المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 99وجها من النصوص في سد الذرائع



سليمان بن هاشم السلفى
23-Aug-2010, 02:02 PM
99وجها من النصوص في سد الذرائع <hr style="color: rgb(192, 192, 192); background-color: rgb(192, 192, 192);" size="1"> <!-- / icon and title --> <!-- message -->

سد الذرائع
لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضى إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منا بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غايتها فوسيلة المقصود تابعة للمقصود وكلاهما مقصود لكنه مقصود قصد الغايات وهي مقصودة قصد الوسائل فإذا حرم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي اليه فإنه يحرمها ويمنع منها تحقيقا لتحريمه وتثبيتا له ومنعا أن يقرب حماه ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية اليه لكان ذلك نقضا للتحريم وإغراء للنفوس به وحكمته تعالى وعلمه يأبي ذلك كل الإباء بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك فإن أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شيء ثم أباح له الطرق والاسباب والذرائع الموصلة اليه لعد متناقضا ولحصل من رعيته وجنده ضد مقصوده وكذلك الاطباء إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصلة إليه والا فسد عليهم ما يرومون اصلاحه فما الظن بهذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال ومن تأمل مصادرها ومواردها علم أن الله تعالى ورسوله سد الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرمها ونهى عنها والذريعة ما كان وسيلة وطريقا إلى الشيء
ولا بد من تحرير هذا الموضع قبل تقريره ليزول الالتباس فيه فنقول


حكم الوسائل المؤدية إلى المقاصد:
الفعل أو القول المفضي إلى المفسدة قسمان أحدهما أن يكون وضعه للإفضاء إليها كشرب المسكر المفضى إلى مفسدة السكر وكالقذف المفضى إلى مفسدة الفرية والزنا المفضى إلى اختلاط المياه وفساد الفراش ونحو ذلك فهذه افعال وأقوال وضعت مفضية لهذه المفاسد وليس لها ظاهرا غيرها والثاني ان تكون موضوعة للإفضاء إلى امر جائز أو مستحب فيتخذ وسيلة إلى المحرم إما بقصده أو بغير قصد منه فالاول كمن يعقد النكاح قاصدا به التحليل أو يعقد البيع قاصدا به الربا أو يخالع قاصدا به الحنث ونحو ذلك والثاني كمن يصلى تطوعا بغير سبب في اوقات النهي أو يسب ارباب المشركين بين اظهرهم أو يصلى بين يدى القبر لله ونحو ذلك ثم هذا القسم من الذرائع نوعان أحدهما ان تكون مصلحة الفعل أرجح من مفسدته والثاني ان تكون مفسدته راجحة على مصلحته فههنا أربعة أقسام الاول وسيلة موضوعة للافضاء إلى المفسدة الثاني وسيلة موضوعة للمباح قصد بها التوسل إلى المفسدة الثالث وسيلة موضوعة للمباح لم يقصد بها التوسل إلى المفسدة لكنها مفضية اليها غالبا ومفسدتها أرجح من مصلحتها الرابع وسيلة موضوعة للمباح وقد تفضى إلى المفسدة ومصلحتها ارجح من مفسدتها فمثال القسم الاول والثاني قد تقدم ومثال الثالث الصلاة في اوقات النهى ومسبة آلهة المشركين بين ظهرانيهم وتزين المتوفي عنها في زمن عدتها وامثال ذلك ومثال الرابع النظر إلى المخطوبة والمستامة والمشهود عليها ومن يطؤها ويعاملها وفعل ذوات الاسباب في اوقات النهي وكلمة الحق عند ذي سلطان جائر ونحو ذلك فالشريعة جاءت بإباحة هذا القسم أو استحبابه أو إيجابه بحسب درجات في المصلحة وجاءت بالمنع من القسم الاول كراهة أو تحريما بحسب درجاته في المفسدة بقى النظر في القسمين الوسط هل هما مما جاءت الشريعة بإباحتهما أو المنع منهما فنقول الدلالة على المنع من وجوه: منع ما يؤدي إلى الحرام:
الوجه الاول: قوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} فحرم الله تعالى سب آلهة المشركين مع كون السب غيظا وحمية لله وإهانة لآلهتهم لكونه ذريعة إلى سبهم لله تعالى وكانت مصلحة ترك مسبته تعالى أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم وهذا كالتنبيه بل كالتصريح على المنع من الجائز لئلا يكون سببا في فعل ما لا يجوز
الوجه الثاني: قوله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنّ} فمنعهن من الضرب بالأرجل وإن كان جائزا في نفسه لئلا يكون سببا إلى سمع الرجال صوت الخلخال فيثير ذلك دواعي الشهوة منهم إليهن
الوجه الثالث: قوله تعالى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ} الآية أمر تعالى مماليك المؤمنين ومن لم يبلغ منهم الحلم أن يستأذنوا عليهم في هذه الأوقات الثلاثة لئلا يكون دخولهم هجما بغير استئذان فيها ذريعة إلى اطلاعهم على عوراتهم وقت إلقاء ثيابهم عند القائلة والنوم واليقظة ولم يأمرهم بالإستئذان في غيرها وإن أمكن في تركه هذه المفسدة لندورها وقلة الإفضاء إليها فجعلت كالمقدمة.
الوجه الرابع: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} نهاهم سبحانه أن يقولوا هذه الكلمة مع قصدهم بها الخير لئلا يكون قولهم ذريعة إلى التشبه باليهود في أقوالهم وخطابهم فإنهم كانوا يخاطبون بها النبي صلى الله عليه وسلم ويقصدون بها السب يقصدون فاعلا من الرعونة فنهى المسلمون عن قولها سدا لذريعة المشابهة ولئلا يكون ذلك ذريعة إلى أن يقولها اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم تشبها بالمسلمين يقصدون بها غير ما يقصده المسلمو ن
الوجه الخامس: قوله تعالى لكليمه موسى وأخيه هارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} فأمر تعالى أن يلينا القول لأعظم أعدائه وأشدهم كفرا وأعتاهم عليه لئلا يكون إغلاظ القول له مع أنه حقيقي به ذريعة إلى تنفيره وعدم صبره لقيام الحجة فنهاهما عن الجائز لئلا يترتب عليه ما هو أكره إليه تعالى.
الوجه السادس :أنه تعالى نهى المؤمنين في مكة عن الانتصار باليد وأمرهم بالعفو والصفح لئلا يكون انتصارهم ذريعة إلى وقوع ما هو أعظم مفسدة من مفسدة الإغضاء واحتمال الضيم ومصلحة حفظ نفوسهم ودينهم وذريتهم راجحة على مصلحة الانتصار والمقابلة
الوجه السابع: أنه تعالى نهى عن البيع وقت نداء الجمعة لئلا يتخذ ذريعة إلى التشاغل بالتجارة عن حضورها.
الوجه الثامن: ما رواه حميد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه قال: نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه متفق عليه ولفظ البخاري إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل: يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه قال: "يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه" فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل سابا لاعنا لأبويه بتسببه إلى ذلك وتوسله إليه وإن لم يقصده.
الوجه التاسع: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكف عن قتل المنافقين مع كونه مصلحة لئلا يكون ذريعة إلى تنفير الناس عنه وقولهم إن محمدا يقتل أصحابه فإن هذا القول يوجب النفور عن الإسلام ممن دخل فيه ومن لم يدخل فيه ومفسدة التنفير أكبر من مفسدة ترك قتلهم ومصلحة التأليف أعطم من مصلحة القت
الوجه العاشر :أن الله حرم الخمر لما فيها من المفاسد الكثيرة المترتبة على زوال العقل وهذا ليس مما نحن فيه لكن حرم القطرة الواحدة منها وحرم إمساكها للتخليل ونجسها لئلا تتخذ القطرة ذريعة إلى الحسوة ويتخذ إمساكها للتخليل ذريعة إلى إمساكها للشرب ثم بالغ في سد الذريعة فنهى عن الخليطين وعن شرب العصير بعد ثلاث وعن الانتباذ في الأوعية التي قد يتخمر النبيذ فيها ولا يعلم به حسما لمادة قربان المسكر وقد صرح صلى الله عليه وسلم بالعلة في تحريم القليل فقال: "لو رخصت لكم في هذه لأوشك أن تجعلوها مثل هذه".
الوجه الحادي عشر: أنه صلى الله عليه وسلم حرم الخلوة بالأجنبية ولو في إقراء القرآن والسفر بها ولو في الحج وزيارة الوالدين سدا لذريعة ما يحاذر من الفتنة وغلبات الطباع.
الوجه الثاني عشر: أن الله تعالى أمر بغض البصر وإن كان إنما يقع على محاسن الخلقة والتفكر في صنع الله سدا لذريعة الإرادة والشهوة المفضية إلى المحظور
الوجه الثالث عشر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بناء المساجد على القبور ولعن من فعل ذلك ونهى عن تجصيص القبور وتشريفها واتخاذها مساجد وعن الصلاة إليها وعندها وعن إبقاد المصابيح عليها وأمر بتسويتها ونهى عن اتخاذها عيدا وعن شد الرحال اليها لئلا يكون ذلك ذريعة إلى اتخاذها أوثانا والإشراك بها وحرم ذلك على من قصده ومن لم يقصده بل قصد خلافه سدا للذريعة الوجه الرابع عشر أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وكان من حكمة ذلك أنهما وقت سجود المشركين
للشمس وكان النهي عن الصلاة لله في ذلك الوقت سدا لذريعة المشابهة الظاهرة التي هي ذريعة إلى المشابهة في القصد مع بعد هذه الذريعة فكيف بالذرائع القريبة
الوجه الخامس عشر: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن التشبه بأهل الكتاب في أحاديث كثيرة كقوله إن اليهود والنصارى لايصبغون فخالفوهم وقوله إن اليهود لا يصلون فى نعالهم فخالفوهم وقوله في عاشوراء خالفوا اليهود صوموا يوما قبله ويوما بعده وقوله لا تشبهوا بالأعاجم وروىالترميذي عنه ليس منا من تشبه بغيرنا وروى الإمام أحمد عنه: "من تشبه بقوم فهو منهم" وسر ذلك أن المشابهة في الهدى الظاهر ذريعة إلى الموافقة في القصد والعمل.
الوجه السادس عشر: أنه صلى الله عليه وسلم حرم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها وقال إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم حتى لو رضيت المرأة بذلك لم يجز لأن ذلك ذريعة إلى القطيعة المحرمة كما علل به النبي صلى الله عليه وسلم

