المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القول المسدد في تصحيح مفاهيم خاطئة في التعدد



أبو عبد المحسن زهير التلمساني
01-Jan-2011, 03:46 PM
القول المسدد في تصحيح مفاهيم خاطئة في التعدد

كتبه:

أبو بكر يوسف لعويسي
بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
إن قضية تعدد الزوجات من بين القضايا المهمة في عالم إسلامنا ، والتي طعن فيها خصوم الإسلام ، وأعداء تشريع الله تعالى ، وأثاروا حولها الشبه والشكوك ، وزعموا أنها مسألة هُدرت فيها كرامةُ المرأة ، وضاع فيها حقُها ، واتخذوا من هذه المسألة طريقا للطعن في النبي صلى الله عليه وسلم والدين الذي جاء به ، وانتقدوا بشدة أحكامه ، وشرائعه ، وبالتالي التشكيك فيه ، وصرفِ الناسِ عنه ، وما ذاك إلا لحِقدهم على الإسلام وبغضهم لأتباعه أولا ، وثانيا حِرمانُهم من الإيمان بحكمة الله تعالى وعدله سبحانه ، وصلاحيةِ تشريعهِ ، فما أضل سبيل القوم ، وما أشد عَماهُم عن الحق .
وليس العجيبُ المحيرُ أن يصدر مثل هذا العداءُ من الكفار مما يبدونه حينا فحينا ، فقد أخبرنا الله أن ما تخفي صدورهم أكبر ، ولكن العجب كل العجب أن يصدر مثل ذلك من بني جلدتنا من أبناء أمتنا ممن يتكلمون بألسنتنا ويهدونا بغير هدي نبينا .
يقول أحمد شاكر رحمه الله :
فقد نبتت وظهرت بشكل واسع رهيب في عصرنا الذي نحيا فيه نابتة من أتباعنا إفرنجية العقل ، نصرانية العاطفة ، رباهم الإفرنج في ديارنا وديارهم ، وأرضعوهم عقائدهم صريحة تارة وممزوجة تارات ، حتى لبسوا عليهم تفكيرهم ، وغلبوهم على فطرتهم الإسلامية ، فصار هجيرهم ، وديدنهم أن ينكروا تعدد الزوجات ،وأن يروه عملا بشعا غير مستساغ في نظرهم ، فمنهم من يصرح ، ومنهم من يهمس ويجمجم ، وجاراهم في ذلك بعض من ينتسب إلى العلم المنتسبين للدين ، والذين كان من واجبهم أن يدافعوا عنه ، وأن يعرفوا الجاهلين بحقائق الشريعة الغراء .
فقام بعضهم يمهد لأولئك الذين تربوا في حجر الكفار ، ورضعوا من لبن الإلحاد والعلمنة ، والعصرنة ،للحد من تعدد الزوجات أو منعه بالكلية زعموا ؟؟؟ ولم يدرك هؤلاء الأئمة والدعاة في بلاد المسلمين أن الذين يحاولون استرضاءهم لا يريدون إلا أن يزيلوا كل أثر لتعدد الزوجات في بلاد الإسلام ، وأنهم لا يرضون عنهم إلا أن يجاروهم في تحريمه ومنعه جملة وتفصيلا ، وأنهم يأبون أن يوجد على أي وجه من الوجوه ، لأنه منكر بشع في نظر سادتهم ، وفاعله قد ارتكب جريمة يعاقب عليها ..
وهاهم قد توصلوا إلى نتائج مرضية ، فقد سمعنا أن أغلب حكوماتنا الإسلامية وضعت في بلادها قوانين للحد من تعدد الزوجات أو منعه جملة ، بل صرحت بعض الحكومات باللفظ المنكر : أن تعدد الزوجات عندهم صار حراما ، وهذا تحريم لما أحل الله ، وفاعله مرتد كافر بالإجماع . انتهى كلامه رحمه الله من كتابه كلمة حق .
عباد الله ؛ الله سبحانه هو العليم الحكيم الذي خلق من كل شيء زوجيين اثنين ، ذكرا وأنثى ، فخلق للبشر من أنفسهم أزواجا ليسكنوا إليها ، وجعل بينهما مودة ورحمة ، وكرّم الجنس البشري من بين تلك المخلوقات ، وخصه بأشياء ، فهو العليم سبحانه بما يصلح له ، وما لايصلح ،وجعل لكل من الذكر والأنثى مميزات وخصائص ، وهو سبحانه حكيم في كل ذلك ، كما هو حكيم في تقديره بحيث جعل الرجل أقوى ، وخصه بقدرة ، كما أنه يكون طالبا للمرأة ، وجعل في قدرته الاستطاعة أن يضم إليه أكثر من امرأة ، يسكن إليهن جميعا في نفس الوقت .
وجعل المرأة بحكمته سبحانه أضعف من الرجل، وهي مطلوبة وليست طالبة، ولا تستطيع أن تضم إليها في آن واحد أكثر من رجل وبصفة مستمرة ، كما جعلها لاتستطيع أن تسكن إليهم جميعا ، وأن توزع بينهم حبها ، ولكنها تعطي قلبها رجلا واحدا منهم تراه أقواهم وأفضلهم ، لذلك تميل إليه وتشد عليه بكل ما أوتيت من عاطفة ، وتعطيه كل قلبها.
محاولة الاستحواذ عليه بمفردها .
ولما كان الرجل كما وصفت من القوة والقدرة ، وينضاف إلى ذلك حبه عمارة الأرض بالشرف والذكر وطلب الولد والمدح والثناء ، جعل الله له القوامة ، وأباح له أن يستمتع من النساء مثنى وثلاث ورباع ، بضوابط وقيود ، حسب قدرته ، ولاقدرة له بأن يكون في عصمته فوق الأربع إلا ما خص الله به نبيه صلى الله عليه وسلم .
ولما كانت سنة التدافع في الحياة بين الحق والباطل ، وكانت تؤدي إلى قتل الكثير من الرجال بسبب الحروب القائمة بينهما كما قال تعالى :{{ ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض ..}} الآية ولما شرع الله سبحانه من الطلاق إذا استحالت الحياة مع رجل فربما يسعد كل منهما مع زوج آخر ، ولحكم أخرى كثيرة شرع الله التعدد كحل وسط لمعالجة قضية الأرامل والأيامى ، والمطلقات ؛ حتى لا يفتقدن القوامة ، ويعشن في عزة وكرامة ،في مجتمع نظيف طاهر ، وكذلك شرع الله التعدد لمعالجة قضية اليتيمات والعوانس اللواتي كثرت المجتمعات بهن بسبب تلك الحروب ؛ وحتى يشعرن بالمودة والرحمة والسكينة التي طالما حرمن منها ، والتي تحضى بها الكثيرات من الأمهات المتزوجات ؛ وحتى يتعففن ولا يفتحن على المجتمع باب من الفساد عظيم .

