أبو أنس بشير بن سلة الأثري
30-Sep-2010, 01:24 AM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه .
وبعد:
فهذه إجابات فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله البخاري على أسئلة الأعضاء والتي تم الاعلان عنها في وقت سابق, جزى الله الشيخ خير الجزاء, وبارك له في عمره وعلمه وعمله.
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحيم البخاري - حفظه الله -:
الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، أما بعد:
فهذه أجوبة عن أسئلة الإخوة، أسأل الله لي ولهم التوفيق والسَّداد في القول والعمل، إنَّه سميع مجيب.
السؤال الأول: عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (خلق الله التربة يوم السبت...) الحديث.
الجواب: الكلام على الحديث جواباً من وجوه:
الأول: تخريجه باختصار.
أخرجه مسلمٌ (كتاب صفات المنافقين وأحكامهم/ باب ابتداء الخلق، وخلق آدم عليه السَّلام)(4/رقم2789(27)/2149) و النسائي في (الكبرى)(كتاب التفسير)(10/رقم 10943/20) و أحمد في (المسند)(14/ رقم 8341/82) وابن حبان في (الصحيح)(14/ رقم 6161/30- الإحسان) والبيهقي في (الأسماء والصفات)(2/ رقم812/250) كلهم من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبدالله بن رافع مولى أم سلمة به.
الثاني: تقعيد:
اشتهر القول: بأنَّ أحاديث الصَّحيحين قد تلقتها الأمة بالقبول. والأمر ليس على إطلاقه؛ ذلك أنَّ أحاديث الصحيحين تلقتها الأمة بالقبول سوى أحرف يسيرة انتقدها الحفاظ، وعليه فالأحاديث المنتقدة لا تعتبر مما تلقتها الأمة بالقبول، بغض النظر هل الصواب فيها مع الشيخين أم مع غيرهما،وإنما المقصود أنَّ هذه الأحاديث غير داخلة في القبول.
ينظر: (علوم الحديث) لابن الصلاح (ص29- ط عتر) و(اختصار علوم الحديث) لابن كثير(1/124) و(الإتباع) لابن أبي العز (ص48).
الثالث: هذا الحديث يعتبر من الأحرف التي نقدها أهل العلم على صحيح مسلم، فلا يعتبر من الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول.
الرابع: أقوال أهل العلم في الحديث:
يمكن تقسيم أهل العلم الذين تكلموا في الحديث على قسمين:
الأول: مَن صحَّحه.
ذهب جماعة من الحفاظ إلى صحته والقول بثبوته، وهم:
1/ الإمام الحافظ مسلم بن الحجاج- رحمه الله- حيث أخرجه في (صحيحه).
2/ الإمام الحافظ ابن حبان البستي- رحمه الله- حيث خرجه في (صحيحه).
3/ الحافظ أبو بكر ابن الأبناري –رحمه الله- ينظر (مجموع الفتاوى)(17/17) و( الفضل المبين) للقاسمي (ص432-434)-.
4/ الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي- رحمه الله – في (زاد المسير)(7/243).
5/ العلامة الحافظ الشوكاني- رحمه الله- في (فتح القدير)(1/62).
ومن المعاصرين:
6/ العلامة الناقد ذهبي العصر عبدالرحمن بن يحيى المعلمي-رحمه الله- في (الأنوار الكاشفة)(ص185-190).
7/ العلامة المحدث ناصر السُّنة محمد ناصر الدين الألباني-رحمه الله- في (سلسلة الأحاديث الصحيحة)(4/رقم1833) و(تحقيق مشكاة المصابيح)(3/رقم5735/ص1598) و(تحقيق مختصر العلو) للذهبي (تعليق رقم57/ص112).
8/ شيخنا العلامة المحدث ربيع بن هادي المدخلي-حفظه الله- في تحقيقه وتعليقه لكتاب (التوسل والوسيلة) لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص173) وقد أكد لي قوله بصحة الحديث أيضاً في اتصال هاتفي معه حفظه الله في الأسبوع الماضي من شهر صفر لعام1428هـ.
9/ شيخنا العلامة عبدالقادر بن حبيب الله السندي-رحمه الله- في رسالته (إزالة الشبهة عن حديث التربة) حيث تكلم عن الحديث سنداً ومتناً، ورسالته منشورة في (مجلة الجامعة الإسلامية) (العدد 49/ محرم- عام 1401هـ) و(العددان 50-51/ ربيع الآخر- رمضان/ عام 1401هـ).
ومما ينبغي التنبه له أنَّ العلامة المعلمي والعلامة الألباني والعلامة السندي- رحمهم الله- تعرضوا في كتبهم آنفة الذكر بالجواب عمن دفع الحديث وأعلَّه بشيء من البسط والبحث، و كلام العلامة المعلمي من أمتن الكلام وأدقه.
الثاني: مَنْ أعلَّه.
تكلَّم بعض أهل العلم من الأئمة الحفاظ في الحديث، وعدَّه بعضهم من غرائب الصَّحيح، وبعضهم رجَّح أنَّه من كلام كعب الأحبار، وأنَّه اشتبه على بعض الرُّواة فجعلوه مرفوعاً، فمن أولئك العلماء:
1/ الإمام الحافظ الناقد علي بن عبدالله المديني حيث قال الحافظ البيهقي في (الأسماء والصفات)(2/ عقب رقم 812/251- ط الحاشدي):" هذا حديث أخرجه مسلم في كتابه عن سريج بن يونس وغيره عن حجاج بن محمد.... وزعم بعضهم أنَّ إسماعيل بن أمية إنما أخذه عن إبراهيم ابن أبي يحيى عن أيوب بن خالد، وإبراهيم غير محتج به" ثم أسند الرواية التي أشار إليها، وفيه سؤال محمد بن يحيى لابن المديني عن الحديث فقال:" هذا حديث مدني، رواه هشام بن يوسف عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن أبي رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ( أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، قال علي: وشبك بيدي إبراهيم بن أبي يحيى، وقال لي: شبك بيدي أيوب بن خالد، وقال لي: شبك بيدي عبدالله بن رافع، وقال لي: شبك بيدي أبوهريرة رضي الله عنه، وقال لي: شبك بيدي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، وقال لي: خلق الله الأرض يوم السبت ) فذكر الحديث بنحوه.
قال علي بن المديني:" وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا من إبراهيم بن أبي يحيى".
قال البيهقي عقبه:" قلت: قد تابعه على ذلك موسى ابن عبيدة الربذي عن أيوب بن خالد، إلا أن موسى بن عبيدة ضعيف، وروي عن بكر بن الشرود عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم عن أيوب بن خالد، وإسناده ضعيف، والله أعلم".
2/ الإمام الحافظ الناقد يحيى بن معين –رحمه الله-، نقله عنه الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال:" وكذلك روى مسلم (خلق الله التربة يوم السبت)، ونازعه فيه من هو أعلم منه كيحيى بن معين والبخاري وغيرهما، فبينوا أن هذا غلط ليس هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم"، و كذا في (التوسل والوسيلة)(ص173).
3/ الإمام الحافظ شيخ المحدثين أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري-رحمه الله-، حيث رواه معلقاً في (التاريخ الكبير)(1/ص413-414) من طريق إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد به، ثم قال:" وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب، وهو أصحُّ".
4/ الإمام شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني-رحمه الله- حيث تكلم على الحديث في مواطن عديدة من كتبه، فمن ذلك قوله:" وأما الحديث الذي رواه مسلم في قوله (خلق الله التربة يوم السبت)، فهو حديثٌ معلولٌ قدح فيه أئمة الحديث كالبخاري وغيره، قال البخاري: الصحيح أنه موقوف على كعب، وقد ذكر تعليله البيهقي أيضاً، وبينوا أنه غلط ليس مما رواه أبوهريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مما أنكر الحذاق على مسلم إخراجه إياه، كما أنكروا عليه إخراج أشياء يسيرة" (الفتاوى)(17/236-237).
و ينظر أيضاً: (الفتاوى)(1/256-257) و(18/73) و (التوسل والوسيلة)(ص172-173- تحقيق العلامة ربيع بن هادي).
5/ الإمام الحافظ العلامة أبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية- رحمه الله- حيث قال في (المنار المنيف)(ص78- ط الثمالي):" ويُشبه هذا ما وقع فيه الغلط من حديث أبي هريرة (خلق الله التربة يوم السبت) الحديث، وهو في صحيح مسلم، ولكن وقع الغلط في رفعه، وإنما هو من قول كعب الأحبار، كذلك قال إمام أهل الحديث محمد بن إسماعيل البخاري في (تاريخه الكبير) وقال غيره من علماء المسلمين أيضاً. وهو كما قالوا؛ لأن الله أخبر أنه (خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام)، وهذا الحديث يقتضي أن مدَّة التخليق سبعة أيام،والله تعالى أعلم". ونحوه في (بدائع الفوائد)(1/85).
6/ الإمام الحافظ المفسر أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير- رحمه الله- تكلم عن الحديث في مواطن من كتبه، فمن ذلك:" قد تكلم في هذا الحديث علي بن المديني والبخاري والبيهقي وغيرهم من الحفاظ، قال البخاري: وقال بعضهم: عن كعبٍ وهو الأصح. يعني: أن هذا الحديث مما سمعه أبوهريرة وتلقاه عن كعب الأحبار، فإنهما كان يصطحبان ويتجالسان للحديث، فهذا يُحدثه عن صُحفه، وهذا يحدثه بما يُصدِّقه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكان هذا الحديث مما تلقاه أبو هريرة عن كعب عن صُحفه، فوهم بعض الرواة فجعله مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأكدك رفعه بقوله أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي. ثم في متنه غرابة شديدة؛ فمن ذلك أنه ليس فيه ذكر خلق السموات، وفيه ذكر خلق الأرض وما فيها من سبعة أيام، وهذا خلاف القرآن؛ لأن الأرض خلقت في أربعة أيام، ثم خلقت السموات في يومين من دخان..." (البداية والنهاية/ ط التركي)(1/32-35).
وقال في (تفسيره) (1/ص72) (سورة البقرة: آية:29):" هذا الحديث من غرائب صحيح مسلم، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعاً، وقد حرر ذلك البيهقي".
و ينظر نحوه في (التفسير) له (2/229-230)(سورة الأعراف: آية:54) و(3/465-466) (سورة السجدة: آية:4) و(4/101-102)(سورة فصلت: آية:12).
7/ العلامة عبدالرؤوف المناوي- رحمه الله- حيث قال في (فيض القدير)(3/448):" قال بعضهم: هذا الحديث في متنه غرابة شديدة، فمن ذلك: أنه ليس فيه ذكر خلق السموات، وفيه ذكر خلق الأرض وما فيها في سبعة أيام، وهذا خلاف القرآن؛ لأن الأربعة خلقت في أربعة أيام، ثم خلقت السموات في يومين".
الخامس: تنبيه:
تقدَّم النقل من (الفتاوى) و(التوسل) لشيخ الإسلام أنَّ الإمام يحيى بن معين ممن أعل الحديث، و أخشى أنْ يكون تصحف اسم الإمام يحيى بن معين على الناسخ فانقلب عليه اسم علي بن المديني إلى يحيى بن معين؛ ذلك أنَّ الأئمة كابن القيم و ابن كثير الذين تقدم النقل عنهما مع حرصهما على ذكر العلماء الذين أعلوا الحديث لم يذكرا فيمن ذكرا الإمام يحيى بن معين، وإنما ذكرا الإمام علي بن المديني، وكذا شيخ الإسلام فيما عدا الموطن المشار إليه آنفاً، ومما يذكر في هذا المقام أنَّ الحديث أخرجه ابن معين في (تاريخه) (2/ رقم 210/ص305) من طريق هشام بن يوسف عن ابن جريج عن إسماعيل به. ولم يعل الحديث أو يتكلم عليه بشيء!! فالله أعلم.
السادس: من أجوبة بعض أهل العلم المصححين عن مآخذ المعللين.
قال العلامة المعلمي في (الأنوار)(ص186):" ويرد على هذا- أي على كلام ابن المديني المتقدم- أن إسماعيل بن أمية ثقة عندهم غير مدلس، فلهذا والله أعلم لم يرتض البخاري قول شيخه ابن المديني، وأعل الخبر بأمر آخر فإنه ذكر طرفه في ترجمة أيوب..- فذكر قول البخاري السابق، ثم قال- ومؤدَّى صنيعه أنه يحدس أن أيوب أخطأ، وهذا الحدس مبني على ثلاثة أمور:
الأول: استنكار الخبر لما مرَّ .
- قلت: قدَّم رحمه الله أوجهاً ثلاثة في الاستنكار قبل نقل التعليل-.
الثاني: أن أيوب ليس بالقوي، وهو مقل لم يخرج مسلم إلا هذا الحديث، لما يعلم من الجمع بين رجال الصحيحين،وتكلم فيه الأزدي، ولم يُنقل توثيقه عن أحد من الأئمة إلا ابن حبان ذكره في (ثقاته)، وشرط ابن حبان في التوثيق فيه تسامح معروف.
الثالث: الرواية التي أشار إليها بقوله (وقال بعضهم) وليته ذكر سندها ومتنها، فقد تكون ضعيفة في نفسها، وإنما قويت عنده للأمرين الآخرين، ويدل على ضعفها أن المحفوظ عن كعب وعبدالله بن سلام ووهب بن منبه ومَن يأخذ عنهم أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد، وهو قول أهل الكتاب المذكور في كتبهم، وعليه بنوا قولهم في السبت، انظر(الأسماء والصفات)(ص272و275) وأوائل تاريخ ابن جرير، وفي (الدر المنثور)(ص/91) (أخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال: بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، وجعل كل يوم ألف سنة)، وأسنده ابن جرير في أوائل التاريخ (1/22ط الحسينية)، واقتصر على أوله (بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والاثنين)، فهذا يدفعُ أن يكون ما في الحديث من قول كعب.
وأيوب لا بأس يه، وصنيع ابن المديني يدل على قوته عنده،وقد أخرج له مسلم في صحيحه، كما علمت وإن لم يكن حده أن يحتج به في (الصحيح)، فمدار الشك في هذا الحديث على الاستنكار، و قد يجاب عنه بما يأتي:
أما الوجه الأول: فيجاب عنه: بأن الحديث و إن لم ينص على خلق السماء فقد أشار إليه بذكره في اليوم الخامس: النور، وفي السادس: الدواب، وحياة الدواب محتاجة إلى الحرارة والنور والحرارة مصدرهما الأجرام السماوية.
والذي فيه أن خلق الأرض نفسها كان في أربعة أيام كما في القرآن، والقرآن إذ ذكر خلق الأرض في أربعة أيام لم يذكر ما يدل أن من جملة ذلك خلق النور والدواب، وإذ ذكر خلق السماء في يومين لم يذكر ما يدل أنه في أثناء ذلك لم يحدث في الأرض شيئاً، والمعقول أنها بعد تمام خلقها أخذت في التطور بما أودعه الله تعالى فيها، والله سبحانه لا يشغله شان عن شان.
ويجاب عن الوجه الثاني: بأنه ليس في هذا الحديث أنَّه خلق في اليوم السابع غير آدم، وليس في القرآن ما يدل أن خلق آدم كان في الأيام الستة ولا في القرآن ولا السنة و لا المعقول أن خالقية الله عز وجل وقفت بعد تلك الأيام الستة، بل هذا معلوم البطلان، وفي آيات خلق آدم أوائل البقرة وبعض الآثار ما يؤخذ منه أنه قد كان الأرض عمار قبل آدم عاشوا فيها دهراً، فهذا يساعد القول بأن خلق آدم متأخر بمدة عن خلق السموات والأرض.
فتدبر الآيات والحديث على ضوء هذا البيان يتضح لك إن شاء الله أن دعوى مخالفة هذا الحديث لظاهر القرآن قد اندفعت،و لله الحمد.
