أبو بكر يوسف لعويسي
09-Apr-2011, 05:37 PM
إن الحمـد لله نحمـده ونستعينه،ونستغفره ونتوب إليـه، ونعــوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا اله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده و رسوله.
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ (102) سورة آل عمران}.
} يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ (1) سورة النساء}.
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا { (71) سورة الأحزاب } .
أمــــــــا بعـــــــــــــــد:
فان أصدق الحديث كلام الله و خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه و سلم- و شــر الأمــور محدثاتها و كل محدثة بدعة -وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النــار.
لقد أفرز الواقع الأليم الذي أطلَّت فيه الفتن بقرونها، وشهرت الحزبية سيفها ، وغُيِّبَ فيه كثير من العلماء السلفيين الربانيين ، وطلبة العلم المتمكنين ...ووصموا بشتى الألقاب المنفرة، وأوصاف لعلمهم مُدثرة ، وبالصد عنهم مشعرة ، فبرز أهل التعالم بزعمهم الذبّ عن دينهم ، ونشر سنَّة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، فأثمرت جهودهم الحماسية بالفعل ثماراً خبيثة من تفريق وضياع وتشتيت بالأمة الإسلامية- أيدي سبأ - والله المستعان.
ولكن كيف تعود الدعوة إلى العمل ضمن وظيفتها الشرعية في النهضة السلفية التي كان عليها الرعيل الأول في مثل هذا العصر الذي فشا فيه الجهل ، وظهر الرويبضات ؟
والجواب على هذا السؤال المهم هو أن يقال : لكي تعود الدعوة لأصلها الأول، لابد من تنظيفها من الانحراف، وتنقيتها من الابتداع ، وتصفيتها من المبتدعة الهمج الرعاع ، وذلك بتصفية العقيدة والعبادات والعادات في جوانب الحياة الإسلامية مما يشوبها من معوقات للنهضة بها، المتمثلة في المتعالمين، فالتعالم مرض عضال ، فقد يجد الإنسان مرض الجهل والأمية، ومن الممكن علاجه، أمّا مرض التعالم فمن الصعب علاجه أو استئصاله " لأن عقل هذا المريض لم يتقن العلم ليصيره ضميراً فعالاً، يراقب الله تعالى ويعمل من أجله فقط ، بل طلبه ليجعله آلة للعيش وسلماً يصعد به إلى منصة الشهرة، وسدة حب الظهور ، ومطية لنيل الدنيا ، والوصول إلى المناصب ، وهكذا يصبح العلم مسخة وعملة زائفة، غير قابلة للصرف ، خالية من الإخلاص وابتغاء وجه الله تعالى ، فهذا الجاهل لا يقدر العواقب ، ولا ينقح علمه من الشوائب ولا يقّوم الأشياء بمعانيها ، ولا يفهم الكلمات بمراميها، وإنما بحسب حروفها وما تحمله من غثائية مظلمة ، ومناهج مبتدعة ، وفتاوى مخالفة للكتاب والسنة بفهم العز والتمكين ، ومنهج سبيل المؤمنين ، لابد من إزالة هذا المريض ، وكشف دائه ليصفو الجو للطالب الجاد ، والداعية المخلص والعالم الرباني ". لينهضوا بالأمة ويعودوا بها إلى عزها ومجدها الأول .
ولإزالته لابد من معرفة معنى التعالم وأسبابه ، حتى ينكشف الغطاء ، ويظهر لكل منصف غرر به أو لبس عليه وهو يحب السلف والسلفية ، والعمل من أجل نصرة هذا المنهج ، من هو المتعالم الذي يرتع في الجهل ؟ ويطلب الدنيا بالعلم والعمل ، ويختل السذج بظاهر من القول المموه والفِعَل ، والآخرة بالتسويف والملل ، فإذا ظهر أمره ، تدرجوا في تركه فمات وزال شره .
ومصطلح التعالم ، مصطلح جديد لم يعرف قديما في عهد السلف ، بالمفهوم المصطلح عليه اليوم ، وقد اجتمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة ، ودرسوا هذا المصطلح كما اجتمع مجمع اللغة العربية في القاهرة وتدارسوه ثم قرروا جواز التعامل به في المصنفات والخطابات الشرعية .
قال الشيخ عبد الله بن بيه : أشكر الإخوة الباحثين، وأبدأ كلمتي بأن تحرير المصطلحات أمر مهم، وإن ما يأتي على الناس خطأ من وضع الأسماء على غير مسمياتها. فهذه جمل ذكرها علماؤنا في تعاملهم مع المصطلحات. وقالوا: إن خطأ الدليل يأتي من جعل اللفظ المشترك متباينًا أو من جعل المتباين مترادفًا.
نحن أمام مصطلحات جديدة فهي مصطلحات غربية غريبة. من هذه المصطلحات، كما استمعنا إليه في الصباح، مصطلح ( العلمانية ) أو (المتعالمة) أو (التعالمية)، لأنها في الحقيقة تريد أن تنسب نفسها للعلم وهي ليست من العلم في شيء، فهي من باب (التعالم) وليست من باب (العلم). فينبغي أن نخرج بمصطلح، قد يقول الناس: إن هذا شيء تافه، المجمع يجتمع ليخرج بمصطلحات. مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة [11/701].
