المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القول المعتمد للشيخ أبو بكر يوسف لعويسي حفظه الله



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
03-Jan-2011, 01:53 AM
القول المعتمد للشيخ أبو بكر يوسف لعويسي حفظه الله
القول المعتمد للشيخ أبو بكر يوسف لعويسي حفظه الله
سلسلة فقه الكتاب والسنة


القول المعتمد
بأن زكاة الفطر لاتجزي إلا من غالب قوت البلد


كتبه :
أبو بكر يوسف لعويسي



إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرورأنفسنا ، ومن سيئات أعمالنامن يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.



أما بعـد:
فان أصدق الحديث كلام الله وخيرالهدي هدي محمد  ،وشر الأمورمحدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
 ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمو ن آل عمران: (102) .  ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيـرا و نساء واتقوا الله الذي تّسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا  النساء : (1 ) . يا أيـها الــذين آمنوا اتـقـوا الله وقـولوا قـولا سـديـدا يـصلح لكم أعمالكم ويـغفر لكم ذنـوبكم و من يطـع الله و رسوله فقد فاز فوزا عظيما  الأحزاب :(50/51).






المقدمـــــة :
يرى جمهور العلماء قديما وحديث أن زكاة الفطر تخرج من الحبوب والثمار وهي صاع ، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الأحناف حيث جوزوا إخراج قيمتها ، أما غيرهم من لدن الصحابة إلى اليوم ، فلم يجوز أحـد منهم إخراج قيمتها ، وسننحرر لك هذه المسألة بشيء من التفصيل ذاكرين الراجح بدليله سائلين المولى عز وجل العون والتوفيق .
وأعلم أن المالكية قد وافـقـوا الجمهور ، ولم يخالف منهم أحـد إلا ما نسمعه في عصرنا ممن يفـتون للإدارة منـتسبين إلى مذهب مالك وهم يخالفون المذهب في كثير من المسائل ، ولبيان الحق سننقـل لك مذهب مالك في هذه القضية بدقة من الكتب المعتمدة في المذهب .وقبل بيان ذلك لا بد أن أتطرق إلى تعريف زكاة الفطر وسبب تسميتها كذلك ، واقسام الزكاة ، ومتى شرعيت هذه الشعيرة ، وما الحكمة من مشروعيتها ، وما حكمها ، وعلى من تجب ، وعمن يخرجها ، مع بيان أصناف الزكاة التي تخرج منه ، ثم بيان الذين يستحقونها ، والوقت الذي ينبغي أن تخرج فيه ، ثم أنقل لك القول المعتمد في المذهب المالكي ، والذي لا يجوز مخالفته إلا إذا دعت الضرورة ، ذاكرا ذلك من الكتب المعتمدة في المذهب ، مقتصرا على بعضها ، مع الإشارة إلى أجزاء وصفحات البعض الآخر مما لم أذكره ، وذلك تيسيرا على من يريد الرجوع إليها ، فعلت هذا خشية الطول ، فإن الهمم تقاعست عن بحث مثل هذه المسائل ، ثم منقاشة من أجاز إخراجها دراهم ، وخلاصة البحث تتمثل في حكم إخراجها قيمة ، ثم الحكمة من إخراجها طعاما ، و المقدار المطلوب بالغرام ، ثم أبين عوامل إبطال الصدقة ، سواء كانت زكاة مفروضة أو تطوع ، ثم أذكر بعض مندوبات صدقة الفطر ثم أعقب كل هذا ببعض الأجوبة عن بعض الأسئلة كثر فيها السؤال وهي : ما حكم من أخرجها من بلد إلى آخر ؟ وهل يجوز توزيعها على مساكين ؟ أم تعطى لمسكين واحد فقط؟ ، وما حكم من مات يوم العيد او ليلته ؟ وهل المسافر يخرجها هو أم اهله عنه ؟ وما حكم إعطائها إلى تارك الصلاة ؟ ثم الخاتمة سالكا في هذا كله الاختصار ، أما من أراد الطول فعليه بكتب الفقه المطولات .هذا وأسأل الله تعالى أن أكون قد وفقت لتحرير هذه المسألة ، وأظهرت الحق فيها ليعلم أؤلئك الذين يتعصبون لمذهب مالك أنهم خالفوا المذهب مما يدل على انهم يتبعون الهوى ، وليس الحجة ، خلافا للمتقدمين ممن يتعصبون لمالك وغيره من أصحاب المذاهب ، فهم يأخذون قول الإمام أو القول المنسوب إليه مسلما ، حتى لو كان ذلك يخالف آية من كتاب الله ، أو حديث صحيح من السنة ، وقد أحسن العز بن عبد السلام حين قال في قواعده الكبرى : ومن العجب أن الناس المقلدين المتعصبين يقف أحدهم على أضعف مآخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعا، وهو مع ذلك يقلده فيه ، ويتعصب له ، ويترك من شهد الكتاب والسنة والإجماع والأقيسة الصحيحة له ، تعصبا وجمودا على تقليد إمامه ، بل يتحيل لدفع ظواهر الكتاب والسنة ، ويتأولها بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالا عن مقلده ، وقد رأيناهم يجتمعون في المجالس فإذا ذكر لأحدهم ما وطن نفسه عليه تعجب غاية العجب من غير استرواح إلى دليل ، بل لما ألفه من تعصب وتقليد لمذهبه ، حتى ظن أن الحق منحصر في مذهبه ، وأقواله ، ولو تدبره لكان تعجبه من مذهب إمامه أولى من تعجبه من مذهب الدليل ، فالأولى ترك البحث مع هؤلاء الذين إذا عجز أحدهم عن تمشية مذهب إمامه قال: لعل إمامي وقف على دليل لم أقف عليه ، ولم أهتد إليه ، ولا يعلم المسكين أن هذا يقابل بمثله ، ويفصل لخصمه ما ذكره من الدليل الواضح والبرهان اللائح ، فسبحان الله ، ما اكثر من اعمى التعصب بصره حتى حمله على رد نصوص الكتاب والسنة الصحيحة الثابتة ، والتهوين من شأنها ، وفقنا الله لاتباع الحق أينما كان وعلى لسان من ظهر أهـ.(1 ).
ورحم الله القاضي منور بن سعيد البلوطي حين انتقد على أهل التقليد ممن يتعصبون لمذهب مالك بالأندلس ، فأنشأ يقول معرضا بهم : عذيري من قوم يقولون كلما طلبت دليلا هكذا قال مالك ، فإن
----------------------------

قلت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالوا : قاله ابن القاسم الثقة الذي على قصد منهاج الهدى هو سالك ، فإن عدت .قالوا : هكذا قال أشهب وقد كان لا تحفى عليه المسالك (1).
ورحم الله أبا عمر بن عبد البر حين قال في تمهيده : ألا ترى أن الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا وهم الأسوة فلم يعب واحد على مخالفه ، ولا وجد عليه في نفسه ، إلى الله المشتكى وهو المستعان على امة نحن بين أظهرها تستحل الأعراض إذا خولفت .(2 ) وكلا الطائفتين ، سواء المتعصبيت المتقدمين ، أو المتأخرين المتبعين للهوى ضالة ، مخطئة ، والحق العدل ، وهو ما قاله الإمام مالك : كل يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر ، وأشار بيده إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم . وقد قال تعالى : (( ولكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله والدار الآخرة )).
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
1- هذا كلام كنت قرأته قديما ، نقلته ببعض التصرف ، لأن الكتاب المذكور لايحضرني الآن .






----------------------------


1 – قلت : هذا هو طريق التعصب الأعمى ومذهب كل هالك . أنظر رسالتي :>> القبض والرد على من أنكر مشروعيته في الفرض والنفل (ص22 ) فما بعدها . 2 – قلت : ماأجمل هذا الكلام ، لو وعاه أهل منهج الدليل ! ! !

تعريف زكاة الفطرلغة وشرعا :
الزكاة في اللغة هي:النمو والزيادة يقال زكا الزرع : إذا نما وزاد .وقــد تطلق بمعنى الطهارة ومنه قــوله تعالى :  قد أفلح من تزكى  وقوله :  قد أفلح من زكاها  بمعنى تطـهــر وطهــر نفـــــسه من الأدناس، وتطلــق أيضا على المــدح والصــلاح ومنه قوله تعالى :  فلا تزقوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى  (1).
الزكاة في الشرع هي: إخراج جزء من طعام البلد مخصوص في وقت مخصوص لطائفة مخصوصة على وجه مخصوص .(2)
الزكاة قسمان : زكاة أموال ، وزكاة أبدان وهي زكاة الفطر (3 ) ، وكلامي في هذ الرسالة المباركة إن شاء الله على القسم الثاني زكاة الفطر .
متى شرعت ؟
شرعت زكاة الفطر في شعبان من السنة الثانية للهجرة ، فرضها رسول الله وأمر مناديا ينادي بها في فجاج مكة . روى الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديا في فجاج مكة >> ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم …<< (4) .
----------------------------




1 - الفقه الإسلامي وأدلته ( ج1 / 729 - 730 ) . 2 - هذا التعريف للمالكية والحنابلة بتصرف قليل . شرح متن الرسالة لأحمد البرنسي المعروف بزروق ، وكذلك شرحها لقاسم بن عيسى التنوخي ( ج 1/ 316 - 317 ). 3 - القوانين الفقهية لابن جُزي ( ص84 ). 4 - حديث حسن ، عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لأبي بكر بن العربي المالكي ( ج3 / 181 )


سبب تسميتها بذلك : سميت بذلك لأضافتها إلى الفطر من رمضان ، وقال بن قتيبة المراد بزكاة الفطر زكاة النفوس مأخوذ من الفطرة التي هي أصل الخلقة ، والأول أظهر .ويؤيده الحديث : فرض رسول الله زكاة الفطر من رمضان ..<<(1 ) ويقال لها أيضا : صدقة الفطر ، وزكاة رمضان ، وزكاة الصوم ، وصدقة الرؤوس وزكاة الأبدان .(2)
حكمتهــا:
أما حكمتها فظاهر جدا ففيها إحسان إلى الفقراء والمساكين وكفٌ لهم عن السؤال في أيام العيد ليشاركوا الأغنياء في فرحتهم وسرورهم ، ويكون عيدا للجميع وفيها الإتصاف بخلق الكرم ، وحب المواساة وفيها تطهير الصائم مما يحصل في صيامه من نقص ولغو وإثم ، وفيها إظهار شكر نعمة الله بإتمام صيام شهر رمضان وقيامه ، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحـة فيه (3) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:>> فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين..<< (4).
حكمها :
وأما حكمها فإنها فريضة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين ، وما فرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر به فله حكم ما فرضه الله تعالى أو أمر به . دليل ذلك قوله تعالى :  ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا  النساء / 80 .
----------------------------




1- رواه الموطأ عن ابن عمر والبخاري عنه في باب فرض صدقة الفطر. 2 - شرح الزرقاني على الموطأ (ج2/146). 3 – مجالس رمضان للشيخ صالح بن عثيمين (137 ) . 4 - صحيح سنن أبي داود ( ج1/ 303 ، حديث 1420) صحيح ابن ماجة ( ج1 / 306 ، حديث 1480 ) إرواء الغليل للألباني (ح 843 ) وهو حديث حسن .
وقوله تعالى :  ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا  وقال سبحانه :  وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم فانتهوا  .
وقد اختلفت الروايات عن مالك ، والراجــح من المذهب أنها واجبة ( 1).قال القرافي:(2)هي واجبة عند مالك والأئمة، وحكى أبو طاهر قولا بأنها سنة ، والراحج أن ظاهر الفرض الوجوب ،فالعدول عنه لغير دليل تحكم .وقال الزرقاني : (3 ) عبر مالك في موطأه في ترجمة من تجب عليه زكاة الفطر إشارة إلى حمل الفرض في الحديث على الوجوب ،وقد حكى الإجماع ابن المنذر على ذلك ، وكذا ابن عبد البر مضعفا قول من قال بالسنية يعني فلا يقدح في الإجماع ،ثم الكافة على أن وجوبها لم ينسخ خلافا لأبراهيم بن علية وأبي بكر بن كيسان الأصم ،قولهما أنه نسخ لما رواه النسائي وغيره عن قيس بن سعد بن عبادة قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل ان تنزل الزكاة فلما نزلت لم يأمرنا ولم ينهانا ، ونحن نفعله .(4 ) وتعقب بأن في إسناده راويا مجهولا ، وعلى تقدير الصحة فلا دليل على النسخ لاحتمال الإكتفاء بالأمر الأول ، لأن نزول فرض لا يوجب سقوط فرض آخر .
على من تجـب :
زكاة الفطر فريضة تجب على الكبير والصغير ، والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : >> فرض رسول الله زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير
----------------------------