و أما الوجه الثالث: فالآثار القائلة إن ابتداء الخلق يوم الأحد ما كان منها مرفوعاً فهو أضعف من هذا الحديث بكثير، وأما غير المرفوع فعامته من قول عبدالله بن سلام وكعب ووهب ومَن يأخذ عن الإسرائيليات، وتسمية الأيام كانت قبل الإسلام تقليدا لأهل الكتاب، فجاء الإسلام وقد اشتهرت وانتشرت فلم ير ضرورة إلى تغييرها؛ لأن إقرار الأسماء التي قد عرفت واشتهرت وانتشرت لا يعد اعترافاً بمناسبتها لما أخذت منه أو بنيت عليه، إذ قد أصبحت لا تدل على ذلك، وإنما تدل على مسمياتها فحسب،ولأن القضية ليست مما يجب اعتقاده أو يتعلق به نفسه حكم شرعي، فلم تستحق أن يحتاط لها بتغيير ما اشتهر وانتشر من تسمية الأيام".
و أما رواية ابن أبي يحيى المتقدمة: فقال العلامة الألباني كما (الصحيحة)(4/ ص450):" و رواية إبراهيم بن أبي يحيى التي أشار إليها البيهقي، قد أخرجها الحاكم في (علوم الحديث)(ص33)...- فذكرها ثم قال- وأشار الحاكم إلى تضعيفه هكذا مسلسلاً بالتشبيك، وعلته إبراهيم؛ فإنه متروك كما تقدم".
السابع: الخلاصة:الذي يظهرُ مما تقدم من كلام أهل العلم عن الحديث أنَّ الحديث من الأحاديث المنتقدة على صحيح الإمام مسلم، و القول بثبوته أظهر وأقوى؛ والقول بتعليله قولٌ قويٌّ، والعلم عند الله.
السؤال الثاني: قول السائل: كيف يكون المحدث ثقة وفي الوقت نفسه يوصف بالتدليس؟
الجواب: هناك أمور لا بد من الانتباه والتنبه لها كي تتضح الصورة جواباً عن هذا السؤال، وهذه الأمور هي كالتالي:
الأول: التدليس له أقسام، منها تدليس الإسناد، و ألحق به: تدليس التسوية، و تدليس القطع، وتدليس السكوت وتدليس العطف، وتدليس الصيغ.
ومنها تدليس الشيوخ، وألحق به تدليس البلدان.
ولكل منها حدُّه وصوره، وليس المقام مقام بسط حدود تلك الأقسام وصورها؛ لذا ينظر في ذلك للتقريب كتب: علوم الحديث عموماً مثل: (معرفة علوم الحديث)(ص103) للحاكم و(الكفاية) للخطيب (ص59)و(ص508- 527) و( علوم الحديث) لابن الصلاح (ص73-76) و(شرح ألفية الحديث) للعراقي (1/180) و(التقييد والإيضاح) له (ص96-97) و (النكت على كتاب ابن الصلاح) لابن حجر(2/614- 651) و غيرها.
وكوني أحلت إلى بعض كتب علوم الحديث، لا يعني ذلك إغفال كتب (العلل) و (التراجم) فإنَّها مليئة بالأمثلة في الباب، ولكن الأمر كما ذكرتُ قبلُ: أنَّه للتقريب فقط لا غير، فليتنبه.
الثاني: ذكر أهل العلم بأنَّ التدليس له بواعث، وعليه فإن الحكم على الراوي يختلف باختلاف باعثه على التدليس.
فمن ذلك: إيهام علو الإسناد، أو ضعف الراوي المدلَّس أو صغر سنِّ الشيخ المدلَّس عن سنِّ المدلِّس أو كراهية ذكره لسوء حاله لا لقدح في حديثه، أو إيهام كثرة الرواية، أو إيهام كثرة الشيوخ أو امتحان الأذهان واختبارها في معرفة الرجال، أو تحسين الحديث، أو غير ذلك من الأسباب والبواعث.
لذا قال الحافظ الخطيب رحمه الله:" التدليس مكروه عند أكثر أهل العلم، وقد عظَّم بعضهم الشأن في ذمه" (الكفاية)(ص508)، فتدليس الإسناد أكثر العلماء والمحققين على ذمه وإنكاره، وأشده كراهة وذماً (التسوية) حتى قال الحافظ العراقي:" إنه قادحٌ فيمن تعمد فعله" (التقييد) (ص97)، وينظر (اختصار علوم الحديث)(1/175).
وأما تدليس الشيوخ فهو أخف من سابقه، إلا أنَّ الحكم يتوقف على معرفة المقصد منه؛ فمن دلَّس لجرح في الراوي فعمَّاه فإنَّه يُجرح به؛ لأن الدين النصيحة، و ما كان إيهاما لكثرة شيوخ أو حديث أو نحو ذلك فإن الأولى تركه؛ لما فيه من التزين والشهرة، والله أعلم.
ينظر: (اختصار علوم الحديث)(1/176) و(تدريب الراوي)(1/223-231) و(فتح المغيث)(1/208-229).
الثالث: تنبيه مهم:إذا ثبت وصف راوٍ ما بأنَّه ثقة، فإنَّ هذا الوصف موجبٌ لقبول خبره- إن سلم من المآخذ-، فإن ثبت ما يوجب ردَّ خبره بالبينة والبرهان رُدَّ خبره.
وعليه: فإذا ثبت وصف الراوي بأنَّه ثقة، ثم وردَ قولٌ فيه بأنَّه مدلِّسٌ، فإن التعامل مع هذا القول يكون كالتالي:
1/ لابدَّ من ثبوت هذا الوصف؛ ذلك أنَّه ليس كل وصف يصح في الراوي، إذ قد ينقل القول وعند التحقيق لا يثبت القول و لا يصح، فمن ذلك ما قاله أبو الفرج المعافى النهرواني في كتابه (الجليس والأنيس) في حق الإمام شعبة بن الحجاج:" كان شعبة ينكر التدليس، ويقول فيه ما يتجاوز الحد- مع كثرة روايته عن المدلسين،ومشاهدته من كان مدلساً من الأعلام، كالأعمش والثوري وغيرهما- إلى أن قال- ومع ذلك فقد وجدنا لشعبة مع سوء قوله في التدليس تدليساً في عدة أحاديث رواها، وجمعنا ذلك في موضع آخر" انتهى.
قال الحافظ ابن حجر في (النكت)(2/628-630) بعد نقله كلام النهرواني هذا:" وما زلت متعجباً من هذه الحكاية شديد التلفت إلى الوقوف على ذلك، و لا أزداد إلا استغراباً لها واستبعاداً إلى أن رأيت في (فوائد أبي عمرو بن أبي عبيدالله بن مندة) وذلك فيما قرأت على أم الحسن بنت المنجا عن عيسى بن عبدالرحمن بن مغالي قال قرئ على كريمة بنت عبدالوهاب ونحن نسمع عن أبي الخير الباغيان أنا عمرو بن أبي عبيدالله بن مندة ثنا أبوعمر عبدالله بن محمد بن أحمد بن محمد بن الأصفر ثنا النفيلي ثنا مسكين بن بكير ثنا شعبة قال: سألت عمرو بن دينار عن رفع الأيدي عند رؤية البيت؟ فقال: قال أبو قزعة حدثني مهاجر المكي أنه سأل جابر بن عبدالله رضي الله عنه: أكنتم ترفعون أيديكم عند رؤية البيت؟ فقال: قد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل فعلنا ذلك؟.
قال الأصفر: ألقيته على أحمد بن حنبل فاستعادني، فأعدته عليه، فقال: ما كنتُ أظن أن شعبة يدلس. حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي قزعة بأربعة أحاديث هذا أحدها، يعني ليس فيه عمرو بن دينار.
قلت: هذا الذي قاله أحمد على سبيل الظنِّ، و إلا فلا يلزم من مجرد هذا أن يكون شعبة دلس في هذا الحديث؛ لجواز أن يكون سمعه من أبي قزعة بعد أن حدثه عمرو عنه، ثم وجدته في (السنن) لأبي داود عن يحيى بن معين عن غندر عن شعبة قال: سمعتُ أبا قزعة...فذكره.
فثبتَ أنَّه ما دلَّسهُ، والظاهر: الذي زعم المعافى أنه جمعه كله من هذا القبيل وإلا فشعبة من أشد الناس تنفيراً عنه.
و أما كونه: كان يروي عن المدلسين، فالمعروف عنه أنه كان لا يحملُ عن شيوخه المعروفين بالتدليس إلا ما سمعوه...".
2/ إن ثبت ثبوتاً صحيحاً وصف الراوي الثقة بأنَّه مدلس، فإنَّ النظر مع هذا الوصف هو كالنظر في ورود جرح في راوٍ ثبت تعديله؛ ذلك أننا قررنا في الأمر الثاني آنفاً أنَّ التدليس مكروه، و قد يُجرحُ به الراوي على ما تقدم بيانه، وعليه فلا بدَّ أولاً من ثبوت تدليسه في خبرٍ ما، وفي أي الأقسام يكون.
لأنَّه قد يوصف الراوي بأنَّه مدلِّسٌ، وعند التأمل في الخبر المستدل به على تدليسه لا يثبت - كما تقدم في المثال السابق مع الإمام شعبة- أو يظهر أنَّه لا يدخل تحت أي قسم من أقسام التدليس المتقدمة، فمثلاً:
عبدالله بن زيد الجرمي أبو قلابة، قال الحافظ أبوحاتم الرازي:" لا يُعرفُ له تدليسٌ" (الجرح والتعديل)(5/58)، وقال الحافظ الذهبي:"..إلا أنه يُدلِّسُ عمن لحقهم وعمن لم يلحقهم، وكان له صحفٌ يحدث منها ويدلِّسُ" (الميزان)(2/426)، و ممن حدَّث عنه ولم يلحقه: حذيفة بن اليمان رضي الله عنه – ينظر (النكت الظراف)(3/45-46).
فالمتأمل في هذا المثال يظهر له بجلاء أنَّ التدليس المذكور في كلام الحافظ الذهبي لا يُراد منه التدليس بالمعنى الاصطلاحي عند بعض أهل العلم كابن حجر وغيره، وإنما هو إرسال؛ لذا عبارة الحافظ أبي حاتم أظهر في المعنى الاصطلاحي للتدليس؛ لذا نجد أن الحافظ ابن حجر علق في (تهذيب التهذيب)(2/340) على عبارة أبي حاتم بقوله:" هذا يقوي من ذهب إلى اشتراط اللقاء في التدليس، لا الاكتفاء بالمعاصرة".
مثال آخر كسابقه: سأل الدوريُّ الحافظَ ابنَ معين عن:" حديث هشيم عن أبي إسحاق عن أبي قيس عن هزيل قال: قال عبدالله...-فذكره- فقلت له: مَن أبو إسحاق هذا؟ فقال يحيى: هشيم لم يلق أبا إسحاق السبيعي، ولم يلق أبا إسحاق الذي يُدلِّسُ عنه، والذي يقالُ له: أبو إسحاق الكوفي" (التاريخ) رواية الدوري (رقم 4861).
الرابع: هل يوجد رواة ثقات وصفوا بالتدليس؟
الجواب، نعم، لكنهم متفاوتون فيه فمنهم من يصنف تدليسه في تدليس الإسناد ومنهم من يصنف تدليسه في تدليس الصيغ أو القطع أو نحو ذلك من الأقسام المتقدمة، وهذا ينظر فيه إلى كلِّ راوٍ بحسبه، وسأذكر هنا بعض الرواة الثقات ممن وصفوا بالتدليس بغض النظر عن نوعه، فمنهم:
أ/ عبدالله بن وهب المصري، قال الحافظ ابن سعد في (الطبقات)(7/518):" كان كثير العلم ثقة فيما قال: حدثنا، وكان يدلس".
ب/ عمر بن علي بن عطاء المقدَّمي، قال الحافظ ابن سعد في (الطبقات)(7/291):" ثقة، وكان يدلس تدليساً شديداً، وكان يقول: وحدثنا، ثم يسكت ثم يقول: هشام بن عروة، الأعمش..".
ج/ حبيب بن أبي ثابت الكوفي، ثقة جليل، قال الحافظ ابن خزيمة في كتاب (التوحيد) (1/87):" إن حبيب بن أبي ثابت أيضاً مدلسٌ، لم يُعلم أنه سمعه من عطاء"، وقال الحافظ ابن حبان في كتاب (الثقات)(4/137):" كان مدلساً".
د/ عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج، ثقة فاضل، قال الحافظ الدارقطني كما في (سؤالات الحاكم له)(ص174):" شر التدليس تدليس ابن جريج، فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح مثل إبراهيم بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة وغيرهما".
و يوجد آخرون كثر، لكن لعل في هذا القدر كفاية في الجواب عن السؤال والله أعلم.
السؤال الثالث: لماذا لا يعتبر العلماء بتوثيق العجلي؟
و قبل الجواب عن السؤال، أرى أنَّ السؤال خطأٌ من أصله؛ إذ قوله (لا يعتبر) غير صحيح، فلا زال العلماء والمعتنون بتراجم الرواة جرحاً وتعديلاًَ ينقلون من كلام الحافظ العجلي ويروونه -كما سيأتي النقل عن بعضهم بإذن الله تعالى-، بغض النظر هل يوافقونه أو يخالفونه، فهذه مسألة أخرى، ولو قال: هل صحيحٌ أنَّ الإمام العجلي موصوف بالتساهل في التوثيق أم لا؟ لكان السؤال صحيحاً والجواب عليه ظاهراً.
وإنَّ من المؤسف أن ينتشر بين طلبة العلم- وبخاصة من له عناية بالحديث- هذا القول من غير تدقيق فيه وتمحيص، لكن يمكن أن يلتمس العذر لهم!! أنهم وجدوا كلاماً لبعض أهل العلم المبرَّزين من المعاصرين قالوا به- فهؤلاء العلماء أهل الفضل والسبق يدورون بين الأجر والأجرين- لكن عند التأمل والتحقيق يحتاج الأمر إلى تأملٍ كبير في هذا القول وأدلته، وميزانه ميزاناً دقيقاً مبنياً على البرهان والدليل، وسأعرض بإذن الله تعالى مَن قال بهذا القول من العلماء ودليله- إن وجدَ- ومِنْ ثَمَّ أذكر الراجح، والله الموفق.
وعود على بدء، فأقول: إنَّ الجواب عن هذا السؤال من أوجه:
الأول: توطئة وتمهيد:
قبل الخوض في الجواب عن السؤال يحسن أنْ نُترجم للحافظ العجلي ترجمة مختصرة، نتعرَّفُ منها على منزلة هذا العَلَم ومعرفته بالحديث والرجال، وثناء العلماء عليه، ومنزلة كتابه في الجرح والتعديل بين أهل العلم. فأقول:
أ/ اسمه ونسبه و مولده ووفاته:
هو الحافظ أبو الحسن أحمد بن عبدالله بن صالح بن مسلم العجلي الكوفي، نزيل طرابلس الغرب. قال الحافظ الخطيب البغدادي:" كوفي الأصل، نشأ ببغداد، وسمع بها وبالكوفة والبصرة" (تاريخ بغداد)(4/214).
ولد سنة (182هـ)، وطلب العلم سنة (197هـ) وتوفي سنة (261هـ) بطرابلس. ينظر المصدر السابق، و (سير أعلام النبلاء)(12/505).
ب/ ثناء العلماء عليه:
1/ قال الحافظ أبو الحسن اللؤلؤي:" سمعت مشايخنا بهذا المغرب يقولون: لم يكن لأبي الحسن أحمد ابن صالح العجلي الكوفي ببلادنا شبيه، و لا نظير له في زمانه بمعرفة الحديث وإتقانه وزهده" (تاريخ بغداد)(4/214).
2/ قال الإمام الحافظ يحيى بن معين:" هو ثقة ابنُ ثقةٍ ابن ثقة" (تاريخ بغداد)(4/215).