والمرأة كما أنها ضعيفة سريعة التأثر إيجابا، فكذلك هي ضعيفة سريعة التأثر سلبا ويؤثر فيها إيجابا كلمة طيبة رنانة ، ولسمة دائفة حنونة ، ويردها عن التأثر السلبي أن تعيش في كنف رجل حتى لو كانت رابعة ولوكان ذلك الرجل مسنا ، لأن الأصل في طبيعتها العفة والحياء ، فهي تبحث عمن يحميها وترضى منه أن يجامعها ولو مرة في الأربعة أيام ، وهذا يوافق ما أعطاها الله تعالى من حق فلها يوم وليلة من أربعة أيام فقط مع التعدد ، ويمكنها أن تصبر على الرجل أربعة أشهر كما أجابت حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها أباها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سألها كم تصبر المرأة على زوجها ؟ فقالت : أربعة أشهر ، فجعل ذلك حدا لايتجاوزه الجند في الغزو ، وبقيت سنة متبعةفي الذين آمنوا .
أما الرجل فلا يستطيع أن يصبر على المرأة حتى في الجهاد لذلك أبيح لهم أن يتسروا بالسبايا بعد تقسيمها ، فكثير من الرجال وخاصة من أوتي قوة وشبقا لا يصبر على المرأة ، قال تعالى:{{ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}}أي في أي وقت شئتم وعلى أي كيفية مشروعة أردتم .
والرجل الذي يقول ويصرح أن المرأة الواحدة تكفيه ، وهو قوي قادر ، غير مشغول بالجهاد، ولا متفرغ لطلب العلم ، ولا عازف عن الدنيا بحيث أصبح متطبعا بالإعراض عن النساء كلية،فهو إما ضعيف عنده مرض ، وإما
استحوذت عليه امرأة بحيث ملكت عليه لبه وعقله ، وأصبح لايرى في الوجود امرأة سواها ، فهو عاشق ولوع ، أو أنه يراوغ بذلك حتى لا يظهر بمظهر المنهزم أمامها ،وأمام من يعرفوه ، لأنها متسلطة عليه لايستطيع أن يذكر عندها التعدد ؛ ويخاف أن ينطق أمامها بالزواج من ثانية ،لأنها تقيم الدنيا عليه ولاتقعدها لأنها أعطيت من العقوق فوق ما تستحق من الحقوق، والسبب في ذلك أنها تعتقد أن ذلك خاينة منه ، أو أنه لا يحبها ،أو أنها تخاف كلام الناس ، فماذا سيقولون عني ؟ وبماذا أجيبهم ؟ما تزوج عنها إلا لسبب خفي أو أنه لايحبها وهكذا ..وتحسب لكلام الناس ألف حساب ولا تراقب رب الناس الذي شرع له ذلك ، أو أنها تعتقد بما أوحى إليها شياطين الإنس والجن أن الزواج بثانية وثالثة هو نهاية حياتها لأنها ترى الكثير ممن عددوا أهملوا حقوق زوجاتهم إما كلية أو جزئية ، وهذا كله من وحي الشياطين ،فمن عرف شرع الله وتمسك به عرف قيمة التعدد ، وأن فيه سعادة المرأة ، وأن المستفيد الأول منه هي المرأة، وأن فيه أيضا سعادة الأمة، لأن المجتمع الذي يقل فيه نسبة العنوسة ، فإنه تقل فيه نسبة الفاحشة ، والأمراض ، وأولاد الزنى ، وهذه الأمور كلها مكلفة للدولة أموالا باهضة لأجل ذلك شرعه الله سبحانه وتعالى الذي يعلم خبايا النفوس وما يسعدها في الحال والمآل .
وبعض الرجال - سامحهم الله - تسمعه يقول ذلك ، أي - أن الواحدة تكفيه -وهو غير صادق في ذلك ، لأنه خارج البيت يخالل ، ويصادق ويغازل ، ويقع في المحظور، ولا يخاف من الله تعالى مثل خوفه من تلك المتسلطة ، فهي ترضى أن يأتي زوجها الحرام بعيدا عن عينها ، ولا ترضى أن يأتي الحلال ، ولا تدري المسكينة أن ذلك ربما سبب لها الدمار ، فربما انتقل إليها المرض الذي أصاب الزوج بسبب المعاشرة المحرمة ، وربما سولت لها نفسها والشيطان أن تنتهك حدود الله؛ وتبيع شرفها انتقاما من زوجها ، الذي أصبح عاجزا عن إعطائها حقها ، وزاهدا فيها .
هذا وأنا أتكلم عن المرأة التي لا تعمل في أماكن الاختلاط ، أما تلك التي تعمل في وسط الرجال بعيدا عن زوجها والرجل الذي يعمل وسط النساء بعيدا عن زوجته، وكل منهما ذهب إلى عمله في أجمل وأحلى زينه ممالم يعهد منهما لبعضهما البعض ، فحدث ولا حرج عن المحرمات التي تحصل منهما مع الزملاء والزميلات والخلان والخليلات ، وإن لم يرحمنا الله فالعقاب نازل بنا ؛والدمار لاحق لنا ، قالت أم سلمة رضي الله عنها : يارسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: نعم ، إذا كثر الخبث .
ومن الحكم العظيمة التي من أجلها شرع التعدد هي أن المرأة تعرتيها عوارض طبيعية ،ونفسية ، فهي تحيض ، ويصل زمن الحيض عند بعضهن خمس عشرة يوما ، وكذلك تمرض بالولادة وتبقى مدة طويلة وهي نفساء
تصل إلى ستين يوما ، وكذلك أثناء الحمل ، ربما تضررت بالوحم ، وربما رفضت زوجها في هذه الفترة ، أو في فترة ما قبل الولادة ، وفترة ما بعد الولادة من الرضاع وكثرة الاهتمام بالمولود الجديد ،وكذلك خدمتها لزوجها وأولاده ، يأخذ كثيرا من وقتها مما يدفعها للتقصير في حق زوجها ، وبعضهن إذا أنجبت الأولاد أصبحت قليلة الاهتام بزوجها ،وربما كان الزوج شديد الطلب لها مما يسبب لها الإحراج والإزعاج في الغسل المستمر من الجنابة ، وكثرة الطلب وقد تكون متعبة فالكثيرات يشتكين من هذه الحالات ، ومع هذه العوارض كلها ترضى أن تحبس زوجها عن أداء حقوقه في الحلال؛ فإذا حاضت حاض معها ، وإذا نفست نفس معها ، وإذا مرضت مرض معها المسكين ، ولا ترضى لزوجها أن يعدد ويستر امرأة أخرى محرومة ،أو امرأتين ، أو ثلاث حسب قدرته وقوته .
وأيضا فإن التركيبة الفسيلوجية للمرأة تحدث عندها اضطرابات .. بسب كثير من العوارض خاصة قبل الحيض ، وبعد فترة الخصوبة التي تقبل فيها المرأة الزوج ، وربما تطلبه ...
التفاتة لطيفة : ومن الحكم التي شرع من أجلها التعدد وهي من الأمور المطلوبة شرعا ، الترابط والتكافل الاجتماعي بين الأسر ، ومن أهم الوسائل إليه التعدد ،فإنه من أعظم أسباب التحابب والترابط الاجتماعي{{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ..}}.
ومن أسباب التعارف الزواج ، وليس ضم الرجل إليه أكثر من امرأة من أجل إشباع غريزته الجنسية فحسب ، ولكنه أسمى من ذلك ، وهو تقوية الرابطة الاجتماعية بالتعارف والحب ، والنسب ، والحسب ، والمال في إطار التقوى والإيمان .
فالرجال الذين يملكون الملايين من الدينارات والكثير من البيوت والعقارات هم كثيرون وارتباطهم بعدة أسر أخرى غير أسرة الزوجة الواحدة ، والإحسان إلى بناتهم بأي صفة كانوا ، أرامل أو أيامى ، أو عوانس ، أو يتيمات ، ومعاشرتهن بالمعروف وحمايتهن من الضياع والانحلال يعتبر من أعظم البر والإحسان ، وأعظم عرى المحبة بين أهل الإيمان، فإن الإنسان جبل على حب من أحسن إليه ،وطالما استعبد الإحسان الإنسان .
يتبع إن شاء الله ...

