المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : باب بر الوالدين وصلة الأرحام شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
10-Aug-2022, 09:03 AM
باب بر الوالدين وصلة الأرحام
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله


https://1.bp.blogspot.com/-C2tFW90DYKo/YN84L62AqmI/AAAAAAAAU6Q/KmvNstwnnw47aTKSGXB8y9gMsXhVa_HCgCLcBGAsYHQ/w640-h360/3.png (https://1.bp.blogspot.com/-C2tFW90DYKo/YN84L62AqmI/AAAAAAAAU6Q/KmvNstwnnw47aTKSGXB8y9gMsXhVa_HCgCLcBGAsYHQ/s1920/3.png)

شرح الحديث النبوي الشريف (إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم) من رياض الصالحين



أحاديث رياض الصالحين: باب بر الوالدين وصلة الأرحام


٣٢٠ - وعن أبي هريرة -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: «إِنَّ اللَّه تَعَالى خَلَقَ الخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قال: فذَلِكَ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: «اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}» [محمد: ٢٢-٢٣] متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ للبخاري: فَقَالَ اللَّه تَعَالَى: «مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، ومَنْ قَطَعَكِ قطَعْتُهُ».
٣٢١ - وعن أبي هريرة -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلي رسولِ اللَّه ﷺ فقال: يا رسول اللَّه، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتي؟ قَالَ: «أُمُّك»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أَبُوكَ» متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ: يَا رسول اللَّه، مَنْ أَحَقُّ بِحُسْن الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: «أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثمَّ أَباكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ».
"والصَّحابة" بمعنى "الصُّحبةِ".
وقوله: "ثُمَّ أباكَ" هَكَذا هُوَ منصوبٌ بفعلٍ محذوفٍ، أي: ثُمَّ برَّ أَباك، وفي روايةٍ: ثُمَّ أَبُوكَ، وهذا واضِحٌ.

الـشـرح:
هذان الحديثان في بيان فضل صلة الرحم، والرحم سبق لنا أنهم هم الأقارب، وصلتهم بما جرى به العرف واتبعه الناس؛ لأنه لم يبين في الكتاب والسنة نوعها ولا جنساها ولا مقدارها؛ لأن النبي ﷺ لم يقيده بشيء معين، فلم يقيده بأن يأكلوا معك أو يشربوا معك، أو يكتسوا معك؛ أو يسكنوا معك، بل أطلق، ولذلك يرجع فيها للعرف، فما جرى به العرف أنه صلة فهو الصلة، وما تعارف عليه الناس أنه قطيعة فهو قطيعة، هذا هو الأصل.

فلو فرض أن الأعراف فسدت وصار الناس لا يبالون بالقطيعة، وصارت القطيعة عندهم صلة فلا عبرة بهذا العرف؛ لأن هذا العرف ليس عرفًا إسلاميًا، فإن الدول الكافرة الآن لا تتلائم أسرها، ولا يعرف بعضهم بعضًا، حتى إن الإنسان إذا شبّ ولده وكبر صار مثله مثل الرجل الأجنبي الذي لا يعرف أن له أبًا؛ لأنهم لا يعرفون صلة الأرحام، ولا يعرفون حسن الجوار، وكل أمورهم فوضى فاسدة؛ لأن الكفر دمرهم تدميرًا -والعياذ بالله- لكن كلامنا عن المجتمع المسلم المحافظ، فما عده الناس صلة فهو صلة، وما عدوه قطيعة فهو قطيعة.

وفي حديث أبي هريرة الأول أن الله سبحانه وتعالى، تكفل للرحم بأن يصل من وصلها ويقطع من قطعها، وفي هذا الحديث حث وترغيب في صلة الرحم، فإذا أردت أن يصلك الله ـ وكل إنسان يريد أن يصله ربه -فصل رحمك- وإذا أردت أن يقطعك الله فاقطع رحمك، جزاء وفاقًا، وكلما كان الإنسان لرحمه أوصل؛ كان الله له أوصل، وكلما قصر جاءه من الثوب بقدر ما عمل، لا يظلم الله أحدًا.

وذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- قوله سبحانه: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: ٢٢-٢٣] فبين سبحانه وتعالى، أن الذين يفسدون في الأرض ويقطعون أرحامهم ملعونون -والعياذ بالله- أي: مطرودون ومبعدون عن رحمة الله، وقد أصمهم الله، أي: جعلهم لا يسمعون الحق، ولو سمعوا ما انتفعوا به، وأعمى أبصارهم؛ فلا يرون الحق، ولو رأوه لم ينتفعوا به، فسد عنهم طرق الخير؛ لأن السمع والبصر يوصل المعلومات إلى القلب، فإذا انسد الطريق لم يصل إلى القلب خير -والعياذ بالله.

وقد ذكر أهل العلم من جملة الصلة النفقة على الأقارب، فقالوا: إن الإنسان إذا كان له أقارب فقراء وهو غني وهو وارث لهم، فإنه يلزمه النفقة عليهم؛ كالأخ الشقيق مع أخيه الشقيق، إذا كان الأخ هذا يرثه لو مات فإنه يجب على الوارث أن ينفق على أخيه ما دام غنيًا، وأخوه فقيرًا عاجزًا عن التكسب، فإن هذا من جملة الصلة.

وقالوا أيضًا: إن من جملة الإنفاق أنه إذا احتاج إلى النكاح فإنه يزوجه؛ لأن إعفاف الإنسان من أشد الحاجات.
وعلى هذا فإذا كان للإنسان أخ شقيق ولا يرثه إلا أخوه، وأخوه غني وهو فقير عاجز عن التكسب، وجب عليه أن ينفق عليه طعامًا وشرابًا وكسوة ومسكنًا ومركوبًا إذا كان يحتاجه، وأن يزوجه أيضًا إذا احتاج إلى النكاح؛ لأن الإعفاف من أشد الحاجات فيدخل في صلة الرحم.

وهذه الأمور يجب على الإنسان إذا كان لا يعلم عنها شيئًا أن يسأل أهل العلم حتى يدلوه على الحق؛ لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: ٧].

والحديث الثاني في بيان أحق الناس بحسن صحبة الإنسان، فبين النبي ﷺ أن أحق الناس بذلك الأم، فأعيد عليه السؤال فقال: أمك مرة ثانية، كرر ذلك ثلاث مرات، ثم بعد ذلك الأب؛ لأن الأم حصل عليها من العناء والمشقة للولد ما لم يحصل لغيرها؛ حملته أمه وهنا على وهن، حملته كرها ً ووضعته كرهًا، وفي الليل تمهد وتهدئه حتى ينام، وإذا أتاه ما يؤلمه لم تنم الليلة حتى ينام. ثم إنها تفديه بنفسها بالتدفئة عند البرد، والتبريد عند الحر وغير ذلك، فهي أشد عناية من الأب بالطفل، ولذلك كان حقها مضاعفًا ثلاث مرات على حق الأب.

ثم إنها أيضًا ضعيفة أنثى لا تأخذ بحقها، فلهذا أوصى بها النبي ﷺ ثلاث مرات، وأوصى أشد بالأب مرة واحدة، وفي هذا الحث على أن يحسن الإنسان صحبة أمه وصحبة أبيه أيضًا بقدر المستطاع. أعاننا الله والمسلمين على ذلك.
وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح ووصلنا والمسلمين بفضله وإحسانه.


الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال