المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موقف أهل السنة والجماعة من أهل البدع والأهواء



أبو الوليد خالد الصبحي
08-Jan-2010, 02:58 PM
موقف أهل السنة والجماعة من أهل البدع والأهواء
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد.

فإنمن أعظم الشرور التي انتشرت في الأمة، وتفاقم أمرها، والتبست على كثير منالناس: البدع المضلة، ففيها الاستدراك على الله، وادعاء عدم كمال الدين،فكان]في كل خطبة يحذر منها فيقـول: (( وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)).

وقال[: سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم)). [ مسلم ( 1/12 )]

وقال ]عن المدينة: (( من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين)). [ مسلم: رقم 1366]



فهجر أهل البدع ومنابذتهم من أعظم أصول الدين التي تحفظ على المسلم دينه وتقيه شر مهالك البدع والضلالات. كيف لا، وقد أوضح الله هذا الأصل العظيم حيث قال: ﴿وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعـرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين﴾.

قالابن عون: كان محمد بن سيرين - رحمه الله تعالى–يرى أن أسرع الناس ردة أهل الأهواء، وكان يرى أن هذه الآية أُنزلت فيهم: ﴿وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم﴾. [الإبانة لابن بطة ( 2/431 )]



والآثـار عن السلف في التحذير من البدع وأهلها كثيرة جداً، فسيرتهم مليئة بهجر أهل البدع، وإخزائهم، وإذلالهم.

فهذا ابن عمرtحين سئل عن القدرية قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني. [رواه مسلم ( 8 )]

وقالابن عباس - رضي الله عنهما -: لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب. [الإبانة ( 2/438 )]



وقال الإمام الأوزاعي: اتقوا الله معشر المسلمين، واقبلوا نصح الناصحين، وعظة الواعظين، واعلمواأن هذا العلم دين فانظروا ما تصنعون وعمن تأخذون وبمن تقتدون ومن على دينكم تأمنون؛ فإن أهل البدع كلهم مبطلون أفّاكون آثمون لا يرعوون ولا ينظرون ولا يتقون. إلى أن قال: فكونوا لهمحذرين متهمين رافضين مجانبين، فإن علماءكم الأولين ومن صلح من المتأخرين كذلك كانوا يفعلون ويأمرون. [تاريخ دمشق ( 6/362 )]

وقال الفضيل بن عياض (ت: 187) : إن لله ملائكة يطلبون حلق الذكر، فانظر مع من يكون مجلسك، لا يكون مع صاحب بدعة؛ فإن الله تعالى لا ينظر إليهم،وعلامة النفاق أن يقوم الرجل ويقعد مع صاحب بدعة،وأدركت خيار الناس كلهم أصحاب سنة وهم ينهون عن أصحاب البدعة. [حلية الأولياء ( 8/104 )]

قلت: والفضيل بن عياض - رحمه الله - له كلام كثير نفيس في ذم أهل البدع والتحذير منهم، فمن ذلك:

قوله : لاتجلس مع صاحب بدعة، فإني أخاف أن تنـزل عليك اللعنة.

وقال: من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه.

وقال: آكل مع يهودي ونصراني ولا آكل مع مبتدع وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد. [الإبانة لابن بطة (2/460 )]

قال رجل لأيوب السختياني: يا أبا بكر أسألك عن كلمة. قال: فرأيته يشير بيده ويقول: ولا نصف كلمة ولا نصف كلمة. [الإبانة ( 2/472)]

وعنابن سيرين أنّه كان إذا سمع كلمة من صاحب بدعة وضع إصبعيه في أذنيه ثم قال: لا يحل لي أن أكلمه حتى يقوم من مجلسه.[الإبانة ( 2/473 )]

وقال رجلاً لابن سيرين: إن فلاناً يريد أن يأتيك ولا يتكلم بشيء.

