المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القول البديع في الرد على سمير مرابيع - أو الأدلة النيرة على ماجاء في التدكرة على إتحاف البررة للشيخ أبي بكر يوسف لعويسي



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
11-Apr-2011, 05:03 PM
القول البديع في الرد على سمير مرابيع - أو الأدلة النيرة على ماجاء في التدكرة على إتحاف البررة للشيخ أبي بكر يوسف لعويسي


القول البديع في الرد على سمير مرابيع - أو الأدلة النيرة على ماجاء في التدكرة على إتحاف البررة
القول البديع في الرد على سمير مرابيع
أو الأدلة النيّرة على ماجاء في التذكرة على إتحاف البررة
*****************************
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغر الميامين ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد :
لقد اطلعت على ما جاء في التذكرة التي عقب بها الأخ - سمير مرابيع – على بحثي [[ إتحاف البررة بحكم صلاة الجنازة في المقبرة ]] فرأيته انتهج فيها نهج أهل الحديث إلى حد ما - على قصور كبير عنده- يظهر ذلك جليا في بعض الملابسات ؛ مع إساءة الظن بأخيه ، التي تضعف بحثه مما سيعرفه القاريء في حينه في هذه الملاحظات ليتبين له وجه الصواب ، ومن هو المحق من المخطيء ، ولست أقصد بهذا الرد الانتصار ، ولا المغالبة ، والله وحده هو الذي يعلم المقاصد ، ويطلع على القلوب ، وإنما قصدت المناقشة العلمية ، وبيان المغالطات التي جاء بها ، وأنا لا ادعي لنفسي أني فارس الميدان؛ وإنما نكتب ونعرض على المشايخ والعلماء وطلبة العلم الكبار في هذه المنتديات السلفية لأنه أصبح يتعذر علينا إيصالها لمشايخنا لضيق أوقاتهم وانشغالهم بالدعوة إلى الله وأمور أخرى كل حسب ظروفه ، حتى منهم من صرح لي لما أعطيته بعض رسائلي قال لي ليس لي الوقت
لأقرأ كل ما يُعطى لي ، فنرجوا ممن لهم الوقت منهم أن لا يبخلوا علينا بنصائحهم وتوجيهاتهم .
وكنت أود أن لا أرد على أخي وصاحبي وأن أقف منه هذا الموقف ؛ إذ المسألة خلافية -كما ذكرت في بحثي -ولا ينبغي التعصب فيها ، وإضاعة الجهود في الأخذ والرد، ولكني رأيت أن بعضا ممن يتعصبون للأشخاص أو المذاهب فرح بهذه التذكرة القاصرة، وظن أنه قد أجهز علينا بها، فذهب ينشر، ويذكر ، ويفتخر ، حيث جلس ، وبمن صدقه استأنس ، ولجهوده في التعصب كرس ، وبهذا النصر فرح وتنفس ، وما علم أن هذه التذكرة لم تقدم ولم تأخر في الموضوع شيئا إذ هي خالية من البركة ، كاليد الجذماء ، ومخالفة لما عليه العلماء ، في الكتب والمصنفات ، والردود والمكاتبات ، وأجمل لك الآن أيها تلك المحلاحظات التي لا حظتها عليها فيما يلي : ثم أذكر جزءا من مقاله بنصه؛ وبعدها أقوم بالتعليق على تلك الملاحظات بما تيسر لي بحثه ، في الجزء ،والبقية تأتي مع البقية .
الملاحظة الأولى هي : أنه لم يفتتح تذكرته بالبسملة ، والحمد والثناء على الله تعالى، والصلاة والسلام على رسوله .
وثانيها: اتهامي بالشدة وعدم الرفق ، والسطحية ، وسوء الظن ، وإعادة بعض الأمور التي ذكرتها ولم يأت فيها بشيء يفيد.
وثالثها : أنه سود صفحات طويلة لأقرار عمل أهل المدينة ليبرر لترك مالك- رحمه الله - العمل بالحديث ، الذي رواه ولم يعمل به .
ورابعها : ذكر بعض الآثار ولم يحقق فيها بل خلط فيها بماستراه ، مع أنه أظهر أنه على منهج أهل الحديث في التصحيح والتضعيف -كما أشرت – فصححها وغيرها ، أصح منها ، وضعف من لايستحق التضعيف ، وغلط في عزوها إلى بعض مصادرها وبعض أرقامها .
خامسها : صحح مرسل الحسن رحمه الله ، وأخذ به ؛ لأنه موافق في زعمه لما ذهب إليه ، وترك مرسل سعيد بن المسيب الصحيح مخالفا لأهل العلم في ذلك ، لأنه خالف ما يرمي بالانتصار له ، وبعد هذا ذكر كلام ابن عبد البر في حكم صلاة الجنازة على القبر؛ ولكنه بتره وحذف منه المقصود ...هذه هي الملاحظات في مجملها؛ وسيأتي تفصيلها -بإذن الله تعالى – لكن بعد أن أنزل جزءا من كلامه ،فيما ناقشته فيه ؛حتى لا نقوله مالم يقل باللون الأسود والبني ، ثم أعقب عليه بما يناسب المقام .