أبو عبد المحسن زهير التلمساني
01-Jan-2011, 03:47 PM
القول المسدد في تصحيح مفاهيم خاطئة في التعدد[ج2]

حكم التعدد :

يقول العلامة أحمد شاكر رحمه في كتابه كلمة حق :
وها هو التاريخ يعيد نفسه ، فقد تجرأ بعض من يعرف القراءة والكتابة من الرجال والنسوان في أيامنا هذه على وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية ، فجعلوا أنفسهم مجتهدين في الدين يستنبطون الأحكام ، ويفتون في الحلال والحرام ، وينظرون لحكوماتهم ، ويسبون علماء الإسلام بحق إذا أرادوا أن يعلموهم ، ويوقفوهم عند حدهم ،وأكثر هؤلاء الأجرياء ممن لا يعرفون من الرجال والنساء لا يعرفون كيف يتوضئون ، ولا كيف يصلون ، بل ربما لا يصلون نهائيا ، ولكنهم في مسألة التحليل والتحريم مجتهدون ، وخاصة مسألة تعدد الزوجات ، فيستدلون بآيات قرآنية يحرفونها عن معانيها الصحيحة، لما يوافق أهواءهم ،ومرادهم، ويؤولونها كيفما شاءوا ، مع أن أكثرهم لا يؤمن بها.
وعن صنيعهم هذا الإجرامي ، وعن جرأتهم هذه المنكرة دخل في الأمر غير المسلمين وكتبوا آراءهم مجتهدين كسابقيهم يستنبطون من القرآن أقوالا منحرفة معتمدين على عقولهم الكالة المتطرفة وهم لا يؤمنون بالقرآن ، وإنما ليخدعوا المسلمين ويضلوهم عن دينهم الحق ، حتى أن أحد الكتاب غير المسلمين كتب في إحدى الصحف اليومية التي ظاهر أمرها أن أصحابها مسلمون ، كتب مقالا بعنوان :<< تعدد الزوجات وصمة >> أي عار فشتم بهذه الجرأة الشريعة الإسلامية ، وشتم جميع المسلمين من بدء الإسلام إلى الآن ، ولم نجد أو نسمع أحدا حرك في ذلك ساكنا مع أن اليقين أنه لو كان العكس وتجرأ كاتب مسلم على شتم شريعة ذلك الكاتب ومذهبه لقامت الدنيا وقعدت ،ولكن المسلمون مؤدبون .
شبهات والرد عليها :أو قل التدرج في طمس معالم الدين .

الشبهة الأولى :

وبعد : فإن أول ما اصطنعوا من ذلك ؛ أن اصطنعوا الشفقة على الأسرة وعلى الأبناء خاصة ؛ وزعموا أن تعدد الزوجات سبب لكثرة المتشردين من الأطفال ؛ بأن أكثر هؤلاء من الأباء فقراء تزوجوا أكثر من واحدة ؛ وهم في ذلك كاذبون ، والإحصاءات التي يستندون إليها هي التي تكذبهم ، فأرادوا أن يشرعوا قانونا يحرم تعدد الزوجات على الفقير ، ويأذنون به للغني القادر ؛ فكان هذا سوأة السوءات ؛ أن يجعلوا هذا التشريع الإسلامي السامي وقفا على الأغنياء ، ولم يعلموا أن الزواج من أعظم أسباب الغنى ، ثم لم ينفع هذا ، ولم يستطيعوا إصداره ، فاتجهوا وجهة أخرى يتلاعبون فيها بالقرآن ؛ فزعموا أن إباحة التعدد مشروط بشرط العدل، وأن الله سبحانه أخبر بأن العدل غير مستطاع فهذه أمارة تحريمه عندهم إذا قصّروا استدلالهم على بعض الآية وتركوا باقيها :{{ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حصرتم }} وتركوا ما فيها :{{ فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة }}.
فكانوا كالذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعضه ، أو كمن يقرأ قوله تعالى :{{ ويل للمصلين }} ويتوقف ليدل أن الله تعالى توعد المصلين بالويل وهو الهلاك .
ثم ذهبوا يتلاعبون ببعض الألفاظ ، وببعض القواعد الأصولية ، فسموا تعدد الزوجات [[ مباحا ]] وأن لولي الأمر أن يقيد بعض المباحات بما يرى من القيود للمصلحة . سبحان الله ؟؟؟وهم يعلمون أنهم في هذا كله ضالون مضلون ، فما كان تعدد الزوجات مما يطلق عليه لفظ [[ المباح ]] بالمعنى العلمي الدقيق ، أي المسكوت عنه ، الذي لم يرد نص بتحليله أو تحريمه ، وهو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم :<< ما أحل الله فهو الحلال ، وما حرم فهو الحرام ، وما سكت عنه فهو عفو >> بل إن القرآن نص صراحة على تحليله ، بل جاء إحلاله بصيغة الأمر التي أصلها للوجوب {{ فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى ..}} وإنما انصرف فيها الأمر من الوجوب إلى التحليل بقوله {{ ما طاب لكم }} ويبقى أصل التعدد تعتريه الأحكام الخمسة من وجوب ، واستحباب ، وحرمة ومكروه وإباحة ، كالزواج تماما كل بحسبه .
وصدّر هذه الآية المذكورة آنفا وما فيها من أمر بالتعدد الذي هو الأصل في الزواج بالمثنى ،والثلاث، ثم ختم الآية بالفرع وهو الواحدة ، الذي يصار إليها ضرورة ، عند غلبة الظن عند المتزوج أنه يتيقن من نفسه عدم العدل ، بل يغلب على ظنه الظلم والجور لبعض زوجاته .
ونقول أيضا ردا عليهم إن الظلم المحتمل للزوجات في التعدد هو موجود في الاكتفاء بالواحدة ، فالكثير ممن تزوجوا واحدة يظلمون زوجاتهم وهن يعشن حياة تعيسة شقية بسبب الظلم الواقع عليهن، بل منهن من تعيش جحيما لايطاق . واليوم ربما العكس صحيح بعد أن أعطيت العقوق وأصبح كثير من الرجال يعيشون الجحيم مع زوجاتهم ...
ثم هم يعلمون – علم اليقين – أنه حلال بكل معنى كلمة [[ الحلال ]] بنص القرآن وبالعمل المتواتر الواضح الذي لا شك فيه ، منذ القرون الأولى إلى عهد الإسلام ، إلى يوم الناس هذا ، ولكنهم قوم يفترون .
ويواصل فيقول: وشرط العدل في هذه الآية {{ فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة }} شرط شخصي لا تشريعي ، أعني أنه شرط مرجعه لشخص المكلف ، لا يدخل تحت سلطان التشريع والقضاء ، فإن الله قد أذن للرجل بصيغة الأمر أن يتزوج ما طاب له من النساء ، دون قيد بإذن القاضي ، أو بإذن القانون ، أو بإذن ولي الأمر ، أو بإذن الزوجة الأولى ، أو غير ذلك وأمره أنه إذا خاف من نفسه أن لا يعدل بين الزوجات أن يقتصر على واحدة ، وبالبداهة أن ليس لأحد سلطان على قلب المريد للزواج حتى يستطيع أن يعرف ما في دخيلة نفسه من خوف الجور أو عدم خوفه ، بل ترك الله ذلك لتقديره في ضميره وحده ، ثم علمه الله سبحانه أنه على الحقيقة لا يستطيع إقامة ميزان العدل بين الزوجات إقامة تامة من جميع الوجوه لايدخلها ميل ، فأمره أن لايميل إذا حصل منه ذلك كل الميل فيذر
بعض زوجاته كالمعلقة ،فاكتفى ربه منه في طاعة أمره بالعدل ، أن يعمل منه بما استطاع ، ورفع عنه اللوم عما لم يستطع .
قال الله تعالى : {{ فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ،فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ..}} ابتدأ الله سبحانه وتعالى الآية بالتعدد والحال الأفضل منه وهو من كانت له زوجتان ،ثم تدرج فيه حسب أحوال الناس وقدراتهم ، فمن عجز عنه فليكتفي بالواحدة ، فمن عجز عنها فلعيه بالإيماء اللواتي يملكهن ، وفي هذا إلتفاتة طيبة وهي أن الأصل في الزواج للرجل هو التعدد كل حسب حاله وقدرته، والعجز عنه يصرفه إلى الفرع ،فإن عجز عن زواج الواحدة التي هي الفرع ، فعليه بالجواري المملوكات مما تملك يمينه ، ولا يلجأ إلى نكاح المتعة كما يقوله الروافض . فإن لم يجد فعليه بالصبر والصوم والعفة قال تعالى :{{ فليستعفف الذين لايجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله }} .
تنبيه : لعل لقائل أن يقول : لماذا لايعمل الرجل بهذه الآية ، ويستعفف حين يملك القوة والقدرة ولا يعدد ،بل يكتفي بالواحدة ؟فالجواب عليه أن يقال : لو كانت تلك العوارض لا تحصل للمرأة إلا مرة أو مرتين من الدهر لصبر عليها وعف نفسه عن غيرها ، ولكن هذه الحالات تتكرر مع المرأة دوريا ، وربما غلبت على حياتها ، فلذلك أباح الله له أن يعدد إن كان قادرا قويا فإن لم يكن كذلك استعفف والله اعلم .
كما قال تعالى :{{ وليستعفف الذين لا يجدون نكحا حتى يغنيهم الله من فضله }} وإذا ملك الرجل القدرة والقوة وأغناه الله من فضله استحب له أن يعدد من النساء ما شاء إلى الأربع ، وهذا حق أعطاه له الكحيم العليم فإذا قلت الرجال ، وكثرت النساء كما هو الحال اليوم ، وجب على كل من له القدرة أن يعدد من أجل مقصد هو من أعظم مقاصد الشريعة ، وهو حماية المجتمع من الانحلال الخلقي ، والوقوع في الفواحش ما ظهر منها وما بطن .وتكثير سواد الأمة المحمدية الذي رغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم .
والخلاصة أن التعدد تعتريه الحكام الخمسة من واجب ومستحب ، وحرام ومكروه ومباح ، كل بحسبه ، فمن الناس من يكون في حقه واجبا ويكون بتركه آثما ، ومنهم من يكون في حقه مستحبا وهكذا ..