قال: قل لفلان: لا، ما يأتي، فإن قلب ابن آدم ضعيف، وإني أخاف أن أسمع من كلمة فلا يرجع قلبي إلى ما كان.[الإبانة (2/446)]

وقال معمر: كان ابن طاووس جالساً فجاء رجل من المعتزلة فجعل يتكلم، قال فأدخل ابن طاووس إصبعيه في أذنيه، وقال لابنه: أي بني أدخل أصبعيك في أذنيك واشدد، ولا تسمع من كلامه شيئاً. [الإبانة ( 2/446)]

وقاليحيى بن أبي كثير: إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في طريق آخر. [الإبانة ( 2/475 )]

وقالابن المبارك: صاحب البدعة على وجهه الظلمة وإن ادّهن كل يوم ثلاثين مرة. [اللالكائي: 284]



قال: إن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة.[السلسلة الصحيحة: 1620]



وقال الإمام أحمد: قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة، وقبور أهل البدعة من الزهاد حفرة؛ فساق أهل السنة أولياء، وزهاد أهل البدعة أعداء الله. [طبقات الحنابلة (1/184)]

وقال أيضاً: أهل البدع ما ينبغي لأحد أن يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأنس بهم. [الإبانة ( 2/475)]

وجاء الإمامَ أحمد رجلٌ، فقال: أنا من أهل الموصل، والغالب على أهل بلدنا الجهمية، وفيهم أهل سنة نفر يسير يحبونك، وقد وقعت مسألة الكرابيسي. قال الإمام أحمد: "إياك إياك وهذا الكرابيسي، لا تكلمه، ولا تكلم من يكلمه" أربع مرات، أو خمس مرات. [تاريخ بغداد (8/65)]

وقالمفضل بن مهلهل: لوكان صاحب البدعة إذا جلست إليه يحدثك ببدعته حذرته وفررت منه، ولكنه يحدثكبأحاديث السنّة في بدو مجلسه ثم يدخل عليـك بدعته فلعلها تلزم قلبك فمتىتخرج من قلبك.[الإبانة (2/444 )]



قال الإمام إبن بطة العكبري: ومن السنة مجانبة كل من اعتقد شيئاً مما ذكرناه [أي: من البدع]، وهجرانه، والمقت له،وهجران من والاه، ونصره، وذب عنه، وصاحبه، وإن كان الفاعل لذلك يظهر السنّة. [ والإبانة ( ص 282 )]


رحم الله الإمام ابن بطة، فعن علم تكلم، وبحكمة نطق، فبعد أن بين أن هجر أهل الأهواء والبدع ومقتهم من أصول السنة،نبّه على أن من ناصر أهل البدع ووالاهم وذب عنهم، وصاحبهم، وإن كان يظهرالسلفيّة، فإنه يلحق بهم، ويأخذ حكمهم، ويعامل معاملتهم في الهجر وغيره.

وقـد بين ذلك ووضحه عدد من الأئمة، ومستندهم في ذلك ما جاء في حديث عائشةـ رضي الله عنها –قالت: قال رسول)) : الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)). [البخاري ( 3336 )]

قال ابن مسعودt :إنما يماشي الرجل، ويصاحب من يحبه ومن هو مثله. [الإبانة ( 2/476 )]

وقال الأوزاعي : من ستر علينا بدعته لم تَخْفَ علينا أُلفته " [الإبانة ( 2/479]


وعن عقبة بن علقمة قال: " كنتعند أرطاة بن المنذر فقال بعض أهل المجلس: ما تقولون في الرجل يجالس أهلالسنّة ويخالطهم، فإذا ذكر أهل البدع قال: دعونا من ذكرهم لا تذكروهم، قالأرطأة: هو منهم لا يلبّس عليكم أمره، قال: فأنكرت ذلك من قول أرطاة قال: فقدمت على الأوزاعي،وكان كشّافاً لهذه الأشياء إذا بلغته، فقال: صدق أرطأة والقول ما قال؛هذا يَنهى عن ذكرهم، ومتى يحذروا إذا لم يُشد بذكرهم " [تاريخ دمشق ( 8/15 )]

وقال محمد بن عبيد الغلابي:" يتكاتم أهل الأهواء كل شيء إلا التآلف والصحبة" [الإبانة ( 2/479]

