أبو بكر يوسف لعويسي
28-Sep-2021, 12:02 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، أحمده سبحانه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ، وأشكره على جزيل نعمه ، وأصل وأسلم على من أرسله رحمة للعالمين ، وعلى أله وصحبه وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن الفتن في زماننا هذا كثرت ، وكثرت بشكل كبير حتى أصبح الكثير من المسلمين حيرانا يتخبط في دياجرها لا يفرق بين الثمرة ، والجمرة ، ولا بين الحلال والحرام ، ولا بين الشبهة والشهوة ، ولا بين المنهج السلفي والمنهج الخلفي ؛ ولا حتى بين المسميات يتأول الكثير منهم نصوص الكتاب والسنة لما يخدم مصالحهم وحظوظ أنفسهم ، بعد أن تمكنت الشهوة الخفية من نفوسهم- والعياذ بالله - ، ويتبع كثير منهم المتشابه من نصوص الوحي ؛ وأقوال العلماء ، ويتعصب البعض الآخر لهم ولجماعته وحزبه ؛ويعتدي بعضهم على بعض ، في عداوة ظاهرة فرح بها خصومهم ، وجعلوا بأسهم بيهم شديدا ؛ وقد نسوا أو تناسوا الأخوة الإيمانية بينهم ،واللحمة السلفية إلا - من رحم الله وقليل ما هم -.
والأغرب من هذا والمؤلم جدا أن الكثير منهم يدرك أن ما وقع ويقع بينهم اليوم هو من الفتن ؛ ومع ذلك خاض في مستنقعاتها يدعو إليها حسب هوى النفس ،ويتشرف لها من غير دعوة للإصلاح ولا للصلح بين المتخاصمين ويزعم أن هذا هو المنهج السلفي ، مع أن نصوص الكتاب والسنة كثيرة متظافرة واضحة في ذم الفتن والتحذير من الولوج فيها والاستشراف لها وسأذكر لك شيئا منها على وجه الاختصار ..
ففي الفتن لنعيم بن حماد (٤٩٨ )- حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: «إِنَّ بَعْدَكُمْ فِتَنًا، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ
الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، حَتَّى ذَكَرَ الرَّاكِبَ، فَكُونُوا فِيهَا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ». والحديث :حسن صحيح ، وهو في الصحيحين .
ولقد فُتح باب الفتنة في هذه الأمة بمقتل الفاروق عمر - رضي الله عنه وارضاه- ولن يغلق إلى قيام الساعة ، ولكنها تقل في وقت وتكثر في آخر ، كما تكثر في بلد دون آخر ،ومنطقة دون منطقة ؛ وفي كل زمان قائم لله بحجة ، عاقل يدعو إلى اجتناب الفتن ويحذر منها ، ويدعو إلى اجتماع الكلمة والاعتصام بحبل الله ، وفي مقدمتهم العلماء الربانيون ، الذين يدركون تماما مضار الفتن على الفرد والمجتمع في أول مقدمها، وإنكم أيها السلفيون لأن تكونوا أتباعا في الخير والجماعة خير من أن تكونوا رؤوسا في الفتنة والشر، تقودون زمام الفتن ، فلا تكونوا وقودها لأن الفتنة أول من يتضرر بها هو من فتح بابها وولج فيها ولم يخرج منه كما دخل ، فإنه جاء في السنة الغراء أن من استشرف لها أهلكته .
ففي «التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان» (8/ 363): (5959)
«ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ اخْتِلَاطَ الْفِتَنِ بِالْمَرْءِ يَكُونُ على حسب استشرافه لها»: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((سَتَكُونُ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ ، وَالْقَائِمٌ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي ، مَنِ اسْتَشْرَفَ لَهَا؛ استَشْرَفَتْهُ)).
[قال الشيخ الألباني] في صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان» (2/ 224) : «حسن صحيح - " التعليقات الحسان" (5928): ق - دون جملة الرياح، وهي عند م - حذيفة».
قلت : ورياح الصيف تكون حارة ، حسب شدة حرارة الصيف في كل بقعة من الأرض ، ومختلطة بالرمال والأتربة ،حتى تكون الرؤية منعدمة بذلك أو تكاد ..
وهكذا الفتنة تشتد على أصحابها حتى تنعدم الرؤية الشرعية السليمة الصحيحة ، فيرجع ضررها عليهم .
واعلموا – يرحمني الله وإياكم - أن الفتن ما حلت بأرض قوم إلا أتت على الأخضر واليابس إلا من اجتنبها واعتصم بالعلم بالله ودينه منها ، وإن فتنة اللسان لهي أشد الفتن ، بها تدمر البيوت ، وبها يقتل الفرد ، وبها تشتعل الحروب ، وبها يتزعزع أمن المجتمعات واستقرارها، وبها تفترق الجماعات ، وبها تضعف الطاعات ، ويرتع فيها الشيطان أيما مرتع ليوغر النفوس ، ويشحن القلوب ، ويسعى بكل ما أوتي ليحل الظلم والظلام ، والفوضى واللأمن وكثرة الفتن ، وتحل البغضاء الحالقة التي تحلق الدين كل ذلك بسبب كلمة طائشة أو وشاية مغرض أو سعي مفسد بين اثنين أو جماعة ..