وجاء في مجمع اللغة العربية بالقاهرة [1/26] : أن من الألفاظ التي ناقشها المجمع قولهم : تعالم خالد على زملائه. يرى المجمع أنه يجري على أقلام الكاتبين مثل قولهم: تعالم عليه، بمعنى تباهى وتفاخر بالعلم. وليس في مسموع اللغة هذه الدلالة، ولكن من ضوابط اللغة دلالة صيغة (تفاعل) على التظاهر بالفعل. وعلى هذا يُجاز استعمال الكاتبين. قرارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة[1/26].والتراث المعجمي في خمسة وسبعين عاما 15/14].
ويمكن أن يُرجع لفظ التعالم إلى بناء التفاعل، كالتجاهل، والتظاهر، فتعالم فلان أظهر العلم ، أو أنه عرف واشتهر بادعاء العلم وهو ليس كذلك ، فإن لفظ (متعالم )معناه مشهور،معلوم ،أو يقال أنه من التعالي والترفع ، فالمتعالم هو من يتعالى على الناس ، ويترفع متكبرا عليهم، معتدا بنفسه معجبا مغتر بما يظهره من العلم ، وقد جاء في تسير قوله تعالى كما في نوادر المخطوطات لعبد السلام هارون [106] : (وما الحياة الدُّنيا إلا متاعُ الغرور). وقد ذكر العارفون بهذا الفن أن من أكبر موجبات التكميل للطالب في هذا الفن ترك الغرور في نفسه، وترك الترفع على أبناء جنسه، فإنه ربما اجتهد في الكتابة كثيراً فيأتيه الشيطان فيوسوس له بالغرور، ويوقعه في الشرور، ومتى سلم من هذا يرجى له القبول، والرقي لمراتب الوصول. ومتى تساهل في أمر نفسه، وتكبر على أبناء جنسه، عوقب بالحرمان والوسواس، وسقط عن مرتبته التي كان فيها عند الله وعند الناس.
أما فعل عَلِمَ : يَعْلَمُ عِلْماًِ فهو نقيض جَهِلَ ، ورجل علاَّمة وعلاَّم وعليم. كتاب العين [2/152] لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي .
وعَلِم الشيء بالكسر يعلمه عِلْماً ، عرفه . ورجل عَلاَّمةٌ أي عالِمٌ جدا والهاء للمُبالغة ، و عَلَّمَهُ الشيء تَعْلِيما فتَعَلَّم ؛ وليس التشديد هنا للتكثير بل للتعددية .ويُقال أيضا تَعَلَّمَ بمعنى أعلم ، قال عمرو بن معد يكرب : تعلَّم أن خير الناس طُرا قتيل بين أحجار الكُلاب .
قال بن السكيت : تعلمت أن فلانا خارجٌ، أي علمت . قال : وإذا قيل لك اعلم أن زيدا خارج . قلت : قد علمت . وإذا قيل تعلم أن زيدا خارج ، لم تقل : قد تعلمت .و تَعَالَمه الجميع أي عَلِمُوه . مختار الصحاح [1/467] محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي .
ويقال : رجل علاَّمة إذا بالغت في وصفه بالعلم . والعِلْم نقيض الجهل . وإنه لعالم ، وقد علِم يعلَم عِلماً . تهذيب اللغة ـ [ج/254] أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري.
وجاء في تاج العروس للزبيدي مادة [ ع ل م] ( عَلِمَهُ - كَسَمِعَه - عِلْمًا ، بالكَسْرِ : عَرَفَه ) هكذا في الصِّحَاح ، وفي كَثِيرٍ من أمَّهاتِ اللُّغَةِ ، وزَادَ المُصَنِّفُ في البَصَائِر : حَقَّ المَعْرِفَةِ ثم قَوْله : هَذَا وكَذَا قَوْله فيما بَعْد : وعَلِمَ به ، كسَمِعَ ، شَعَرَ ، صَرِيحٌ في أنَّ العِلْمَ والمَعْرِفَةَ والشُّعُوَرَ كُلَّها بِمَعْنًى واحِدٍ ، وأنه يَتَعَدَّى بنَفْسِه في المَعْنَى الأول ، وبالبَاءِ إذا استُعْمِل بمَعْنَى شَعَرَ ، وهو قَرِيبٌ من كَلامِ أكْثَرِ أهْلِ اللُّغَةِ . والأكثرُ من المُحَقَقِّين يُفَرِّقُون بَيْن الكُلِّ ، والعِلْمُ عِنْدَهم أعْلَى الأوْصَافِ ؛ لأنَّه الذي أجازُوا إطْلاقَه على اللهِ تَعالَى ، ولم يَقولُوا : عارفٌ في الأصَحِّ ، ولا شاعرٌ . والفُروقُ مَذْكورُةٌ في مُصَنَّفاتِ أهلِ الاشتِقاقِ . ووَقَع خِلافٌ طَويلُ الذَّيْلِ في العِلْمِ ، حتى قالَ جماعةٌ : إنَّه لا يُحَدُّ لِظُهورِه وكَونِه من الضَّرورِيَّاتِ ، وقِيلَ : لِصُعوبَتِه وعُسْرِهِ ، وقِيلَ : غَيْرُ ذَلك ، مِمَّا أوْرَدَه بِمالَه وعَلَيْه الإمام أبو [ الوفاء الحَسَنُ بنُ مَسْعُود ] اليُوسِيُّ في قانون العُلُوم ، وأشارَ في الدُّرِّ المَصُون إلى أنَّه إنَّما يَتَعَدَّى بالباءِ ؛ لأنَّه يُراعَى فيه أحيانًا مَعْنَى الإحاطَةِ ، قَاله شَيخُنا .
