المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ومن أصول السنة عندنا: ترك الجلوس مع أصحاب الأهواء



أبو عبد الله هيثم فايد
12-Oct-2010, 11:30 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا


من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له


وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم


أما بعد ,



فيقول الإمام المبجل أحمد ابن حنبل - رحمه الله تعالى - كما في أصول السنة:


أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, والاقتداء بهم, وترك البدع, وكل بدعة فهي ضلالة, وترك الخصومات, وترك الجلوس مع أهل الأهواء [1] وترك المراء والجدال, والخصومات في الدين.


______________________________


[1] قال فضيلة الشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي - رحمه الله - في كتابه شرح أصول السنة:


الدليل على ذلك قوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء:140]


وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من سمع بالدجال فلينأ عنه ما استطاع, فإن الرجل يأتيه وهو يحسب أنه مؤمن, فما يزال به حتى يتبعه لما يرى معه من الشبهات)) (1).


قال الشيخ ابن بطة رحمه الله معلقاً عليه: ((هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق, فالله الله يا معشر المسلمين, لا يحملن أحداً منكم حُسنُ ظنه بنفسه, وما عهده عن معرفته بصحة مذهبه على المخاطرة بدينه في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء, فيقول أُداخله لأناظره أو لأستخرج منه مذهبه فإنهم أشد فتنة من الدجال, وكلامهم ألصقُ من الجرب, وأحرقُ للقلوب من اللهب, ولقد رأيتُ جماعةً من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم في مجالسهم فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم؛ فما زالت بهم المباسطة وخفيُّ المكر ودقيق الكفر حتى صبوا إليهم (2).


وعن أنس ((وقد جاءه رجل فقال له: يا أبا حمزة لقيت قوماً يكذبون بالشفاعة وبعذاب القبر, فقال: أولئك الكذابون فلا تجالسهم)) (3).


وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: (( لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب)) (4).


وقال الفضيل بن عياض: ((لا تجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة)) (5).


((وقد دخل على محمد بن سيرين رجلان من أهل الأهواء فقالا: يا أبا بكر: نحدثك بحديث, قال: لا, قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله؟ قال: لا, لتقومان عني أو لأقومن, فخرجا, فقال بعض القوم: يا أبا بكر وما كان عليك أن يقرأا عليك آية من كتاب الله؟ قال: إني خشيت أن يقرأا علي آية فيحرفانها فيقُّر ذلك في قلبي)) (6).


وعن عبد الرزاق أنه قال:
قال لي إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى: أرى المعتزلة عندكم كثيراً قلت:
نعم, وهم يزعمون أنك منهم! قال: أفلا تدخلُ معي هذا الحانوت حتى أكلمك, قلت: لا, قال: لِمَ؟ قلت: لأن القلب ضعيف والدين ليس لمن غلب (7).


وعن مبشر بن إسماعيل الحلبي قال: ((قيل للأوزاعي إن رجلاً يقول: أنا أجالس أهل السنة وأهل البدعة, فقال الأوزاعي: هذا رجل يريد أن يساوي بين الحق والباطل)) (8).


ولأهل البدع والأهواء علامات يعرفون بها, منها:


1- الوقيعة في أهل الأثر, قال أبو حاتم الرازي - رحمه الله - : ((علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر)) (9).


2- شدة معاداتهم لأهل الحديث وسكوتهم عن أهل الغي والباطل, قال صلى الله عليه وسلم في وصف الخوارج: ((يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان)) (10).


قال أبو عثمان الصابوني: ((وعلامة البدع على أهلها بادية ظاهرة, وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم, واحتقارهم لهم, وتسميتهم إياهم حشوية وجهلة وظاهرية ومشبهة, اعتقاداً منهم في أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها بمعزل عن العلم وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة, ووساوس صدورهم المظلمة وهواجس قلوبهم الخالية من الخير, وحججهم العاطلة أولئك الذين لعنهم الله)) (11). اهـ


3- استعانتهم بالولاة والسلاطين بسبب ضعف حجة أهل البدع وهو مذهبهم وقلة حيلتهم فإنهم يستعينون في نصرة دعوتهم بالولاة والسلاطين لأن فيها نوعاً من الإكراه والإخافة.