ففي كتاب «الأحكام الكبرى للإشبيلي» (4/ 506):«بَاب كف الْيَد وَاللِّسَان فِي الْفِتْنَة»
«عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " سَتَكُون فتْنَة / صماء بكماء عمياء، من استشرف لَهَا استشرفت لَهُ، وإشراف اللِّسَان [فِيهَا] كوقوع السَّيْف "» أَبُو دَاوُد.
وفي «موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان» (ص461):
«1867- عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ذكر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ مِنْ فِتْنَةٍ عَمْيَاءَ صَمَّاءَ بَكْمَاءَ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ، ويل للساعي من الله يَوْم الْقِيَامَة"» قال الألباني: في «صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان» (2/ 224):«حسن صحيح - "التعليقات" أيضًا (6670): ق دون: "فتنة عمياء صمّاء بكماء"».
نعم ؛ ويل للساعي فيها من الله يوم القيامة ،آه لهذا الويل ، كم هو شديد وقعه على النفس المؤمنة ؛ ألا يروي العاقل بهذا الوعيد الشديد ، ألا يحرك فيه الضمير فينتهي عن نشر الفتن بين المؤمنين ؟! ألا يستطيع امرؤ أن يسمك لسانه في الفتنة ونبينا يوصي بذلك
وفي« الأحكام الكبرى» (4/ 506):
«عَن هِلَال بن خباب قَالَ: حَدثنِي عِكْرِمَة قَالَ: كنت أرافقه وَسَعِيد بن جُبَير فَقَالَ: قَالَ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا رَأَيْت النَّاس مرجت عهودهم وخانت أماناتهم وَكَانُوا هَكَذَا. وَشَبك بَين أَصَابِعه، فَقُمْت إِلَيْهِ فَقلت: كَيفَ أصنع عِنْد ذَلِك يَا رَسُول الله جعلني الله فدَاك؟ قَالَ: الزم بَيْتك، واملك عَلَيْك لسَانك، وَخذ مَا تعرف، ودع مَا تنكر، وَعَلَيْك بِأَمْر خَاصَّة نَفسك، ودع عَنْك أَمر الْعَامَّة "» أخرجه النَّسَائِيّ وهو حديث صحيح .
وفي« جامع معمر بن راشد» (١١/ 360):
«٢٠٧٤٣ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبَانَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْحَنْظَلِيِّ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ فَقَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي أَنْ يُؤْخَذَ الرَّجُلُ مِنْكُمُ الْبَرِيءُ، فَيُؤْشَرُ كَمَا يُؤْشَرُ الْجَزُورُ، وَيُشَاطُ لَحْمُهُ كَمَا يُشَاطُ لَحْمُهَا، وَيُقَالُ: عَاصٍ وَلَيْسَ بِعَاصٍ» قَالَ: فَقَالَ عَلِيُّ وَهُوَ تَحْتَ الْمِنْبَرِ: «وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ أَوْ: بِمَا تَشْتَدُّ الْبَلِيَّةُ، وَتَظْهَرُ الْحَمِيَّةُ، وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ، وَتَدُقَّهُمُ الْفِتَنُ كَمَا تَدُقُّ الرَّحَا ثُفْلَهَا، وَكَمَا تَدُقُّ النَّارُ الْحَطَبَ؟» قَالَ: «وَمَتَى ذَلِكَ يَا عَلِيُّ؟» ، قَالَ: «إِذَا تُفُقِّهَ لِغَيْرِ الدِّينِ، وَتُعُلِّمَ لِغَيْرِ الْعَمَلِ، وَالْتُمِسَتِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ»» المستدرك على الصحيحين للحاكم في كتاب (الفتن) ج 4 ص 451.
والفتن أولها قطر وآخرها بحر متلاطم ، أولها كلمة وأوسطها لكمة ، وكليم ومكلوم ، وهكذا تناوش وتخابش ، ثم خصمومة واقتتال ، ثم دحر ودمار، وخراب وعدم استقرار الدار.. بدايتها اللسان وأخرها اليد والسنان .
«٣٤٢ - حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ وَابِصَةَ الْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَكُونُ فِتْنَةٌ النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمُضْطَجِعِ، وَالْمُضْطَجِعُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ، وَالْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ الرَّاكِبِ، وَالرَّاكِبُ خَيْرٌ مِنَ الْمُجْرِي، قَتْلَاهَا كُلُّهَا فِي النَّارِ» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَلِكَ؟ قَالَ: «أَيَّامَ الْهَرْجِ» قَالَ: قُلْتُ: وَمَتَى أَيَّامُ الْهَرْجِ؟ قَالَ: «حِينَ لَا يَأْمَنُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ» قَالَ: قُلْتُ: فَبِمَ تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «اكْفُفْ نَفْسَكَ وَيَدَكَ، وَادْخُلْ دَارَكَ» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ دَارِي؟ قَالَ: «فَادْخُلْ بَيْتَكَ» قَالَ: قُلْتُ: إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي؟ قَالَ: «فَادْخُلْ مَسْجِدَكَ، ثُمَّ اصْنَعْ هَكَذَا» ثُمَّ قَبَضَ بِيَمِينِهِ عَلَى الْكُوعِ، " وَقُلْ: رَبِّيَ اللَّهُ، حَتَّى تُقْتَلَ عَلَى ذَلِكَ "» «سلسلة الأحاديث الصحيحة » (7/ 768):«3254».