وفي المعجم الوسيط : [تعالم ] فلان أظهر العلم ، والجميعُ الشيءَ علموه . المعجم الوسيط ـ [2/624] .إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار.
قلت : ومعناه أنه اشتهر فعَلِمَه الجميع .
وأخذ الزمخشري في المفصّل بقياس تفاعل إذا أريد به ما ليس واقعاً لكثرة ما جاء منه بهذا المعنى. وقد استعمل الجاحظ (تحاذق) في رسائله في ذم أخلاق الكتّاب فقال: "فإن أحدهم يتحاذق عند نظرائه بالاستقصاء على مثله". ولم يسمع عن العرب (تحاذق)، فإذا صح هذا كان قولهم : (تعالم) إذا أظهر العلم ، صحيحاً قياساً على تجاهل.
ومما يفيده التفاعل وقوع الحدث تدريجاً كتفاقم الأمرُ ؛ وتواردت الإبل ؛ وهكذا تزايد وتنامى وتكاثر وتعاظم وترافد ونحو ذلك، تهافت أي تساقط قطعة قطعة، كما في الصحاح.
وبناء التفاعل : تقول تفاعل تفاعلاً، بضم العين في المصدر كتنازع تنازعاً بضم الزاي في المصدر .
قلت : وعلى هذا يقال : فيصح على بناء التفاعل ، قياسا على تحاذق ، وتجاهل ، فيقال تعالم ، تعالما ..
وقد يُظهر التفاعلُ ما ليس واقعاً تقول تجاهل ؛ وتغافل أي أظهر الجهل ؛ والغفلة من نفسه وهما منتفيان لديه.
قلت وكذلك : تعالم وتحالم : أظهر العلم والحلم وهما منتفيان لديه .
ومن ذلك تحالمتُ إذا أظهرتُ الحِلْم ولست كذلك، على حين تقول تحلَّمتُ إذا التمستَ أن تصير حليماً (أدب الكاتب لابن قتيبة / 35). النحاة والقياس ،لصلاح الدين الزعبلاوي [1/373].
هذا بالنسبة للتعالم ، أما لفظُ (متعالم ٌ)، فلم أجده بمعنى أظهر العلم ، وأدّعاه ، وإنما يذكر للأمر المعلوم المشتهر ، والشريف النبيه الذكر ، وفي الأمثال : وما يومُ حليمةَ بِسِرّ : يضرب مثلا لكل أمر مُتعالم مشهور. وحليمة : امرأة عربية ،وهي : حَليمَةُ بِنْتُ أبي ذُؤَيْبٍ : مُرْضِعَةُ النبي صلى الله عليه وسلم ، وبِنْتُ الحَارِثِ بنِ أبِي شِمْرٍ ، وجَّهَ أبوها جَيْشَاً إلى المُنْذِرِ بنِ ماءِ
السماءِ فأَخْرَجَتْ لهم مِرْكَناً من طِيبٍ فَطَيَّبَتْهُمْ منه فقالوا : ما يَوْمُ حَليمةَ بِسِرٍ. فيقي يُضْرَبُ مثلا لكُلِ أمْرٍ مُتَعَالَمٍ مشهورٍ ، ويُضْرَبُ أيضاً للشَّريفِ النابِهِ الذِكْرِ . القاموس المحيط [1/1417]- الفيروزآبادي ، وتاج العروس للزبيدي [12/22] وتهذيب اللغة [5/70] والأمثال العربية والأمثال العامية مقارنة دلالية [1/159] الدكتور علاء إسماعيل الحمزاوي .
وقال أبو عبيدة : أمرُ متعالم ، أي: قد علمه الناسُ وشُهِرَ. ومنزلُه متعالم ؛ أي: معلوم مكانه. الاختيارين . لأبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش ، الأوسط .
نعم وجدته في القاموس الفرنسي العربي الإنجليزي ، [1/6546] مُتَعَالِم ( جمع : علم، مفرده : تعليم) : مُدَّعِي الْعِلْم مترجم من الفرنسية ، مما يدل على أنه هذه الكلمة ( متعالم )ليست من مسموع اللسان العربي ولا من دلالاته ..كما ذكروا في مجمع اللغة العربية في مصر .
نعم ذكر ابن القيم رحمه الله لفظ ( متمعلم )، ثم شرحه في هذه الأبيات بقوله :
هذا وإنّي بَعْدُ مُمْتَحِنٌ بأَْرْ = = = بَعَةٍ وكلهمُ ذوو أظغانِ
فظٌ غليظٌ جاهلٌ مُتَمَعلمٌ = = = ضخمُ العِمامَةِ واسعُ الأردانِ
مُتفيهقٌ مُتضلعٌ بالجهلِ ذو = = = ضلعٍ وذو جلحٍ من العرفانِ
مزجيُ البضاعةِ من العلومِ وإنّه = = = زاجٍ من الإيهامِ والهذيانِ
يَشْكو إلى الله الحقوقَ تَظَّلُمًا = = = من جهلهِ كشِكايةِ الأبدانِ
من جاهلٍ متطببٍ يفتي الورى = = = ويحيلُ ذاك على قضا الرحمنِ
شرح لمعاني الكلمات الغريبة في الأبيات :
الأردان؛ جمع ردن وهو الخز وقيل الحرير. أساس البلاغة [1/165] أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله.
