المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عشرة النساء



الجوهرة
24-Jul-2010, 05:59 PM
بسم الله الرحمان الرحيم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما بعد
فإنّ أصدق الحديث كتاب الله و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم و شرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أما بعد
فقد قال المصنف رحمه الله تعالى: باب عشرة النساء.
العشرة: مأخوذة من المعشر والعشيرة وما أشبه ذلك, وأصلها في اللغة الاجتماع, ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا معشر الشباب" يخاطب الجمع ومنه العشيرة لأنها مجتمعة على أب واحد, لكن المراد هنا غير ما يُراد في اللغة, فالمراد بالعشرة هنا المعاملة والالتئام بين الزوجين.
النساء: المراد بالنساء هنا الزوجات وليس عموم الإناث لقوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ﴾ أي الزوجات ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ ﴾ 1 أي الزوجات, أما قوله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ 2فالمراد بالنساء هنا الإناث, وعلى هذا فكلمة النساء تارة يُراد بها الزوجات وتارة يُراد بها عموم النساء على حسب ما يقتضيه السياق.
قال: باب عشرة النساء. والمراد به كيف يعاشر الرجل امرأته وكيف تعاشر المرأة زوجها. والحقيقة أنه باب عظيم تجب العناية به لأن تطبيقه من أخلاق الإسلام, ولأن تطبيقه تدوم به المودة بين الزوجين, ولأن تطبيقه يحيا به الزوجان حياة سعيدة, ولأن تطبقيه سبب لكثرة الولادة لأنه إذا حَسُنَتْ العشرة بين الزوجين ازدادت المحبة وإذا ازدادت المحبة ازداد الاجتماع على الجماع وبه يكون الأولاد, فالمعاشرة أمرها عظيم.
ثم أعلم أن معاملتك لزوجتك يجب أن تُقدِّر كأن رجلا زوجا لابنتك كيف يعاملها فهل ترضى أن يعاملها بالجفاء والقسوة؟ الجواب: لا, إذا لا ترضى أن تُعَامِل بنت الناس بما لا ترضى أن تُعَامَلَ به ابنتك, وهذه قاعدة ينبغي أن يعرفها كل إنسان. وقد روى الإمام أحمد رحمه الله في المسند أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الزنا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أترضاه لأختك أترضاه لبنتك أترضاه لأمك فلم يزل يقول بكذا وكذا وكل ذلك يقول فيه ذلك الشاب لا, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فاكره ما كره الله وأحب لأخيك ما تحب لنفسك, معنى ما قال النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا مقياس عقلي واضح جدا, فكما أن الإنسان لا يرضى أن تكون ابنته تحت رجل يقصِّر في حقها ويهينها ويجعلها كالأمة يجلدها جلد العبد فكذلك يجب أن يعامل زوجته بهذا لا بالصَّلَف والاستخدام الخارج عن العادة, وعلى الزوجة أيضا أن تعامل زوجها معاملة طيبة أطيب من معاملته لها, لأن الله تعالى قال في كتابه: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ 3ولأن الله تعالى سما الزوج سيدا وقال -عز وجل- في سورة يوسف: ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ﴾ 4ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سما الزوجة أسيرة وقال: "اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم" وعوان جمع عانية, وهي الأسيرة كما في حديث الترمذي وابن ماجة من رواية عمر بن الأحوص وهو حديث حسن. فعلى كل حال, الواجب على الإنسان إذا كان يحب أن يحيا حياة سعيدة, مطمئنة, هادئة, أن يعاشر زوجته بالمعروف وكذلك بالنسبة للزوجة مع زوجها وإلا ضاعت الأمور وصارت الحياة شقاءً. ثم هذا أيضا يؤثر على الأولاد, فالأولاد إذا رأوا مشاكل بين أمهم وأبيهم سوف يتألمون وينزعجون, وإذا رأوا الألفة فسيسرُّون. فعليك أيها الأخ الحبيب بالمعاشرة بالمعروف, لهذا قال المصنف رحمه الله: يلزم الزوجين العشرة بالمعروف.
يلزم: بمعنى يجب, وقوله الزوجين يعني الرجل والمرأة, وأما العشرة فهي فاعل يلزم, يعني المعاشرة بالمعروف, يلزم الزوجين العشرة بالمعروف.
العشرة: فاعل يلزم يعني المعاشرة بالمعروف أي بما يُعرف شرعا وعرفا, لقوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ 5وهذا أمر والأصل في الأمر الوجوب. وقال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ 6 فأثبت أن عليهن عشرة, فيجب على الزوج والزوجة كل منهما أن يعاشر الآخر بالمعروف.
بالمعروف: يحتمل أن المراد به ما عرفه الشرع وأقره, ويحتمل أن المراد به ما اعتاده الناس وعرفوه, ويمكن أن نقول بالأمرين جميعا: ما عرفه الشارع وأقره, وما اعتاده الناس وعرفوه. فلو اعتاد الناس أمرا محرما فإنه لا يجوز العمل به ولو كان عادة, لأن الشرع لا يقرُّه, وما سكت عنه الشرع ولكن العرف يُلزم به فإنه يَلزم, لأن هذا من تمام العقد, إذ العقود الجارية بين الناس تتضمن كل ما يستلزمه هذا العقد شرعا أو عرفا. فلو قالت الزوجة أنت ما شرطت عليّ أني أفعل كذا, نقول لكن مقتضى العقد عرفا أن تفعلي هذا الشيء, ولو قال الزوج يا فلانة اصنعي طعاما فإن معي رجالا, فقالت لا أصنع وأنا ما تزوجت إلا للاستمتاع فقط أما أن أخدمك فلا, فهل يلزمها أن تصنع ما أمرها به أو لا؟ يلزمها لأن هذا مقتضى العرف وما (...)به العرف كالمشروط لفظا. وبعضهم يعبر بقوله: الشرط العرفي كالشرط اللفظي.
