المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما حكم الشرع في رقصُ المرأةِ أمام زوجِها ، وكذلكَ مع النساءِ ، وهو التمايلُ ، وكذا دبكةُ الرّجالِ



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
21-Jul-2010, 11:53 PM
س)- ما حكم الشرع في رقصُ المرأةِ أمام زوجِها ، وكذلكَ مع النساءِ ، وهو التمايلُ ، وكذا دبكةُ الرّجالِ نعلمُ أنّه حرامٌ ، لكن ما هو الدليلُ ؟ أفيدونا جزاكم اللَّه خيرًا ؟
هذا السؤال يتضمنُ ثلاثةُ أمورٍ :
أولاً : رقصُ المرأةِ أمام زوجِها .
ثانيًا : رقصُها مع بناتِ جنسِها .
ثالثًا: ودبكةُ الرِّجال .

أما الأمرُ الأول ؛ وهو رقصُ المرأةِ أمامَ زوجِها ؛ إن كانَ رقصًا فِطريًّا ليس مهنيًّا - أي : أنها لم تتعلم الرَّقصَ ، كما هو موضةُ العصر - ولو حرَّكَ شهوةَ الرجل ، فهذا لا يُوجد نصٌّ بتحريمهِ ، شريطةَ أن يكونَ ذلكَ بينها وبينهَ فقط . أمَّا إذا كانت امتهنت هذا الرَّقصَ وتتعاطى أُصولَ الرَّقصِ العصري ، فهذا لا يجوزُ ؛ لأنني أعتقد أنها حينما تفعلُ ذلك أمامَ زوجها فإِنها ستفعلُه - أيضًا - أمام غير زوجها .

أمَّا رقصُها أمامَ النساءِ فأيضًا أقول : إن كان المقصود بالرقص هو هذا الرَّقص العصري فواضحٌ جدَّا أنه لا يجوزُ .
فإن قيل : ما هو الدليل على ما قلت ؟ فأقول : إنَّ الاعتدالَ في الأُمور نادرٌ جدًّا ، إما إفراطٌ وإما تفريطٌ ، وبخاصةٍ إذا عاشَ الناسُ زمنًا طويلاً في انحرافٍ من نوع مُعين ، فإذا ما تبينَّوا أن هذا الأمر فيه انحرافٌ والشرعُ يأباهُ : أعرضوا عنه فيحدثُ عن ذلكَ ردّةُ فعلٍ شديدةٌ .
وهذا ما قد أصابنا في العصر الحاضر فيما يتعلَّقُ بموضوع المُطالبة بالدليل في موضوع الخلاص من التقليد ، فقد عاشَ المسلمونَ - خاصةً وعامةً - قرونًا طويلةٌ وهم لا يعرفونَ إلاَّ المذهبَ الفُلانيَّ والمذهبَ الفُلانيَّ ، أربعة مذاهبَ ، مذاهب أهل السنة والجماعةِ ، فضلاً عن المذاهبِ الأُخرى المُنحرفةِ عن السنةِ والجماعةِ ، أمّا الاعتمادُ على ما قالَ اللَّهُ ورسولُه ، فهذا كانَ موجودًا في القرونِ المشهود لها بالخيرية ، ثم انتهى الأمرُ - حينًا من الدَّهرِ - حتى جاءَ زمنُ ابنِ تيمية ، رحمه اللَّهُ ، وتلامذِته المُخلصينَ له ، فنبّهوا المُسلمين إلى وُجوبِ العودةِ إلى ما كانَ عليه السلفُ الأوّلُ من الاعتمادِ على الكتاب والسنةِ .

