المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (مادة صوتية مفرغة)(التعليق على قول الإمام أحمد في تحريم الخروج على الأئمة)لفضيلة الشيخ عبد الله البخاري حفظه الله



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
09-Feb-2011, 02:10 PM
قارئ المتن:


بسم الله الرحمن الرحيم



والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.



أما بعــــد:



قال الإمام المبجل أحمد بن حنبل-رحمه الله تعالى ورضي عنه-: (ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كانوا الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان-بالرضا أو الغلبة-فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فإن مات الخارج عليه مات ميتةً جاهليةً، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق).

الشيخ عبد الله بن عبد الرحيم البخاري-حفظه الله-: نعم.



بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.



وبعـــــد:



يقول الإمام أحمد-رحمه الله-: (ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كانوا الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان-بالرضا أو الغلبة-فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-،.....)إلى آخر كلامه.

هذا المبحث وهذه الجمل الكلام عليها شرحًا من وجوه:

الوجه الأول: يقرر الإمام احمد-رحمه الله-في هذه الرسالة العظيمة هاهنا: أن من أصول أهل السنة والجماعة(تحريم الخروج على الولاة)تحريم الخروج على ولاة الأمر من المسلمين، الذين ثبتت ولايتهم ثبوتًا صحيحًا كما قال: (بالرضا أو الغلبة)، وقد مضى بيان الكلام عن هذا في الدرس الذي تقدم، وذكرنا الأوجه التي تصح فيها التولية.

والواو في قوله هاهنا: (ومن خرج)دالة على هذا، يريد كما قلنا الواو فيما مضى حرف عطف وما بعده معطوف على ما قبل، والمعنى: ومن أصول السنة عندنا(أن من خرج على إمام من أئمة المسلمين وكانوا قد اجتمعوا عليه...)إلى آخره، فهذا أصل من أصول أهل السنة.

وهذا الأصل أيها الإخوة: دلت عليه أدلة كثيرة، وهو المنقول عن السلف الصالح-رضي الله عنهم وأرضاهم-، كل هذا يقرر ما قرره الإمام أحمد هاهنا، فمن الأدلة على ذلك، ومن الأدلة على هذا الأصل:

قوله-صلى الله عليه وآله وسلم: (من كره من أميره شيئًا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرًا مات ميتة جاهلية)والحديث في الصحيحين من حديث ابن عباس-رضي الله عنهما-.

وجاء في لفظ قوله-صلى الله عليه وآله وسلم-: (من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات إلا مات ميتة جاهلية).

وجاء عند مسلم وغيره عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-: أن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-قال: (من خلع يدًا من طاعة لقي الله-عز وجل-يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).

ومما يدل على هذا الأصل أيضًا قوله-صلى الله عليه وآله وسلم-عند مسلم والنسائي وغيرهما: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عُمِّيَة)أو(عِمِّيَة)كما مَرَّ معنا بالأمس ضبطه، (ومن قاتل تحت راية عِمِّيَة)أو(عُمِّيَة)، قلنا ما معنى(عِمِّيَة)أو(عُمِّيَة)؟ ، أي الأمر ماذا؟، غير المستبين وغير الواضح، نعم، (فقتل فَقِتْلَتُه جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب بَرَّها وفاجرها ولا يتحاشا من مؤمنها، ولا يفي لذي عهدة عهده، فليس مني ولست منه).

أعيد هذا الحديث العظيم: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عِمِّيَة)أو(عُمِّيَة فقتل فَقِتْلَتُه جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب بَرَّها وفاجرها ولا يتحاشا من مؤمنها، ولا يفي لذي عهدة عهده، فليس مني ولست منه).

وقد مَرَّ معنا أيها الإخوة فيما مضى بالأمس: أن من أصول أهل السنة والجماعة(السمع والطاعة لأئمة المسلمين في المعروف)السمع والطاعة لهم في ماذا؟، في المعروف(وأن لا ننازع الأمر أهله).

وقد مضى من كلام السلف الصالح-رضوان الله عليهم-كعمر في وصيته لسويد بن غفلة، ومن كلام عبد الله بن مسعود-رضي الله تعالى عنه-في خطبته ، ومن كلام عبد الله بن عمر-رضي الله تعالى عنهما-لَمَّا بويع ليزيد قال: (إن كان خيرًا)نعم(رضينا وإن كان شرًا صبرنا).

ومن قول أنس-رضي الله تعالى عنه-: (نهانا كبرائنا من أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-...)إلى آخر كلامه-رضي الله عنه-، وعن غيرهم كثير.

كل هذا يقرر هذا التقرير بوجوب السمع والطاعة في المعروف، وماذا يلزم من السمع والطاعة؟، تحريم ماذا؟، الخروج، لا يكون سامعًا مطيعًا من يرى الخروج لأنه جمع بين النقيضين، فلهذا نجد أن أهل السنة ينصون على الأول، وينصون على ماذا؟، على الثاني تأكيدًا وتقريرًا.

ونزيد عن السلف أيضًا: من السلف-رحمة الله عليهم-أيضًا في تقرير هذا الأصل ما أخرجه الإمام ابن أبي شيبة في المصنف عن علي-رضي الله تعالى عنه-، وكان مما قال: (ومن فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)، (ومن فارق الجماعة قِيْدَ شبر)أو(قَيْدَ شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه).

وجاء عند الحافظ البيهقي في الشعب-الجامع لشعب الإيمان-: (أن حذيفة-رضي الله تعالى عنه-قال له رجل يومًا)واسمع إلى هذا ففي القصة عبرة قال رجل لحذيفة-رضي الله تعالى عنه-: (ألا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر)الرجل جاء إلى حذيفة يؤاخذه بأنه من العلماء-علماء الصحابة-و من العلماء ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن إيش؟، عن المنكر في ظاهر الأمر عند هذا، طبعًا هي كلمة يراد منها الطعن.

وهكذا من قديم وحديث، طرائق أهل الأهواء في النيل من علماء أهل السنة-علماء أهل السنة المحضة-يغمزونهم ويلمزونهم ويطعنون فيهم بمثل هذه الطرائق، يعني: يريد أن يسمع الآخرين أن هؤلاء الصحب-رضي الله عنهم لا يقومون بالواجب عليهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكل قوم وارث، فلا زالوا يقولون ويرددون إلى يومنا هذا طعنًا.

قال له: (ألا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟)، فطن له حذيفة-رضي الله تعالى عنه-وعرف من نبرة هذا المتكلم ومن سمته وسيرته ما يدل على نزعة، فقال-رحمه الله ورضي عنه-وانظر إلى جواب العلم.

قال له-رضي الله عنه-: (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحسن، ولكن ليس من السنة أن ترفع السلاح على إمامك)ليس من السنة أن ترفع السلاح على إمامك، يريد أن يجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بوابة ليستبيح بذلك ماذا؟، الخروج، ومعلوم عندكم أن من أصول المعتزلة الخمسة ماذا؟، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم يريدون به ماذا؟، الخروج-الخروج على الحكام-.

فهذا جاء إلى حذيفة يريد أن يبين له أنه مقصر في هذا الباب، ويريد أن يجعل من هذا التقصير الذي يظنه والظن لا يغني من الحق شيئًا أنها باب وبوابة ونافذة يدخل منها لتمرير باطله، ففطن له-رضي الله عنه-.

قال: (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحسن)متى يكون حسنًا؟، إذا قام به المرء على وجهه الصحيح، بشروطه المعتبرة، قال: (ولكن ليس من السنة أن ترفع السلاح)على ماذا؟، (على إمامك).

ولهذا قال عبادة بن نسيب-رحمه الله-كما جاء في ترجمته من تهذيب الكمال: (أول النفاق الطعن في الأئمة)، أول النفاق من علاماته الطعن في ماذا؟، في الأئمة والنيل منهم.