قوله: يلزم أي لزوما شرعيا. وينبغي للإنسان في معاشرته لزوجته بالمعروف أن لا يقصد السعادة الدنيوية والأنس والمتعة فقط, بل ينوي مع ذلك التقرب إلى الله تعالى بفعل ما يجب. وهذا أمر نغفل عنه كثيرا, فكثير من الناس في معاشرته لزوجته بالمعروف قصده أن تدوم العشرة بينهما على الوجه الأكمل, ويغيب عن ذهنه أن يفعل ذلك تقربا إلى الله تعالى, وهذا كثيرا ما ننساه ينسينا إياه الشياطين. وعلى هذا فينبغي أن تنوي بهذا أنك قائم بأمر الله ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾7 فهذا أمر وأنت إذا عاشرت بالمعروف فإنك تكون ممتثلا لهذا الأمر الإلهي الكريم, وإذا نويت ذلك حصل لك الأمر الثاني وهو دوام العشرة الطيبة والمعاملة الطيبة, وكذلك بالنسبة للزوجة, وكذا كل ما أمر به الشرع ينبغي للإنسان عند فعله أن ينوي امتثال الأمر ليكون عبادة. ففي الوضوء مثلا إذا أردنا أن نتوضأ نقصد أن هذا شرط من شروط الصلاة لابد من القيام به, ونستحضر أننا نقوم بأمر الله تعالى في قوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ ﴾8قد نذكر ذلك أحيانا ولكننا ننساه كثيرا, وهل عندما نفعل هذا نشعر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كأنه أمامنا وأننا نقتدي به فنكون بذلك متبعين؟ هذا قد نفعله أحيانا ولكنه يفوتنا كثيرا, فينبغي للإنسان أن يكون حازما لا تفوته الأمور والأجور بمثل هذه الغفلة. فإذا عاشر بالمعروف فينبغي أن ينوي طاعة الله تبارك وتعالى في قوله وأمره ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ 9 فينبغي للإنسان أن يصبر على الزوجة ولو رأى منها ما يكره لقوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ﴾10 ما أبلغ القرآن! لم يقل -جل وعلا- فعسى أن تكرهوهن, بل قال فعسى أن تكرهوا شيئا, أيّ شيء يكون, فقد يكره الإنسان أن يذهب إلى بيت صاحبه ويجعل الله في هذا الذهاب خيرا كثيرا, وقد يكره الإنسان أن يشتري شيئا ويشتري هذا الشيء وهو كاره فيجعل الله فيه خيرا كثيرا, وكذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر" كما أخرج ذلك مسلم في الصحيح من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- . ونبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا بقوله:" لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها" كما في الصحيحين من رواية عبد الله بن زمعة -رضي الله عنه- ,والمرأة كما هو معلوم ناقصة عقل ودين وقريبة العاطفة؛ كلمة منك تبعدها عند بعد الثريا وكلمة تدنيها منك حتى تكون إلى جنبك, فلهذا ينبغي للإنسان أن يراعي هذه الأحوال بينه وبين زوجته. ولكن نسأل الله السلامة, الآن لما كان عند الناس شيء من ضعف الإيمان, صار أقل شيء يوجد بينه وبين امرأته وأقل غضب ولو على أتفه الأشياء تجده يغضب ويطلق, ويا ليته إذ يفعل يطلق طلاقا شرعيا, بل تجده يطلق زوجته وهي حائض أو في طهر جامعها فيه أو طلاقا بدعيا بعدده وبعضهم يزيد على هذا فيظاهر منها, نسأل الله السلامة. كل هذا من ضعف الإيمان وقلة التربية الإسلامية. وينبغي للإنسان أن لا يغضب على كل شيء, لأنه لابد أن يكون هناك قصور, حتى الإنسان في نفسه مقصر, وليس صحيحا أنه كامل من كل وجه. فهي أيضا أولى بالتقصير, وأيضا يجب على الإنسان أن يقيس المساوئ بالمحاسن, فبعض الزوجات إذا مرض زوجها قد لا تنام الليل وتطيعه في أشياء كثيرة, ثم إذا فارقها فمتى يجد زوجة؟ وإذا وجد يمكن أن تكون أسوء من الأولى. لهذا على الإنسان أن يقدِّر الأمور حتى يكون سيره مع أهله على الوجه الأكمل. والإنسان إذا عود نفسه حُسن الأخلاق انضبط, وبذلك يستريح.
قال المصنف رحمه الله: ويحرم مَطلُ كل واحد بما يلزمه للآخر.
المَطْلُ: التأخير, ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه-: "مطل الغني ظلم" أي تأخير الغني وفاء الدين ظلم. فيحرم أن يمطل بحق الآخر, فتقول له زوجته أنا أريد كسوة فيقول إن شاء الله ثم تمضي الأيام ولم يأتها بشيء والمرأة محتاجة, فهذا حرام عليه يجب أن يسد حاجتها, صحيح أنه ليس عليه أنه كلما نزل في السوق زيي من الأزياء وقالت ائتني به أن يأتيها به, فبهذا لا يطيعها لأن المرأة لا حد لها. ولكن الشيء الذي لابد منه يجب عليه أن يبادر ولا يماطل. فإن منع أحدهما ما يلزمه بالكلية يحرم من باب أولى, لأنه إذا كان التأخير حراما فالمنع حرام من باب أولى.
قال: والتكرُّه لبذله. فأن يأتيها بما تطلبه وتحتاجه ولكن يعطيها إياه بعنف ومِنَّة فهذا أيضا محرم, فما دام أن الأمر واجب عليك فلا تمن. وفي حديث أبي ذر -رضي الله عنه- في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم يوم القيامة ولهم عذاب أليم: المسبل والمنَّان والمنفِّق سلعته باليمين الكاذبة", كذلك بالنسبة للزوجة يحرم عليها أن تمطل بحق زوجها, فإذا أمرها بما يجب عليها لم يجز لها أن تُأخِّر. ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- يرفعه: "إذا دعا الرجل زوجته فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح" والعياذ بالله. فالمسألة ليست هينة, وكذلك يحرم عليها التكرُّه في بذله كأن تبذل له ما يجب لكن مع الكراهة والعبوس وعدم انطلاق الوجه, وإذا بُلي الإنسان بامرأة كهذه يعضها ويهجرها ويضربها حتى تستقيم كما قال تعالى: ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾ 11 فيعضها وينصحها ويرشدها والله مع النية الطيبة ييسر الأمور.
فلدينا ثلاثة أشياء: منع ما يجب, والمماطلة به, والتكره لبذله, وكل هذا حرام لأن الحقوق يجب أن تؤدى لأهلها بدون أي (...).
ثم ذكر الشيخ الشارح رحمه الله مسألة: إذا كان مقصرا في النفقة وهي قادرة على أن تأخذ من ماله بغير علم فلها أن تأخذ, أفتاها بذلك سيد المفتين من البشر محمد صلى الله عليه وسلم حين جاءت هند بنت عتبة -رضي الله عنها- إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني ويكفي بنيّ فقال:" خذي ما يكفيك وولدك من ماله بالمعروف". والحديث في الصحيحين من رواية عائشة -رضي الله عنها-. وإذا تم العقد, والعقد يتم بالإيجاب والقبول, لزم تسليم الحرة أي وجب تسليم الحرة, والحرة احترازا من الأَمَة وسيأتي حكمها إن شاء الله.
وهذه المسألة لها أحوال أربعة:
أولا: أن يطلب الزوج حضورها إلى بيته, فيجب أن تحضر إلى البيت من حين العقد, يعني أن تنتقل إلى البيت إلى بيت الزوجية, لا أن تحضر وهي مقيمة عند أبيها. أن يطلب الزوج حضورها إلى بيته, يطلب انتقالها إلى بيته فيجب أن تحضر إلى البيت من حين العقد.
ثانيا: أن لا يطلب بلسانه, فالأول من هذه الأحوال أن يطلب الحضور والثاني أن لا يطلب بلسانه ولكن يطلب بحاله, بمعنى أن توجد قرائن تدل على أنه يرغب أن تأتي إلى بيته فيلزم, لأنه قد يكون الرجل يستحيي أن يقول أعطوني البنت لكن حاله تدل على هذا؛ إما أن يشكو التردد إلى بيت أهلها أو يقول مثلا إلى متى ننتظر؟ وما أشبه ذلك.
والثالث من الأحوال: أن يطلب أهلها أن يستلمها هو لأنه زوجها, وسكناها ونفقتها عليه.
