تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الفكر الحركي للمدرسة السَّلفية بالإسكندرية بقلم : الشَّيخ محمود لطفي عامر المصري



أبو الوليد خالد الصبحي
31-Jul-2010, 04:52 PM
الفكر الحركي للمدرسة السَّلفية بالإسكندرية (أ)
بقلم:
فضيلة الشَّيخ
محمود لطفي عامر المصري
- حفظه الله ورعاه -



وتحت عنوان : " العمل الجماعي بين الإفراط والتفريط " ذكرت مجلة صوت الدعوة العدد الرابع (1412هـ ) والتي تصدر عن دار الهدي السلفية لسان حال المدرسة السَّلفية بالإسكندرية في ذلك الوقت حيث إن الكُتاب والمحررين الرئيسيين لهذا الإصدار هم قادة ودعاة المدرسة السَّلفية بالإسكندرية ومنهم :
- محمد إسماعيل
- وياسر برهامي
- ومحمد عبد الفتاح
- وأحمد فريد
- وسعيد عبد العظيم
ومن عجب هذا الإصدار المذكور أن موضوع العدد الذي كان تحت عنوان:
" العمل الجماعي بين الإفراط والتفريط " خلا من اسم كاتبه أو أسماء كاتبيه ، رغم ذكر أصحاب المقالات الأخرى وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على شيء من الغموض والسرية والتي هي سمة أساسية لمنهج الجماعات والتنظيمات الحزبية السرية ، حيث جاء في هذا البحث المذكور ما يلي :
فالجماعات الإسلامية المعاصرة ينبغي أن يعلن أنها مرحلة متوسطة تهدف إلى إقامة جماعة المسلمين عن طريق القيام بما تقدر عليه من فروض الكفاية من الدعوة والحسبة، والتعليم والإفتاء، ونظام المال من جمع زكاة وتفريقها ورعاية اليتامى والمساكين ، وإقامة الجمع ، والأعياد ، والجهاد في سبيل الله كما في أفغانستان ، وأولى الناس بالوصول إلى الغاية هم السائرون على منهج أهل السنة والجماعة ، لأن من سواهم قد فارق الجماعة بمعناها العلمي إ.هـ
قلت – أي محمود لطفي عامر:
ولمحمد إسماعيل المقدم محاضرتان إحداهما تحت عنوان : "كيف الأمر إذا لم تكن جماعة " والأخرى تحت عنوان : " العمل السياسي في المفهوم الإسلامي " والمستمع لتلك المحاضرتين مع ما سبق نقله من بحث العمل الجماعي للمدرسة السَّلفية بالإسكندرية يتبين لنا أن القوم يعتقدون أن لا جماعة في مصر ولا إمامة ولا سمع ولا طاعة ولا بيعة للحاكم الممكن المتغلب في مصر ألا وهو الرئيس محمد حسني مبارك – حفظه الله – والدليل واضح حيث إنهم اعتبروا الجماعات الإسلامية المعاصرة على اختلاف مشاربها تمثل مرحلة متوسطة لإقامة الجماعة الأم أي إقامة الدولة ، فإذا كان هذا حالهم فماذا عن موقفهم من الدولة القائمة؟
إذن فنحن في انتظار تجمع قادم ليقيم الدولة بدلاً من الدولة القائمة أي أن الصراع قادم والصدام آت ما لم نفند هذا الفكر ونوقف مداده بالأدلة الشرعية والمفاهيم السَّلفية.