تصحيح بعض المفاهيم :

1 - يعتقد الكثير من الناس أن العدل المطلوب في قوله تعالى :{{ فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ..}} هو العدل في كل جوانب الحياة الزوجية من نفقة ومبيت وشهوة وحب ومعاشرة بالمعروف وغير ذلك ، وهذا فهم خاطئ ورأي عاطل ..
والفهم الصحيح أن العدل المطلوب هو في النفقة والمبيت والمعاشرة بالمعروف ، والإحسان ، وإذا أمكن الجماع، فهذا أكمل وأفضل .
قال النووي في المجموع شرح المهذب :[ج16/430] ويستحب لمن قسم أن يسوي بينهن في الاستمتاع ؛ لأنه أكمل في العدل . وفيه أيضا [ج16/433]قال: .. غير أن المستحب أن يساوي بينهن في الوطء لأنه هو المقصود .
فإن لم يمكن التسوية في الوطء لعدم الداعي إليه ، أو عدم الانتشار فهو معذور، والجماع غير داخل في العدل للعوارض التي ذكرتها في المرأة ، ولعوارض أخرى خارجة عن طاقته تجعل الرجل يميل إلى إحدى زوجاته...
يبينه قوله تعالى :{{ .. ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ..}} فهذا الميل هو الميل القلبي ، فقد سئل رسول الله عن أحب الناس إليه قال عائشة .. وقد كان يقسم للنسائه بالسوية ويقدم حب عائشة على حبهن ، وقد رفع الله اللوم على الرجل في ذلك ، إن حصل منه ميل ، ونهاه أن يميل كل الميل فيضيع حق الأخريات من زوجاته ، فيذرها معلقة لا هي زوجة ولا هي مطلقة ، والله الذي قال : {{ فإن خفتم ألا تعدلوا في يتامى النساء فانكحوا .. فواحدة ..}} هو الذي قال :{{ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصمتم فلا تميلوا كل الميل ..}} أي فبعض الميل معفو عنه لكم .
والناظر في الآيتين يظهر له كأن فيهما التعارض إذ يأمرهم بالعدل بقوله :{{ فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ..}} ثم يقول لهم :{{ فإن خفتم ألا تعدلوا .. }} أي من أنفسكم بين زوجاتكم. فيقال : فمن خاف العدل من نفسه مع زوجاته فإنه يخافه مع الزوجة الواحدة ولذلك قال ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ، فيمكن أن يظلم الواحدة ولا يعدل معها ، كما يمكن أن يعدل بين الزوجات ولا يظلمهن ، لأن مسألة العدل القلبي بالحب والشهوة فوق طاقتكم لأن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء . كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن كثير رحمه الله : عند تفسير قوله تعالى :{{ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ..}} أي لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه ، فإنه إن وقع القسم الصوري ليلة وليلة فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة .
وقال أيضا في قوله تعالى :{{ فلا تميلوا كل الميل }} أي فإن ملتم إلى واحدة منهن فلا تبالغوا في الميل بالكلية {{ فتذروها كالمعلقة }} أي فتبقى هذه الأخرى معلقة .
والأدلة من السنة على أنه لا يجب على الرجل التسوية في الحب والجماع كثيرة منها ما رواه البخاري بسنده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه دخل على حفصة فقال : يا بنية ، لايغرنك هذه التي أعجبها حسنها
حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها – يريد عائشة – فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فتبسم .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتعذر في مرضه : << أين أنا اليوم ؟ أين أنا غدا ؟>> استبطاء ليوم عائشة ، فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري ودفن في بيتي .رواه البخاري ومسلم .

يتبع إن شاء الله ...