وقد أمر الله تعالى بالتقوى ، وإصلاح ذات البين ، فتركنا أمره سبحانه وتعصبنا لحظوظ أنفسنا ، واستهان الكثير منّا أمرَه سبحانه بحجج واهية ، وأقوال عاطلة باطلة ، ليزيد في الطين بلة ؛ وفي النفوس علة لتفترق ويفتتن أهل الملة ، والخير كله من وراء ذلك ، في جمع كلمة المسلمين وفي مقدمتهم خيارهم السلفيين ..
والعجيب أن كلا منهم يتكلم بلسان واحد ، ويقر بأن الواقع الحصل هو الفتنة بعينها ومع ذلك لم يقدم ولم يبذل أي جهد لما أمر الله به وحث عليه ورغب فيه رسوله صلى الله عليه وسلم أيما ترغيب ، ويكفي في ذلك قوله :
«مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» (صحيح البخاري (6/ 154)ومسلم (2584).
فإن الخصومة بين المؤمنين من أجل الدنيا من دعوى الجاهلية فكيف إذا كانت من أجل الدين من غير موجب شرعي – فتكون سببا في تفريق المسلمين شذر مذر ، وأيدي سبأ – وهذا هو أشد الوقوع في أمر الجاهلية ، فمن لم يهضم نفسه ويكبح جماحها ويوقفها عند قدرها وحدها تقديما لمصلحة الدين والجماعة فهو واقع لا محالة في دعوة الجاهلية المنتنة وهو مذموم شرعا وملام على ذلك في الدنيا والآخرة .
يا قوم أليس منكم رجل رشيد يرجع إلى نفسه فينهاها ويكبح جماحها ويأخذها بأمر ربه فيصلح ذات البين ، والرجوع للحق فضيلة ، وهو خير من التمادي في الباطل وزرع الفتن والدعوة إلى جمع الكلمة ولزوم أمر الجماعة واجب ، وإخماد الفتنة ، أوجب ، والعصمة منها هو بالخروج منها كما دخلناها ، والدعوة إلى التسامح والتجاوز والعفو والإنصاف من الإيمان وتذوق حلاوته ..
ففي «الفتن لنعيم بن حماد» (١/ 139): «الْعِصْمَةُ مِنَ الْفِتَنِ، وَمَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا مِنَ الْكَفِّ وَالْإِمْسَاكِ عَنِ الْقِتَالِ، وَالْعُزْلَةِ فِيهَا، وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الِاسْتِشْرَافِ لَهَا»
وفيه (١/ 187):«بَابُ مَنْ كَانَ يَرَى الْاعْتِزَالَ فِي الْفِتَنِ»
«٤٩٦ - حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَسِيدِ بْنِ الْمُتَشَمِّسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَكَرَ فِتْنَةً، ثُمَّ قَالَ: «وَايْمُ اللَّهِ لَئِنْ أَدْرَكَتْنِي وَإِيَّاكُمْ مَا أَعْلَمُ لِي وَلَكُمْ مِنْهَا مَخْرَجًا فِيمَا عَهِدَ إِلَيْنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنْ نَخْرُجَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْنَاهَا» قَالَ الْحَسَنُ: أَيْ سَالِمِينَ».
وفيه «٤٩٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِتْنَةً ثُمَّ قَالَ أَبُو مُوسَى: «مَا لِي وَلَكُمْ مِنْهَا مَخْرَجٌ إِنْ نَحْنُ َدْرَكْنَاهَا إِلَّا أَنْ نَخْرُجَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْنَاهَا، هَكَذَا عَهِدَ إِلَيْنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
يا قوم كفوا ألسنتكم وليختر أحدكم العجز على الفجور في الخصومة ،فهو خير له عند ربه ؛ وليدعو كل منّا إلى التوادّ ؛ التراحم والتحاب ؛ فبهذا تموت الفتن وتحيا النفوس من جديد .
وفيه٥٠٠ - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قُشَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُخَيَّرُ الرَّجُلُ فِيهِ بَيْنَ الْعَجْزِ وَالْفُجُورِ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ فَلْيَخْتَرِ الْعَجْزَ عَلَى الْفُجُورِ»
وفيه٥١٤ - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ كِلَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُخَيَّرُ الرَّجُلُ بَيْنَ الْعَجْزِ وَالْفُجُورِ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَخْتَرِ الْعَجْزَ عَلَى الْفُجُورِ، فَإِنَّ الْعَجْزَ خَيْرٌ مِنَ الْفُجُورِ» «ضعيف الجامع » (ص483):وقال:« ضعيف)».
قلت : قوله الفجور: أي في الخصومة في الفتن ؛ وهي كقوله : وإذا خاصم فجر في آيات المنافق؛ فإن الفجور فيها يزيدها وقودا واشتعالا ، فلا تكون وقود الفتن ، وكونوا مفاتيح خير مغاليق شر .