4- الاجتهاد والغلو في العبادة: فالمبتدع يزيد في الاجتهاد لينال في الدنيا التعظيم والجاه والمال وغير ذلك من أصناف الشهوات, لأن التعظيم على شهوات الدنيا أي على ترك شهوات الدنيا أعظم, ألا ترى إلى انقطاع الرهبان في الصوامع عن جميع الملذوذات, ومقاساتهم لأصناف العبادات, والكف عن الشهوات, وهم مع ذلك خالدون في جهنم.


قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية:2-4]


وقال تعالي: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:103-104].


وما ذاك إلا لخفة يجدونها في ذلك الالتزام, ونشاط يداخلهم يستسهلون به الصعب, بسبب ما داخل النفس من الهوى, فإذا بدا للمبتدع ما هو عليه, رآه محبوباً عنده, فما الذي يصده عن الاستمساك به والازدياد منه, وهو يرى أن أعماله أفضل من أعمال غيره واعتقاداته أوفق وأعلى {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [المدثر:31] (12).


وقد يفتتن البعض بالمبتدعة لما يرون عندهم من التزهد والتخشع والبكاء أو غير ذلك من كثرة العبادة, وليس هذا مقياساً صحيحاً في معرفة الحق, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في وصف أهل البدع: ((يحقر أحدكم صلاته عند صلاتهم, وصيامه عند صيامهم, وقراءته عند قراءتهم)) (13).


أما أظهر علامات أهل السنة:


فأولاً: دعوتهم إلى كتاب الله تعالى أي: إلى متابعته والعمل به.


ثانياً: تفسيرهم له بالأثر, أي: بالسنة وتفسير الصحابة والتابعين.


ثالثاً: دعوتهم إلى السنة الصحيحة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم.


رابعاً: اعتقادهم أنها هي المبينة لكتاب الله والمفسرة له.


خامساً: محبة السنة ومحبة أهلها وحملتها, واعتقاد أنهم هم الذين يحفظ الله بهم الدين, وقد زين الله سبحانه قلوب أهل السنة ونورها بحب علماء السنة فضلاً منه جل جلاله (14) قيل لأبي بكر بن عياش: من السني؟ قال: ((الذي إذا ذكرت الأهواء لم يغضب لشيء منها)) (15). اهـ


سادساً: اعتدالهم ما بين الجفاء والغلو والإفراط والتفريط.


سابعاً: أنهم لا يغلون في أحد من أئمتهم حتى يعتقدوا فيه العصمة لا من الصحابة ولا من غيرهم.


ثامناً: أنهم يبغضون أهل البدع, ويتعبدون لله بمجاهدتهم وبيان حالهم وبدعهم حتى يحذرها الناس ويحذروهم.


تاسعاً: عنايتهم بالعقائد وتقديمهم لها على الفضائل عكس المبتدعة. اهـــ



وقال فضيلة الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي - حفظه الله - في كتابه شرح أصول السنة:


((والجلوس)) يعني: وترك الجلوس ((مع أصحاب الأهواء)) لأن مجالسة أصحاب الأهواء تؤدي إلى الزيغ في الغالب.


وكثير من الناس يغترون بما عندهم من معرفة, وبما عندهم من الذكاء, فيخالطون أهل البدع ويعاشرونهم فيكِلهم الله إلى أنفسهم, فيقعون في الضلال, هذا شيء ملموس, وأشار إلى هذا الإمام ابن بطة - رحمه الله - , قال: ((عرفنا أناساً كانوا يسبون ويلعنون أهل البدع, فجالسوهم وعاشروهم فأصبحوا منهم)). وهذا ملموس في كل زمان ومكان, وقد اغتر بعض الناس بأنفسهم من كبار الناس فوقعوا في هوة البدع مع الأسف الشديد, ولا نريد أن نسمي؛ هم معروفون عند طلاب العلم.


((والجلوس مع أصحاب الأهواء)) يعني: يحتج على ذلك {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام:68] (16). فلا تقعد معهم؛ لأن هؤلاء يخوضون في كتاب الله, ويقولون على الله بغير علم, فالبدع قائمة على الخوض في دين الله والخوض في كتاب الله, ونسبة هذا الباطل إلى كتاب الله, وإلى سنة الرسول فيجب مفارقتهم, والرسول كما قرأنا ((فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)) (17).


((يكون أناس في أمتي يأتونكم بما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم)) (18).