ولا شكَّ ولا ريبَ أنَّ دعوةَ ابن تيمية وتلامذتِهِ كانَ لها أثرٌ طيبٌ ، ولكنْ كانت دائرتُه ضعيفةً جدًّا في عصرِهِ ، وغلبَ الجُمودُ الفكريُّ على خاصة الناسِ ، فضلاً عن عامتِهم .
ثمَّ تلته قُرونٌ ماتَ هذا الإيقاظُ الذي أيقظه شيخ الإسلامُ ابن تيمية ، وعاد المسلمونَ إلى جُمودهم الفقهي ، إلاَّ في هذا العصر - وقبلَه بقليل - فقد قامَ كثيرٌ من العُلماءِ النابهينَ بتجديدِ الدعوةِ لضرورةِ الرُّجوعِ إلى الكتابِ والسنةِ ، وقد كانَ سبقَهم إلى شيء من ذلكَ الشيخُ محمد بن عبد الوهاب ؛ لأنه في الواقع دعا إلى اتباعِ الكتاب والسنة ، ولكن نظرًا للمناطقِ التي كان يعيشُ فيها العربُ النجديون في بلد الشيخ محمد والوثنية التي كانت حلّت في ديارهم - حينذاك - كان جهده الجهيدُ هو الاهتمامَ بالتوحيد .

وكأمر طبيعي جدًّا - فيما أرى - حيثُ إنَّ طاقةَ الإنسان محدودةٌ - فهو لا يستطيعُ أن يُحاربَ في كل جبهةٍ كما يقولونَ ، ولذلك كانت جهوده كلها مُنصبةً على نشر دعوة التوحيدِ ومُحاربةِ الشركياتِ والوثنياتِ ، وكان مُوَفَّقًا في ذلك كلَّ التوفيق ، ووصلت دعوتُه الطيّبةُ إلى العالِم الإسلامي فيما بعدُ ، ولو أنَّه جرى بينَه وبين خُصومِهِ حُروبٌ مع الأسفِ الشديد ، هذه سنةُ اللَّهِ في خلقِهِ ، ولن تجدَ لسنة اللَّه تبديلاً .

لكن في العصرِ الحاضر قام بعضُ العُلماءِ بتجديدِ دعوة الكتاب والسنةِ ، واستيقظ كثيرٌ من الخاصة والعامة في البلاد العربية ، أما البلادُ الأعجميةُ فلا يزالون في سُباتهم مع الأسفِ الشديد .

إلاَّ أن هذه البلاد العربية أُصيبت بنكسةٍ - وهي ما أشرتُ إليه آنفًا - حيث إن بعضهم ما وقفَ عند الوسطِ ، بل عرفوا شيئًا وجهلوا شيئًا ، فترى الرَّجلَ العامي الذي لا يفهم شيئًا إذا سألَ العالم عن مسألةٍ ما ، ما حُكمُها ؟ سواءٌ أكانَ الجوابُ نفيًا ومنعًا بادرَ بمطالبته : ما الدليل ؟ وليس بإمكان ذاك العالم - أحيانًا - إقامة الدليل ، خاصةً إذا كان الدليلُ مستنبطًا ومُقتبسًا اقتباسًا ، وليس منصوصًا عليه في الكتاب والسنة حتى تُوردَ الدليل ، ففي مثل هذه المسألة لا ينبغي على السائل أن يتعمَّق ويقول : ما الدليل ؟ يجبُ أن يَعرفَ نفسه : هل هو من أهل الدليل أم لا ؟ هل عنده مُشاركةٌ في معرفة العامِّ والخاصِّ ، المُطلقِ والمُقيَّدِ والناسخ والمنسوخ ، وهو لا يفقه شيئًا مِن هذا ، فهل يفيدُه قولُه : ما هو الدليلُ ؟! وعلى ماذا ؟!

أقولُ : على (حُكْم) رقص المرأةِ أمامَ زوجها أو رقصِ المرأةِ أمام أُختِها المُسلمةِ جوازًا أو منعًا ! ودبكة الرِّجال ! يريد الدليل على ذلك ! وفي الحقيقة أنه لا يُوجدُ لنا دليلٌ نَصِّيٌّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلكَ ، إنما هو النظر والاستنباط والتفقه .

ولذلك نحنُ نقول في بعض الأحيان : ليسَ كل مسألة يُفصّلُ عليها الدليل تفصيلاً يفهمه كل مسلم ، سواءٌ أكانَ عاميًّا أُميًّا ، أو كانَ طالبَ علم ، وليس هذا في كل المسائلِ ؛ لذلك قال تعالى : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)الأنبياء7 .