1 - حاشية ابن عرفة الدسوقي على مختصر خليل ( ج 1 / 504 ) المنتقى للباجي ( ج1 / 185 ). 2 – في كتابه الذخيرة (ج3/154). 3- شرح الموطأ للزرقاني (ج2/ 146 ). 4 – والحديث أخرجه النسائي في الزكاة باب فرض صدقة الفطر قبل نزول الزكاة . وفي سنده عمرو بن شرحبيل بن سعيد الأنصاري الخزرجي المدني ، لم يوثقه إلا ابن حبان وباقي رجاله ثقات .
على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين >> (1 ) .فلفظة المسلمين أخجرت الكفار .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها على العبد الكافر لما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :>> ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر << والحق أن هذا الحديث عام ، وحديث ابن عمر المتقدم خاص ، والخاص يقضي على العام كما هو مقرر في الأصول .وأحسن منه أن يقال : أن هذا خطاب للسادة ، فليس عليكم صدقة في عبيدكم إلا صدقة الفطر ، فأنها تجب عليكم ، لا عليهم ، بشرط أن يكونوا من المسلمين كما بينه حديث ابن عمر الانف الذكر .
وذهب آخرون إلى أنها لا تجب إلا على الصائم لحديث ابن عباس المتقدم .وفيه >> .. طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين <<. قال الإمام الخطابي : (2 ) وهي – أي زكاة الفطر – واجبة على كل صائم غني ذي جدة أو فقير يجدها عن قوته إذا كان وجوبها لعلة التطهير وكل الصائمين محتاجون إليها فإذا اشتركوا في العلة اشتركوا في الوجوب .
فأجاب عنه الحافظ ابن حجر بقوله : ( 3 ) إن ذكر التطهير خرج مخرج الغالب مع انها تجب عمن لا يذنب ، كمتحقق الصلاح أو أسلم قبل غروب الشمس بلحظة .
ولا تجب عن الحمل الذي في البطن إلا أن يتطوع بها فلا بأس فقد كان أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه يخرجها عن الحمل ، فإذا ولد قبل غروب الشمس ليلة العيد الذي ظهر فيها الهلال فإنها تجب عليه ، أما بعد غروب الشمس فلا تجب ، وتستحب .وقد أوجبها آخرون ولم نقف لهم على دليل .
----------------------------



1 - رواه البخاري ( 3 / 291 ) ومسلم ( ح 984 ) بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي . 2 - معالم السنن (ج3/ 214 ). 3 -الفتح (3 / 369 ).
إلا إذا كان الجنين يسمى قبل ولا دته صغيرا ، أما بعد الولادة فيمكن أن يسمى كذلك وحينئذ يتجه الوجوب عليه .
عمن يؤديها :
ويجب إخراجها عن نفسه وكذلك من تلزمه نفقته من زوجة أو قريب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم ، فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها عن أنفسهم لأنهم المخاطبون بها أصلا ولاتجب إلا على من وجدها فاضلة زائدة عما يحتاجه من نفقة يوم العيد وليلته ، فإن لم يجد إلا أقل من صاع أخرجه لقوله تعالى :  فاتقوا الله ماستطعتم  التغابن :16 . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم :<< إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ماستطعتم >> (1 ) .
ويخرجها المسلم عن نفسه وكل من يمونه من صغير وكبير وذكر وأنثى وحر وعبد لحديث ابن عمر رضي الله عنهما :>> أمر رسول الله بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون << (2 ) .
أصناف زكاة الفطر التي يجب إخراجها :
يرى جمهور الععلماء قديما وحديثا أن زكاة الفطر تخرج من الحبوب والثمار ،وهي صاع .ولم يخالف قي ذلك إلا بعض الأحناف حيث جوزا إخراج قيمتها ، أما غيرهم من لدن الصحابة إلى اليوم ، فلم يجوز أحد منهم إخراج قيمتها ، وسنناقش هذه المسألة بشئ من التفصيل إن شاء الله ، مع بيان الراحج بدليله .
----------------------------


1 – متفق عليه . 2 – رواه الدراقطني (220) بنحوه ، والبيهقي في السنن الكبرى (ج4/ 161 ) عن ابن عمر وغيره ، وله طرق يرتقي بها إلى درجة الحسن كما قال الشيخ الألباني رحمه الله في الإرواء (ج3/ 319 ).

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب .(1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :>> صدقة الفطر صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من سلت .(2 ).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤدي زكاة رمضان صاعا من طعام عن الصغير والكبير والحر والمملوك من أدى سلتا قبل منه ،وأحسبه قال: من أدى دقيقا قبل منه ، ومن أدى سويقا قبل منه .(3)
وعنه أيضا قال : صدقة رمضان صاع من طعام من جاء ببر قبل منه ، ومن جاء بشعير قبل منه ، ومن جاء بتمر قبل منه ، ومن جاء بسلت قبل منه ، ومن جاء بزبيب قبل منه وأحسبه قال : ومن جاء بسويق قبل منه .(4 ).
وعن ثعلبة بن صعير : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: >> أدوا صاعا من بر أو قمح بين اثنين أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير عن كل حر وعبد وصغير وكبير .(5 ).
----------------------------





1 – رواه الجماعة . 2 – أخرجه ابن خزيمة (ج4/80)والحاكم (ج1/ 408 ،410 )وإسناده صحيح.والبخاري دون ذكر السلت (الفتح (3/435)ولكن بهذه الزيادة :> فجعل الناس عدله مدين من حنطة <. 3 – رواه ابن خزيمة (ج4 / 88 )ومحمد بن سيرين وإن لم يكن قد سمع من ابن عباس إلا أن ابن المديني ذكر في كتاب العلل أن سماعه بواسطة عكرمة .وقد بوب ابن حزيمة عليه .باب إخراج جميع الأطعمة في صدقة الفطر . 4 – المرجع السابق . 5 – رواه أحمد (ج5/ 432 ) وله شاهد من حديث جابر كما عند الدارقطني (ج2/151 ) فالحديث صحيح .
فهذه ثمانية أنواع ذكرت في السنة على فرض تفسير لفظ الطعام بها أما إن فسر بالحنطة فهي تسعة أصناف وهي :




الجهة المستقة لزكاة الفطر :
الجهة المستقة لزكاة الفطر هم الفقراء والمساكين فقط ولا تدفع لغيرهم .لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: >> فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطعمة للمساكين << (3 ).والمسكين هو الذي لا يجد قوت يومه : كما قال تعالى :  أو مسكينا ذا متربة . قال القرطبي : ( 4 ) أي لاشيء له ، حتى كأنه لصق بالتراب من الفقر.
----------------------------




1 1- الطعام . وهي لفظة عامة ولا تخصص بما ورد من أنواع الأطعمة إذ إن القاعدة الأصولية تقول :ذكر بعض ألفاظ العموم من لفظ العموم لا تخصص .ومعنى هذا أن ما جاء بعده تفسيرا للطعام ، ولكن ذكر ابن حجر : (1) أن هذا يقتضي المغايرة بين الطعام وبين ماذكره بعده ، وفسر الطعام بالحنطة نقلا عن الخطابي وكذلك نقله عنه الزرقاني في شرح الموطأ (2). 2 – الشعير . 3 – التمر . 4 – الأقط .وهو اللبن المجفف. 5 – الزبيب . 6 – السلت . وهو نوع من الشعير لا قشر له . 7 – الدقيق . 8 – السويق . 9 – البر . 1 - أنظر الفتح (ج3 / 436 ). 2 – أنظر شرح الزرقاني على الموطأ (ج2/149). 3- رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم والبيهقي والدارقطني وقال: ليس فيهم مجروح ، يعني في رجال إسناده قلت : فيه عنعنة الحسن ولكن يشهد حديث ابن عمر. 4 – أحكام القرآن للقرطبي (ج20/70).
وقت إخراج زكاة الفطر :
تخرج زكاة الفطر قبل الخروج إلى صلاة العيد لحديث ابن عمر :>> أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج زكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة << ( 1) ولا يجوز تعمد تأخيرها إلى ما بعد الصلاة ، فمن اخرها لم تكن زكاة فطر ، بل صدقة من الصدقات لحديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه : >> .. من أداها قبل الصلاة – يعني صلاة العيد- فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات << (2 ).
والخلاصة :
أن زكاة الفطر لها ثلاثة أوقات : وقت جواز وهو: قبل يوم العيد بيوم أو يومين ، وقد ورد دليل ذلك في البخاري عن ابن عمر وفيه :>> .. وكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك بيوم أو يومين <<(3) ووقت أفضلية وهو : من غروب الشمس في آخر يوم من رمضان إلى خروج الناس لصلاة العيد كما مر معنا في الحديث آنفا . ووقت قضاء وهو: بعد صلاة العيد ، ولا تسقط من ذمة الملكف ما دام قادرا على أدائها ويأثم بتأخيرها . ومن أهل العلم من قال : لا قضاء عليه ، لأنه لم تقبل منه ، أخذا بمفهوم حديث ابن عباس :>>.. ومن أداها قبل الصلاة كانت زكاة مقبولة ..<< ومفومه ، أن من أداها بعد الصلاة فهي زكاة غير مقبولة ، وتتحول إلى الصدقة من الصدقات ، فلا تطهر الصائم من اللغو والرفث ، وإنما كانت صدقة لأنها تكون طعمة للمساكين .
----------------------------



1 -رواه البخاري ومسلم وزاد ابن خزيمة وأبو داود : >> وأن ابن عمر كان يؤديها قبل العيد بيوم أو يومين <<. 2 -رواه أبو داود ( ح1609) وابن ماجه (ح1827). 3 -البخاري (ح 1503 )ومسلم (986 )وأبو داود ( 1610).

وقد وافق المالكية جمهور العلماء ، ولم يخالف منهم أحد إلا ما نسمع في عصرنا ممن يفتون لأرضاء طائفة من الناس،زاعمين أنهم ينتسبون إلى مذهب مالك،وهم مخالفون له في ذلك وغيره،كثير وإنمايأخذون ما يوافق أهواءهم ، ولبيان الحق أنقل لهم ماعليه المذهب بدقة من الكتب المعتمدة في المذهب.

قال مالك :حدثني نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله  فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من شعير على كل حر ، أو عبد ، ذكر ، أو أنثى من المسلمين .(1 ).
وعن مالك عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي السرح العامري أنه سمع أبا سعيد الخدري ( صاحب رسول الله )* يقول : كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من ثمر ، أو صاعا من أقط ، أو صاعا من زبيب وذلك بصاع النبي .( 2 ).
المدونة الكبرى :للإمام مالك :
قال ابن القاسم : وسألت مالك :ماالذي يؤدي من صدقة الفطر ؟ فقال : القمح ، والشعير ، والسلت(3 ) ، والذرة ، والأرز ، والدخن(4) ، والتمر ، والزبيب ، والإقط (5 ).
----------------------------

* - مابين قوسين مني ليعرف الذين يجهلون صحابة رسول الله .




