أبو بكر يوسف لعويسي
16-Oct-2010, 11:49 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المستحق لكمال النعوت والصفات ، المُسَبَح بصنوف اللغات ، المحمود على جميع الأفعال والحالات، مسهل ما صعب من الأمور الكائنات ، الواعد بنصر المؤمنين والمؤمنات ، المدافع عنهم بالحجج البينات ، والآيات القاطعات ، أحمده على ترادف نعمه السابغات وترافد مننه السائغات حمدا دائما على ممر الأوقات والساعات .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة منزهة عن الشك والشبهات؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه و سلم استخرجه من أشرف الأباء والأمهات ؛ وابتعثه بالمعجزات البالغات؛ والآيات والحجج الواضحات ؛وختم به النبوة والرسلات ، وخصه بأفضل النساء والزوجات ، وشرفه بتحريمهن على المؤمنين بعد الوفاة والممات ، وأنزل في ذلك الآيات البينات ، فأضاء بنور رسالته حنادس الظلم والظلمات ، وانجلى بشمس مقالته سحاب الكفر والغوايات ، وأعز دينه بأصحابه وأهله الذين هم لأمته كالنجوم السائرات ، فصلى الله عليه وعليهم أفضل الصلوات ، وعلى أزواجه الطيبات الطاهرات المنزهات ؛ عن قول أهل الإفك المبرآت وأخص منهن أحب الحبيبات إلى رسول رب الأرض والسماوات ، وسلم كثيرا إلى يوم الدين ونشر العظام الباليات .
الحمد لله الذي إذا أراد إظهار فضيلة هيء لها الأسباب ، وامتحن بها الخصوم والأحباب ، وجعل عاقبتها العلو والشرف بالنصر والذكر الحسن بين أولي الألباب ، ومن ذلكم فضائل أمنا عائشة كاملة الأخلاق والآداب ، المبرأة عن كل بهتان من كل أفاك كذاب ، فجعل من يلمزها ويطعن فيها بالسباب ، ليوقظ بذلك قرائح النائمين من أبنائها الشيوخ والشباب ، فيهبوا لنصرتها والدفاع عنها بالحق والصواب ، ليرفع بذلك ذكرها ويثّبت أجرها الملك الوهاب ، فله الحمد أن جعل في هذه الأمة بقايا من أهل العلم أولي الألباب ، على منهج الحق سبيل السلف الصالح وكل رباني أواب يرمون كيد كل كائد بالنيّر من الشهاب ، ويكشفون مكر كل ماكر مرتاب ، ويفنذون شبه كل مبتدع ضال بالعمى والخبل مصاب ، ويبصرون كل بار بأمه محب ، ولربه أواب .
أما بعد :
لقد امتحنتأمنا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها محنة عظيمة طال أمدها،وتجدد زمنها، ولكن جاءت العاقبة حميدة والنصرة لها في كل وقت متجددة ،فالحمد لله على نعمه العديدة ..
فقد اتهمت هذهالعفيفة الطاهرة الشريفة ، حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرضها وشاعت التهمة في شرفها ، وصارتالألسن من المقبوحين والمنبوحين من المنافقين من شيعة أبي بن سلول تلوكها وعبر التاريخ تشيعها ، ولم ينقطع دابر هذه الفتنة إلى يوم الناسِ ؛ جاء بها الروافض الأنجاس الأرجاس ، وكلما خرج قرنا منها إلا وتصدى له أهل العلم الأكياس ؛ من أهل السنة من أبنائها ومحبيها فبينوا عوارها وكشفوا إفكها وزيفها ، وها هي اليوم تعود يجرها خبيث عنودٌ ، ياسرٌ خاسرٌ لدود ، وقد نبت قرنها على رأسه من جديد ، فالويل له من يوم الوعيد ، فالذي تولى كبره له عذاب أليم شديد ، وهاهم أهل الحق من العلماء الربانيين ، وطلبة العلم السلفيين تصدوا لها فكسروا قرنها إلى غير رجعة – إن شاء الله – فقد بان الحق جليا ، واضمحل باطل الرفض موليا ، وغيرة مني على عرض أمي ، أحببت أن أساند إخواني فهمهم همي ، وأشد عضدهم بالدفاع عن عرض النبي الأمي ، وأحب الخلق إليه أمي ، الطاهرة العفيفة الحصينة الشريفة ، لعلي أحشر في زمرتهم ، وأنسب إليهم ، فالمرء يحشر مع من أحب قولا وفعلا ولسبيلهم طلب ، يوم يتبع كل إنسان إمامه ومن كان على شاكلته ،فاللهم ارزقنا حب الرسول وآل بيته ووفقنا لأداء حقوقهم علينا وحقوقه ..وهذا أقل ما نستطيعه ، وإلا فالموت أحب إلينا من الحياة في سبيل الذب عنهم ..
وإني في هذه الرسالة أذكر نسبها ، وزواجها منه صلى الله عليه وسلم ، وفضائلها ، ثم أذكر قصة الإفك وما فيها من الشر للمنافقين ، والخير للمؤمنين ، مما سطره أهل الحق من أهل العلم أتباع السلف الصالح قديما وحديثا ، ثم أذكر حكم من قذفها بعد علمه بما نزل في حقها من القرآن الكريم وأخيرا أسأل الله التوفيق والاستعانة فيما توخيت من الإبانة عن أصل من أصول الديانة ،إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير .
نسبها :
أبوها: أبو بكر (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%A8%D9%88_%D8%A8%D9%83%D8%B1) بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بنتيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بنمدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
أمها : أم رومان بنت عامر (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%85_%D8%B1%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%86_%D8%A8 %D9%86%D8%AA_%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%B1) بن عمير بن ذهل بن دهمان بن الحارث بن تيم بنمالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بنعدنان.
قال الحافظ بن حجر رحمه الله في الإصابة [ج8/ 16-20] عائشة بنت أبي بكر الصديق تقدم نسبها في ترجمة والدها عبد الله بن عثمان رضي الله عنهم وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية ولدت بعد المبعث بأربع سنين أو خمس .وانظر الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر [ج2/108-110] وطبقات ابن سعد [ج 8/ 58- 81] وأسد الغابة في معرفة الصحابة [1/ 1383- 1385] وغيرها كثير .
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء لذهبي [ج2/ 135] "القرشية التيمية، المكية، النبوية، أم المؤمنين، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، أفقه نساء الامة على الاطلاق" .
تاريخ ولا دتها ومكان إزدايدها .. وكانت عائشة ولدت [ بمكة ] ، وذلك في السنة الرابعة من النبوة في أولها، وتزوجها رسول الله في السنة العاشرة في شوال وهي يومئذ بنت ست سنين. الطبقات الكبرى [ج8/79] .