ومن خلال رصد مناقشات أتباعهم وتحزبهم وغلهم الظاهر في عيونهم تجاه مخالفيهم إضافة إلى حديثهم الفضفاض وترويجهم لفتوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في شأن القوانين الوضعية نخلص أو على الأقل أخلص أنا شخصيا أنهم يكفرون الحاكم الحالي وإن لم يصرحوا تصريحاً مباشراً ، ولو كان الأمر على غير هذا الاستنتاج فليعلنوا لنا موقفهم كما سبق من وجود بيعة في أعناقهم لإمام مصر وأميرها الحالي الرئيس مبارك وهل له سمع وطاعة وولاية في المعروف أم لا؟
وهي من المسائل الأصولية التي تميز بها السلفيون الحقيقيون عن غيرهم من أهل البدع والأهواء ، وبالعودة إلى كتاب محمد إسماعيل الشهير" عودة الحجاب "
نلاحظ نعته لحكام مصر السابقين بنعوت كفرية حيث ذكر في ص(209):
" حتى لقد افتخر فرعون مصر الملقب بأنوار اليهود " إ.هـ
فها هو شيخ السلفيين يطلق على الرئيس السادات رحمه الله لقب فرعون والمعروف أن فرعون هو الذي قال عن نفسه : ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعلَى ﴾ [ النازعات:24] ، وكفر فرعون من المعلوم من الدين بالضرورة فهل وصل جور الرئيس السادات إلى جور فرعون ، رجل يشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقود حرباً ضد اليهود في رمضان وينصره الله عزوجل ويتخذ من "كلمة بدر " كلمة سر لبداية المعركة تيمنا ببدر الأولى، وينص في عهده ولأول مرة على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ، وكل ذلك هين عند محمد إسماعيل حتى يصف الرجل بعد وفاته بما وصف ، وليت محمد إسماعيل على شجاعة المسلم المنضبطة ، وإنما كتب ما كتب بعد وفاة الرجل ورحيله، ويفهم من هذه النعوت الموجهة إلى الرئيس السادات رحمه الله ، أن لو دعي خالد الإسلامبولي وربعه محمد إسماعيل للمشاركة في الاغتيال الذي تم سنة (1981م) للبى محمد إسماعيل وفق معتقده في رئيس الدولة ، ويستمر محمد إسماعيل في أوصافه الكفرية للرئيس السادات فيقول عنه في ص(226): "صديق إسرائيل" ، و"خادم أمريكا" و"حليف الشيطان "
الذي تهكم بالحجاب علنًا ووصفه بأنَّه: "خيمة "
قلت – أي محمود لطفي عامر:
هل قال السادات كفراً حينما نعت النقاب بأنَّه خيمة؟ فإن كان كفراً عند محمد إسماعيل المزعوم بشيخ السَّلفية الأسكندرية فما قوله في الشَّيخ محمد الغزالي –رحمه الله – الذي وصف النقاب بأنَّه :" سمت عفريت " فهل يقول ابن المقدم في الشَّيخ الغزالي ما قاله في السادات ؟!! (1)
ويقول ابن المقدم في نفس المرجع ( ص218) في شأن عبد الناصر: " أنَّه وضع الميثاق ليصد به النَّاس عن القرآن ويصفه بأوصاف كفرية كما في (ص219 ،220) حيث وصفه بالطاغوت والطاغية "
قلت – أي محمود لطفي عامر:
ومن المعلوم أن أول إذاعة للقرآن الكريم في العالم إنما أنشئت في عهد عبد الناصر فكيف نزعم أنه فعل ما فعل ليصد النَّاس عن القرآن ؟،كما أن ألفاظ الطاغوت والطاغية إنما تطلق على الأصنام والآلهة الباطلة فهل كان عبد الناصر كذلك ؟
وليس هذا دفاع عن أخطاء عبد الناصر أو أخطاء السادات ، وإنما دفاع عن منهج وأصول شرعية يجب الالتزام بها .
وإذا كان ابن المقدم يتعامل مع عبد الناصر والسادات بما ذكر فكيف بالتعامل مع الحاكم الحالي؟! إنني أطالب محمد إسماعيل بإعلان توبة عما وقع فيه من أخطاء منهجية إلا فسوف أصنف الرجل وفق منهجيته التي دونها في كتبه وشرائطه أنَّه على درب الخوارج يسير شاء أم أبى .
فمما سبق تبين لي أن القوم بمنهجهم المذكور وإن حسنوه ببعض المظاهر السَّلفية سيعيدوننا مرة أخرى إلى نقطة الصدام والتغيير المسلح ولو بعد حين حيث إن الأمر عندهم لا جماعة ولا إمام ولا بيعة لحاكم إذا فنحن نعيش في مصر وفي كل البلاد المشابهة حالة فوضى ، وهذا ليس مجرد استنباط وإنما بصريح العبارات التي نقلتها عن القوم ، إضافة إلى أن دعوى الخلافة وإقامتها ليس لها أي دليل شرعي يوجب الدعوة إليها حيث أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الخلافة ستكون ثلاثون عاماً ثم تصير ملكاً عضوضاً، ولقد تعامل الأئمة قديماً مع الولاة والأمراء تبعاً لكل بقعة على حدة ، ولم ينزعوا يداً من طاعة ، فليس شرطاً أن تجتمع الأمة على إمام واحدة هو الخليفة كما هو قائم الآن ولقد حدث التعدد في الولايات في القرون الثلاثة الأولى وما أنكر إمام هذا التعدد، وها هي كتب الأئمة في العقائد والفقه إضافة لشروح دواوين السُّنَّة، فأين حديثهم عن إقامة الخلافة المفقودة ، والتي انقضت بمرور الفترة الزمنية التي حددها الرسول صلى الله عليه وسلم ؟!