1 – موطأ مالك : 1 - موطأ مالك (ج1/210 ). 2 – نفس المصدر . 3 –السلت : نوع من الشعير. 4 - الدخن : نوع من الدقيق . 5 – الأقط : نوع من اللبن المجفف.

قال ابن القاسم : وقال مالك لاأرى لأهل بلدة أن يدفعوا إلا البر لأن ذلك جل عيشهم إلا أن يغلو سعرهم قيكون عيشهم الشعير فلا أرى به بأسا ، وقال مالك : وأما ما ندفع نحن بالمدينة فالتمر .(1 ) وقد استدل مالك لقوله: أما نحن بالمدينة فندفع التمر بفعل ابن عمر الذي رواه في الوطا قال : عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لايخرج في زكاة الفطر إلا التمر إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيرا .(2 ) قلت : لأن المدينة مشهورة بالتمر .
إخراج القطنية والدقيق والتين والعروض في زكاة الفطر :
ويقصد بالقطنية : اللوبية ، والعدس ، والحمص ، وغيرهم من الحبوب ، ويقصد بالدقيق : الفرينة والسميد ، والعروض : عروض التجارة من أواني وماعون ، وملابس .إلخ .
قال ابن القاسم : قلت لمالك : أرأيت من كانت له أنواع القطنية أيجزيه أن يخرج من ذلك زكاة الفطر ؟ قال مالك : لا . قلت : فإن كان في الذي دفع من هذه القطنية إلى المساكين قيمة صاع من حنطة أو قيمة صاع من شعير أو قيمة صاع من تمر .فقال مالك : لايجزيه . ومعنى ذلك ، أن من كانت عنده اللوبيا أو العدس أو الحمص …إلخ وكانت قيمتها وقدرها يساوي صاع من الأمور التي حددها رسول الله من حنطة وشعير …إلخ فعند مالك لايجوز أن يخرج المسلم زكاة الفطر منها .
قيل لمالك : فالدقيق والسويق . قال لايجزئه . قيل له : والتين : قال أكرهه، يعني أكره إخراجه / قال ابن القسم : وأنا لاأجيزه .
قال ابن القاسم : إذا عرفنا أن القطنية مثل اللوبيا وغيرها لايجزئ ، أقول : إلا إذا كان ذلك عيش قوم فلا بأس لأن يؤدوا من ذلك ويجزئهم .
----------------------------


قال مالك : ولا يجزئ أن يجعل الرجل مكان زكاة الفطر عرضا من العروض .قال: وليس كذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم .(1 ).
المنتقى شرح الموطأ للباجي :
قال الباجي :فصل : وقوله صاعا من شعير أو صاعا من تمر ذكر لما يجوزإخراجه في صدقة الفطر ، وقال أيضا في فصل آخر بعد أن بين اختلاف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم :<< صاعا من طعام >> قال : إذا ثبت ذلك فإن زكاة الفطر تخرج من القوت ، وقد اختلفت الرواية عن مالك فيما يجزئ إخراجها عنه ، فقال مالك في المختصر يؤديها من كل ما تجب فيه الزكاة .( بمعنى من الحبوب والثمار)(2) إذا كان ذلك من قوته .وروى عنه ابن القاسم في كتاب المواز تؤدى من تسعة أشياء : القمح ، والشعير والسلت والأرز والدخن والذرة والزبيب والإقط والتمر .( 3 )(4 ).
----------------------------ـ




1 – المدونة الكبرى ( ج1 / ص 357 ). 2 – موطأ مالك ( ج1 / 210 ). 1- المدونة الكبرى (ج1/357 - 358 ). 2 -ما بين القوسين شرح مني وهو المقصود لأنه لايجيز إخراج الدراهم ، ويبنه الكلام الذي بعده وهو قوله :إذا كان ذلك من قوت يومه . 3 – المنتقى شرح الموطأ للباجي (ج2/186 – 187 ). 4 - ولمزيد بيان وتأكدأنظر هذه الكتب . الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبد البر(ص112 )وعارضة الأحوذي شرح جامع الترمذي لابن العربي المالكي (ج3/189 )و شرح متن رسالة ابن أبي زيد القيرواني لأحمد البرنسي المعروف بزروق (ج1/ 342 ) .ومعه شرح لمتن الرسالة لقاسم بن عيسى التنوخي (ج1/342 ). وكتاب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبي عبد الله المغربي المعروف بالحطاب ، وبهامشه التاج والكليل لمختصر خليل (ج2 / 368 - 371 ). وحاشية ابن عرفة الدسوقي على الشرح الكبير للدردير (ج1 /505- 506 ).و القوانين الفقهية لاقبن جزي (ص94 ). والفقه على المذاهب الأربعة لعبد الرحمن الجزيري (ج1/629 ). والفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (ج2/ 910 ).

وقد اقتصرت على هذه الكتب خشية الطول ، ولأنها معتمدة في المذهب ، وإلا فالكتب التي ذكرت المسألة كثيرة ومتوفرة ولله الحمد والمنة .
إخراج القيمة أو الدراهم.
يرى جمهور العلماء غير الأحناف من عصر الصحابة إلى اليوم أنه لايجزئ ولا يجوز إخراج القيمة عن الأصناف التي تخرج عن زكاة الفطر ، فمن أعطى القيمة لم تجزؤه لقول ابن عمر: >> فرض رسول الله  صدقة الفطر صاعا من تمر، وصاعا من شعير …<< (1) فإذا عدل عن ذلك فقد ترك المفروض.(2 ) .
وقال حافظ المغرب العربي أبو عمر بن عبد البر رحمه : ولايجزئ فيها ولا في غيرها من الزكاة إخراج القيمة عند أهل المدينة وهو الصحيح عن مالك وأكثر أصحابه .(3 ).
مناقشة من أجاز إخراجها دراهم .
يرى الأحناف ومن أخذ بفتواهم في هذا العصر أنه يجوز إخراج القيمة دراهم أو دنانير أو فلوسا أو عروضا أو ماشاء .قالوا لأن الواجب هو إغناء الفقير ، لقوله  :>> أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم<< والإغناء يحصل بالقيمة .(4 )
ونقول لهم : أولا وقبل كل شيء: هذا حديث لايصح وعلى فرض صحة ثبوته نقول : إن صاحب الشريعة الذي قال ذلك هو الذي بين النوع والمقدار الذي يحصل به الإغناء مع قدرته على إخراج الدارهم والدنانير ، والداع والمقتضى قائم لأخراجها ، ولم يفعل .
----------------------------