ويا قوم هذه الحياة الدنيا متاع وإن الأخرة هي دار القرار ، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفيه ، يا قوم كونوا عقلاء فهذا ربكم يحذركم نفسه؛ فماذا يقول العاقل لربه يوم يلقاه وقد تلطخ بالظلم ، ولبس لباس الفتنة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فكان سببا في إضعافها ونيل أعداء الله منها .
واعلموا- يرحمكم الله – أن السعيد من جنب الفتن ، وخرج منها سالما ، لم تتلطخ يداه بدماء ، ولا امتدت إلى اعتداء ، ولا لسانه بأعراض ، ولا قالة ، ولا قلبه بالحالقة ..
ففي «الأحكام الكبرى» (4/ 507):«بَاب السعيد من جنب الْفِتَن»
عَن الْمِقْدَاد بن الْأسود قَالَ: ايم الله لقد سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن السعيد لمن جنب الْفِتَن، إِن السعيد لمن جنب الْفِتَن، إِن السعيد لمن جنب الْفِتَن، وَلمن ابْتُلِيَ فَصَبر فواها " أَبُو دَاوُد.«صحيح الترغيب والترهيب» (3/ 43) 2743: وقال: [صحيح].
وقوله :«(واهاً): كلمة معناها التلهف، وقد توضع للإعجاب بالشيء»
وأن من اعتزال الفتن حين وقوعها لهو خير النّاس وأفضلهم وأعقلهم يفر بدينه بعيدا عنها حتى يسلم منها ويسلم له دينه .
ففي«جامع معمر بن راشد» (١١/ 368):
«٢٠٧٦٠ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ النَّاسِ فِي الْفِتَنِ رَجُلٌ آخِذٌ بِعِنَانِ - أَوْ قَالَ: بِرَأْسِ - فَرَسِهِ خَلْفَ أَعْدَاءِ اللَّهِ يُخِيفُهُمْ وَيُخِيفُونَهُ، وَرَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي بَادِيَتِهِ يُؤَدِّي الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ»»
وفي«موطأ مالك ت عبد الباقي» (٢/ 970):
«١٦ - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمًا يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ، وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ»»
وفي«الفتن لنعيم بن حماد» (١/ 139):
٥٠٢ - حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ كُرْزٍ الْخُزَاعِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ مُؤْمِنٌ مُعْتَزِلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ، يَتَّقِي رَبَّهُ وَيَذَرُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ»
٥٠٥ - حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «خَيْرُ النَّاسِ فِي الْفِتْنَةِ أَهْلُ شَاءٍ سُودٌ، يَرْعَيْنَ فِي شَعَفِ الْجِبَالِ، وَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ، وَشَرُّ النَّاسِ فِيهَا كُلُّ رَاكِبٍ مُوضِعٍ، وَكُلُّ خَطِيبٍ مِسْقَعٍ»
«مسند أبي داود الطيالسي» (١/ 318):
«٤٠٣ - حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ وَاصِلٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ فَتَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ وَتَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ وَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ فَإِنِّي مَقْبُوضٌ وَإِنَّهُ سَيُنْقَصُ الْعِلْمُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ الِاثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا»
فهذه رسالة لمن يعتقد ويثر بأن ما وقع بين السلفيين من تفرق واختلاف هو فتنة ، ثم تراه مال إلى طرف منها يدعو إليها وينتصر لها ويتعصب ويسب ويشتم ليزيد في الطين بلة وفي نفوس المؤمنين ألما وعلة ، لقد وقعت الفتنة الأولى في عهد الخليفة الراشد شهيد الدار عثمان رضي الله عنه وأرضاه ، واجتنبها جمهور الصحابة ؛ بل لا يبعد القول الحق أن كل الصحابة اجتنبوها ولم يخوضوا فيها مع علمهم بالحق فيها وأن عثمان على الحق ، وكذلك الحال في الفتنة الثانية بين علي ومعاوية فإن كثيرا من الصحابة – رضي الله عنهم جميعا اعتزلوها مع أنهم يعلمون أن الحق بجانب علي ، ولذلك يقال ، أن نصرة الحق في الفتنة بين المؤمنين لمن
يقدر عليه يكون بالحق والسعي للصلح كما أمر الله تعالى ، ولا يكون بالميل لأحد طرفي النزاع محابة لأحد بحجة أنه على الحق فهذا غير صحيح وليس هو من منهج السلف؛ بل هو مجانب له ، فإن المنهجي السلفي هو الوقوف عند حدود النصوص الشرعية التي تحذر من الفرقة وتأمر بالجماعة والاعتصام بحبل الله ، وتحذر من الوقوع في الفتنة وتذكية نارها وتأمر باجتناب الفتن التي تقع وتجعل من يجتنبها من خيار النّاس ، وهكذا كان الرعيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم .
يا قوم إنا ندعوكم إلى النجاة فلا تدعوننا إلى الضلال ، فإن في الاجتماع رحمة ونجاة ، وفي الافتراق زيغ وضلال .
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم ألف بيننا وبينا إخواننا اللهم لا تجعل في قلوبنا غلا ولا حسدا لإخواننا ، اللهم حبب لنا الجماعة والسمع والطاعة وأجرنا من شرور أنفسنا إنك سميع مجيب .
وكتبه : الناصح لنفسه وإخوانه : أبو بكر يوسف لعويسي .