إذًا: تقرر عندنا ما تقدم أن الإمام أحمد-رحمه الله-في هذا التنظير لهذا الأصل قد انبثق من نصوص الوحيين، ومما قاله الصحابة-رضي الله تعالى عنهم-وصار عليه أئمة الدين، وهو منهم، ومن جاء بعده صار على منهاجهم جميعًا وعلى طريقتهم، ومن شذ فقد شذ في النار وخالف السبيل.

الوجه الثاني: بارك الله فيكم، تقدم معنا حكم الخروج على الولاة-على ولي الأمر المسلم-، حكم الخروج عليه أنه ماذا؟، محرم.

قد مضى معنا في الدرس الذي مضى من أنه يجب السمع والطاعة وأن هذا مما بايع عليه أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-رسول الله، وأن لا ننازع الأمر ماذا؟، أهله، وحديث عرفجة الذي تقدم نعم، (ومن خرج على أمتي يضرب بَرَّها وفاجرها ولا يتحاشا من مؤمنها)نعم، وغيرها من الأحاديث كلها تدل على ماذا؟، على تحريم الخروج على ولاة الأمر، على ولاة الأمر من المسلمين.

ومما يدل على تحريم الخروج على أيضًا: قوله-صلى الله عليه وآله وسلم-لما سئل: (أفلا نقاتلهم؟)هؤلاء الأئمة أئمة الجور، قال: (لا ما أقاموا فيكم الصلاة)أو(لا ما صَلُّوا)، فلم يجز-عليه الصلاة والسلام-قتالهم والخروج عليهم.

إذًا: تفهم من هذا أن الخروج عليهم ماذا؟، محرم، هذا حكم الفعل فما حكم الفاعل بمعنى(الخارج)؟، هذا بيان لحكم الفعل وهو حكم الخروج فما حكم الخارج؟.

الحكم فيه: أجابك به-صلى الله عليه وسلم-فقال: (إنها ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع)يعني: مجتمعة(فاضربوه بالسيف كائنًا من كان)والحديث عند مسلم في الصحيح من حديث عرفجة-رضي الله تعالى عنه-.

وفي رواية عنده: (فاقتلوه).

وفي رواية: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه)، فماذا؟، (فاقتلوه).

إذًا: بان لك الحكم للفاعل وهو من؟، الخارج، بنص حديث رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-.

وقوله-عليه الصلاة والسلام-: (إنها ستكون هَنات)بالفتح، الهنات المراد بها كما قال العلامة ملا علي القاري في مرقاة المفاتيح، قال: (شرور وفسادات)، الهنات هي: شرور وفسادات متتابعة، ما المراد بالهنات؟، قال: شرور وفسادات متتابعة خارجة عن السنة والجماعة، والمراد بها: الفتن المتوالية، ما معنى متوالية؟، المتتابعة، قال والمعنى: أنه سيظهر في الأرض أنواع الفساد، (إنه ستكون هنات وهنات)قال يعني: والمراد أنه سيظهر في الأرض أنواع الفساد لطلب الإمارة، لطلب ماذا؟، (الإمارة من كل جهة)، القاعدة النائمة القائمة بلاد الرافدين وبلاد الحرمين وبلاد كذا و....إلى آخره، كل يبحث عن الكرسي، ويبحثون عن الكراسي.

يقول-رحمه الله-: (سيظهر في الأرض أنواع الفساد لطلب الإمارة من كل جهة، وإنما الإمام من انعقدت أولًا له البيعة)انتهى كلامه-رحمه الله-.

وقال-صلى الله عليه وسلم-: (إذا بويع لخليفتين فاضربوا عنق الآخر منهما).

وبناءًا على هذا الذي تقدم-بارك الله فيكم-يظهر لنا: أن من خرج على ولي الأمر المسلم حكمه ماذا؟، حكمه القتل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: (من لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قتل مثل)مَثَّل من هؤلاء الذين فسادهم في الأرض ينتشر أو يكثر؟، قال: (مثل المفرق لجماعة المسلمين والداعي إلى البدع في الدين).