والأَرْدانُ : الأَكْمامُ . بحوث ودراسات في اللهجات العربية من إصدارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة[4/17] نخبة من العلماء.وقال الأَصمعي هو لِباس يلبَسُه أَهل الشام وهو ثوب مُجَبَّل أَخْضرُ المَنْكِبين وسائرُه أَبْيَضُ والأَردانُ أَكمامُه . لسان العرب [7/26].
وقوله : جلح .. والجَلَحُ: فَوْقَ النَزَع، وهو انحِسارُ الشَعَر عن جانِبَي الرأس .
وبَقَرٌ جُلَّحٌ، أي لا قُرون لها. وشاة جلحاء أي لا قرون لها . الصحاح في اللغة[1/95] والقاموس المحيط [1/275] أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفرابي .والتَّجْليحُ : إلا قْدامُ والتَّصْميمُ وحَمْلَةُ السَّبُعِ .[1/275]الصحاح في اللغة [1/95] والذئب جَرُؤ فهو جريء. المعجم الوسيط ـ [1/128].
ورجلٌ مجلَّح تجليحاً، إذا كان مارداً مُقْدِماً على الأمور. وجلَّحَ الذئبُ يجلِّح تجليحاً، إذا أقدم وصمّم ولم يرجع. وكل مُقْدِمِ على شيء بجرأة فقد جلَّح عليه فهو مجلِّح. جمهرة اللغة [1/213] أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي .
وقال الأَصمعيّ ، المجالحة ( والمُكاشفَةُ بالعداوَةِ والمُكابَرة ) ( و ) منه ( المُجالِحُ ) : المُكابِرُ . تاج العروس [6/341] الزَّبيدي .
وابن القيم – رحمه الله - في هذه الأبيات يصف المتمعلم ( أي المتعالم ) بأنه ضخم العمامة واسع الأردان . أي الأكمام أو الأعطاف ، أو اللباس الخاص بأهل الشام ، وهو متفيهق ، متضلع بالجهل ، ذو جلح ، ويعنى بذلك أنه ليس له علم كالشاة الجلحاء ، أو جريء على العلم كالذئب ؛ وليس من أهله كالأسد إذا صمم الإقدام على الفريسة وعدم الرجوع كذلك هو على الفتوى وغرائب العلم مع إظهار العداوة والمكابرة ،لأهله ، وهو زاج أي زاوج في ذلك بين الإيهام والهذيان ..
ومن خلال مطالعتي لكتب أهل اللغة ، وبحثي في مسألة تعريف المتعالم في كتب أهل العلم – مما تيسر له من الكتب التي بين يدي - ولا ادعي أني ألممت بكل ما فيها – تبين لي أن المتعالم هو :المتشبع بما لم يعط ، الدخيل على العلم وأهله ، وهو يحمل في جعبته الغثاء من السخافة ، والغرائب والأغلوطات ، والكذب ، قد تزيا بزي العلماء في سمته وهديه ، متظاهرا بالعلم ، مدعيا دعاوي عريضة ، مقداما بجرأة شديدة مريضة بحب الظهور ، ويقول الكذب ، ولا يستحي من الحق ، ولا من الخلق ، ويختلق الغرائب ، ويأتي بالعجائب يدعي الاجتهاد ، وداءه العناد ، ويكره العلماء أهل الإسناد ، أظهر لهم الحسد ،وله البغضاء من كل أحد ، لا يقبل نصحا ولا يرضى لنفسه توبة ولا صلحا ...حدث ، غر صغير ، وربما هو في السن شيخ كبير ، وداءه في الأمة خطير ، يعتمد على الصحف والقمطير ، وشأنه عند أولى العلم حقير .. نسأل الله أن يكفي الأمة شره، وأن يفضح أمره.
والتعالم بالمصطلح العصري هو أن يدعي الإنسان العلم قبل أن يتعلم، لا يعرف مرتبة الدليل، ولا يعرف مناط الدليل، ولا يعرف أن يفرق بين المجمل والمبين، والعام والخاص، والناسخ والمنسوخ، وتراه يتجرأ على الخوض في كتاب الله تعالى، أو في مسائل الأصول الكبار، قد يقع في التكفير، وقد يقع في التفسيق، وقد يقع في التبديع، والتمييع ، وربما جمع بين النقيضين وهو لا يحسن أن يفرق بين الدليل ومناطه، بين الدليل ومراتبه، فأنا أقول الدليل ليس منتهى العلم يا أخي، وليس العلم بكثرة الرواية ، ولا بكثرة الكلام والدراية بل العلم هو خشية الله بل لابد من فهم العلم على مراد الله ورسوله ليرث الخشية والخوف منه تعالى ، ولذلك نرى البخاري رحمه الله تعالى في كتاب العلم يترجم بابًا فقيهًا بعنوان "باب الفهم في العلم"، ومن جميل ما قاله ابن القيم "إن سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام قديمًا وحديثًا".
ومن أخطر مظاهر التعالم الجرأة على الفتوى، والعجب، والكبر، والغرور، واحتقار الناس، وازدراء الناس، وحفظ بعض المسائل للتأسد والتنمر بها على أقرانه في مجلس من مجالس العلم، يجلس في مجلس فيقول قاعدة من قواعد الأصول مثلا، يذكر قاعدة من القواعد، العمل بالظن لا يصح مادام العمل بالعلم ممكنًا، يعرف الشرط، نيته وهدفه أن يظهر للناس أنه على علم وأنه أعلم منهم . والنبي صلى الله عليه وسلم كما في مستدرك الحاكم وسنن البيهقي وابن ماجة وغيرها بسندٍ صحيح من حديث كعب بن مالك ( من تعلم العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء، أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار )، نعوذ بالله من الخذلان.يتبع إن شاء الله ...