الوجه السابع عشر: أنه حرم نكاح أكثر من أربع لأن ذلك ذريعة إلى الجور وقيل العلة فيه أنه ذريعة إلى كثرة المؤنة المفضية إلى أكل الحرام وعلى التقديرين فهو من باب سد الذرائع وأباح الأربع وإن كان لا يؤمن الجور في اجتماعهن لأن حاجته قد لا تندفع بما دونهن فكانت مصلحة الإباحة أرجح من مفسدة الجور المتوقعة الوجه

الثامن عشر :أن الله تعالى حرم خطبة المعتدة صريحا حتى حرم ذلك في عدة الوفاة وإن كان المرجع في انقضائها ليس إلى المرأة فإن إباحة الخطبة قد تكون ذريعة إلى استعجال المرأة بالإجابة والكذب في انقضاء عدتها



الوجه التاسع عشر: أن الله حرم عقد النكاح في حال العدة وفي الإحرام وإن تأخر الوطء إلى وقت الحل لئلا يتخذ العقد ذريعة إلى الوطء ولا ينتقض هذا بالصيام فإن زمنه قريب جدا فليس عليه كلفة في صبره بعض يوم إلى الليل

الوجه العشرون أن الشارع حرم الطيب على المحرم لكونه من أسباب دواعي الوطء فتحريمه من سد باب الذريعة

الوجه الحادي والعشرون: أن الشارع اشترط للنكاح شروطا زائدة على العقد تقطع عنه شبه السفاح كالاعلام والولي ومنع المرأة أن تليه بنفسها وندب إلى إظهاره حتى استحب فيه الدف والصوت والوليمة لأن في الإخلال بذلك ذريعة إلى وقوع السفاح بصورة النكاح وزوال بعض مقاصد النكاح من جحد الفراش ثم أكد ذلك بأن جعل للنكاح حريما من العدة تزيد على مقدار الاستبراء وأثبت له أحكاما من المصاهرة وحرمتها ومن الموارثة زائدة على مجرد الاستمتاع فعلم أن الشارع جعله سببا ووصله بين الناس بمنزلة الرحم كما جمع بينهما في قوله وجعله نسبا وصهرا وهذه المقاصد تمنع شبهة بالسفاح وتبين أن نكاح المحلل بالسفاح أشبه منه بالنكاح



الوجه الثاني والعشرون: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجمع الرجل بين سلف وبيع ومعلوم أنه لو أفرد أحدهما عن الآخر صح وإنما ذاك لأن اقتران أحدهما بالآخر ذريعة إلى أن يقرضه ألفا ويبيعه سلعة تساوي ثمانمائة بألف أخرى فيكون قد أعطاه ألفا وسلعة بثمانمائة ليأخذ منه ألفين وهذا هو معنى الربا فانظر إلى حمايته الذريعة إلى ذلك بكل طريق وقد احتج بعض المانعين لمسألة مد عجوة بأن قال: إن من جوزها يجوز أن يبيع الرجل ألف دينار في منديل بألف وخمسمائة مفردة قال: وهذا ذريعة إلى الربا


ثم قال: يجوز أن يقرضه ألفا ويبيعه المنديل بخمسمائة وهذا هو بعينه الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أقرب الذرائع إلى الربا ويلزم من لم يسد الذرائع أن يخالف النصوص ويجيز ذلك فكيف يترك أمرا ويرتكب نظيره من كل وجه

الوجه الثالث والعشرون: أن الآثار المتظاهرة في تحريم العينة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة تدل على المنع من عود السلعة إلى البائع وإن لم يتواطئا على الربا وما ذاك إلا شدا للذريعة

الوجه الرابع والعشرون: أن النبي صلى الله عليه وسلم منع المقرض من قبول الهدية وكذلك أصحابه حتى يحسبها من دينه وما ذاك إلا لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى تأخير الدين لأجل الهدية فيكون ربا فإنه يعود إليه ماله وأخذ الفضل الذي استفاده بسبب القرض

الوجه الخامس والعشرون: أن الوالي والقاضي والشافع ممنوع من قبول الهدية وهو أصل فساد العالم وإسناد الأمر إلى غير أهله وتولية الخونة والضعفاء والعاجزين وقد دخل بذلك من الفساد مالا يحصيه إلا الله وما ذاك إلا لأن قبول الهدية ممن لم تجر عادته بمهاداته ذريعة إلى قضاء حاجته وحبك الشيء يعمى ويصم فيقوم عنده شهوة لقضاء حاجته مكافأة له مقرونة بشره وإغماض عن كونه لا يصلح

الوجه السادس والعشرون: أن السنة مضت بأنه ليس للقاتل من الميراث شيء إما عمدا كما قال: مالك وإما مباشرة كما قال: ابو حنيفة وإما قتلا مضمونا بقصاص أودية أو كفارة وإما قتلا بغير حق وإما قتلا مطلقا كما هي أقوال في مذهب الشافعي وأحمد والمذهب الأول وسواء قصد القاتل أن يتعجل الميراث أو لم يقصده فإن رعاية هذا القصد غير معتبرة في المنع وفاقا وما ذاك

لأن توريث القاتل ذريعة إلى وقوع هذا الفعل فسد الشارع الذريعة بالمنع

الوجه السابع والعشرون: أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ورثوا المطلقة المبتوتة في مرض الموت حيث يتهم بقصد حرمانها الميراث بلا تردد إن لم يقصد الحرمان لأن الطلاق ذريعة وأما إذا لم يتهم ففيه خلاف معروف مأخذه أن المرض أوجب تعلق حقها بماله فلا يمكن من قطعه أو سدا للذريعة بالكلية وإن كان في اصل المسألة خلاف متأخر عن إجماع السابقين
الوجه الثامن والعشرون: أن الصحابة وعامة الفقهاء اتفقوا على قتل الجميع بالواحد وإن كان أصل القصاص يمنع ذلك لئلا يكون عدم القصاص ذريعة إلى التعاون على سفك الدماء
الوجه التاسع والعشرون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تقطع الأيدي في الغزو لئلا يكون ذريعة إلى إلحاق المحدود بالكفار ولهذا لاتقام الحدود في الغزو كما تقدم
الوجه الثلاثون: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن تكون له عادة توافق ذلك اليوم ونهى عن صوم يوم الشك وما ذاك إلا لئلا يتخذ ذريعة إلى أن يلحق بالفرض ما ليس منه وكذلك حرم صوم يوم العيد تمييزا لوقت العبادة عن غيره لئلا يكون ذريعة إلى الزيادة في الواجب كما فعلت النصارى ثم أكد هذا الغرض باستحباب تعجيل الفطر وتأخير السحور واستحباب تعجيل الفطر في يوم العيد قبل الصلاة وكذلك ندب إلى تمييز فرض الصلاة عن نفلها فكره للإمام أن يتطوع في مكانه وأن يستديم جلوسه مستقبل القبلة كل هذا سدا للباب المفضى إلى أن يزاد في الفرض ماليس منه
الوجه الحادي والثلاثون: أنه صلى الله عليه وسلم كره الصلاة إلى ما قد عبد


من دون الله تعالى وأحب لمن صلى إلى عود أو عمود أو شجرة أو نحو ذلك أن يجعله على أحد جانبيه ولا يصمد إليه صمدا قطعا لذريعة التشبه بالسجود إلى غير الله تعالى
الوجه الثاني والثلاثون :انه شرع الشفعة و سلط الشريك على انتزاع الشقص من يد المشترى سد لذريعة المفسدة المتعلقة بالشركة والقسمة
الوجه الثالث والثلاثون: ان الحاكم منهى عن رفع احد الخصمين على الآخر وعن الاقبال عليه دونه وعن مشاورته والقيام له دون خصمه لئلا يكون ذريعة إلى انكسار قلب الآخر وضعفه عن القيام بحجته وثقل لسانه بها
الوجه الرابع والثلاثون: أنه ممنوع من الحكم بعلمه لئلا يكون ذلك ذريعة إلى حكمه بالباطل ويقول حكمت بعلمي
الوجه الخامس والثلاثون ان الشريعة منعت من قبول شهادة العدو على عدوه لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى بلوغ غرضه من عدوه بالشهادة الباطلة
الوجه السادس والثلاثون: ان الله تعالى منع رسوله حيث كان بمكة من الجهر بالقرآن حيث كان المشركون يسمعونه فيسبون القرآن ومن انزله ومن جاء به ومن انزل عليه
الوجه السابع والثلاثون: ان الله تعالى اوجب الحدود على مرتكبي الجرائم التي تتقضاها الطباع وليس عليها وازع طبعى والحدود عقوبات لارباب الجرائم في الدنيا كما جعلت عقوبتهم في الآخرة بالنار إذا لم يتوبوا ثم إنه تعالى جعل التائب من الذنب كمن لا ذنب له فمن لقيه تائبا توبة نصوحا لم يعذبه مما تاب منه وهكذا في أحكام الدنيا إذا تاب توبة نصوحا قبل رفعه إلى الإمام سقط عنه في أصح قولى العلماء فإذا رفع إلى الامام لم تسقط توبته عنه الحد لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى تعطيل حدود الله إذ لا يعجز كل من وجب عليه الحد ان يظهر التوبة ليتخلص من العقوبة وإن تاب توبة نصوحا سدا لذريعة السكوت بالكلية


الوجه الثامن والثلاثون: ان الشارع امر بالاجتماع على إمام واحد في الامامة الكبرى وفي الجمعة والعيدين والاستسقاء وصلاة الخوف مع كون صلاة الخوف بإمامين أقرب إلى حصول صلاة الامن وذلك سدا لذريعة التفريق والاختلاف والتنازع وطلبا لاجتماع القلوب وتألف الكلمة وهذا من اعظم مقاصد الشرع وقد سد الذريعة إلى ما يناقضه بكل طريق حتى في تسوية الصف في الصلاة لئلا تختلف القلوب وشواهد ذلك أكثر من أن تذكر
الوجه التاسع والثلاثون: أن السنة مضت بكراهة إفراد رجب بالصوم وكراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم وليلتها بالقيام سدا لذريعة اتخاذ شرع لم يأذن به الله من تخصيص زمان أو مكان بما لم يخصه به ففي ذلك وقوع فيما وقع فيه أهل الكتاب
الوجه الاربعون: أن الشروط المضروبة على أهل الذمة تضمنت تمييزهم عن المسلمين في اللباس والشعور والمراكب وغيرها لئلا تفضى مشابهتهم إلى ان يعامل الكافر معاملة المسلم فسدت هذه الذريعة بإلزامهم التميز عن المسلمين
الوجه الحادى والاربعون: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ناجية بن كعب الاسلمى وقد أرسل معه هدية إذا عطب منه شيء دون المحل ان ينحره ويصبغ نعله التي قلده بها في دمه ويخلى بينه وبين الناس ونهاه ان ياكل منه هو أو أحد من اهل رفقته قالوا: وما ذاك إلا لأنه لو جاز ان يأكل منه أو يطعم أهل رفقته قبل بلوغ المحل فربما دعاه ذلك إلى ان يقصر في علفها وحفظها لحصول غرضه من عطبها دون المحل كحصوله بعد بلوغ المحل من أكله هو ورفقته وإهدائهم إلى أصحابهم فإذا أيس من حصول غرضه في عطبها كان ذلك


أدعى إلى حفظها حتى تبلغ محلها وأحسم لمادة هذا الفساد وهذا من ألطف أنواع سد الذرائع
الوجه الثاني والاربعون: ان النبي صلى الله عليه وسلم امر الملتقط ان يشهد على اللقطة وقد علم انه امين وما ذاك إلا لسد الذريعة الطمع والكتمان فإذا بادر وأشهد كان احسم لمادة الطمع والكتمان وهذا أيضا من ألطف أنواعها
الوجه الثالث والاربعون: انه صلى الله عليه وسلم قال: لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد وذم الخطيب الذي قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن عصاهما فقد غوى سدا لذريعة التشريك في المعنى بالتشريك في اللفظ وحسما لمادة الشرك حتى في اللفظ ولهذا قال: للذي قال: له ما شاء الله وشئت أجعلتني لله ندا فحسم مادة الشرك وسد الذريعة اليه في اللفظ كما سدها في الفعل والقصد فصلاة الله وسلامه عليه وعلى آله أكمل صلاة وأتمها وأزكاها وأعمها
الوجه الرابع والاربعون: انه صلى الله عليه وسلم وآله وسلم امر المأمومين ان يصلوا قعودا اذا صلى إمامهم قاعدا وقد تواتر عنه ذلك ولم يجيء عنه ما ينسخه وما ذاك إلا سدا لذريعة مشابهة الكفار حيث يقومون على ملوكهم وهم قعود كما علله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وهذا التعليل منه يبطل قول من قال: إنه منسوخ مع ان ذلك دعوى لادليل عليها
الوجه الخامس والأربعون: انه صلى الله عليه وسلم أمر المصلي بالليل اذا نعس ان يذهب فليرقد وقال لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه فأمره بالنوم لئلا تكون صلاته في تلك الحال ذريعة إلى سبه لنفسه وهو لا يشعر لغلبه النوم
الوجه السادس والأربعون: ان الشارع صلوات الله عليه نهى ان يخطب الرجل
على خطبة اخيه أو يستام على سوم أخيه أو يبيع أخيه وما ذاك إلا أنه ذريعة إلى التباغض والتعادي فقياس هذا انه لايستأجر على إجارته ولا يخطب ولاية ولا منصبا على خطبته وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى وقوع العداوة والبغضاء بينه وبين اخيه

الوجه السابع والأربعون: انه نهى عن البول في الجحر وما ذاك إلا لأنه قد يكون ذريعة إلى خروج حيوان يؤذيه وقد يكون من مساكن الجن فيؤذيهم بالبول فربما اذوه
الوجه الثامن والأربعون: انه نهى عن البراز في قارعة الطريق والظل والموارد لأنه ذريعة لاستجلاب اللعن كما علل به صلى الله عليه وسلم بقوله اتقوا الملاعن الثلاث وفي لفظ اتقوا اللاعنين قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله قال: "الذي يتخلى في طريق الناس وفي ظلهم"
الوجه التاسع والأربعون: انه نهاهم اذا أقيمت الصلاة ان يقوموا حتى يروه قد خرج لئلا يكون ذلك ذريعة إلى قيامهم لغير الله ولو كانوا إنما يقصدون القيام للصلاة لكن قيامهم قبل خروج الإمام ذريعة ولا مصلحة فيها فنهوا عنه
الوجه الخمسون: انه نهى ان توصل صلاة بصلاة الجمعة حتى يتكلم أو يخرج لئلا يتخذ ذريعة إلى تغيير الفرض وان يزاد فيه ما ليس منه قال السائب بن يزيد: "صليت الجمعة في المقصورة فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصليت فلما دخل معاوية ارسل إلي فقال: لا تعد لما فعلت اذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج فإن النبي صلى الله عليه وسلم امر بذلك ألا توصل الصلاة حتى يتكلم أو يخرج"
الوجه الحادي والخمسون: انه امر من صلى في رحله ثم جاء إلى المسجد ان
يصلي مع الامام وتكون له نافلة لئلا يتخذ قعوده والناس يصلون ذريعة إلى إساءة الظن به وانه من المصلين