ثم استدل على ذلك بأدلة منها قوله-جل وعلا-: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا...)(المائدة/32)إلى آخره الآيات.

واستدل أيضًا بقوله-صلى الله عليه وسلم-في حديث عرفجة أيضًا: (من أتاكم وأمركم جميع....)الحديث، وضح؟.

ولهذا قال أيضًا الحافظ النووي-رحمه الله-: في شرح مسلم معلقًا على حديث عرفجة الذي مَرَّ، قال: (فيه الأمر بقتال من خرج على الإمام، أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك، ينهى عن ذلك فإن لم ينتهِ قوتل، وإن لم يندفع شره إلا بالقتل فقتل كان هدرًا)دمه هَدَر، دَمَه ماذا؟، هَدَر.

وسبق أيضًا معنا: فيما مضى لَمَّا تكلمنا عن الولاية-الولاية القطرية-، تذكرون بالأمس؟، وكلام الحافظ نعم ممن قرر الولاية القطرية جمع من العلماء كالشوكاني والصنعاني، ونقلنا كلامًا للحافظ الصنعاني-رحمه الله-وفيه أنه قال، نعم: (أن من فَرَّق الجماعة وخرج على الولي يستحق القتل)لماذا؟، (مستحق للقتل لإدخاله الضرر على العباد)وضح هذا إذًا؟.

إذًا: تفهموا من هذا أن حكم الخارج ماذا؟، القتل.

الوجه الثالث: قال الإمام أحمد-رحمه الله-محذرًا من الخروج، واسمع إلى هذه القصة والتي يرويها عنه حنبل بن إسحاق: (في ولاية الواثق اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبد الله، فقالوا: يا أبا عبد الله هذا الأمر قد تفاقم وفشا)يعني ماذا؟، القول بخلق القرآن-قول الجهم-وامتحن العلماء به، ومنهم من مات تحت ماذا؟، تحت العذاب، ومنهم من لم يصبر، ومنهم من صبر.

(فقال لهم أبو عبد الله)يعني: جاءوا ثائرين أمر لا يصبر عليه(فقال لهم أبو عبد الله)وأبو عبد الله ممن امتحن-خَلِّي بالك!!، ممن امتحن وأوذي وجلد في سبيل الله-رضي الله عنه-، (قال لهم: ماذا تريدون؟)يعني: لماذا جئتم؟، ماذا تريدون بهذه المقالة (إن الأمر قد)ماذا؟، (تفاقم وفشا)فهم أنهم يريدون شيئًا.

(فقال ماذا تريدون؟، قالوا: أن نشاورك في أَنَّا لسنا نرضى بإمرته)جاءوه نريد أن نشاورك، يعني: نعطيك المشاورة ونتشاور معاك، ( أَنَّا لسنا نرضى بإمرته ولا سلطانه)يعني: الواثق، (فناظرهم أبو عبد الله ساعة)يريد أن يثنيهم عن قولهم ومقالتهم هذه وأنها على خلاف السنة، مع أنه إيش؟، أوذي وعُذِّب في سبيل الله-رضي الله عنه ورحمه-.

ومن العجائب: وإذا أراد الله أمرًا هيئ له أسبابه، أن الإمام أحمد لَمَّا كان في السجن وجلد وأوذي في سبيل الله صبر، ومن يصبر على ما صبر عليه أبو عبد الله-رضي الله تعالى عنه ورحمه-؟، إلا الْخُلَّص-رضي الله عنه-، يقول له الجلَّاد: (يا إمام لقد جلدتك بسياط لو جلدها بعير لمات).

وهيئ الله له رجلًا كان في السجن وهو يجلد في خمر، يعني: يقام عليه حد ماذا؟، شرب ماذا؟، الخمر، شوف الله قيَّض للإمام أحمد مثل هذا الرجل في السجن، قال له: (يا إمام)يعرف أنه الإمام أحمد، (يا إمام أنا أجلد في حد من حدود الله وأصبر وأنت تجلد في ذات الله)أو(سبيل الله ولا تصبر؟، اصبر)فكان هذا القول من الدوافع-سبحان الله-المثبتة له.