إنما حديث الأئمة حول وجوب تنصيب إمام على البقعة المتاحة وليس على كل البقاع الإسلامية ، فما هي أدلة هؤلاء القوم على صحة دعواهم ومن سلفهم فيما يهرفون وفيما يدَّعون ؟
وكيف تستقيم سلفيتهم وقد أرجعونا إلى ترهات الإخوان المسلمين وجماعات الخروج حيث لا فرق بينهم جميعاً في تحديد الغاية وأهدافها ؟
فالقوم أي - الثالوث المذكور وأتباعهم- صورة معدلة بفكر الإخوان المسلمين عموماً وفكر سيد قطب خصوصاً وليسوا على المنهج السلفي ، لذا فمن الظلم للسَّلفية ولدعاتها أن ينسب هؤلاء النفر للسَّلفية وعلى الشباب المغرر به والمحب للسَّلفية الحقة كطريق وحيد للنجاة أن يكافحهم معنا وجوباً على قدر الاستطاعة ، لأن استمرار دعوة هؤلاء إنما استمرار لدعوات حزبية خارجية تكفيرية، ولعل السبب الرئيسي في جموح هذا الثالوث وغيرهم إلى ما ذهبوا
إليه إنما هو الغلو في قضية الحاكمية والذي أقضى بهم إلى حيث انتهوا لعدم وجود الجماعة والإمام ، ولحسم هذه القضية أرى من المناسب ذكر كلام السلف في تفسير قاموس الخوارج عبر الأزمان أي تفسير آية المائدة :
﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَل اللهُ فَأُولَئِك هُمُ الكَافِرُونَ ﴾ [ المائدة:44]
والآية: ﴿ إِنِ الحُكمُ إلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعبُدُوا إلاَّ إيَّاه ذَلِكَ الدّينُ القَيّمُ وَلكنَّ أكثَرَ الناَّس لاَ يَعْلمُونَ﴾ [ يوسف:40]
- الحكم بغير ما أنزل الله :
وقد تخدعكَ أخي القاريء هذه الجماعات المتحزبة بان الحاكم الحالي ليس له ولاية ولا سمع ولا طاعة ، لأنه لا يحكم بالشريعة وذلك كفر ، والكافر لا يولى أمر المسلمين ودليل الكفر عندهم ما فهموه خطأ من قوله تعالى : ﴿ إنَّا أنزَلْنَا التَّوراةَ فِيهَا هُدَى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذينَ هَادُوا وَالرَّبانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُوا بآياتي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَل اللهُ فَأُولَئِك هُمُ الكَافِرُونَ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ وَالأَنفِ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ والسّنَّ بِالسّنِ وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَل اللهُ فَأُولَئِك هُمُ الظَّالِـمُونَ ﴾
[ المائدة:44-45]
وقال تعالَى : ﴿ وَليَحْكُمْ أَهْلُ الإنجِيل بِمَآ أنزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَل اللهُ فَأُولَئِك هُمُ الفَاسِقُونَ ﴾[ المائدة:47]
والرد على ذلك على النحو التالي :
أولاً: أن كل المسلمين يؤمنون بوجوب التحاكم إلى شرع الله ، وان عدم التحاكم إلى شرع الله منقصةٌ وكبيرة من الكبائر ، وهذا شيء لا خلاف فيه، أما تكفير المعين في عدم التحاكم لشرع فهذه مسألة أخرى ، ومنزلق لأهل الأهواء والبدع وعلى رأسهم الخوارج .
