المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
10-Jul-2010, 12:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

وقوله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ (1)..........................

(1) الآية الثالثة: في العزة، وهي قوله:) وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ )[المنافقون:8].

· هذه الآية نزلت في مقابلة قول المنافقين:) لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ )[ المنافقون: 8]، يريدون أنهم الأعز، وأن رسول الله والمؤمنين الأذلون، فبين الله تعالى أنه لا عزة لهم، فضلاً عن أن يكونوا هم الأعزون، وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

ومقتضى قول المنافقين أن الرسول صلى الله وعلى آله وسلم والمؤمنين هم الذين يخرجون المنافقين، لأنهم أهل العزة، والمنافقين أهل الذلة، ولهذا كانوا يحسبون كل صيحة عليهم، وذلك لذلهم وهلعهم، وكانوا إذا لقوا الذين آمنوا، قالوا: آمنا، خوفاً وجبناً، وإذا خلوا إلي شياطينهم ، قالوا: إنا معكم، إنما نحن مستهزئون ! وهذا غاية الذل.

أما المؤمنون، فكانوا أعزاء بدينهم، قال الله عنهم في مجادلة أهل الكتاب:)ِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)(آل عمران:64]، فيعلنونها صريحة، لا يخافون في الله لومه لائم.

وفي هذه الآية الكريمة إثبات العزة لله سبحانه وتعالى.

وذكر أهل العلم أن العزة تنقسم إلي ثلاثة أقسام: عزة القدر، وعزة القهر، وعزة الامتناع:

فعزة القدر: معناه أن الله تعالى ذو قدر عزيز، يعني: لا نظير له.

2. وعزة القهر: هي عزة الغلبة، يعني: أنه غالب كل شيء، قاهر كل شيء، ومنه قوله تعالي:) فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)[ ص: 23]، يعني: غلبني في الخطاب. فالله سبحانه عزيز لا غالب له بل هو غالب كل شيء.

3. وعزة الامتناع: وهي أن الله تعالى يمتنع أن يناله سوء أو نقص، فهو مأخوذ من القوة والصلابة، ومنه قولهم: أرض عزاز، يعني قوية شديدة.

هذه معاني العزة التي أثبتها الله تعالى لنفسه، وهي تدل على كمال قهره وسلطانه، وعلى كمال صفاته، وعلى تمام تنزهه عن النقص.

تدل على كمال قهره وسلطانه في عزة القهر.

وعلى تمام صفاته وكمالها وأنه لا مثيل لها في عزة القدر.

وعلى تمام تنزهه عن العيب والنقص في عزة الامتناع.

قوله: ] ولرسوله وللمؤمنين[، يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم، له عزة، وللمؤمنين أيضاً عزة وغلبة.

· ولكن يجب أن نعلم أن العزة التي أثبتها الله لرسوله وللمؤمنين ليست كعزة الله، فإن عزة الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين قد يشوبها ذلة، لقوله تعالى: )وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ )[ آل عمران: 123]، وقد يغلبون أحياناً لحكمة يريدها الله عز وجل، ففي أحد لم يحصل لهم تمام العزة، لأنهم غلبوا في النهاية لحكم عظيمة، وكذلك في حنين ولوا مدبرين، ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم، من أثني عشر ألفاً إلا نحو مائة رجل. هذا أيضاً فقد للعزة، لكنه مؤقت. أما عزة الله عز وجل، فلا يمكن أبداً أن تفقد.

وبهذا عرفنا أن العزة التي أثبتها الله لرسوله وللمؤمنين ليست كالعزة التي أثبتها لنفسه.

وهذا أيضاً يمكن أن يؤخذ من القاعدة العامة، وهي أنه: لا يلزم من اتفاق الاسمين أن يتماثل المسميان، ولا من اتفاق الصفتين أن يتماثل الموصوفان.

وقوله عن إبليس: ) فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (1) ....................

(1) الآية الرابعة: في العزة أيضاً، وهي قوله عن إبليس: ) فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)[ ص: 82].

· الباء هنا للقسم، لكنه اختار القسم بالعزة دون غيرها من الصفات لأن المقام مقام مغالبة، فكأنه قال: بعزتك التي تغلب بها من سواك لأغوين هؤلاء وأسيطر عليهم يعني: بني آدم حتى يخرجوا من الرشد إلى الغي.

ويستثنى من هذا عباد الله المخلصون، فإن إبليس لا يستطيع أن يغويهم، كما قال تعالى: )إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ )( الحجر: 42].

ففي هاتين الآيتين إثبات العزة لله.

وفي الآية الثالثة إثبات أن الشيطان يقر بصفات الله!

فكيف نجد من بني آدم من ينكر صفات الله أو بعضها، أيكون الشيطان أعلم بالله وأعقل مسلكاً من هؤلاء النفاة؟!

ما نستفيده من الناحية المسلكية:

في العفو والصفح: هو أننا إذا علمنا أن الله عفو، وأنه قدير، أوجب لنا ذلك أن نسأله العفو دائماً، وأن نرجو منه العفو عما حصل منا من التقصير في الواجب.

أما العزة أيضاً: نقول: إذا علمنا أن الله عزيز، فإننا لا يمكن أن نفعل فعلاً نحارب الله فيه.

مثلاً الإنسان المرابي معاملته مع الله المحاربة:)فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ )[ البقرة: 279]. إذا علمنا أن الله ذو عزة لا يغلب، فإنه لا يمكننا أن نقدم على محاربة الله عز وجل.

قطع الطريق محاربة:)إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) [المائدة: 33]، فإذا علمنا أن قطع الطريق محاربة لله، وأن العزة لله، امتنعنا عن العمل، لأن الله هو الغالب.

ويمكن أن نقول فيها فائدة من الناحية المسلكية أيضاً، وهي أن الإنسان المؤمن ينبغي له أن يكون عزيزاً في دينه، بحيث لا يذل أمام أحد من الناس، كائناً من كان، على المؤمنين، فيكون عزيزاً على الكافرين، ذليلاً على المؤمنين.



المصدر :
شرح العقيدة الواسطية
<!-- / message -->