وقال أحمد: إذا سلّم الرجل على المبتدع فهو يحبه. [طبقات الحنابلة ( 1/196)]

قال الأعمش: كانوا لا يسألون عن الرجل بعد ثلاث: ممشاه ومدخله وألفه من الناس. [الإبانة (2/476)]



وقدم موسى بن عقبة الصوري بغداد، فذُكِر للإمام أحمد بن حنبل فقال: أنظروا على من ينزل وإلى من يأوي. [الإبانة (2/479)]



وقال أبو داود السجستاني: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهـل البيت مع رجل من أهل البدع، أترك كلامه؟ قال: لا، أو تُعْلِمه أن الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه وإلا فألحقه به، قال ابن مسعود: المرء بخدنه".( 1 ) [طبقات الحنابلة ( 1/160 )]



قال الفضيل بن عياض: من عظّم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام، ومن تبسم في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل اللهUعلى محمدr، ومن زوّج كريمته من مبتدع فقد قطـع رحمهـا، ومن تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع. [شرح السنّة للبربهاري ( ص : 139 )]



قال الشاطبي: " فإن توقير صاحب البدعة مظنّة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم:

إحداهما: التفاتالجهال والعامة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنّه أفضل الناس،وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دوناتباع أهل السنّة على سنّتهم.

والثانية: أنّهإذا وُقِّرَ من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على إنشاء الابتداعفي كل شيء. وعلى كل حال فتحيا البدع وتموت السنن، وهو هدم الإسلام بعينه. [الاعتصام للشاطبي ( 1/114 )]



وقال الفضيل بن عياض: " الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكـر منها اختلف، ولا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا من النفاق".

قال ابن بطة–معلقاً على قول الفضيل - : "صدق الفضيل - رحمه الله–فإنا نرى ذلك عياناً". [الإبانة لابن بطة ( 2/456)]



قالابن عون:الذي يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع. [الإبانة (2/273)]

وقال عتبة الغلام : من لم يكن معنا فهو علينا.[الإبانة (2/437)]



ولما قدم سفيان الثوري البصرةَ، جعل ينظر إلى أمر الربيع–يعني ابن صبيح–وقدره عند الناس،سأل أي شيء مذهبه؟

قالوا: ما مذهبه إلا السنة.

قال: من بطانته؟.

قالوا: أهل القدر.

قال: هو قدري. [الإبانة ( 2/453)]



وقال الإمام البربهاري: وإذا رأيت الرجل جالساً مع رجل من أهل الأهواء فحذّره وعرّفه، فإن جلس معه بعد ما علم فاتقه؛ فإنه صاحب هوى.[شرح السنة (ص: 121)]



وقال ابن تيميّة فيمن يوالي الاتحادية وهي قاعدة عامة في جميع أهل البدع:

" ويجب عقوبـة كل من انتسـب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثنىعليهمأو عظم كتبهم، أو عرف بمساندتهم ومعاونتهـم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذيعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدرى ما هـو، أو من قال إنه صنف هذا الكتاب،وأمثال هذه المعاذير، التي لا يقولها إلا جاهل، أو منافق؛ بل تجب عقوبة كلمن عرف حالهم، ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظمالواجبات؛ لأنهم أفسدوا العقول والأديان، على خلق من المشايخ والعلماء،والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فساداً، ويصدون عن سبيل الله. " [مجموع الفتاوى ( 2/132 )]



وقدسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في شرحه لكتاب: "فضل الإسلام"، ما نصّه: الذي يثني على أهل البدع ويمدحهم، هل يأخذ حكمهم؟

فأجاب –عفا الله عنه -: " نعم ما فيه شكٌّ، من أثنى عليهم ومـدحهم هو داعٍ لهم، يدعو لهم، هذا من دعاتهم، نسأل الله العافيـة".



بل كان السلف الصالح -رضي الله عنهم ورحمهم- إذا رأوا الشاب في أول أمره مع أهل السنة رجوه، وإن رأوه مع أهل البدع أيسوا من خيره.