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح [ج7/ 143]: وكان مولدها في الإسلام قبل الهجرة بثمان سنين أو نحوها .
وقال الذهبي في السير :[ج2/139]:وعائشة ممن ولد في الإسلام ، وهي أصغر من فاطمة بثماني سنين .
وكانت تقول: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين. وذكرت أنها لحقت بمكة سائس الفيل شيخا أعمى يستعطي.وكانت امرأة بيضاء جميلة.ومن ثم يقال لها: الحميراء.
ففي صحيح ابن حبان برقم [ 6868] - أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة حدثنا ابن أبي السري حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير : أن عائشة رضي الله عنها قالت :" لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم طرفي النهار بكرة وعشيا".
تنبيه مهم : قال ابن القيم في المنار المنيف 89 – [1/ 60] وكل حديث فيه يا حميراء أو ذكر الحميراء فهو كذب مختلق مثل : << يا حميراء لا تأكلي الطين فإنه يورث كذا وكذا..>>.
وقال الذهبي في السير [2/ 167] بعد إيراده الأثر : وقد قيل: إن كل حديث فيه: يا حميراء، لم يصح.
قال شعيب الأرناؤوط محقق الجزء الثاني من السير : في هذه الكلية نظر، فقد أخرج النسائي في " عشرة النساء " ورقة [ 75 / 1 ] من حديث يونس ابن عبد الاعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني بكر بن مضر، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل الحبشة المسجد يلعبون، قال لي:<< يا حميراء، أتحبين أن تنظري إليهم ؟ >> فقلت: نعم، فقام بالباب، وجئته، فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خده، قالت: ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيبا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:<< حسبك >> قلت: يا رسول الله لا تعجل، فقام لي ثم قال:<< حسبك >> فقلت: لا تعجل يا رسول الله، قالت: وما بي حب النظر إليهم، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه.
قال الحافظ في " الفتح " [ 2 / 355]: إسناده صحيح، ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا، وقال الزركشي في المعتبر[2 / 19، و 1 /20] وذكر لي شيخنا ابن كثير، عن شيخه أبي الحجاج المزي أنه كان يقول: كل حديث فيه ذكر الحميراء باطل إلا حديثا في الصوم في سنن النسائي.
قلت: وحديث آخر في النسائي...دخل الحبشة المسجد...وذكر الحديث السابق.
وهو في الصحيحة للشيخ الألباني برقم [ 3277] (يا حُمَيراءُ! أتحبِّينَ أن تنظُرِي إليهم؟! يعني: إلى لعِبِ الحبشةِ ورقصِهم في المسجدِ).
أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (5/307/ 8951)، والطحاوي في"مشكل الآثار" (1/117) قالا: أنا يونس بن عبدالأعلى قال: أنا ابن وهب قال: أخبرني بكر بن مُضر عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: دخل الحبشةُ المسجدَ يلعبون، فقال لي: (فذكره)... >>.
قلت: [ أي الشيخ الألباني ] وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير يونس بن عبد الأعلى، فهو على شرط مسلم وحده. وقال الحافظ في "الفتح " (2/444)- بعدما عزاه للنسائي وحده-:"إسناده صحيح، ولم أر في حديث صحيح ذكر (الحميراء) إلا في هذا".
وعقب عليه بعضهم بحديث آخر في الصوم ، كما كنت نقلته في "آداب الزفاف " (ص 272).وكان ذلك قبل طبع "السنن الكبرى" للنسائي، فافترضت يومئذٍ أن الحديث الآخر فيه، والآن وقد طبعت هذه "السنن "، ولم أجد الحديث فيه، كما لم أجده من قبل في "الصغرى"- وهي المسماة ب "المجتبى"-؛ فقد غلب على ظني خطأ هذا البعض، وأنه اشتبه عليه بحديث الترجمة ، ولا سيما وأحفظ الحفاظ- وهو العسقلاني- ينفي ذلك، وهو متأخر عن ذاك البعض؛ والله أعلم.
زواجه صلى الله عليه وسلم من عائشة وأنه كان بوحي من الله :
ففي صحيح البحاري برقم [3895] حدثنا معلى حدثنا وهيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها ( أريتك في المنام مرتين، أى أنك في سرقة من حرير ، ويقال هذا امرأتك فاكشف عنها فإذا هي أنت فأقول: إن يكن هذا من عند الله يمضه ) . وأطرافه[ 4790 ، 4832 ، 6609 ، 6610 ] .وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب في فضل عائشة رضي الله عنها رقم[2438] بلفظ قال :حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ جَمِيعًا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى الرَّبِيعِ - حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أُرِيتُكِ فِى الْمَنَامِ ثَلاَثَ لَيَالٍ جَاءَنِى بِكِ الْمَلَكُ فِى سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتُكَ. فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ فَإِذَا أَنْتِ هِىَ فَأَقُولُ إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ ». وابن سعد بلفظ البخاري ، وأحمد في المسند.
قلت : رؤيا الأنبياء وحي ، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه و سلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح .. البخاري كتاب بدأ الوحي [ح 03] .
عمرها يوم عقد عليها ويوم بني بها :
وفيه برقم [ 3894 ] حدثني فروة بن أبي المغراء حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : تزوجني النبي صلى الله عليه و سلم وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن خزرج فوعكت فتمزق شعري فوفى جميمة فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي فصرخت بي فأتيتها لا أدري ما تريد بي فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ثم أدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن على الخير والبركة وعلى خير طائر فأسلمتني إليهن فأصلحن من شأني فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم ضحى فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين :أطرافه [ 4840 ، 4841 ، 4861 ، 4863 ، 4865 ]. وأخرجه مسلم في كتاب النكاح باب تزويج الأب البكر الصغيرة رقم[1422].
تاريخ زواجه منها وعمرها أنذاك :
وفي صحيح البخاري برقم [ 3896] حدثني عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه قال : : توفيت خديجة قبل مخرج النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة بثلاث سنين
فلبث سنتين أو قريبا من ذلك ، ونكح عائشة وهي بنت ست سنين ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين.
قال ابن حجر في الفتح : [ج 7/ 265- 266] فيه إشكال لأن ظاهره يقتضي أنه لم يبن بها إلا بعد قدومه المدينة بسنتين ونحو ذلك ، لأن قوله فلبث سنتين أو نحو ذلك أي بعد موت خديجة، وقوله : ونكح عائشة أي عقد عليها لقوله بعد ذلك وبنى بها وهي بنت تسع ؛ فيخرج من ذلك أنه بنى بها بعد قدومه المدينة بسنتين؛ وليس كذلك لأنه وقع عند المصنف في النكاح من رواية الثوري عن هشام بن عروة في هذا الحديث ومكثت عنده تسعا ، وسيأتي ما قيل من إدراج النكاح في هذه الطريق وهو في الجملة صحيح؛ فإن عند مسلم من حديث الزهري عن عروة عن عائشة في هذا الحديث وزُفت إليه وهي بنت تسع ؛ ولعبتها معها ، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة .
وله من طريق الأسود عن عائشة نحوه ، ومن طريق عبد الله بن عروة عن أبيه عن عائشة تزوجني رسول الله صلى الله عليه و سلم في شوال وبنى بي في شوال .
فعلى هذا فقوله: فلبث سنتين أو قريبا من ذلك ؛ أي لم يدخل على أحد من النساء ثم دخل على سودة بنت زمعة قبل أن يهاجر ثم بنى بعائشة بعد أن هاجر، فكأن ذكر سودة سقط على بعض رواته .
وقد روى أحمد والطبراني بإسناد حسن عن عائشة قالت لما توفيت خديجة قالت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون يا رسول الله ألا تزوج؟ قال: نعم ، فما عندك ؟ قالت : بكر وثيب ، البكر بنت أحب خلق الله إليك عائشة ، والثيب سودة بنت زمعة: قال: فاذهبي فاذكريهما علي. فدخلت على أبي بكر فقال إنما هي بنت أخيه .
قال: قولي له أنت أخي في الإسلام وابنتك تصلح لي . فجاءه فأنكحه . ثم دخلت على سودة. فقالت لها أخبري أبي فذكرت له ، فزوجه .
وذكر بن إسحاق وغيره أنه دخل على سودة بمكة . وأخرج الطبراني من وجه آخر عن عائشة قالت: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر خلفنا بمكة فلما استقر بالمدينة بعث زيد بن حارثة وأبا رافع ، وبعث أبو بكر عبد الله بن أريقط وكتب إلى عبد الله بن أبي بكر أن يحمل معه أم رومان ، وأم أبي بكر وأنا وأختي أسماء، فخرج بنا وخرج زيد وأبو رافع بفاطمة ، وأم كلثوم ، وسودة بنت زمعة ، وأخذ زيد امرأته أم أيمن وولديها أيمن ، وأسامة واصطحبنا حتى قدمنا المدينة ، فنزلت في عيال أبي بكر ، ونزل آل النبي صلى الله عليه و سلم عنده ، وهو يومئذ يبني المسجد وبيوته ، فأدخل سودة بنت زمعة أحد تلك البيوت، وكان يكون عندها ، فقال له أبو بكر : ما يمنعك أن تبني بأهلك ؟ فبنى بي . الحديث.
قال الماوردي الفقهاء يقولون تزوج عائشة قبل سودة ، والمحدثون يقولون تزوج سودة قبل عائشة ؛ وقد يجمع بينهما بأنه عقد على عائشة ولم يدخل بها ودخل بسودة .
قلت : وزاد ابن سعد في الطبقات : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الصداق . فأعطاه أبو بكر الصداق اثني عشر أوقية ونشأ ، وبعث بها رسول الله صلى الله عليه و سلم إلينا وبنى بي رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتي هذا الذي أنا فيه ، وهو الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت : [أي الحافظ بن حجر ] والرواية التي ذكرتها عند الطبراني ترفع الإشكال وتوجه الجمع المذكور والله أعلم .
وقد أخرج الأسماعيلي من طريق عبد الله بن محمد بن يحيى عن هشام عن أبيه أنه كتب إلى الوليد إنك سألتني متى توفيت خديجة وإنها توفيت قبل مخرج النبي صلى الله عليه و سلم من مكة بثلاث سنين أو قريب من ذلك ، ونكح النبي صلى الله عليه و سلم عائشة بعد متوفى خديجة وعائشة بنت ست سنين ؛ ثم أن النبي صلى الله عليه و سلم بنى بها بعد ما قدم المدينة وهي بنت تسع سنين . وهذا السياق لا إشكال فيه ويرتفع به ما تقدم من الإشكال أيضا ، والله أعلم .
وإذا ثبت أنه بنى بها في شوال من السنة الأولى من الهجرة قوى ذلك قول من قال إنه دخل بها بعد الهجرة بسبعة أشهر ، وقد وهّاهُ النوويُ في تهذيبه ، وليس بِوَاهٍ إذا عددناه من ربيع الأول ، وجزمه بأن دخوله بها كان في السنة الثانية يخالف ما ثبت كما تقدم أنه دخل بها بعد خديجة بثلاث سنين ، وقال الدمياطي في السيرة له : ماتت خديجه في رمضان ، وعقد على سودة في شوال ثم على عائشة ، ودخل بسودة قبل عائشة .انتهى كلامه .
قلت : وحديث خولة بنت حكيم امراة عثمان بن مظعون أخرجه ابن أبي عاصم أتم من هذا من طريق يحيى القطان عن محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة :[ قالت لما توفيت خديجة قالت خولة بنت حكيم بن الأوقص امرأة عثمان بن مظعون وذلك بمكة أي رسول الله ألا تزوج ؟ قال : من؟ قالت : إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا. قال: فمن البكر ؟ قالت: بنت أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر. قال: ومن الثيب ؟ قالت :سودة بنت زمعة آمنت بك واتبعتك . قال: فاذهبي فاذكريهما علي .
فجاءت فدخلت بيت أبي بكر فوجدت أم رومان فقالت : ما أدخل الله عليكم من الخير والبركة.
قالت: وما ذاك ؟ قالت : أرسلني رسول الله صلى الله عليه و سلم أخطب عليه عائشة. قالت : وددت انتظري أبا بكر فجاء أبو بكر فذكرت له فقال : وهل تصلح له وهي بنت أخيه ؟ فرجعت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال : قولي له أنت أخي في الإسلام وابنتك تحل لي. فجاء فأنكحه وهي يومئذ بنت ست سنين ثم ذكر قصة سودة .وأخرجه أحمد في المسند [ج 6/ 210- 211] وابن سعد في الطبقات [ج8/ 59] والذهبي في السير [ج2/ 149].
قلت : وإسناده حسن كما قال الحفظ بن حجر في الفتح[ج7/ 266] وأرده الهيثمي في مجمع الزوائد [ج9/225] وقال: رواه الطراني ، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عمرو بن علقمة ، وهو حسن الحديث ،قال ابن حجر في التهذيب [ج9/333] :بعد أن ذكره أنه من رجال الستة وروى عنه مالك في الموطأ وأرجو أنه لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ.
قال الذهبي رحمه الله في السير :[ج 2/ 141-143] وكان تزويجه صلى الله عليه وسلم بها إثر وفاة خديجة، فتزوج بها وبسودة في وقت واحد، ثم دخل بسودة ، فتفرد بها ثلاثة أعوام حتى بنى بعائشة - رضي الله عنهن - في شوال بعد وقعة بدر فما تزوج بكرا سواها.
كما أخرجه ابن سعد عن الواقدي عن أبي الرجال عن أبيه عن أمه عمرة عنها [رضي الله عنه ] قالت :<< أعرس بي على رأس ثمانية أشهر >>، وقيل في السنة الثانية من الهجرة .
قلت : وفيه الواقدي وهو ضعيف ، وقال الزبير بن بكار: تزوجها بعد موت خديجة قيل بثلاث سنين .
قال أبو عمر [بن عبد البر] وابتني بها بالمدينة وهي ابنة تسع لا أعلمهم اختلفوا في ذلك وكانت تذكر لجبير بن مطعم ..
قلت:[أي ابن حجر ] أخرجه بن سعد من حديث ابن عباس بسند فيه الكلبي، وأخرجه أيضا عن ابن نمير عن الأجلح عن ابن أبي مليكة قال: قال أبو بكر كنت أعطيتها مطعما لابنه جبير فدعني حتى أسلها منهم فاستلبثها.
قلت : وحتى لايخلف أبو بكر رضي الله عنه الوعد مع جبير بن مطعم ذهب إليهم واستوضح منهم الأمر؛ فلم يجيبوه لذلك فرجع مطمئنا، وزوجها رسول الله، ذكر الذهبي في السير [ج2/ 149] في حديث خولة بنت حكيم وقد مر معنا قريبا وفيه:<<...فقام أبو بكر ، فقالت لي أم رومان: إن المطعم بن عدي كان قد ذكرها على ابنه ، ووالله ما أخلف وعدا قط. قالت: فأتى أبو بكر المطعم.
فقال ما تقول في أمر هذه الجارية ؟ قال: فأقبل على امرأته، فقال: ما تقولين ؟ فأقبلت على أبي بكر، فقالت: لعلنا إن أنكحنا هذا الفتى إليك تدخله في دينك ! فأقبل عليه أبو بكر، فقال: ما تقول أنت ؟ قال: إنها لتقول ما تسمع.
فقام أبو بكر وليس في نفسه من الموعد شئ، فقال لها: قولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت.فجاء، فملكها.قالت: ثم انطلقت إلى سودة، وأبوها شيخ كبير.وذكرت الحديث. وإسناده حسن كما قال الحافظ في " الفتح " [ 7 / 176].
وفي صحيح مسلم برقم [3544 ] حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ قَالَ وَجَدْتُ فِى كِتَابِى عَنْ أَبِى أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ تَزَوَّجَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِسِتِّ سِنِينَ وَبَنَى بِى وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. قَالَتْ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَوُعِكْتُ شَهْرًا فَوَفَى شَعْرِى جُمَيْمَةً فَأَتَتْنِى أُمُّ رُومَانَ وَأَنَا عَلَى أُرْجُوحَةٍ وَمَعِى صَوَاحِبِى فَصَرَخَتْ بِى فَأَتَيْتُهَا وَمَا أَدْرِى مَا تُرِيدُ بِى فَأَخَذَتْ بِيَدِى فَأَوْقَفَتْنِى عَلَى الْبَابِ. فَقُلْتُ هَهْ هَهْ. حَتَّى ذَهَبَ نَفَسِى فَأَدْخَلَتْنِى بَيْتًا فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقُلْنَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ. فَأَسْلَمَتْنِى إِلَيْهِنَّ فَغَسَلْنَ رَأْسِى وَأَصْلَحْنَنِى فَلَمْ يَرُعْنِى إِلاَّ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ضُحًى فَأَسْلَمْنَنِى إِلَيْهِ.
روى هشام ، عن أبيه، عن عائشة، قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم متوفى خديجة، وأنا ابنة ست، وأدخلت عليه وأنا ابنة تسع، جاءني نسوة وأنا ألعب على أرجوحة وأنا مجممة. فهيأنني وصنعنني ، ثم أتين بي إليه صلى الله عليه وسلم. أخرجه أبو داود (4933- 4935) في الادب: باب الارجوحة، وإسناده صحيح..وقد مر بعضه في البخاري .
وقولها مجممة [ أي: ذات جمة، ويقال للشعر إذا سقط عن المنكبين جمة، وإذا كان إلى شحمة الاذنين : وفرة ].
قال أبو عمر بن عبد البر : كان نكاحه صلى الله عليه وسلم عائشة في شوال وابتناؤه بها في شوال ، وكانت تحب أن تدخل النساء من أهلها وأحبتها في شوال على أزواجهن وتقول: هل كان في نسائه عنده أحظى مني وقد نكحني وابتنى بي في شوال وتوفي عنها صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثمان عشرة سنة ، وكان مكثها معه صلى الله عليه وسلم تسع سنين.
وأخرجه الذهبي في السير [ج2/ 164] من طريق يحيى بن يمان، عن الثوري، عن إسماعيل بن أمية، عن عبد الله بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وأعرس بي في شوال،فأي نسائه كان أحظى عنده مني.
قلت : يحيى بن يمان صدوق يخطى كثيرا، وليس بحجة إذا خولف ،كما في التهذيب :[11/ 268] ولكنه متابع، فقد أخرجه مسلم (1423) في النكاح: باب استحباب التزوج والتزويج في شوال واستحباب الدخول فيه،حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالاَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ تَزَوَّجَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى شَوَّالٍ وَبَنَى بِى فِى شَوَّالٍ فَأَىُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّى. قَالَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِى شَوَّالٍ.
والدارمي[ 2 / 145 ] في النكاح: باب بناء الرجل بأهله في شوال، وأحمد في " المسند " [6 / 54، 206] وابن سعدفي الطبقات [ 8 / 59] وابن ماجة (1990) في النكاح: باب متى يستحب البناء بالنساء، والنسائي [ 6 / 70 ] في النكاح باب: التزويج في شوال، من طرق عن سفيان به.
روى أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت سبع سنين وبنى بي وأنا بنت تسع سنين وقبض عني وأنا ابنة ثمان عشرة سنة.
ورواه مسلم برقم : [3546 ] وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- تَزَوَّجَهَا وَهْىَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ وَزُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِىَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ وَلُعَبُهَا مَعَهَا وَمَاتَ عَنْهَا وَهِىَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ.
وتحت رقم [3545 ] قال: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ - هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ - عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ تَزَوَّجَنِى النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ وَبَنَى بِى وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ.وليس في هذه الرواية : وقبض عني وأنا ابنة ثمان عشرة سنة .