قال الحافظ الوليد الأندلسي معلقاً على قول ابن معين:" إنما قال ابن معين بهذه التزكية لأنه عرفه بالعراق، قبل خروج أحمد ابن عبد الله إلى المغرب، وكان نظيره في الحفظ، إلا أنه دونه في السنِّ، وكان خروجه إلى المغرب أيام محنة أحمد بن حنبل، وأحمد بن عبد الله هذا أقدم في طلب الحديث، و أعلى إسناداً وأجل عند أهل المغرب في القديم والحديث ورعاً وزهداً من محمد بن إسماعيل البخاري ، وهو كثير الحديث، خرج من الكوفة والعراق ، بعد أن تفقه في الحديث، ثم نزل أطرابلس الغرب" (تاريخ بغداد)(4/215).
3/ قال الحافظ عباس بن محمد الدوري تلميذ الإمام الحافظ يحيى بن معين:" إنا كنا نعده مثل أحمد ابن حنبل ويحيى بن معين" (تاريخ بغداد)(4/214) و(تذكرة الحفاظ)(2/561).
4/ قال الحافظ علي بن أحمد بن زكريا الأطرابلسي" إنَّ ابن معين وأحمد بن حنبل قد كانا يأخذان عن العجلي " (تاريخ بغداد)(4/214).
5/ قال الحافظ الخطيب البغدادي:" كان ديناً صالحاً، انتقل إلى بلد المغرب، وسكن أطرابلس، وليس بأطرابلس الشام، و انتشر حديثه هناك" (تاريخ بغداد)(4/214).
7/ قال شيخ الإسلام ابن تيمية الحرَّاني في (منهاج السنة)(1/66):" والمقصود هنا أن العلماء كلهم متفقون على أن الكذب في الرافضة أظهر منه في سائر طوائف أهل القبلة، ومن تأمل كتب الجرح والتعديل المصنَّفة في أسماء الرواة والنقلة وأحوالهم مثل: كتب يحيى بن سعيد القطان وعلي بن المديني ويحيى بن معين والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم الرازي والنسائي وأبي حاتم بن حبان وأبي أحمد بن عدي والدارقطني وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السعدي ويعقوب بن سفيان الفسوي وأحمد بن صالح العجلي والعقيلي ومحمد بن عبدالله بن عمار الموصلي والحاكم النيسابوري والحافظ عبدالغني بن سعيد المصري، وأمثال هؤلاء الذين هم جهابذة ونقَّاد وأهل معرفةٍ بأحوال الإسناد، رأى المعروف عندهم بالكذب في الشيعة أكثر منهم في جميع الطوائف..".
وقال أيضاً في (المنهاج)(7/34-35):" أنَّا نذكر قاعدة فنقول: المنقولات فيها كثير من الصدق وكثير من الكذب، والمرجعُ في التمييز بين هذا وهذا إلى أهل علم الحديث، كما نرجعُ إلى النحاة في الفرق بين نحو العرب ونحو غير العرب، ونرجع إلى علماء اللغة فيما هو من اللغة وما ليس من اللغة، وكذلك علماء الشعر والطب وغير ذلك، فلكل علمٍ رجالٌ يُعرفون به، والعلماء بالحديث أجلُّ هؤلاء قدراً، وأعظهم صدقاً، وأعلاهم منزلةً وأكثر ديناً.
وهم من أعظم الناس صدقاً وأمانةً، وعلماً وخبرةً، فيما يذكرونه من الجرح والتعديل، مثل: مالك وشعبة وسفيان ويحيى بن سعيد وعبدالرحمن بن مهدي وابن المبارك ووكيع والشافعي وأحمد وإسحاق ابن راهويه وأبي عبيد و ابن معين وابن المديني والبخاري ومسلم وأبي داود وأبي زرعة وأبي حاتم والنسائي والعجلي وأبي أحمد بن عدي وأبي حاتم البستي والدارقطني وأمثال هؤلاء خلق كثير لا يحصى عددهم، من أهل العلم بالجرح والتعديل، وإنْ كان بعضهم أعلم بذلك من بعض، وبعضهم أعدل من بعض في وزن كلامه، كما أنَّ الناس في سائر العلوم كذلك..".
8/ قال الحافظ مؤرخ الإسلام أحمد بن عثمان الذهبي:" الإمام الحافظ الأوحد الزاهد " (سير أعلام النبلاء) (12/505)، وقال في (تذكرة الحفاظ)(2/560):" الإمام الحافظ القدوة".
9/ قال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي:" كان إماماً، حافظاً، قدوة ، من المتقنين وكان يعد كأحمد ابن حنبل ويحيى بن معين " (شذرات الذهب)(3/266) .
ج/ مكانة كتابه في الجرح والتعديل عند أهل العلم:
إن كتاب الحافظ العجلي المؤلف في الجرح والتعديل من أعظم مؤلفاته، وهو كتاب عظيم النفع، جليل القدر، متين العبارة، مفيد في بابه.
وسبق من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ما يدلُّ على عظم الكتاب والكاتب، وأزيدُ أقوالاً أخرى عن غيره:
1/ قال الحافظ الذهبي- رحمه الله-:" حدث عنه ولده صالح مصنَّفه في الجرح والتعديل، وهو كتابٌ مفيدٌ، يدلُّ على سعة حفظه" (تذكرة الحفاظ)(2/560-561).
2/ وقال أيضاً في (السير)(12/506):" وله مصنَّفٌ في الجرح والتعديل، طالعتُه وعلَّقتُ منه فوائد، يدل على تبحره بالصَّنعةِ وسعة حفظه".
3/ قال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي:" وكتابه في الجرح والتعديل يدلُّ على سعة حفظه وقوَّة باعه الطويل" (شذرات الذهب)(2/141).
4/ قال الصفدي في (الوافي بالوفيات)(7/79):" روى عنه ابنه صالح بن أحمد كتابه في الجرح والتعديل، وهوكتابٌ مفيدٌ يدلُّ على إمامته وسعة حفظه".
فهذه بعض النقول مما قيل في الإمام العجلي وكتابه، ومنها يظهر لك جلياً مكانته رحمه الله في هذا الفنِّ الشريف وتقدمه بين أهله، وأنَّه من كبار النقاد وعلماء الجرح والتعديل، ومنزلة كتابه وأهمتيه.
ثانياً: هل الحافظ العجلي متساهل؟
و قبل الجواب عن هذه الفقرة، يقال:
أ/ هل وصفَ أحدٌ من الحفاظ العجليَّ بالتساهل في التوثيق أم لا؟
فأقول جواباً: لم أجد أحداً من أهل العلم من الحفاظ قد وصف الحافظ العجلي بالتساهل أو أنه لا يعتمد على توثيقه إذا انفرد بتوثيق راو لم نجد فيه قولاً لغيره .
بل إنَّ الناظر والمتأمل بإنصافٍ فيما تقدَّم نقله عن بعض أهل العلم- وفي ترجمته المطولة- ما يدلُّ على الثناء عليه وأنَّه إمامٌ من أئمة النقد، ومن كبار الحفاظ مع الدين المتين والورع والزهد، وهو يقارن بأحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وهما من أئمة أهل السنة وحفاظ الدنيا، وذلكم الثناء ثبت واستمر وظلَّ حتى العصور المتأخرة كعصر الإمام الذهبي وابن ناصر الدين وغيرهما، فلم يصمه أحدٌ منهم بالتساهل.
لكن حصل في العصر الحاضر مَنْ وصف الأمام العجلي بالتساهل، وأول مَنْ وجدتُه يصفه بذلك هو:
1/ العلامة المحدث ذهبي العصر عبدالرحمن بن يحيى المعلمي –رحمه الله- (ت1386هـ) فقال في (التنكيل)(1/66):" و العجلي قريب منه- أي ابن حبان- في توثيق المجاهيل من القدماء"، و قال في (الأنوار الكاشفة)(ص72):" وتوثيق العجلي وجدته بالاستقراء كتوثيق ابن حبان أو أوسع".
و في تحقيقه لـ(الفوائد المجموعة) تعليقات عدَّة منها مثلاً: (ح رقم 879/252-253) قال معلقاً على ذكر ابن حبان لراوٍ في كتابه (الثقات) و لقول العجلي فيه (تابعي ثقة):" و أما ابن حبان فقاعدته معروفة، والعجلي مثله، أو أشد تسهلاً في توثيق التابعين، كما يعلم بالاستقراء".
وينظر أيضاً: (ح رقم 660/ص202) و (ح 1354/418).
2/ و قال بنحوه أيضاً الإمامُ محدِّث الدنيا محمد ناصر الدين الألباني-رحمه الله- في مواطن عدَّة من كتبه فمن ذلك قوله في (صحيح سنن أبي داود)(7/ ح 2345/361- الكتاب الكبير) بعد نقله توثيق العجلي لراوٍ:" ولعل هذا القول منه كان السبب الذي حملني على أن جودت إسناد الحديث في تعليقي على (المشكاة)، و كان ذلك قبل أن يتبين لي أن العجلي متساهل في التوثيق مثل تساهل ابن حبان أو نحوه، فالحمد لله على هدايته..".
وقال أيضاً في (سلسلة الأحاديث الصحيحة)(2/ رقم 633/ ص218-219):" العجلي معروف بالتساهل في التوثيق ، كابن حبان تماماً ، فتوثيقه مردود إذا خالف أقوال الأئمة الموثوق بنقدهم وجرحهم ".
وينظر أيضاً: (سلسلة الأحاديث الصحيحة)(6/ القسم الأول: تحت رقم 2750/ص572-573)، و (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)(12/ رقم 5848/ص760-761).
3/ و كذا أيضاً العلامة محدث اليمن ومجددها مقبل بن هادي الوادعي-رحمه الله- حيث قال كما في كتابه (المقترح في أجوبة بعض أسئلة المصطلح)( رقم 32/37-38) وكان السؤال عن توثيق العجلي، ووجه كونه متساهلاً؟ فأجاب:" عرف بالاستقراء من تفرده – مع ابن حبان- بتوثيق بعض الرواة الذين لم يوثقهم غيرهما، فهذا عرف بالاستقراء، و إلاَّ فلا أعلم أحداً من الحفاظ نصَّ على هذا، والذي لا يوثقه إلا العجلي والذي يوثقه أحدهما أو كلاهما فقد لا يكون بمنزلة صدوق، ويصلحُ في الشواهد والمتابعات، وإن كان العجلي يعتبر أرفعُ في هذا الشأن، فهما متقاربان..".
قلتُ: قول الشيخ مقبل-رحمه الله- (فلا أعلم أحداً من الحفاظ نصَّ على هذا) يُصدِّقُ ما قدَّمته في أول الجواب عن هذه الفقرة، والحمد لله على توفيقه.
ومما سبق نقله عن هؤلاء العلماء الأفاضل، يظهر أنَّ سبب وصم الحافظ العجلي بالتساهل هو:
أولاً / توثيقه لرواة ليس لغيره فيهم كلاماً.
ثانياً / مخالفته لغيره من الحفاظ في عدد من الرواة حيث يوثقهم و يخالفونه في ذلك إما بتضعيف أو تجهيل أو نحو ذلك من أوجه الردِّ.
و الجواب عن هذه المآخذ بما يلي:
أولاً: تقدَّم بيان مكانة الحافظ العجلي وتقدَّمه في الفن و أنَّه من كبار أئمة النقد، فمثله لا يضرُّه تفرده بتوثيق راوٍ؛ إذ ما الفرق بينه وبين غيره من الحفاظ النقاد؟ فإن المنصف المتجرد يجد كبار النقاد والأئمة يتفرد أحدهم بتعديلٍ لا يقوله غيره، وقد يخالف جمهور الحفاظ في بعض الرواة.
فإن عددناه مأخذاً يؤخذ على الحافظ العجلي لزمنا أن نأخذه على سائر أئمة النقد والحفاظ كأحمد ابن حنبل والبخاري ويحيى بن معين وعلي بن المديني وأبي زرعة و أبي حاتم و أبي داود وغيرهم؛ إذ لن ينجو إمام من ذلك!! وعليه فالمتعين في حقِّ المنصف أن يعتبرَ بنقد العجلي توثيقاً وتضعيفاً، ما لم يظهر بالحجة والبرهان خطؤه، والله الموفق.
ثانياً: مخالفة العجلي لغيره من الحفاظ في راوٍ ما لا تعدو أن تكون كغيرها من الأقوال التي تتعارض فيها أقوال أئمة النقد والجرح والتعديل في الراوي. وأقوال الحافظ العجلي في الرواة لا تخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يتفرد بقول في الرواي تضعيفاً أو تعديلاً ولا يشاركه غيره في الراوي، فهذه تقدم الكلام عليها وأن الواجب اعتبار قوله، ؛إذ إعماله أوجب من إهماله! إلا إن تبين بالبرهان خطؤه.
الثانية: أن يوافق غيره من النقاد تعديلاً وتجريحاً، فهذا ظاهر في القبول.
الثالثة: أن يخالف غيره، فهنا نقول: قد ثبتت إمامة العجلي واعتباره من أئمة النقد - وأنه كان يقرن بأحمد وابن معين، وهو أعلى إسناداً وأكبر سناً من الإمام البخاري- كما تقدم النقل عن جمع من العلماء، وعليه، فهذا المخالفة إن كانت- كما قيل- بتوثيق راو جهله غيره؛ فإنَّ من الوارد جداً أن يعلم براو جهله غيره، وماذا في هذا؟ فكم من راوٍ جهلهُ إمام و عرفه غيره، وسيأتي في الأمثلة ما يدلُّ على هذا بإذن الله.
وإن كانت المخالفة بتوثيق راوٍ ضعفه أو تركه غيره؛ فمن المعلوم والمتقرر لدى أهل العلم بالحديث ورجاله أنَّ اختلاف الأئمة في الرواة تعديلاً و تجريحاً من أظهر ما يكون فالمطالع لـ(تهذيب الكمال) للحافظ المزي مثلاً يجد أمثلة كثيرة جداً جداً في هذا الباب، وهذا مبني على اختلاف اجتهاداتهم،ونظرهم، وإذا كان الأمر كذلك فإنَّ الأمر ينظر له بمنظار قواعد أهل العلم عند تعارض الجرح والتعديل بين النقاد، وهي قواعد يعرفها أهل الفنِّ!.
ثالثاً: مما يدلُّ على اعتبار أهل العلم بتوثيق الحافظ العجلي.
تقدم في الترجمة المختصرة للحافظ العجلي مكانته وتقدمه في الفن، وأن كتابه في (الجرح والتعديل) كتاب عظيم النفع دال على سعة حفظه واطلاعه، لذا فقد مضى الأئمة على اعتماد أقوال العجلي، وحكايتها، بل والرد على من جهَّل راوياً وثبت توثيق العجلي له.
ومما يذكر في هذا المقام أنَّ الإمام الذهبي قد ذكره وعدَّه من الأئمة المعتمدين في الجرح والتعديل في كتابه (ذكر من يعتمد قوله في الجرج والتعديل) (الطبقة الخامسة: رقم 286/ص179) وأول مَنْ ذكر في هذه الطبقة الإمام البخاري.
و ذكره أيضاً الحافظ السخاوي في كتابه (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ) فصل (المتكلمون في الرجال) (344)، وكذا في كتابه الماتع (فتح المغيث)(4/ص 358- ط علي حسين) مبحث (معرفة الثقات والضعفاء).
و سأعرض هنا جملة من العلماء أُدلل بهم على ما قدَّمتُ قبلُ:
1/ شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم الحراني (ت 728هـ)، في مواطن من كتبه، فمثلاً:
أ/ قال في (اقتضاء الصراط المستقيم)(1/ص236):" وأما عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان: فقال يحيى ابن معين وأبو زرعة وأحمد بن عبدالله: ليس به بأس..".
قلت: أحمد بن عبدالله هو العجلي، فأنت تراه يعول على كلام العجلي وينقله من غير وصمه بالتساهل أو نحوه.
ب/ وقال أيضاً (المصدر السابق)(1/237):" وأما أبو منيب الجرشي: فقال فيه أحمد بن عبدالله العجلي: هو ثقة،وما علمت أحداً ذكره بسوء وقد سمع منه حسان بن عطية، وقد احتج الإمام أحمد وغيره بهذا الحديث".
قلت: لم يذكر شيخ الإسلام أحداً وثقه إلا العجلي، فنقل قوله من غير تعقب, معتمداً عليه!!
