المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وجعل الذلة والصغار على من خالف السنة والآثار الشيخ أبوبكر يوسف لعويسي



أبو الوليد خالد الصبحي
22-Jan-2011, 04:53 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه والصلاة والسلام على الرحمة المهداة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد:
لقد جاء في تسوية الصفوف الأجر العظيم والفضائل الجمة التي جعلها الله للذين يتراصون في الصفوف ويسدون الخلل ويتزاحمون فيها بإلصاق الأقدام والركب والأكتاف ، وجاء الوعيد الشديد على ترك تلك السنن فإن لم يفعلوا بها حصل لهم ذلك الوعيد ، ويظن الكثير من الحزبيين أن التراص في الصفوف أمر هين ، والمهم أنك تصلي وعلى أي مذهب شئت أو بدعة كنت ، أو كانت بينك وبين من جنبك في الصف أميالا فلا يهم ذلك المهم أن تتآلف القلوب ، وهذا من أعجب العجب ، كيف تتآلف القلوب وهي قد تركت أسباب الألفة ، فالرسول يجعل عدم التراص والتزاحم واستواء الصفوف سببا لاختلاف القلوب ،والوجوه ، ونفورها ، وهم يغضون الطرف عن المخالفين لهذه الأسباب النافرين منها، ويريدون أن تتآلف القلوب ، وتتحد الأمة ، وهذا تناقض ، وجهل وخلل في فهم الألفة ووحدة الصف ..
ولو جئت اليوم لتلصق قدمك بأحدهم لنفر منك وغضب كما ينفر البغل الشموس، ولأن أكثر الناس اليوم يضم قدميه في الصلاة ويقرب بينها، بحيث يترك خللا كبيرا في الصف يستع لرجل آخر ، وإذا أراد أحد أن يدخل بينه وبين المصلي الآخر لا يلين له المنكب حتى يستوي الصف ويتراس ، لأن القلوب مريضة مختلفة، مليئة بالكره والحسد لبعضها البعض قد دب إليها داء الأمم ، إلا من رحم ربك وقليل ما هم ..
ومن أعظم الأسباب في ذلك هو الجهل بالسنة ومخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم كما قال :<< وجعل الذلة والصعار على من خالف أمري ..>> علقه البخاري في صحيحه . مما جعلهم يتركون فرجا وخللا كبيرا للشياطين ترتع بينهم وتوسوس بالنفور لبعضهم البعض ،وتفعل فعلتها؛ مما مكنها أن تفرق بين المصلين كما فرقت بين قلوبهم بالوسوسة فملأتها بغضا وحسدا وكرها لبعضها البعض .
وفي سنن أبي داود [ح667] عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله قال:<< رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق ، فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف .ورواه النسائي [ح813] غير أنه قال : الشياطين بالجمع ، وفي الحديث إنما ذكر فيه أنها الحذف والحذف بحاء مهملة وبعدها ذال معجمة مفتوحتين هي أولاد الضأن الصغار، قاله المنذري في الترغيب والترهيب بعد ذكره للحديث برقم[ 702] وفي القاموس المحيط فسرها بقوله :هي غنم سود صغار حجازية أو جُرشية والحديث في صحيح بن خزيمة [ح1544] قال في آخره : وقال مسلم : الحذف النقد الصغار والنقذ الصغار أولاد الغنم .وكذلك قال ابن حبان [ح2079] وفي مسند الإمام أحمد [ح13446] و[21888] من حديث أبي أمامة قال: صلى الله عليه وسلم :<< سدوا الخلل فإن الشيطان يدخل بينكم بمنزلة الحذف >>، يعني أولاد الضأن الصغار .ففي الحديث أن الشياطين ترتع بين المصلين كما ترتع أولاد الضأن الصغار ، مما يسبب نفور القلوب عن بعضها البعض ..
ومع أن الاعتدال يختلف من شخص لآخر حسب اختلاف أجسادهم ، فالطويل العريض ليس كاعتدال القصير النحيف الضعيف ، وهكذا ... تختلف أجسامهم ، ولو كانوا في الاعتدال سواء ما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالتراص وتسوية الصفوف وسد الفرج لأن في تراصهم وتقاربهم وتزاحمهم حصول الاعتدال ضرورة ، ويؤكد هذا المعنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم فعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول :<< استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم >>قال أبو مسعود : فأنتم اليوم أشد اختلافا .رواه مسلم [ح923].