أبو عبد المحسن زهير التلمساني
01-Jan-2011, 03:47 PM
القول المسدد في تصحيح مفاهيم خاطئة في التعدد[ج3]


وعن عائشة رضي لله عنها قالت : أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله ، فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي ، فأذن لها ، فقالت : يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة . وأنا ساكتة، قالت : فقال لها رسول لله صلى الله عليه وسلم :<< أي بنية ألست تحبين ما أحب >> ؟ فقالت : بلى . قال :<< فأحبي هذه >> قالت : فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن بالذي قالت، وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلن لها : ما رأيناك أغنيت عنا من شيء ، فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له : إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة . فقالت فاطمة : والله لا أكلمه فيها أبدا . قالت عائشة : فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش زوج النبي ، وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله ، ولم أر امرأة قط خيرا في الدنيا من زينب ، وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم ، وأعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدَّق به وتقرب به إلى الله تعالى ، وما عدا سورة من حدة كانت فيها تسرع منها الفيئة ، قالت : فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله مع عائشة في مرطها على الحال التي دخلت فاطمة عليها وهو بها ، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يارسول الله ، إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في بنت أبي قحافة ، قالت : ثم وقعت بي فاستطالت علي ، وأنا أرقب رسول الله ، وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها ، قالت : فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر ، قالت : فلما وقعت بها لم أنشبها حين أنحيت عليها ، قالت : فقال رسول الله وتبسم : << إنها ابنة أبي بكر>> رواه مسلم .
وقال ابن القيم رحمه الله : في الزاد [ج5/151]: لا يجب التسوية بين النساء في المحبة فإنها لا تملك ، وكانت عائشة رضي الله عنها أحب نسائه إليه ، وأخذ من هذا أنه لا تجب التسوية بينهن في الوطء لأنه موقوف على المحبة والميل وهي بيد مقلب القلوب ، وفي هذا تفصيل وهو أنه إن تركه لعدم الداعي إليه وعدم الانتشار فهو معذور ، وإن تركه مع الداعي إليه ولكن داعيه إلى الضرة أقوى فهذا مما يدخل تحت قدرته وملكه ، فإن أدى
الواجب عليه لم يبق لها حق ولم يلزمه التسوية ، وإن ترك الواجب منه فلها المطالبة به .أهـ .
وقال أحمد شاكر رحمه الله :وهذا العدل المأمور به مما يتغير بتغير الظروف ، مما يذهب ويجيء بما يدخل في نفس المكلف ، ولذلك لايعقل أن يكون شرطا في صحة العقد ، بل هو شرط نفسي متعلق بنفس الملكف المريد للزواج ، فيمكن أن يتصرف فيه في كل وقت بحسب حاله ، فرب رجل عزم على الزواج المتعدد ، وهو مصر في قلبه على عدم العدل ، ثم لم ينفذ ما كان مصرا عليه ، وعدل بين أزواجه فهذا لا يستطيع أحد يعقل التشريع الإسلامي أن يدعي أنه خالف أمر ربه إذ أنه أطاع الله بالعدل ، وعزيمته في قلبه من قبل لا أثر لها في صحة العقد أو بطلانه – بداهة – خصوصا وأن النصوص كلها صريحة في أن الله لا يؤاخذ العبد بما حدث به نفسه ما لم يعمل به أو يتكلم .والحديث في ذلك صريحا .
ورب رجل تزوج زوجة أخرى عازما في نفسه على العدل ، ثم لم يفعل فهذا قد ارتكب الإثم بترك العدل؛ ومخالفة أمر ربه ، ولكن لا يستطيع أحد يعقل الشرائع أن يدعي أن هذا الجور المحرم منه قد أثر على أصل العقد بالزوجة الأخرى ، فنقله من الحل والجواز إلى البطلان .

وجوب المساواة بين الزوجات في النفقة والقسمة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : مجموع الفتاوى[ج32/270].
وأما العدل في النفقة والكسوة فهو السنة أيضا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان يعدل بين أزواجه في النفقة كما كان يعدل في القسمة { أي المبيت } مع تنازع الناس في القسمة هل كان واجبا عليه أو مستحبا له ؟ كما تنازعوا في العدل في النفقة هل هو واجب أو مستحب ؟ ووجوبه أقوى وأشبه بالكتاب والسنة .
قال القرطبي رحمه الله : تفسير القطبي [ج14/214]. على الرجل أن يعدل بين نسائه لكل واحدة منهن يوما وليلة ، وهذا قول عامة العلماء ، وذهب بعضهم إلى وجوب ذلك في الليل دون النهار . ولا يسقط حق الزوجة مرضها ولا حيضها ، ويلزمه المقام عندها في يومها وليلتها . وعليه أن يعدل بينهن في مرضه كما يفعل في صحته ، إلا أن يعجز عن الحركة فيقيم حيث غلب عليه المرض .
وقال الإمام مالك كما نقله عنه القرطبي : ويعدل بينهن في النفقة والكسوة إذا كن معتدلات الحال .فأما الحب والبغض فخارجان عن الكسب فلا يتأتى العدل فيهما ، وهو المعنى يقوله صلى الله عليه وسلم :<< اللهم هذا فعلي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا املك >> أخرجه النسائي ، وابو داود عن عائشة رضي الله عنها .وهذا الحديث في صحته نظر ، فقد تكلم عليه بعض أهل العلم .
والذي يظهر – والله أعلم – أن القول بالوجوب أقوى وأشبه بالكتاب والسنة كما قال ابن تيمية رحمه الله ، ويؤيد هذا الوعيد الذي جاء في الميل لأحدى الزوجات ، بأن ينفق على هذه دون هذه أو يقسم لواحدة أكثر من الأخرى . لقوله تعالى :{{ فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا }} وقال سبحانه :{{ ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون }} .ولقوله صلى الله عليه وسلم : << من مال لأحدى زوجاته جاء يوم القيامة وشقه مائل>>. أنظر له صحيح الجامع [ح 6391] والأحاديث الصحيحة :[ ح2077] .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أم سليم بعثته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع عليه رطب ، فجعل يقبض قبضته فيبعث بها إلى بعض أزواجه ، ويقبض القبضة ويبعث بها إلى بعض أزواجه ، ثم جلس فأكل بقيته أكل رجل يعلم أنه يشتهيه. رواه أحمد في مسنده . وهو في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين للشيخ مقبل [1/52].
2- ومن المفاهيم الخاطئة ، أن الكثير من النساء تمنع زوجها عن التعدد حتى وهي عاجزة عن إعطائه حقه ، وحتى لو كانت مريضة ، فهو يدخل البيت فيجدها في لباس العمل دائما نفس اللباس ، رائحة الثوم والبصل ، والعرق تنبعث منها ، ولا تهتم بنفسها ، وإذا جاءت مناسبة ، لبست أحسن ما تجد ، وتزينت بأجمل الزينة وكأنها ليست تلك الزوجة التي رأها أول مرة
فطار عقله عليها ، وملكت عليه قلبه ، فأحبها ، فأصبحت زاهدة فيه ، تتزين لغيره خارج البيت وكأن هناك من ينتظرها ، أو أنه يوم زفافها ،وبمجرد ما ترجع إلى البيت تعود حليمة إلى عادتها القديمة ،أما في البيت فكما وصفت ، فالبيت غير منظم ، والصراخ ورفع الصوت ، وعدم اللامبالاة ، وعدم الاهتمام بالزوج، وضرب الأولاد والعجز عن توجيههم وتربيتهم ، واللوم ،والإلحاح في الطلب من التكاليف للتتزين لغيره ، ويخرج المسكين خارج البيت ، فيرى ما يراه غيره أيضا من الجميلات ، اللواتي تزين وخرجت لعرض مفاتنهن ، فإذا رجع إلى البيت يرى ما يدفعه إلى النفرة والهروب خارج البيت ، حيث الحرية التي تحل بها الكارثة والدمار ، ونبينا عليه الصلاة والسلام ييقول :<< إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأتي أهله فإن معها الذي معها >> فإلى أين يذهب المسكين والحالة كما وصفت ، وإذا صبر ووطأ على قلبه -كما يقولون- وأتاها فلا يتمتع بها كما يشتهي ، وربما وجدها حائض أو مريضة ، أو نفساء ، فينتظر المسكين حتى تنتهي مدة الحيض والنفاس ، والمرض ثم يأتي شهوته وقد تضرر بحسبها في نفسه ، لأن تعطيل وظيفة التناسل عند الرجل تسبب له ضررا بالغا في حياته . وقد لا يصبر فيأتي الحرام والعياذ بالله ، كما هو حال الكثير .

3- اعتقاد أن المرأة مظلومة بالتعدد:

ولقد يعتقد الكثير ممن جهلوا أو تجاهلوا مقاصد الشرع الحكيم أن المرأة مظلومة بالتعدد فسعوا بكل ما أوتوا لأنصافها من هذا الظلم ، حتى انقلبت الموازين وأعطيت المرأة كل شيء حتى جردوا الرجل من جميع حقوقه ، فلا يتسطيع أن يبدي أي اعتراض عليها ، والويل له إن فعل ، فقد قيدوا حريته ومنعوه من التعدد إلا بإذن الأولى ، وعلمها وموافقتها ، وتوقيعها ،حتى توصلوا أن يجبروه على أن يخلي لها البيت إن حصل وطلاقها ،لتأتي برجل آخر يسكن في بيته وملكه ، وهذا ظلم وأي ظلم ،وكل ذلك مخالف لشرع رب العالمين الذي أباح للرجل أن يتزوج من النساء ما شاء إلى الأربع ، دون إذن من زوجاته ولاعلمهن ، ولا موافقتهن أو توقيعهن ، قال تعالى :{{ وإن خفتم أن لاتعدلوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ...}} الآية وهذا الخطاب للرجل ، ولايوجد ما يقيد هذا الخطاب فله أن يتمتع منهن إلى الأربع ،دون قيد المرض أو العقم ،أو غير ذلك مما جعلوه سببا في المنع .
وفي قوله تعالى :{{ ما طاب لكم }} دليل على قصد مجرد التمتع وإشباع الغريزة في نفسه كما يشبع من أكل الطيبات بينه قوله تعالى :{{ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ..}} وليس كما يعيبه كثير من الجهال على من يعدد أنه رجل شهواني ، يريدون بذلك أن يبدلوا فطرة الله التي فطر الرجال عليها ، أو أن ينكروا حقائق دفينة في أنفسهم ، مع أن الكثير منهم ربما يأتيها في الحرام .
ومن جهة أخرى أباحوا الإختلاط بين الجنسين على أوسع نطاق ، فترى المرأة زوجها وسط نساء أجنبيات ، في جميع مجالات الحياة ، بل تراه يجلس إليهن ويختلي ببعضهن وربما وقع في المحظور ،بل منهن من تقول : أنها ترضى أن يفعل الفاحشة بعيدا عن عينيها ، ولا ترضاه أن يتزوج بأخرى ، ولا تغار على انتهاكه لحدود الله ، وإذا أراد الحلال ليعف نفسه ويستر امرأة أخرى ، انتفضت ورفضت وغارت ،وصاحت ، وهي تزعم أنها تحب زوجها ، وهذا غير صحيح ، والحقيقة أنها لاتحب زوجها ، وإلا كيف تحرمه من حق أعطاه الله له ، وهو في صالحها ، فالمستفيد الأول من التعدد هو المرأة ، ولو عرفت قيمته ، وما فيه من المصالح والمنافع لها لحرصت عليه كل الحرص ،حتى يعف زوجها ، وتعف أختها ويعف مجتمها .

بعض فوائد التعدد:

ومن فوائد التعدد التي تعود على المرأة بالخير والفائدة أن يكون لها من الوقت ما تعبد فيه ربها وتتعلم دينها ، وتربي أبناءها ،وتوافق بين خدمة بيتها ومطالب زوجها ، فالكثير من النساء من يقصرن في خدمة الزوج ومعاشرته كما أمر سبحانه وتعالى ،والكثير منهن من تجهل أوتتجاهل تلك الفوائد،ولا تحب أن يتكلم لها أحد في الموضوع، أو أن يفاتحها فيه .
ومنها أيضا أن التعدد يدفعها للتنافس والغيرة المحمودة ، والنشاط والرغبة في الزوج والاشتياق إليه والرغبة في لقائه ، مما يجدد في قلبها الحب والمعاشرة ، وخاصة إذا كان للزوج أربع نسوة ، فقد قسم لها المولى يوما من أربعة أيام مما يفسح لها المجال أن تسعد وتتهيء في شوق وحب إليه ، كالقادم من غيبة ، فما أحسن هذا التشريع ، فإذا رأى الزوج تنافس زوجته وحرصها على استقباله ، والشوق إليه دفعه ذلك لحبها وإكرامها ومعاشرتها بالإحسان والمعروف ، والقسمة لها بالعدل .
ومنها : أن هذه المرأة التي ترفض التعدد قد يموت عنها زوجها ، أو تطلق ، أو تستحيل هي الحياة بينها وبين زوجها فتطلب الطلاق ، فتطلب زوجا آخرها يمكن أن تكون سعادتها معه فلا تجد ، وترفض من المجتمع كما رفضت هي أن يشاركها غيرها من المحرومات ، والجزاء من جنس العمل .
وهذه المرأة إن كرهت التعدد لذاته كتشريع شرعه الله فقد يحبط عملها لقوله تعالى: {{ ذلك بأنهم كرهوا ما انزل الله فأحبط اعمالهم }} ، وإن كرهت ذلك معتقدا أنها مظلومة ، فقد اتهمت ربها الذي شرع ذلك بأنه غير حكيم في تشريعه ذلك ، وإن كرهت ذلك خوفا من ميل زوجها وعدم عدله فقد منعته حقه وتعدت عليه ولم تطعه ما أعطاه الله ، وبهذا يتبين أنها لاتحبه ، والظلم الذي يمكن أن يقع عليها مع غيرها فقد يمكن أن يقع منه عليها أكثر وأكثر وهي زوجة واحدة فكم رأينا وسمعنا عن ظلم الكثير من الرجال الذي اقتصروا على الواحدة ، وهذه المحاكم تشهد بذلك ، بل إن الإحصائيات تقول أن الذين عددوا يقل فيهم الطلاق ويكثر فيهم الانسجام والعدل . فسبحان من يعلم خبايا النفوس!!

يتبع إن شاء الله ...

أبو عبد المحسن زهير التلمساني
01-Jan-2011, 03:48 PM
القول المسدد في تصحيح مفاهيم خاطئة في التعدد [ج4]

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
وبعد : هذه بعض البنود والضوابط التي ينبغي أن يُلتزم بها في بيت الزوجية ،مملكة الزوج التي نعيش فيها، وهي ضوابط للزوجات اللاتي يعشن في بيت واحد أما إن كانت لكل واحدة منهن بيتا، فلا نرى أي مشكل يحصل بينهن إلا الغيرة الطبيعية، يهذبها الالتزام بالشرع، والخوف من الله، وإذا حصلت مشاكل في هذه الحالة - أي مع بعدهن- فالزوج هو المتسبب فيها بنقل أسرار حياته مع هذه إلى الأخرى ،والتشكي من هذه إلى الأخرى ، وهذا يجلب عليه مشاكل لا حدود لها ، فليتقي الله وليحتفظ بأسرار كل منهما لوحدها ، ولا يتفوه ولو بكلمة لهذه في أمر الأخرى أو لها فيما يتعلق بعديلتها وأختها في الله ، وليعيش مع كل واحدة منهما حياتها،وكأنها واحدة في حياته ، وبذلك تسلم له الحياة ،ويصلح له الحال ، ويسعد بتحقيقه المقصد الأسمى من التعدد .أما إن كان الزوج ممن لا يستطيع التعدد واكتفى بواحدة وحرص كل منهما على الانضباط بهذه البنود فلا شك أن الحياة ستطيب لهما .
1 – اجتماعنا في هذه المملكة يكون على طاعة الله ورسوله ، قال تعالى :{{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ..}} .فولي الأمر في حكومة البيت هو الزوج ، فالقوامة بيده ، ومسؤوليته خارج البيت بالسعي ، وداخل البيت بالتوجيه والتربية ،وكلك المرأة وزيرته ، ومسئولة عن الداخلية ،في استقرار المملكة وأمنها ، فالمسؤولية مشتركة بينهما ، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ...
2 – اجتماعنا في مملكة الزوج يكون لله وفي الله ، وبالله ، قال تعالى : {{.. قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ..}} .فالرابطة التي تجمعنا وتفرقنا هي الدين الذي يأمرنا بالتراحم والتوادد والمعاشرة بالمعروف {{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون }}فمن عرف حدوده فوقف عندها، وأعطي حق غيره مستشعرا رقابة الله ، آخذا بميزان العدل ، أتته السعادة رغم أنفها.
3– أي أمر يحصل فيه نزاع واختلاف من أمور الدين والدنيا يكون رده إلى الشرع وحكمه به ، فإن الله هو الحق العدل ، وأنزل لنا شرعا عدلا يسعد من التزم به في الحال والمآل ،قال تعالى :{{ ..فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلكم خير وأحسن تأويلا ...}}.والرد إلى الله رد إلى كتابه ، والرد إلى الرسول بعد موته رد إلى سنته صلى الله عليه وسلم .وفي ذلك غنية وشفاء ورحمة عن الذهاب إلى قوانين البشر زبالة الذهان لأنها مهما أنصفت لا تشفي غليل المختلفين .
4 – تقاسم المسؤولية بين الزوج والزوجة أو الزوجات من جهة ، وبين الزوجات من جهة أخرى ، قال صلى الله عليه وسلم :<<كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته>> متفق عليه . وقال :<< إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع >> رواه الإمام أحمد، فينبغي لكل زوجة أن تعتبر أولاد هذه هم أولادها ، وأولاد تلك هم أولاد هذه لأنهم أولاد ملك المملكة ورئيس الدولة ، والأولاد أعضاء الحكومة ولا فرق ،ومعاملتهم ينبغي أن تكون بالمعروف ، والإحسان ، والعدل، وكما تحب أن يعامل أولادها ، يجب أن تعامل أولاد عديلتها كذلك .
5 – من هنا يجب التعاون على هذه المسؤولية،من تربية الأولاد، ورعايتهم،ولو لم يكونوا من صلبها،فخدمة أولاده الزوج من طاعته التي ترفع من شأن هذه الزوجة في نفسه ، والقيام على شؤون البيت من نظافة وترتيب وطبخ وحسن استقبال ، وحفظ أملاك الزوج ، وعدم تبذيرها أو التصرف فيها بغير إذنه ، حتى الصدقة ، واحتساب أجر ذلك عند الله تعالى ، وعدم المحاسبة بين الزوج والزوجة في كل أمر حتى في الأمور التي لا قيمة لها ولا اعتبار بها ولا ينبغي المحاسبة بين الزوجات في أداء واجبات ومستحبات البيت ،والتدقيق في أمور بسيطة وسهلة ، كأن تقول إحداهما للأخرى: أنا فعلت كذا وأنت لم تفعل .. وأنا طبخت وأنت لم تطبخ .. وهذا دورك وليس دوري إلى آخره ..وولدك فعل كذا وليس ولدي .. وهكذا ،قال تعالى :{{ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تتـعاونوا على الإثم والعدوان }}، وقال سبحانه :{{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يؤمرون بالمعروف وينهون عن المنكر }}.على هذا ينبغي نعيش .
6 – التعاون على الخير ، والتشاور حتى في أبسط الأمور ،من باب المعاشرة بالمعروف ، والتناصح فيه بالتي هي أحسن للتي هي أقوم ، فالدين النصيحة ، وما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما كان العنف في شيء إلا شانه . وأن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على غيره ، وأن الله يحب الرفق في الأمر كله .وهذا التشاور بين الزوجين أو الزوج والزوجات ليس بواجب ، وإنما باب { ولا خسر من استشار }وليس للمرأة أن تعترض على ما يفعله بعلها في مملكته مما لا يخالف شرع الله ، وعليهن بطاعته بالمعروف حتى في المباح .
7 – الطاعة المطلقة للزوج فلا ترد له طلب إلا في معصية الله تعالى ، وأن تجتنب كل ما يغضبه أو يسخطه عليها ، فالزوج هو جنة المرأة أو نارها ..ولتعلم الزوجة مهما قامت بحقوق الزوج فإنها لا يمكن أن توفيه حقوقه ، فحقه عليها عظيم ،لذلك ينبغي لها أن تطلب منه أن يبين لها الأمور التي يكرهها حتى تجتنبها ، والأمور التي يحبها حتى تأتيها .

8 – الأمور التي يكرهها الزوج في زوجته :
إن للنفوس أنفة ، ونفور من بعض الأخلاق ، وهذه جبلة جعلها الله في عباده ، وتختلف هذه الأمور التي تنفر منها النفوس وتأنف منها ،وتترفع عنها ،لذلك رأيت أن أذكر أهم ما يكره الرجل في زوجاته ، ويجعله ينفر منهن مختصرة مجردة عن الأدلة ، مع يمكن أن تكون مجتمعة ، ويمكن أن يكون بعضها فقط مما يكرهه الزوج في زوجته ، ويمكن أن تكون هناك أمور أخرى ، فالنفوس تختلف والأذواق لا تناقش .
أ- نشوز المرأة وترفعها عنه لأتفه الأسباب ...
ب – عدم استجابتها دعوته إلى الفراش ...
ج – رفع الصوت في وجهه هو أو على أولاده أمامه ، أو هو يسمع ..والصراخ في البيت ، وخاصة عند النزاع ..
د - تصعير خدها له ، والتكبر عليه بجمالها أو نسبها أو مالها ،وعدم الانقياد والخضوع لأمره ..فهو رب مملكته ، فتأتي وتريد التسلط عليه وعلى مملكته ..
هـ - الإلحاح في الطلب ، وعدم الرضا والقناعة بحال الزوج في الوسع والضيق ، و تكليف الزوج ما لا يطيق مما يثقل كاهله .
و – عدم التزام حدود الزوجية ، كزوجة أسيرة في مملكة زوج له مطلق القوامة ، والتصرف في بيته ، ومحاولة إفساد الزوج على والديه وخاصة أمه ، أو أولاده أو الزوجة الأخرى إن كان معددا .
ي – إفشاء أسرار البيت خارج البيت لأي كان ، حتى لأم الزوجة وأخواتها وأقاربها..مهما كان، فهذا مما يوغر الصدور ، ويحصل الشقاق ،فلا ينبغي أن يسمح بذلك ..فإن إفشاء أسرار البيت يجعل الرجل أو المرأة على حد سواء من شر الناس عند الله يوم القيامة .
يتبع إن شاء الله ...

أبو عبد المحسن زهير التلمساني
01-Jan-2011, 03:49 PM
القول المسدد في تصحيح مفاهيم خاطئة في التعدد[ج5]

م – كثرة الشكوى لأهلها وخاصة أمها ، أو للجيران أو الأقارب أو للناس ، فهذا ينبأ عن فساد هذه الزوجة أو الزوجات ،فالمرأة الصالحة هي التي تصبر على زوجها ، ولاتشتكيه إلى الناس ، فأي أمر لايعجبها أو يضرها ينبغي أن يطرح للنقاش في البيت وأن يكون الطرح أدبيا ينشد فيه الحق، والعدل ، وأن يحل في البيت في حدود الشرع .
ن – عدم الرضا والتسليم بالحكم الشرعي في فصل الخلافات والنزاعات ، وهذه خطيرة فكثير من النساء يكرهن حكم الشرع ، ولا يرضيهن التحاكم إليه، فهذا مما يجعل الزوج يكره هذه الزوجة ويريد استبدالها ، وحق له ذلك ، والعكس بالعكس فهناك أيضا من الرجال من لا يرضى بالحكم الإلهي ، ويلجأ إلى العنف والظلم ، وحسابه عند الله تعالى ، فإذا كان الأمر المتنازع فيه ، فيه خلاف بين العلماء فالقول ما يراه الزوج ما لم يخرج عن أقوال العلماء .ولا ينبغي للزوجة أن تحاججه بعناد بأقوال أهل العلم ، ولترضى بما يأخذ به زوجها لأن ذلك يوغر صدره ، ويحرك الغيرة والحسد في نفسه .
س – إذا كان للزوج أكثر من زوجة فإنه يكره إفشاء أي سر أو أمر من الأمور التي تكون بين الزوجين في غرفة النوم ، فلا يجوز للزوجة أن تحكي للزوجات الأخريات ما كان بينها وبين زوجها مهما كان الأمر صغيرا أو كبيرا ، ولا تحكيه أيضا خارج البيت مع نسائها من زوجات إخوة الزوج ، وزوجات إخوانها هي مما قد يصل إلى سمع الزوجات الأخريات ، فيخلقن مشاكل للزوج ويسبب ذلك أن يكره الزوج هذه الزوجة ..
ش – تدخل أهالي الزوجة أو الزوجات في الحياة الزوجية بين الزوج وأزواجه وعلى كل زوجة أن ترفض تدخل أحد في حياتها الزوجية ، وأن لا تسمح بذلك فإن ذلك مما يغضب الزوج ، ويجعله ينفر من أصهاره ويكرههم ، ولا تسمع لكلام الناس في زوجها وأزواجه، ولا تعير له أي اهتمام ، فالناس عوام هوام ، ليس عندهم إلا الإفساد بالطوام ، ولتعلم أن آفة الأخبار رواتها ، وان من نقل لها ينقل عنها .
ز - الـتناوش ورفع الصوت بالخصام مع أم الزوج أو أخته أو بين الزوجات أمام الزوج مما يسبب التهاجر والتقاطع لأسباب تافهة بين الزوجين بسب أمه وأخته وأقاربه ، وبين الزوجات مما يغضب الزوج ويجعله يسئ التصرف معهن ، فينبغي على الزوجة أو الزوجات أن يرددن الأمر للزوج قبل الخصام ،للفصل فيه إن تطلب ذلك .
ص – مما يكرهه الزوج في الزوجة الغيرة الزائدة عن الحد الطبيعي مما يجعلها تستدل عليه بأقوال وأفعال الناس الذين غارت منهم ، أو الغيرة التي تجعلها تترفع وتنشز إذا كان للزوج أكثر من زوجة فينبغي أن تكون الغيرة في حدود المعقول والمشروع ، فإذا زادت عن حدها انقلبت على صاحبتها .
ر – كثرة الخروج من البيت لغير سبب ، وكثرة الزيارات ، وربما بغير إذنه ، وربما إلى أناس يكره زوجها أن تزورهم ، لعدم تقيدهم بالشرع .أو لأسباب أخرى .أو إذا كانت تسكن عمارة فتخرج أمام الباب وتبقى تحكي مع جاراتها ،من غير حفظ لحرمة الزوج ، أو تخرج رأسها من النافذة أو شرفة البيت وتنادي أولادها بصوت مرتفع ، وربما دعت عليهم .. وربما خاصمت أحدا من أجلهم ...
ع- الإفراط في الزينة واللباس في المناسبات خارج البيت من أجل التباهي والتفاخر والرياء والزهو، مع تركها ذلك للزوج ، فإذا كانت في البيت ، تلبس لباس المطبخ ، وحتى إذا انتهت من عملها لا تغير ذلك اللباس ولا تنظف نفسها ولا تتعطر ،ولا تقوم بترتيب بيتها ، وتبقى على حالها ، فإذا جاءت المناسبة تتجمل وكأنها تزف لزوجها لأول مرة ، كأنها هي العروس ، وهذا يوغر صدر الزوج بالغيرة ويجعله يشك في الأمر ،ويقول : سبحان الله لمن تتزين هذه المرأة ؟ وهل سقط زوجها من عينها إلى هذه الدرجة حتى تكرهينه وتتزينين لغيره ، أين المودة والمحبة التي تزعميها له ؟؟؟
غ- ضرب الأولاد أمامه ، أو الدعاء عليهم ، والصراخ عليهم ، وكذلك مقابلة الزوج وعناده بالصراخ والخصام عند الغضب ، أو مناقشة أمر من الأمور فالأفضل لها إذا غضب زوجها ورفع صوته عليها أن لا تكلمه في تلك اللحظة،وأن تسكت حتى يهدأ ويذهب عنه الغضب ،ولا ينبغي لها أن تتدخل في شؤون حياته خارج البيت ، ولا تسأل عن كل شاردة وواردة ، وتريد أن تتطلع على كل صغيرة وكبيرة في حياته مع أصدقائه في عمله وخارج بيته، أو عائلته، فإن ذلك يتضجر منه الزوج ولا ينبغي لها أن تمدح رجلا عنده أو تصفه وتثني عليه حتى لو كان ميتا ، فإنها تحرك أمواج الغيرة في نفسه مما يجعل بحره مضطربا مغضبا قد يغرقها فيه ، فلا تستطيع الخروج منه إلا بهجر أو طلاق .. وأن لا تدخل أحدا بيته ممن يكره ،وأن تحفظه في نفسها وماله .
أخيرا : نصيحة :
ارحمي تُرحمي ، ولا تظلم لكي لا تُظلم ، وكوني كريمة مع زوجك تُكرمي وسالميه تسلمي ،وتوددي إليه تغنمي .
وكوني المرأة الصالحة ، التي إذا نظر إليها أسرته وإذا أمرها أطاعته ، وإذا غاب عنك كان محفوظا في عرضه وماله .

كتبه شيخنا الفاضل أبو بكر يوسف لعويسي حفظه الله