قال الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله - : إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه، وإذا رأيته مع أصحاب البدع فايئس منه؛ فإن الشاب على أول نشوئه. [الآداب الشرعية ( 3/77)]



وقال عمرو بن قيس الملائي: إن الشاب لينشؤ فإن آثر أن يجالس أهل العلم كاد أن يسلم وإن مال إلى غيرهم كاد أن يعطب. [الإبانة ( 2/481-482 )]


قال أرطأة بن المنذر: لأن يكون ابني فاسقاً من الفساق أحب إليّ من أن يكون صاحب هوى.[الإبانة (2/446)]



قال الإمام أحمد: لا غيبة لأصحاب البدع. [طبقات الحنابلة ( 2/274)]



قالالإمام ابن أبي زمنين–رحمه الله-: ولم يـزل أهل السنة يعيبون أهل الأهواء المضلة، وينهون عـن مجالستهم، ويخوفون فتنتهم، ويخبرون بخلاقهم،ولا يرون ذلك غيبـة لـهم، ولا طعناً عليهم. [أصول السنة ( ص: 293 )]

عن سفيان بن عيينة قال: قال شعبة: تعالوا نغتاب في الله عز وجل.

قال الفضيل: من دخل على صاحب بدعة فليست له حرمة. [اللالكائي (2/140)]



وقالأبو صالح الفراء: حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئاً من أمر الفتن فقال: ذاك يشبه أستاذه - يعني: الحسن بن حي-، فقلت ليوسف: ما تخاف أن تكون هذهغيبة؟ فقال: لم يا أحمق أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم ومن أطراهم كان أضر عليهم.[السير ( 7/364 )]



قالبشر الحارث: كان زائدة يجلس في المسجد يحذر الناس من ابن حي وأصحابه.قال الذهبي في ابن حي: مع جلالته وإمامته كان فيه خارجية. [تذكرة الحفاظ (1/216)]



ودخل سفيان الثوري المسجد فإذا الحسن ابن حي يصلي، فقال: نعوذ بالله من خشوع النفاق، وأخذ نعليه وتحول. [ التهذيب (2/249)]



قال أبي قلابة: إنأهل الأهواء أهل الضلالة ولا أرى مصيرهم إلا النار، فجربهم فليس أحد منهمينتحل قولاً – أوحديثاً – فيتناهى به الأمر دون السيف... وإن اختلف قولهماجتمعوا في السيف. 2)[/sup] [/b][الدارمي (1/58)]

قال أيوب: وكان – أبو قلابة – والله من الفقهاء الألباء.

قال سعيد بن عنبسة: ماابتدع رجل بدعة إلا غلّ صدره على المسلمين واختلجت منه الأمانة. [الإبانة (2/256)]



كان السلف الصالح يعدون الشدة على أهل البدع من المناقب والممادح ، فكم منإمام قيل في ترجمته: كان شديداً على أهل والبدع. وما كان باعثهم على هذهالشدّة إلا الغيرة والحميّة لهذا الدين، والنصيحة لله.

قال ابن الجوزيعن الإمام أحمد: وقد كان الإمام أحمد بن حنبل لشدة تمسكه بالسنّة ونهيه عن البدعة يتكلم فيجماعة من الأخيار إذا صدر منهم ما يخالف السنّة، وكلامه ذلك محمول علىالنصيحة للدين.[مناقب الإمام أحمد: 253]

فـمـن ذلك:

قال علي بن أبي خالد: قلت لأحمد بن حنبل: إنّ هذا الشيخ–لشيخ حضر معنا–هو جاري، وقد نهيته عن رجل، ويحب أن يسمع قولك فيه: حارث القصير–يعني حارثاً المحاسبي–وكنت رأيتني معه منذ سنين كثيرة، فقلت لي: لا تجالسه، فما تقول فيه؟

فرأيت أحمد قد احمرّ لونه، وانتفخت أوداجه وعيناه، وما رأيته هكذا قط، ثم جعل ينتفض، ويقول:

ذاك؟فعل الله به وفعل، ليس يعرف ذاك إلا من خَبَره وعرفه، أوّيه، أوّيه،أوّيه، ذاك لا يعرفـه إلا من قد خبره وعرفه، ذاك جالسه المغازلي ويعقوبوفلان، فأخرجهم إلى رأي جهم، هلكوا بسببه،

فقالله الشيخ: يا أبا عبـد الله، يروي الحديث، ساكنٌ خاشعٌ، من قصته ومن قصته؟

فغضب أبو عبد الله، وجعل يقول:

لايغرّك خشوعه ولِينه، ويقول: لا تغتر بتنكيس رأسه، فإنه رجل سـوء ذاك لايعرفه إلا مـن خبره، لا تكلمه، ولا كرامة له، كل من حدّث بأحاديث رسولاللهrوكان مبتدعاً تجلس إليه؟! لا، ولا كرامة ولا نُعْمَى عين، وجعل يقول: ذاك، ذاك. [طبقات الحنابلة ( 1/234)]



وقال صالح بن أحمد: جاء الحزامي إلى أبي وقد كان ذهب إلى ابن أبي دؤاد، فلما خرج إليه ورآه، أغلق الباب في وجهه ودخل. [مناقب أحمد لابن الجوزي ( ص : 250 )]



وقدم داود الأصبهاني الظاهري بغداد وكان بينه وبين صالح بن أحمد حسن، فكلمصالحاً أن يتلطف له في الاستئذان على أبيه، فأتى صالح أباه فقال له: رجلسألني أن يأتيك.

قال: ما اسمه؟.

قال: داود.

قال: من أين؟

قال: من أهل أصبهان،

قال: أيّ شيء صنعته؟

قال وكان صالح يروغ عن تعريفه إيَّاه، فما زال أبو عبد الله يفحص عنه حتى فطن

فقال: هذا قد كتب إليّ محمد بن يحيى النيسابوري في أمره أنه زعم أن القرآن محدث فلا يقربني.

قال: يا أبت ينتفي من هذا وينكره،

فقال أبو عبد الله: محمد بن يحيى أصدق منه، لا تأذن له في المصير إليَّ. [تاريخ بغداد ( 8/374 )]



وقال أبو توبة: حدثنا أصحابنا أن ثوراً لقي الأوزاعي فمد يده إليه، فأبى الأوزاعي أن يمد يده إليه، وقال: يا ثور لو كانت الدنيا لكانت المقاربة ولكنه الدين. [السير(11/344)].



قال الإمام أحمد بن حنبل: إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام؛ فإنّه كان شديداً على المبتدعة.( 3)[/sup][/b]

وهذاالإمام الشافعيقال عنه البيهقي: وكان - رضي الله عنه - شديداً على أهل الإلحاد وأهل البدع مجاهراً ببغضهم وهجرهم" [مناقب الشافعي ( 1/469 )]



وكذلكإمام أهل السنّة في عصره أبو محمد الحسين بن عـلي البربهاري ( ت :329) ، قال عنه ابن كثير: العالم الزاهد الفقيه الحنبلي الواعظ، صاحبالمروزي وسهلاً التستري، ... وكان شديداً على أهل البدع والمعاصي، وكانكبير القدر تعظمه الخاصة والعامة. [البداية والنهاية ( 11/213)]



وقـال ابن رجب: " شيخ الطائفة في وقته ومتقدّمها في الإنكار على أهل البدع والمباينة لهم باليد أو اللسان. [طبقات الحنابلة ( 2/18 )]

وكانت للبربهاري مجاهدات ومقامات في الدين كثيرة وكان المخالفون يغـلّظون قلب السلطان عليه. [المنهج الأحمد ( 2/37 )]


ومن أقواله: مثلأصحابالبدع مثل العقارب، يدفنون رؤوسهم وأبدانهم في التراب ويخرجون أذنابهم،فإذا تمكّنوا لدغوا، وكذلك أهل البدع هم مختفون بين الناس فإذا تمكّنوابلغوا ما يريدون. [طبقات الحنابلة ( 2/44 )]