وفي صحيح ابن حبان [ ح2079] قال فيه :<< .. رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأكتاف ..>> وذكر بقية حديث أنس رضي الله عنه فالأمر بتقارب الصفوف ، وحذو الأكتاف والأعناق وقوله : << .. سدوا الخلل ..>> وقوله :<< .. لا تتركوا فرجة للشيطان.. >> وقول النعمان بن بشير رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه،وركبته بركبة صاحبه ،وقول أنس : وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه . الفتح [ج2/247]. قلت :وهذا ما عليه عمل الصحابة مما يفيد بالضرورة الاعتدال والتماس والتزاحم بحيث لا يمر بينهم شيء ،وبهذا جاء حديث علي بن أبي طالب عند الطبراني في الأوسط [ح 706] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :<< استووا تستو قلوبكم وتماسوا تزاحموا >> قال شريح : تماسوا ، يعني تزاحموا في الصلاة . وقال غيره : تماسوا تواصلوا . أما بين أرجلهم فتختلف باختلاف طول الرجل منهم وعرضه ، وبدانته وضعفه ، إلا أنه لا ينبغي أن يكون الخلل أقل من الفرجة التي تمر منها الهرة وأكثر من الفتحة التي تمر منها الحذف وهي أولاد الغنم الصغار ، وعلى هذا يحمل أثر ابن عمر الذي ذكره وفيه : قال: لا تقارب ولا تباعد ولكن بين ذلك . جامع فقه ابن القيم [ج2/43].
تنبيه: لا ينبغي للواقف في الصف في الصلاة أن يفتح قدميه كثيرا بحيث يلصقهما بقدم من بجنبه ويترك الفرجة والخلل بين الأكتاف،فهذا مخالف لما كان عليه السلف الصالح،فلا بد من تماس المناكب والأقدام ،وأعدل وقفة أن يوازي الرجل بين منكبيه وقدميه وكأنه على شكل مستطيل ليحقق التماس من جميع الأطراف.
وليعلم أصحاب الأحزاب الذين كانوا سببا في تفرقة المسلمين أن المشكلة ليست في الشباب السلفي الحريص على تطبيق السنة ، وإنما المشكلة هي في صفوف عموم المسلمين اليوم في عامة المساجد في الصلاة المكتوبة ، فهي معوجة مختلفة ، بعيدة من بعضها البعض ، بينها خلل كبير وفرج يسرح فيها الشيطان ويرتع، فوصل من خلالها إلى قلوبهم ليملأها بغضا وحسدا لبعضهم البعض ، وهذه إشكالية كبيرة تغاض عنها الكثير من العلماء وطلبة العلم والأئمة ، وإلى الله المشتكى ..
قال الشيخ الألباني رحمه الله : إن تسوية الصفوف إنما تكون بلصق المنكب بالمكنب ، وحافة القدم بالقدم ،لأن هذا هو الذي فعله الصحابة –رضي الله عنهم –حين أمروا بإقامة الصفوف.
ومن المؤسف أن هذه السنة من التسوية ، قد تهاون بها المسلمون ، بل أضاعوها ، إلا القليل منهم، فإني لم أراها عند طائفة منهم إلا أهل الحديث ، فإني رأيتهم في مكة سنة 1368هـ حريصين على التمسك بها ، كغيرها من سنن المصطفى عليه الصلاة والسلام، بخلاف غيرهم من أتباع المذاهب الأربعة – لا استنثي منهم حتى الحنابلة – فقد صارت هذه السنة عندهم نسيا منسيا بل إنهم تتابعوا على هجرها ، والإعراض عنها ، ذلك لأن أكثر مذاهبهم نصت على أن السنة في القيام التفريج بين القدمين بمقدار أربع أصابع ، فإن زاد كره ، كما جاء مفصلا في الفقه على المذاهب الأربعة :[1/207]والتقدير المذكور لا أصل له في السنة ، وإنما هو مجرد رأي ، لو صح لوجب تقييده بالإمام والمنفرد ، حتى لا يعارض به هذه السنة الصحيحة ، كما تقتضيه القواعد الأصولية .
وخلاصة القول : إنني أهيب بالمسلمين – وخاصة أئمة المساجد – الحريصين على إتباعه صلى الله عليه وسلم ، واكتساب فضيلة إحياء سنته صلى الله عليه وسلم ، أن يعملوا بهذه السنة ، ويحرصوا عليها ، ويدعوا الناس إليها ، حتى يجتمعوا عليها جميعا ، وبذلك ينجون من تهديد :<< أو ليخالفن الله بين قلوبكم >>. السلسلة الصحيحة [1/40-41].
قلت: مالم يفعل المصلون ما فعله أنس ، والنعمان بن بشير - رضي الله عنهما – ويستجيبوا إلى أولئك الشباب الحريصين على تطبيق السنة ، ستبقى الفرج والخلل في الصفوف ، ولم يفعلوا وقعوا في المحظور الشرعي السابق :وهو المخالفة بين القلوب، هذا أولا.
وثانيا : ترك الخلل للشياطين ، وعدم وصل الصفوف يقطعهم الله سبحانه بذلك ، فتكون الفرقة ، والانقطاع بينهم ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:<< .. من وصل صفا وصله الله ، ومن قطع صفا قطعه الله >>رواه أبو داود وهو في صحيح الترغيب والترهيب [495].وهذا أمر في غاية الأهمية ..