والرابع: أن يكون هناك سكوت من الزوج ومن أهلها, فالأمر إليه متى شاء طلب.
وإذا تم العقد لزم تسليم الحرة التي يوطأ مثلها. قال العلماء: وهي بنت تسع, والحقيقة أن التقييد بالسن في هذا المقام فيه نظر, لأن من النساء من تبلغ تسع سنين ولا يمكن وطأها لصغر جسمها أو نحافتها أو ما أشبه ذلك, ومن النساء من يكون لها ثماني سنين وتكون صالحة للوطأ. والصواب أنه لا يقيد بالسن بل يُقال هي التي يمكن وطأها والاستمتاع بها, فهذه يجب تسليمها.
وظاهر كلام المصنف ولو كانت حائضا فإنه يجب تسليمها أيضا, والمذهب لا يجب, ولكن هذا مشروط بأن لا يُخشى من الزوج, فإن خُشي منه بحيث تعرف أن الرجل ليس بذاك المستقيم وأنه لو سُلِّمت المرأة له فربما وطأها في حيضها, فهذه لا تسلم حتى تطهر. وكذلك لو فُرض أن المرأة مريضة والزوج ممن لا يخاف الله ويُخشى عليها أن يجامعها وهي مريضة فيضرها ذلك, فحينئذ لا تسلَّم.
في بيت الزوج إن طلب. أي يجب أن تسلم في بيت الزوج وهذا يوافق عرف بعض البلاد. فإذا قال الزوج دعوها تأتي للبيت فإنه يُقال: يلزم تسليمها له في بيته. ولكن هذا الكلام مقيد بما إذا لم يخالف العادة, فإن خالف العادة نرجع إلى القاعدة المستقرة وهي ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ 12 .إذا كان من عادة الناس أن الزوج هو الذي يأتي لبيت الزوجة فيلزمه ذلك, فالمصنف اشترط لوجوب تسليم المرأة لزوجها أربعة شروط: الأول أن تكون حرة, الثاني أن يوطأ مثلها, الثالث قوله إن طلبه, أي يطلب الزوج تسليمها, الرابع قوله ولم تشترط دارها أو بلدها إذا كان بيت الزوج في بلد آخر. فإذا تمت هذه الشروط وجب تسليمها ويجب على زوجها أيضا أن يتسلمها, فإن عقد عليها وصار كل يوم يقول اليوم أدخل اليوم أدخل فإنه إذا تم له أربعة أشهر ولم يدخل فإن لها الفسخ. وقوله ولم تشترط دارها أو بلدها, عُلم منه أنها إذا اشترطت دارها لم يلزم أن تسلَّم في بيت الزوج. وقد سبق أن هذا من الشروط الجائزة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج" والحديث في الصحيحين من رواية عقبة بن عامر -رضي الله عنه- لأن وجودها في بيت الزوج من حقه فإذا أسقط حقه سقط. وكذلك إذا اشترطت بلدها كأن يكون الزوج في بلد آخر وطلب تسليمها فإنه لا يلزم لأنها اشترطت بلدها وقد التزم بهذا الشرط فلا يلزمها.
وإذا استمهل أحدهما أُمهل العادة وجوبا. أي طلب الإمهال من الآخر, فمثلا قال الزوج أريد أن يكون الدخول الليلة المقبلة فقالت أمهلني حتى أصلح من أمري, أو قالوا نريد أن يكون الدخول الليلة المقبلة فقال أمهلوني حتى أصلح أمري, يقول المؤلف أُمهل العادة أي أُمهل إمهال العادة.
وجوبا: هذا نعت لمصدر محذوف, أي إمهالا وجوبا أو عامله محذوف والتقدير: يجب وجوبا والمعنى: أنه يجب أن يُنضَر بما جرت به العادة يوما أو يومين أو ثلاثة بحسب ما جرى به العرف, وإنما وجب ذلك لأنه من العشرة بالمعروف وقد قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ 13.
وإذا استمهل أحدهما أمهل العادة وجوبا لا لعمل جهاز. يعني لو طلب الإمهال ليجهز بيته لزوجته فإنه لا تجب إجابته لأن هذا شيء لا يتعلق بالنكاح, لأن تجهيز البيت يمكن ولو بعد الدخول. ومثله أيضا لو كان الجهاز منها هي تريد أن تأتي معها بأواني البيت وما يصلحه وطلبت أن تُمهل وأبى الزوج فإنها لا تُمهل, لأن هذا يمكن شراؤه بعد الدخول. وإذا جرت العادة أن هذا يكون مصاحبا للمرأة فإنها تُمهل لأنه لا فرق بين ما يتعلق بذاتها وما يتعلق بشؤون البيت.
ويجب تسليم الأمة ليلا فقط. هذا مفهوم القيد الأول وهو قوله: لزم تسليم الحرة, فالأمة يجب تسليمها في الليل فقط لأنها في النهار مشغولة بخدمة سيدها, وما يتعلق بالنكاح عماده الليل دون النهار. فالسيد يقول أنا أحتاج هذه الأمة في النهار لشغل البيت والزوج يتمتع بها بالليل, هذا ما لم يشترط الزوج أن تُسلَّم له ليلا ونهارا. وإذا اشترط ذلك وقَبِل السيد فهما على شرطهما. الصحيح في هذه المسالة أنه يلزم تسليمها وذلك لأن حق الزوج طارئ على حق السيد فهو مقدم عليها, وأن سيدها متى زوَّجها فقد انقطعت منافعه منها, فالزوج هو السيد وإلا لقلنا حتى الحرة إذا كان لها أب وأم يحتاجان إلى رعاية فإنه لا يجب تسليمها لأن حق الوالدين واجب. فنقول متى تزوجت المرأة فسيدها زوجها, تُسلَّم إليه سواء كانت حرة أم كانت أمة. لكن لو اشترط السيد على الزوج أن الأمة تبقى في النهار عنده فعلى ما شرط لحديث: "إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج" والحديث في الصحيحين كما مر.
استأنف المؤلف بيان شيء من الحقوق فقال: ويباشرها ما لم يضر بها. الواو في قوله ويباشرها للاستئناف, والجملة خبر بمعنى الإباحة, والمعنى: يباح له أن يباشرها للاستمتاع إلا في الأماكن والأحوال التي حرمها الشرع. فمثلا لا يطأها في الدبر ولا يطأها في حال الحيض والنفاس ولا يطأها وهي صائمة صوما واجبا أو تطوعا بإذنه. وإلا فله أن يباشرها متى شاء ليلا أو نهارا. وهل له أن يباشرها وإن لم يحصل الدخول الرسمي؟ فلو عقد عليها مثلا وهي في بيت أهلها ولم يحصل الدخول الرسمي الذي يحتفل به الناس, فذهب إلى أهلها وباشرها جاز لأنها زوجته. قال: إلا أننا لا نحبذ أن يجامعها لأنه لو جامعها ثم حملت اُتهمت المرأة, فالناس يقولون كيف تحمل وهي لم يدخل عليها زوجها, ثم لو جامعها وقدَّر الله أن مات من يومه ثم حملت من هذا الجماع ماذا يقول الناس؟ لكن له أن يباشرها بكل شيء سوى الجماع لأنها زوجته. ومن ثمَّ قال فأنا أفضل أن يكون العقد عند الدخول رحمه الله رحمة واسعة.
قال: ويباشرها ما لم يضر بها فإن أضر بها فإنه يحرم عليها لقوله تعالى: ﴿وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ ﴾14. وهذا في الرجعيات, فإذا كان الإمساك بها محرما في حال الإضرار فكذلك الاستمتاع بها في حال الإضرار. ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم:" لا ضرر ولا ضرار" الحديث أخرجه أحمد وابن ماجة وهو حديث صحيح.
وكيف يضرها؟ لو فرضنا أن المرأة حامل والاستمتاع بها يشق عليها مشقة عظيمة إما على نفسها أو على جنينها أو ما أشبه ذلك, أو فرضنا أنها أجرت جراحة فإنه في هذه الحال لا يجوز له مباشرتها لأنه يحرم عليه الإضرار بها والواجب تجنب ما يضر بها.
