المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القراءة في حياة المسلم: ماذا نقرأ؟ ولماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ --- محمد بن عمر بازمول



أبو الوليد خالد الصبحي
10-Jan-2010, 05:00 PM
القراءة في حياة المسلم: ماذا نقرأ؟ ولماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟




بـ اقرأ بدأ الوحي قال تبارك وتعالى: ]اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ[ (العلق:1). وقال: ]اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ[ (العلق:3).
وسينتهي مصير كل شخص بأن يقرأ كل واحد منا كتابه، ويقال له: اقرأ، ]يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَأُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً[ (الإسراء:71)، وقال تبارك وتعالى: ]اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً[ (الإسراء:14).
وأقسم الله تبارك وتعالى بالقلم الذي به تكون كتابة ما يقرأ، فقال تعالى: ]نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ[ (القلم:1).
والأمة الإسلامية وإن كانت أمة أمية لا تكتب و لا تحسب كما جاء في الحديث عن رسول الله r، فهذا في مجال الأحكام الشرعية، التي يراعى فيها حال الناس في كل مكان، وليس كل إنسان قادر على أن يكتب ويحسب، في كل مكان وزمان، فهذا الوصف المذكور مقصود به وصف ما يراعيه التشريع من رفع الحرج عن الأمة، و لا يقصد به الترغيب عن الكتابة والحساب وبالتالي عن القراءة؛ كيف يكون هذا هو المقصود؟! والرسول r يرغبنا في قراءة القرآن الكريم، وتلاوته، ومن أسماء القرآن "الكتاب"، بل اسمه "القرآن" اشتقاقه من نفس مادة كلمة "القراءة"، "القاف. والراء. والهمزة".
وقد جاء في الآثار الترغيب في القراءة من المصحف، وأنه عبادة، من ذلك ما جاء عن ابن مسعود t قال: "أديموا النظر في المصحف". وعنه أيضاً، قال: "أشد العبادة القراءة في المصحف"([1]).
فتعلم القراءة شيء مرغب فيه شرعاً، لكن السؤال ماذا نقرأ؟
إن خطورة القراءة تجعل المرء يقول: قل لي ماذا تقرأ أعرف من أنت!
فالمسلم يهتم بقراءة ما رغب الشرع في قراءته وهو يشمل الأمور التالية:
1) القرآن الكريم، وقد جاء في الحديث عن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ"([2]).
2) القراءة لكتب العلم الشرعي، فهي من أنفع الطرق لتحصيل العلم. ومن تراجم البخاري: "بَاب مَا يُذْكَرُ فِي الْمُنَاوَلَةِ وَكِتَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعِلْمِ إِلَى الْبُلْدَانِ وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ نَسَخَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَصَاحِفَ فَبَعَثَ بِهَا إِلَى الْآفَاقِ وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ذَلِكَ جَائِزًا وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي الْمُنَاوَلَةِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ كَتَبَ لِأَمِيرِ السَّرِيَّةِ كِتَابًا وَقَالَ لَا تَقْرَأْهُ حَتَّى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَكَانَ قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ وَأَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"([3]).
3) القراءة للثقافة والأدب. وهي تدور على المحاور التالية :
المحور الأول : القراءة لتوسيع المدارك العلمية، في التخصصات أو الجوانب المختلفة من المعرفة.
المحور الثاني : القراءة لتنمية الموهبة والقدرة على البحث، والجلد في التتبع والاستقراء.
المحور الثالث : القراءة لمعرفة الآخرين سواء من عاش في زماننا ولم نلتق به عن قرب، أو لمن لم ندركهم، ونريد أن نعرف عنهم. وقد ذكر عباس محمود العقاد في كتابه "مطالعات في الكتب والحياة" أن القراءة تزيد في عمق العمر للإنسان، فالإنسان الذي عمره ستون سنة لا يزيد عمرة ثانية واحدة بالقراءة، ولكن يزيد عمق هذه الستين سنة، فيطوي داخلها خلاصة تجارب وأعمال وتفكير أناس كثر يسر الله له مطالعة كتاباتهم أو ما كتب عنهم.
المحور الرابع : القراءة للتسلية، وحفظ الوقت، بما يفيد، وتنشيط الذهن وراحته، وقد قرأت مرة للأستاذ عبدالرحمن بن عقيل الظاهري أنه قال ما معناه: أنه يريح نفسه من القراءة بالقراءة، وذلك بقراءة كتب سهلة منعشة للذهن، مريحة للعقل، من عناء القراءة الجادة.
والمقصود في جميع هذه المحاور قراءة الكتب التي لا تتعارض مع الشرع، إذ القراءة إذا كانت تؤدي بصاحبها إلى خروج ومخالفة لشرع الله، فهي قراءة تسفيه لا قراءة تثقيف.
