأتباعك عليهم آتيهم من وراء ذلك، كما أتى عذابي على أسلافهم من الأمم الذين من قبلهم بعد الإمهال إلى بلوغ الآجال.
فها هو التأريخ يعيد نفسه ، تشابهت بل تطابقت عداوة الكفار للرسل وحيلهم ومكرهم وكيدهم للنيل منهم والقضاء عليهم وعلى ما جاءوا به من الحق .
كذلك تشابهت قلوب الذين لا يعلمون من أهل الزيغ والأهواء من هذه الأمة قديما وحديثا على عداوة أهل الحق أتباع الرسول ، وفي مقدمتهم الصحب الكرام والعلماء الربانيين الذين هم على نهجهم ..
قال تعالى :{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ }(5) غافر .
والآيات في هذا المعنى كثيرة .. والتأريخ يعيد نفسه ...فهو ليس بأول رسول كذب ، والذين كذبوه ليسوا بأول أمة كذبت رسولها ؛ بل كل أمة همت لتأخذ رسولها بالقتل والإبعاد والتخلص منه ، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ؛ ولكن الله من وراء ذلك ينصره ويعزيه ويسليه ليصبر على البلاء العظيم ، ويستمر في طريقه في نشر الحق ودعوة النّاس إليه ، وهكذا ينبغي أن يتأسى به دعاة الحق من العلماء الربانيين وشيوخ العلم الصالحين المصلحين فإن هذه الآيات وإن كانت خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم فهي خطاب لأتباعه أهل الحق ودعاته من أمته. ومما تشابهت القلوب وزاغت بسببه اتباع المتشابه ، والتأويل الفاسد الذي يرسخ في القلوب الشبه ويثبت الافتراق والاختلاف على منهاج النبوة تشابه طوائف هذه الأمة باليهود والنصارى والمجوس وغيرهم ..
فقد اختلفت اليهود على موسى ، واختلفت النصارى على عيسى وقالت كل منهم في الأخرى أنها ليست على شيء ، واختلفت هذه الأمة وتفرقت وتشبهت باليهود والنصارى ، وقالت كل طائفة منهم للأخرى أنها ليست على شيء ؛ فعلوا فعل اليهود والنصارى في بعضهم البعض ، والعجيب ليس في نيل الفرق المخالفة لمنهج النبوة مِن بعضها البعض إلى درجة القتل والسبي ، فذلك أخبر به المعصوم في عدة أحاديث ، وإنما العجب كل العجب أن يحصل هذا التشابه من بعض من ينتسب إلى الفرقة الناجية والطائفة المنصورة أهل السنة والجماعة ، ولكن إذا عرف السبب بطل العجب ..
وقد بين صلى الله عليه وسلم عمق ودقة التتبع ، والتشبه في قوله : ((لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم )) . قيل: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: ((فمن)) . متفق عليه.
فانظر- رحمك الله - كيف تشابهت قلوبهم ، ولولا تشابهها في الزيغ والضلال وتتابع سنن القوم الذين يتبعون المتشابه من القول والأخذ بالشبه لما حصل هذا الذي نحن نعيشه من التفرق والتمزق ، وشدة البأس بيننا مما مكنا لأهل البدع والضلال لتتمكن من رقاب الكثير من إخواننا . فهؤلاء كبار الفرق في هذه الأمة من روافض وخوارج وقدرية ، ومرجئة ، وغيرهم ... تنتشر عقائدهم ، ومناهجهم ، وأفكارهم بيننا في أثواب غير ثيابهم ، وفي ألبسة غير لباسهم ، يلبسها أناس تشابهت قلوبهم مع اليهود والنصارى في تحريف الكلم عن موضعه وكتم الحق ، واتباع المتشابه من الوحي ، وافتراء الباطل وركوب أمواج التأويل الفاسد وتقديمه للناس في صورة الحق ، وتزيين الباطل ببعض الحق وتقديمه للنّاس من الجانب الذي يظهر فيه الحق ، وإخفاء الباطل الذي هو أصل فيه ...حتى يكون مقبولا عند السذج من النّاس ..