وقال أيضاً: إذا ظهر لك من إنسان شيء من البدع فاحذره فإن ما أخفى عنك أكثر مما أظهر.[شرح السنة (123 رقم 148)]


وكذلك ما قيل فيشيخ الإسلام أبي إسماعيل عبد الله الأنصاري الهروي (ت:481)، فقد قال عنه ابن رجب: " كان سيّداً عظيماً وإماماً عارفاًوعابداً زاهداً ... شديد القيام في نصر السنّة والذبّ عنها والقمع لمنخالفها، وجرى له بسبب ذلك محنٌ عظيمة، وكان شديد الانتصار والتعظيم لمذهبأحمد ". [ذيل الطبقات ( 3/ 60-61 )]قال الذهبي: كان جذعاً في أعين المبتدعة وسيفاً على الجهميّة" [العبر ( 2/343)]



وقدجاء في ترجمته أنه قال:عُرضت على السيف خـمس مرّات، لا يقال لي: ارْجع عن مذهبك، لكن اسكتْ عمن خالفك، فأقول: لا أسكت. [السير( 18/509)]


وهذه – أيضاً – صورة مشرقة لمعاملة أهل السنّة لأهل البدع تتضح من خلالترجمة المحدث الإمام أحمد بن عون الله بن حدير أبي جعفر الأندلسي القرطبي (ت:378هـ)، فقد قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مفرج: "كانأبو جعفر أحمد بن عون الله محتسباً على أهل البدع غليظاً عليهم مذّلاً لهمطالباً لمساوئهم مسارعاً في مضارّهم شديد الوطأة عليهم مشرّداً لهم إذاتمكن منهم غير مبقٍ عليهم، وكان كل من كان منهم خافياً منه على نفسـهمتوقياً، لا يداهن أحداً منهم على حال ولا يسالمه، وإن عثر على منكر وشهدعليه عنده بانحرافٍ عن السنّة نابذه وفضحه وأعلن بذكره والبراءة منهوعيّره بذكر السوء في المحافل وأغرى به حتى يهلكه أو ينزع عن قبيح مذهبهوسوء معتقده ولم يزل دؤوباً على هذا جاهداً فيه ابتغاء وجه الله إلى أنلقي الله". [تاريخ دمشق ( 5/118)]



وكذلك الإمام أسد بن الفرات – رحمه الله -، فقد جاء في رسالة أسد ابن موسى المعروف بأسد السنّة التي كتبها لأسد بن الفرات فقال:

" اعلم – أي أخي – أن ما حملني على الكتابة إليك ما ذكر أهل بلادك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك الناس( 4)،وحسن حالك مما أظهرت من السنّة، وعيبك لأهل البدعة، وكثرة ذكرك لهم، وطعنكعليهم، فقمعهم الله بك، وشدّ بك ظهر أهل السنّة، وقواك عليهم بإظهارعيبهم، والطعن عليهم، فأذلهم الله بذلك، وصاروا ببدعتهم مستترين. فأبشر – أي أخي – بثواب ذلك، واعتد به أفضل حسناتك من الصلاة والصيام والحجوالجهاد. وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله وإحياء سنّة رسوله … وذُكر أيضاً أنّ لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليّاً لله يذبّ عنها،وينطق بعلاماتها … فاغتنم ذلك، وادع إلى السنّة حتى يكون لك في ذلك أُلفة،وجماعة يقومون مقامك إن حدث بك حدث، فيكونون أئمة بعدك، فيكون لك ثواب ذلكإلى يوم القيامة كما جاء الأثر، فاعمل على بصيرة ونيّة وحسبة، فيرد اللهبك المبتدع المفتون الزائغ الحائر، فتكون خلفاً من نبيك - r-، فإنك لن تلقـى الله بعمل يشبهه. وإياك أن يكون لك من أهل البـدع أخ أو جليس أو صاحب … ". ا[لبدع والنهي عنها لابن وضاح ( ص: 28)]