ج/ وقال أيضاً كما في (مجموع الفتاوى)(24/349) مجيباً عمن تكلم في راوٍ يسمى: عمر بن أبي سلمة، بأنَّ شعبة تركه، وتكلم فيه بعض الأئمة، فقال:" الجواب على هذا من وجوه:
أحدها: أن يقال كل من الرجلين قد عدَّله طائفة من العلماء، وجرحه آخرون، أما عمر فقد قال فيه أحمد بن عبدالله العجلي: ليس به بأس، وكذلك قال يحيى بن معين: ليس به بأس، وابن معين وأبو حاتم من أصعب الناس تزكية..".
قلت: ظاهر من كلامه اعتماده في الجواب على قول العجلي وابن معين، في معارضة من جرَّحه!.
2/ الإمام الحافظ مؤرخ الإسلام شمس الدين أحمد بن عثمان الذهبي (ت741هـ)، تكلم في مواطن من كتبه، ففي بعضها اعتماد على توثيقه حيث يقول (وثقه العجلي) ويسكت ولا يتعقب، ومنها ما يعتبر قوله في الراوي جرحاً أو تعديلاً ويحكيه مع أقوال أئمة آخرين، فمثلاً:
أ/ أبان بن إسحاق المدني، ترجم له في (الميزان)(1/ص5) وقال:" قال ابن معين وغيره: ليس به بأس، وقال أبو الفتح الأزدي: متروك. قلت- أي الذهبي-: لا يترك، فقد وثقه أحمد العجلي، وأبو الفتح يسرفُ في الجرح وله مصنف كبير إلى الغاية في المجروحين، جمع فأوعى، وجرح خلقاً بنفسه لم يسبقه أحد إلى التكلم فيهم، وهو المتكلم فيه".
تنبيه: حصل في المطبوع من (الميزان) خطأ، حيث جاء فيه (وثقه أحمد والعجلي) فالواو زائدة، وهي خطأ، ينظر تعليق الدكتور بشار عواد على (تهذيب الكمال) للحافظ المزي (2/ص6) ترجمة (أبان بن إسحاق).
ب/ أسلم بن الحكم، ترجم له في (الكاشف)(1/رقم 343/242) وقال:".. وثَّقه العجلي".
فلم ينقل توثيقه عن غيره!
ج/ عبدالله بن فروخ، عن مولاته عائشة، ترجم له في (الميزان)(2/ رقم4505/471) مصدراً قول أبي حاتم فيه وهو:" مجهول" ثم علَّق فقال:" قلتُ: بل صدوق مشهور، حدث عنه جماعة، وثَّقه العجلي، وما ذكر أبو حاتم له إلا راوياً واحداً، وهو مبارك بن أبي حمزة الزبيدي، وقال: مبارك أيضاً مجهول.". ينظر قول أبي حاتم في (الجرح والتعديل) لابنه (5/رقم638/137).
قلت: عبدالله بن فروخ هذا ترجم له الذهبي أيضاً في (الكاشف)(1/رقم 2905/584) فقال:" ثقة"، فهذا الراوي كما ترى لم يذكر الذهبي-رحمه الله- في ترجمته السابقة إلا توثيق العجلي فحسبُ، وعارض به تجهيل أبي حاتم، مما أداه ذلك إلى الحكم عليه بأنه صدوق، وفي الموطن الآخر: ثقة، فهذا دليل واضح على اعتباره رحمه الله بكلام الحافظ العجلي وأخذه به.
د/ معلى بن منصور الرازي، ترجم له في (الكاشف)(2/رقم5564/282) وقال:" قال العجلي: ثقة نبيل صاحب سنة، طلبوه على القضاء غير مرة فأبى، وكان من كبار أصحاب أبي يوسف ومحمد".
وهذا نصٌّ واضحٌ في اعتباره كلام العجلي؛ حيث لم ينقل في الترجمة سواه!.
هـ/ عبدالواحد بن عبدالله النصري، ترجم له في (الميزان)(4/ رقم 5294/674):"..صدوق، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال أبو الحسن الدارقطني والعجلي وغيرهما: ثقة".
و في هذا النص تبيين واضح على اعتبار كلامه و حكايته مع كلام غيره من الحفاظ، والله أعلم.
وينظر: (ميزان الاعتدال)(1/450) و(4/674).
3/ الإمام الحافظ المتقن جمال الدين أبو الحجاج المزي (ت742هـ)، وكتابه (تهذيب الكمال في أسماء الرجال) خير شاهد على اعتباره بكلام الحافظ العجلي في الراوي وسياقه له إما وحده إن لم يقف على قول لغيره و إما مع قول غيره من الأئمة جرحاً أو تعديلاً، والأمثلة كثيرة جداً، لكن أذكر بعضاً منها:
أ/ مثال لما يذكر فيه قول العجلي وحده دون غيره، إسحاق بن عبدالله بن الحارث القرشي، ذكر في ترجمته طبقته ومن قال بها، ثم قال:" وقال أحمد بن عبدالله العجلي: مدني ثقة" (تهذيب الكمال)(2/443).
ب/ ومثله أيضاً ما قاله في ترجمة: أسماء بن الحكم الفَزَاري، حيث قال:" قال العجلي: كوفي تابعي ثقة" ولم ينقل توثيقه عن غيره، ثم نقل قولاً للإمام البخاري لحديث رواه الفزاري، وقال فيه:" لم يتابع عليه"، وردَّ على قول البخاري بردٍّ مطولٍ، و بدايته:" قلت: ما ذكره البخاري رحمه الله، لا يقدحُ في صحة هذا الحديث و لا يوجب ضعفه، أما كونه لم يتابع عليه، فليس شرطاً في صحة كل حديث صحيح أن يكون لراويه متابعٌ عليه..." (تهذيب الكمال)(2/533-535).
ج/ وأما من أمثلة نقله لقول العجلي مع قول غيره، فهذا كثير جداً، فمنه: ما جاء في ترجمة إبراهيم بن عقيل بن معقل اليماني الصنعاني، نقل فيه قول ابن معين والعجلي، وحادثة لأحمد بن حنبل معه. (تهذيب الكمال)(2/154-155).
د/ وأيضاً: بُرْد بن أبي زياد الهاشمي، نقل فيه توثيق العجلي والنسائي. (4/43).
وينظر: (تهذيب الكمال)(1/344) و(2/173 و213 و292 و521 و530) و (4/51 و252 و347) وغيرها كثير.
4/ الإمام الحافظ العلامة شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الدمشقي المعروف بابن القيم (ت751هـ)، فقد نقل في مواطن من كتبه أقوالاً للحافظ العجلي معتبراً بها معولاً عليها، غير ناقد لها بحجة تساهله أو نحو ذلك، فمن ذلك:
أ/ ما قاله في (تهذيب السنن)(1/173-174) مجيباً على ابن حزم لتضعيفه حديثاً رواه أبو داود بسبب شريك وخصيف، وكلاهما ضعيف، قال:" شريك هذا هو القاضي، قال زيد بن الهيثم: سمعت يحيى بن معين يقول: شريك ثقة، وقال أيضاً: قلت ليحيى بن معين: روى يحيى بن سعيد القطان عن شريك؟ قال: لم يكن شريك عند يحيى بشيء، وهو ثقة ثقة. وقال العجلي: ثقة حسن الحديث..".
2/ قال أيضاً في (زاد المعاد)(5/708-709) راداً على ابن حزم في تضعيفه لإبراهيم بن طهمان، وأنَّه من الحفاظ الأثبات الثقات الذين اتفق الأئمة الستة على إخراج حديثه، ومنهم الشيخان، ولم يحفظ أن جرحه أو خدشه عن أحد، وقال :"..عن ابن المبارك: صحيح الحديث، وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه، وأبي حاتم: ثقة، وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن يحيى بن معين: لا بأس به، وكذلك قال العجلي، وقال أبو حاتم: صدوق حسن الحديث....".
وينظر: (الفروسية) له (ص 117 و132-134).
5/ الحافظ المحدث المؤرخ أبو المحاسن محمد بن علي بن الحسن الحسيني الدمشقي (ت765هـ). وجدت قولاً له فيه اعتماد على توثيق العجلي، حيث قال في (الإكمال في ذكر من له رواية في مسند أحمد سوى من ذُكر في تهذيب الكمال)(1/ رقم 115/170) ترجمة: جندب بن عبدالله الوالبي، قال:" قال العجلي: كوفي ثقة".
6/ الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي (ت795هـ) تكلم في مواطن، منها:
أ/ قال في (جامع العلوم والحكم)(1/ ح16/ص 362- ط شعيب) شارحاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: ( لا تغضب) فردد مراراً، قال: ( لا تغضب) رواه البخاري.
قال:" يغلب على الظنِّ أن السائل هو جارية بن قدامة، ولكن ذكر الإمام أحمد عن يحيى القطان أنه قال: هكذا: قال هشام، يعني أن هشاماً ذكر في الحديث أن جارية سأل النبي صلى الله عليه وسلم. قال يحيى: وهم يقولون: لم يُدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا قال العجلي وغيره: إنه تابعي وليس بصحابي".
قلت: و هو ظاهر في اعتماده على قول العجلي.
ب/ وقال في (جامع العلوم والحكم) أيضاً (2/ ح41/395) شارحاً حديث ابن عمرو مرفوعاً (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).
:" قلت: تصحيح هذا الحديث بعيد جداً من وجوه: ..- فذكر عدة أوجه ومنها قوله- ومنها: أن في إسناده عقبة بن أوس السدوسي البصري، ويقال فيه: يعقوب بن أوس أيضاً، وقد خرج له أبوداود والنسائي وابن ماجه...وقد وثقه العجلي وابن سعد و ابن حبان، وقال ابن خزيمة: روى عنه ابن سيرين مع جلالته. وقال ابن عبدالبر: مجهول. وقال الغلابي في (تاريخه): يزعمون أنه لم يسمع من عبدالله بن عمرو، وإنما يقول: قال عبدالله بن عمرو، فعلى هذا تكون رواياته عن عبدالله بن عمرو منقطعة، والله أعلم".
قلت: يظهر للمتأمل في كلامه السابق عدم اعتماده على تجهيل ابن عبدالبر، وإنما الميل إلى توثيقه، بناء على توثيق بعض أهل العلم له ومنهم العجلي!، وإنما المأخذ عنده الانقطاع في رواية عقبة عن ابن عمرو، والله أعلم.
ج/ وقال في (شرح علل الترمذي)(2/857):" قال العجلي: إذا قال سفيان بن عيينة: عن عمرو، سمع جابراً، فصحيحٌ. وإذا قال سفيان: سمع عمرو جابراً؛ فليس بشيء.
يشيرُ إلى أنه إذا قال: عن عمرو، فقد سمعه منه، وإذا قال: سمع عمرو جابراً، فلم يسمعه ابن عيينة من عمرو".
قلت: فأنت ترى أنَّه لم يكتف بنقل قول الحافظ العجلي فقط، بل وشرحه وبيانه، وهذا يدلك على اعتماده واعتباره لقوله، والله أعلم.
وينظر أيضاً: (شرح العلل)(2/ص819 و848 و 858).
7/ الحافظ أبو زرعة أحمد بن عبدالرحيم العراقي (ت826هـ) في مواطن:
أ/ قال في (ذيل الكاشف)(رقم 172/60):" جارية بن قدامة التميمي البصري، مختلف في صحبته...وثقه العجلي، وقال: إنه تابعي، وابن حبان، وقال: إنه صحابي".
تنبيه: وقع خطأ في المطبوع من (الذيل) إذ فيه (وقال إنه تقي) والصواب كما أثبت، كما في (كتاب العجلي)(معرفة الثقات من رجال أهل العلم والحديث ومن الضعفاء وذكر مذاهبهم وأخبارهم)(1/ رقم 207/264).
ب/ ترجم لجندب بن عبدالله الوالبي، فقال:" قال العجلي: كوفي تابعي ثقة" (ذيل الكاشف)(رقم197/64).
ج/ وترجم لجندل بن والق الثعلبي، وقال:" وعنه خ وأبو زرعة وأبو حاتم،وقال: صدوق...وثقه ابن حبان، وقال العجلي: لا بأس به" (ذيل الكاشف)(رقم 199/64).
د/ وترجم لربيعة بن لقيط التجيبي، وقال:" وثقه العجلي وابن حبان"(ذيل الكاشف)(رقم 439/104).
د/ وترجم لرجاء بن أبي رجاء الباهلي، وقال:" وثقه العجلي وابن حبان" (ذيل الكاشف)(رقم 441/104).
هـ/ وترجم لعبدالله بن غالب، وقال:" وثقه العجلي وابن حبان" (الذيل)(رقم 810/163).
وينظر: (رقم 527/119) و(رقم 1665/301).
8/ الحافظ المحقق أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ)، فقد تكلَّم في مواطن كثيرة جداً من كتبه، فتجده يعتبر قوله و ينقله مع أقوال غيره من الأئمة، وهذا كثير جداً لمن طالع كتابه (تهذيب التهذيب) فلينظر، و في مواطن ينتقد بعض الحفاظ تجهيلهم لبعض الرواة بتوثيق العجلي لهم، وله مسلك آخر وهو اعتماد توثيق العجلي للرواي مع عدم وجود موثق له غيره، وفي مواطن أخرى ينقل يقول (وثقه العجلي) ويسكت!.
أ/ فمن أمثلة نقده لبعض الحفاظ في تجهيلهم لبعض الرواة ما جاء في (البراء بن ناجية) قال في (تهذيب التهذيب)(1/427):" قرأت بخط الذهبي في (الميزان): فيه جهالة، لا يُعرف. قلت- أي ابن حجر- قد عرفه العجلي وابن حبان فيكفيه". وقال في (التقريب)(رقم 656/ص165):" ثقة".
ب/ وقال في ترجمة (سعيد بن حيان التيمي الكوفي) من (تهذيب التهذيب)(4/19):"..قال العجلي: كوفي ثقة، ولم يقف ابن القطان على توثيق العجلي فزعم أنه مجهول".
ومن أمثلة توثيقه لبعض الرواة مع عدم ذكره لغير العجلي موثِّقاً له:
أ/ قال مترجماً لحفص بن عمر بن عبيد الطنافسي في (التقريب) (رقم 1426/259):" ثقة "، و عند النظر في ترجمته المطولة من (تهذيب التهذيب)(2/409) نجده لم يذكر موثقاً غير العجلي.
ب/ قال مترجماً لأم الأسود الخزاعية، ويقال: الأسلمية في (التقريب)(رقم 8800/1377):"ثقة"، وعند النظر في ترجمتها من (تهذيب التهذيب)(12/459) نجده لم يذكر موثِّقاً غير العجلي.
وهناك أمثلة أخرى.
ومن أمثلة نقله لتوثيق العجلي و لا يعقب:
أ/ قوله في ترجمة إبراهيم بن أبي موسى الأشعري:" له رؤية، ولم يثبت له سماع إلا من بعض الصحابة، ووثقه العجلي" (رقم 201/110).
ب/ قوله في ترجمة زياد بن أبي مريم :" وثقه العجلي" (التقريب)(رقم 2111/348).
ج/ قوله في ترجمة سعيد بن حيان التيمي الكوفي:" وثقه العجلي" (التقريب)(رقم 2302/376).
د/ قوله في ترجمة سيف الشامي :" وثقه العجلي" (التقريب)(رقم2744/428).
وغيرها كثير.
وتبعه على هذه أيضاً تلميذه الحافظ السخاوي (ت902هـ) ينظر (التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة)(1/ص 300 و335 و 339 و438 و529) و(2/30 و55) وغيرها كثير.
رابعاً: الخلاصة:
مما تقدَّم يظهر للمنصف بجلاء أنَّ القول بتساهل الحافظ العجلي ليس صحيحاً فيما يظهر لي، و أن الحافظ العجلي له مكانة ومنزلة عالية بين الحفاظ والنقاد، وأنَّ كتابه يعد من أعظم الكتب وأنفعها كما شهد بذلك عدد من أهل العلم، فالله أسأل أن يرحم جميع علمائنا السابقين واللاحقين، وأن يغفر لنا ولهم، والحمد لله أولاً وآخراً ظاهراً وباطناً،وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
وبعد:
فهذه إجابات فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله البخاري على أسئلة الأعضاء والتي تم الاعلان عنها في وقت سابق, جزى الله الشيخ خير الجزاء, وبارك له في عمره وعلمه وعمله.