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ (102) سورة آل عمران}.
} يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ (1) سورة النساء}.
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا { (71) سورة الأحزاب } .
أمــــــــا بعـــــــــــــــد:
فان أصدق الحديث كلام الله و خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه و سلم- و شــر الأمــور محدثاتها و كل محدثة بدعة -وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النــار.
لقد أفرز الواقع الأليم الذي أطلَّت فيه الفتن بقرونها، وشهرت الحزبية سيفها ، وغُيِّبَ فيه كثير من العلماء السلفيين الربانيين ، وطلبة العلم المتمكنين ...ووصموا بشتى الألقاب المنفرة، وأوصاف لعلمهم مُدثرة ، وبالصد عنهم مشعرة ، فبرز أهل التعالم بزعمهم الذبّ عن دينهم ، ونشر سنَّة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، فأثمرت جهودهم الحماسية بالفعل ثماراً خبيثة من تفريق وضياع وتشتيت بالأمة الإسلامية- أيدي سبأ - والله المستعان.
ولكن كيف تعود الدعوة إلى العمل ضمن وظيفتها الشرعية في النهضة السلفية التي كان عليها الرعيل الأول في مثل هذا العصر الذي فشا فيه الجهل ، وظهر الرويبضات ؟
والجواب على هذا السؤال المهم هو أن يقال : لكي تعود الدعوة لأصلها الأول، لابد من تنظيفها من الانحراف، وتنقيتها من الابتداع ، وتصفيتها من المبتدعة الهمج الرعاع ، وذلك بتصفية العقيدة والعبادات والعادات في جوانب الحياة الإسلامية مما يشوبها من معوقات للنهضة بها، المتمثلة في المتعالمين، فالتعالم مرض عضال ، فقد يجد الإنسان مرض الجهل والأمية، ومن الممكن علاجه، أمّا مرض التعالم فمن الصعب علاجه أو استئصاله " لأن عقل هذا المريض لم يتقن العلم ليصيره ضميراً فعالاً، يراقب الله تعالى ويعمل من أجله فقط ، بل طلبه ليجعله آلة للعيش وسلماً يصعد به إلى منصة الشهرة، وسدة حب الظهور ، ومطية لنيل الدنيا ، والوصول إلى المناصب ، وهكذا يصبح العلم مسخة وعملة زائفة، غير قابلة للصرف ، خالية من الإخلاص وابتغاء وجه الله تعالى ، فهذا الجاهل لا يقدر العواقب ، ولا ينقح علمه من الشوائب ولا يقّوم الأشياء بمعانيها ، ولا يفهم الكلمات بمراميها، وإنما بحسب حروفها وما تحمله من غثائية مظلمة ، ومناهج مبتدعة ، وفتاوى مخالفة للكتاب والسنة بفهم العز والتمكين ، ومنهج سبيل المؤمنين ، لابد من إزالة هذا المريض ، وكشف دائه ليصفو الجو للطالب الجاد ، والداعية المخلص والعالم الرباني ". لينهضوا بالأمة ويعودوا بها إلى عزها ومجدها الأول .
ولإزالته لابد من معرفة معنى التعالم وأسبابه ، حتى ينكشف الغطاء ، ويظهر لكل منصف غرر به أو لبس عليه وهو يحب السلف والسلفية ، والعمل من أجل نصرة هذا المنهج ، من هو المتعالم الذي يرتع في الجهل ؟ ويطلب الدنيا بالعلم والعمل ، ويختل السذج بظاهر من القول المموه والفِعَل ، والآخرة بالتسويف والملل ، فإذا ظهر أمره ، تدرجوا في تركه فمات وزال شره .
ومصطلح التعالم ، مصطلح جديد لم يعرف قديما في عهد السلف ، بالمفهوم المصطلح عليه اليوم ، وقد اجتمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة ، ودرسوا هذا المصطلح كما اجتمع مجمع اللغة العربية في القاهرة وتدارسوه ثم قرروا جواز التعامل به في المصنفات والخطابات الشرعية .
قال الشيخ عبد الله بن بيه : أشكر الإخوة الباحثين، وأبدأ كلمتي بأن تحرير المصطلحات أمر مهم، وإن ما يأتي على الناس خطأ من وضع الأسماء على غير مسمياتها. فهذه جمل ذكرها علماؤنا في تعاملهم مع المصطلحات. وقالوا: إن خطأ الدليل يأتي من جعل اللفظ المشترك متباينًا أو من جعل المتباين مترادفًا.
نحن أمام مصطلحات جديدة فهي مصطلحات غربية غريبة. من هذه المصطلحات، كما استمعنا إليه في الصباح، مصطلح ( العلمانية ) أو (المتعالمة) أو (التعالمية)، لأنها في الحقيقة تريد أن تنسب نفسها للعلم وهي ليست من العلم في شيء، فهي من باب (التعالم) وليست من باب (العلم). فينبغي أن نخرج بمصطلح، قد يقول الناس: إن هذا شيء تافه، المجمع يجتمع ليخرج بمصطلحات. مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة [11/701].
وجاء في مجمع اللغة العربية بالقاهرة [1/26] : أن من الألفاظ التي ناقشها المجمع قولهم : تعالم خالد على زملائه. يرى المجمع أنه يجري على أقلام الكاتبين مثل قولهم: تعالم عليه، بمعنى تباهى وتفاخر بالعلم. وليس في مسموع اللغة هذه الدلالة، ولكن من ضوابط اللغة دلالة صيغة (تفاعل) على التظاهر بالفعل. وعلى هذا يُجاز استعمال الكاتبين. قرارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة[1/26].والتراث المعجمي في خمسة وسبعين عاما 15/14].
