المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير سورة الفاتحة كاملة



أبو الوليد خالد الصبحي
14-Jan-2010, 02:11 AM
بقلم : أبي الحسن علي الرملي


تفسير سورة الفاتحة


التفسير لغة: الشرح والبيان .


واصطلاحاً: شرح ألفاظ القرآن الكريم ، وتوضيح معانيه ، وبيان ما انطوت عليه آياته من عقائد وأسرار وحكم وأحكام.


السورة في اللغة: المنزلة الرفيعة ، والشرف ، والعلامة ، وما طال من البناء وحسن ، وعرق من عروق الحائط .


السورة في القرآن: قطعة من القرآن معلومة الأول والآخر ، ولها اسم . وسمِّيت سورة ؛ لأن قارئها ينال بقراءتها منزلة رفيعة .


والآية في اللغة: العلامة ، وجماعة الحروف ، والأمر العجيب.


والآية في القرآن: طائفة من القرآن منقطعة عمَّا قبلها ومابعدها، بلا اسم . وبقولنا : بلا اسم ؛ فرّقنا بينها وبين السورة؛ فإن السورة لها اسم مثل : الفاتحة والبقرة ...إلخ .



الفاتحة: فاتحة كل شيء بدايته ، وسميت سورة الفاتحة بهذا الاسم ؛ لأنها تُفتتح بها القراءة ، وافتتح الصحابة بها كتابة المصحف الكريم . وتسمّى السبع المثاني ، وسمِّيت سبع ؛لأنها سبع آيات .و مثاني لأنها تثنّى في الصلاة ، أي تكرر . وتسمّى أم الكتاب ، لأنها أصل القرآن ، وذلك لأنها تشتمل على مجمل معاني القرآن في التوحيد والأحكام ، والجزاء ، وطرق بني آدم ، وغير ذلك . وأمّ الشيء : أصله .


وسورة الفاتحة مكيّة: يعني أنها نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة.


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم


قدمنا الكلام على الاستعاذة ؛ لاستحباب بدء القراءة بها ، كما سيأتي في حكمها .


وقولنا الاستعاذة
؛ هو اختصار لكلمة : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ، كقولنا البسملة ل " بسم الله " ، والحوقلة ل " لا حول ولا قوة إلا بالله " . وهذا يسمى : " النحت " ؛ وهو اختصار كلمتين أو أكثر في كلمة واحدة .


معاني الكلمات


أعوذ: ألجأ وأعتصم .


الشيطان : إبليس ، وكل متمرِّدٍ من الجن والإنس والدواب وكل شيء .


الرجيم: المرجوم المبعد المطرود عن الخير كله .


(معنى الاستعاذة ): ألتجئ إلى الله ، وأعتصم به من الشيطان المطرود عن كل خير ، أن يضرّني في ديني أو دنياي أو يصدّني عن فعل ما أمرت به ، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه .







( حكم الاستعاذة ) : يستحب لقارئ القرآن أن يبدأ بالاستعاذة ؛ لقول الله تعالى :
{ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } [النحل : 98]




ومعنى الآية : إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ بالله ... إلخ . وسيأتي شرحها في موضعها – إن شاء الله - . ولم نقل بوجوب ذكرها ؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ القرآن ولم يذكرها (1 ). وليست الاستعاذة من القرآن بالإجماع ، وإنما نذكرها طاعة لله تعالى ، وليعصمنا الله - تبارك وتعالى – من شر الشيطان الرجيم . وأصحُّ ألفاظها الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم اللفظ الذي ذكرناه آنفاً (2).


{بسم الله الرحمن الرحيم}


حرف الباء من " بسم ": حرف الباء هذا حرف جرٍّ له في لغة العرب عدّة معانٍ ، منها : الاستعانة ، وهو المراد هنا . والله أعلم


الاسم : مادل على مسمى .
الله : علم على الرب تبارك وتعالى ، ولا يسمى به غيره سبحانه وتعالى ، وهو مشتق من أله إلاهة ، أي : عبد عبادة ، قال الله تعالى : { وهو الله في السموات وفي الأرض } [ الأنعام : 3 ] ، وذلك كقوله : { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } [الزخرف:84 ]، أي أنه المعبود في السموات وفي الأرض .


بسم الله : بسم الله لا بد لها من فعل تتعلق به ، وتعطي به معنى صحيحاً ، وهذا الفعل محذوف نقدره بما يناسب العمل الذي ذكرنا التسمية له ، مثلاً عند القراءة نقدر " أقرأ " ؛ " بسم الله أقرأ " ، وعند الذبح أقدر " أذبح "؛ " بسم الله أذبح ..." وهكذا .


الرحمن : ذو الرحمة الواسعة ، الواصلة لجميع الخلق ، وهو من أسماء الله المختصة به ، لا يطلق على غيره .


الرحيم : ذو الرحمة الخاصة بالمؤمنين .


(معنى البسملة ) : أقرأ مستعينا بالله ذي الرحمة العامة والخاصة .


هل البسملة آية من سورة الفاتحة أم لا ؟


اختلف أهل العلم في ذلك ، وأصح الأقوال أنها آية مستقلة ليست من سورة الفاتحة ، نزلت للفصل بين السور .