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، أحمده سبحانه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ، وأشكره على جزيل نعمه ، وأصل وأسلم على من أرسله رحمة للعالمين ، وعلى أله وصحبه وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن الفتن في زماننا هذا كثرت ، وكثرت بشكل كبير حتى أصبح الكثير من المسلمين حيرانا يتخبط في دياجرها لا يفرق بين الثمرة ، والجمرة ، ولا بين الحلال والحرام ، ولا بين الشبهة والشهوة ، ولا بين المنهج السلفي والمنهج الخلفي ؛ ولا حتى بين المسميات يتأول الكثير منهم نصوص الكتاب والسنة لما يخدم مصالحهم وحظوظ أنفسهم ، بعد أن تمكنت الشهوة الخفية من نفوسهم- والعياذ بالله - ، ويتبع كثير منهم المتشابه من نصوص الوحي ؛ وأقوال العلماء ، ويتعصب البعض الآخر لهم ولجماعته وحزبه ؛ويعتدي بعضهم على بعض ، في عداوة ظاهرة فرح بها خصومهم ، وجعلوا بأسهم بيهم شديدا ؛ وقد نسوا أو تناسوا الأخوة الإيمانية بينهم ،واللحمة السلفية إلا - من رحم الله وقليل ما هم -.
والأغرب من هذا والمؤلم جدا أن الكثير منهم يدرك أن ما وقع ويقع بينهم اليوم هو من الفتن ؛ ومع ذلك خاض في مستنقعاتها يدعو إليها حسب هوى النفس ،ويتشرف لها من غير دعوة للإصلاح ولا للصلح بين المتخاصمين ويزعم أن هذا هو المنهج السلفي ، مع أن نصوص الكتاب والسنة كثيرة متظافرة واضحة في ذم الفتن والتحذير من الولوج فيها والاستشراف لها وسأذكر لك شيئا منها على وجه الاختصار ..
ففي الفتن لنعيم بن حماد (٤٩٨ )- حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: «إِنَّ بَعْدَكُمْ فِتَنًا، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ
الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، حَتَّى ذَكَرَ الرَّاكِبَ، فَكُونُوا فِيهَا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ». والحديث :حسن صحيح ، وهو في الصحيحين .
ولقد فُتح باب الفتنة في هذه الأمة بمقتل الفاروق عمر - رضي الله عنه وارضاه- ولن يغلق إلى قيام الساعة ، ولكنها تقل في وقت وتكثر في آخر ، كما تكثر في بلد دون آخر ،ومنطقة دون منطقة ؛ وفي كل زمان قائم لله بحجة ، عاقل يدعو إلى اجتناب الفتن ويحذر منها ، ويدعو إلى اجتماع الكلمة والاعتصام بحبل الله ، وفي مقدمتهم العلماء الربانيون ، الذين يدركون تماما مضار الفتن على الفرد والمجتمع في أول مقدمها، وإنكم أيها السلفيون لأن تكونوا أتباعا في الخير والجماعة خير من أن تكونوا رؤوسا في الفتنة والشر، تقودون زمام الفتن ، فلا تكونوا وقودها لأن الفتنة أول من يتضرر بها هو من فتح بابها وولج فيها ولم يخرج منه كما دخل ، فإنه جاء في السنة الغراء أن من استشرف لها أهلكته .
ففي «التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان» (8/ 363): (5959)
«ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ اخْتِلَاطَ الْفِتَنِ بِالْمَرْءِ يَكُونُ على حسب استشرافه لها»: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((سَتَكُونُ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ ، وَالْقَائِمٌ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي ، مَنِ اسْتَشْرَفَ لَهَا؛ استَشْرَفَتْهُ)).
[قال الشيخ الألباني] في صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان» (2/ 224) : «حسن صحيح - " التعليقات الحسان" (5928): ق - دون جملة الرياح، وهي عند م - حذيفة».
قلت : ورياح الصيف تكون حارة ، حسب شدة حرارة الصيف في كل بقعة من الأرض ، ومختلطة بالرمال والأتربة ،حتى تكون الرؤية منعدمة بذلك أو تكاد ..
وهكذا الفتنة تشتد على أصحابها حتى تنعدم الرؤية الشرعية السليمة الصحيحة ، فيرجع ضررها عليهم .
واعلموا – يرحمني الله وإياكم - أن الفتن ما حلت بأرض قوم إلا أتت على الأخضر واليابس إلا من اجتنبها واعتصم بالعلم بالله ودينه منها ، وإن فتنة اللسان لهي أشد الفتن ، بها تدمر البيوت ، وبها يقتل الفرد ، وبها تشتعل الحروب ، وبها يتزعزع أمن المجتمعات واستقرارها، وبها تفترق الجماعات ، وبها تضعف الطاعات ، ويرتع فيها الشيطان أيما مرتع ليوغر النفوس ، ويشحن القلوب ، ويسعى بكل ما أوتي ليحل الظلم والظلام ، والفوضى واللأمن وكثرة الفتن ، وتحل البغضاء الحالقة التي تحلق الدين كل ذلك بسبب كلمة طائشة أو وشاية مغرض أو سعي مفسد بين اثنين أو جماعة ..