ويمكن أن يُرجع لفظ التعالم إلى بناء التفاعل، كالتجاهل، والتظاهر، فتعالم فلان أظهر العلم ، أو أنه عرف واشتهر بادعاء العلم وهو ليس كذلك ، فإن لفظ (متعالم )معناه مشهور،معلوم ،أو يقال أنه من التعالي والترفع ، فالمتعالم هو من يتعالى على الناس ، ويترفع متكبرا عليهم، معتدا بنفسه معجبا مغتر بما يظهره من العلم ، وقد جاء في تسير قوله تعالى كما في نوادر المخطوطات لعبد السلام هارون [106] : (وما الحياة الدُّنيا إلا متاعُ الغرور). وقد ذكر العارفون بهذا الفن أن من أكبر موجبات التكميل للطالب في هذا الفن ترك الغرور في نفسه، وترك الترفع على أبناء جنسه، فإنه ربما اجتهد في الكتابة كثيراً فيأتيه الشيطان فيوسوس له بالغرور، ويوقعه في الشرور، ومتى سلم من هذا يرجى له القبول، والرقي لمراتب الوصول. ومتى تساهل في أمر نفسه، وتكبر على أبناء جنسه، عوقب بالحرمان والوسواس، وسقط عن مرتبته التي كان فيها عند الله وعند الناس.
أما فعل عَلِمَ : يَعْلَمُ عِلْماًِ فهو نقيض جَهِلَ ، ورجل علاَّمة وعلاَّم وعليم. كتاب العين [2/152] لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي .
وعَلِم الشيء بالكسر يعلمه عِلْماً ، عرفه . ورجل عَلاَّمةٌ أي عالِمٌ جدا والهاء للمُبالغة ، و عَلَّمَهُ الشيء تَعْلِيما فتَعَلَّم ؛ وليس التشديد هنا للتكثير بل للتعددية .ويُقال أيضا تَعَلَّمَ بمعنى أعلم ، قال عمرو بن معد يكرب : تعلَّم أن خير الناس طُرا قتيل بين أحجار الكُلاب .
قال بن السكيت : تعلمت أن فلانا خارجٌ، أي علمت . قال : وإذا قيل لك اعلم أن زيدا خارج . قلت : قد علمت . وإذا قيل تعلم أن زيدا خارج ، لم تقل : قد تعلمت .و تَعَالَمه الجميع أي عَلِمُوه . مختار الصحاح [1/467] محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي .
ويقال : رجل علاَّمة إذا بالغت في وصفه بالعلم . والعِلْم نقيض الجهل . وإنه لعالم ، وقد علِم يعلَم عِلماً . تهذيب اللغة ـ [ج/254] أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري.
وجاء في تاج العروس للزبيدي مادة [ ع ل م] ( عَلِمَهُ - كَسَمِعَه - عِلْمًا ، بالكَسْرِ : عَرَفَه ) هكذا في الصِّحَاح ، وفي كَثِيرٍ من أمَّهاتِ اللُّغَةِ ، وزَادَ المُصَنِّفُ في البَصَائِر : حَقَّ المَعْرِفَةِ ثم قَوْله : هَذَا وكَذَا قَوْله فيما بَعْد : وعَلِمَ به ، كسَمِعَ ، شَعَرَ ، صَرِيحٌ في أنَّ العِلْمَ والمَعْرِفَةَ والشُّعُوَرَ كُلَّها بِمَعْنًى واحِدٍ ، وأنه يَتَعَدَّى بنَفْسِه في المَعْنَى الأول ، وبالبَاءِ إذا استُعْمِل بمَعْنَى شَعَرَ ، وهو قَرِيبٌ من كَلامِ أكْثَرِ أهْلِ اللُّغَةِ . والأكثرُ من المُحَقَقِّين يُفَرِّقُون بَيْن الكُلِّ ، والعِلْمُ عِنْدَهم أعْلَى الأوْصَافِ ؛ لأنَّه الذي أجازُوا إطْلاقَه على اللهِ تَعالَى ، ولم يَقولُوا : عارفٌ في الأصَحِّ ، ولا شاعرٌ . والفُروقُ مَذْكورُةٌ في مُصَنَّفاتِ أهلِ الاشتِقاقِ . ووَقَع خِلافٌ طَويلُ الذَّيْلِ في العِلْمِ ، حتى قالَ جماعةٌ : إنَّه لا يُحَدُّ لِظُهورِه وكَونِه من الضَّرورِيَّاتِ ، وقِيلَ : لِصُعوبَتِه وعُسْرِهِ ، وقِيلَ : غَيْرُ ذَلك ، مِمَّا أوْرَدَه بِمالَه وعَلَيْه الإمام أبو [ الوفاء الحَسَنُ بنُ مَسْعُود ] اليُوسِيُّ في قانون العُلُوم ، وأشارَ في الدُّرِّ المَصُون إلى أنَّه إنَّما يَتَعَدَّى بالباءِ ؛ لأنَّه يُراعَى فيه أحيانًا مَعْنَى الإحاطَةِ ، قَاله شَيخُنا .
وفي المعجم الوسيط : [تعالم ] فلان أظهر العلم ، والجميعُ الشيءَ علموه . المعجم الوسيط ـ [2/624] .إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار.