الوجه الثاني والخمسون: انه نهى ان يسمر بعد العشاء الآخرة إلى المصل أو مسافر وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها وما ذاك إلا لأن النوم قبلها ذريعة إلى تفويتها والسمر بعدها ذريعة إلى تفويت قيام الليل فإن عارضه مصلحة راجحة كالسمر في العلم ومصالح المسلمين لم يكره
الوجه الثالث والخمسون: انه نهى النساء اذا صلين مع الرجال ان يرفعن رءوسهن قبل الرجال لئلا يكون ذريعة منهن إلى رؤية عورات الرجال من وراء الأزر كما جاء التعليل بذلك في الحديث
الوجه الرابع والخمسون: انه نهى الرجل ان يتخطى المسجد الذي يليه إلى غيره كما رواه بقية عن المجاشع بن عمرو عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ليصل احدكم في المسجد الذي يليه ولا يتخطاه إلى غيره" وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى هجر المسجد الذي يليه وإيحاش صدر الإمام وإن كان الإمام لايتم الصلاة أو يرمي ببدعة أو يعلن بفجور فلا بأس بتخطيه إلى غيره
الوجه الخامس والخمسون: انه نهى الرجل بعد الاذان ان يخرج من المسجد حتى يصلي لئلا يكون خروجه ذريعةالى اشتغاله عن الصلاة جماعة كما قال: عمار لرجل رآه قد خرج بعد الاذان اما هذا فقد عصى ابا القاسم
الوجه السادس والخمسون: انه نهى عن الاحتباء يوم الجمعة كما رواه احمد في مسنده من حديث سهل بن معاذ عن ابيه: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاحتباء يوم الجمعة" وما ذاك إلا انه ذريعة إلى النوم


الوجه السابع والخمسون: انه نهى المرأة اذا خرجت إلى المسجد ان تتطيب أو تصيب بخورا وذلك لانه ذريعة إلى ميل الرجال وتشوفهم اليها فإن رائحتها وزينتها وصورتها وابداء محاسنها تدعو اليها فأمرها ان تخرج تفلة وان لا تتطيب وان تقف خلف الرجال وان لا تسبح في الصلاة اذا بابها شيء بل تصفق ببطن كفها على ظهر الاخرى كل ذلك سدا للذريعة وحماية عن المفسدة
الوجه الثامن والخمسون: انه نهى ان تنعت المرأء المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها ولا يخفى أن ذلك سد للذريعة وحماية عن مفسدة وقوعها في قلبه وميله إليها بحضور صورتها في نفسه وكم ممن أحب غيره بالوصف قبل الرؤية
الوجه التاسع والخمسون أنه نهى عن الجلوس بالطرقات وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى النظر إلى المحرم فلما أخبروه أنه لا بد لهم من ذلك قال: "أعطوا الطريق حقه" قالوا: وما حقه قال: "غض البصر وكف الأذى ورد السلام"
الوجه الستون: أنه نهى أن يبيت الرجل عند امرأة إلا أن يكون ناكحا أو ذا رحم محرم وما ذاك إلا لأن المبيت عند الأجنبية ذريعة إلى المحرم
الوجه الحادي والستون: أنه نهى أن تباع السلع حيث تباع حتى تنقل عن مكانها وما ذاك إلا أنه ذريعة إلى جحد البائع البيع وعدم إتمامه إذا رأى المشتري قد ربح فيها فيغره الطمع وتشح نفسه بالتسليم كما هو الواقع وأكد هذا المعنى بالنهي عن الربح مالم يضمن وهذا من محاسن الشريعة وألطف باب لسد الذرائع


الوجه الثاني والستون: أنه نهى عن بيعتين في بيعة وهو الشرطان في البيع في الحديث الآخر وهو الذي لعاقده أوكس البيعتين أو الربا في الحديث الثال

وذلك سد لذريعة الربا فإنه إذا باعه السلعة بمائة مؤجلة ثم اشتراها منه بمائتين حالة فقد باع بيعتين في بيعة فإن أخذ بالثمن الزائد أخذ بالربا وإن أخذ بالناقص أخذ بأوكسهما وهذا من اعظم الذرائع إلى الربا وأبعد كل البعد من حمل الحديث على البيع بمائة مؤجلة أو خمسين حالة وليس ههنا ربا ولا جهالة ولا غرر ولا قمار ولا شيء من المفاسد فإنه خيره بين أي الثمنين شاء وليس هذا بأبعد من تخييره بعد البيع بين الأخذ والإمضاء ثلاثة ايام وأيضا فإنه فرق بين عقدين كل منهما ذريعة ظاهرة جدا إلى الربا وهما السلف والبيع والشرطان في البيع وهذان العقدان بينهما من النسب والإخاء والتوسل بهما إلى أكل الربا ما يقتضى الجمع بينهما في التحريم فصلوات الله وسلامه على من كلامه الشفاء والعصمة والهدى والنور


الوجه الثالث والستون: أنه أمر أن يفرق بين الأولاد في المضاجع وأن لا يترك الذكر ينام مع الأنثى في فراش واحد لأن ذلك قد يكون ذريعة إلى نسج الشيطان بينهما المواصلة المحرمة بواسطة اتحاد الفراش ولا سيما مع الطول والرجل قد يعبث في نومه بالمرأة في نومها إلى جانبه وهو لايشعر وهذا أيضا من ألطف سد الذرائع

الوجه الرابع والستون: أنه نهى أن يقول الرجل خبثت نفسي ولكن ليقل لقست نفسي سدا لذريعة اعتياد اللسان للكلام الفاحش وسدا لذريعة اتصاف النفس بمعنى هذا اللفظ فإن الألفاظ تتقاضى معانيها وتطلبها بالمشاكلة والمناسبة التي بين اللفظ والمعنى ولهذا قل من تجده يعتاد لفظا إلا ومعناه غالب عليه فسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذريعة الخبث لفظا ومعنى وهذا أيضا من ألطف الباب