ففي كتاب «الأحكام الكبرى للإشبيلي» (4/ 506):«بَاب كف الْيَد وَاللِّسَان فِي الْفِتْنَة»
«عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " سَتَكُون فتْنَة / صماء بكماء عمياء، من استشرف لَهَا استشرفت لَهُ، وإشراف اللِّسَان [فِيهَا] كوقوع السَّيْف "» أَبُو دَاوُد.
وفي «موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان» (ص461):
«1867- عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ذكر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ مِنْ فِتْنَةٍ عَمْيَاءَ صَمَّاءَ بَكْمَاءَ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ، ويل للساعي من الله يَوْم الْقِيَامَة"» قال الألباني: في «صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان» (2/ 224):«حسن صحيح - "التعليقات" أيضًا (6670): ق دون: "فتنة عمياء صمّاء بكماء"».
نعم ؛ ويل للساعي فيها من الله يوم القيامة ،آه لهذا الويل ، كم هو شديد وقعه على النفس المؤمنة ؛ ألا يروي العاقل بهذا الوعيد الشديد ، ألا يحرك فيه الضمير فينتهي عن نشر الفتن بين المؤمنين ؟! ألا يستطيع امرؤ أن يسمك لسانه في الفتنة ونبينا يوصي بذلك
وفي« الأحكام الكبرى» (4/ 506):
«عَن هِلَال بن خباب قَالَ: حَدثنِي عِكْرِمَة قَالَ: كنت أرافقه وَسَعِيد بن جُبَير فَقَالَ: قَالَ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا رَأَيْت النَّاس مرجت عهودهم وخانت أماناتهم وَكَانُوا هَكَذَا. وَشَبك بَين أَصَابِعه، فَقُمْت إِلَيْهِ فَقلت: كَيفَ أصنع عِنْد ذَلِك يَا رَسُول الله جعلني الله فدَاك؟ قَالَ: الزم بَيْتك، واملك عَلَيْك لسَانك، وَخذ مَا تعرف، ودع مَا تنكر، وَعَلَيْك بِأَمْر خَاصَّة نَفسك، ودع عَنْك أَمر الْعَامَّة "» أخرجه النَّسَائِيّ وهو حديث صحيح .
وفي« جامع معمر بن راشد» (١١/ 360):
«٢٠٧٤٣ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبَانَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْحَنْظَلِيِّ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ فَقَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي أَنْ يُؤْخَذَ الرَّجُلُ مِنْكُمُ الْبَرِيءُ، فَيُؤْشَرُ كَمَا يُؤْشَرُ الْجَزُورُ، وَيُشَاطُ لَحْمُهُ كَمَا يُشَاطُ لَحْمُهَا، وَيُقَالُ: عَاصٍ وَلَيْسَ بِعَاصٍ» قَالَ: فَقَالَ عَلِيُّ وَهُوَ تَحْتَ الْمِنْبَرِ: «وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ أَوْ: بِمَا تَشْتَدُّ الْبَلِيَّةُ، وَتَظْهَرُ الْحَمِيَّةُ، وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ، وَتَدُقَّهُمُ الْفِتَنُ كَمَا تَدُقُّ الرَّحَا ثُفْلَهَا، وَكَمَا تَدُقُّ النَّارُ الْحَطَبَ؟» قَالَ: «وَمَتَى ذَلِكَ يَا عَلِيُّ؟» ، قَالَ: «إِذَا تُفُقِّهَ لِغَيْرِ الدِّينِ، وَتُعُلِّمَ لِغَيْرِ الْعَمَلِ، وَالْتُمِسَتِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ»» المستدرك على الصحيحين للحاكم في كتاب (الفتن) ج 4 ص 451.
والفتن أولها قطر وآخرها بحر متلاطم ، أولها كلمة وأوسطها لكمة ، وكليم ومكلوم ، وهكذا تناوش وتخابش ، ثم خصمومة واقتتال ، ثم دحر ودمار، وخراب وعدم استقرار الدار.. بدايتها اللسان وأخرها اليد والسنان .
«٣٤٢ - حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ وَابِصَةَ الْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَكُونُ فِتْنَةٌ النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمُضْطَجِعِ، وَالْمُضْطَجِعُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ، وَالْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ الرَّاكِبِ، وَالرَّاكِبُ خَيْرٌ مِنَ الْمُجْرِي، قَتْلَاهَا كُلُّهَا فِي النَّارِ» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَلِكَ؟ قَالَ: «أَيَّامَ الْهَرْجِ» قَالَ: قُلْتُ: وَمَتَى أَيَّامُ الْهَرْجِ؟ قَالَ: «حِينَ لَا يَأْمَنُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ» قَالَ: قُلْتُ: فَبِمَ تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «اكْفُفْ نَفْسَكَ وَيَدَكَ، وَادْخُلْ دَارَكَ» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ دَارِي؟ قَالَ: «فَادْخُلْ بَيْتَكَ» قَالَ: قُلْتُ: إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي؟ قَالَ: «فَادْخُلْ مَسْجِدَكَ، ثُمَّ اصْنَعْ هَكَذَا» ثُمَّ قَبَضَ بِيَمِينِهِ عَلَى الْكُوعِ، " وَقُلْ: رَبِّيَ اللَّهُ، حَتَّى تُقْتَلَ عَلَى ذَلِكَ "» «سلسلة الأحاديث الصحيحة » (7/ 768):«3254».