قلت : ومعناه أنه اشتهر فعَلِمَه الجميع .
وأخذ الزمخشري في المفصّل بقياس تفاعل إذا أريد به ما ليس واقعاً لكثرة ما جاء منه بهذا المعنى. وقد استعمل الجاحظ (تحاذق) في رسائله في ذم أخلاق الكتّاب فقال: "فإن أحدهم يتحاذق عند نظرائه بالاستقصاء على مثله". ولم يسمع عن العرب (تحاذق)، فإذا صح هذا كان قولهم : (تعالم) إذا أظهر العلم ، صحيحاً قياساً على تجاهل.
ومما يفيده التفاعل وقوع الحدث تدريجاً كتفاقم الأمرُ ؛ وتواردت الإبل ؛ وهكذا تزايد وتنامى وتكاثر وتعاظم وترافد ونحو ذلك، تهافت أي تساقط قطعة قطعة، كما في الصحاح.
وبناء التفاعل : تقول تفاعل تفاعلاً، بضم العين في المصدر كتنازع تنازعاً بضم الزاي في المصدر .
قلت : وعلى هذا يقال : فيصح على بناء التفاعل ، قياسا على تحاذق ، وتجاهل ، فيقال تعالم ، تعالما ..
وقد يُظهر التفاعلُ ما ليس واقعاً تقول تجاهل ؛ وتغافل أي أظهر الجهل ؛ والغفلة من نفسه وهما منتفيان لديه.
قلت وكذلك : تعالم وتحالم : أظهر العلم والحلم وهما منتفيان لديه .
ومن ذلك تحالمتُ إذا أظهرتُ الحِلْم ولست كذلك، على حين تقول تحلَّمتُ إذا التمستَ أن تصير حليماً (أدب الكاتب لابن قتيبة / 35). النحاة والقياس ،لصلاح الدين الزعبلاوي [1/373].
هذا بالنسبة للتعالم ، أما لفظُ (متعالم ٌ)، فلم أجده بمعنى أظهر العلم ، وأدّعاه ، وإنما يذكر للأمر المعلوم المشتهر ، والشريف النبيه الذكر ، وفي الأمثال : وما يومُ حليمةَ بِسِرّ : يضرب مثلا لكل أمر مُتعالم مشهور. وحليمة : امرأة عربية ،وهي : حَليمَةُ بِنْتُ أبي ذُؤَيْبٍ : مُرْضِعَةُ النبي صلى الله عليه وسلم ، وبِنْتُ الحَارِثِ بنِ أبِي شِمْرٍ ، وجَّهَ أبوها جَيْشَاً إلى المُنْذِرِ بنِ ماءِ
السماءِ فأَخْرَجَتْ لهم مِرْكَناً من طِيبٍ فَطَيَّبَتْهُمْ منه فقالوا : ما يَوْمُ حَليمةَ بِسِرٍ. فيقي يُضْرَبُ مثلا لكُلِ أمْرٍ مُتَعَالَمٍ مشهورٍ ، ويُضْرَبُ أيضاً للشَّريفِ النابِهِ الذِكْرِ . القاموس المحيط [1/1417]- الفيروزآبادي ، وتاج العروس للزبيدي [12/22] وتهذيب اللغة [5/70] والأمثال العربية والأمثال العامية مقارنة دلالية [1/159] الدكتور علاء إسماعيل الحمزاوي .
وقال أبو عبيدة : أمرُ متعالم ، أي: قد علمه الناسُ وشُهِرَ. ومنزلُه متعالم ؛ أي: معلوم مكانه. الاختيارين . لأبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش ، الأوسط .
نعم وجدته في القاموس الفرنسي العربي الإنجليزي ، [1/6546] مُتَعَالِم ( جمع : علم، مفرده : تعليم) : مُدَّعِي الْعِلْم مترجم من الفرنسية ، مما يدل على أنه هذه الكلمة ( متعالم )ليست من مسموع اللسان العربي ولا من دلالاته ..كما ذكروا في مجمع اللغة العربية في مصر .
نعم ذكر ابن القيم رحمه الله لفظ ( متمعلم )، ثم شرحه في هذه الأبيات بقوله :
هذا وإنّي بَعْدُ مُمْتَحِنٌ بأَْرْ = = = بَعَةٍ وكلهمُ ذوو أظغانِ
فظٌ غليظٌ جاهلٌ مُتَمَعلمٌ = = = ضخمُ العِمامَةِ واسعُ الأردانِ
مُتفيهقٌ مُتضلعٌ بالجهلِ ذو = = = ضلعٍ وذو جلحٍ من العرفانِ
مزجيُ البضاعةِ من العلومِ وإنّه = = = زاجٍ من الإيهامِ والهذيانِ
يَشْكو إلى الله الحقوقَ تَظَّلُمًا = = = من جهلهِ كشِكايةِ الأبدانِ
من جاهلٍ متطببٍ يفتي الورى = = = ويحيلُ ذاك على قضا الرحمنِ
شرح لمعاني الكلمات الغريبة في الأبيات :
الأردان؛ جمع ردن وهو الخز وقيل الحرير. أساس البلاغة [1/165] أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله.
والأَرْدانُ : الأَكْمامُ . بحوث ودراسات في اللهجات العربية من إصدارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة[4/17] نخبة من العلماء.وقال الأَصمعي هو لِباس يلبَسُه أَهل الشام وهو ثوب مُجَبَّل أَخْضرُ المَنْكِبين وسائرُه أَبْيَضُ والأَردانُ أَكمامُه . لسان العرب [7/26].