فنحن نقرأ لنتعلم.
ونقرأ للنتدبر ونتعظ ونحرك قلوبنا في طاعة الله.
ونقرأ لنتبرك بقراءة القرآن العظيم وتزيد حسناتنا.
ونقرأ لنتثقف.
ونقرأ لنتسلى.
ولكل قراءة أدبها.
فقراءة القرآن العظيم لها أدبها؛
قال السيوطي رحمه الله :"كيفيات قراءة [القرآن]ثلاث‏:‏
إحداها‏:‏ التحقيق وهو إعطاء كل حرف حقه من إشباع المد وتحقيق الهمزة وإتمام الحركات واعتماد الإظهار والتشديدات وبيان الحروف وتفكيكها وإخراج بعضها من بعض بالسكت والتنزيل والتؤدة وملاحظة الجائز من الوقوف بلا قصر ولا اختلاس ولا إسكان محرك ولا إدغامه وهو يكون لرياضة الألسن وتقويم الألفاظ‏.‏
ويستحب الأخذ به على المتعلمين من غير أن يتجاوز فيه إلى حد الإفراط بتوليد الحروف من الحركات وتكرير الراءات وتحريك السواكن وتطنين النونات بالمبالغة في الغنات كما قال حمزة لبعض من سمعه يبالغ في ذلك‏:‏ أما علمت أن ما فوق البياض برص وما فوق الجعودة قطط وما ليس فوق القراءة ليس بقراءة‏.‏
وكذا يحترز من الفصل بين حروف الكلمة كمن يقف على التاء من نستعين وقفة لطيفة مدعياً أنه يرتل وهذا النوع من القراءة مذهب حمزة وورش.
الثانية‏:‏ الحدر بفتح الحاء وسكون الدال المهملتين وهو إدراج القراءة وسرعتها وتخفيفها بالقصر والتسكين والاختلاس والبدل والإدغام الكبير وتخفيف الهمزة ونحو ذلك مما صحت به الرواية مع مراعاة إقامة الإعراب وتقويم اللفظ وتمكين الحروف بدون بتر حروف المد واختلاس أكثر الحركات وذهاب صوت الغنة والتفريط إلى غاية لا تصح بها القراءة ولا توصف بها التلاوة‏.
وهذا النوع مذهب ابن كثير وأبي جعفر ومن قصر المنفصل كأبي عمرو ويعقوب‏.‏
الثالثة‏:‏ التدوير وهو التوسط بين المقامين بين التحقيق والحدر وهو الذي ورد عن أكثر الأئمة ممن مد المنفصل ولم يبلغ فيه الإشباع.
وهو مذهب سائر القراء وهو المختار عند أكثر أهل الأداء‏.
والفرق بين الترتيل في القراءة وبين التحقيق فيما ذكره بعضهم أن التحقيق يكون للرياضة والتعليم والتمرين والترتيل يكون للتدبير والتفكر"اهـ([4]).
وكذا لقراءة كتب العلم آدابها.
وعموماً فإن كيفية القراءة تحتاج إلى توضيح الأمور التالية :
1) أن يراعى في كل علم الكيفية الخاصة به في قراءته، فإن لكل علم كيفية خاصة في قراءته، تختلف عن الآخر، بل لا أتجاوز الحد إذا قلت: إن لكل كاتب وكتاب كيفية خاصة في قراءته.
2) أن يختار المكان والزمان المناسب للقراءة.
3) أن يجلس على وضعية مناسبة صحية تتلاءم مع الجسد، بحيث لا يصير الجلوس للقراءة من باب الجهد والعناء .
4) أن يحدد هدفه من القراءة، لكي يحدد نوع القراءة التي يسلكها؛
فالقراءة الجردية غير القراءة للتفهم والتدبر، غير القراءة للتسلية والمتعة، غير القراءة للنقد والدرس.
5) أن يراعي الترتيب المناسب للكتب التي يريد أن يقرأها، فهناك كتب تقرأ بحسب تسلسل وفيات مؤلفيها، وهناك كتب تقرأ بالعكس، وهناك كتب تقرأ بحسب توضيح بعضها لفكرة بعض، وهذا يحتاج إلى استرشاد من عالم خبير. وعلى كل حال فإن التدرج في قراءة كتب العلم، وهو يختلف من حال شخص إلى آخر، ومن علم إلى آخر.
6) التنويع في الكتب التي تقرأها مفيد، ويكمل القصور الذي ينتج عند البعض من القراءة في العلم الواحد.
7) التعود على تسجيل الملاحظات والفوائد أو تمييزها في الكتاب الذي نقرأه من أهم الأمور المفيدة مع التقدم في القراءة.
وأخيراً :
القراءة هواية وحرفة ووسيلة علمية وتسلية، وطريق إذا سلكته لا تبلغ مداه، فإنها بحر زاخر، وموج غامر، فانتق أحسن ما تجد لتقرأه، وانتق أحسن ما تجد لتتكلم به، وانتق أحسن ما تتكلم به لتحفظه.

المراجع والمصادر:
- القرآن العظيم.
- الإتقان في علوم القرآن (لجلال الدين السيوطي، ت911هـ)، تحقيق سعيد المندوب، دار الفكر، الطبعة 1416هـ.
- الجامع لشعب الإيمان (لأحمد بن الحسين البيهقي ت463هـ)، تحقيق محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، الطبعة 1410هـ.
- الجامع الصحيح للبخاري (محمد بن إسماعيل البخاري ت256هـ)، ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي.
- سنن الترمذي (لأبي عيسى محمد بن سورة الترمذي ت279هـ)، تحقيق أحمد محمد شاكر.



________________________________________
([1]) ) أخرجهما البيهقي في كتابه "شعب الإيمان" (2/408،410)
([2]) أخرجه الترمذي (2910)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ"اهـ

([3]) في صحيحه في كتاب العلم.
(1) الإتقان في علوم القرآن (1/265).