ثالثا : إن لم يفعلوا تضاربت قلوبهم ، وكثر الخلاف بينهم ، وهذا أمر خطير ففي حديث النعمان بن بشير :<<.. ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب >> فائدة وهي أن فساد الظاهر يؤثر في فساد الباطن ، والعكس بالعكس، بمعنى تلازم الظاهر مع الباطن ، فكيف لا يفسد الظاهر والقلب فاسد بسبب تركه أعظم سبب من أسباب الألفة والمحبة التي تضم القلب إلى القلب وتفرح باستواء الصفوف كما تستوي الملائكة عند ربها فيكون ذلك قوة ، وأي قوة ترهب العدو من بعيد ، ومع أن في سنة التراص ، والتزاحم في الصف ، ما يجعل المصلي يلين لأخيه ، ويوحي للنفوس بالأخوة والتعاون ، فكتف الفقير ملتصقة بكتف الغني ، وقدم الضعيف لاصقة بقدم القوي وصاحب الجاه ، وكلها صف واحد ، في انسجام كالبنيان المرصوص المتماسك القوي .مع ذلك لا يتهم بها دعاة الوحدة بين أهل السنة ، بل يهتمون بوحدة الأديان – زعموا- والتقارب بين الشيعة والسنة ..
رابعا : فاتهم الثواب العظيم ، الوارد في كثير من الأحاديث.
منها:قوله صلى الله عليه وسلم :<<إن الله وملائكته يُصلون على الذين يَصِلون الصفوف >>وإسناده صحيح،أخرجه أحمد[ج4/269،285،304] وابن ماجه في السنن [997، 999] وابن حبان [ج3/297-298] وابن خزيمة في صحيحه [ح1550].
ومنها قوله : صلى الله عليه وسلم :<< من وصل صفا وصله الله >> .
ومنها : قوله صلى الله عليه وسلم :<< .. وخياركم ألينكم مناكب في الصلاة ، وما من خطوة أعظم أجرا من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف ، فسدها >> أخرجه الطبراني في الأوسط أنظر صحيح الترغيب والترهيب [495].فهذا أجر عظيم فوته جمهور المصلين على أنفسهم .
وفي هذه الأحاديث تنبيه لذلك الصنف من المصلين ، الذين يأنفون أن يصف بجانبهم أحد ، على الرغم من وجود الفرجة في الصف ، فطالما تشاهد مصلين – خصوصا كبار السن – يرجعون من الصف إلى الذي يليه ، إن جاء محب للسنة ، طامعا في ثواب الله ليسد فرجة ، فينفرون منه ، وربما خاصموه ثم انصروا إلى صف آخر يليه أو بعيد منه حتى أن بعضهم يصف لوحده ، وليتذكر هؤلاء قوله صلى الله عليه وسلم :<<خياركم ألينكم مناكب في الصلاة >>وقوله :<<لينوا بأيدي إخوانكم >> والذكرى تنفع المؤمنين، ولو ذكرته بهذا الفضل لم يتذكر بل ربما ازداد نفورا منك بقوله لك لقد جئتم بدين جديد ..
قال ابن الهمام رحمه الله بعد أن أورد الحديث السابق : وبهذا يعلم جهل من يستمسك عند دخول داخل بجنبه في الصف ، ويظن أن فسحه له رياء ، بسبب أنه يتحرك لأجله ، بل ذاك إعانة له على إدراك الفضيلة ، وإقامة لسد الفرجات المأمور بها في الصف .شرح فتح القدير [ج1/360].
وفيه أيضا من الفضل : المشي لسد فرجة ، وإن كان صاحبها في الصلاة ، فمن رأى من المأمومين فرجة ، فليتقدم لسدها ، إن كانت في الصف الذي أمامه ، فإن لم يتقدم أحد ، فليسدها من كانت الفرجة بجانبه ، عن طريق المشي إلى جهة اليسار ،أو اليمين حسب وقوفه من الإمام لقوله صلى الله عليه وسلم : << رصوا صفوفكم ، وقاربوا بينها ، وحاذوا بالأعناق ، فوالذي بيده نفسي، إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف >> مضى تخريجه .
ومنها:قوله صلى الله عليه وسلم:<<من سد فرجة رفعه الله بها درجة، وبنى له بيتا في الجنة >> أنظر له صحيح الترغيب والترهيب [505].
بقي أن أنبه على مسألة مهما وهي الخط أو الخيط الذي يوضع في المساجد، بحيث يرص المصلون صفوفهم إليها وعليها ، ويجعلون التراص بمقدمة القدم أي البنان ، ولا يتراصون بالأعقاب أي الحافر ، لن التراص بالأعقاب يجعل الكعب مع الكعب والركبة مع الركبة والكتف مع الكتف ، أما التراص بالبنان أي الأصابع فهذا لا يمكن التراص معه لأن مقاسات الأقدام تختلف ، كل ومقاسه حسب مقاسات الأحذية ، أما العواقب لا تختلف لأن المسافة من الكعب إلى العقب كلها مستوية عند الناس ، وهذه السنة مهجورة ، ولا تكد تراها عند المصلين اليوم حتى عند الحريصين على السنة . وفق الله الجميع إلى ما يحبه ويرضاه .
نسأل الله تعالى أن يفقنا للحرص على تطبيق هذه السنن والدعوة إليها، وان يجعلنا من أهلها إنه سميع مجيب .
كتبه : أبو بكر يوسف لعويسي

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
01-Feb-2013, 10:30 PM
للرفع