وقال له آخر: (يا إمام ما هو إلا سوط فثان ثم لا تشعر)يغمى عليه لا يصبر، يصبرونه(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ...)(إبراهيم/27)، فناظرهم أبو عبد الله ساعة-رضي الله عنه-وقال لهم: (عليكم بالنكرة في قلوبكم ولا تخلعوا يدًا من طاعة، ولا تَشُقُوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم).

(لا تسفكوا دماءكم ولا دماء المسلمين معكم)يعني: لا تكونوا سببًا في سفك دماء المسلمين لأن السيف إن نزل عم، قال: (وانظروا في عاقبة أمركم واصبروا حتى يستريح بَرٌ أو يستراح من فاجر)، ومضوا بعد هذه المناظرة وهذه الوصية العظيمة.

يقول حنبل: (دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله)بعد هذه المناظرة(بعدما مضوا، فقال أبي لأبي عبد الله: نسأل الله السلامة والعافية لنا ولأمة محمد صلى الله عليه وسلم-، وما أحب لأحد أن يفعل هذا)يعني: أبو عبد الله يقول: (ما أحب لأحد أن يفعل هذا)يعني: الخروج وشق العصا، (قال أبي: يا أبا عبد الله هذا عندك صواب؟)قولهم وانفعالهم هل ترى أنها صواب؟، فقهاء بغداد انتبه!!، ما جاءه العامة!!، (هل هذا عندك صواب؟، قال: لا هذا خلاف الآثار التي أمرنا فيها بالصبر)انتهى كلامه-رحمه الله-.

ولهذا قال عندكم هاهنا-رحمه الله-: (فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-)، ما هي الآثار؟، الآثار تأمر بماذا؟، بالصبر.

وقال الحارث بن الصائغ: (سألت أبو عبد الله في أمر كان حدث في بغداد)سألته(وهم قوم بالخروج)، أمر حصل في بغداد ولعله يقصد به فتنة الخلق ولم يظهره، (فقلت: يا أبا عبد الله ما تقول في الخروج مع هؤلاء؟)، يعني: ما رأيك أخرج معهم أو لا؟.

(قال: فأنكر ذلك عليهم، وجعل يقول: سبحان الله الدماء الدماء، لا أرى ذلك ولا آمر به، الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة)، (الصبر على ما نحن فيه)مع أنه في فتنة، (الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة التي يسفك فيها الدماء، ويستباح فيها الأموال، وينتهك فيها المحارم، أما علمت ما كان الناس فيه؟).

يقول للصائغ: (أما علمت ما كان الناس فيه؟)يعني: يقصد أيام الفتنة ، فأجابه(قال: قلت)يعني: يا أبا عبد الله(والناس اليوم هم في فتنة)الناس اليوم هم في ماذا؟، (في فتنة يا أبا عبد الله، قال: وإن كان)حتى ولو كانوا في ماذا؟، في فتنة، (فإنما هي فتنة الخاصة)إنما هي فتنة الخاصة، من يقصد بالخاصة؟، العلماء، فتن في هذا العلماء أكثر من العوام، والعوام تبع لعلمائهم.

(قال: فإذا وقع السيف عمَّت الفتنة، وانقطعت السبل، الصبر على هذا ويسلم ذلك، ويسلم لك دينك خير لك، قال الصائغ أبو الحارث: ورأيته ينكر الخروج على الأئمة، فقال: الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به)يعني الحفاظ على الدماء-دماء المسلمين، ودماء الناس-والأمر في الدماء شديد، الأمر في الدماء شديد وكما سيرد معنا إن شاء الله.

يقول الإمام ابن تيمية-رحمه الله وغفر له-في(منهاج السنة): (ولعله لا يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي إزالته)لا يعرف أبدًا، قال: (لعله لا يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي إزالته)يعني: أرادت أن تزيله.