قال: أو يشغلها عن فرض ويباشرها ما لم يضر بها أو يشغلها عن فرض. مثلا طلب منها الاستمتاع وهي لم تصلي وقد ضاق الوقت, أو طلب الاستمتاع بها قبل طلوع الشمس وهي ما صلت الفجر, فنقول هذا لا يجوز لك لأنك تشغلها عن فرض وهو الصلاة في وقتها. وكذلك لو شغلها عن فرض آخر سوى الصلاة كأن يمنعها من صيام قضاء رمضان مع ضيق الوقت, وذلك بأن يبقى من شعبان بقدر ما عليها من الصيام. ولو فرضنا أنه طلب الاستمتاع والمباشرة وهي على التنور فقالت له انتظر حتى لا يحترق الخبز, فله أن يفعل ولا يجوز لها أن تتأخر. وكذا المكان, فله الاستمتاع بها في أي مكان إلا إذا أضر بها كما لو كان هناك ظرف, بل قال الفقهاء ولو على ظهر قَتَب والقَتَب: الرحل الصغير على قدر سنام البعير أي على رحل البعير, والمعنى: أنه في أي مكان وفي أي زمان إلا إذا أضر بها أو شغلها عن فرض. وكل هذا تحقيقا للسيادة من الزوج على زوجته وتحقيقا لكونهن عوان عندنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إنهن عوان عندكم". فلهذا كثر حث النبي صلى الله عليه وسلم على الرفق بالنساء, لأن الزوج قد يستعلي عليها لأنه سيدها, فحثه الله -عز وجل- والنبي صلى الله عليه وسلم على المعاشرة بالمعروف والرفق. استمع قول الله -عز وجل-: ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ﴾أي فيما يجب ﴿فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ﴾ 15يعني اذكروا بعلوكم عليهن علو الله -عز وجل- وبكبريائكم عليهن كبرياء الله -عز وجل- ﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ﴾ 16 (...) الآية بذكر اسمين عظيمين يتضمنان صفتين كريمتين وهما في غاية المناسبة للمذكور قبل, ﴿فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ﴾ 17.
هل يشمل الضرر بها الضرر بمالها؟ الظاهر أنه يدخل في ذلك مثل لو أن كانت المرأة لها غنم وقد ضاعت غنمها أو هربت وتحتاج أن تلحق الغنم لتردها, وهو يريد -يعني زوجها- الاستمتاع بها. نقول هذا لا يجوز لأن فيه إضرارا بها, إلا إذا كنت تختار أن تضمن لها هذا المال إذا تجد فلا بأس. وهل لها أن تباشره وتستمتع هي به؟ الجواب: نعم لأنها كما أنه يريد منها ما يريد, فهي أيضا تريد منه ذلك. وإنما قال المؤلف يباشرها لأن الزوج هو الذي له الولاية والقوامة عليها كما قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾18
قال: وله السفر بالحرة ما لم تشترط ضده. الضمير في قوله (له) يعود على الزوج. بالحرة: أي بالمرأة الحرة, ما لم تشترط ضده, فإن اشترطت ضده فلا حق له أن يسافر بها لما سبق من الأدلة على وجوب الوفاء بالشروط. ولو سافر بها لكن بعدما سافر بها أصابها مرض نفسي من هذا السفر هل يلزمه أن يردها إلى بلدها أو لا؟ الجواب: نعم يلزمه قياسا على ما سبق في قوله: ويباشرها ما لم يضر بها, فإذا أوجب هذا السفر لها المرض فإن عليه أن يعيدها إلى بلدها لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا ضرر ولا ضرار". وهل له أن يسافر بالأمة؟ الجواب: ليس له أن يسافر بها إلا إذا اشترط السفر بها, لأن الأمة مشغولة بخدمة سيدها بخلاف الحرة. وعلى هذا فيكون الأصل في الحرة أن يسافر بها ما لم تشترط ضده, ويكون الأصل في الأمة أن لا يسافر بها ما لم يشترط هو أن يسافر بها.
قال: وله السفر بالحرة ما لم تشترط ضده. أي تشترطه باللفظ وكذلك بالعرف فلو كان من المفترض عند أهل هذا البلد أن الرجل لا يسافر بامرأته إلا بشرط, فإنه يُؤخذ بالشرط. وتقدم لنا في باب الشروط أن الصحيح من أقوال أهل العلم أن جميع الشروط المباحة في النكاح لازمة وواجب الوفاء بها. لعموم الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالعهود وبالعقود وبالشروط. أما إذا اضطر إلى السفر بها وأبت, فهل له أن يقول إما أن تسافري وإما أن أطلقك؟ هذه مشكلة لأنه إذا قال هذا الكلام, فمقتضاه أن يُلزمها بإسقاط الشرط وهي كارهة, وإذا كان يريد تهديدها حتى تُسقط الشرط فإن هذا لا يجوز. أما إذا قال هذا عن جد وليس عن تحد, وقال إنه لا يملك نفسه ولابد له من زوجة إذا سافر, وقال لها إما أن تسافري معي وإلا فسأتزوج وأطلقك أي ليس قصده إجبارها ولا إكراهها فهاهنا نقول لا بأس.
ويحرم وطأها في الحيض. أي يحرم وطأ الزوجة في الحيض لقول الله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ﴾أي يطهرن من الحيض ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾ أي اغتسلن ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ ﴾ 19 والآية نص صريح وفيها ذكر التعليل قبل الحكم من أجل إيقاظ الذهن للعلة حتى يكون الإنسان كارها للفعل قبل أن يعرف حكمه, وهذا أسلوب من أساليب البلاغة. وإلا فالغالب أنه يَذكر الحكم ثم يَذكر العلَّة, لكن هنا ذُكرت العلَّة من أجل أن يَرِد الحكم على نفس كارهة للمخالفة. لأن أي إنسان يعرف أنه أذى سوف يتجنبه.
وقوله تعالى: هو أذى, أي على الزوجين جميعا. فالزوج يتضرر والزوجة تتضرر أيضا. ثم هو دم نجس وليس طاهر والنبي صلى الله عليه وسلم أمر الحائض إذا أصاب دمها ثوبها أن تغسله ثم تصلي فيه كما في حديث أسماء في الصحيحين. وإذا حرم الوطأ في الحيض فيجوز ما سواه من المباشرة والجماع دون الفرج وما أشبه ذلك. لأنه إذا كان الأصل الحل فإنه لا يخرج عن الأصل إلا ما قُيِّد بالوصف فقط وهو الجماع, إذا حَرُم الوطأ في الحيض فيجوز ما سواه من المباشرة والجماع دون الفرج وما أشبه ذلك. لأنه إذا كان الأصل الحل فإنه لا يخرج عن الأصل إلا ما قُيِّد بالوصف فقط وهو الجماع. فإذا قال قائل كيف تقول إنه الجماع وقد قال الله -عز وجل-: ﴿فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ ﴾ 20 هذا يقتضي أن الزوج يعتزلها حتى يكون فراشه غير فراشها وأن لا يقربها أيضا. فالجواب: أن هذا من باب التوكيد لأن السنَّة بيَّنت ذلك, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس عند مسلم:" اصنعوا كل شيء إلا النكاح", وأخبرت عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرها فتتزر فيباشرها وهي حائض والحديث في الصحيحين. فالتعبير بالعبارتين (فاعتزلوا) و(ولا تقربوهن) من باب التوكيد والتنفير, وذلك واضح لأن النفس تدعو إلى جماع الزوجة لا سيما إذا كان شابا وهي شابة. فيحتاج الحُكم بالتحريم إلى عبارات جزمة توجب النفور من هذا العمل, ومن رحمة الله -عز وجل- أنه لا يمنع شيء إلا أحلَّ ما يقوم مقامه ولو من بعض الوجوه وهو المباشرة دون الفرج. لكن ينبغي لمن أراد ذلك أن يأمر زوجته فتتزر وأن لا يبقى محل المباشرة مكشوفا لأنه ربما يرى منها ما يكره من الدم ونحوه فتتقزز نفسه منها ويؤثِّر ذلك على نفسيته حتى في المستقبل. ولهذا كان من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأمر المرأة أن تتزر. فإذا جامع في الحيض ترتب عليه الإثم والمعصية والعقوبة. وهل تجب عليه كفارة أو لا؟ هذا ينبني على صحة الحديث الوارد في هذا, والعلماء مختلفون فيه. فمن صح عنده الحديث أوجب الأخذ به, والكفارة دينار أو نصفه إما على التخيير أو باعتبار حال الحيض. بمعنى أنه يُفرَّق بين الوطأ في آخر الحيض وخفته وتوقان النفس إلى الجماع فيكون نصف دينار, وبين أن يكون الحيض في أوله وفوره فيكون دينار. والتخيير فيه إشكال وهو أنه جرت العادة في الكفارات أنه لا يمكن أن تكون كفارة واجبة من جنس واحد كاملة أو ناقصة, لأن التخيير إنما يكون بين شيئين مختلفين كالإطعام والكسوة وتحرير الرقبة في كفارة اليمين وأما بين شيئين هما من جنس واحد فهذا لم يرد, من جنس واحد هذا قليل وهذا كثير بدينار أو نصف. ولكن الجواب عن هذا أن تقول إن الله سبحانه له أن يحكم بما شاء, فإذا خُير العبد بين دينار أو نصفه فهذا من الرحمة فمن ابتغى الفضل تصدق بدينار ومن ابتغى الواجب تصدق بنصف دينار. هذا إذا جامع في الحيض, والمرأة إن وافقت زوجها على الوطأ حال الحيض اختيارا فهي مثله, وإن أكرهها فلا شيء عليها لا إثم ولا كفارة.
قال: ويحرم وطأها في الحيض والدبر. أي ويحرم وطأها أيضا في الدبر, بمعنى أن يولج الذكر في الدبر لقوله تعالى: ﴿فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ 21 والدبر ليس محلا للحرث ولأحاديث متعددة وردت في التحذير منه ومجموعها يقضي أن تصل إلى درجة الحسن العادي, ومنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن" أخرجه أحمد وابن ماجة عن خزيمة بن ثابت -رضي الله عنه- وهو حديث صحيح, وأيضا حديث أبي داوود وهو حديث صحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- يرفع:" لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها".
قال: والدبر. أي ويحرم وطأها أيضا في الدبر, بمعنى أن يولج الذكر في الدبر. ثم إن القياس الصحيح يقتضي هذا, فالغائط أخس من الدم بلا شك, فإذا كان الله تعالى حرم وطأ الحائض للأذى من الدم, فإن وطأ الدبر أشد وأقبح. لأن هذا يشبه اللواط وهو جماع الذكر والعياذ بالله, ولهذا أسماه بعض العلماء باللوطية الصغرى. فلا شك في تحريم وطأ المرأة في دبرها. أما أن يستمتع بها فيما بين الإليتين فلا بأس. قال شيخ الإسلام رحمه الله: ومن عُرف بالوطأ في الدبر وجب أن يُفرق بينه وبين زوجته. أي أن يفسخ النكاح لأن الإصرار على هذه المعصية التي هي من كبائر الذنوب لا يمكن إقراره أبدا, وأما قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ 22 فبعض الناس يقول هذه الآية عامَّة فإننا نقول إذا عممت الاستمتاع بالنسبة للأزواج فعمم الاستمتاع بالنسبة لما ملكت اليمين لأن الله -عز وجل- قال: ﴿ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ 23 وقلنا هل يجوز للرجل أن يجامع بعيره لأنها مما ملكت يمينه؟ فالمطلق يُحمل على المعروف المعهود, فيكون قوله إلا على أزواجهم أي فيما أبيح لهم من الاستمتاع بهن لا مطلقا, كما أنك لا تقول بالتعميم في قوله تعالى: أو ما ملكت أيمانهم مع أن الآية واحدة فالوطأ في الدبر محرم. ومن سولت له نفسه ففعل فلا كفارة عليه ولكنه آثم, فإن قال قائل أليس تقول أنه يُقاس على الوطأ في الحيض؟ فالجواب: بلى, لكن لا يلزم من التساوي في الحكم التساوي في الكفارة, فالكفارة حكم جديد مستقل ولا يمكن أن نقيس, ولهذا نص أصحاب الأصول أنه لا قياس في الكفارات.
قال المصنف رحمه الله: وله إجبارها على غسل حيض. مثلا إمرأة طهرت من الحيض بعد طلوع الشمس وقالت لزوجها أنها لن تغتسل إلا عند الظهر وزوجها ينتظر بفارغ الصبر أن تطهر وتغتسل ليستمتع بها, وقالت لا يجب علي الغسل إلا إذا أردت القيام للصلاة لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ ﴾24ما شاء الله فقيهة, فتقول على هذا لا أغتسل إلا إذا زالت الشمس. فهنا يجبرها على الغسل, فإذا أجبرها واغتسلت إجبارا وهي غير مريدة فهل يرتفع حدثها مع أنها لم تنوي؟ الجواب: لا, لا يرتفع حدثها بالنسبة لها, فإذا جاء وقت الصلاة وجب عليها الغسل. لكن بالنسبة للزوج ليس له إلا الظاهر فإنه يرتفع. على أن ابن حزم رحمه الله شذَّ في هذه المسألة وقال: إن معنى قوله ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾ 25 أي غسلن فروجهن وليس المعنى اغتسلن لكن قوله هذا ضعيف بلا شك لأن الله تعالى قال ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾ والتطهر: الاغتسال لقوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ﴾ 26
وله إجبارها على غسل حيض ونجاسة. ونجاسة: هذه الكلمة ليست معطوفة على حيض بل تحتاج إلى تقدير, وهو وغَسل نجاسة وله إجبارها على غُسل حيض وغَسل نجاسة, لأن النجاسة ليس لها غُسل بل غَسل. فإن قلت أقدِّر الأولى على غَسل حيض قلنا لا يستقيم, لأنها لو غسلت الحيض لم يجز أن يجامعها حتى تغتسل. وعلى هذا فلابد من تقديم, فيكون استقامة العبارة هكذا: فله إجبارها على غُسل حيض وغَسل نجاسة. فإن رأى في قدمها قذرا فقال لها اغسليه فقالت لا أغسله فله أن يجبرها على غَسل النجاسة لأن النفس تعاف النجاسة لا سيما إذا كان لها (...) أو كان لها لون, فالإنسان ربما لو يرى على وجه واحد من الناس نقطة حمراء من صبغ ربما يتقزز ويضنها دما. وظاهر كلام المصنف سواء كانت على بدنها أم كانت على ثيابها. وهذا الذي ذكره المصنف يرى الشيخ الشارح أن فيه نظرا, قال فإنه لا يجبرها على غَسل النجاسة إلا في حالين:
الأولى إذا كانت تُفوِّت -أي تلك النجاسة- تفوِّت عليه كمال الاستمتاع.
والثانية إذا كان وقت صلاة لأجل أن تصلي طاهرة. ففي هذين الحالين له أن يجبرها على غَسل النجاسة. أما فيما عدى ذلك فليس له أن يجبرها عليه لأنه لا يفوت بذلك لا حق الله ولا حق الزوج, مثل لو أصابها في ثوبها شيء من البول وهذا ليس وقت صلاة والبول نجسة وليس له لون ولا شيء فإنه ليس له الإجبار. نعم يشير عليها أن تغسله لأن الأفضل أن يبادر الإنسان بغسل النجاسة.
وله إجبارها على أخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره. فيجبرها على أخذ ما تعافه النفس من شعر, مثل لو نبت لها شارب وهذا قد يحصل, بعض النساء ينبت لهن شارب وبعضهن شارب ولحية. فلو حصل هذا الأمر, فله أن يجبرها على أن تأخذه. فإذا قالت ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أعفوا اللحى وأحفوا الشوارب" يقول هذا خاص بالرجال أما النساء فيعتبر هذا عيبا فيهن لهذا جاز إزالته وإذا طلب الزوج ذلك وجبت إزالته ¨(...)
...أو أن تكون معطوفة على يلزمه وينفرد إن أراد في الباقي, إن أراد في الباقي أي وله أن ينفرد إن أراد في الباقي وهو ثلاث ليال, ولكن لو أن المرأة أبت أن يبيت عندها ليلة من أربع فلا تملك هذا, مع أنه يمكن أن يكون معها ثلاث زوجات وتقول أنا أقدر أن معك ثلاث زوجات ولا يجب علي إلا ليلة واحدة من أربع. فكما أن هذا ليس بصواب فكذلك عكسه.
قال المصنف رحمه الله: ويلزمه الوطأ إن قدر كل ثلث سنة مرة. أي إن الجماع لا يلزمه بالسنة إلا ثلاث مرات كل ثلث سنة مرة فقط وإذا قدر عليه أيضا ولو كانت المرأة من أشب النساء وهو شاب. وقوله: إن قدر, مفهومه: إن عجز فلا يلزمه, لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا إثم عليه في ذلك. ولكن يبقى النظر أنه إن كان عاجزا عن الوطأ فهناك صاحب حق وهو الزوجة, فماذا نصنع؟ تقدم أنه إذا كان عنِّينا فإنه يُؤجل سنة ويُفسخ النكاح و إذا كان عجزه لمرض فالمذهب أنه لا فسخ لها كما مر, واختار شيخ الإسلام رحمه الله أن لها أن تفسخ بعجزه عن الوطأ, وقال: إن عجزه عن الوطأ أولى بالفسخ من عجزه عن النفقة. والصحيح ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله, لأن كثيرا من النساء تريد العشرة مع الزوج وتريد الأولاد أكثر مما تريد من المال, ولا يهمها المال عند هذه الأمور. فكوننا نقول إذا عجز عن النفقة فإن لها الفسخ وإذا عجز عن الوطأ فليس لها الفسخ إلا إذا ثبتت عُنَّته فهذا كله فيه نظر. والصواب ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله أنه إذا عجز عن الوطأ لمرض وطلبت الفسخ فإنها تفسخ, إلا إذا كان هذا المرض مما يُعلم أو يغلب على الظن أنه مرض يزول بالمعالجة أو باختلاف الحال فليس لها فسخ لأنه ينتظر زواله.
وقوله: كل ثلث سنة مرة. الدليل أن الله تعالى قال: ﴿ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾27 وضرب الله له أربعة أشهر, والإيلاء لا يُسقط واجبا ولا يُوجب ما ليس بواجب, فلو كان يلزمه أن يطأ لأقل من أربعة أشهر لوجب عليه وكانت مدة الإيلاء أقل من أربعة أشهر, ولو كان أيضا لا يجب عليه كل أربعة أشهر مرة ما لزمه بالإيلاء. فالإيلاء لا يُوجب واجبا ولا يُسقط واجبا. فلما ضرب الله له أربعة أشهر عُلم أن الواجب أن يجامعها في كل أربعة أشهر مرة. هذا هو الدليل الذي صار إليه من صار كما في هذا المتن في قوله: ويلزمه الوطأ إن قدر كل ثلث سنة مرة. فحينئذ لا يطأها إلا ثلاث مرات في العام. وعليه فلو أنك نظرت في هذا التعليل لقلت كما قال الشيخ الشارح رحمه الله: هذا التعليل عليل. لأن الإيلاء حال طارئة, والرجل أقسم أن لا يجامع زوجته, هذا هو الإيلاء: أن يحلف وأن يقسم أن لا يجامع امرأته, فما دام الرجل حلف نقول: نظرا لحالك ويمينك وقسمك نؤجلك هذه المدة, إن جامعت ورجعت إلى زوجتك فذاك وإن لم تجامع فُسخ النكاح. وأما من لم تطرأ عليه هذه الحال ولم يوجد سبب لتأجيله, فإن الواجب أن يعاشرها بالمعروف, قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾28 وليس من المعروف أبدا أن الإنسان الشاب يتزوج المرأة الشابة ثم يطأها في كل أربعة أشهر مرة واحدة. والصواب أنه يجب أن يطأها بالمعروف. ويُفرق بين الشابة والعجوز فتوطأ كل واحدة منهما بما يشبع رغبتها.
قال المصنف رحمه الله: وإن سافر فوق نصفها وطلبت قدومه وقدر لزمه. إن سافر عن زوجته فوق نصف السنة وطلبت قدومه وقدر لزمه الرجوع ولزمه الحضور إلى زوجته. وزاد في الروض المربع: في غير حج أو غزو واجبين أو طلب رزق يحتاجه. فهذه أربعة شروط:
الأول: أن يزيد السفر عن نصف سنة فإن كان نصف سنة فأقل فليس لها حق المطالبة, فلو سافر لمدة أربعة شهور أو خمسة شهور فليس لها حق المطالبة, مع أنه تقدم أن المولي من الإيلاء يُضرب له أربعة أشهر, وهذا الذي سافر بدون حاجة هو في الحقيقة أشد من المولي, لأن المولي عندها ويؤنسها وتستأنس به وأما هذا فقد سافر وتركها وحدها في البلد مثلا أو عند أهلها, ويقولون يقيد بنصف سنة يتعجب الشارح رحمه الله.
الثاني: أن تطلب قدومه, فإن لم تطلب قدومه فما يلزمه, حتى لو بقي سنتين أو ثلاثا أو أربعة. لكنه يشترط أن يكون آمنا عليها فلو كان لا يأمن على زوجته من الفتنة بها أو منها فإنه لا يجوز أن يسافر أصلا.
الثالث: أن يقدر, فإن عجز فلا يلزمه, مثل أن لا يجد راحلة توصله إلى زوجته أو انقطعت الأسفار أو حصل خوف أو ما أشبه ذلك.
الرابع من الشروط: ما ذكره في الروض: أن لا يكون لطلب رزق يحتاجه أو في أمر واجب كغزو أو حج. هل الحج يستغرق نصف سنة؟ نعم, في الزمن السابق يستغرق نصف سنة وأكثر أما الآن فلا يستغرق. فإذا تمت هذه الشروط فإنه يلزمه الحضور. فإن كان في معيشة يحتاجها وقال لا أستطيع أن آتي أنا آجرت نفسي على هذا الرجل لمدة ثمانية شهور وأنا مضطر إلى هذا فإنه لا يلزمه الحضور وليس لها حق الفسخ. هذه المسألة التي يتناولها الشيخ الإمام المصنف والعلامة الشارح وهي مبثوثة في تضاعيف كتب الفقه لضبط العلاقة بين الزوج وزوجته. فهذه المسائل فيها دلالة على أنه لا تستقيم الحياة إلا بشريعة الله تبارك وتعالى, وهي تضبط أمثال هذه العلاقات. وليس هاهنا نوع من أنواع التوقي الذي يسميه كثير من الناس بالحياء, وهو ليس بالحياء. وإنما في أخص الخصائص تجد للشريعة المطهرة قولا وحكما في أدق الأمور وفي أخص الخصائص لأنه دين الله يحكم في خلق الله من أجل أن تستقيم الحياة. فلها وهي تحتاج معاشرة زوجها أن تطلب قدومه, وإن سافر فوق نصف العام وطلبت قدومه وقدر أي على الحضور لزمه.