" حكم قراءة البسملة " : تستحب قراءتها في بداية كل سورة، ما عدا براءة .


{الحمد لله رب العالمين}


الحمد : وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم ، و " ال " في الحمد للاستغراق ، أي جميع أنواع المحامد لله وحده ، المحامد على جلب النفع ، وعلى دفع الضرر كله لله .


لله :اللام هنا للاستحقاق ، والاختصاص ، أي : يستحق الله سبحانه وتعالى الحمد الكامل ، ويختص بجميع أنواع المحامد الكاملة .


رب :الرب يكون بمعنى المالك ، ويكون بمعنى التربية والإصلاح، وكلاهما مراد هنا ؛ فهو سبحانه مالك العالمين ومربيهم . ولا يقال للمخلوق " هو الرب " معّرفاً بالألف واللام ؛ وإنما يقال له: " رب كذا " مضافاً مختصاً بشيء معين، لأن الألف واللام تفيد العموم ، وملك كل شيء لله وحده .


العالمين :هم كل من سوى الله ، أي : جميع المخلوقات .


{الرحمن الرحيم}


الرحمن الرحيم : تقدم شرحهما في البسملة .


{مالك يوم الدين}


مالك يوم الدين : الدين هنا بمعنى اجزاء والحساب ، يعني مالك يوم القيامة فإذا ملك يوم القيامة ؛ فهو مالك لكلِّ شيء من باب أولى ، وخصّ يوم الدين لأنه لا يدّعي أحد هنالك شيئاً ، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه .


وما تقدم : فيه إرشاد العباد إلى أن يحمدوا الله ويثنوا عليه ، ويمجدوه بذلك .


{إياك نعبد وإياك نستعين}


إياك نعبد: أي : نعبدك وحدك ولا نعبد معك غيرك .


والعبادة : عبارة عمّا يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف .


وإياك نستعين : الاستعانة : طلب العون ، أي : نطلب منك المعونة على عبادتك وعلى جميع أمورنا .


{اهدنا الصراط المستقيم}


اهدنا : أي: نطلب منك الهداية ، والهداية هدايتان : هداية توفيق وهداية بيان ؛ هداية التوفيق : تطلب من الله أن يوفقك إلى الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ، وأن يثبتك عليه . وهداية البيان : تطلب من الله أن يبين لك طريق الحق، ولا يكون عليك خافياً . ونحن في زمننا هذا ؛ أشد الناس حاجة إلى هاتين الهدايتين ، فنسأل الله أن يرزقنا إياهنّ ، ولا يحرمنا من فضله وكرمه .


الصراط المستقيم : الصراط هو : الطريق ، والصراط المستقيم ؛ أي : الطريق الذي لا اعوجاج فيه ، وهذا الطريق بينه الله في الآية التي بعدها بقوله :


{صراط الذين أنعمت عليهم}


أي : طريق الذين تكرّمت عليهم بأنواع النعم ، كالنبوّة والصلاح والشهادة وغير ذلك . والذين أنعم عليهم ؛ هم المذكورون في سورة النساء ؛ { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً } [النساء :69-70] .


{غير المغضوب عليهم ولا الضالين} :


يعني : اهدنا الطريق المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ممن تقدم وصفهم ، وهم أهل الهداية والاستقامة ، غير صراط المغضوب عليهم وهم الذين فسدت إراداتهم ، فعلموا الحق وعدلوا عنه ، ومنهم اليهود ، ولا صراط الضالين وهم الذين فقدوا العلم ؛ فهم تائهون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق ؛ ومنهم النصارى . وأما أهل الإيمان فعلموا الحق وعملوا به .


وأما آمين
فليست من الفاتحة ، وإنما هي دعاء معناه : اللهم استجب .


وبالجملة فقد اشتملت الفاتحة على:
إرشاد الله – سبحانه وتعالى – عباده إلى تمجيده والثناء عليه؛ بذكر صفات الكمال مع محبته وتعظيمه ، وأرشدهم إلى إفراده سبحانه بالعبادة والطاعة ، وأن لا يشركوا معه غيره ، وأن يستعينوا به على ذلك وعلى كل أمور حياتهم ، وأن يتبرأوا من حولهم وقوّتهم . وأرشدهم إلى سؤاله والتضرُّع إليه ،وإلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم ، وهو الدين القيم ؛ الذي كان عليه الأوائل ، وتثبيتهم عليه ، وصرفهم عن طريق أهل الغضب والضلال من اليهود والنصارى . وفيها إشارة إلى الحرص على تعلُّم العلم الشرعي والعمل به واجتناب طرق الكفر والفسوق والعصيان والبدع . وقد احتوت على أنواع التوحيد الثلاثة : توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات . وفيها أن خير الطرق وأعلمها وأسلمها وأحكمها ؛ طريق السلف رضي الله عنهم ومنهم نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام ، عليه وعليهم الرضا والصلاة والسلام . والله أعلم .






ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


1- انظر " صحيح مسلم " (400) ، حديث أنس بن مالك : " أنزلت عليّ آنفاً سورة ... "
2- أخرجه البخاري في " صحيحه "(6115) في قصة الرجل الذي غضب حتى احمرّ وجهه .