ثانياً: لنعد لتفسير الآيات المذكورة في أمهات كتب التفسير ولتُعلَم حقيقة الأمر:
أ/ تفسير ابن جرير، ط- دار الفكر (ج6-ص349) وما بعدها:
يقول ابن جرير في تفسير هذه الآية:
" أولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال : نزلت هذه الآيات في كفار أهل الكتاب ، لأن ما قبلها وما بعدها ففيهم نزلت وهم المعنيون بها ، وهذه الآيات سياق الخبر عنهم فكونُها خبراً عنهم أولى، فإن قال القائل : فإن الله تعالى ذكره قد عم بالخبر بذلك عن جميع من لَم يَحكم بمَا أنزل الله فكيف جعلته خاصاً ؟
قيل: إن الله تعالى عم الخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين ، فأخبر عنهم أنَّهم بتركهم الحكم على سبيل ما تركوه كافرون ، وكذلك القول في كل من لَم يحكم بمَا أنزل الله جاحداً به هو بالله كافر ، كما قال ابن عباس ، لأنه بجحوده حكم الله بعد علمه أنه أنزله في كتابه نظير جحوده نبوة نبيه بعد علمه أن نبي إ.هـ "
قلت : تأمل أخي القاريء ما في كلام شيخ المفسرين ابن جرير الطبري فما رجحه في قضية الحكم بغير ما أنزل الله فمَن من حكامنا أعلن جحوده لحكم من أحكام الله بعد علمه ؟
فمن من حكامنا زعم ذلك ؟
غاية الأمر أنَّهم حكموا في بعض الجرائم كثرت أم قلت بخلاف حكم الله
فأين الجحود الذي يكفرون به ؟
والقوم يهللون بكلمة التوحيد " لا إله إلاَّ الله " ويصلون ويعلنون في نظمهم ودساتيرهم أن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام ، وأمر آخر مهم ينبغي أن يُلتفت إليه من سياق تفسير الآيات السابقة في قضية الحكم بغير ما أنزل الله ، أنه لا خلاف بين السلف الصالح أن الآيات نزلت في كفار أهل الكتاب ، فلنفرض مثلاً : أنَّ اليهود حكَّموا التوراة أو النصارى حكَّموا بالإنجيل والتزموا حكم الله في الزاني أو القاتل أو الدِّيات ، فهل يُسلم اليهود والنصارى ؟
الإجابة البديهية أنَّهم لا يسلمون، لأنَّهم في الأصل لَم يقروا بالتَّوحيد، ولا محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة إذن فوصف ﴿ فَأُولَئِك هُمُ الكَافِرُونَ ﴾
ملازم لَهم سواء حكموا بشرع الله أو لَم يَحكموا أما حكامنا فهم في الأصل مقرون بالتوحيد وللرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة، فكيف تَنْزل عليهم الآيات ؟ لابد من التأني فالأمر يَختلف، فكما قلنا غاية أمر حكامنا المسلمين أنَّهم ارتكبوا كبيرة من الكبائر في عدم تحكيمهم شرع الله في بعض المعاملات الجنائية والمدنية أو في غيرها ، ومرتكب الكبيرة عند أهل السنة ليس بكافر ، هذا ما لم يستحلها ، وليس هُناك أي دليل على الاستحلال ، ولم يُقر بكفر مرتكب الكبيرة إلاَّ الخوارج هذا إذا سلمنا بعدم وجود جهل أو تأويل فاسد أو موانع يستحيل معها تطبيق حكم الله ، فما بالنا والواقع المعاصر يفرض أموراً خارجية وداخلية لابد من وضعها في الاعتبار درءاً لأي فتنة أو مفسدة أكبر .
وإذا كان قد نسب لعمر رضي الله عنه أن امتنع عن تطبيق حد السرقة عام الرماد لوجود مانع من التطبيق ألا وهو عموم المجاعة والفقر ، فما الذي يمنع أن نؤوّل موقف حكامنا من عدم تطبيق بعض نصوص الشريعة لوجود موانع لديهم في التطبيق بدلاً من الشطط والجنوح للتكفير ، وبالتالي الخروج على الحكام أو إسقاط ولايتهم ثم الفتنة والهرج والقتل .
ولنا في الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة في موقفه مع الخليفة، حينما اعتقد عقيدة الكفر في أمر القرآن ، ودعا النَّاس إلى هذه العقيدة بل أوقع العقوبة على الإمام أحمد وغيره ممن ردّوا هذه العقيدة ومع ذلك فلم يؤثر عن الإمام أحمد أنه كَفَّر الخليفة أو أسقط ولايته أو سعى إلى تخريب النَّاس ضده أو الخروج عليه ، وإنَّما عذره بالتأويل أو الجهل والتزم إمامته في غير معصية .
لذا كان أولى بالجماعات الإسلامية المتحزبة ضد حكامها أن ينشغلوا بتهيئة النَّاس للدين، وإخراجهم من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة ، والدعاء للحكام أن يوفقهم الله في إصلاح العباد والبلاد، بدلاً من توسيع الشقاق والنِّزاع .