ومما حصل من التشابه في من ينتسبون للسنة والجماعة هو شدة التأثر بالـتأويل الفاسد ، ولي أعناق النصوص وتحريفها عن مراد الله ومراد رسوله ، وحمل الكلام ما لا يحتمل ، والتجاوز بالعقل عن فهم السلف الصالح ، وركب شبه أهل البدع والتنقيص من قدر العلماء الكبار ، وتولي أحداث الأسنان زمام الأمور ،وكبر كيد الأتباع لبعضهم البعض ، وعظيم الافتتان بحب الذات ، ولباس ثوب التعالم ، والغلو في الإفراط والتفريط ، والجرأة في طعن العلماء ، والرضا عمن كان موافقا ولو كان من الأعداء المخالفين ، والغضب عمن كان مخالفا لو كان من الأولياء الموافقين ؛ بسبب ذلك كله وغيره وأكثر منه حصل التشابه وتتبع سنن القوم إلى درجة لو دخلوا جحر ضب لدخله هؤلاء ..
فهذه المحاكاة للقوم هي لتشابه الكثير من القلوب في مرضها وعدم خوفها من العواقب ..
والحامل على ذلك هو الحسد والتعصب وإتباع الهوى وحب الانتقام الذي ينبع عن زيغ في القلوب المريضة ، وعن شهوة خفية - أنا على الحق وكل من خالفني فهو على الباطل - كما تقوله اليهود للنصارى نحن على حق وغيرنا على باطل وكما تعكسه النصارى على اليهود ، وهكذا تقوله كل طائفة تنتسب لهذه الأمة ولكنهم اجتمعوا على عداوة الطائفة المنصورة والرفقة الناجية ورميها عن قوس واحدة ، وقد تأثر بذلك أقوام فانقلبوا على إخوانهم ورموهم بما رمى به أولئك الطوائف الطائفة الناجية .
أضف إلى تلك الأسباب شهوة التصدر والزعامة ، وحب الانتقام ممن يقف في طريقهم بالنصح والنقد العلمي .
ولكن أشد هذه الطوائف اليوم غلوا وإيغالا في التعصب واتباع الهوى هي الطائفة الحدادية ، التي شابهت الخوارج ، وقد كشف عوارها الشيخ العلامة المجاهد ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله - ومتع بعلمه الأمة - يلبسون بلباس السلف الصالح ، ويظهرون للنّاس أصولهم الخبيثة مغلفة بشيء من الحق ،فالذي يطالعها وهو لا يعلم يراها كأنها هي عين الحق وذاته ، ويخفون جانب الباطل ، وقد أهلكهم التعصب الأعمى واتباع الهوى حتى أصبح من أصولهم أن كل من خالفهم فهو ضال أولا ، ومبتدع ثانيا ، وكافر ثالثا ، هكذا يتدرجون في الطعن في أهل السنة ،وعلى رأسهم وفي مقدمتهم العلماء المعروفين بصحة المعتقد وسلامة المنهج ، والغيرة على السلفية والذود عن حياض السنة ، كما فعلوا مع العلامة الألباني ، والعلامة ابن باز والعلامة ، ابن عثيمين ، والعلامة ربيع السنة وغيرهم من العلماء السابقين واللاحقين ، الأحياء والأموات والقافلة طويلة ..
وإذا خاف أحدهم من المجاهرة بالطعن والنيل من العلماء غمزهم وعرض بهم ليهون من شأنهم وينتقص من قدرهم ، أما شيوخ العلم وطلبته فحدث ولا حرج في رميهم بالبوائق واحتقارهم وتجهيلهم ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
وهذا الأصل هو أصل خارجي رافضي ؛ فالخوارج والروافض ؛ بل كل الفرق الهالكة يعتقدون أن كل من خالفهم فهو ضال أو مبتدع أو كافر ، وأن ذلك هو الحكم فيه ، ينفذ فيه لو كان الأمر إليهم ، أو استطاعوا أن يصلوا إليه بعيدا عن رقابة الأمن وغياب سلطة ولي الأمر . أما المخالف الذي رموه بغير مكفر ؛ أو أصاب ذنبا لا يخرجه من الملة - إن ثبت عنه ذلك - وإلا فهي تهم يجعلونها وصمة عار في جبينه إلى يوم القيامة لا تقبل منه توبة ولا يزال عنه اسم الفسق ، ولا يوصف بعدالة ، ولو جاءهم بيد بيضاء عليها ألف يمين مغلظة إلا أن يدخل بيت الطاعة ويناصرهم على باطلهم ويكافح من أجل ذلك ، وهذا أصل من أصول الرفض والخوارج ..