يتبع إن شاء الله ...
الحمد لله المستحق لكمال النعوت والصفات ، المُسَبَح بصنوف اللغات ، المحمود على جميع الأفعال والحالات، مسهل ما صعب من الأمور الكائنات ، الواعد بنصر المؤمنين والمؤمنات ، المدافع عنهم بالحجج البينات ، والآيات القاطعات ، أحمده على ترادف نعمه السابغات وترافد مننه السائغات حمدا دائما على ممر الأوقات والساعات .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة منزهة عن الشك والشبهات؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه و سلم استخرجه من أشرف الأباء والأمهات ؛ وابتعثه بالمعجزات البالغات؛ والآيات والحجج الواضحات ؛وختم به النبوة والرسلات ، وخصه بأفضل النساء والزوجات ، وشرفه بتحريمهن على المؤمنين بعد الوفاة والممات ، وأنزل في ذلك الآيات البينات ، فأضاء بنور رسالته حنادس الظلم والظلمات ، وانجلى بشمس مقالته سحاب الكفر والغوايات ، وأعز دينه بأصحابه وأهله الذين هم لأمته كالنجوم السائرات ، فصلى الله عليه وعليهم أفضل الصلوات ، وعلى أزواجه الطيبات الطاهرات المنزهات ؛ عن قول أهل الإفك المبرآت وأخص منهن أحب الحبيبات إلى رسول رب الأرض والسماوات ، وسلم كثيرا إلى يوم الدين ونشر العظام الباليات .
الحمد لله الذي إذا أراد إظهار فضيلة هيء لها الأسباب ، وامتحن بها الخصوم والأحباب ، وجعل عاقبتها العلو والشرف بالنصر والذكر الحسن بين أولي الألباب ، ومن ذلكم فضائل أمنا عائشة كاملة الأخلاق والآداب ، المبرأة عن كل بهتان من كل أفاك كذاب ، فجعل من يلمزها ويطعن فيها بالسباب ، ليوقظ بذلك قرائح النائمين من أبنائها الشيوخ والشباب ، فيهبوا لنصرتها والدفاع عنها بالحق والصواب ، ليرفع بذلك ذكرها ويثّبت أجرها الملك الوهاب ، فله الحمد أن جعل في هذه الأمة بقايا من أهل العلم أولي الألباب ، على منهج الحق سبيل السلف الصالح وكل رباني أواب يرمون كيد كل كائد بالنيّر من الشهاب ، ويكشفون مكر كل ماكر مرتاب ، ويفنذون شبه كل مبتدع ضال بالعمى والخبل مصاب ، ويبصرون كل بار بأمه محب ، ولربه أواب .
أما بعد :
لقد امتحنتأمنا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها محنة عظيمة طال أمدها،وتجدد زمنها، ولكن جاءت العاقبة حميدة والنصرة لها في كل وقت متجددة ،فالحمد لله على نعمه العديدة ..
فقد اتهمت هذهالعفيفة الطاهرة الشريفة ، حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرضها وشاعت التهمة في شرفها ، وصارتالألسن من المقبوحين والمنبوحين من المنافقين من شيعة أبي بن سلول تلوكها وعبر التاريخ تشيعها ، ولم ينقطع دابر هذه الفتنة إلى يوم الناسِ ؛ جاء بها الروافض الأنجاس الأرجاس ، وكلما خرج قرنا منها إلا وتصدى له أهل العلم الأكياس ؛ من أهل السنة من أبنائها ومحبيها فبينوا عوارها وكشفوا إفكها وزيفها ، وها هي اليوم تعود يجرها خبيث عنودٌ ، ياسرٌ خاسرٌ لدود ، وقد نبت قرنها على رأسه من جديد ، فالويل له من يوم الوعيد ، فالذي تولى كبره له عذاب أليم شديد ، وهاهم أهل الحق من العلماء الربانيين ، وطلبة العلم السلفيين تصدوا لها فكسروا قرنها إلى غير رجعة – إن شاء الله – فقد بان الحق جليا ، واضمحل باطل الرفض موليا ، وغيرة مني على عرض أمي ، أحببت أن أساند إخواني فهمهم همي ، وأشد عضدهم بالدفاع عن عرض النبي الأمي ، وأحب الخلق إليه أمي ، الطاهرة العفيفة الحصينة الشريفة ، لعلي أحشر في زمرتهم ، وأنسب إليهم ، فالمرء يحشر مع من أحب قولا وفعلا ولسبيلهم طلب ، يوم يتبع كل إنسان إمامه ومن كان على شاكلته ،فاللهم ارزقنا حب الرسول وآل بيته ووفقنا لأداء حقوقهم علينا وحقوقه ..وهذا أقل ما نستطيعه ، وإلا فالموت أحب إلينا من الحياة في سبيل الذب عنهم ..
وإني في هذه الرسالة أذكر نسبها ، وزواجها منه صلى الله عليه وسلم ، وفضائلها ، ثم أذكر قصة الإفك وما فيها من الشر للمنافقين ، والخير للمؤمنين ، مما سطره أهل الحق من أهل العلم أتباع السلف الصالح قديما وحديثا ، ثم أذكر حكم من قذفها بعد علمه بما نزل في حقها من القرآن الكريم وأخيرا أسأل الله التوفيق والاستعانة فيما توخيت من الإبانة عن أصل من أصول الديانة ،إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير .
نسبها :
أبوها: أبو بكر (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%A8%D9%88_%D8%A8%D9%83%D8%B1) بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بنتيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بنمدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
أمها : أم رومان بنت عامر (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%85_%D8%B1%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%86_%D8%A8 %D9%86%D8%AA_%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%B1) بن عمير بن ذهل بن دهمان بن الحارث بن تيم بنمالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بنعدنان.
قال الحافظ بن حجر رحمه الله في الإصابة [ج8/ 16-20] عائشة بنت أبي بكر الصديق تقدم نسبها في ترجمة والدها عبد الله بن عثمان رضي الله عنهم وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية ولدت بعد المبعث بأربع سنين أو خمس .وانظر الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر [ج2/108-110] وطبقات ابن سعد [ج 8/ 58- 81] وأسد الغابة في معرفة الصحابة [1/ 1383- 1385] وغيرها كثير .
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء لذهبي [ج2/ 135] "القرشية التيمية، المكية، النبوية، أم المؤمنين، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، أفقه نساء الامة على الاطلاق" .
تاريخ ولا دتها ومكان إزدايدها .. وكانت عائشة ولدت [ بمكة ] ، وذلك في السنة الرابعة من النبوة في أولها، وتزوجها رسول الله في السنة العاشرة في شوال وهي يومئذ بنت ست سنين. الطبقات الكبرى [ج8/79] .