وقد أمر الله تعالى بالتقوى ، وإصلاح ذات البين ، فتركنا أمره سبحانه وتعصبنا لحظوظ أنفسنا ، واستهان الكثير منّا أمرَه سبحانه بحجج واهية ، وأقوال عاطلة باطلة ، ليزيد في الطين بلة ؛ وفي النفوس علة لتفترق ويفتتن أهل الملة ، والخير كله من وراء ذلك ، في جمع كلمة المسلمين وفي مقدمتهم خيارهم السلفيين ..
والعجيب أن كلا منهم يتكلم بلسان واحد ، ويقر بأن الواقع الحصل هو الفتنة بعينها ومع ذلك لم يقدم ولم يبذل أي جهد لما أمر الله به وحث عليه ورغب فيه رسوله صلى الله عليه وسلم أيما ترغيب ، ويكفي في ذلك قوله :
«مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» (صحيح البخاري (6/ 154)ومسلم (2584).
فإن الخصومة بين المؤمنين من أجل الدنيا من دعوى الجاهلية فكيف إذا كانت من أجل الدين من غير موجب شرعي – فتكون سببا في تفريق المسلمين شذر مذر ، وأيدي سبأ – وهذا هو أشد الوقوع في أمر الجاهلية ، فمن لم يهضم نفسه ويكبح جماحها ويوقفها عند قدرها وحدها تقديما لمصلحة الدين والجماعة فهو واقع لا محالة في دعوة الجاهلية المنتنة وهو مذموم شرعا وملام على ذلك في الدنيا والآخرة .
يا قوم أليس منكم رجل رشيد يرجع إلى نفسه فينهاها ويكبح جماحها ويأخذها بأمر ربه فيصلح ذات البين ، والرجوع للحق فضيلة ، وهو خير من التمادي في الباطل وزرع الفتن والدعوة إلى جمع الكلمة ولزوم أمر الجماعة واجب ، وإخماد الفتنة ، أوجب ، والعصمة منها هو بالخروج منها كما دخلناها ، والدعوة إلى التسامح والتجاوز والعفو والإنصاف من الإيمان وتذوق حلاوته ..
ففي «الفتن لنعيم بن حماد» (١/ 139): «الْعِصْمَةُ مِنَ الْفِتَنِ، وَمَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا مِنَ الْكَفِّ وَالْإِمْسَاكِ عَنِ الْقِتَالِ، وَالْعُزْلَةِ فِيهَا، وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الِاسْتِشْرَافِ لَهَا»
وفيه (١/ 187):«بَابُ مَنْ كَانَ يَرَى الْاعْتِزَالَ فِي الْفِتَنِ»
«٤٩٦ - حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَسِيدِ بْنِ الْمُتَشَمِّسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَكَرَ فِتْنَةً، ثُمَّ قَالَ: «وَايْمُ اللَّهِ لَئِنْ أَدْرَكَتْنِي وَإِيَّاكُمْ مَا أَعْلَمُ لِي وَلَكُمْ مِنْهَا مَخْرَجًا فِيمَا عَهِدَ إِلَيْنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنْ نَخْرُجَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْنَاهَا» قَالَ الْحَسَنُ: أَيْ سَالِمِينَ».
وفيه «٤٩٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِتْنَةً ثُمَّ قَالَ أَبُو مُوسَى: «مَا لِي وَلَكُمْ مِنْهَا مَخْرَجٌ إِنْ نَحْنُ َدْرَكْنَاهَا إِلَّا أَنْ نَخْرُجَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْنَاهَا، هَكَذَا عَهِدَ إِلَيْنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
يا قوم كفوا ألسنتكم وليختر أحدكم العجز على الفجور في الخصومة ،فهو خير له عند ربه ؛ وليدعو كل منّا إلى التوادّ ؛ التراحم والتحاب ؛ فبهذا تموت الفتن وتحيا النفوس من جديد .
وفيه٥٠٠ - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قُشَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُخَيَّرُ الرَّجُلُ فِيهِ بَيْنَ الْعَجْزِ وَالْفُجُورِ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ فَلْيَخْتَرِ الْعَجْزَ عَلَى الْفُجُورِ»
وفيه٥١٤ - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ كِلَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُخَيَّرُ الرَّجُلُ بَيْنَ الْعَجْزِ وَالْفُجُورِ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَخْتَرِ الْعَجْزَ عَلَى الْفُجُورِ، فَإِنَّ الْعَجْزَ خَيْرٌ مِنَ الْفُجُورِ» «ضعيف الجامع » (ص483):وقال:« ضعيف)».
قلت : قوله الفجور: أي في الخصومة في الفتن ؛ وهي كقوله : وإذا خاصم فجر في آيات المنافق؛ فإن الفجور فيها يزيدها وقودا واشتعالا ، فلا تكون وقود الفتن ، وكونوا مفاتيح خير مغاليق شر .