الوجه الخامس والستون: أنه نهى الرجل أن يقول لغلامه وجاريته عبدي



وأمتي ولكن يقول فتاي وفتاتي ونهى أن يقول لغلامه وضىء ربك أطعم ربك سدا لذريعة الشرك في اللفظ والمعنى وإن كان الرب ههنا هو المالك كرب الدار ورب الإبل فعدل عن لفظ العبد والأمة إلى لفظ الفتى والفتاة ومنع من إطلاق لفظ الرب على السيد حماية لجانب التوحيد وسدا لذريعة الشرك


الوجه السادس والستون: أنه نهى المرأة أن تسافر بغير محرم وما ذاك إلا أن سفرها بغير محرم قد يكون ذريعة إلى الطمع فيها والفجور بها

الوجه السابع والستون: أنه نهى عن تصديق أهل الكتاب وتكذيبهم فيما يحدثون به لأن تصديقهم قد يكون ذريعة إلى التصديق بالباطل وتكذيبهم قد يكون ذريعة إلى التكذيب بالحق كما علل به في نفس الحديث

الوجه الثامن والستون: أنه نهى أن يسمى عبده بأفلح ونافع ورباح ويسار لأن ذلك قد يكون ذريعة إلى ما يكره من الطيرة بأن يقال ليس ههنا يسار ولا رباح ولا أفلح وإن كان إنما قصد اسم الغلام ولكن سدا لذريعة اللفظ المكروه الذي يستوحش منه السامع
الوجه التاسع والستون: أنه نهى الرجل عن الدخول على النساء لأنه ذريعة ظاهرة
الوجه السبعون: أنه نهى أن يسمى باسم برة لأنه ذريعة إلى تزكية النفس بهذا الاسم وإن كان إنما قصد العلمية
الوجه الحادي والسبعون: أنه نهى عن التداوي بالخمر وإن كانت مصلحة التداوي راجحة على مفسدة ملابستها سدا لذريعة قربانها واقتنائها ومحبة النفوس لها فحسم عليها المادة حتى في تناولها على وجه التداوي وهذا من أبلغ سد الذرائع
الوجه الثاني والسبعون: أنه نهى أن يتناجى اثنان دون الثالث لأن ذلك ذريعة إلى حزنه وكسر قلبه وظنه السوء



الوجه الثالث والسبعون: ان الله حرم نكاح الأمة على القادر على نكاح الحرة اذا لم يخش العنت لأن ذلك ذريعة إلى إرقاق ولده حتى لو كانت الامة من الآيسات من الحبل والولادة لم تحل له سد الذريعة ولهذا منع الامام احمد الاسير والتاجر ان يتزوج في دار الحرب خشية تعريض ولده للرق وعلله بعلة اخرى وهي انه قد يمكنه منع العدو من مشاركته في زوجته
الوجه الرابع والسبعون: انه نهى ان يورد ممرض على مصح لان ذلك قد يكون ذريعة اما إلى اعدائه واما إلى تأذيه بالتوهم والخوف وذلك سبب إلى اصابة المكروه له
الوجه الخامس والسبعون: انه نهى اصحابه عن دخول ديار ثمود إلا ان يكونوا باكين خشية ان يصيبهم مثل ما اصابهم فجعل الدخول من غير بكاء ذريعة الىاصابة المكروه
الوجه السادس والسبعون: انه نهى الرجل ان ينظر إلى من فضل عليه في المال واللباس فإنه ذريعة الى ازدرائه نعمة الله عليه واحتقاره بها وذلك سبب الهلاك

الوجه السابع والسبعون :انه نهى عن إنزاء الحمر على الخيل لأن ذلك ذريعة إلى قطع نسل الخيل أو تقليلها ومن هذا نهيه عن اكل لحومها ان صح الحديث فيه انما كان لأنه ذريعة إلى تقليلها كما نهاهم في بعض الغزوات عن نحر ظهورهم لما كان ذريعة إلى لحوق الضرر بهم بفقد الظهر

الوجه الثامن والسبعون: انه نهى من رأى رؤيا يكرهها يتحدث بها فإنه ذريعة إلى انتقالها من مرتبة الوجود اللفظي إلى مرتبة الوجود الخارجي كما انتقلت من الوجود الذهني الىاللفظي وهكذا عامة الامور تكون في الذهن ثم تنتقل إلى الحس وهذا من ألطف سد الذرائع


وانفعها ومن تأمل عامة الشر رآه متنقلا في درجات الظهور طبقا بعد طبق من الذهن إلى اللفظ إلى الخارج
الوجه التاسع والسبعون: انه سئل عن الخمر تتخذ خلا فقال لا مع إذنه في خل الخمر الذي حصل بغير التخليل وما ذلك إلا سدا لذريعة امساكها بكل طريق اذ لو اذن فى تخليلها لحبسها اصحابها لذلك و كان ذريعة إلى المحذور

الوجه الثمانون: انه نهى ان يتعاطى السيف مسلولا و ما ذاك الا انه ذريعة إلى الاصابة بمكروه و لعل الشيطان يعينه و ينزع فى يده فيقع المحذور و يقرب منه

الوجه الحادى والثمانون: انه امر المار فى المسجد بنبال ان يمسك عن نصلها بيده لئلا يكون ذريعة إلى تأذى رجل مسلم بالنصال

الوجه الثاني والثمانون: انه حرم الشياع وهو المفاخرة بالجماع لأنه ذريعة إلى تحريك النفوس والتشبه وقد لا يكون عند الرجل من يغنيه من الحلال فيتخطى إلى الحرام ومن هذا كان المجاهرون خارجين من عافية الله وهم المتحدثون بما فعلوه من المعاصي فإن السامع تتحرك نفسه إلى التشبه وفي ذلك من الفساد المنتشر مالا يعلمه إلا الله


الوجه الثالث والثمانون: أنه نهى عن البول في الماء الدائم وما ذاك إلا ان تواتر البول فيه ذريعة إلى تنجيسه وعلى هذا فلا فرق بين القليل والكثير وبول الواحد والعدد وهذا أولى من تفسيره بما دون القلتين أو بما يمكن نزحه فإن الشارع الحكيم لا يأذن للناس ان يبولوا في المياه الدائمة اذا جاوزت القلتين أو لم يمكن نزحها فإن في ذلك من إفساد مياه الناس ومواردهم مالا تأتي به شريعة فحكمة شريعته اقتضت المنع من البول فيه قل أو كثر سدا لذريعة إفساده


الوجه الرابع والثمانون أنه نهى ان يسافر بالقرآن إلى ارض العدو فإنه ذريعة إلى ان تناله ايديهم كما علل به في نفس الحديث