ومن التطرُّفِ الذي أشرتُ إليه آنفًا - وصارَ أجهلُ الناس بسببه يرفضُ الدليلَ - أنَّ كثيرًا من المنتمينَ إلى دعوةِ الكتابِ والسنة يتوَّهمونَ أنَّ العالمَ إذا سئلَ عن مسألة يجبُ عليه أن يقرنَ جوابَه بقالَ اللَّه وقالَ رسولُه . أقولُ : هذا ليسَ بالواجبِ ، وهذا من فوائدِ الانتماءِ إلى منهج السلفِ الصالحِ ، وسِيَرهُم - رضي اللَّه عنهم - وفتاواهم دليلٌ علميٌّ ما قلته .
وعليه ؛ فإنَّ ذِكرَ الدليل واجبٌ حينما يَقتضيه واقعُ الأمرِ ، لكن ليسَ الواجبُ عليه كلما سُئل سُؤلاً أن يقولَ : قال اللَّهُ تعالى كذا ، أو قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كذا ، وبخاصةٍ إذا كانت المسألةُ من دقائق المسائل الفقهية المُختلف فيها .

وقوله تعالى : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) ، هو أولاً على الإطلاق ، فما عليك إلا أن تسألَ من تظنُّ أنَّه من أهلِ العلمِ ، فإذا سمعتَ الجوابَ فعليكَ بالاتباع ، إلاَّ إذا كانت عندك شبهةٌ سمعتها من عالمٍ آخر ، لا بأسَ من أن توردها ، فحينئذ من الواجب على العالم أن يسعى بما عنده من العلم لإزالة الشبهةِ التي عرضت لهذا السائل . خلاصةُ القولِ : رقصُ المرأةِ أمامَ الزوجِ بالقيد المذكور آنفًا جائزٌ ، أما رقصُ المرأة أمام بناتِ جنسها فله صُورتان أيضًا - كما ذكرت بالنسبة لرقصِ المرأة أمام زوجها : إن كان رقصًا غير مقرونٍ بمهنة وإنما هو عبارة عن ترويح وتلويح باليدين وليسَ فيه هزٌّ للأرداف ونحو ذلك مما يحركُ النفوس ، أو يثير الشبهات ، فأيضًا لا بأسَ بهذا الرقص إن صح تسميتُه رقصًا ! أمَّا إذا وُجدَ شيءٌ من ذلكَ فالمنعُ منه هو الأصلُ .



أما دبكةُ الرجال فإن كانت تُشبه الدَّبْكَ الذي نراه عادةً مقرونًا بالغناء فضلاً عما يكونُ فيه من ألفاظ غير مشروعة فهذا لهو ليس مرغوبًا فيه ، بل هو مرغوبٌ عنه ، كما قال عليه الصلاةُ والسلام (كلُّ لهو يلهو به ابنُ آدمَ باطلٌ إلا مداعبته لامرأته ومُلاعبتَه لفرسِهِ ورميه بقوسِهِ والسباحةُ) . فنحنُ نرى من هذا الحديث القول بأنَّه باطلٌ .
وإذا كان هذا شأن اللهو البريء - أنه مرغوب عنه ، وليس من الحق - إذا كان لا يقترنُ معه مما يخالفُ في جانب من جوانبه ، فحينئذٍ نقولُ : إنه جائزٌ لكنه جوازٌ مرجوحٌ بهذا الحديث الذي ذكرتُه آنفًا . ففي ظني - واللَّه أعلمُ - لأني ما أشهدُ مثلَ هذه الدبكة ، أنَّها لا يمكن أن تخلو من مُخالفة ، وذلك مثلاً أننا نسمعُ أحيانًا الدبكةَ وليس هي فقط ، بل الموسيقى والمؤذنُ يؤذنُ والإمامُ يجهرُ بقراءةِ القرآنِ وهم لا يلوون على شيء ، بل هم في لهوِهم ساهونَ ، فإذن ؛ الدبكةُ هذه قد تكونُ من اللهو المرجوح ولا نقول : حرام إلا إذا اقترنَ بها ما يُخالفُ الشرع من ناحية من النواحي فينقلبُ دُونما شكٍّ إلى حرامٍ .


من :كتاب المرأة والنكاح والطلاق وتربية الاولاد للعلامة الشيخ محمد ناصرالدين الالباني -رحمة الله .