وقوله : جلح .. والجَلَحُ: فَوْقَ النَزَع، وهو انحِسارُ الشَعَر عن جانِبَي الرأس .
وبَقَرٌ جُلَّحٌ، أي لا قُرون لها. وشاة جلحاء أي لا قرون لها . الصحاح في اللغة[1/95] والقاموس المحيط [1/275] أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفرابي .والتَّجْليحُ : إلا قْدامُ والتَّصْميمُ وحَمْلَةُ السَّبُعِ .[1/275]الصحاح في اللغة [1/95] والذئب جَرُؤ فهو جريء. المعجم الوسيط ـ [1/128].
ورجلٌ مجلَّح تجليحاً، إذا كان مارداً مُقْدِماً على الأمور. وجلَّحَ الذئبُ يجلِّح تجليحاً، إذا أقدم وصمّم ولم يرجع. وكل مُقْدِمِ على شيء بجرأة فقد جلَّح عليه فهو مجلِّح. جمهرة اللغة [1/213] أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي .
وقال الأَصمعيّ ، المجالحة ( والمُكاشفَةُ بالعداوَةِ والمُكابَرة ) ( و ) منه ( المُجالِحُ ) : المُكابِرُ . تاج العروس [6/341] الزَّبيدي .
وابن القيم – رحمه الله - في هذه الأبيات يصف المتمعلم ( أي المتعالم ) بأنه ضخم العمامة واسع الأردان . أي الأكمام أو الأعطاف ، أو اللباس الخاص بأهل الشام ، وهو متفيهق ، متضلع بالجهل ، ذو جلح ، ويعنى بذلك أنه ليس له علم كالشاة الجلحاء ، أو جريء على العلم كالذئب ؛ وليس من أهله كالأسد إذا صمم الإقدام على الفريسة وعدم الرجوع كذلك هو على الفتوى وغرائب العلم مع إظهار العداوة والمكابرة ،لأهله ، وهو زاج أي زاوج في ذلك بين الإيهام والهذيان ..
ومن خلال مطالعتي لكتب أهل اللغة ، وبحثي في مسألة تعريف المتعالم في كتب أهل العلم – مما تيسر له من الكتب التي بين يدي - ولا ادعي أني ألممت بكل ما فيها – تبين لي أن المتعالم هو :المتشبع بما لم يعط ، الدخيل على العلم وأهله ، وهو يحمل في جعبته الغثاء من السخافة ، والغرائب والأغلوطات ، والكذب ، قد تزيا بزي العلماء في سمته وهديه ، متظاهرا بالعلم ، مدعيا دعاوي عريضة ، مقداما بجرأة شديدة مريضة بحب الظهور ، ويقول الكذب ، ولا يستحي من الحق ، ولا من الخلق ، ويختلق الغرائب ، ويأتي بالعجائب يدعي الاجتهاد ، وداءه العناد ، ويكره العلماء أهل الإسناد ، أظهر لهم الحسد ،وله البغضاء من كل أحد ، لا يقبل نصحا ولا يرضى لنفسه توبة ولا صلحا ...حدث ، غر صغير ، وربما هو في السن شيخ كبير ، وداءه في الأمة خطير ، يعتمد على الصحف والقمطير ، وشأنه عند أولى العلم حقير .. نسأل الله أن يكفي الأمة شره، وأن يفضح أمره.
والتعالم بالمصطلح العصري هو أن يدعي الإنسان العلم قبل أن يتعلم، لا يعرف مرتبة الدليل، ولا يعرف مناط الدليل، ولا يعرف أن يفرق بين المجمل والمبين، والعام والخاص، والناسخ والمنسوخ، وتراه يتجرأ على الخوض في كتاب الله تعالى، أو في مسائل الأصول الكبار، قد يقع في التكفير، وقد يقع في التفسيق، وقد يقع في التبديع، والتمييع ، وربما جمع بين النقيضين وهو لا يحسن أن يفرق بين الدليل ومناطه، بين الدليل ومراتبه، فأنا أقول الدليل ليس منتهى العلم يا أخي، وليس العلم بكثرة الرواية ، ولا بكثرة الكلام والدراية بل العلم هو خشية الله بل لابد من فهم العلم على مراد الله ورسوله ليرث الخشية والخوف منه تعالى ، ولذلك نرى البخاري رحمه الله تعالى في كتاب العلم يترجم بابًا فقيهًا بعنوان "باب الفهم في العلم"، ومن جميل ما قاله ابن القيم "إن سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام قديمًا وحديثًا".
ومن أخطر مظاهر التعالم الجرأة على الفتوى، والعجب، والكبر، والغرور، واحتقار الناس، وازدراء الناس، وحفظ بعض المسائل للتأسد والتنمر بها على أقرانه في مجلس من مجالس العلم، يجلس في مجلس فيقول قاعدة من قواعد الأصول مثلا، يذكر قاعدة من القواعد، العمل بالظن لا يصح مادام العمل بالعلم ممكنًا، يعرف الشرط، نيته وهدفه أن يظهر للناس أنه على علم وأنه أعلم منهم . والنبي صلى الله عليه وسلم كما في مستدرك الحاكم وسنن البيهقي وابن ماجة وغيرها بسندٍ صحيح من حديث كعب بن مالك ( من تعلم العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء، أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار )، نعوذ بالله من الخذلان.يتبع إن شاء الله ...