1 – رواه الجماعة 2 – الفقه الإسلامي وأدلته(ج2 / 911 ) المدونة الكبرى (ج1 /358 ). 3 –الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبد البر (ص112 ) 4 – ضعيف ،انظر الإرواء ففيه بحث حديثي ممتع .
ثانيا : لايجزئ إخراج قيمة الطعام المعين لأن ذلك خلاف ما أمر به رسول الله ، وقد ثبت عنه أنه قال : >> من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد >> وفي رواية :<< من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد >> (1 ). ومعنى رد أي مردود على صاحبه .وقد علمتم أن حديث الإغناء لا يصح.
ثالثا: ولأن إخراج القيمة مخالف لعمل الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون رضى الله عنهم ، حيث كانوا يخرجونها صاعا من طعام ، عن أبي سعيد الخدري قال : << أما نحن ما زلنا نخرجها صاعا من طعام … << (2 ) الحديث ، وعدد فيه ما كانوا يخرجونه ، وقد قال : >> عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي … << (3 ).
رابعا : ولأن زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنس معين مثل الزكاة الأخرى مفروضة من أجناس معينة ، الذهب يخرج ذهب ، والفضة تخرج فضة ، والإبل تخرج إبل وهلم جرى … فلا يجزئ إخراجها من غير الجنس المعين ، ولايجوز إخراج جنس مكان جنس آخر ، كما لايجوز أيضا إخراجها في غير الوقت المعين ، فكذلك زكاة الفطر عينها النبي صلى الله عليه وسلم من اجناس مختلفة وأسعارها مختلفة فلو كانت القيمة معتبرة لكان الواجب صاعا من جنس واحد يكفي ، وما يقابل قيمته من الأجناس الأخرى ، فيكون نوع أكثر من صاع ، ويكون آخر أقل من صاع .
وبالمثال يتضح المقال : القيمة المحددة 45 دينار* فلو جئنا لنشتري بها صاعا من ثمر ، فإنها لا تشتري لنا إلا نصف صاع من النوع الرديء، وإن جئنا نشتري بها أي نوع من الأنواع المحددة في المذهب فإننا
----------------------------



*- هذه القيمة كانت مقدرة في سنة 1996 م واليوم فقد رفعوها إلى حوالي 70 دينار .
1 - الرواية الأولى لمسلم ، والثانية متفق عليها . 2 - البخاري ومسلم . 3 – أصحاب السنن الأربعة .
لانستطيع أن نشتري بها صاعا حتى على أرخص نوع وهو القمح أو الشعير ، فعلى أي الأنواع نحدد القيمة على الأعلى أم على الأرخص ، وقيمة الأنواع تترواح مابين (35 و250 دينار للكيلوغرام ) وهو لايعادل الصاع في نوع من الأنواع .والصاع عند المالكية : كلوين ونصف الكيلو تقريبا.
خامسا : وجعلها النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من أجناس مختلفة ، وهو يعلم تماما أن أقيامها وأسعارها مختلفة حتى يتيسر على عموم الأمة ، وتكون في متناول الجميع ، فمن الأفضل أن يجود المؤمن بالجيد ، ومن لم يجد نوعا وجد آخر ولو كان أقل سعرا وذلك ما في مقدوره .وقد يفقتد الناس بعض الأنواع في بعض الأزمان فيجدون أنواعا أخرى .
سادسا: ولأن إخراج القيمة يخرج الفطرة عن كونها شعيرة ظاهرة إلى كونها صدقة ، ربما تكون خفية ، فإن إخراجها صاعا من طعام يجعلها ظاهرة بين المسلمين يشاهدون كيلها وتوزيعها ، بخلاف ما لو كانت دراهم يخرجها الإنسان خفية بينه وبين الآخذ .
سابعا: ولقائل أن يقول : ألم يقل النبي  : >> أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم << والإغناء يحصل بالدراهم وربما أفضل . والجواب من وجوه .


وقد كان النبي  يجمع صدقة الفطر ويوزعها على المستحقين ، كما في حديث أبي هريرة : >>> استعملني رسول الله على صدقة رمضان … << (1 ) .

قال ابن القاسم : وقلت لمالك : وإخراج القطنية وقيمتها مما يساوي صاعا من الأجناس المعينة فقال مالك : ليس هذا مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم (2).
أما الدراهم فنقول: لمن يبخل بها ويتحايل على أنه أخرج صدقة دراهم، هذه الصدقة واجبة وهي حق للفقير أوجبه الله في مالك ،وجعله طعاما حتى لا يشق عليك إخراجه، فإن أردت أن تتصدق وتنفق في سبيل الله فمن مالك الذي تطيب به نفسك ،فإذا شعرت بالرفق والرحمة وحز في نفسك بؤس وفقر المحتاجين فعليك أن تتطوع من مالك الذي آتاك الله ،وخاصة في هذا الزمان الذي نرى فيه كثيرا من الناس يبحث عما يأكل لا عما يلبس ، واللباس متوفر ، اما القوت فقد غلت المعيشة ، والكثير من الناس لا يجد حت الخبز .
والخلاصة : أنه لايجوز إخراج القيمة مكان الأجناس المعينة لزكاة الفطر ، وخاصة وأن القيمة المقررة هي : 45 دينار ، وهذه القيمة ناقصة عن جميع أقيام الأنواع المفروضة. ، وهذا فيه بخس لحق المسكين ،إلا عند فقدان القوت ، وحصول الضرورة .
الحكمة من إخراجها طعاما : لما كان الصيام الإمساك عن المفطرات ، واعظمها الطعام والشراب ، كانت الحكمة إخراجها طعاما من جنس الممسك عنه .فهي كسجود السهو الذي هو من جنس الصلاة
----------------------------