هذا أيضاً من النصوص المحذرة من مجالسة أهل البدع. هناك أناس أهل جهل ومخدوعون وأنت عندك علم وعندك حجة وبرهان, تدعوهم إلى الحق وتبِّين لهم, فلا بأس, أما أن تجالسهم على سبيل المخادنة والمصادقة والمحبة والعشرة وما شاكل ذلك, فهذا خطأ يجرُّ إلى الضلال, ويجب على العاقل أن يتجنبه.


وقد حذر من ذلك بعض الصحابة كابن عباس وبعض أئمة التابعين, كأيوب السختياني, وابن سيرين - رحمهم الله - , كان الواحد منهم لا يستمع إلى صاحب بدعة, حتى ولو عليه أن يقرأ عليه حديثاً أو آية, فيقول: لا. فيقول له: لماذا؟ قال: إن قلبي ليس بيدي, أخشى أن يقذف في قلبي فتنة, فلا أستطيع أن أنتزعها.


فالسلامة لا يعدلها شيء, فلا يعرِّضنَّ الإنسان نفسه إلى الفتنة خاصة إذا كان يعلم من نفسه ضعفاً. اهـــ



جمع وترتيب
الفقير إلى ربِ العالمين
أبو عبد الله هيثم فايد


__________


الحواشي:


(1) رواه الإمام أحمد (7/ 203) (19896), وأبو داود في كتاب الملاحم باب خروج الدجال (4/ 114) (4319) والحديث صحيح, انظر: مشكاة المصابيح كتاب الفتن, باب العلامات بين يدي الساعة وذكر الدجال (3/ 1515) (5488) بتحقيق الألباني رحمه الله.
(2) الإبانة (2/ 470).
(3) رواه ابن بطة في الإبانة (2/ 448) (408).
(4) أخرجه الآجري في الشريعة, باب ذم الجدال والخصومات في الدين (1/ 196) (139) أثر (55), وابن بطة في الإبانة الكبرى, باب التحذير من صحبة قوم يمرضون القلوب ويفسدون الإيمان (2/ 438) (371).
(5) أخرجه اللالكائي في سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن مناظرة أهل البدع وجدالهم (1/ 155) (262), وابن بطة باب التحذير من صحبة قوم يمرضون القلوب ويفسدون الإيمان (2/ 460) (441) والبربهاري في شرح السنة (ص134) و (170).
(6) أخرجه الدارمي في المقدمة باب اجتناب أهل الأهواء والبدع والخصومة (1/ 120) (397), والآجري في الشريعة باب ذم الجدال والخصومات في الدين (1/ 191) (127) أثر (44), واللالكائي في السنة باب سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن مناظرة أهل البدع وجدالهم (1/ 150) (242), وابن بطة في الإبانة الكبرى باب التحذير من صحبة قوم يمرضون القلوب ويفسدون الإيمان (2/ 445-446) (389-399), والبربهاري في شرح السنة (ص125) (156).
(7) رواه ابن بطة في الإبانة الكبرى باب التحذير من صحبة قوم يمرضون القلوب ويفسدون الإيمان (2/ 446) (401), واللالكائي في سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن مناظرة أهل البدع وجدالهم (1-2/ 152) (249).
(8) رواه ابن بطة في الإبانة الكبرى باب التحذير من صحبة قوم يمرضون القلوب ويفسدون الإيمان (2/ 456) (430).
(9) أخرجه اللالكائي (1/ 204) في عقيدة أبي حاتم الرازي.
(10) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد (4/ 389) (7432), ومسلم في كتاب الزكاة (2/ 741) (1064).
(11) عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص106).
(12) انتهى باختصار من كلام الإمام الشاطبي. الاعتصام (1/ 165).
(13) أخرجه البخاري في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم, الحديث رقم (6933), (6934), وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة, الحديث رقم (2448).
(14) انظر عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص107).
(15) أخرجه اللالكائي في باب سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ثواب من حفظ السنة وأحياها ودعا إليها (1/ 72) (53), والشاطبي في الاعتصام (1/ 114).
(16) وأيضاً قال تعالى: {إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء:140].
(17) البخاري: كتاب التفسير, حديث رقم (4547), مسلم: كتاب العلم, حديث رقم (2665).
(18) مسلم: المقدمة, حديث رقم (6).

أبو خالد الوليد خالد الصبحي
13-Oct-2010, 01:52 PM
بارك الله فيك ونفع الله بك

أبو عبد الله هيثم فايد
14-Oct-2010, 02:30 PM
بارك الله فيك ونفع الله بك



وفيك بارك الله, وجزاك الله خيراً