كما يلاحظ أن الكفر المخرج من الملة والذي به يسقط ولاية الحاكم هو البواح والذي ليس فيه خلاف، فمَنْ مِنَ الراسخين في العلم أعلن ارتداد حاكم من حكام المسلمين ووافقه غيره من العلماء ؟
وَمَنْ منهم أوجب الخروج على واحد منهم بعينه ؟
والإجابة لا يوجد إلا فتاوى أنصاف العلماء من سفهاء الأحلام وأحداث الأسنان كما أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما أن هذه الآية: ﴿ إنَّا أنزَلْنَا التَّوراةَ فِيهَا هُدَى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذينَ هَادُوا وَالرَّبانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُوا بآياتي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَل اللهُ فَأُولَئِك هُمُ الكَافِرُونَ ﴾ [ المائدة:44 ]
من الآيات المتشابهة هكذا فسر سعيد بن جبير حيث قال : ومِمَّا يتبع الحرورية – الخوارج – من المتشابه قوله تعالى : ﴿ الحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلَمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [ الأنعام :1]
فإذا رأوا الإمام يَحكم بغير الحق قالوا: قد كفر ، ومن كفر عدل ربه ، ومن عدل بربه فقد أشرك فهذه الأمة مشركون، فيخرجون ( الخوارج ) فيقتلونَ ما رأيت، لأنَّهم يتأولون هذه الآية ، راجع الآجري في كتاب الشريعة (ج1، ص144 ط- قرطبة ) .
وقد سُئلَ الإمام أحمد بن حنبل : وما لم يحكم بما أنزل الله ... ما هذا الكفر ؟
قال : " كفر لا يخرج من الملة " مرويات الإمام أحمد في التفسير (2/45)، وينظر مسائل ابن هانئ (2/192)، وصائل أبي داود (209).
وبعد هذا الإسهاب في التحذير من التكفير والخروج، لَم يبق عند هذه الجماعات الحزبية إلا الجهل أو الهوى خاصة في هذه القضية المطروحة، فالأول دواؤه العلم، وها هو علم الأئمة نقلنا بعضه، فماذا هم قائلون ؟
والثاني: أي الهوى، فأصحابه لا يناقشون و ننتظر هداية الله لَهم أو إخْمَاد فتنتهم.
ب/ تفسير القرطبي (ص190،ج6): في قوله تعالى : ﴿ إنَّا أنزَلْنَا التَّوراةَ فِيهَا هُدَى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذينَ هَادُوا وَالرَّبانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُوا بآياتي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَل اللهُ فَأُولَئِك هُمُ الكَافِرُونَ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ وَالأَنفِ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ والسّنَّ بِالسّنِ وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَل اللهُ فَأُولَئِك هُمُ الظَّالِـمُونَ ﴾ [ المائدة:44-45]
وقوله تعالى : ﴿ وَليَحْكُمْ أَهْلُ الإنجِيل بِمَآ أنزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَل اللهُ فَأُولَئِك هُمُ الفَاسِقُونَ ﴾ [ المائدة:47]
يقول: نزلت كلها في الكفار، ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث البراءة وقد تقدم وعلى هذا المعظم، فأما المسلم فلا يكفر وإن ارتكب كبيرة.
وقيل: فيه إضمارًا، أي: ومن لَم يحكم بما أنزل الله ردًّا للقرآن وجحداً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر، قاله ابن عباس، ومُجاهد، والآية عامة على هذا
قال ابن مسعود والحسن: هي عامة في كل من لَم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفار، أي: معتقدًا ذلك ومُستحلاً له، فأمَّا من فعل ذلك وهو معتقد أنَّه مرتكب مُحرمًا فهو من فساق المسلمين، وأمره إلى الله تعالَى ، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ، وقال ابن عباس في رواية : ومن لَم يَحكم بما أنزل الله فقد فعل فعلاً يُضاهي أفعال الكفار.
وقيل: أي: ومن لَم يحكم بجميع ما أنزل الله فهو كافر، فأمَّا من حكم بالتوحيد ولَم يحكم ببعض الشرائع فلا يدخل في الآية والصحيح الأول. إ.هـ
فالمختار من هذه التفاسير عند القرطبي: أن هذه الآيات نزلت في الكفار ، وإنَّما المسلم إن فعله فهو مرتكب لكبيرة وليس كافر .
قال طاووس وغيره – إمام من أئمة التابعين - : ليس بكفر ينقل عن الملة ، ولكنه كفر دون كفر ، وهذا يَختلف إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر ، وإن حكم به هوى ومعصية فهو ذنبٌ تُدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين . إ.هـ راجع تفسير القرطبي (ص 191، ج6)
جـ / تفسير ابن كثير (ج2، ص60):
قال ابن عباس : سبب نزول الآيات أنَّها على طائفتين من اليهود... وروى عن ابن عباس قال: من جَحد ما أنزل الله فقد كفر ومن أقرَّ به فهو ظالِمٌ فاسق.
وجاء عن طاووس قال: سُئل ابن عباس عن قوله تعالى: ﴿ فَأُولَئِك هُمُ الكَافِرُونَ ﴾ قال: هي به كفر، قال طاووس ليس كمن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله.
