المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفوارق بين متى يكون المجرح مجاهدا ومتى يكون مغتابا ؟



أبو يوسف عبدالله الصبحي
21-Nov-2010, 02:04 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متى يكون المجرح آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر ومتى يكون مغتابا ؟

التفريق بين متى يكون المجرح مجاهدا ، أو متى يكون مغتابا ؟ تفريق مهم ، لأنه قد حصل إشكال في هذه المسألة قديما وحديثا .

عن الحسن بن الربيع قال : قال ابن المبارك : ( المعلى بن هلال هو ، إلا أنه إذا جاء الحديث يكذب ، قال : فقال له بعض الصوفية : يا أبا عبد الرحمن ، تغتاب ؟ فقال : اسكت ! إذا لم نبين ، كيف يعرف الحق من الباطل ؟! ) أخرجه الخطيب في " الكفاية " رقم (92) . وسنده صحيح .

وفي " الكفاية " 1 / 178 رقم (95) عن محمد بن بندار السباك قال : قلت لأحمد :( إنه ليشتد علي أن أقول : فلان ضعيف ، فلان كذاب ! فقال أحمد :إذا سكت أنت ، وسكت أنا ، فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم ؟ ! ) . وسنده صحيح .
وأقوال أهل الحديث في الرد على المعترضين عليهم في هذه المسألة كثيرة ، حتى إن شعبة إمام المجرحين كان يأتي عمران بن حدير يقول : ( يا عمران ، تعال حتى نغتاب ساعة في الله عز وجل ) . " الكفاية " 1 / 176 رقم (91) . والأثر حسن .

وإليك ذكر الفوارق بين متى يكون المجرح مجاهدا ومتى يكون مغتابا ؟

1 ـ أن يكون الدافع إلى التجريح الغيرة على الحق والرحمة بالخلق ؛ إنقادا لهم من شر المجروح . روى الخطيب البغدادي في " الكفاية " 1 / 174 ـ 175 رقم (87) عن أبي بكر بن خلاد قال : ( قلت ليحي بن سعيد القطان : أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله تعالى ؟ قال : لأن يكون هؤلاء خصمائي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : لم حدثت عني حديثا ترى أنه كذب ؟) . فمتى كان الدافع إلى الجرح هو ما ذكرنا فيكون ناجيا من أن يكون الدافع له حسدا وبغضا وانتقاما أو مجاملة أو انتقاصا . وعلى هذا لا يكون مغتابا .

2 ـ السلامة من التعصب والتحزب للأشخاص أو الأحزاب أو الفرق أو الدول ، وهذا البند مهم جدا أن يتنبه له ؛ لأن من لم يتجرد للعدل والإنصاف والإنتصار للرسول صلى الله عليه وسلم مطلقا ولصحابته وأئمة الهدى ، ابتلي بالتعصب والتحزب .
فعلماء الجرح والتعديل الذين اشتهروا في التاريخ ، وكتب الله لجرحهم القبول هم من أعظم الناس محاربة للتعصب والتحزب . والذين يجرحون تعصبا وتحزبا هم الذين يغتابون ، وهذا كثير في أهل الفرق والأحزاب .


3 ـ أن يكون طالبا رضا الله لا رضا الخلق ، مريدا وجهه وما عنده لا ما عند الخلق ، وهذا أعظم ما يفتقر إليه المجرح والمعدل ؛ لأن الإخلاص أساس لقبول الأقوال والأعمال .

4 ـ أن يجرح المجرح أداء للواجب الذي عليه خشية عذاب الله إن لم يقم بذلك . وقد ذكرت كلام ابن القطان الدال على ذلك .