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحيم البخاري - حفظه الله -:
الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، أما بعد:
فهذه أجوبة عن أسئلة الإخوة، أسأل الله لي ولهم التوفيق والسَّداد في القول والعمل، إنَّه سميع مجيب.
السؤال الأول: عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (خلق الله التربة يوم السبت...) الحديث.
الجواب: الكلام على الحديث جواباً من وجوه:
الأول: تخريجه باختصار.
أخرجه مسلمٌ (كتاب صفات المنافقين وأحكامهم/ باب ابتداء الخلق، وخلق آدم عليه السَّلام)(4/رقم2789(27)/2149) و النسائي في (الكبرى)(كتاب التفسير)(10/رقم 10943/20) و أحمد في (المسند)(14/ رقم 8341/82) وابن حبان في (الصحيح)(14/ رقم 6161/30- الإحسان) والبيهقي في (الأسماء والصفات)(2/ رقم812/250) كلهم من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبدالله بن رافع مولى أم سلمة به.
الثاني: تقعيد:
اشتهر القول: بأنَّ أحاديث الصَّحيحين قد تلقتها الأمة بالقبول. والأمر ليس على إطلاقه؛ ذلك أنَّ أحاديث الصحيحين تلقتها الأمة بالقبول سوى أحرف يسيرة انتقدها الحفاظ، وعليه فالأحاديث المنتقدة لا تعتبر مما تلقتها الأمة بالقبول، بغض النظر هل الصواب فيها مع الشيخين أم مع غيرهما،وإنما المقصود أنَّ هذه الأحاديث غير داخلة في القبول.
ينظر: (علوم الحديث) لابن الصلاح (ص29- ط عتر) و(اختصار علوم الحديث) لابن كثير(1/124) و(الإتباع) لابن أبي العز (ص48).
الثالث: هذا الحديث يعتبر من الأحرف التي نقدها أهل العلم على صحيح مسلم، فلا يعتبر من الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول.
الرابع: أقوال أهل العلم في الحديث:
يمكن تقسيم أهل العلم الذين تكلموا في الحديث على قسمين:
الأول: مَن صحَّحه.
ذهب جماعة من الحفاظ إلى صحته والقول بثبوته، وهم:
1/ الإمام الحافظ مسلم بن الحجاج- رحمه الله- حيث أخرجه في (صحيحه).
2/ الإمام الحافظ ابن حبان البستي- رحمه الله- حيث خرجه في (صحيحه).
3/ الحافظ أبو بكر ابن الأبناري –رحمه الله- ينظر (مجموع الفتاوى)(17/17) و( الفضل المبين) للقاسمي (ص432-434)-.
4/ الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي- رحمه الله – في (زاد المسير)(7/243).
5/ العلامة الحافظ الشوكاني- رحمه الله- في (فتح القدير)(1/62).
ومن المعاصرين:
6/ العلامة الناقد ذهبي العصر عبدالرحمن بن يحيى المعلمي-رحمه الله- في (الأنوار الكاشفة)(ص185-190).
7/ العلامة المحدث ناصر السُّنة محمد ناصر الدين الألباني-رحمه الله- في (سلسلة الأحاديث الصحيحة)(4/رقم1833) و(تحقيق مشكاة المصابيح)(3/رقم5735/ص1598) و(تحقيق مختصر العلو) للذهبي (تعليق رقم57/ص112).
8/ شيخنا العلامة المحدث ربيع بن هادي المدخلي-حفظه الله- في تحقيقه وتعليقه لكتاب (التوسل والوسيلة) لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص173) وقد أكد لي قوله بصحة الحديث أيضاً في اتصال هاتفي معه حفظه الله في الأسبوع الماضي من شهر صفر لعام1428هـ.
9/ شيخنا العلامة عبدالقادر بن حبيب الله السندي-رحمه الله- في رسالته (إزالة الشبهة عن حديث التربة) حيث تكلم عن الحديث سنداً ومتناً، ورسالته منشورة في (مجلة الجامعة الإسلامية) (العدد 49/ محرم- عام 1401هـ) و(العددان 50-51/ ربيع الآخر- رمضان/ عام 1401هـ).
ومما ينبغي التنبه له أنَّ العلامة المعلمي والعلامة الألباني والعلامة السندي- رحمهم الله- تعرضوا في كتبهم آنفة الذكر بالجواب عمن دفع الحديث وأعلَّه بشيء من البسط والبحث، و كلام العلامة المعلمي من أمتن الكلام وأدقه.
الثاني: مَنْ أعلَّه.
تكلَّم بعض أهل العلم من الأئمة الحفاظ في الحديث، وعدَّه بعضهم من غرائب الصَّحيح، وبعضهم رجَّح أنَّه من كلام كعب الأحبار، وأنَّه اشتبه على بعض الرُّواة فجعلوه مرفوعاً، فمن أولئك العلماء:
1/ الإمام الحافظ الناقد علي بن عبدالله المديني حيث قال الحافظ البيهقي في (الأسماء والصفات)(2/ عقب رقم 812/251- ط الحاشدي):" هذا حديث أخرجه مسلم في كتابه عن سريج بن يونس وغيره عن حجاج بن محمد.... وزعم بعضهم أنَّ إسماعيل بن أمية إنما أخذه عن إبراهيم ابن أبي يحيى عن أيوب بن خالد، وإبراهيم غير محتج به" ثم أسند الرواية التي أشار إليها، وفيه سؤال محمد بن يحيى لابن المديني عن الحديث فقال:" هذا حديث مدني، رواه هشام بن يوسف عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن أبي رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ( أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، قال علي: وشبك بيدي إبراهيم بن أبي يحيى، وقال لي: شبك بيدي أيوب بن خالد، وقال لي: شبك بيدي عبدالله بن رافع، وقال لي: شبك بيدي أبوهريرة رضي الله عنه، وقال لي: شبك بيدي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، وقال لي: خلق الله الأرض يوم السبت ) فذكر الحديث بنحوه.
قال علي بن المديني:" وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا من إبراهيم بن أبي يحيى".
قال البيهقي عقبه:" قلت: قد تابعه على ذلك موسى ابن عبيدة الربذي عن أيوب بن خالد، إلا أن موسى بن عبيدة ضعيف، وروي عن بكر بن الشرود عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم عن أيوب بن خالد، وإسناده ضعيف، والله أعلم".
2/ الإمام الحافظ الناقد يحيى بن معين –رحمه الله-، نقله عنه الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال:" وكذلك روى مسلم (خلق الله التربة يوم السبت)، ونازعه فيه من هو أعلم منه كيحيى بن معين والبخاري وغيرهما، فبينوا أن هذا غلط ليس هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم"، و كذا في (التوسل والوسيلة)(ص173).
3/ الإمام الحافظ شيخ المحدثين أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري-رحمه الله-، حيث رواه معلقاً في (التاريخ الكبير)(1/ص413-414) من طريق إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد به، ثم قال:" وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب، وهو أصحُّ".
4/ الإمام شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني-رحمه الله- حيث تكلم على الحديث في مواطن عديدة من كتبه، فمن ذلك قوله:" وأما الحديث الذي رواه مسلم في قوله (خلق الله التربة يوم السبت)، فهو حديثٌ معلولٌ قدح فيه أئمة الحديث كالبخاري وغيره، قال البخاري: الصحيح أنه موقوف على كعب، وقد ذكر تعليله البيهقي أيضاً، وبينوا أنه غلط ليس مما رواه أبوهريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مما أنكر الحذاق على مسلم إخراجه إياه، كما أنكروا عليه إخراج أشياء يسيرة" (الفتاوى)(17/236-237).
و ينظر أيضاً: (الفتاوى)(1/256-257) و(18/73) و (التوسل والوسيلة)(ص172-173- تحقيق العلامة ربيع بن هادي).
5/ الإمام الحافظ العلامة أبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية- رحمه الله- حيث قال في (المنار المنيف)(ص78- ط الثمالي):" ويُشبه هذا ما وقع فيه الغلط من حديث أبي هريرة (خلق الله التربة يوم السبت) الحديث، وهو في صحيح مسلم، ولكن وقع الغلط في رفعه، وإنما هو من قول كعب الأحبار، كذلك قال إمام أهل الحديث محمد بن إسماعيل البخاري في (تاريخه الكبير) وقال غيره من علماء المسلمين أيضاً. وهو كما قالوا؛ لأن الله أخبر أنه (خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام)، وهذا الحديث يقتضي أن مدَّة التخليق سبعة أيام،والله تعالى أعلم". ونحوه في (بدائع الفوائد)(1/85).
6/ الإمام الحافظ المفسر أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير- رحمه الله- تكلم عن الحديث في مواطن من كتبه، فمن ذلك:" قد تكلم في هذا الحديث علي بن المديني والبخاري والبيهقي وغيرهم من الحفاظ، قال البخاري: وقال بعضهم: عن كعبٍ وهو الأصح. يعني: أن هذا الحديث مما سمعه أبوهريرة وتلقاه عن كعب الأحبار، فإنهما كان يصطحبان ويتجالسان للحديث، فهذا يُحدثه عن صُحفه، وهذا يحدثه بما يُصدِّقه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكان هذا الحديث مما تلقاه أبو هريرة عن كعب عن صُحفه، فوهم بعض الرواة فجعله مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأكدك رفعه بقوله أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي. ثم في متنه غرابة شديدة؛ فمن ذلك أنه ليس فيه ذكر خلق السموات، وفيه ذكر خلق الأرض وما فيها من سبعة أيام، وهذا خلاف القرآن؛ لأن الأرض خلقت في أربعة أيام، ثم خلقت السموات في يومين من دخان..." (البداية والنهاية/ ط التركي)(1/32-35).
وقال في (تفسيره) (1/ص72) (سورة البقرة: آية:29):" هذا الحديث من غرائب صحيح مسلم، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعاً، وقد حرر ذلك البيهقي".
و ينظر نحوه في (التفسير) له (2/229-230)(سورة الأعراف: آية:54) و(3/465-466) (سورة السجدة: آية:4) و(4/101-102)(سورة فصلت: آية:12).
7/ العلامة عبدالرؤوف المناوي- رحمه الله- حيث قال في (فيض القدير)(3/448):" قال بعضهم: هذا الحديث في متنه غرابة شديدة، فمن ذلك: أنه ليس فيه ذكر خلق السموات، وفيه ذكر خلق الأرض وما فيها في سبعة أيام، وهذا خلاف القرآن؛ لأن الأربعة خلقت في أربعة أيام، ثم خلقت السموات في يومين".
الخامس: تنبيه:
تقدَّم النقل من (الفتاوى) و(التوسل) لشيخ الإسلام أنَّ الإمام يحيى بن معين ممن أعل الحديث، و أخشى أنْ يكون تصحف اسم الإمام يحيى بن معين على الناسخ فانقلب عليه اسم علي بن المديني إلى يحيى بن معين؛ ذلك أنَّ الأئمة كابن القيم و ابن كثير الذين تقدم النقل عنهما مع حرصهما على ذكر العلماء الذين أعلوا الحديث لم يذكرا فيمن ذكرا الإمام يحيى بن معين، وإنما ذكرا الإمام علي بن المديني، وكذا شيخ الإسلام فيما عدا الموطن المشار إليه آنفاً، ومما يذكر في هذا المقام أنَّ الحديث أخرجه ابن معين في (تاريخه) (2/ رقم 210/ص305) من طريق هشام بن يوسف عن ابن جريج عن إسماعيل به. ولم يعل الحديث أو يتكلم عليه بشيء!! فالله أعلم.
السادس: من أجوبة بعض أهل العلم المصححين عن مآخذ المعللين.
قال العلامة المعلمي في (الأنوار)(ص186):" ويرد على هذا- أي على كلام ابن المديني المتقدم- أن إسماعيل بن أمية ثقة عندهم غير مدلس، فلهذا والله أعلم لم يرتض البخاري قول شيخه ابن المديني، وأعل الخبر بأمر آخر فإنه ذكر طرفه في ترجمة أيوب..- فذكر قول البخاري السابق، ثم قال- ومؤدَّى صنيعه أنه يحدس أن أيوب أخطأ، وهذا الحدس مبني على ثلاثة أمور:
الأول: استنكار الخبر لما مرَّ .
- قلت: قدَّم رحمه الله أوجهاً ثلاثة في الاستنكار قبل نقل التعليل-.
الثاني: أن أيوب ليس بالقوي، وهو مقل لم يخرج مسلم إلا هذا الحديث، لما يعلم من الجمع بين رجال الصحيحين،وتكلم فيه الأزدي، ولم يُنقل توثيقه عن أحد من الأئمة إلا ابن حبان ذكره في (ثقاته)، وشرط ابن حبان في التوثيق فيه تسامح معروف.
الثالث: الرواية التي أشار إليها بقوله (وقال بعضهم) وليته ذكر سندها ومتنها، فقد تكون ضعيفة في نفسها، وإنما قويت عنده للأمرين الآخرين، ويدل على ضعفها أن المحفوظ عن كعب وعبدالله بن سلام ووهب بن منبه ومَن يأخذ عنهم أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد، وهو قول أهل الكتاب المذكور في كتبهم، وعليه بنوا قولهم في السبت، انظر(الأسماء والصفات)(ص272و275) وأوائل تاريخ ابن جرير، وفي (الدر المنثور)(ص/91) (أخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال: بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، وجعل كل يوم ألف سنة)، وأسنده ابن جرير في أوائل التاريخ (1/22ط الحسينية)، واقتصر على أوله (بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والاثنين)، فهذا يدفعُ أن يكون ما في الحديث من قول كعب.
وأيوب لا بأس يه، وصنيع ابن المديني يدل على قوته عنده،وقد أخرج له مسلم في صحيحه، كما علمت وإن لم يكن حده أن يحتج به في (الصحيح)، فمدار الشك في هذا الحديث على الاستنكار، و قد يجاب عنه بما يأتي:
أما الوجه الأول: فيجاب عنه: بأن الحديث و إن لم ينص على خلق السماء فقد أشار إليه بذكره في اليوم الخامس: النور، وفي السادس: الدواب، وحياة الدواب محتاجة إلى الحرارة والنور والحرارة مصدرهما الأجرام السماوية.
والذي فيه أن خلق الأرض نفسها كان في أربعة أيام كما في القرآن، والقرآن إذ ذكر خلق الأرض في أربعة أيام لم يذكر ما يدل أن من جملة ذلك خلق النور والدواب، وإذ ذكر خلق السماء في يومين لم يذكر ما يدل أنه في أثناء ذلك لم يحدث في الأرض شيئاً، والمعقول أنها بعد تمام خلقها أخذت في التطور بما أودعه الله تعالى فيها، والله سبحانه لا يشغله شان عن شان.
ويجاب عن الوجه الثاني: بأنه ليس في هذا الحديث أنَّه خلق في اليوم السابع غير آدم، وليس في القرآن ما يدل أن خلق آدم كان في الأيام الستة ولا في القرآن ولا السنة و لا المعقول أن خالقية الله عز وجل وقفت بعد تلك الأيام الستة، بل هذا معلوم البطلان، وفي آيات خلق آدم أوائل البقرة وبعض الآثار ما يؤخذ منه أنه قد كان الأرض عمار قبل آدم عاشوا فيها دهراً، فهذا يساعد القول بأن خلق آدم متأخر بمدة عن خلق السموات والأرض.
فتدبر الآيات والحديث على ضوء هذا البيان يتضح لك إن شاء الله أن دعوى مخالفة هذا الحديث لظاهر القرآن قد اندفعت،و لله الحمد.
و أما الوجه الثالث: فالآثار القائلة إن ابتداء الخلق يوم الأحد ما كان منها مرفوعاً فهو أضعف من هذا الحديث بكثير، وأما غير المرفوع فعامته من قول عبدالله بن سلام وكعب ووهب ومَن يأخذ عن الإسرائيليات، وتسمية الأيام كانت قبل الإسلام تقليدا لأهل الكتاب، فجاء الإسلام وقد اشتهرت وانتشرت فلم ير ضرورة إلى تغييرها؛ لأن إقرار الأسماء التي قد عرفت واشتهرت وانتشرت لا يعد اعترافاً بمناسبتها لما أخذت منه أو بنيت عليه، إذ قد أصبحت لا تدل على ذلك، وإنما تدل على مسمياتها فحسب،ولأن القضية ليست مما يجب اعتقاده أو يتعلق به نفسه حكم شرعي، فلم تستحق أن يحتاط لها بتغيير ما اشتهر وانتشر من تسمية الأيام".
و أما رواية ابن أبي يحيى المتقدمة: فقال العلامة الألباني كما (الصحيحة)(4/ ص450):" و رواية إبراهيم بن أبي يحيى التي أشار إليها البيهقي، قد أخرجها الحاكم في (علوم الحديث)(ص33)...- فذكرها ثم قال- وأشار الحاكم إلى تضعيفه هكذا مسلسلاً بالتشبيك، وعلته إبراهيم؛ فإنه متروك كما تقدم".
السابع: الخلاصة:الذي يظهرُ مما تقدم من كلام أهل العلم عن الحديث أنَّ الحديث من الأحاديث المنتقدة على صحيح الإمام مسلم، و القول بثبوته أظهر وأقوى؛ والقول بتعليله قولٌ قويٌّ، والعلم عند الله.
السؤال الثاني: قول السائل: كيف يكون المحدث ثقة وفي الوقت نفسه يوصف بالتدليس؟
الجواب: هناك أمور لا بد من الانتباه والتنبه لها كي تتضح الصورة جواباً عن هذا السؤال، وهذه الأمور هي كالتالي:
الأول: التدليس له أقسام، منها تدليس الإسناد، و ألحق به: تدليس التسوية، و تدليس القطع، وتدليس السكوت وتدليس العطف، وتدليس الصيغ.
ومنها تدليس الشيوخ، وألحق به تدليس البلدان.
ولكل منها حدُّه وصوره، وليس المقام مقام بسط حدود تلك الأقسام وصورها؛ لذا ينظر في ذلك للتقريب كتب: علوم الحديث عموماً مثل: (معرفة علوم الحديث)(ص103) للحاكم و(الكفاية) للخطيب (ص59)و(ص508- 527) و( علوم الحديث) لابن الصلاح (ص73-76) و(شرح ألفية الحديث) للعراقي (1/180) و(التقييد والإيضاح) له (ص96-97) و (النكت على كتاب ابن الصلاح) لابن حجر(2/614- 651) و غيرها.
وكوني أحلت إلى بعض كتب علوم الحديث، لا يعني ذلك إغفال كتب (العلل) و (التراجم) فإنَّها مليئة بالأمثلة في الباب، ولكن الأمر كما ذكرتُ قبلُ: أنَّه للتقريب فقط لا غير، فليتنبه.
الثاني: ذكر أهل العلم بأنَّ التدليس له بواعث، وعليه فإن الحكم على الراوي يختلف باختلاف باعثه على التدليس.
فمن ذلك: إيهام علو الإسناد، أو ضعف الراوي المدلَّس أو صغر سنِّ الشيخ المدلَّس عن سنِّ المدلِّس أو كراهية ذكره لسوء حاله لا لقدح في حديثه، أو إيهام كثرة الرواية، أو إيهام كثرة الشيوخ أو امتحان الأذهان واختبارها في معرفة الرجال، أو تحسين الحديث، أو غير ذلك من الأسباب والبواعث.
لذا قال الحافظ الخطيب رحمه الله:" التدليس مكروه عند أكثر أهل العلم، وقد عظَّم بعضهم الشأن في ذمه" (الكفاية)(ص508)، فتدليس الإسناد أكثر العلماء والمحققين على ذمه وإنكاره، وأشده كراهة وذماً (التسوية) حتى قال الحافظ العراقي:" إنه قادحٌ فيمن تعمد فعله" (التقييد) (ص97)، وينظر (اختصار علوم الحديث)(1/175).
وأما تدليس الشيوخ فهو أخف من سابقه، إلا أنَّ الحكم يتوقف على معرفة المقصد منه؛ فمن دلَّس لجرح في الراوي فعمَّاه فإنَّه يُجرح به؛ لأن الدين النصيحة، و ما كان إيهاما لكثرة شيوخ أو حديث أو نحو ذلك فإن الأولى تركه؛ لما فيه من التزين والشهرة، والله أعلم.
ينظر: (اختصار علوم الحديث)(1/176) و(تدريب الراوي)(1/223-231) و(فتح المغيث)(1/208-229).
الثالث: تنبيه مهم:إذا ثبت وصف راوٍ ما بأنَّه ثقة، فإنَّ هذا الوصف موجبٌ لقبول خبره- إن سلم من المآخذ-، فإن ثبت ما يوجب ردَّ خبره بالبينة والبرهان رُدَّ خبره.
وعليه: فإذا ثبت وصف الراوي بأنَّه ثقة، ثم وردَ قولٌ فيه بأنَّه مدلِّسٌ، فإن التعامل مع هذا القول يكون كالتالي:
1/ لابدَّ من ثبوت هذا الوصف؛ ذلك أنَّه ليس كل وصف يصح في الراوي، إذ قد ينقل القول وعند التحقيق لا يثبت القول و لا يصح، فمن ذلك ما قاله أبو الفرج المعافى النهرواني في كتابه (الجليس والأنيس) في حق الإمام شعبة بن الحجاج:" كان شعبة ينكر التدليس، ويقول فيه ما يتجاوز الحد- مع كثرة روايته عن المدلسين،ومشاهدته من كان مدلساً من الأعلام، كالأعمش والثوري وغيرهما- إلى أن قال- ومع ذلك فقد وجدنا لشعبة مع سوء قوله في التدليس تدليساً في عدة أحاديث رواها، وجمعنا ذلك في موضع آخر" انتهى.
قال الحافظ ابن حجر في (النكت)(2/628-630) بعد نقله كلام النهرواني هذا:" وما زلت متعجباً من هذه الحكاية شديد التلفت إلى الوقوف على ذلك، و لا أزداد إلا استغراباً لها واستبعاداً إلى أن رأيت في (فوائد أبي عمرو بن أبي عبيدالله بن مندة) وذلك فيما قرأت على أم الحسن بنت المنجا عن عيسى بن عبدالرحمن بن مغالي قال قرئ على كريمة بنت عبدالوهاب ونحن نسمع عن أبي الخير الباغيان أنا عمرو بن أبي عبيدالله بن مندة ثنا أبوعمر عبدالله بن محمد بن أحمد بن محمد بن الأصفر ثنا النفيلي ثنا مسكين بن بكير ثنا شعبة قال: سألت عمرو بن دينار عن رفع الأيدي عند رؤية البيت؟ فقال: قال أبو قزعة حدثني مهاجر المكي أنه سأل جابر بن عبدالله رضي الله عنه: أكنتم ترفعون أيديكم عند رؤية البيت؟ فقال: قد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل فعلنا ذلك؟.
قال الأصفر: ألقيته على أحمد بن حنبل فاستعادني، فأعدته عليه، فقال: ما كنتُ أظن أن شعبة يدلس. حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي قزعة بأربعة أحاديث هذا أحدها، يعني ليس فيه عمرو بن دينار.
قلت: هذا الذي قاله أحمد على سبيل الظنِّ، و إلا فلا يلزم من مجرد هذا أن يكون شعبة دلس في هذا الحديث؛ لجواز أن يكون سمعه من أبي قزعة بعد أن حدثه عمرو عنه، ثم وجدته في (السنن) لأبي داود عن يحيى بن معين عن غندر عن شعبة قال: سمعتُ أبا قزعة...فذكره.
فثبتَ أنَّه ما دلَّسهُ، والظاهر: الذي زعم المعافى أنه جمعه كله من هذا القبيل وإلا فشعبة من أشد الناس تنفيراً عنه.
و أما كونه: كان يروي عن المدلسين، فالمعروف عنه أنه كان لا يحملُ عن شيوخه المعروفين بالتدليس إلا ما سمعوه...".
2/ إن ثبت ثبوتاً صحيحاً وصف الراوي الثقة بأنَّه مدلس، فإنَّ النظر مع هذا الوصف هو كالنظر في ورود جرح في راوٍ ثبت تعديله؛ ذلك أننا قررنا في الأمر الثاني آنفاً أنَّ التدليس مكروه، و قد يُجرحُ به الراوي على ما تقدم بيانه، وعليه فلا بدَّ أولاً من ثبوت تدليسه في خبرٍ ما، وفي أي الأقسام يكون.
لأنَّه قد يوصف الراوي بأنَّه مدلِّسٌ، وعند التأمل في الخبر المستدل به على تدليسه لا يثبت - كما تقدم في المثال السابق مع الإمام شعبة- أو يظهر أنَّه لا يدخل تحت أي قسم من أقسام التدليس المتقدمة، فمثلاً:
عبدالله بن زيد الجرمي أبو قلابة، قال الحافظ أبوحاتم الرازي:" لا يُعرفُ له تدليسٌ" (الجرح والتعديل)(5/58)، وقال الحافظ الذهبي:"..إلا أنه يُدلِّسُ عمن لحقهم وعمن لم يلحقهم، وكان له صحفٌ يحدث منها ويدلِّسُ" (الميزان)(2/426)، و ممن حدَّث عنه ولم يلحقه: حذيفة بن اليمان رضي الله عنه – ينظر (النكت الظراف)(3/45-46).
فالمتأمل في هذا المثال يظهر له بجلاء أنَّ التدليس المذكور في كلام الحافظ الذهبي لا يُراد منه التدليس بالمعنى الاصطلاحي عند بعض أهل العلم كابن حجر وغيره، وإنما هو إرسال؛ لذا عبارة الحافظ أبي حاتم أظهر في المعنى الاصطلاحي للتدليس؛ لذا نجد أن الحافظ ابن حجر علق في (تهذيب التهذيب)(2/340) على عبارة أبي حاتم بقوله:" هذا يقوي من ذهب إلى اشتراط اللقاء في التدليس، لا الاكتفاء بالمعاصرة".
مثال آخر كسابقه: سأل الدوريُّ الحافظَ ابنَ معين عن:" حديث هشيم عن أبي إسحاق عن أبي قيس عن هزيل قال: قال عبدالله...-فذكره- فقلت له: مَن أبو إسحاق هذا؟ فقال يحيى: هشيم لم يلق أبا إسحاق السبيعي، ولم يلق أبا إسحاق الذي يُدلِّسُ عنه، والذي يقالُ له: أبو إسحاق الكوفي" (التاريخ) رواية الدوري (رقم 4861).
الرابع: هل يوجد رواة ثقات وصفوا بالتدليس؟
الجواب، نعم، لكنهم متفاوتون فيه فمنهم من يصنف تدليسه في تدليس الإسناد ومنهم من يصنف تدليسه في تدليس الصيغ أو القطع أو نحو ذلك من الأقسام المتقدمة، وهذا ينظر فيه إلى كلِّ راوٍ بحسبه، وسأذكر هنا بعض الرواة الثقات ممن وصفوا بالتدليس بغض النظر عن نوعه، فمنهم:
أ/ عبدالله بن وهب المصري، قال الحافظ ابن سعد في (الطبقات)(7/518):" كان كثير العلم ثقة فيما قال: حدثنا، وكان يدلس".
ب/ عمر بن علي بن عطاء المقدَّمي، قال الحافظ ابن سعد في (الطبقات)(7/291):" ثقة، وكان يدلس تدليساً شديداً، وكان يقول: وحدثنا، ثم يسكت ثم يقول: هشام بن عروة، الأعمش..".
ج/ حبيب بن أبي ثابت الكوفي، ثقة جليل، قال الحافظ ابن خزيمة في كتاب (التوحيد) (1/87):" إن حبيب بن أبي ثابت أيضاً مدلسٌ، لم يُعلم أنه سمعه من عطاء"، وقال الحافظ ابن حبان في كتاب (الثقات)(4/137):" كان مدلساً".
د/ عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج، ثقة فاضل، قال الحافظ الدارقطني كما في (سؤالات الحاكم له)(ص174):" شر التدليس تدليس ابن جريج، فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح مثل إبراهيم بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة وغيرهما".
و يوجد آخرون كثر، لكن لعل في هذا القدر كفاية في الجواب عن السؤال والله أعلم.
السؤال الثالث: لماذا لا يعتبر العلماء بتوثيق العجلي؟
و قبل الجواب عن السؤال، أرى أنَّ السؤال خطأٌ من أصله؛ إذ قوله (لا يعتبر) غير صحيح، فلا زال العلماء والمعتنون بتراجم الرواة جرحاً وتعديلاًَ ينقلون من كلام الحافظ العجلي ويروونه -كما سيأتي النقل عن بعضهم بإذن الله تعالى-، بغض النظر هل يوافقونه أو يخالفونه، فهذه مسألة أخرى، ولو قال: هل صحيحٌ أنَّ الإمام العجلي موصوف بالتساهل في التوثيق أم لا؟ لكان السؤال صحيحاً والجواب عليه ظاهراً.
وإنَّ من المؤسف أن ينتشر بين طلبة العلم- وبخاصة من له عناية بالحديث- هذا القول من غير تدقيق فيه وتمحيص، لكن يمكن أن يلتمس العذر لهم!! أنهم وجدوا كلاماً لبعض أهل العلم المبرَّزين من المعاصرين قالوا به- فهؤلاء العلماء أهل الفضل والسبق يدورون بين الأجر والأجرين- لكن عند التأمل والتحقيق يحتاج الأمر إلى تأملٍ كبير في هذا القول وأدلته، وميزانه ميزاناً دقيقاً مبنياً على البرهان والدليل، وسأعرض بإذن الله تعالى مَن قال بهذا القول من العلماء ودليله- إن وجدَ- ومِنْ ثَمَّ أذكر الراجح، والله الموفق.
وعود على بدء، فأقول: إنَّ الجواب عن هذا السؤال من أوجه:
الأول: توطئة وتمهيد:
قبل الخوض في الجواب عن السؤال يحسن أنْ نُترجم للحافظ العجلي ترجمة مختصرة، نتعرَّفُ منها على منزلة هذا العَلَم ومعرفته بالحديث والرجال، وثناء العلماء عليه، ومنزلة كتابه في الجرح والتعديل بين أهل العلم. فأقول:
أ/ اسمه ونسبه و مولده ووفاته:
هو الحافظ أبو الحسن أحمد بن عبدالله بن صالح بن مسلم العجلي الكوفي، نزيل طرابلس الغرب. قال الحافظ الخطيب البغدادي:" كوفي الأصل، نشأ ببغداد، وسمع بها وبالكوفة والبصرة" (تاريخ بغداد)(4/214).
ولد سنة (182هـ)، وطلب العلم سنة (197هـ) وتوفي سنة (261هـ) بطرابلس. ينظر المصدر السابق، و (سير أعلام النبلاء)(12/505).
ب/ ثناء العلماء عليه:
1/ قال الحافظ أبو الحسن اللؤلؤي:" سمعت مشايخنا بهذا المغرب يقولون: لم يكن لأبي الحسن أحمد ابن صالح العجلي الكوفي ببلادنا شبيه، و لا نظير له في زمانه بمعرفة الحديث وإتقانه وزهده" (تاريخ بغداد)(4/214).
2/ قال الإمام الحافظ يحيى بن معين:" هو ثقة ابنُ ثقةٍ ابن ثقة" (تاريخ بغداد)(4/215).
قال الحافظ الوليد الأندلسي معلقاً على قول ابن معين:" إنما قال ابن معين بهذه التزكية لأنه عرفه بالعراق، قبل خروج أحمد ابن عبد الله إلى المغرب، وكان نظيره في الحفظ، إلا أنه دونه في السنِّ، وكان خروجه إلى المغرب أيام محنة أحمد بن حنبل، وأحمد بن عبد الله هذا أقدم في طلب الحديث، و أعلى إسناداً وأجل عند أهل المغرب في القديم والحديث ورعاً وزهداً من محمد بن إسماعيل البخاري ، وهو كثير الحديث، خرج من الكوفة والعراق ، بعد أن تفقه في الحديث، ثم نزل أطرابلس الغرب" (تاريخ بغداد)(4/215).