وأنا أقرأ في بعض الكتب الفرق إذ استوقفني بعض الكلام لبعض العلماء يعرف فيه بفرقة من الفرق الخوارج الشيعية تسمى البترية ، تعتقد أن من أخطأ وتاب لا تقبل له توبة ، فقلت سبحان الله ما أشبه الليلة بالبارحة ، وها هو التأريخ يعيد نفسه ، وها هي القلوب تتشابه ، وها هم الذين لا يعلمون يقولون مثل قولهم ، وما أصدق العلماء وأبصرهم بانحرافات هذه الطوائف ، وفي مقدمتهم العلامة ربيع بن هادي المدخلي ، الذي وصف الحدادية بأنهم أشد من الخوارج ، وأن من أصلهم أن من أخطأ لا يقبلون توبته حتى لو أعلنها ألف مرة .
و(والله إن الأمر كذلك ؛ بل هؤلاء أخبث منهم لأنهم يرمون الأبرياء بتهم لم يسمعوا بها حتى رأوها مكتوبة عنهم أو سمعوها على ألسنتهم في مجالسهم الخاصة ثم العامة ، أو أنها أمور لا تستدعي تهويلا وتشنيعا يعيرونهم بها ويلصقونها بهم وصمة عار في جبينهم إلى يوم القيامة حتى لو أقسموا لهم بالأيمان المغلظة ، أنهم أبرياء منها.
ومما زادوا على من تقدمهم أنهم لا يقبلون الحلف بالله ، ولا الأيمان المغلظة ويريدون ممن مخالفهم أن يقبل منهم كثرة حلفهم ..
وهذا فيه تهوين من شأن الحلف بالله وعدم إجلال الله سبحانه وتعالى ، وعدم تقديره وتعظيمه ، مخالفين منهج النبوة في ذلك . ومن صفاتهم أنهم يكثرون الحلف بالله حتى يروجون باطلهم الذي ألبسوه شيئا من الحق أنهم ما فعلوا ولا قالوا ، ولقد فعلوا قالوا كلمة الضلالة ، والطعن والعيب والتعيير ولكنهم قوم بهت .
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجُلًا يَسْرِقُ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: سَرَقْتَ؟ قَالَ: كَلَّا وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، قَالَ عِيسَى: ((آمَنْتُ بِاللهِ، وَكَذَّبْتُ عَيْنِي )) البخاري (3444) ، ومسلم (2368) (149) وأحمد (8154 ).
وقوله: "فقال: آمنت بالله" قال السندي: أي: فلا أردُّ من توسل به عن مطلوبه تعظيماً وإجلالاً له، فلا بدَّ أن أصدقك وأكذب عيني. وقوله: "وكذبت عَيْني" قال الحافظ في "الفتح" 6/489: بالتشديد على التثنية (يعني في عيني) ، ولبعضهم بالإِفراد، وفي رواية المستملي: "كذبت" بالتخفيف وفتح الموحدة و"عيني" بالإِفراد في محل رفع.
وقال السندي : "كذبت عيني" أي: آمنت بأنه أجل وأعظم من أن يحلف به كاذباً فصدقت الحالف به، وكذبت نفسي.انتهى كلامه . قلت: ( قاله عليه السلام مبالغة في تصديق الحالف بالله تعالى ، تبرئة له لأنه يحتمل أن المال ماله أو هو وصي عليه ، أو قاله تعظيما لله تعالى ، مع عدم نفي التهمة عن الرجل .
وقال ابن القيم – رحمه الله - في اجتماع الجيوش الإسلامية : (2/122): رُوِّينَا مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَشَى إِلَى أَمَةٍ لَهُ فَنَالَهَا فَرَأَتْهُ امْرَأَتُهُ فَلَامَتْهُ، فَجَحَدَهَا فَقَالَتْ لَهُ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَاقْرَأِ الْقُرْآنَ فَإِنَّ الْجُنُبَ لَا يَقْرَأُ (الْقُرْآنَ)
فَقَالَ: شَهِدْتُ بِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ... وَأَنَّ النَّارَ مَثْوَى الْكَافِرِينَا
وَأَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ الْمَاءِ طَافَ ... وَفَوْقَ الْعَرْشِ رَبُّ الْعَالَمِينَا
وَتَحْمِلُهُ مَلَائِكَةٌ شِدَادٌ ... مَلَائِكَةُ الْإِلَهِ مُسَوِّمِينَا
فَقَالَتْ : آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ عَيْنِي ، وَكَانَتْ لَا تَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَلَا تَقْرَؤُهُ.