ونختم هذا الباب بكلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية في الغيبة ، كي نعرف الغيبة جليا قال كما في " مجموع الفتاوى " 28 / 236 ـ 238 :
ـ ( فمن الناس من يغتاب موافقة لجلسائه وأصحابه وعشائره مع علمه أن المغتاب بريء مما يقولون أو فيه بعض ما يقولون ؛ لكن يرى أنه لو أنكر عليهم قطع المجلس ، واستثقله أهل المجلس ونفروا عنه ، فيرى موافقتهم من حسن المعاشرة وطيب المصاحبة ، وقد يغضبون فيغضب لغضبهم ، فيخوض معهم .
ـ ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى ، تارة في قالب ديانة وصلاح فيقول : ليس لي عادة أن أذكر أحدا إلا بخير ، ولا أحب الغيبة ولا الكذب ؛ وإنما أخبركم بأحواله ، ويقول : والله إنه مسكين أو رجل جيد ؛ ولكن فيه كيت وكيت ، وربما يقول : دعونا منه ، الله يغفر لنا وله . وإنما قصده استنقاصه وهضم لجانبه . ويخرجون الغيبة في قوالب صلاح وديانة يخادعون الله بذلك كما يخادعون مخلوقا ؛ وقد رأينا منهم ألوانا كثيرة من هذا وأشباهه .
ـ ومنهم من يرفع غيره رياء ، فيرفع نفسه فيقول : لو دعوت البارحة في صلاتي لفلان ؛ لما بلغني عنه كيت وكيت ، ليرفع نفسه ويضعه عند من يعتقده ، أو يقول : فلان بليد الذهن قليل الفهم ؛ وقصده مدح نفسه وإثبات معرفته وأنه أفضل منه .
ـ ومنهم من يحمله الحسد على الغيبة فيجمع بين أمرين قبيحين : الغيبة والحسد . وإذا أثنى على شخص أزال ذلك عنه بما استطاع من تنقصه في قالب دين وصلاح ، أو في قالب حسد وفجور وقدح ؛ ليسقط ذلك عنه .
ـ ومنهم من يخرج الغيبة في قالب تمسخر ولعب ليضحك غيره باستهزائه ومحاكاته واستصغار المستهزأ به . ومنهم من يخرج الغيبة في قالب التعجب فيقول : تعجبت من فلان كيف لا يفعل كيت وكيت ، فيخرج اسمه في معرض تعجبه .
ـ ومنهم من يخرج الاغتمام فيقول : مسكين فلان ، غمّني ما جرى له وما تم له ، فيظن من يسمعه أنه يغتم له ويتأسف ، وقلبه منطو على التشفي به ، ولو قدر لزاد على مابه ، وربما يذكره عند أعدائه ليشتفوا به . وهذا وغيره من أعظم أمراض القلوب والمخادعات لله ولخلقه .
ـ ومنهم من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر ، فيظهر في هذا الباب أشياء من زخارف القول ، وقصده غير ما أظهر .
والله المستعان ) .

قلت( محمد الإمام ) : لقد أجاد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في إيضاحه لمجال المغتابين ، فما على المنصف إلا أن يضع الأمور في مواضعها ويترك التخبط ؛ فلولا عناية أئمة الجرح والتعديل ببيان أخطاء الرواة وأهل البدع والتحزب ، لما تميز حق من باطل ، ولا سنة من بدعة ، ولا عدل من فاسق ، ولا صادق من كاذب ، ولا عالم من منجم ، ولا متق من فاجر ؛ فلله در أئمة الجرح والتعديل ، ما أعظم وظيفتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!! وأما الأغمار الذين يتسلقون إلى مرتقى صعب ، فيجرحون ويعدلون وليسوا أهلا لذلك ، فهؤلاء لا يفلحون ، فقد قال شيخنا الوادعي في فالح الحربي الذي أقدم على الجرح بدون ضوابط معتبرة وبدون قواعد محررة : ( لا يفلح ) .

المصدر :
الإبانة عن كيفية التعامل مع الخلاف بين أهل السنة والجماعة
تأليف الشيخ محمد بن عبد الله الإمام حفظه الله (ص : 208 ـ 211 )
راجعه وقرأه فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله