أبو عبد المحسن زهير التلمساني
01-Jan-2011, 04:08 PM
أقوال السلف في حكم القراءة في صلاة النافلة من المصحف .
كبته :
أبو بكر يوسف لعويسي
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
المقدمة :
لاشك أن حفظ القرآن الكريم أمر عظيم ، وله مزايا من أهمها فائدة تمكن الحافظ من التلاوة في الأوقات والحالات التي لا يتمكن فيها من النظر في المصحف ، كالصلاة المكتوبة ، أو لا يجد فيها المصحف كالمحبوس والموجود في أرض العدو إذ ورد النهي عن السفر لأرضه بالمصحف، فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر قال :<< كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن السفر بالمصحف إلى أرض العدو>>رواه مسلم .ولو لم يأت في فضل تعلمه وتعليمه إلا هذا الحديث الآتي لكان كافيا لتشحيذ الهمم على حفظه والعناية به ، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : >> خيركم من تعلم القرآن وعلمه << رواه البخاري ، وفي رواية للترمذي قال :>> إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه << فكيف وقد جاءت آيات وأحاديث كثيرة في ذلك .
والرسول صلى الله عليه وسلم يلفت المؤمنين إلى مكانة القرآن الكريم ، ومنزلته ، وينبه إلى ضرورة العناية به ، العناية بتلاوته وحفظه ، وتعلمه وتعليمه ، وتنشئة أبناء المسلمين على توقيره وحبه والتعلق به وتدبره وحفظه .
فخير الناس اتجاها وسعيا ،وخير الناس منهجا ، وأفضلهم منزلة هم أولئك الذين يتدبرون آيات الله ، ويحفظون ما استطاعوا من كتاب ربهم ، ويهتدون بهديه ، ويعملون به ، ويقفون عند حدوده ، ويلزمون أنفسهم بآدابه وفضائله ، ثم يعلمون المؤمنين كما تعلموا ، ويعودون الناس على احترام القرآن ومجالسه ، وعلى توقيره والخشوع والإنصات عند سماعه ، والتدبر عند قراءته لفهم مراد الله من خطابه .
إن بيوت المسلمين يجب أن تعنى بالقرآن الكريم ، وأن تحبب أبناءها فيه وترغبهم في حفظه ، وتنشئهم على توقيره ، وحسن الإنصات إليه حين يتلى أمامهم ، كما كان سلفهم الصالح تماما ، وليعلموا أن البيت الذي يقرأ فيه القرآن تنزل على أهله السكينة ،وتغشاه الرحمة ، ويكثر خيره ، ويقل شره ، وتطرد منه الشياطين ، وإن البيت الذي لا يقرأ فيه كتاب الله فخيره قليل ، وشره كثير ، وتسكنه الشياطين ، وكذلك البيت الذي لا تصلى فيه النافلة فهو كالقبر الخرب .وبكل هذه المعاني جاءت الآيات والأحاديث، قال تعالى : { ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله أناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين } آل عمران : 113 .
وأما الأحاديث فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :<< ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا تنزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله في من عنده>> رواه مسلم .ونزول السكينة وغشيان الرحمة ، وحفوف الملائكة ليس خاصا بالاجتماع على التلاوة في المسجد،بالكيفية التي كانت على عهده صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الشيخان من حديث شعبة ، وأبو داود الطيالسي من حديث البراء قال: بينما رجل يقرأ سورة الكهف ليلة ، إذ رأى دابته تركض –أو قال فرسه يركض –فنظر فإذا مثل الضبابة أو مثل الغمامة ، فذكر ذلك لرسول الله فقال :<< تلك السكينة تنزلت للقرآن – أو على القرآن ->>وقال صلى الله عليه وسلم:<< لا تجعلوا بيتكم مقابر فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة >> أخرجه مسلم . وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:<< إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب >> رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
ولا شك أن هناك الكثير ممن يحفظ القرآن الكريم من هذه الأمة ، والأكثر ممن لا يحفظه ، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في تعاهد القرآن ، ولا ينبغي للمؤمن أن يعرض عنه ، وأن لا يقرأه ، فعن أبي موسى الأشعري رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: << تعاهدوا هذا القرآن ، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها >> رواه البخاري ومسلم .
ولهما من حديث ابن عمر أن رسول الله قال :<< إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعلقة إن عاهد عليها أمسكها ، وإن أطلقها ذهبت >> .
وكما رغب صلى الله عليه وسلم في تعاهد القرآن فقد حذر من نسيانه ، فعن سعد بن عبادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : <<من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله عز وجل يوم القيامة وهو أجذم >> رواه أبو داود.
والناس إزاء القرآن أصناف ، فمنهم من يحفظه كله ، ومنهم من يحفظ أرباع ، ومنهم من يحفظ أثمان ، ومنهم من يحفظ أحزاب ، ومنهم من يحفظ أجزاء ، ومنهم من يحفظ سور، ومنهم من لا يحفظ شيئا منه .
ولتعاهد القرآن طريقان ، طريقة القراءة من المصحف ، لمن يحفظ ومن لا يحفظ ، وطريقة القراءة عن ظهر قلب لمن يحفظ .
وقد اختلـف أهل العلم قديما وحديثا في أيهما أفضل بالنسبة لمن يحفظ ، أما الذي لا يحفظ فالقراءة له من المصحف أفضل بلا شك ، لأنه ليس معه ما يقرأه عن ظهر قلب ، وهذا كله خارج الصلاة ، أما في الصلاة المكتوبة فلا يجوز القراءة من المصحف بإجماع ، أما النافلة كـقيام الليل ، وقيام رمضان ، الذي اعتاد الناس أن يختموا القرآن فيه في المساجد وراء إمام يقرأ بهم من المصحف، ،أو بمعنى آخر يوجد إمامين أحدهما يحفظ لكن ينثره نثر الدقل ، ويقرأه بالهذرمة ، وآخر لا يحفظه كله ، ولكن يرتله ترتيلا ، ولا يلحن فيه ، الأول يقرأ من حفظه ، والثاني يؤم من المصحف أيهما يقدم ؟ وهذه هي النقطة الرئيسية في رسالتنا، فقد اختلف أهل العلم أيضا في حكمها بين مجيز ، ومانع ، وأنا هنا أنقل لك أقوالهم ، ثم أذكر الراجح الذي يقتضيه الدليل ، لأن هذه المسألة قد عظم فيها قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وقد كنت أجيب السائل القريب مني ثم أنشر له الكتب التي نقلت له منها الفتوى ، أما من كان بعيدا فكنت أرشده إلى أسماء الكتب التي يجد فيها المسألة ، ومع هذا بقي الكثير يتساءل عن حكم هذه المسألة ، يريد معرفة الحق فيها ، كما بقي البعض يتكلم ويرد كلام أهل العلم بالجهل ، وهذا هو السبب الرئيسي الذي دفعني لأكتب في الموضوع وأحرر المسألة كما ستراها- إن شاء الله – ملتزما الإنصاف ، واتباع الدليل ، ذاكرا قول المجيزين ، ثم قول المانعين ، ثم الراجح ، وقبل أن أسلط الضوء على المسألة أتطرق إلى حكم قراءة القرآن عن ظهر قلب أهي أفضل ، أم القراءة من المصحف أفضل ، وذلك خارج الصلاة ، ثم أذكر هل صلاة القيام في البيت أفضل أم في المسجد مع الجماعة ؟ ثم أختم هذه الرسالة المباركة –إن شاء الله – ببعض المسائل في بعض المواضيع التي لها تعلق بهذا الموضوع. منها :رجل حافظ يصلي وراء إمام غير حافظ ؟ ومنها رجل يريد أن يؤم بأهله في بيته من
المصحف ، ورجل يتبع الإمام بالمصحف أو يقرأ معه،كما نعرف حكم وضع المصحف على الأرض ،وكذلك مسألة تبليل بعض الأصابع من أجل قلب صفحات المصحف ، وآخرها حكم التقليد في القراءة لأصوات المقرئين، كل هذه الأسئلة التي ربما تحك صدرك ستجد الجواب عنها – إن شاء الله- في هذه الرسالة .
الصفحة [2]
قراءة القرآن عن ظهر قلب أفضل أم من المصحف أفضل ؟
أخرج النسائي (1) في فضائل القرآن بسنده إلى سهل بن سعد أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، جئت لأهب لك نفسي ، فنظر إليها رسول الله فصعد النظر إليها ثم صوبه ، ثم طأطأ رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست ، فقام رجل من أصحابه فقال : أي رسول الله إن لم يكن لك فيها حاجة فزوجنيها . فقال: >>هل عندك من شيء << فقال : لا ، والله ما وجدت شيئا . قال: >> أنظر ولو خاتم من حديد <<.فذهب ثم رجع ، قال : لا والله ، ولا خاتم من حديد ، ولكن هذا إزاري .قال سهل :ما له رداء ، فلها نصفه . فقال رسول الله :>> ما تصنع بإزارك ؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء ، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء ، فجلس الرجل حتى طال مجلسه ، ثم قام ، فرآه رسول الله موليا ، فأمر به فدعي قال : >> ماذا معك من القرآن ؟<< قال معي سورة كذا ، وسورة كذا ، وسورة كذا (عددها ) قال : >> أتقرأهن عن ظهر قلب ؟<< قال : نعم . فقال : >> قد ملكتكها بما معك من القرآن << .
قال الحافظ ابن كثير في كتابه فضائل القرآن ( ص129 ). القراءة عن ظهر قلب :
إنما أورد البخاري في هذه الترجمه حديث أبي حازم سهل بن سعد الذي تقدم الآن ، وفيه أنه عليه السلام قال للرجل : >> فما معك من القرآن ؟ << قال معي سورة كذا وسورة كذا … <<الحديث وهذه الترجمة من البخاري رحمه الله مشعرة بأن قراءة القرآن عن ظهر قلب أفضل والله أعلم .(2) ولكن الذي صرح به كثيرون من العلماء أن قراءة القرآن من المصحف أفضل لأنه يشتمل على التلاوة والنظر في المصحف، وهو عبادة كما صرح به غير واحد من السلف، وكرهوا أن يمضي على الرجل يوم لا ينظر في مصحفه.
----------------------------
1 - فضائل القرآن (99 ) والمجتبى (6 / 113 ) ومالك في الموطأ (2 / 62 ) والبخاري في مواضع من صحيحه ، انظر (9 / 78 ،131 ، 180 ، 209 ) ومسلم (4/ 143 ) وأبو داود (ح 2111).
2 - قلت : وكذلك فعل النسائي رحمه الله .
الصفحة [3]
واستدلوا على أفضلية التلاوة في المصحف بما رواه الإمام أبو عبيد رحمه الله في كتابه فضائل القرآن قال : حدثنا نعيم بن حماد عن بقية بن الوليد عن معاوية بن يحيى عن سليم بن مسلم عن عبد الله بم عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :>> فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرؤه ظهرا كـفضل الفريضة على النافلة << وهذا إسناد فيه ضعف (1)، فإن معاوية بن يحي هذا هو الصدفي أو الأطرابلسي ، وأيا ما كان فهو ضعيف ، وقال النووي : عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال : أديموا النظر في المصحف .قال الحافظ ابن حجر رحمه الله( 2) صحيح موقوف .وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن ماهك عن ابن عباس عن عمر أنه كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأ فيه . قال حماد أيضا عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن مسعود أنه كان إذا اجتمع إليه إخوانه نشروا المصحف فقرأ أو فسر لهم .إسناد صحيح ، وقال حماد بن سلمة عن حجاج بن أرطاة عن ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر قال:إذا رجع أحدكم من سوقه فلينشرالمصحف وليقرأ. وقال الأعمش عن خيثمة : دخلت على ابن عمر وهو يقرأ في المصحف ، فقال : هذا جزئي الذي اقرأ به الليلة.
قال ابن كثير : (3) فهذه الآثار تدل على أن هذا أمر مطلوب لئلا يعطل المصحف فلا يقرأ منه ،ولعله قد يقع لبعض الحفظة نسيان فيستذكر منه ، أو تحريف كلمة أو آية أو تقديم ؟أو تأخير ، فالاستثبات أولى والرجوع إلى المصحف أثبت من أفواه الرجال .ثم عقب على كلام البخاري رحمهما الله بقوله :
تنبيه .
إن كان البخاري رحمه الله أراد بذكره حديث سهل الدلالة على أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب أفضل منها
----------------------------
1 – أفاده ابن كثير في فضائل القرآن (ص 130)، وضعفه الحافظ في الفتح (ج/8 696 ).
2 - الفتح (ج8/696).
3 - الفضائل القرآن الكريم لابن كثير (ص130 ) .
الصفحة [4]
في المصحف ، ففيه نظر لأنها قضية عين ، فيحتمل أن ذلك الرجل كان لا يحسن الكتاب ويعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، فلا يدل على أن التلاوة عن ظهر قلب أفضل مطلقا في حق من يحسن ومن لا يحسن إذ لو دل على هذا لكان ذكر حال رسول الله وتلاوته عن ظهر قلب – لأنه أمي لا يدري الكتابة – أولى من ذكر هذا الحديث بمفرده .والثاني : أن سياق الحديث إنما هو لأجل استثبات أنه يحفظ تلك السور من ظهر قلب ليمكنه تعليمها لزوجته ، وليس المراد ههنا أن هذا أفضل من التلاوة نظرا ولا عدمه والله سبحانه وتعالى أعلم .
وقال الإمام النووي رحمه الله(1) في كتابه التبيان في آداب حملة القرآن (ص49 ) .
فصل : قراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر قلب ، لأن النظر في المصحف عبادة ، فتجتمع القراءة والنظر ، هكذا قاله القاضي حسين من أصحابنا ، وأبو حامد الغزالي ، وجماعات من السلف ، ونقل الغزالي في الإحياء أن كثيرين من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقرءون من المصحف ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف . وروى ابن أبي داود القراءة في المصحف عن كثيرين من السلف ، ولم أر فيه خلافا ، ولو قيل إنه يختلف باختلاف الأشخاص ، فيختار القراءة في المصحف لمن استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة في المصحف وعن ظهر قلب ، ويختار القراءة عن ظهر القلب لمن يكمل بذلك خشوعه ، ويزيد على خشوعه وتدبره لو قرأ من المصحف لكان هذا قولا حسنا ، والظاهر أن كلام السلف وفعلهم على هذا التفصيل .
قال ابن كثير رحمه الله( 2) قال بعض العلماء المدار في هذه المسألة على الخشوع، فإن كان الخشوع أكثر عند القراءة عن ظهر قلب فهو أفضل، وإن كان عند النظر في المصحف أكثر فهو أفضل.فإن استويا فالقراءة نظر أولى لأنها أثبت وتمتاز بالنظر إلى المصحف.ثم ختم كلامه بقول النووي:والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل.
----------------------------
1 – التبيان في آداب حملة القرآن (ص49 ). للنووي .
2 – فضائل القرآن لابن كثير ( 132).
الصفحة [5]
وهذا الذي استظهره الحافظ ابن حجر في الفتح حيث قال: والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص (1).وقبله قال تعقيبا على كلام ابن كثير :قلت : ولا يرد على البخاري شيء مما ذكر ، لأن المراد بقوله :>> باب القراءة عن ظهر قلب << مشروعيتها أو استحبابها ، والحديث مطابق لما ترجم به ، ولم يتعرض لكونها أفضل من القراءة نظرا .ومن حيث المعنى أن القراءة في المصحف أسلم من الغلط ، لكن القراءة عن ظهر قلب أبعد من الرياء وأمكن للخشوع .(2)(3).
وقال الدكتور فاروق حمادة : ( 4)بعد حديث سهل بن سعد الذي أخرجه النسائي : وفيه بيان المزية والفضل لمن يحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب ، وإن كان بعض العلماء يرى أفضلية القراءة من المصحف، ومن يفعل هذا مرة وهذا مرة مراعيا للأحوال والظروف يجمع بين الحسيين .
قلت : لو يضاف هذا الكلام إلى كلام النووي لكان أحسن ، وهو الذي ينبغي أن يعول عليه .
-------------
1 - الفتح (ج 8 / 696 ).
2 – نفس المصدر .
3 – قلت : أما بالنسبة للخشوع فمسلم ، أما أنه أبعد للرياء ، فهذا يقال إذا كان يقرأ سرا أما جهرا فهو أدعى إلى الرياء من القراءة نظرا في المصحف .والله أعلم .
4 - محقق كتاب فضائل القرآن للنسائي (ص99 ).
الصفحة [6]
القراءة من المصحف في صلاة النافلة : (( التراويح أو القيام )).*
1 – أولا : هل صلاة التراويح ( القيام في البيت أفضل أم في المسجد مع الجماعة أفضل )؟
لا يشك مسلم أن صلاة قيام رمضان – التراويح – سنة وليست بواجبة ، ولا يشك أن النبي صلى الله عليه وسلم رغب فيها ترغيبا عظيما ، ولو جاء فيها إلا قوله صلى الله عليه وسلم :>> من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه << رواه الشيخان .وقد فعلها صلى الله عليه وسلم بمفرده ، كما فعلها في جماعة ، ولكن تركها خوفا على أمته ، وشفقة أن تفرض عليهم فلا يستطيعون تأديتها ، ولما توفي صلى الله عليه وسلم ، وانقطع التشريع بانقطاع الوحي ، وكمل الدين ، وتمت النعمة ، فلا خوف على الأمة ، جمع عمر الناس في صلاة التراويح على إمام واحد للرجال وهو أبي بن كعب ، وإمام واحد للنساء وهو تميم الداري .إحياء لسنة ماتت في الناس .ولما رآهم مجتمعين قال : نعمت البدعة هذه والتي تنامون عنها أفضل ، وذلك مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام : >> أفضل صلاة المرء بعد الفريضة في بيته << ومن هنا يقال أن تأدية صلاة التراويح في البيت سواء في أول الليل أو وسطه أو آخره لمن يقدر ، ولا يعجز أفضل ، وتكون في الثلث الأخير من الليل أفضل ، إلا في العشر الأواخر حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد أكثر ، فيحي الليل كله ، ويوقظ أهله ، أما إذا عجز السلم لوحده ، ونشط مع الجماعة فلا بأس من تأديتها مع الجماعة .وإليك جملة من أقوال السلف ممن اختار القيام في البيت على الجماعة فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير فصلى فيها ليالي حتى اجتمع إليه ناس ثم فقدوا صوته فظنوا أنه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح به ليخرج فقال :>> مازال بكم الذي رأيت من صنعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم قيام الليل ، ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة <<. وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله :>> صلاتكم في بيوتكم أفضل من صلاتكم في مسجدي هذا إلا المكتوبة <<.وقال الليث ما بلغنا أن عمر وعثمان رضي الله عنهما كانا يقومان في رمضان مع الناس في المسجد .
----------------------------
*- أنظر البدع والحوادث للطرطوشي (136- 138 ).
الصفحة [7]
وقال مالك : كان ابن هرمز من القراء ينصرف فيقوم بأهله في بيته ، وكان ربيعة ينصرف ، وكان القاسم وسالم ينصرفان لا يقومان مع الناس ، وقد رأيت يحي بن سعيد يقوم مع الناس ، وأنا لا أقوم مع الناس لا أشك في أن قيام الرجل في بيته أفضل من القيام مع الناس إذا قوي على ذلك ، وما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في بيته . وعن نافع قال : كان ابن عمر يصلي العشاء في المسجد في رمضان ثم ينصرف .وعن عبيد الله بن عمر رحمه الله أنه كان يرى مشيختهم القاسم وسالما ونافعا ينصرفون ولا يقومون مع الناس . وقال أبو الأسود أن عروة بن الزبير رضي الله عنه كان يصلي العشاء الآخرة مع الناس في رمضان ثم ينصرف إلى منزله ولا يقوم مع الناس .وعن صالح المري سأل رجل الحسن يا أبا سعيد هذا رمضان أظلني وقد قرأت القرآن فأين تأمرني أن أقوم ، وحدي ، أم انضم إلى جماعة المسلمين فأقوم معهم .فقال له : إنما أنت عبد مرتاد لنفسك فانظر أي الموطنين كان اوجل لقلبك وأحسن لتيقظك فعليك به . وقال الشافعي إن صلى رجل لنفسه في بيته في رمضان فهو أحب إلي وإن صلى في جماعة فهو حسن . (1).
ولا شك أن هذا الشهر شهر القرآن ، وأن المؤمن ينبغي له أن يكثر من قراءة القرآن ، وخاصة في الصلاة ، ولكن الكثير من الناس من لا يحفظ القرآن ، وإذا حفظ فهو غير ضابط لما حفظ ، وخاصة في عصرنا، ومنهم من لا يستطيع الإتيان إلى المسجد لتأديتها جماعة ، وخاصة النساء ، والعمال الذين يعملون بالليل وقت الصلاة ، ويريدون أن يصلوا ، فيسألون عن حكم قراءة القرآن من المصحف في الصلاة ،وأمام أجوبة المفتين بالمنع والجواز احتار هؤلاء المستفتين ،وأنا إذ أحرر لهم المسألة أسهل لهم المشاق ، وأذلل لهم الصعاب ، وأقرب لهم نتيجة المسألة واضحة بينة ،ذاكرا أولا قول من قال بالجواز من السلف ، وقول المانعين منهم ، ثم أعقب ذلك بالتفصيل الذي ينبغي أن يعول عليه ، ولا يلتفت إلى غيره ، لأنه لا يوجد بعده شيء من علم .
----------------------------
1 – نقلت أقوالهم من كتاب مختصر قيام الليل لأحمد بن علي المقريزي (ص 99 ،100).
يتبع إن شاء الله ...
كبته :
أبو بكر يوسف لعويسي
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
المقدمة :
لاشك أن حفظ القرآن الكريم أمر عظيم ، وله مزايا من أهمها فائدة تمكن الحافظ من التلاوة في الأوقات والحالات التي لا يتمكن فيها من النظر في المصحف ، كالصلاة المكتوبة ، أو لا يجد فيها المصحف كالمحبوس والموجود في أرض العدو إذ ورد النهي عن السفر لأرضه بالمصحف، فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر قال :<< كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن السفر بالمصحف إلى أرض العدو>>رواه مسلم .ولو لم يأت في فضل تعلمه وتعليمه إلا هذا الحديث الآتي لكان كافيا لتشحيذ الهمم على حفظه والعناية به ، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : >> خيركم من تعلم القرآن وعلمه << رواه البخاري ، وفي رواية للترمذي قال :>> إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه << فكيف وقد جاءت آيات وأحاديث كثيرة في ذلك .
والرسول صلى الله عليه وسلم يلفت المؤمنين إلى مكانة القرآن الكريم ، ومنزلته ، وينبه إلى ضرورة العناية به ، العناية بتلاوته وحفظه ، وتعلمه وتعليمه ، وتنشئة أبناء المسلمين على توقيره وحبه والتعلق به وتدبره وحفظه .
فخير الناس اتجاها وسعيا ،وخير الناس منهجا ، وأفضلهم منزلة هم أولئك الذين يتدبرون آيات الله ، ويحفظون ما استطاعوا من كتاب ربهم ، ويهتدون بهديه ، ويعملون به ، ويقفون عند حدوده ، ويلزمون أنفسهم بآدابه وفضائله ، ثم يعلمون المؤمنين كما تعلموا ، ويعودون الناس على احترام القرآن ومجالسه ، وعلى توقيره والخشوع والإنصات عند سماعه ، والتدبر عند قراءته لفهم مراد الله من خطابه .
إن بيوت المسلمين يجب أن تعنى بالقرآن الكريم ، وأن تحبب أبناءها فيه وترغبهم في حفظه ، وتنشئهم على توقيره ، وحسن الإنصات إليه حين يتلى أمامهم ، كما كان سلفهم الصالح تماما ، وليعلموا أن البيت الذي يقرأ فيه القرآن تنزل على أهله السكينة ،وتغشاه الرحمة ، ويكثر خيره ، ويقل شره ، وتطرد منه الشياطين ، وإن البيت الذي لا يقرأ فيه كتاب الله فخيره قليل ، وشره كثير ، وتسكنه الشياطين ، وكذلك البيت الذي لا تصلى فيه النافلة فهو كالقبر الخرب .وبكل هذه المعاني جاءت الآيات والأحاديث، قال تعالى : { ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله أناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين } آل عمران : 113 .
وأما الأحاديث فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :<< ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا تنزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله في من عنده>> رواه مسلم .ونزول السكينة وغشيان الرحمة ، وحفوف الملائكة ليس خاصا بالاجتماع على التلاوة في المسجد،بالكيفية التي كانت على عهده صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الشيخان من حديث شعبة ، وأبو داود الطيالسي من حديث البراء قال: بينما رجل يقرأ سورة الكهف ليلة ، إذ رأى دابته تركض –أو قال فرسه يركض –فنظر فإذا مثل الضبابة أو مثل الغمامة ، فذكر ذلك لرسول الله فقال :<< تلك السكينة تنزلت للقرآن – أو على القرآن ->>وقال صلى الله عليه وسلم:<< لا تجعلوا بيتكم مقابر فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة >> أخرجه مسلم . وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:<< إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب >> رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
ولا شك أن هناك الكثير ممن يحفظ القرآن الكريم من هذه الأمة ، والأكثر ممن لا يحفظه ، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في تعاهد القرآن ، ولا ينبغي للمؤمن أن يعرض عنه ، وأن لا يقرأه ، فعن أبي موسى الأشعري رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: << تعاهدوا هذا القرآن ، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها >> رواه البخاري ومسلم .
ولهما من حديث ابن عمر أن رسول الله قال :<< إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعلقة إن عاهد عليها أمسكها ، وإن أطلقها ذهبت >> .
وكما رغب صلى الله عليه وسلم في تعاهد القرآن فقد حذر من نسيانه ، فعن سعد بن عبادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : <<من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله عز وجل يوم القيامة وهو أجذم >> رواه أبو داود.
والناس إزاء القرآن أصناف ، فمنهم من يحفظه كله ، ومنهم من يحفظ أرباع ، ومنهم من يحفظ أثمان ، ومنهم من يحفظ أحزاب ، ومنهم من يحفظ أجزاء ، ومنهم من يحفظ سور، ومنهم من لا يحفظ شيئا منه .
ولتعاهد القرآن طريقان ، طريقة القراءة من المصحف ، لمن يحفظ ومن لا يحفظ ، وطريقة القراءة عن ظهر قلب لمن يحفظ .
وقد اختلـف أهل العلم قديما وحديثا في أيهما أفضل بالنسبة لمن يحفظ ، أما الذي لا يحفظ فالقراءة له من المصحف أفضل بلا شك ، لأنه ليس معه ما يقرأه عن ظهر قلب ، وهذا كله خارج الصلاة ، أما في الصلاة المكتوبة فلا يجوز القراءة من المصحف بإجماع ، أما النافلة كـقيام الليل ، وقيام رمضان ، الذي اعتاد الناس أن يختموا القرآن فيه في المساجد وراء إمام يقرأ بهم من المصحف، ،أو بمعنى آخر يوجد إمامين أحدهما يحفظ لكن ينثره نثر الدقل ، ويقرأه بالهذرمة ، وآخر لا يحفظه كله ، ولكن يرتله ترتيلا ، ولا يلحن فيه ، الأول يقرأ من حفظه ، والثاني يؤم من المصحف أيهما يقدم ؟ وهذه هي النقطة الرئيسية في رسالتنا، فقد اختلف أهل العلم أيضا في حكمها بين مجيز ، ومانع ، وأنا هنا أنقل لك أقوالهم ، ثم أذكر الراجح الذي يقتضيه الدليل ، لأن هذه المسألة قد عظم فيها قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وقد كنت أجيب السائل القريب مني ثم أنشر له الكتب التي نقلت له منها الفتوى ، أما من كان بعيدا فكنت أرشده إلى أسماء الكتب التي يجد فيها المسألة ، ومع هذا بقي الكثير يتساءل عن حكم هذه المسألة ، يريد معرفة الحق فيها ، كما بقي البعض يتكلم ويرد كلام أهل العلم بالجهل ، وهذا هو السبب الرئيسي الذي دفعني لأكتب في الموضوع وأحرر المسألة كما ستراها- إن شاء الله – ملتزما الإنصاف ، واتباع الدليل ، ذاكرا قول المجيزين ، ثم قول المانعين ، ثم الراجح ، وقبل أن أسلط الضوء على المسألة أتطرق إلى حكم قراءة القرآن عن ظهر قلب أهي أفضل ، أم القراءة من المصحف أفضل ، وذلك خارج الصلاة ، ثم أذكر هل صلاة القيام في البيت أفضل أم في المسجد مع الجماعة ؟ ثم أختم هذه الرسالة المباركة –إن شاء الله – ببعض المسائل في بعض المواضيع التي لها تعلق بهذا الموضوع. منها :رجل حافظ يصلي وراء إمام غير حافظ ؟ ومنها رجل يريد أن يؤم بأهله في بيته من
المصحف ، ورجل يتبع الإمام بالمصحف أو يقرأ معه،كما نعرف حكم وضع المصحف على الأرض ،وكذلك مسألة تبليل بعض الأصابع من أجل قلب صفحات المصحف ، وآخرها حكم التقليد في القراءة لأصوات المقرئين، كل هذه الأسئلة التي ربما تحك صدرك ستجد الجواب عنها – إن شاء الله- في هذه الرسالة .
الصفحة [2]
قراءة القرآن عن ظهر قلب أفضل أم من المصحف أفضل ؟
أخرج النسائي (1) في فضائل القرآن بسنده إلى سهل بن سعد أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، جئت لأهب لك نفسي ، فنظر إليها رسول الله فصعد النظر إليها ثم صوبه ، ثم طأطأ رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست ، فقام رجل من أصحابه فقال : أي رسول الله إن لم يكن لك فيها حاجة فزوجنيها . فقال: >>هل عندك من شيء << فقال : لا ، والله ما وجدت شيئا . قال: >> أنظر ولو خاتم من حديد <<.فذهب ثم رجع ، قال : لا والله ، ولا خاتم من حديد ، ولكن هذا إزاري .قال سهل :ما له رداء ، فلها نصفه . فقال رسول الله :>> ما تصنع بإزارك ؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء ، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء ، فجلس الرجل حتى طال مجلسه ، ثم قام ، فرآه رسول الله موليا ، فأمر به فدعي قال : >> ماذا معك من القرآن ؟<< قال معي سورة كذا ، وسورة كذا ، وسورة كذا (عددها ) قال : >> أتقرأهن عن ظهر قلب ؟<< قال : نعم . فقال : >> قد ملكتكها بما معك من القرآن << .
قال الحافظ ابن كثير في كتابه فضائل القرآن ( ص129 ). القراءة عن ظهر قلب :
إنما أورد البخاري في هذه الترجمه حديث أبي حازم سهل بن سعد الذي تقدم الآن ، وفيه أنه عليه السلام قال للرجل : >> فما معك من القرآن ؟ << قال معي سورة كذا وسورة كذا … <<الحديث وهذه الترجمة من البخاري رحمه الله مشعرة بأن قراءة القرآن عن ظهر قلب أفضل والله أعلم .(2) ولكن الذي صرح به كثيرون من العلماء أن قراءة القرآن من المصحف أفضل لأنه يشتمل على التلاوة والنظر في المصحف، وهو عبادة كما صرح به غير واحد من السلف، وكرهوا أن يمضي على الرجل يوم لا ينظر في مصحفه.
----------------------------
1 - فضائل القرآن (99 ) والمجتبى (6 / 113 ) ومالك في الموطأ (2 / 62 ) والبخاري في مواضع من صحيحه ، انظر (9 / 78 ،131 ، 180 ، 209 ) ومسلم (4/ 143 ) وأبو داود (ح 2111).
2 - قلت : وكذلك فعل النسائي رحمه الله .
الصفحة [3]
واستدلوا على أفضلية التلاوة في المصحف بما رواه الإمام أبو عبيد رحمه الله في كتابه فضائل القرآن قال : حدثنا نعيم بن حماد عن بقية بن الوليد عن معاوية بن يحيى عن سليم بن مسلم عن عبد الله بم عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :>> فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرؤه ظهرا كـفضل الفريضة على النافلة << وهذا إسناد فيه ضعف (1)، فإن معاوية بن يحي هذا هو الصدفي أو الأطرابلسي ، وأيا ما كان فهو ضعيف ، وقال النووي : عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال : أديموا النظر في المصحف .قال الحافظ ابن حجر رحمه الله( 2) صحيح موقوف .وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن ماهك عن ابن عباس عن عمر أنه كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأ فيه . قال حماد أيضا عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن مسعود أنه كان إذا اجتمع إليه إخوانه نشروا المصحف فقرأ أو فسر لهم .إسناد صحيح ، وقال حماد بن سلمة عن حجاج بن أرطاة عن ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر قال:إذا رجع أحدكم من سوقه فلينشرالمصحف وليقرأ. وقال الأعمش عن خيثمة : دخلت على ابن عمر وهو يقرأ في المصحف ، فقال : هذا جزئي الذي اقرأ به الليلة.
قال ابن كثير : (3) فهذه الآثار تدل على أن هذا أمر مطلوب لئلا يعطل المصحف فلا يقرأ منه ،ولعله قد يقع لبعض الحفظة نسيان فيستذكر منه ، أو تحريف كلمة أو آية أو تقديم ؟أو تأخير ، فالاستثبات أولى والرجوع إلى المصحف أثبت من أفواه الرجال .ثم عقب على كلام البخاري رحمهما الله بقوله :
تنبيه .
إن كان البخاري رحمه الله أراد بذكره حديث سهل الدلالة على أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب أفضل منها
----------------------------
1 – أفاده ابن كثير في فضائل القرآن (ص 130)، وضعفه الحافظ في الفتح (ج/8 696 ).
2 - الفتح (ج8/696).
3 - الفضائل القرآن الكريم لابن كثير (ص130 ) .
الصفحة [4]
في المصحف ، ففيه نظر لأنها قضية عين ، فيحتمل أن ذلك الرجل كان لا يحسن الكتاب ويعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، فلا يدل على أن التلاوة عن ظهر قلب أفضل مطلقا في حق من يحسن ومن لا يحسن إذ لو دل على هذا لكان ذكر حال رسول الله وتلاوته عن ظهر قلب – لأنه أمي لا يدري الكتابة – أولى من ذكر هذا الحديث بمفرده .والثاني : أن سياق الحديث إنما هو لأجل استثبات أنه يحفظ تلك السور من ظهر قلب ليمكنه تعليمها لزوجته ، وليس المراد ههنا أن هذا أفضل من التلاوة نظرا ولا عدمه والله سبحانه وتعالى أعلم .
وقال الإمام النووي رحمه الله(1) في كتابه التبيان في آداب حملة القرآن (ص49 ) .
فصل : قراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر قلب ، لأن النظر في المصحف عبادة ، فتجتمع القراءة والنظر ، هكذا قاله القاضي حسين من أصحابنا ، وأبو حامد الغزالي ، وجماعات من السلف ، ونقل الغزالي في الإحياء أن كثيرين من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقرءون من المصحف ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف . وروى ابن أبي داود القراءة في المصحف عن كثيرين من السلف ، ولم أر فيه خلافا ، ولو قيل إنه يختلف باختلاف الأشخاص ، فيختار القراءة في المصحف لمن استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة في المصحف وعن ظهر قلب ، ويختار القراءة عن ظهر القلب لمن يكمل بذلك خشوعه ، ويزيد على خشوعه وتدبره لو قرأ من المصحف لكان هذا قولا حسنا ، والظاهر أن كلام السلف وفعلهم على هذا التفصيل .
قال ابن كثير رحمه الله( 2) قال بعض العلماء المدار في هذه المسألة على الخشوع، فإن كان الخشوع أكثر عند القراءة عن ظهر قلب فهو أفضل، وإن كان عند النظر في المصحف أكثر فهو أفضل.فإن استويا فالقراءة نظر أولى لأنها أثبت وتمتاز بالنظر إلى المصحف.ثم ختم كلامه بقول النووي:والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل.
----------------------------
1 – التبيان في آداب حملة القرآن (ص49 ). للنووي .
2 – فضائل القرآن لابن كثير ( 132).
الصفحة [5]
وهذا الذي استظهره الحافظ ابن حجر في الفتح حيث قال: والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص (1).وقبله قال تعقيبا على كلام ابن كثير :قلت : ولا يرد على البخاري شيء مما ذكر ، لأن المراد بقوله :>> باب القراءة عن ظهر قلب << مشروعيتها أو استحبابها ، والحديث مطابق لما ترجم به ، ولم يتعرض لكونها أفضل من القراءة نظرا .ومن حيث المعنى أن القراءة في المصحف أسلم من الغلط ، لكن القراءة عن ظهر قلب أبعد من الرياء وأمكن للخشوع .(2)(3).
وقال الدكتور فاروق حمادة : ( 4)بعد حديث سهل بن سعد الذي أخرجه النسائي : وفيه بيان المزية والفضل لمن يحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب ، وإن كان بعض العلماء يرى أفضلية القراءة من المصحف، ومن يفعل هذا مرة وهذا مرة مراعيا للأحوال والظروف يجمع بين الحسيين .
قلت : لو يضاف هذا الكلام إلى كلام النووي لكان أحسن ، وهو الذي ينبغي أن يعول عليه .
-------------
1 - الفتح (ج 8 / 696 ).
2 – نفس المصدر .
3 – قلت : أما بالنسبة للخشوع فمسلم ، أما أنه أبعد للرياء ، فهذا يقال إذا كان يقرأ سرا أما جهرا فهو أدعى إلى الرياء من القراءة نظرا في المصحف .والله أعلم .