وقال في موطن آخر من المنهاج: (وقل من خرج على إمام في سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير، كالذين خرجوا على يزيد في المدينة، وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك في العراق، وكابن المهلب الذي خرج على ابنه في خراسان)يقصد ابن عبد الملك-سليمان(وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضًا، وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة وأمثال هؤلاء)، فلا يعرف من طائفة أو طائفة خرجت إلا وكان ما خلفته من ماذا؟، من الفساد أكثر وأكثر.

قال العلامة ابن أبي العز الحنفي في-شرح الطحاوية-قال: (وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا)، يقول ابن أبي العز: (وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا)يعني: ظلموا(فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات) الصبر فيه تكفير للسيئات، (ومضاعفة الأجور، فإن الله ما سلَّطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل)هذا الكلام نعم يتوافق ويتفق مع ما مضى معنا بالأمس من كلام الحسن ومن معه، مما ذكرناه في الأمس.

يقول: (والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل، قال الله-تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)(الشورى/30)، وقال-جل وعلا-: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ...)(آل عمران/165)، وقال-تعالى-: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأنعام/129)، إلى آخر قوله-رحمه الله-.

فالشاهد: أن الخروج فيه من المفاسد ما هو ماذا؟، أضعاف أضعَاف ما يرغبون في ماذا؟، في إزالته، نعم.

الوجه الرابع: سبق معنا بيان أن الخروج على الحاكم لا يجوز، ولكن هذا مشروط جوازه بشروط بينها النبي-صلى الله عليه وسلم-في قوله: (إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله)ماذا؟، (برهان)، (عندكم فيه من الله برهان)، فإذا كان كذلك جاز ماذا؟، الخروج.

فالشرط الأول: وجود الكفر اليقيني-المتيقن-لا الظني، ومن ذلك من الكفر الظني: تظن الكفر وتبني عليه الأحكام وتكفر الناس بناءًا على ماذا؟، على ذلك، ولَمَّا يتبين لك أنه كفر أو ليس بكفر، فلو جودل فيه لعلم أنه ماذا؟، أنه ليس كذلك.

(إلا أن تروا)لا بد من ماذا؟، من رؤية وثبوت ثابت، ما هو قيل وحدثني وخبرني وأنبأني، ويقال: نعم، (كفرًا بواحًا)ظاهرًا بيِّنًا لا لبس فيه ولا شبهة ولا تأويل وهو من الكفر المخرج من الملة قطعًا، من الكفر المخرج من الملة ماذا؟، قطعًا ليس من المختلف فيه.

والثالث: (عندكم فيه من الله)إيش؟، (برهان)بَيِّنَةٌ ودليل بَيِّنٌ واضحٌ جليٌ، لا لبس فيه ولا غموض ولا إشكال من أنه ماذا؟، كفرٌ بواحٌ مخرجٌ من الملة، كفرٌ مخرجٌ من الملة، أي: الكفر الأكبر أم الأصغر؟، الأكبر المخرج من الملة.

وأيضًا: مما يلحق بشروط جواز الخروج المنصوص عليها عند أهل العلم اتفاقًا: (القدرة على الخروج)، بعد هذه تحقق هذه الأمور لا بد أن تكون ثمة ماذا؟، قدرة على ماذا؟، على الخروج، يعني: على الإزالة، وليس القدرة أن تملك سيفًا وسوطًا ونحو ذلك، القدرة بمعنى: إذا ما خرجت لا تسفك دماءًا، أمر الدماء عظيم، قدرة كاملة تامة.

أيضًا: أن لا يترتب على ولو وجدت القدرة، لكن لا يترتب على الخروج مفسدة أعظم من مفسدة ماذا؟، من مفسدة الإزالة، يعني: بقاءه وهو فاسد ومفسد، فإذا كان الخروج سيرتب مفسدة أعظم من إزالته لا يجوز الخروج.