وأختم بهذه النصيحة للإمام البربهاري – رحمه الله – قال:

فاحذر ثم احذر أهل زمانك خاصة، وانظر من تجالس، وممن تسمع، ومن تصحب، فإن الخلق كأنهم في ردة؛ إلامن عصم الله منهم!. [شرح السنة :116]

وصلى اللهم وسلم على نينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


1 /قال العلامة الشيخ حمود التويجري –رحمه الله وغفر له- عن هذه الروايةوتطبيقها على أهل البدع كجماعة التبليغ: " وهذه الرواية عن الإمام أحمدينبغي تطبيقها على الذين يمدحون التبليغيين ويجادلون عنهم بالباطل، فمنكان منهم عالماً بأن التبليغيين من أهل البدع والضلالات والجهالات، وهو معهذا يمدحهم ويجادل عنهم؛ فإنّه يلحق بهم، ويعامل بما يعاملون به، من البغضوالهجر والتجنُّب، ومن كان جاهلاً بهم، فإنه ينبغي إعلامه بأنهم من أهلالبدع والضلالات والجهالات، فإن لم يترك مدحهم والمجادلة عنهم بعد العلمبهم، فإنه يُلحق بهم ويُعامل بما يُعاملون به." [القول البليغ ( ص : 230-231 )]


2 / ونرى ذلك في الفرق المعاصرة كـ(الأخوان وفصائلها والتبليغ –التي حكم عليهمإمام العصر: ابن باز؛ بأنهم من الثنتين والسبعين فرقه الضالة-) وغيرهم منالفرق، وكأنهم مختلفون فيما بينهم ولكنهم مجتمعون في السيف على حكامالمسلمين ومعاداتهم أهل السنة.

قال الإمام البربهاري: واعلم أن الأهواء كلها رديّة، كلها تدعوا إلى السيف. [شرح السنة: 122]

3 / كان السلف يعدّون الطعن على أهل السنّة والذابين عنها؛ من علامات أهلالبدع والضلال، بل قد يعدّون الرّجل من أهل البدع بمجرد طعنه عليهم،قال أبو زرعة: إذارأيت الكوفي يطعن على سفيان الثوري وزائدة: فلا تشك أنّه رافضي، وإذا رأيتالشامي يطعن على مكحول والأوزاعي: فلا تشك أنّه ناصبي، وإذا رأيتالخراساني يطعن على عبد الله بن المبارك: فلا تشك أنّه مرجئ، واعلم أنّهذه الطوائف كلها مجمعة على بغض أحمد بن حنبل؛ لأنّه ما من أحد إلا وفيقلبه منه سهم لا بُرْء له [طبقات الحنابلة (1/199 )].

وقال أبو حاتم -أيضاً-: (( علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر))[ للالكائي (1/179)]. وقالالإمام أبو عثمان الصابوني: (( وعلامات البدع على أهلها بادية ظاهرة، وأظهر آياتهم وعلاماتهم: شدة معاداتهم لحملة أخبار النبيrواحتقارهم واستخفافهم بهم)) [عقيدة السلف (101)]. قال السفاريني: (( ولسنابصدد ذكر مناقب أهل الحديث فإنَّ مناقبهم شهيرة ومآثرهم كثيرة وفضائلهمغزيرة، فمن انتقصهم فهو خسيس ناقص، ومن أبغضهم فهو من حزب إبليس ناكص)) [ لوائح الأنوار (2/355)].

4 / تنبه - أخي في الله - إلى أنه جعل ذكر معائب أهل البدع والطعن عليهم وكثرة ذكرذلك من الإنصاف للناس، ولم يجعل الإنصاف ذكر الحسنات إلى جانب السيئات كمايقوله أهل منهج الموازنات، ألا ساء ما يحكمون.

أبو هنيدة ياسين الطارفي
12-Aug-2012, 08:04 PM
بارك الله فيك...
والله المستعان على هذا الزمان ...
وما ذا يقال عن كلام الأعلام هل هم المتشددين والغلاة...!؟....