وإن أبى أحدهما, -وإن أبى أحدهما- الضمير مثنى. وهل الذي سبق اثنان؟ نعم: الوطأ كل ثلث السنة, والحضور من السفر. فإن أبى أحدهما مع قدرته عليه فرق بينهما بطلبها.
فرق بينهما: مبني للمجهول, لأن الذي يفرق بينهما الحاكم أي القاضي, وإذا غاب أكثر من نصف سنة مثلا وهو في غير حج أو غزو واجب أو معيشة يحتاجها وطلبت أن يرجع فأبى مع قدرته فإنه بمجرد ما تتم نصف السنة تذهب هي إلى القاضي وتقول أريد أن أفسخ النكاح. وظاهر كلام المصنف رحمه الله أن الحاكم أي القاضي لا يحتاج إلى أن يراجع الزوج أو يراسله بل يفسخ وإن لم يراسله. وقال بعض أهل العلم إنه لا يجوز أن يفسخ حتى يراسل الزوج, فيكتب إليه مثلا المهم أن يتصل به ويقول إنه لابد أن تحضر وإلا فسخنا النكاح. وهذا القول أصح لأن الزوج ربما لا يبين العذر لزوجته فإذا راسله القاضي وعرف أن المسألة وصلت إلى حد يوجب الفراق فربما يبين العذر, ثم هذا لا يضرها فقد صبرت نصف سنة فلتصبر بمقدار ما تُيسر المراجعة من القاضي لزوجها لكي يدلي بحجته وعذره.
قال المصنف رحمه الله: وتسن التسمية عند الوطأ وقول الوارد. أي إذا أراد أن يجامع الرجل امرأته فإن التسمية سنة مؤكدة عند الجماع لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:" لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا, فإنه إن قُدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا", أخرجه الشيخان من رواية ابن عباس -رضي الله عنهما- هل تقول المرأة هذا الذكر أيضا؟ قال بعض العلماء إن المرأة تقوله, والصواب أنها لا تقوله لأنه صلى الله عليه وسلم قال:" لو أن أحدكم إذا أتى أهله أو أراد أن يأتي أهله" ولأن الولد إنما يخلق من ماء الرجل كما قال تعالى: ﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ﴾29 قال الشيخ رحمه الله: فالحيوانات المنوية إنما تكون من ماء الرجل ولهذا فالذي يقوله الشيخ: إذا أراد أهله أي إذا أراد الرجل أهله أن يقول بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا. والحق أن تعليل الشيخ رحمه الله فيه نظر لأنه إنما جعل هذا الذِكر للرجل وحده لأن الولد إنما يخلق كما قال من ماء الرجل. وهذا ليس بصواب بل يخلق الولد من ماء الرجل وكذلك من البويضة في المرأة فالاقتصار على هذا بالنسبة للرجل فيه خطأ علمي فاحش, لأن الله تبارك وتعالى عندما قال: ﴿ خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ﴾30 وقالوا أيضا أنه في تخلُّق الجنين في الرحم فإن المبيضين بالنسبة للمرأة يكونان مع الترائب في موضع واحد ثم يقع الانفصال بعد. وللمرأة ماء كما للرجل سواء بسواء, سواء كان ذلك عند نزول البويضة في القُمع يتلقفها أم ما يكون عند الجماع وحصول اللذة. فالاقتصار على هذا وهو أن الولد إنما يخلق من ماء الرجل مع الاستدلال بالآيات, هذا الاستدلال في غير موضعه ويخلق الولد من ماء الرجل و المرأة على حد سواء.
قال المصنف رحمه الله تعالى: وقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إنه إن قُدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا". لا يُشكل على هذا, فإنه ربما يكون هذا الرجل ملتزما بالتسمية عند كل جماع, قوله صلى الله عليه وسلم:" فإنه إن قُدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا" لا يُشكل عليه أنه ربما يكون هذا الرجل ملتزما بالتسمية عند كل جماع ويأتيه أولاد يضرهم الشيطان. فاختلف أهل العلم في ذلك وقال بعضهم لم يضره ضررا بدنيا. وذلك أن الشيطان إذا وُلد الإنسان فإنه يطعن بيده في خاصرته فيصرخ الطفل إذا وُلد. وأحيانا يُرى أثر الضرب أزرق في الخاصرة, وذلك من أجل أن يهلكه. فيقولون لا يضره أي بطعنه إياه في الخاصرة, لا أنه لا يضره ضررا دينيا. وقال بعض العلماء بل الحديث عام: "لم يضره الشيطان أبدا" والتأبيد يدل على أن ذلك مستمر. ولكن الجواب عن الصورة التي ذكرنا أن يُقال: إن هذا سبب, والأسباب قد تتخلف بوجود موانع, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" كما في الصحيحين من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- وإلا فكلام الرسول صلى الله عليه وسلم حق وصدق. ولكن هذا سبب من الأسباب قد يوجد موانع وهذا جواب متين. قال فإذا قال لنا قائل: إذا كان هذا سببا وقد يوجد موانع إذا ما الفائدة؟! نقول: هذا غلط, ليس بصحيح, الفائدة أنك فعلت السبب, والموانع عارضة والأصل عدم وجودها. فعليك أن تفعل السبب موقنا بأنه سينفع ثم الأمر بيد الله -عز وجل-. وكل إنسان يريد أن يفعل شيئا له أسباب لا يقول أخشى من الموانع بل يفعل الأسباب والموانع عارضة.
وينبغي للزوج قبل الجماع أن يفعل مع امرأته ما يثير شهوتها حتى يستوي الرجل والمرأة في الشهوة. لأن ذلك أشد تلذذا وأنفع للطرفين. فيفعل معها ما يثير الشهوة من تقبيل ولمس وغير ذلك. ثم إذا أراد أن يجامع قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا أي من الولد, لأن الولد رزق من الله تعالى وفضل كما قال تعالى: ﴿ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ ﴾31 فإن لم يسمي فإن الشيطان ربما يضر ولده وربما يشارك الإنسان في التمتع بالزوجة قال الله تعالى للشيطان: ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ ﴾ 32 قال بعض العلماء: أي المشاركة في الأولاد, أن الرجل إذا لم يسمي عند الجماع فقد يشاركه الشيطان في التمتع بزوجته. فإن قال قائل: أرأيتم لو أتى أهله وهو عار أيقول هذا الذكر أيضا؟ والجواب: نعم, يقوله لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق, ولأنه لا حرج أن يأتي الرجل أهله عاريا وهي عارية أيضا, لكن السنة أن يلتحفا بلحاف واحد حتى لا تبرز سوآتهما ويكونا شبيهين بالحمارين.