وجاء عن عطاء: أنه كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق
وجاء عن طاووس : ليس بكفر ينقل عن الملة .
وجاء عن ابن عباس: ليس بالكفر الذي تذهبون إليه إ.هـ من تفسير ابن كثير
د/ تفسير الشوكاني في (ص42،43،45،ج2):
قال الشوكاني في قوله تعالى : ﴿ فَأُولَئِك هُمُ الكَافِرُونَ ﴾لفظ من صيغ العموم فيفيد أن هذا غير مُخصص بطائفة معينة ، بل بكل من ولى الحكم ، وقيل أنه مُختص بأهل الكتاب ، وقيل بالكفار مُطلقاً ، لأن المسلم لا يكفر بارتكاب الكبيرة ، وقيل أنه مَحمول على أن الحكم بغير ما أنزل الله وقع استخفافًا أو استحلالاً أو جحدًا .إ.هـ
ثم ذكر رحمه الله الروايات التي سبق أن ذكرها ابن جرير ، وابن كثير ، والقرطبي .
ويروج خوارج العصر بعض فتاوى عامة لبعض أهل العلم المشهورين مثل فتوى للشَّيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ، أو كلام في تفسير أضواء البيان للشَّيخ الشنقيطي رحمه الله وهذا مثله كلامٌ عام وليس في التكفير المعين إذا سلمنا أن مثل هذه الفتاوى سليمة على وفق ما جاء عن السلف الصالح ، وقد سبق وذكرنا كلامهم في معرض التفسير للآيات محل المناقشة .

هـ / الفتاوى البازية في تَحكيم القوانين الوضعية للشَّيخ عبد العزيز بن باز
- رحمه الله - :


1/ سُئل رحمه الله عن تبديل القوانين، وهل يعتبر كفرًا مُخْرجًا من المِلة؟
فأجابَ الشَّيخ ابن باز عن ذلك بقوله: " إذا استباحها يعتبر كافرًا كفرًا أكبر، أما إذا فعل ذلك لأسباب خاصة من أجل الرشوة، أو من أجل إرضاء أشخاص، ويعلم أنَّها مُحرمة فإنه يكفر كفرًا دون كفر، أما إذا فعلها مستبيحًا يكون كفرًا أكبر، أي إذا استحل الحكم بقانون بغير الشريعة فإنه يكون كافرًا
أمَّا إذا فعلها لأسباب مثل لرشوة أو المعاهدة ، أو من أجل إرضاء بعض النَّاس وما شابه ذلك فإن ذلك يكون كفرًا دون كفر ، وهذا الحكم بشمل جميع الصور ، وسواء التبديل وغير التبديل .
ويَجب على ولى الأمر أن يمنع ذلك وأن يحكم بشرع الله ".
قلت: يلاحظ من كلام الشَّيخ رحمه الله تعليله الكفر بالاستباحة، والاستباحة في الأصل محلها القلب ولابد من تصريح بالاستباحة ليستبين الأمر ، كما يُلاحظ من كلام الشَّيخ في قوله : "ويعلم أنَّها محرمة " أي لابد من قيام الحجة الرسالية قبل التكفير وهذا إذا سلمنا أنه لا يوجد موانع خارجية أو داخلية تحول بين الحاكم وبين التطبيق .
2/ سئل أيضًا رحمه الله ما حكم سن القوانين الوضعية ؟ وهل يَجوز العمل بِهَا ؟ وهل يكفر الحاكم بسنه لِهذه القوانين ؟


الشَّيخ ابن باز : " إذا كان القانون يوافق الشرع فلا بأس، إذا سن قانونًا في شأن الطريق في شأن الشوارع في غير ذلك من الأشياء التي تنفع النَّاس ، وليس فيها مخالفة للشرع ولكن لتنفيد الأمور فلا بأس بها .