وفي البخاري بَابُ مَا جَاءَ فِي البَيِّنَةِ عَلَى المُدَّعِي
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه)) . رواه مسلم .
وفي (( شرحه للنووي )) أنه قال : وجاء في رواية «البيهقي» بإسناد حسن أو صحيح زيادة عن ابن عباس مرفوعا: ((لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر)) المشكاة (3758 )وقال صحيح .
فإن لم تكن بينة ، ولا دليل ، وجاءت يمين المنكر فالقول قوله ، والتهمة في حق المدعي تثبت ، كما يقال ، هات الشهود أو حد في ظهرك . من هي البترية :
(الثَّالِثَةُ) : الْبَتْرِيَّةُ أَصْحَابُ بَتْرٍ التُّوصِيِّ، قَالُوا بِنَحْوِ قَوْلِ مَنْ قَبْلَهُمْ، إِلَّا أَنَّهُمْ تَوَقَّفُوا فِي كُفْرِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. لوامع الأنوار(1/85). وهي من فرق الزيدية، أتباع كثير النوى (النواء) الأبتر، توقفوا في أمر عثمان رضي الله عنه ، وقالوا: علياً أفضل النَّاس بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، ووافقوا المعتزلة في كثير من أصولهم. انظر: الملل والنحل (1/ 161)، والفرق بين الفرق (ص23)، ومقالات الإسلاميين (ص68 ـ 69). والاعتصام (3/358).
وقال ابن الجوزي في تلبيس إبليس (1/20): وانقسمت الحرورية اثنتي عشرة فرقة ....إلى أن قال : والعاشرة : هي البترية : زعموا أن من عصى ثم تاب لم تقبل توبته .
هذا الأصل الخبيث كم جر من نكبات على السلفيين ، وكم أوقع من قطيعة وهجر بين الأحباب ، وكم صد عن سبيل دعوة الحق ، وكم أوقع من ظلم وتعد ، وكم سبب من رد الحق وانتهاك الحرمات ، وكم .. وكم ..
قال الشيخ ربيع في وصف الحدادية ((في الإنترنت جماعة يصفون أهل السنة أنهم حدادية وصفات الحدادية متوفرة فيهم : الغلوّ ، الكذب ، رد الحقّ ، نفس الطريقة الحدادية، فافهموا هذا ، واضبطوا صفات الحدادية ، فمن وجدت فيه فهو من الحدادية أو شبيه بهم أو أسوأ منهم)) . فتاوى في العقيدة والمنهج (الحلقة 1)
وقال - حفظه الله - : الحدادية لهم أصل خبيث وهو أنهم إذا ألصقوا بإنسان قولا وهو برئ منه ، يعلن براءته منه فإنهم يصرون على الاستمرار على رمي ذلك المظلوم بما ألصقوه به ، فهم بهذا الأصل الخبيث يفوقون الخوارج .انتهى .
هكذا يعيد التأريخ نفسه ، وهكذا تشابهت قلوب القوم ، فاتبعوا سنن من كان قبلهم يفتون في عضد أهل السنة والجماعة تمزيقا وتفريقا وإضعافا للصف السلفي - وإن زعموا أنهم من حماته ، يرابطون على ثغور الحق ، بغيرة شديدة وتضحية أكيدة ، والحقيقة غير ذلك فقد أوتي السلفيون من قبلهم ودخل الخصوم والأعداء وكل الطوائف المخالفة من قبلهم يضربون بسهامهم الرابطة القوية التي تربط السلفيين، ويضرمون نار الفتنة بينهم ، ومع وضوح ذلك يأبى القوم أن يتفطنوا لما يحاك لهذه الدعوة المباركة ، ويصرون على المضي في توسيع الهوة بين الأخوة ، ومساعدة الخصوم على الدخول من ثغراتهم ، وإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله .
نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الحق ، وأن يصلح أحوالنا وأن يهدينا سواء السبيل إن ربي سميع قريب مجيب .