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح [ج7/ 143]: وكان مولدها في الإسلام قبل الهجرة بثمان سنين أو نحوها .
وقال الذهبي في السير :[ج2/139]:وعائشة ممن ولد في الإسلام ، وهي أصغر من فاطمة بثماني سنين .
وكانت تقول: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين. وذكرت أنها لحقت بمكة سائس الفيل شيخا أعمى يستعطي.وكانت امرأة بيضاء جميلة.ومن ثم يقال لها: الحميراء.
ففي صحيح ابن حبان برقم [ 6868] - أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة حدثنا ابن أبي السري حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير : أن عائشة رضي الله عنها قالت :" لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم طرفي النهار بكرة وعشيا".
تنبيه مهم : قال ابن القيم في المنار المنيف 89 – [1/ 60] وكل حديث فيه يا حميراء أو ذكر الحميراء فهو كذب مختلق مثل : << يا حميراء لا تأكلي الطين فإنه يورث كذا وكذا..>>.
وقال الذهبي في السير [2/ 167] بعد إيراده الأثر : وقد قيل: إن كل حديث فيه: يا حميراء، لم يصح.
قال شعيب الأرناؤوط محقق الجزء الثاني من السير : في هذه الكلية نظر، فقد أخرج النسائي في " عشرة النساء " ورقة [ 75 / 1 ] من حديث يونس ابن عبد الاعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني بكر بن مضر، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل الحبشة المسجد يلعبون، قال لي:<< يا حميراء، أتحبين أن تنظري إليهم ؟ >> فقلت: نعم، فقام بالباب، وجئته، فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خده، قالت: ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيبا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:<< حسبك >> قلت: يا رسول الله لا تعجل، فقام لي ثم قال:<< حسبك >> فقلت: لا تعجل يا رسول الله، قالت: وما بي حب النظر إليهم، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه.
قال الحافظ في " الفتح " [ 2 / 355]: إسناده صحيح، ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا، وقال الزركشي في المعتبر[2 / 19، و 1 /20] وذكر لي شيخنا ابن كثير، عن شيخه أبي الحجاج المزي أنه كان يقول: كل حديث فيه ذكر الحميراء باطل إلا حديثا في الصوم في سنن النسائي.
قلت: وحديث آخر في النسائي...دخل الحبشة المسجد...وذكر الحديث السابق.
وهو في الصحيحة للشيخ الألباني برقم [ 3277] (يا حُمَيراءُ! أتحبِّينَ أن تنظُرِي إليهم؟! يعني: إلى لعِبِ الحبشةِ ورقصِهم في المسجدِ).
أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (5/307/ 8951)، والطحاوي في"مشكل الآثار" (1/117) قالا: أنا يونس بن عبدالأعلى قال: أنا ابن وهب قال: أخبرني بكر بن مُضر عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: دخل الحبشةُ المسجدَ يلعبون، فقال لي: (فذكره)... >>.
قلت: [ أي الشيخ الألباني ] وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير يونس بن عبد الأعلى، فهو على شرط مسلم وحده. وقال الحافظ في "الفتح " (2/444)- بعدما عزاه للنسائي وحده-:"إسناده صحيح، ولم أر في حديث صحيح ذكر (الحميراء) إلا في هذا".
وعقب عليه بعضهم بحديث آخر في الصوم ، كما كنت نقلته في "آداب الزفاف " (ص 272).وكان ذلك قبل طبع "السنن الكبرى" للنسائي، فافترضت يومئذٍ أن الحديث الآخر فيه، والآن وقد طبعت هذه "السنن "، ولم أجد الحديث فيه، كما لم أجده من قبل في "الصغرى"- وهي المسماة ب "المجتبى"-؛ فقد غلب على ظني خطأ هذا البعض، وأنه اشتبه عليه بحديث الترجمة ، ولا سيما وأحفظ الحفاظ- وهو العسقلاني- ينفي ذلك، وهو متأخر عن ذاك البعض؛ والله أعلم.
زواجه صلى الله عليه وسلم من عائشة وأنه كان بوحي من الله :
ففي صحيح البحاري برقم [3895] حدثنا معلى حدثنا وهيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها ( أريتك في المنام مرتين، أى أنك في سرقة من حرير ، ويقال هذا امرأتك فاكشف عنها فإذا هي أنت فأقول: إن يكن هذا من عند الله يمضه ) . وأطرافه[ 4790 ، 4832 ، 6609 ، 6610 ] .وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب في فضل عائشة رضي الله عنها رقم[2438] بلفظ قال :حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ جَمِيعًا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى الرَّبِيعِ - حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أُرِيتُكِ فِى الْمَنَامِ ثَلاَثَ لَيَالٍ جَاءَنِى بِكِ الْمَلَكُ فِى سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتُكَ. فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ فَإِذَا أَنْتِ هِىَ فَأَقُولُ إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ ». وابن سعد بلفظ البخاري ، وأحمد في المسند.
قلت : رؤيا الأنبياء وحي ، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه و سلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح .. البخاري كتاب بدأ الوحي [ح 03] .
عمرها يوم عقد عليها ويوم بني بها :
وفيه برقم [ 3894 ] حدثني فروة بن أبي المغراء حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : تزوجني النبي صلى الله عليه و سلم وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن خزرج فوعكت فتمزق شعري فوفى جميمة فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي فصرخت بي فأتيتها لا أدري ما تريد بي فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ثم أدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن على الخير والبركة وعلى خير طائر فأسلمتني إليهن فأصلحن من شأني فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم ضحى فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين :أطرافه [ 4840 ، 4841 ، 4861 ، 4863 ، 4865 ]. وأخرجه مسلم في كتاب النكاح باب تزويج الأب البكر الصغيرة رقم[1422].
تاريخ زواجه منها وعمرها أنذاك :
وفي صحيح البخاري برقم [ 3896] حدثني عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه قال : : توفيت خديجة قبل مخرج النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة بثلاث سنين
فلبث سنتين أو قريبا من ذلك ، ونكح عائشة وهي بنت ست سنين ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين.
قال ابن حجر في الفتح : [ج 7/ 265- 266] فيه إشكال لأن ظاهره يقتضي أنه لم يبن بها إلا بعد قدومه المدينة بسنتين ونحو ذلك ، لأن قوله فلبث سنتين أو نحو ذلك أي بعد موت خديجة، وقوله : ونكح عائشة أي عقد عليها لقوله بعد ذلك وبنى بها وهي بنت تسع ؛ فيخرج من ذلك أنه بنى بها بعد قدومه المدينة بسنتين؛ وليس كذلك لأنه وقع عند المصنف في النكاح من رواية الثوري عن هشام بن عروة في هذا الحديث ومكثت عنده تسعا ، وسيأتي ما قيل من إدراج النكاح في هذه الطريق وهو في الجملة صحيح؛ فإن عند مسلم من حديث الزهري عن عروة عن عائشة في هذا الحديث وزُفت إليه وهي بنت تسع ؛ ولعبتها معها ، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة .
وله من طريق الأسود عن عائشة نحوه ، ومن طريق عبد الله بن عروة عن أبيه عن عائشة تزوجني رسول الله صلى الله عليه و سلم في شوال وبنى بي في شوال .
فعلى هذا فقوله: فلبث سنتين أو قريبا من ذلك ؛ أي لم يدخل على أحد من النساء ثم دخل على سودة بنت زمعة قبل أن يهاجر ثم بنى بعائشة بعد أن هاجر، فكأن ذكر سودة سقط على بعض رواته .
وقد روى أحمد والطبراني بإسناد حسن عن عائشة قالت لما توفيت خديجة قالت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون يا رسول الله ألا تزوج؟ قال: نعم ، فما عندك ؟ قالت : بكر وثيب ، البكر بنت أحب خلق الله إليك عائشة ، والثيب سودة بنت زمعة: قال: فاذهبي فاذكريهما علي. فدخلت على أبي بكر فقال إنما هي بنت أخيه .
قال: قولي له أنت أخي في الإسلام وابنتك تصلح لي . فجاءه فأنكحه . ثم دخلت على سودة. فقالت لها أخبري أبي فذكرت له ، فزوجه .
وذكر بن إسحاق وغيره أنه دخل على سودة بمكة . وأخرج الطبراني من وجه آخر عن عائشة قالت: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر خلفنا بمكة فلما استقر بالمدينة بعث زيد بن حارثة وأبا رافع ، وبعث أبو بكر عبد الله بن أريقط وكتب إلى عبد الله بن أبي بكر أن يحمل معه أم رومان ، وأم أبي بكر وأنا وأختي أسماء، فخرج بنا وخرج زيد وأبو رافع بفاطمة ، وأم كلثوم ، وسودة بنت زمعة ، وأخذ زيد امرأته أم أيمن وولديها أيمن ، وأسامة واصطحبنا حتى قدمنا المدينة ، فنزلت في عيال أبي بكر ، ونزل آل النبي صلى الله عليه و سلم عنده ، وهو يومئذ يبني المسجد وبيوته ، فأدخل سودة بنت زمعة أحد تلك البيوت، وكان يكون عندها ، فقال له أبو بكر : ما يمنعك أن تبني بأهلك ؟ فبنى بي . الحديث.
قال الماوردي الفقهاء يقولون تزوج عائشة قبل سودة ، والمحدثون يقولون تزوج سودة قبل عائشة ؛ وقد يجمع بينهما بأنه عقد على عائشة ولم يدخل بها ودخل بسودة .
قلت : وزاد ابن سعد في الطبقات : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الصداق . فأعطاه أبو بكر الصداق اثني عشر أوقية ونشأ ، وبعث بها رسول الله صلى الله عليه و سلم إلينا وبنى بي رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتي هذا الذي أنا فيه ، وهو الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت : [أي الحافظ بن حجر ] والرواية التي ذكرتها عند الطبراني ترفع الإشكال وتوجه الجمع المذكور والله أعلم .
وقد أخرج الأسماعيلي من طريق عبد الله بن محمد بن يحيى عن هشام عن أبيه أنه كتب إلى الوليد إنك سألتني متى توفيت خديجة وإنها توفيت قبل مخرج النبي صلى الله عليه و سلم من مكة بثلاث سنين أو قريب من ذلك ، ونكح النبي صلى الله عليه و سلم عائشة بعد متوفى خديجة وعائشة بنت ست سنين ؛ ثم أن النبي صلى الله عليه و سلم بنى بها بعد ما قدم المدينة وهي بنت تسع سنين . وهذا السياق لا إشكال فيه ويرتفع به ما تقدم من الإشكال أيضا ، والله أعلم .
وإذا ثبت أنه بنى بها في شوال من السنة الأولى من الهجرة قوى ذلك قول من قال إنه دخل بها بعد الهجرة بسبعة أشهر ، وقد وهّاهُ النوويُ في تهذيبه ، وليس بِوَاهٍ إذا عددناه من ربيع الأول ، وجزمه بأن دخوله بها كان في السنة الثانية يخالف ما ثبت كما تقدم أنه دخل بها بعد خديجة بثلاث سنين ، وقال الدمياطي في السيرة له : ماتت خديجه في رمضان ، وعقد على سودة في شوال ثم على عائشة ، ودخل بسودة قبل عائشة .انتهى كلامه .
قلت : وحديث خولة بنت حكيم امراة عثمان بن مظعون أخرجه ابن أبي عاصم أتم من هذا من طريق يحيى القطان عن محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة :[ قالت لما توفيت خديجة قالت خولة بنت حكيم بن الأوقص امرأة عثمان بن مظعون وذلك بمكة أي رسول الله ألا تزوج ؟ قال : من؟ قالت : إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا. قال: فمن البكر ؟ قالت: بنت أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر. قال: ومن الثيب ؟ قالت :سودة بنت زمعة آمنت بك واتبعتك . قال: فاذهبي فاذكريهما علي .
فجاءت فدخلت بيت أبي بكر فوجدت أم رومان فقالت : ما أدخل الله عليكم من الخير والبركة.
قالت: وما ذاك ؟ قالت : أرسلني رسول الله صلى الله عليه و سلم أخطب عليه عائشة. قالت : وددت انتظري أبا بكر فجاء أبو بكر فذكرت له فقال : وهل تصلح له وهي بنت أخيه ؟ فرجعت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال : قولي له أنت أخي في الإسلام وابنتك تحل لي. فجاء فأنكحه وهي يومئذ بنت ست سنين ثم ذكر قصة سودة .وأخرجه أحمد في المسند [ج 6/ 210- 211] وابن سعد في الطبقات [ج8/ 59] والذهبي في السير [ج2/ 149].
قلت : وإسناده حسن كما قال الحفظ بن حجر في الفتح[ج7/ 266] وأرده الهيثمي في مجمع الزوائد [ج9/225] وقال: رواه الطراني ، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عمرو بن علقمة ، وهو حسن الحديث ،قال ابن حجر في التهذيب [ج9/333] :بعد أن ذكره أنه من رجال الستة وروى عنه مالك في الموطأ وأرجو أنه لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ.