فإذًا: هذه منوطة بماذا؟، كما قلت: تحقيقها منوط بالقدرة، والدين مبني على المصالح، فإن لم تكن قدرة والمصالح غير راجحة بل المفسدة أرجح فالأمر حينئذ بلزوم ماذا؟، الصبر، هذا هو الواجب شرعًا، واضح يا أخوتاه؟.

هذا الأمر حتى ولو كان ثمة الولاية لكافر أصلي، كافر ماذا؟، أصلي في بلد من بلاد الكفر الأصلية نعم، فإنه هذا الحاكم كافر لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر نعم، فهل نقول اخرج؟، نقول: إذا لم تكن قدرة والمفاسد التي تترتب على هذا أعظم ليست قدرة، والمفاسد أعظم من إزالته فلا يجوز لك الخروج، لا يجوز ولو فعلت أنت آثم، أنت آثم أضللت عباد الله، وتسببت في إراقة الدماء، فالدماء أمرها عظيم، الدماء أمرها عظيم.

ولهذا يا أخوتاه: إذًا يجب أن نراعي هذه المسائل وهذه الشروط المذكورة.

الوجه الخامس: أن من المفاسد العظيمة التي تترتب على الخروج الدماء-إراقة الدماء-كما قال الإمام أحمد: (الدماء الدماء لا أرى ذلك)يقول، قال لهم: (لا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم)إذا نزل السيف عَمّْ وكثرت الفتن لا يدري هذا المسكين العامِّي لماذا يُقْتَل ولماذا يقاتل، تختلط الأمور، ولا يأمن الناس لا على أنفسهم ولا على أموالهم ولا على أعراضهم، فكم في السمع والطاعة من حفظ الضروريات الخمس والتي منها: (النفس والمال والعرض)والدين أيضًا.

فالشاهد: أن الدماء أمرها عظيم، قال-صلى الله عليه وآله وسلم-فيما أخرجه الشيخان في الصحيحين: (أول ما يُحْكَم بين الناس في الدماء)، وفي لفظ عند النسائي: (أول ما يقضى به بين الناس يوم القيامة الدماء)أو كما قال-صلى الله عليه وسلم-، فأمر الدماء أمر عظيم.

كيف التوفيق بين قوله: (أول ما يقضى)أو(أول ما يُحْكَم بين الناس)وبين قوله: (أول ما يحاسب به العبد الصلاة)، الدماء فيما يتعلق في حقوق العباد، والصلاة فيما بين العبد وبين ربه فلا منافاة بينهما ولا تعارض.

قال الحافظ ابن حجر معلقًا على الحديث الذي ذكرناه حديث: (أول ما يُحكم بين الناس في الدماء)قال-رحمه الله-: (وفي الحديث عظم أمر الدم)، الحديث فيه من الفوائد والفقه(عظم أمر الدم فإن البداءة إنما تكون بالأهم)، أو ما يُحاسب، أو أول ما يُحكم، أول ما يُقضى(فإن البداءة إنما تكون بالأهم، والذنب يعظم بحسب عِظَم المفسدة وتفويت المصلحة، وإعدام البنية الإنسانية غاية في ذلك)، قال: (وقد ورد في التغليظ في أمر القتل آيات كثيرة وآثار شهيرة).

إذًا: أمر الدماء أمر ماذا؟، أمر عظيم، من هذا خاف الإمام أحمد(الدماء الدماء لا أرى ذلك)، أمرها ماذا؟، عظيم.

واسمع إلى كلام الحافظ ابن العربي المالكي، قال-رحمه الله-: (ثبت النهي)، الآن هؤلاء عندما يخرجون يدعون الناس إلى الخروج معهم صحيح؟، فإن لم يستجب العامة إيش يفعلون؟، قتلوه وصفوه بأنه منافق مداهن و..و..إلى آخره صحيح؟.

فهم لم يقتلوا الحاكم وإنما قتلوا ماذا المحكومين المساكين، عامل يعمل أجيرًا في مكان قتلوه لأنه يعمل عند المرتد والذي يعمل عند المرتد ولا يرتد ولا يعني يخرج معهم فهو كافر إلى آخره صحيح؟.

يقول: (ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق، والوعيد في ذلك، فكيف بقتل الآدمي؟!)، فكيف بقتل من؟، الآدمي، أي آدمي كان مسلم أو غير مسلم، قال: (فكيف بقتل المسلم؟).

(ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق، والوعيد في ذلك)وعيد(فكيف بقتل الآدمي؟!، فكيف بقتل المسلم؟!)، قال: (فكيف بالتقي الصالح؟!)فكيف بقتل التقي يعني: الصالح؟، واضح؟.

وكم قتل هؤلاء الخوارج من العلماء وسادات الأمة؟، بل قتل سلفهم الطالح وقاتل سادات الأمة من أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-و-رضي الله عنهم-.

قال النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-فيما أخرجه البخاري في الصحيح: (لن يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا)، والمراد بالفسحة أي: السعة، هو في سعة من أمره، قال: (لن يزال المرء في فسحة من دينه)بمعنى: يضيق عليه دينه، يضيق عليه دينه إن ماذا؟، إن سفك الدم الحرام، لا يجد حجة ولا برهانًا، وهو في فسحة وفي سعة من أن يعلق في رقبته ويشغل ذمته فيما لا يستطيع ماذا؟، حمله.

ولهذا قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-: (فيه إشارة إلى الوعيد على قتل المؤمن متعمدًا بما يتوعد به الكافر).

ويقول عبد الله بن عمر-رضي الله تعالى عنهما-كما في البخاري في الصحيح: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها: سفك الدم الحرام بغير حله)، (إن من ورطات)جمع ورطة بالتحريك(وَرَطَاتْ)بالفتح، وهي جمع ماذا؟، (وَرْطَة)بالتسكين، (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها: سفك الدم الحرام بغير حله)، ماذا يراد بقوله: ورطات؟، قلنا جمع ورطة والمراد: الهلاك، يعني: إن من المهلكات والهلاك الذي لا مخرج للعبد منها: أن يسفك الدم الحرام بغير حله، فقد وَرَّط ماذا؟، نفسه، وفي الأثر قال: (لا مخرج له منها).

فأمر الدم أيها الأحبة أمر ماذا؟، عظيم، وكم في الخروج من إراقة ماذا؟، الدماء بغير وجه حق، بغير وجه ماذا؟، حق، والواقع يشهد بهذا، الواقع يشهد بماذا؟، بهذا.

ولا نريد أن نسرد الوقائع كما يقال، شرِّق غرِّب ترى ذلك عيانًا ما يحتاج إلى ماذا؟، إلى دليل أكثر من هذا.

نسأل الله أن يعصمنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

في هذا قال: (ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج لأحد من الناس، ومن فعل ذلك فهو)ماذا؟(مبتدع على غير السنة والطريق)، لا تشك في أنه ماذا؟، مبتدع انتبه!!، فمن عقائد اهل السنة أن من فعل ذلك فهو مبتدع، يا شيخ عشان الخروج بس؟!، بس عشان قال بالخروج يصير مبتدع؟!.

هو في الصفات على السنة، يقول بقول أهل السنة، هو في باب ماذا إيش؟، الإيمان في ظنهم أنه على باب السنة وأنه..وأنه...وأنه بس عشان هذه واحدة يعني؟، نقول: نعم، بل بأقل من ذلك حتى ولو لم يخرج بالسيف، لو حرَّض بالكلام فهو خارجي من القعدة شاء أم أبى.

والخروج كما قلنا بشروطه المعتبرة التي ذكرناها وبيناها، يجب أن يستحضر ويستصحب في هذا المقام.


لقراءة الملف منسق:
(التعليق على قول الإمام أحمد في تحريم الخروج على الأئمة (http://www.box.net/shared/j8alytezf0))



قام بتفريغه: أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد



الأربعاء الموافق: 7/ ربيع الأول/ 1432 للهجرة النبوية الشريفة.