أمَّا القوانين التي تُخالف الشرع فلا، إذا سَنْ قانونًا معناه أنه لا حد على الزاني ولا حد على السارق ، ولا حد على شارب الخمر ، فهذا باطلٌ ، وهذه القوانين باطلة ن وإذا استحلها الوالي كفر، إذا قال أنَّها حلال، ولا بأس بها، فهذا يكون كفرًا ، من استحل ما حَرم لله كفر " إ.هـ
قلت: وفي كلام الشَّيخ وضوح بَيِّن في مسألة استحلال، حينما عرفها بأنه:
" يقول أنها حلال ولا بأس به " فمن مِن الحكام قال في المحرمات أنَّها حلال، ومن منهم بدل حكم الله بغيره ونسبه لله كما فعل اليهود، والذين نزل فيهم قوله تعالى: ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَل اللهُ فَأُولَئِك هُمُ الكَافِرُونَ ﴾ [ المائدة:44]
وسُئل أيضًا رحمه الله عن فتوى الشَّيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
الشَّيخ ابن باز : محمد بن إبراهيم ليس بمعصوم فهو عالم من العلماء يُخطىء ويُصيب ، وليس بنبي ولا رسول ، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ، وابن كثير ، وغيرهم من العلماء كلهم يُخطىء ويُصيب ويؤخذ من قولهم ما وافق الحق ، وما خالف الحق يُرد على فاعله "
3/ نشرت جريدة الشرق الأوسط في عددها (61546)، وتاريخ (12/05/1416هـ) والذي طبع في رسالة باسم " فتنة التكفير " لسماحة المفتي السابق للملكة العربية السعودية الشَّيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله مقالة علق فيها على فتوى الشَّيخ الألباني رحمه الله بعدم كفر من حكم بالقوانين الغربية مالم يستحله قال فيها (45-46):
أطلعتُ على الجواب المفيد القيم الذي تفضل به صاحب الفضيلة الشَّيخ ناصر الدين الألباني وفقه الله المنشور في جريدة الشرق الأوسط وصحيفة المسلمون ، الذي أجاب به فضيلته من سأله عن تكفير من حكم بغير ما أنزل الله من غير تفصيل ، فألفيتها كلمة قيمة قد أصاب فيها الحق، وسلك فيها سبيل المؤمنين وأوضح وفقه الله أنه لا يجوز لأحد من النَّاس أن يُكفر من حكم بغير ما أنزل الله بمجرد الفعل من دون أن يعلم أنه استحل ذلك بقلبه، واحتج بما جاء في ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من سلف الأمة .
ولاشك أن ما ذكره في جوابه في تفسير قوله تعالى: ﴿ إنَّا أنزَلْنَا التَّوراةَ فِيهَا هُدَى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذينَ هَادُوا وَالرَّبانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُوا بآياتي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَل اللهُ فَأُولَئِك هُمُ الكَافِرُونَ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ وَالأَنفِ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ والسّنَّ بِالسّنِ وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَل اللهُ فَأُولَئِك هُمُ الظَّالِـمُونَ ﴾ [ المائدة:44-45]
وهو الصواب وقد أوضح وفقه الله أن الكفر كفران أكبر وأصغر ، كما أن الظلم ظلمان، وكذا الفسق أكبر وأصغر ، فمن استحل الحكم بغير ما أنزل الله أو الزنا أو غيرهما من المحرمات على تحريمها فقد كفر كفرًا أكبر ، ومن فعلها بدون استحلال كفره كفرًا أصغر ، وظلمه ظلمًا أصغر ، وهكذا فسقه . إ.هـ
راجع مجموع الفتاوى ومقالات متنوعة (2/326-230)، ومجموع فتاوى سماحة الشَّيخ ابن باز (33/990-991 begin_of_the_skype_highlighting 33/990-991 end_of_the_skype_highlighting، 990-992)
قلت - أي محمود عامر :
أما محاولة البعض للاستدلال على الاستحلال ببعض النصوص أو بعض الأفعال من خلال ما هو قائم في دواوين المحاكم وغيرها إنما تقوَّل بلا روية، لأن الاستحلال أمر قلبي لابد من الإفصاح عنه مع العلم بحقيقة كفر ما استحله المستحل إضافة إلى توافر الشروط وانتفاء الموانع للتكفير وليس ذلك لعموم النَّاس أو لآحاد الدعاة أو جموعهم إنما ذلك للعلماء الراسخين في العلم أصحاب الولايات العلمية ، كما أحب أن أنبه الشباب المغرر به أن النصوص الوضعية المخالفة لصريح النصوص الشرعية لم تكن من فعل الحكام المعاصرين عن علم ودراية وعمد وقصد وإنما ذلك ميراث قانوني توارثوه عبر السنين منذ سنة (1882م) وحتى الآن ، ولتغيير هذه النصوص وحمل المجتمع على النصوص الشرعية فإن ذلك يستلزم من الدعاة أن يهيئوا النَّاس للإسلام بتأصيل أصول الدين وعقائده وبالأحكام التطبيقية ، كما أن حكم الله الذي أنزله لبيان كيفية المناصحة للولاة حينما يأتون المخالفات الشرعية ما يأتون هو فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما يلي :
عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئًا من معصية الله ، فليكره الذي يأتي من معصية الله ، ولا ينزع يدًا من طاعة " رواه مسلم في صحيحه .