3/ قال الحافظ عباس بن محمد الدوري تلميذ الإمام الحافظ يحيى بن معين:" إنا كنا نعده مثل أحمد ابن حنبل ويحيى بن معين" (تاريخ بغداد)(4/214) و(تذكرة الحفاظ)(2/561).
4/ قال الحافظ علي بن أحمد بن زكريا الأطرابلسي" إنَّ ابن معين وأحمد بن حنبل قد كانا يأخذان عن العجلي " (تاريخ بغداد)(4/214).
5/ قال الحافظ الخطيب البغدادي:" كان ديناً صالحاً، انتقل إلى بلد المغرب، وسكن أطرابلس، وليس بأطرابلس الشام، و انتشر حديثه هناك" (تاريخ بغداد)(4/214).
7/ قال شيخ الإسلام ابن تيمية الحرَّاني في (منهاج السنة)(1/66):" والمقصود هنا أن العلماء كلهم متفقون على أن الكذب في الرافضة أظهر منه في سائر طوائف أهل القبلة، ومن تأمل كتب الجرح والتعديل المصنَّفة في أسماء الرواة والنقلة وأحوالهم مثل: كتب يحيى بن سعيد القطان وعلي بن المديني ويحيى بن معين والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم الرازي والنسائي وأبي حاتم بن حبان وأبي أحمد بن عدي والدارقطني وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السعدي ويعقوب بن سفيان الفسوي وأحمد بن صالح العجلي والعقيلي ومحمد بن عبدالله بن عمار الموصلي والحاكم النيسابوري والحافظ عبدالغني بن سعيد المصري، وأمثال هؤلاء الذين هم جهابذة ونقَّاد وأهل معرفةٍ بأحوال الإسناد، رأى المعروف عندهم بالكذب في الشيعة أكثر منهم في جميع الطوائف..".
وقال أيضاً في (المنهاج)(7/34-35):" أنَّا نذكر قاعدة فنقول: المنقولات فيها كثير من الصدق وكثير من الكذب، والمرجعُ في التمييز بين هذا وهذا إلى أهل علم الحديث، كما نرجعُ إلى النحاة في الفرق بين نحو العرب ونحو غير العرب، ونرجع إلى علماء اللغة فيما هو من اللغة وما ليس من اللغة، وكذلك علماء الشعر والطب وغير ذلك، فلكل علمٍ رجالٌ يُعرفون به، والعلماء بالحديث أجلُّ هؤلاء قدراً، وأعظهم صدقاً، وأعلاهم منزلةً وأكثر ديناً.
وهم من أعظم الناس صدقاً وأمانةً، وعلماً وخبرةً، فيما يذكرونه من الجرح والتعديل، مثل: مالك وشعبة وسفيان ويحيى بن سعيد وعبدالرحمن بن مهدي وابن المبارك ووكيع والشافعي وأحمد وإسحاق ابن راهويه وأبي عبيد و ابن معين وابن المديني والبخاري ومسلم وأبي داود وأبي زرعة وأبي حاتم والنسائي والعجلي وأبي أحمد بن عدي وأبي حاتم البستي والدارقطني وأمثال هؤلاء خلق كثير لا يحصى عددهم، من أهل العلم بالجرح والتعديل، وإنْ كان بعضهم أعلم بذلك من بعض، وبعضهم أعدل من بعض في وزن كلامه، كما أنَّ الناس في سائر العلوم كذلك..".
8/ قال الحافظ مؤرخ الإسلام أحمد بن عثمان الذهبي:" الإمام الحافظ الأوحد الزاهد " (سير أعلام النبلاء) (12/505)، وقال في (تذكرة الحفاظ)(2/560):" الإمام الحافظ القدوة".
9/ قال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي:" كان إماماً، حافظاً، قدوة ، من المتقنين وكان يعد كأحمد ابن حنبل ويحيى بن معين " (شذرات الذهب)(3/266) .
ج/ مكانة كتابه في الجرح والتعديل عند أهل العلم:
إن كتاب الحافظ العجلي المؤلف في الجرح والتعديل من أعظم مؤلفاته، وهو كتاب عظيم النفع، جليل القدر، متين العبارة، مفيد في بابه.
وسبق من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ما يدلُّ على عظم الكتاب والكاتب، وأزيدُ أقوالاً أخرى عن غيره:
1/ قال الحافظ الذهبي- رحمه الله-:" حدث عنه ولده صالح مصنَّفه في الجرح والتعديل، وهو كتابٌ مفيدٌ، يدلُّ على سعة حفظه" (تذكرة الحفاظ)(2/560-561).
2/ وقال أيضاً في (السير)(12/506):" وله مصنَّفٌ في الجرح والتعديل، طالعتُه وعلَّقتُ منه فوائد، يدل على تبحره بالصَّنعةِ وسعة حفظه".
3/ قال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي:" وكتابه في الجرح والتعديل يدلُّ على سعة حفظه وقوَّة باعه الطويل" (شذرات الذهب)(2/141).
4/ قال الصفدي في (الوافي بالوفيات)(7/79):" روى عنه ابنه صالح بن أحمد كتابه في الجرح والتعديل، وهوكتابٌ مفيدٌ يدلُّ على إمامته وسعة حفظه".
فهذه بعض النقول مما قيل في الإمام العجلي وكتابه، ومنها يظهر لك جلياً مكانته رحمه الله في هذا الفنِّ الشريف وتقدمه بين أهله، وأنَّه من كبار النقاد وعلماء الجرح والتعديل، ومنزلة كتابه وأهمتيه.
ثانياً: هل الحافظ العجلي متساهل؟
و قبل الجواب عن هذه الفقرة، يقال:
أ/ هل وصفَ أحدٌ من الحفاظ العجليَّ بالتساهل في التوثيق أم لا؟
فأقول جواباً: لم أجد أحداً من أهل العلم من الحفاظ قد وصف الحافظ العجلي بالتساهل أو أنه لا يعتمد على توثيقه إذا انفرد بتوثيق راو لم نجد فيه قولاً لغيره .
بل إنَّ الناظر والمتأمل بإنصافٍ فيما تقدَّم نقله عن بعض أهل العلم- وفي ترجمته المطولة- ما يدلُّ على الثناء عليه وأنَّه إمامٌ من أئمة النقد، ومن كبار الحفاظ مع الدين المتين والورع والزهد، وهو يقارن بأحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وهما من أئمة أهل السنة وحفاظ الدنيا، وذلكم الثناء ثبت واستمر وظلَّ حتى العصور المتأخرة كعصر الإمام الذهبي وابن ناصر الدين وغيرهما، فلم يصمه أحدٌ منهم بالتساهل.
لكن حصل في العصر الحاضر مَنْ وصف الأمام العجلي بالتساهل، وأول مَنْ وجدتُه يصفه بذلك هو:
1/ العلامة المحدث ذهبي العصر عبدالرحمن بن يحيى المعلمي –رحمه الله- (ت1386هـ) فقال في (التنكيل)(1/66):" و العجلي قريب منه- أي ابن حبان- في توثيق المجاهيل من القدماء"، و قال في (الأنوار الكاشفة)(ص72):" وتوثيق العجلي وجدته بالاستقراء كتوثيق ابن حبان أو أوسع".
و في تحقيقه لـ(الفوائد المجموعة) تعليقات عدَّة منها مثلاً: (ح رقم 879/252-253) قال معلقاً على ذكر ابن حبان لراوٍ في كتابه (الثقات) و لقول العجلي فيه (تابعي ثقة):" و أما ابن حبان فقاعدته معروفة، والعجلي مثله، أو أشد تسهلاً في توثيق التابعين، كما يعلم بالاستقراء".
وينظر أيضاً: (ح رقم 660/ص202) و (ح 1354/418).
2/ و قال بنحوه أيضاً الإمامُ محدِّث الدنيا محمد ناصر الدين الألباني-رحمه الله- في مواطن عدَّة من كتبه فمن ذلك قوله في (صحيح سنن أبي داود)(7/ ح 2345/361- الكتاب الكبير) بعد نقله توثيق العجلي لراوٍ:" ولعل هذا القول منه كان السبب الذي حملني على أن جودت إسناد الحديث في تعليقي على (المشكاة)، و كان ذلك قبل أن يتبين لي أن العجلي متساهل في التوثيق مثل تساهل ابن حبان أو نحوه، فالحمد لله على هدايته..".
وقال أيضاً في (سلسلة الأحاديث الصحيحة)(2/ رقم 633/ ص218-219):" العجلي معروف بالتساهل في التوثيق ، كابن حبان تماماً ، فتوثيقه مردود إذا خالف أقوال الأئمة الموثوق بنقدهم وجرحهم ".
وينظر أيضاً: (سلسلة الأحاديث الصحيحة)(6/ القسم الأول: تحت رقم 2750/ص572-573)، و (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)(12/ رقم 5848/ص760-761).
3/ و كذا أيضاً العلامة محدث اليمن ومجددها مقبل بن هادي الوادعي-رحمه الله- حيث قال كما في كتابه (المقترح في أجوبة بعض أسئلة المصطلح)( رقم 32/37-38) وكان السؤال عن توثيق العجلي، ووجه كونه متساهلاً؟ فأجاب:" عرف بالاستقراء من تفرده – مع ابن حبان- بتوثيق بعض الرواة الذين لم يوثقهم غيرهما، فهذا عرف بالاستقراء، و إلاَّ فلا أعلم أحداً من الحفاظ نصَّ على هذا، والذي لا يوثقه إلا العجلي والذي يوثقه أحدهما أو كلاهما فقد لا يكون بمنزلة صدوق، ويصلحُ في الشواهد والمتابعات، وإن كان العجلي يعتبر أرفعُ في هذا الشأن، فهما متقاربان..".
قلتُ: قول الشيخ مقبل-رحمه الله- (فلا أعلم أحداً من الحفاظ نصَّ على هذا) يُصدِّقُ ما قدَّمته في أول الجواب عن هذه الفقرة، والحمد لله على توفيقه.
ومما سبق نقله عن هؤلاء العلماء الأفاضل، يظهر أنَّ سبب وصم الحافظ العجلي بالتساهل هو:
أولاً / توثيقه لرواة ليس لغيره فيهم كلاماً.
ثانياً / مخالفته لغيره من الحفاظ في عدد من الرواة حيث يوثقهم و يخالفونه في ذلك إما بتضعيف أو تجهيل أو نحو ذلك من أوجه الردِّ.
و الجواب عن هذه المآخذ بما يلي:
أولاً: تقدَّم بيان مكانة الحافظ العجلي وتقدَّمه في الفن و أنَّه من كبار أئمة النقد، فمثله لا يضرُّه تفرده بتوثيق راوٍ؛ إذ ما الفرق بينه وبين غيره من الحفاظ النقاد؟ فإن المنصف المتجرد يجد كبار النقاد والأئمة يتفرد أحدهم بتعديلٍ لا يقوله غيره، وقد يخالف جمهور الحفاظ في بعض الرواة.
فإن عددناه مأخذاً يؤخذ على الحافظ العجلي لزمنا أن نأخذه على سائر أئمة النقد والحفاظ كأحمد ابن حنبل والبخاري ويحيى بن معين وعلي بن المديني وأبي زرعة و أبي حاتم و أبي داود وغيرهم؛ إذ لن ينجو إمام من ذلك!! وعليه فالمتعين في حقِّ المنصف أن يعتبرَ بنقد العجلي توثيقاً وتضعيفاً، ما لم يظهر بالحجة والبرهان خطؤه، والله الموفق.
ثانياً: مخالفة العجلي لغيره من الحفاظ في راوٍ ما لا تعدو أن تكون كغيرها من الأقوال التي تتعارض فيها أقوال أئمة النقد والجرح والتعديل في الراوي. وأقوال الحافظ العجلي في الرواة لا تخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يتفرد بقول في الرواي تضعيفاً أو تعديلاً ولا يشاركه غيره في الراوي، فهذه تقدم الكلام عليها وأن الواجب اعتبار قوله، ؛إذ إعماله أوجب من إهماله! إلا إن تبين بالبرهان خطؤه.
الثانية: أن يوافق غيره من النقاد تعديلاً وتجريحاً، فهذا ظاهر في القبول.
الثالثة: أن يخالف غيره، فهنا نقول: قد ثبتت إمامة العجلي واعتباره من أئمة النقد - وأنه كان يقرن بأحمد وابن معين، وهو أعلى إسناداً وأكبر سناً من الإمام البخاري- كما تقدم النقل عن جمع من العلماء، وعليه، فهذا المخالفة إن كانت- كما قيل- بتوثيق راو جهله غيره؛ فإنَّ من الوارد جداً أن يعلم براو جهله غيره، وماذا في هذا؟ فكم من راوٍ جهلهُ إمام و عرفه غيره، وسيأتي في الأمثلة ما يدلُّ على هذا بإذن الله.
وإن كانت المخالفة بتوثيق راوٍ ضعفه أو تركه غيره؛ فمن المعلوم والمتقرر لدى أهل العلم بالحديث ورجاله أنَّ اختلاف الأئمة في الرواة تعديلاً و تجريحاً من أظهر ما يكون فالمطالع لـ(تهذيب الكمال) للحافظ المزي مثلاً يجد أمثلة كثيرة جداً جداً في هذا الباب، وهذا مبني على اختلاف اجتهاداتهم،ونظرهم، وإذا كان الأمر كذلك فإنَّ الأمر ينظر له بمنظار قواعد أهل العلم عند تعارض الجرح والتعديل بين النقاد، وهي قواعد يعرفها أهل الفنِّ!.
ثالثاً: مما يدلُّ على اعتبار أهل العلم بتوثيق الحافظ العجلي.
تقدم في الترجمة المختصرة للحافظ العجلي مكانته وتقدمه في الفن، وأن كتابه في (الجرح والتعديل) كتاب عظيم النفع دال على سعة حفظه واطلاعه، لذا فقد مضى الأئمة على اعتماد أقوال العجلي، وحكايتها، بل والرد على من جهَّل راوياً وثبت توثيق العجلي له.
ومما يذكر في هذا المقام أنَّ الإمام الذهبي قد ذكره وعدَّه من الأئمة المعتمدين في الجرح والتعديل في كتابه (ذكر من يعتمد قوله في الجرج والتعديل) (الطبقة الخامسة: رقم 286/ص179) وأول مَنْ ذكر في هذه الطبقة الإمام البخاري.
و ذكره أيضاً الحافظ السخاوي في كتابه (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ) فصل (المتكلمون في الرجال) (344)، وكذا في كتابه الماتع (فتح المغيث)(4/ص 358- ط علي حسين) مبحث (معرفة الثقات والضعفاء).
و سأعرض هنا جملة من العلماء أُدلل بهم على ما قدَّمتُ قبلُ:
1/ شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم الحراني (ت 728هـ)، في مواطن من كتبه، فمثلاً:
أ/ قال في (اقتضاء الصراط المستقيم)(1/ص236):" وأما عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان: فقال يحيى ابن معين وأبو زرعة وأحمد بن عبدالله: ليس به بأس..".
قلت: أحمد بن عبدالله هو العجلي، فأنت تراه يعول على كلام العجلي وينقله من غير وصمه بالتساهل أو نحوه.
ب/ وقال أيضاً (المصدر السابق)(1/237):" وأما أبو منيب الجرشي: فقال فيه أحمد بن عبدالله العجلي: هو ثقة،وما علمت أحداً ذكره بسوء وقد سمع منه حسان بن عطية، وقد احتج الإمام أحمد وغيره بهذا الحديث".
قلت: لم يذكر شيخ الإسلام أحداً وثقه إلا العجلي، فنقل قوله من غير تعقب, معتمداً عليه!!