الوجه الخامس والثمانون: انه نهى عن الاحتكار وقال لا يحتكر إلا خاطيء فإنه ذريعة إلى أن يضيق على الناس أقواتهم ولهذا لا يمنع من احتكار ما لا يضر الناس

الوجه السادس والثمانون: أنه نهى عن منع فضل الماء لئلا يكون ذريعة إلى منع فضل الكلأ كما علل به في نفس الحديث فجعله بمنعه من الماء مانعا من الكلأ لان صاحب المواشي اذا لم يمكنه الشرب من ذلك الماء لم يتمكن من المرعى الذي حوله


الوجه السابع والثمانون: انه نهى عن اقامة حد الزنا على الحامل حتى تضع لئلا يكون ذلك ذريعة إلى قتل ما في بطنها كما قال في الحديث الآخر لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأمرت فتياني ان يحملوا معهم حزما من حطب فأخالف إلى قوم لا يشهدون الصلاة في الجماعة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار فمنعه من تحريق بيوتهم التي عصوا الله فيها بتخلفهم عن الجماعة كون ذلك ذريعة إلى عقوبة من لم يجب عليه حضور الجماعة من النساء والاطفال
الوجه الثامن والثمانون: أنه نهى عن إدامة النظر إلى المجذومين وهذا والله أعلم لانه ذريعة إلى ان يصابوا بإيذائهم وهي من ألطف الذرائع وأهل الطبيعة يعترفون به وهو جار على قاعدة الاسباب واخبرني رجل من علمائهم انه جلس قرابة له يكحل الناس فرمد ثم بريء فجلس يكحلهم فرمد مرارا قال: فعلمت ان الطبيعة تنتقل وأنه من كثرة ما يفتح عينيه في اعين الرمد نقلت الطبيعة الرمد إلى عينيه وهذا لا بد معه من نوع استعداد وقد جبلت الطبيعة والنفس على التشبه والمحاكاة

الوجه التاسع والثمانون: ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجل ان ينحنى للرجل اذا لقيه كما يفعله كثير من المنتسبين إلى العلم ممن لا علم له بالسن

بل يبالغون إلى أقصى حد الانحناء مبالغة في خلاف السنة جهلا حتى يصير أحدهم بصورة الراكع لأخيه ثم يرفع رأسه من الركوع كما يفعل إخوانهم من السجود بين يدى شيوخهم الأحياء والأموات اخذوا من الصلاة سجودها وأولئك ركوعها وطائفة ثالثة قيامها يقوم عليهم الناس وهم قعود كما يقومون في الصلاة فقاسمت الفرق الثلاث أجزاء الصلاة والمقصود ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن انحناء الرجل لأخيه سدا لذريعة الشرك كما نهى عن السجود لغير الله وكما نهاهم أن يقوموا في الصلاة على رأس الامام وهو جالس مع ان قيامهم عبادة لله تعالى فما الظن إذا كان القيام تعظيما للمخلوق وعبودية له فالله المستعان