حتى يجبر النقص والزيادة والسهو الذي حصل من المصلي، فكذلك زكاة الفطر جعلت من جنس الممسك عنه حتى يجبر بها الخلل الذي حصل من الصائم ، سواء من اللغو والرفث أو من الأكل والشرب ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :>> .. طهرة للصائم من اللغو والرفث ..<< .
المقدار المطلوب إخراجه بالغرام :
وأما المقدار الواجب إخراجه فهو صاع أهل المدينة وهو أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي يبلغ وزنه بالمثاقيل أربعمائة وثمانين مثقالا من البر الجيد (480 ) وبالغرامات . مابين كيلوين اثنين وخمسي عشر كيلوا من البر الجيد ( 2040 غرام ) إلى (2751 غرام) أما عند الأحناف فهو 3800 غرام للواحد يخرجها عن نفسه .
عوامل إباطل أجر الصدقة سواء الزكاة أو غيرها :





مندوبات صدقة الفطر :
من أهم مندوباتها تحري الفقراء والمساكين الذين لا يسألون الناس إلحافا ، ويحسبهم الناس أغنياء من التعفف ، وفي الحقيقة هم فقراء .
ومنها : إخراجها من قوته الأحسن والجيد ،لقوله تعالى :  ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه  البقرة :
ومنها الدعاء للمزكي : قال الأئمة الأربعة وغيرهم : من السنة أن يدعو آخذ الزكاة لصاحب المال .
وقال داود الظاهري وبعض الشافعية : يجب على الآخذ الدعاء للمعطي . واستدلوا بظاهر الآية :  وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم  .ورد الجمهور عليهم بأن ذلك مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كان يدعو لمن يدفع الزكاة .
بقي أن نعرف حكم إخراج زكاة الفطر من البلد إلى بلد آخر ، أو من قرية إلى أخرى ، وكذلك حكم إعطائها إلى مسكين أو توزيعها على مساكين ، وحكم من مات يوم العيد أو ليلته ، وحكم من كان مسافرا بعيدا عن أهله ، وأخيرا حكم إعطائها إلى تارك الصلاة .
فنقول وبالله التوفيق :س1 - ما حكم إخراجها من البلد إلى بلد آخر ؟
ج1 : أما إخراجها من البلد إلى بلد أخر ، أو قرية إلى أخرى ، فالأصل أن تخرج إلى فقراء ومساكين البلد الذي صام فيه إلا أن يعدموا ، أما إن أخرجها إلى بلد أو قرية أخرى فيها أقاربه وأرحامه ، يريد أن يحصل على أجرين بها ، أجر صلة الأرحام ، وأجر الصدقة ، فلا مانع من ذلك ، ولا يوجد دليل على المنع منه .
س 2 :- ما حكم توزيعها على مساكين ؟
ج 2 : أما بالنسبة إلى إعطائها إلى مسكين واحد فذلك الذي ينبغي ، بمعنى أن تجمع زكوات وتعطى إلى مسكين واحد ، أما أن تقسم زكاة فرد واحد على مساكين فهذا لا ينبغي لأنه لايحصل به الإغناء المطلوب .أما إذا كانت زكوات كثيرة ثم وزعت على مساكين حيث يحصل بها الإغناء لكل واحد عن المسألة في هذا اليوم فلا حرج في ذلك . والله أعلم .
س 3 :- حكم من مات يوم العيد أو ليلته ، هل تسقط في حقه زكاة الفطر ؟
ج :3 - أما من مات يوم العيد أو في ليلته ممن تلزمك نفقته ،لم يسقطها موته ، ومن مات حينئذ فأوصى بها تخرج من رأس ماله قبل قسمته، ولو لم يوص بها لم يجبر الورثة على إخراجها من المال الذي ترك، لأن المال أصبح مالهم.وأنما يندب لهم أن يخرجوها من الثلث الذي له الحق في التصدق به بعد موته .(1)
س 4 : - هل المسافر يخرجها هو أو اهله عنه ؟
ج 4 : - أما المسافر ، سواء لطلب العلم أو للتجارة أو لغير ذلك من الأسفار المباحة ، فعليه أن يؤديها حيث هو ، وإن أداها أهله عنه أجزأه ذلك .(2) والله أعلم .
س 5 : - ما حكم إعطائها إلى تارك الصلاة ؟
ج 5 : - أما إعطاؤها إلى تارك الصلاة فلا يجوز ، ولو كان من الأرحام ، إلا أن يكون يصلي ثم يطرأ عليه طاريء يترك معه الصلاة فقد أجازالنووي إعطائها له في هذه الصورة .(3) .
----------------------------