4 - محقق كتاب فضائل القرآن للنسائي (ص99 ).
الصفحة [6]
القراءة من المصحف في صلاة النافلة : (( التراويح أو القيام )).*
1 – أولا : هل صلاة التراويح ( القيام في البيت أفضل أم في المسجد مع الجماعة أفضل )؟
لا يشك مسلم أن صلاة قيام رمضان – التراويح – سنة وليست بواجبة ، ولا يشك أن النبي صلى الله عليه وسلم رغب فيها ترغيبا عظيما ، ولو جاء فيها إلا قوله صلى الله عليه وسلم :>> من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه << رواه الشيخان .وقد فعلها صلى الله عليه وسلم بمفرده ، كما فعلها في جماعة ، ولكن تركها خوفا على أمته ، وشفقة أن تفرض عليهم فلا يستطيعون تأديتها ، ولما توفي صلى الله عليه وسلم ، وانقطع التشريع بانقطاع الوحي ، وكمل الدين ، وتمت النعمة ، فلا خوف على الأمة ، جمع عمر الناس في صلاة التراويح على إمام واحد للرجال وهو أبي بن كعب ، وإمام واحد للنساء وهو تميم الداري .إحياء لسنة ماتت في الناس .ولما رآهم مجتمعين قال : نعمت البدعة هذه والتي تنامون عنها أفضل ، وذلك مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام : >> أفضل صلاة المرء بعد الفريضة في بيته << ومن هنا يقال أن تأدية صلاة التراويح في البيت سواء في أول الليل أو وسطه أو آخره لمن يقدر ، ولا يعجز أفضل ، وتكون في الثلث الأخير من الليل أفضل ، إلا في العشر الأواخر حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد أكثر ، فيحي الليل كله ، ويوقظ أهله ، أما إذا عجز السلم لوحده ، ونشط مع الجماعة فلا بأس من تأديتها مع الجماعة .وإليك جملة من أقوال السلف ممن اختار القيام في البيت على الجماعة فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير فصلى فيها ليالي حتى اجتمع إليه ناس ثم فقدوا صوته فظنوا أنه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح به ليخرج فقال :>> مازال بكم الذي رأيت من صنعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم قيام الليل ، ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة <<. وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله :>> صلاتكم في بيوتكم أفضل من صلاتكم في مسجدي هذا إلا المكتوبة <<.وقال الليث ما بلغنا أن عمر وعثمان رضي الله عنهما كانا يقومان في رمضان مع الناس في المسجد .
----------------------------
*- أنظر البدع والحوادث للطرطوشي (136- 138 ).
الصفحة [7]
وقال مالك : كان ابن هرمز من القراء ينصرف فيقوم بأهله في بيته ، وكان ربيعة ينصرف ، وكان القاسم وسالم ينصرفان لا يقومان مع الناس ، وقد رأيت يحي بن سعيد يقوم مع الناس ، وأنا لا أقوم مع الناس لا أشك في أن قيام الرجل في بيته أفضل من القيام مع الناس إذا قوي على ذلك ، وما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في بيته . وعن نافع قال : كان ابن عمر يصلي العشاء في المسجد في رمضان ثم ينصرف .وعن عبيد الله بن عمر رحمه الله أنه كان يرى مشيختهم القاسم وسالما ونافعا ينصرفون ولا يقومون مع الناس . وقال أبو الأسود أن عروة بن الزبير رضي الله عنه كان يصلي العشاء الآخرة مع الناس في رمضان ثم ينصرف إلى منزله ولا يقوم مع الناس .وعن صالح المري سأل رجل الحسن يا أبا سعيد هذا رمضان أظلني وقد قرأت القرآن فأين تأمرني أن أقوم ، وحدي ، أم انضم إلى جماعة المسلمين فأقوم معهم .فقال له : إنما أنت عبد مرتاد لنفسك فانظر أي الموطنين كان اوجل لقلبك وأحسن لتيقظك فعليك به . وقال الشافعي إن صلى رجل لنفسه في بيته في رمضان فهو أحب إلي وإن صلى في جماعة فهو حسن . (1).
ولا شك أن هذا الشهر شهر القرآن ، وأن المؤمن ينبغي له أن يكثر من قراءة القرآن ، وخاصة في الصلاة ، ولكن الكثير من الناس من لا يحفظ القرآن ، وإذا حفظ فهو غير ضابط لما حفظ ، وخاصة في عصرنا، ومنهم من لا يستطيع الإتيان إلى المسجد لتأديتها جماعة ، وخاصة النساء ، والعمال الذين يعملون بالليل وقت الصلاة ، ويريدون أن يصلوا ، فيسألون عن حكم قراءة القرآن من المصحف في الصلاة ،وأمام أجوبة المفتين بالمنع والجواز احتار هؤلاء المستفتين ،وأنا إذ أحرر لهم المسألة أسهل لهم المشاق ، وأذلل لهم الصعاب ، وأقرب لهم نتيجة المسألة واضحة بينة ،ذاكرا أولا قول من قال بالجواز من السلف ، وقول المانعين منهم ، ثم أعقب ذلك بالتفصيل الذي ينبغي أن يعول عليه ، ولا يلتفت إلى غيره ، لأنه لا يوجد بعده شيء من علم .
----------------------------
1 – نقلت أقوالهم من كتاب مختصر قيام الليل لأحمد بن علي المقريزي (ص 99 ،100).
يتبع إن شاء الله ...