الوجه التسعون: أنه حرم التفريق في الصرف وبيع الربوي بمثله قبل القبض لئلا يتخذ ذريعة إلى التأجيل الذي هو أصل باب الربا فحماهم من قربانه باشتراط التقابض في الحال ثم أوجب عليهم فيه التماثل وأن لايزيد أحد العوضين على الآخر إذا كانا من جنس واحد حتى لايباع مد جيد بمدين رديئين وإن كانا يساويانه سدا لذريعة ربا النساء الذي هو حقيقة الربا وأنه إذا منعهم من الزيادة مع الحلول حيث تكون الزيادة في مقابلة جودة أو صفة أو سكة أو نحوهما فمنعهم منها حيث لا مقابل لها إلا مجرد الأجل أولى فهذه هى حكمة تحريم ربا الفضل التي خفيت على كثير من الناس حتى قال: بعض المتأخرين لا يتبين لي حكمة تحريم ربا الفضل وقد ذكر الشارع هذة الحكمة بعينها فإنه حرمه سدا لذريعة ربا النساء فقال في حديث تحريم ربا الفضل فإنى أخاف عليكم الرما والرما هو الربا فتحريم الربا نوعان نوع حرم لما فيه من المفسدة وهو ربا النسيئة ونوع حرم تحريم الوسائل وسدا للذرائع فظهرت حكمة الشارع الحكيم وكمال شريعته الباهرة في تحريم النوعين ويلز من لم يعتبر الذرائع ولم يأمر بسدها أن يجعل تحريم ربا الفضل تعبدا محضا لا يعقل معناه كما صرح بذلك صرح كثير منهم
الوجه الحادي والتسعون: انه ابطل أنواعا من النكاح الذي يتراضى به الزوجان سدا لذريعة الزنا فمنها النكاح بلا ولى فإنه أبطله سدا لذريعة الزنا فإن الزاني لا يعجز أن يقول للمرأة أنكحيني نفسك بعشرة دراهم ويشهد عليها رجلين من اصحابه أو غيرهم فمنعها من ذلك سدا لذريعة الزنا ومن هذا تحريم نكاح التحليل الذي لا رغبة للنفس فيه في إمساك المرأة واتخاذها زوجة بل له وطر فيما يقضيه بمنزلة الزاني في الحقيقة وإن اختلفت الصورة ومن ذلك تحريم نكاح المتعة الذي يعقد فيه المتمتع على المرأة مدة يقضي وطره منها فيها فحرم هذة الأنواع كلها سدا لذريعة السفاح ولم يبح إلا عقدا مؤبدا يقصد فيه كل من الزوجين المقام مع صاحبه ويكون بإذن الولى وحضور الشاهدين أو ما يقوم مقامهما من الاعلان فإذا تدبرت حكمة الشريعة وتأملتها حق التأمل رأيت تحريم هذه الأنواع من باب سد الذرائع وهي من محاسن الشريعة وكمالها
الوجه الثاني والتسعون: أنه المتصدق من شراء صدقته ولو وجدها تباع في السوق سدا لذريعة العود فيما خرج عنه ولو بعوضه فإن المتصدق إذا منع من تملك صدقته بعوضها فتملكه إياها بغيرعوض أشد منعا وأفطم للنفوس عن تعلقها بما خرجت عنه لله والصواب ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم من المنع من شرائها مطلقا ولا ريب أن في تجويز ذلك ذريعة إلى التحليل علىالفقير بأن يدفع إليه صدقة ماله ثم يشتريها منه بأقل من قيمتها ويرى المسكين أنه قد حصل له شيء مع حاجته فتسمح نفسه بالبيع والله عالم بالأسرار فمن محاسن هذه الشريعة الكاملة سد الذريعة ومنع التصدق من شراء صدقته وبالله التوفيق
الوجه الثالث والتسعون: أنه نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها لئلا يكون ذريعة إلى اكل مال المشتري بغير حق اذا كانت معرضة للتلف وقد يمنعها الله وأكد هذا الغرض بأن حكم للمشتري بالجائحة اذا تلفت بعد الشراء الجائز وكل هذا لئلا يظلم المشتري ويؤكل ماله بغير حق
الوجه الرابع والتسعون :أنه نهى الرجل بعد إصابة ما قدر له أن يقول لو أنى فعلت كذا لكان كذا وكذا واخبر ان ذلك ذريعة إلى عمل الشيطان فإنه لا يجدي عليه إلا الحزن والندم وضيقة الصدر والسخط على المقدور واعتقاد أنه كان يمكنه دفع المقدور لو فعل ذلك وذلك يضعف رضاه وتسليمه وتفويضه وتصديقه بالمقدور وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وإذا أعرض القلب عن هذا انفتح له عمل الشيطان وما ذاك لمجرد لفظ لو بل لما قارنها من الامور القائمة بقلبه المنافية لكمال الايمان الفاتحة لعمل الشيطان بل أرشد العبد في هذه الحال إلى ما هو أنفع له وهو الايمان بالقدر والتفويض والتسليم للمشيئة الإلهية وأنه ما شاء الله كان ولا بد فمن رضى فله الرضى ومن سخط فله السخط فصلوات الله وسلامه على من كلامه شفاء للصدور ونور للبصائر وحياة للقلوب وغذاء للأرواح وعلى آله فلقد أنعم به على عباده أتم نعمة ومن عليهم به أعظم منه فلله النعمة وله المنة وله الفضل وله الثناء الحسن
الوجه الخامس والتسعون: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتباريين وهما الرجلان يقصد كل منهما مباراة الآخر ومباهاته إما في التبرعات كالرجلين يصنع كل منهما دعوة يفتخر بها على الآخر ويباريه بها وإما في المعاوضات كالبائعين يرخص كل منهما سلعته لمنع الناس من الشراء من صاحبه ونص الإمام احمد على كراهية الشراء من هؤلاء وهذا النهي يتضمن سد الذريعة من وجهين احدهما ان تسليط النفوس على الشراء منهما وأكل طعامهما تفريح لهما وتقوية لقلوبهما وإغراء لهما على فعل ما كرهه الله ورسوله والثاني ان ترك الاكل من طعامهما ذريعة إلى امتناعهما وكفهما عن ذلك
الوجه السادس والتسعون: أنه تعالى عاقب الذين حفروا الحفائر يوم الجمعة فوقع فيها السمك يوم السبت فأخذوه يوم الاحد ومسخهم الله قردة وخنازير وقيل إنهم نصبوا الشباك يوم الجمعة وأخذوا الصيد يوم الاحد وصورة الفعل الذي فعلوه مخالف لما نهوا عنه ولكنهم لما جعلوا الشباك والحفائر ذريعة إلى أخذ ما يقع فيها من الصيد يوم السبت نزلوا منزلة من اصطاد فيه إذ صورة الفعل لا اعتبارا بها بل بحقيقته وقصد فاعله ويلزم من يسد الذرائع ان لا يحرم مثل هذا كما صرحوا به في نظيره سواء وهو لو نصب قبل الاحرام شبكة فوقع فيها صيد وهو محرم جاز له أخذه بعد الحل وهذا جار على قواعد من لم يعتبر المقاصد ولم يسد الذرائع
الوجه السابع والتسعون: قال الامام احمد: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السلاح في الفتنة ولا ريب ان هذا سد لذريعة الاعانة على المعصية ويلزم من لم يسد الذرائع ان يجوز هذا البيع كما صرحوا به ومن المعلوم ان هذا البيع يتضمن الاعانة على الاثم والعدوان وفي معنى هذا كل بيع أو إجاره أو معاوضة تعين على معصية الله كبيع السلاح للكفار والبغاة وقطاع الطريق وبيع الرقيق لمن يفسق به أو يؤاجره لذلك أو إجارة داره أو حانوته أو خانه لمن يقيم فيها سوق المعصية وبيع الشمع أو إجارته لمن يعصي الله عليه ونحو ذلك مما هو إعانة على ما يبغضه الله ويسخطه ومن هذا عصر العنب لمن يتخذه خمرا وقد لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو والمعتصر معا ويلزم من لم يسد الذرائع أن لا يلعن العاصر وأن يجوز له ان يعصر العنب لكل أحد ويقول القصد غير معتبر في العقد والذرائع غير معتبرة ونحن مطالبون في الظواهر والله يتولى السرائر وقد صرحوا بهذا ولا ريب في التنافى بين هذا وبين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الوجه الثامن والتسعون :نهيه عن قتال الأمراء والخروج على الائمة وإن ظلموا أو جاروا ما أقاموا الصلاة سدا لذريعة الفساد العظيم والشر الكثير بقتالهم كما هو الواقع فإنه حصل بسبب قتالهم والخروج عليهم أضعاف اضعاف ما هم عليه والامة في بقايا تلك الشرور إلى الآن وقال إذا بويع الخليفتان فاقتلوا الآخر منهما سدا لذريعة الفتنة
الوجه التاسع والتسعون
جمع عثمان المصحف على حرف واحد من الاحرف السبعة لئلا يكون ذريعة إلى اختلافهم في القرآن ووافقه على ذلك الصحابة رضى الله عنهم

ولنقتصر على هذا العدد من الامثلة الموافق لاسماء الله الحسنى التي من احصاها دخل الجنة تفاؤلا بأنه من أحصى هذه الوجوه وعلم انها من الدين وعمل بها دخل الجنة إذ قد يكون قد اجتمع له معرفة اسماء الرب تعالى ومعرفة احكامه ولله وراء ذلك اسماء واحكام

وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف فإنه أمر ونهى والامر نوعان أحدهما مقصود لنفسه والثاني وسيلة إلى المقصود والنهي نوعان احدهما ما يكون المنهى عنه مفسدة في نفسه والثاني ما يكون وسيلة إلى المفسدة فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين


إعلام الموقعين عن رب العالمين - الجزء الثالث
لإبن القيم رحمه الله




أبو عبد الرحمن الجزائري (http://noor-elislam.net/vb/member.php?u=1)