عن حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يكون بعدي أئمة لا يهتدون بِهديي ولا يستنون بسنتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبُهم قلوب الشياطين في جثمان إنس " قلت : كيف أصنعُ إن أدركت ذلك ؟ قال :" تسمع وتُطيع للأمير وإن ضربَ ظهرك وأخذ مالك " رواه مسلم في صحيحه
عن عياض بن غنم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ، وليأخذ بيده فإن سَمع منه فذاك وإلاَّ كان أدى الذي عليه " حديث صحيح رواه أحمد ، وابن أبي عاصم ، والحاكم ، والبيهقي ، وصححه الألباني .
فهذه الأحاديث وغيرها كثير بينت الموقف في التعامل مع الحكام الذين وقعوا في مخالفات شرعية صريحة كثيرة أم قليلة، وزعم البعض أن هنالك فرقًا بين الحكم في قضية أو قضيتين وبين كثير من القضايا تعنتًا وتقولاً منهم على السلف بلا دليل وبرهان (2)
كما أحب أن أذكر أن بعض شيوخ المدرسة السَّلفية الإسكندرية أفاضوا بنفس طويل في مسألة الحاكمية وأصبحت الدعوة لديهم مرهونة بهذه المنظومة الخارجية كيف لا وقد اعتبروها ركنًا من أركان التوحيد، كما أفاض محمد حسان في نفس القضية وأعطاها ثمانية وأربعون صفحة من كتابه " حقيقة التوحيد " وفي الوقت نفسه أعطى توحيد الألوهية ثمانية صفحات فأين ذلك التنظير من دعوة الأنبياء .
إنني لا أنفي وجود تقصير كبير في مجال التشريع ولكن لا يلزم من ذلك التكفير وإسقاط الولاية للحكام وينبغي تضافر الجهود لبيان هذا القصور بالحكمة والموعظة الحسنة لولاة الأمور وبالتناصح والدعاء لهم وليس بتشكيل تنطيمات وجماعات تسعي لإسقاط ولايات أو أنظمة بعد ترسيخ وتقعيد للتكفير ، كما لابد من مراعاة الأوضاع الداخلية في بلادنا وكذلك السطوة العالمية للقوي المعادية والتي باتت تشكل ضغطًا واضحًا على المجتمعات والشعوب الإسلامية وإني لأعجب لقوم ادعوا السَّلفية وفي الوقت نفسه يخالفونها ويخالفون أئمتها فها هو الإمام أحمد حينما حمل الحاكم في زمانه العلماء والناس على عقيدة كفر ، وسُجن وضُرب أهل السنَّة ، كما ضُرب الإمام أحمد وقُتل من قُتل بسبب المنافحة عن عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة ، فما كفَّر الإمام أحمد الحاكم ولا أسقط ولايته ولا أقام جماعة أو تنظيمًا لعزله بل حينما دُعي للخروج لمواجهة الفتنة أي فتنة الاعتزال والفساد فكان الرد السَّلفي للعالم السني الإمام أحمد حينما قال : " إن ما تدعوني إليه [أي : الخروج ] تخالفه الآثار فلا تسفكوا دمائكم ودماء المسلمين واصبروا حتى يَستريح بر أو يُستراح من فَاجر ، فقالوا : لقد عمت الفتنة ، فقال رحمه الله : " إنَّما هي فتنة خاصة فأنكروا بقلوبكم ، فإذا سُل السيف [ رفع السلاح ] كانت فتنة عامة " أو كما قال .
-------------------------

(أ): المبحث الخامس من كتاب : "وقفات حاسمة مع : محمد إسماعيل المقدم، محمد حسين يعقوب، محمد حسان " (ط- جمعية أنصار السنة بدمنهور )
(1): غاية الأمر أنه لم يصح عند الغزالي وكذلك السادات مشروعية النقاب فقالا ما قالاه في وصفهما المذكور فيُعذران بالجهل في هذه المسألة ، والعذر بالجهل من عقيدة أهل السنة والجماعة .
(2): راجع كتاب : " الخوارج دعاة على أبواب جهنم " للمؤلف ففيه شفاء لما في الصدور إن شاء الله .


كتبه على الجهاز في مجالس مُتَتَالية وبعدَ مُراجعة آخرها بعدَ الظهر
ليوم:07/10/2009 – 18 شوال 1430هـ.
سفيان ابن عبد الله الجزائري – كان الله له
منْطِقة القَبائِل - حَرسَّهَا الله مِنَ الفِتَن
الجزائر الغراء


<!-- / message -->