قال الذهبي رحمه الله في السير :[ج 2/ 141-143] وكان تزويجه صلى الله عليه وسلم بها إثر وفاة خديجة، فتزوج بها وبسودة في وقت واحد، ثم دخل بسودة ، فتفرد بها ثلاثة أعوام حتى بنى بعائشة - رضي الله عنهن - في شوال بعد وقعة بدر فما تزوج بكرا سواها.
كما أخرجه ابن سعد عن الواقدي عن أبي الرجال عن أبيه عن أمه عمرة عنها [رضي الله عنه ] قالت :<< أعرس بي على رأس ثمانية أشهر >>، وقيل في السنة الثانية من الهجرة .
قلت : وفيه الواقدي وهو ضعيف ، وقال الزبير بن بكار: تزوجها بعد موت خديجة قيل بثلاث سنين .
قال أبو عمر [بن عبد البر] وابتني بها بالمدينة وهي ابنة تسع لا أعلمهم اختلفوا في ذلك وكانت تذكر لجبير بن مطعم ..
قلت:[أي ابن حجر ] أخرجه بن سعد من حديث ابن عباس بسند فيه الكلبي، وأخرجه أيضا عن ابن نمير عن الأجلح عن ابن أبي مليكة قال: قال أبو بكر كنت أعطيتها مطعما لابنه جبير فدعني حتى أسلها منهم فاستلبثها.
قلت : وحتى لايخلف أبو بكر رضي الله عنه الوعد مع جبير بن مطعم ذهب إليهم واستوضح منهم الأمر؛ فلم يجيبوه لذلك فرجع مطمئنا، وزوجها رسول الله، ذكر الذهبي في السير [ج2/ 149] في حديث خولة بنت حكيم وقد مر معنا قريبا وفيه:<<...فقام أبو بكر ، فقالت لي أم رومان: إن المطعم بن عدي كان قد ذكرها على ابنه ، ووالله ما أخلف وعدا قط. قالت: فأتى أبو بكر المطعم.
فقال ما تقول في أمر هذه الجارية ؟ قال: فأقبل على امرأته، فقال: ما تقولين ؟ فأقبلت على أبي بكر، فقالت: لعلنا إن أنكحنا هذا الفتى إليك تدخله في دينك ! فأقبل عليه أبو بكر، فقال: ما تقول أنت ؟ قال: إنها لتقول ما تسمع.
فقام أبو بكر وليس في نفسه من الموعد شئ، فقال لها: قولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت.فجاء، فملكها.قالت: ثم انطلقت إلى سودة، وأبوها شيخ كبير.وذكرت الحديث. وإسناده حسن كما قال الحافظ في " الفتح " [ 7 / 176].
وفي صحيح مسلم برقم [3544 ] حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ قَالَ وَجَدْتُ فِى كِتَابِى عَنْ أَبِى أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ تَزَوَّجَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِسِتِّ سِنِينَ وَبَنَى بِى وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. قَالَتْ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَوُعِكْتُ شَهْرًا فَوَفَى شَعْرِى جُمَيْمَةً فَأَتَتْنِى أُمُّ رُومَانَ وَأَنَا عَلَى أُرْجُوحَةٍ وَمَعِى صَوَاحِبِى فَصَرَخَتْ بِى فَأَتَيْتُهَا وَمَا أَدْرِى مَا تُرِيدُ بِى فَأَخَذَتْ بِيَدِى فَأَوْقَفَتْنِى عَلَى الْبَابِ. فَقُلْتُ هَهْ هَهْ. حَتَّى ذَهَبَ نَفَسِى فَأَدْخَلَتْنِى بَيْتًا فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقُلْنَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ. فَأَسْلَمَتْنِى إِلَيْهِنَّ فَغَسَلْنَ رَأْسِى وَأَصْلَحْنَنِى فَلَمْ يَرُعْنِى إِلاَّ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ضُحًى فَأَسْلَمْنَنِى إِلَيْهِ.
روى هشام ، عن أبيه، عن عائشة، قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم متوفى خديجة، وأنا ابنة ست، وأدخلت عليه وأنا ابنة تسع، جاءني نسوة وأنا ألعب على أرجوحة وأنا مجممة. فهيأنني وصنعنني ، ثم أتين بي إليه صلى الله عليه وسلم. أخرجه أبو داود (4933- 4935) في الادب: باب الارجوحة، وإسناده صحيح..وقد مر بعضه في البخاري .
وقولها مجممة [ أي: ذات جمة، ويقال للشعر إذا سقط عن المنكبين جمة، وإذا كان إلى شحمة الاذنين : وفرة ].
قال أبو عمر بن عبد البر : كان نكاحه صلى الله عليه وسلم عائشة في شوال وابتناؤه بها في شوال ، وكانت تحب أن تدخل النساء من أهلها وأحبتها في شوال على أزواجهن وتقول: هل كان في نسائه عنده أحظى مني وقد نكحني وابتنى بي في شوال وتوفي عنها صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثمان عشرة سنة ، وكان مكثها معه صلى الله عليه وسلم تسع سنين.
وأخرجه الذهبي في السير [ج2/ 164] من طريق يحيى بن يمان، عن الثوري، عن إسماعيل بن أمية، عن عبد الله بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وأعرس بي في شوال،فأي نسائه كان أحظى عنده مني.
قلت : يحيى بن يمان صدوق يخطى كثيرا، وليس بحجة إذا خولف ،كما في التهذيب :[11/ 268] ولكنه متابع، فقد أخرجه مسلم (1423) في النكاح: باب استحباب التزوج والتزويج في شوال واستحباب الدخول فيه،حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالاَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ تَزَوَّجَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى شَوَّالٍ وَبَنَى بِى فِى شَوَّالٍ فَأَىُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّى. قَالَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِى شَوَّالٍ.
والدارمي[ 2 / 145 ] في النكاح: باب بناء الرجل بأهله في شوال، وأحمد في " المسند " [6 / 54، 206] وابن سعدفي الطبقات [ 8 / 59] وابن ماجة (1990) في النكاح: باب متى يستحب البناء بالنساء، والنسائي [ 6 / 70 ] في النكاح باب: التزويج في شوال، من طرق عن سفيان به.
روى أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت سبع سنين وبنى بي وأنا بنت تسع سنين وقبض عني وأنا ابنة ثمان عشرة سنة.
ورواه مسلم برقم : [3546 ] وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- تَزَوَّجَهَا وَهْىَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ وَزُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِىَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ وَلُعَبُهَا مَعَهَا وَمَاتَ عَنْهَا وَهِىَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ.
وتحت رقم [3545 ] قال: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ - هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ - عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ تَزَوَّجَنِى النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ وَبَنَى بِى وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ.وليس في هذه الرواية : وقبض عني وأنا ابنة ثمان عشرة سنة .
يتبع إن شاء الله ...