1 – أن الحديث لايثبت . 2 – أن النبي  لم يثبت عنه ولو مرة أنه أخرجها دراهم مع علمه التام بما يصلح الفقراء والمساكين ، والداع قائم لأخراج الدارهم ومع ذلك لم يفعل : ولافعل ذلك أصحابه ، وخير الهدى هدى محمد ، والخير كل الخير في اتباع من سلف ، والشر كل الشر في اتباع من خلف ، وقد كان بيت المال بيدهم ، وقد قل المال في عهده  ، والناس في حاجة إلى الدراهم ومع ذلك لم يفعل ، وكثر المال في عهد عمر وعثمان وعلى ، حتى لم يجد من يأخذه ومع ذلك ما ثبت عنهم أنهم أخرجوا زكاة الفطر دراهم ودنانير ، وقد كانوا يتعاملون بهما وهما من الذهب والفضة ، فذلك أحب إلى النفس من هذه المعادن ومع ذلك لم يخرجوها قيمة . 3 – وأيضا نقول : على فرض صحة حديث أغنوهم : فالمراد به : أغنوهم بالطعام عن الطعام بدليل فعله وأمره ، وفعل أصحابه . 1 - رواه البخاري ومسلم . 2 - المدونة الكبرى للإمام مالك (ج1 / 358 ). 1 – تصحيح النية : فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن النية فرض في أداء الزكاة ، وعليه من أخرج زكاته بغير نية الزكاة فلا تعتبر من الزكاة لأن النية شرط في صحة أداء الزكاة ، وخالف في ذلك الأوزاعي : فلم يعتبر النية شرطا في أدائها . وتكون النية مقارنة لأعطاء الزكاة ، وذلك بأن تنوي أن ما تعطيه الفقير هو من مالك الزكاة ، ويجوز أن توكل أحدا عنك يعطيها لمستحقيها . 2 – الرياء : ويكون بأن يعطي الصدقة لغير وجه الله ، ويكون قصده الإفتخار والشهرة ، ليعرف الناس أنه كريم سخي جواد . 3 – المن بالصدقة : فيفتخر بها على الذي أخذ الصدقة ، ويستعظم ما أعطاه ، وقد ذم الله تعالى هذا النوع من الناس ، كما ذم فعلهم هذا قال تعالى : (( ياأيها الذين آمنوا لا تبطوا صدقاتكم بالمن والأذى ..)) البقرة .264. 4 –الأذى : وهو إيذاء الفقير بجروح شعوره والانتقاص من كرامته قال تعالى : (( قول معروف خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم )) البقرة : 264 . 5 – المال الحرام : فلا ثواب في التصدق به والإنفاق منه ولو أنفقت ملء الأرض من الذهب المحرب ،قال تعالى :  والذي خبث لا يخرج إلا نكدا  وعليه نقول إحذر أيها المسلم أن تخرج زكاة الفطر من مال حرام . 1 - الذخيرة (ج3/ 158،159). 2 - الذخيرة (ج3/157). 3 -فتاوى الإمام النووي(ص63).
الخاتمة : أسأل الله حسنها :
أيها المسلم الحريص على العمل بكتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، قد عشت هذا الشهر المبارك حريصا على صيامك من الفساد ، وقيامك من الابتداع ، كما كنت حريصا على تحري ليلة القدر ، فاحرص على أداء زكاة الفطر كما كان نبيك وصحابته يخرجونها ، وبهذا وغيره من الطاعات المقيدة بما شرع الله وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم تكون حريصا على طاعة ربك وطاعة رسولك صلى الله عليه وسلم ، غير مقدم بين يدي الله ورسوله شيئا ، فالخير كل الخير في اتباع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم .
هذا وأسال الله التوفيق والسداد لما يحبه ويرضاه ، وأسأله أن يفقهنا في ديننا ، ويجعل عملنا خالصا لوجهه ، وأن يدخره لنا يوم لاينفع مال ولا بنون آمين .


وكتب : أبو بكر يوسف لعويسي .

جيجل وكان الفراغ منها في ليلة 29 من رمضان المعظم 1996 وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يتقبلنا في هذه الليلة وأن يعتق رقابنا من النار إن سميع مجيب ، والحمد لله أولا وآخرا .




المسائل التي تجدها في هذه الراسالة :
المقدمة 1 – 3
تعريف الزكاة لغة وشرعا 3 –
أقسام الزكاة 3 -
متى شرعت 3 -
سبب تسميتها بذلك 4 -
حكمتها 4 -
حكمها 4 – 5
على من تجب 5 – 7
عمن يخرجها 7 -
الأصناف التي تخرج منها زكاة الفطر 7 – 9
الذين يستحقونها 9 -
وقت إخراجها 10 -
الخلاصة 10 -
مذهب المالكية 11 -
موطأ مالك 11 -
المدونة الكبرى 11 – 13
المنتقى للباجي 13 -
الكافي في فقه أهل المدينة وكتب أخرى 13 -
إخراج القيمة 14 -
مناقشة من أجاز إخراجها نقدا ( أي دراهم ). 14 – 17
الحكمة من إخراجها طعاما . 17 – 18
المقدار المطلوب إخراجه بالكيلو غرام 18 -
عوامل إبطال الصدقة سواء الزكاة أوغيرها 18 -





مندوبات صدقة الفطر 19 -



بعض الأجوبة على بعض الأسئلة 19 -
س1 – ماحكم إخراجها من البلد إلى بلد آخر؟ 19 –
س2 – ما حكم توزيعها على مساكين ؟ 20 –
س3 – حكم من مات يوم العيد أو ليلته وهل تسقط عنه الزكاة ؟ 20 –
س4 – حكم المسافر ، وهل يخرجها هو أو أهله عنه ؟ 20 –
س 5 – حكم إعطائها لتارك الصلاة ؟ 20 –
الخاتمة 21 -
المسائل التي تجدها في هذه الرسالة 22 -
الكتب المعتمدة : 23 -
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
الدخيرة للقرافي
شرح الرسالة للزروق
شرح الموطأ للزقاني
صفة صوم النبي لسليم الهلالي ، وعلي حسن عبد الحميد
فتح الباري لابن حجر
فتاوى الإمام النووي
الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي
القوانين الفقهية لابن جزي
الكافي في فقه أهل المدينة
مجالس شهر رمضان للعتيمين
موطا مالك
مواهب الجليل للحطاب
المدونة الكبرى لابن القاسم
المنتقى للباجي . 1 - النية 18 - 2 – الرياء 18 - 3 – المن بالصدقة 18 - 4 – الأذى للآخذ 18 - 5 – المال الحرام 19 - 1 – الحرص على تحري الفقير والمسكين 19 - 2 – الحرص على إخراجها من القوت الجيد 19 - 3 – الدعاء للمزكي 19 -

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
01-Feb-2013, 10:16 PM
للرفع رفع الله قدركم

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
27-Mar-2024, 12:19 AM
يرفع للفائدة