1 [النساء: 23]

2 [النساء: 24]

3 [البقرة: 228]

4 [يوسف: 25]

5 [النساء: 19]

6 [البقرة: 228]

7 [النساء: 19]

8 [المائدة: 6]

9 [النساء: 19]

10 [النساء: 19]

11 [النساء: 34]

12 [النساء: 19]

13 [النساء: 19]

14 [البقرة: 231]

15 [النساء: 34]

16 [النساء: 34]

17 [النساء: 34]

18 [النساء: 34]

19 [البقرة: 222]

20 [البقرة: 222]

21 [البقرة: 223]

22 [المؤمنون: 5, 6]

23 [المؤمنون: 5, 6]



24 [المائدة: 6]

25 [البقرة: 222]

26 [المائدة: 6]

¨ من هنا الصوت غير واضح لمدة خمس عشر دقيقة تقريبا



27 [البقرة: 226, 227]

28 [النساء: 19]

29 [الطارق:5, 6, 7, 8]

30 [الطارق: 6, 7]

31 [البقرة: 187]

32 [الإسراء: 64]




لتحميل المادة من هنا (http://www.archive.org/download/ichret_enissa_01/ichret_enissa_01.pdf)

أم إبراهيم
30-Nov-2012, 03:47 PM
بارك الله فيك

ام حارث الليبية السلفية
14-Dec-2012, 10:37 PM
بارك الله فيك

أم ريان السلفية
30-Aug-2014, 10:43 AM
بارك الله فيك