ويا قوم هذه الحياة الدنيا متاع وإن الأخرة هي دار القرار ، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفيه ، يا قوم كونوا عقلاء فهذا ربكم يحذركم نفسه؛ فماذا يقول العاقل لربه يوم يلقاه وقد تلطخ بالظلم ، ولبس لباس الفتنة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فكان سببا في إضعافها ونيل أعداء الله منها .
واعلموا- يرحمكم الله – أن السعيد من جنب الفتن ، وخرج منها سالما ، لم تتلطخ يداه بدماء ، ولا امتدت إلى اعتداء ، ولا لسانه بأعراض ، ولا قالة ، ولا قلبه بالحالقة ..
ففي «الأحكام الكبرى» (4/ 507):«بَاب السعيد من جنب الْفِتَن»
عَن الْمِقْدَاد بن الْأسود قَالَ: ايم الله لقد سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن السعيد لمن جنب الْفِتَن، إِن السعيد لمن جنب الْفِتَن، إِن السعيد لمن جنب الْفِتَن، وَلمن ابْتُلِيَ فَصَبر فواها " أَبُو دَاوُد.«صحيح الترغيب والترهيب» (3/ 43) 2743: وقال: [صحيح].
وقوله :«(واهاً): كلمة معناها التلهف، وقد توضع للإعجاب بالشيء»
وأن من اعتزال الفتن حين وقوعها لهو خير النّاس وأفضلهم وأعقلهم يفر بدينه بعيدا عنها حتى يسلم منها ويسلم له دينه .
ففي«جامع معمر بن راشد» (١١/ 368):
«٢٠٧٦٠ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ النَّاسِ فِي الْفِتَنِ رَجُلٌ آخِذٌ بِعِنَانِ - أَوْ قَالَ: بِرَأْسِ - فَرَسِهِ خَلْفَ أَعْدَاءِ اللَّهِ يُخِيفُهُمْ وَيُخِيفُونَهُ، وَرَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي بَادِيَتِهِ يُؤَدِّي الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ»»
وفي«موطأ مالك ت عبد الباقي» (٢/ 970):
«١٦ - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمًا يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ، وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ»»
وفي«الفتن لنعيم بن حماد» (١/ 139):
٥٠٢ - حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ كُرْزٍ الْخُزَاعِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ مُؤْمِنٌ مُعْتَزِلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ، يَتَّقِي رَبَّهُ وَيَذَرُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ»
٥٠٥ - حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «خَيْرُ النَّاسِ فِي الْفِتْنَةِ أَهْلُ شَاءٍ سُودٌ، يَرْعَيْنَ فِي شَعَفِ الْجِبَالِ، وَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ، وَشَرُّ النَّاسِ فِيهَا كُلُّ رَاكِبٍ مُوضِعٍ، وَكُلُّ خَطِيبٍ مِسْقَعٍ»
«مسند أبي داود الطيالسي» (١/ 318):
«٤٠٣ - حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ وَاصِلٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ فَتَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ وَتَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ وَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ فَإِنِّي مَقْبُوضٌ وَإِنَّهُ سَيُنْقَصُ الْعِلْمُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ الِاثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا»
فهذه رسالة لمن يعتقد ويثر بأن ما وقع بين السلفيين من تفرق واختلاف هو فتنة ، ثم تراه مال إلى طرف منها يدعو إليها وينتصر لها ويتعصب ويسب ويشتم ليزيد في الطين بلة وفي نفوس المؤمنين ألما وعلة ، لقد وقعت الفتنة الأولى في عهد الخليفة الراشد شهيد الدار عثمان رضي الله عنه وأرضاه ، واجتنبها جمهور الصحابة ؛ بل لا يبعد القول الحق أن كل الصحابة اجتنبوها ولم يخوضوا فيها مع علمهم بالحق فيها وأن عثمان على الحق ، وكذلك الحال في الفتنة الثانية بين علي ومعاوية فإن كثيرا من الصحابة – رضي الله عنهم جميعا اعتزلوها مع أنهم يعلمون أن الحق بجانب علي ، ولذلك يقال ، أن نصرة الحق في الفتنة بين المؤمنين لمن
يقدر عليه يكون بالحق والسعي للصلح كما أمر الله تعالى ، ولا يكون بالميل لأحد طرفي النزاع محابة لأحد بحجة أنه على الحق فهذا غير صحيح وليس هو من منهج السلف؛ بل هو مجانب له ، فإن المنهجي السلفي هو الوقوف عند حدود النصوص الشرعية التي تحذر من الفرقة وتأمر بالجماعة والاعتصام بحبل الله ، وتحذر من الوقوع في الفتنة وتذكية نارها وتأمر باجتناب الفتن التي تقع وتجعل من يجتنبها من خيار النّاس ، وهكذا كان الرعيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم .
يا قوم إنا ندعوكم إلى النجاة فلا تدعوننا إلى الضلال ، فإن في الاجتماع رحمة ونجاة ، وفي الافتراق زيغ وضلال .
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم ألف بيننا وبينا إخواننا اللهم لا تجعل في قلوبنا غلا ولا حسدا لإخواننا ، اللهم حبب لنا الجماعة والسمع والطاعة وأجرنا من شرور أنفسنا إنك سميع مجيب .
وكتبه : الناصح لنفسه وإخوانه : أبو بكر يوسف لعويسي .