ج/ وقال أيضاً كما في (مجموع الفتاوى)(24/349) مجيباً عمن تكلم في راوٍ يسمى: عمر بن أبي سلمة، بأنَّ شعبة تركه، وتكلم فيه بعض الأئمة، فقال:" الجواب على هذا من وجوه:
أحدها: أن يقال كل من الرجلين قد عدَّله طائفة من العلماء، وجرحه آخرون، أما عمر فقد قال فيه أحمد بن عبدالله العجلي: ليس به بأس، وكذلك قال يحيى بن معين: ليس به بأس، وابن معين وأبو حاتم من أصعب الناس تزكية..".
قلت: ظاهر من كلامه اعتماده في الجواب على قول العجلي وابن معين، في معارضة من جرَّحه!.
2/ الإمام الحافظ مؤرخ الإسلام شمس الدين أحمد بن عثمان الذهبي (ت741هـ)، تكلم في مواطن من كتبه، ففي بعضها اعتماد على توثيقه حيث يقول (وثقه العجلي) ويسكت ولا يتعقب، ومنها ما يعتبر قوله في الراوي جرحاً أو تعديلاً ويحكيه مع أقوال أئمة آخرين، فمثلاً:
أ/ أبان بن إسحاق المدني، ترجم له في (الميزان)(1/ص5) وقال:" قال ابن معين وغيره: ليس به بأس، وقال أبو الفتح الأزدي: متروك. قلت- أي الذهبي-: لا يترك، فقد وثقه أحمد العجلي، وأبو الفتح يسرفُ في الجرح وله مصنف كبير إلى الغاية في المجروحين، جمع فأوعى، وجرح خلقاً بنفسه لم يسبقه أحد إلى التكلم فيهم، وهو المتكلم فيه".
تنبيه: حصل في المطبوع من (الميزان) خطأ، حيث جاء فيه (وثقه أحمد والعجلي) فالواو زائدة، وهي خطأ، ينظر تعليق الدكتور بشار عواد على (تهذيب الكمال) للحافظ المزي (2/ص6) ترجمة (أبان بن إسحاق).
ب/ أسلم بن الحكم، ترجم له في (الكاشف)(1/رقم 343/242) وقال:".. وثَّقه العجلي".
فلم ينقل توثيقه عن غيره!
ج/ عبدالله بن فروخ، عن مولاته عائشة، ترجم له في (الميزان)(2/ رقم4505/471) مصدراً قول أبي حاتم فيه وهو:" مجهول" ثم علَّق فقال:" قلتُ: بل صدوق مشهور، حدث عنه جماعة، وثَّقه العجلي، وما ذكر أبو حاتم له إلا راوياً واحداً، وهو مبارك بن أبي حمزة الزبيدي، وقال: مبارك أيضاً مجهول.". ينظر قول أبي حاتم في (الجرح والتعديل) لابنه (5/رقم638/137).
قلت: عبدالله بن فروخ هذا ترجم له الذهبي أيضاً في (الكاشف)(1/رقم 2905/584) فقال:" ثقة"، فهذا الراوي كما ترى لم يذكر الذهبي-رحمه الله- في ترجمته السابقة إلا توثيق العجلي فحسبُ، وعارض به تجهيل أبي حاتم، مما أداه ذلك إلى الحكم عليه بأنه صدوق، وفي الموطن الآخر: ثقة، فهذا دليل واضح على اعتباره رحمه الله بكلام الحافظ العجلي وأخذه به.
د/ معلى بن منصور الرازي، ترجم له في (الكاشف)(2/رقم5564/282) وقال:" قال العجلي: ثقة نبيل صاحب سنة، طلبوه على القضاء غير مرة فأبى، وكان من كبار أصحاب أبي يوسف ومحمد".
وهذا نصٌّ واضحٌ في اعتباره كلام العجلي؛ حيث لم ينقل في الترجمة سواه!.
هـ/ عبدالواحد بن عبدالله النصري، ترجم له في (الميزان)(4/ رقم 5294/674):"..صدوق، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال أبو الحسن الدارقطني والعجلي وغيرهما: ثقة".
و في هذا النص تبيين واضح على اعتبار كلامه و حكايته مع كلام غيره من الحفاظ، والله أعلم.
وينظر: (ميزان الاعتدال)(1/450) و(4/674).
3/ الإمام الحافظ المتقن جمال الدين أبو الحجاج المزي (ت742هـ)، وكتابه (تهذيب الكمال في أسماء الرجال) خير شاهد على اعتباره بكلام الحافظ العجلي في الراوي وسياقه له إما وحده إن لم يقف على قول لغيره و إما مع قول غيره من الأئمة جرحاً أو تعديلاً، والأمثلة كثيرة جداً، لكن أذكر بعضاً منها:
أ/ مثال لما يذكر فيه قول العجلي وحده دون غيره، إسحاق بن عبدالله بن الحارث القرشي، ذكر في ترجمته طبقته ومن قال بها، ثم قال:" وقال أحمد بن عبدالله العجلي: مدني ثقة" (تهذيب الكمال)(2/443).
ب/ ومثله أيضاً ما قاله في ترجمة: أسماء بن الحكم الفَزَاري، حيث قال:" قال العجلي: كوفي تابعي ثقة" ولم ينقل توثيقه عن غيره، ثم نقل قولاً للإمام البخاري لحديث رواه الفزاري، وقال فيه:" لم يتابع عليه"، وردَّ على قول البخاري بردٍّ مطولٍ، و بدايته:" قلت: ما ذكره البخاري رحمه الله، لا يقدحُ في صحة هذا الحديث و لا يوجب ضعفه، أما كونه لم يتابع عليه، فليس شرطاً في صحة كل حديث صحيح أن يكون لراويه متابعٌ عليه..." (تهذيب الكمال)(2/533-535).
ج/ وأما من أمثلة نقله لقول العجلي مع قول غيره، فهذا كثير جداً، فمنه: ما جاء في ترجمة إبراهيم بن عقيل بن معقل اليماني الصنعاني، نقل فيه قول ابن معين والعجلي، وحادثة لأحمد بن حنبل معه. (تهذيب الكمال)(2/154-155).
د/ وأيضاً: بُرْد بن أبي زياد الهاشمي، نقل فيه توثيق العجلي والنسائي. (4/43).
وينظر: (تهذيب الكمال)(1/344) و(2/173 و213 و292 و521 و530) و (4/51 و252 و347) وغيرها كثير.
4/ الإمام الحافظ العلامة شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الدمشقي المعروف بابن القيم (ت751هـ)، فقد نقل في مواطن من كتبه أقوالاً للحافظ العجلي معتبراً بها معولاً عليها، غير ناقد لها بحجة تساهله أو نحو ذلك، فمن ذلك:
أ/ ما قاله في (تهذيب السنن)(1/173-174) مجيباً على ابن حزم لتضعيفه حديثاً رواه أبو داود بسبب شريك وخصيف، وكلاهما ضعيف، قال:" شريك هذا هو القاضي، قال زيد بن الهيثم: سمعت يحيى بن معين يقول: شريك ثقة، وقال أيضاً: قلت ليحيى بن معين: روى يحيى بن سعيد القطان عن شريك؟ قال: لم يكن شريك عند يحيى بشيء، وهو ثقة ثقة. وقال العجلي: ثقة حسن الحديث..".
2/ قال أيضاً في (زاد المعاد)(5/708-709) راداً على ابن حزم في تضعيفه لإبراهيم بن طهمان، وأنَّه من الحفاظ الأثبات الثقات الذين اتفق الأئمة الستة على إخراج حديثه، ومنهم الشيخان، ولم يحفظ أن جرحه أو خدشه عن أحد، وقال :"..عن ابن المبارك: صحيح الحديث، وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه، وأبي حاتم: ثقة، وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن يحيى بن معين: لا بأس به، وكذلك قال العجلي، وقال أبو حاتم: صدوق حسن الحديث....".
وينظر: (الفروسية) له (ص 117 و132-134).
5/ الحافظ المحدث المؤرخ أبو المحاسن محمد بن علي بن الحسن الحسيني الدمشقي (ت765هـ). وجدت قولاً له فيه اعتماد على توثيق العجلي، حيث قال في (الإكمال في ذكر من له رواية في مسند أحمد سوى من ذُكر في تهذيب الكمال)(1/ رقم 115/170) ترجمة: جندب بن عبدالله الوالبي، قال:" قال العجلي: كوفي ثقة".
6/ الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي (ت795هـ) تكلم في مواطن، منها:
أ/ قال في (جامع العلوم والحكم)(1/ ح16/ص 362- ط شعيب) شارحاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: ( لا تغضب) فردد مراراً، قال: ( لا تغضب) رواه البخاري.
قال:" يغلب على الظنِّ أن السائل هو جارية بن قدامة، ولكن ذكر الإمام أحمد عن يحيى القطان أنه قال: هكذا: قال هشام، يعني أن هشاماً ذكر في الحديث أن جارية سأل النبي صلى الله عليه وسلم. قال يحيى: وهم يقولون: لم يُدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا قال العجلي وغيره: إنه تابعي وليس بصحابي".
قلت: و هو ظاهر في اعتماده على قول العجلي.
ب/ وقال في (جامع العلوم والحكم) أيضاً (2/ ح41/395) شارحاً حديث ابن عمرو مرفوعاً (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).
:" قلت: تصحيح هذا الحديث بعيد جداً من وجوه: ..- فذكر عدة أوجه ومنها قوله- ومنها: أن في إسناده عقبة بن أوس السدوسي البصري، ويقال فيه: يعقوب بن أوس أيضاً، وقد خرج له أبوداود والنسائي وابن ماجه...وقد وثقه العجلي وابن سعد و ابن حبان، وقال ابن خزيمة: روى عنه ابن سيرين مع جلالته. وقال ابن عبدالبر: مجهول. وقال الغلابي في (تاريخه): يزعمون أنه لم يسمع من عبدالله بن عمرو، وإنما يقول: قال عبدالله بن عمرو، فعلى هذا تكون رواياته عن عبدالله بن عمرو منقطعة، والله أعلم".
قلت: يظهر للمتأمل في كلامه السابق عدم اعتماده على تجهيل ابن عبدالبر، وإنما الميل إلى توثيقه، بناء على توثيق بعض أهل العلم له ومنهم العجلي!، وإنما المأخذ عنده الانقطاع في رواية عقبة عن ابن عمرو، والله أعلم.
ج/ وقال في (شرح علل الترمذي)(2/857):" قال العجلي: إذا قال سفيان بن عيينة: عن عمرو، سمع جابراً، فصحيحٌ. وإذا قال سفيان: سمع عمرو جابراً؛ فليس بشيء.
يشيرُ إلى أنه إذا قال: عن عمرو، فقد سمعه منه، وإذا قال: سمع عمرو جابراً، فلم يسمعه ابن عيينة من عمرو".
قلت: فأنت ترى أنَّه لم يكتف بنقل قول الحافظ العجلي فقط، بل وشرحه وبيانه، وهذا يدلك على اعتماده واعتباره لقوله، والله أعلم.
وينظر أيضاً: (شرح العلل)(2/ص819 و848 و 858).
7/ الحافظ أبو زرعة أحمد بن عبدالرحيم العراقي (ت826هـ) في مواطن:
أ/ قال في (ذيل الكاشف)(رقم 172/60):" جارية بن قدامة التميمي البصري، مختلف في صحبته...وثقه العجلي، وقال: إنه تابعي، وابن حبان، وقال: إنه صحابي".
تنبيه: وقع خطأ في المطبوع من (الذيل) إذ فيه (وقال إنه تقي) والصواب كما أثبت، كما في (كتاب العجلي)(معرفة الثقات من رجال أهل العلم والحديث ومن الضعفاء وذكر مذاهبهم وأخبارهم)(1/ رقم 207/264).
ب/ ترجم لجندب بن عبدالله الوالبي، فقال:" قال العجلي: كوفي تابعي ثقة" (ذيل الكاشف)(رقم197/64).
ج/ وترجم لجندل بن والق الثعلبي، وقال:" وعنه خ وأبو زرعة وأبو حاتم،وقال: صدوق...وثقه ابن حبان، وقال العجلي: لا بأس به" (ذيل الكاشف)(رقم 199/64).
د/ وترجم لربيعة بن لقيط التجيبي، وقال:" وثقه العجلي وابن حبان"(ذيل الكاشف)(رقم 439/104).
د/ وترجم لرجاء بن أبي رجاء الباهلي، وقال:" وثقه العجلي وابن حبان" (ذيل الكاشف)(رقم 441/104).
هـ/ وترجم لعبدالله بن غالب، وقال:" وثقه العجلي وابن حبان" (الذيل)(رقم 810/163).
وينظر: (رقم 527/119) و(رقم 1665/301).
8/ الحافظ المحقق أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ)، فقد تكلَّم في مواطن كثيرة جداً من كتبه، فتجده يعتبر قوله و ينقله مع أقوال غيره من الأئمة، وهذا كثير جداً لمن طالع كتابه (تهذيب التهذيب) فلينظر، و في مواطن ينتقد بعض الحفاظ تجهيلهم لبعض الرواة بتوثيق العجلي لهم، وله مسلك آخر وهو اعتماد توثيق العجلي للرواي مع عدم وجود موثق له غيره، وفي مواطن أخرى ينقل يقول (وثقه العجلي) ويسكت!.
أ/ فمن أمثلة نقده لبعض الحفاظ في تجهيلهم لبعض الرواة ما جاء في (البراء بن ناجية) قال في (تهذيب التهذيب)(1/427):" قرأت بخط الذهبي في (الميزان): فيه جهالة، لا يُعرف. قلت- أي ابن حجر- قد عرفه العجلي وابن حبان فيكفيه". وقال في (التقريب)(رقم 656/ص165):" ثقة".
ب/ وقال في ترجمة (سعيد بن حيان التيمي الكوفي) من (تهذيب التهذيب)(4/19):"..قال العجلي: كوفي ثقة، ولم يقف ابن القطان على توثيق العجلي فزعم أنه مجهول".
ومن أمثلة توثيقه لبعض الرواة مع عدم ذكره لغير العجلي موثِّقاً له:
أ/ قال مترجماً لحفص بن عمر بن عبيد الطنافسي في (التقريب) (رقم 1426/259):" ثقة "، و عند النظر في ترجمته المطولة من (تهذيب التهذيب)(2/409) نجده لم يذكر موثقاً غير العجلي.
ب/ قال مترجماً لأم الأسود الخزاعية، ويقال: الأسلمية في (التقريب)(رقم 8800/1377):"ثقة"، وعند النظر في ترجمتها من (تهذيب التهذيب)(12/459) نجده لم يذكر موثِّقاً غير العجلي.
وهناك أمثلة أخرى.
ومن أمثلة نقله لتوثيق العجلي و لا يعقب:
أ/ قوله في ترجمة إبراهيم بن أبي موسى الأشعري:" له رؤية، ولم يثبت له سماع إلا من بعض الصحابة، ووثقه العجلي" (رقم 201/110).
ب/ قوله في ترجمة زياد بن أبي مريم :" وثقه العجلي" (التقريب)(رقم 2111/348).
ج/ قوله في ترجمة سعيد بن حيان التيمي الكوفي:" وثقه العجلي" (التقريب)(رقم 2302/376).
د/ قوله في ترجمة سيف الشامي :" وثقه العجلي" (التقريب)(رقم2744/428).
وغيرها كثير.
وتبعه على هذه أيضاً تلميذه الحافظ السخاوي (ت902هـ) ينظر (التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة)(1/ص 300 و335 و 339 و438 و529) و(2/30 و55) وغيرها كثير.
رابعاً: الخلاصة:
مما تقدَّم يظهر للمنصف بجلاء أنَّ القول بتساهل الحافظ العجلي ليس صحيحاً فيما يظهر لي، و أن الحافظ العجلي له مكانة ومنزلة عالية بين الحفاظ والنقاد، وأنَّ كتابه يعد من أعظم الكتب وأنفعها كما شهد بذلك عدد من أهل العلم، فالله أسأل أن يرحم جميع علمائنا السابقين واللاحقين، وأن يغفر لنا ولهم، والحمد لله أولاً وآخراً ظاهراً وباطناً،وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.