وأخيرا ؛ لي رجاء عندك أيها القاري وهو : أنك إن علمت شيئا مما تبحث عنه وانتفعت به ، أن تدعو لأخيك دعوة صالحة عن ظهر الغيب ، وإن لم تجد ما يروي غليلك ، أو وجدت خلاف ما كنت ترمي إليه أو تبحث عنه ؛ فاستغفر لأخيك ، واستر عليه نبوة قلمه ، يستر الله عليك ، وانصح له فإنه أحوج ما يكون إلى نصحك وتقويمك فالمؤمن مرآة أخيه ، أو كاليدين تغسل إحداهما الأخرى ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، ولا أشك أن منزلة يديك عندك بمنزلة واحدة. يؤكدها قوله صلى الله عليه وسلم :<< لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه >>رواه البخاري ومسلم .
وهذا هو الجزء من تذكرته ..
التذكرة على إتحاف البررة] مسألة صلاة الجنازة في المقبرة [
بقلم الشّيخ أبي وائل سمير مرابيع
المبحث الأول: في بيان كلام ابن عبد البر من التمهيد مع شيء من التعليق على كلام صاحبالإتحاف:
قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: عليك بالرفق إنالرفق لا يكون في شيء إلازانهولا ينزع من شيء إلاشانه. (رواهمسلم), وهذايخالف قول الكاتب: [وأنا أريد أن أحرر المسألة، وأذكر الراجحفيهابالأدلة لأنهكما قلت في المقدمة ظهر في هذه الآونة الأخيرة شباب ضاقتعليهم مسوغات الخلاف المتسعة وذلكلضيق عطنهم، فأصبحوا ينكرون كل قوليخالف ما هم عليه حتى لو كان قولهم شاذا بل لم يكتفوابذلك حتى رموا منخالفهم فيما اختلف فيه السلف بالبدعة والضلال...وما علمأن فعله هو المُجانبللصواب، وأن سنة المصطفىواضحة في هذا الباب كما سأبينه إن شاءالله], والصواب الذي لا مرية فيه, أن المسألة المطروحة مسألة خلاف تعارضت ظواهر الأدلة فيها, فتحتاج إلى بعد نظر وبسط وجمع أثر.
يقول يحيى بن معين: "لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجهاما عقلناه". ويقولالإمام أحمد:"الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضهبعضاً". وقال عليبن المديني : "الباب إذا لم تجمع طرقه، لم يتبين خطؤه ".
عليه فقد آثرت ذكر كلام ابن عبد البركاملا مع الوقوف عند ما يحتاج إلى بيان وتوضيح, مع ما يعتري ويحيط بالعبد من ضعفوزلل ونسيان وسوء بيان. والله الموفق.
قال ابن عبد البر في التمهيد (6/259) عند شرحه لحديث أبيأمامة بن سهل عن أبيه:"... واختلف الفقهاء فيمن فاتته الصلاة على الجنازة فجاء وقدسلم من الصلاة عليها وقد دفنت فقال مالك وأبو حنيفة لا تعاد الصلاة على الجنازة ومنلم يدرك الصلاة مع الناس عليها لم يصل عليها, ولا يصل على القبر وهو قول الثوري والأوزاعي والحسن بن حي والليث بن سعد وقال ابن القاسم قلت لمالك: فالحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على قبر امرأة, قال: قد جاء هذا الحديث وليس عليه العمل".
قلت: إن إبطال عمل أهل المدينة أو إجماع أهل المدينة عند الجمهور خلافا لمالك ليس بإطلاق , بل يجب الوقوف عنده والتريث في رده, ذلكلأن الاختلاف فيما يرجع إلى الأحكام الشرعية لم يقع كثيرًا إلا فيالمسائل الاجتهادية كاختلاف اجتهاد بعض الخلفاء، واختلاف الخلفاء الراشدين الذي هومن قبيل السنة لقوله عليه الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عيها بالنواجذ", ثم إن مالكًا رحمه الله لا
يَعتمد العمل به إذا كانمخالفًا للمروي الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يقول: كل كلام فيهمقبول ومردود إلا كلام صاحب هذا القبر –يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم-، وهوالقائل أيضا: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا ما في رأيي فما وافق الكتاب والسنةفخذوا به وما لم يوافق الكتاب والسنة من ذلك فاتركوه.
إلا أن الإمام -رحمه الله- يرى أن عملأهل المدينة في مسألة اختلفت أو تضاربت الأدلة في شأنها؛ يُرجّح الخلاف ويوجباختيار القول بعملهم على غيره من المذاهب، على أن الإمام كان إمامًا في الحديثعارفا بأسباب التجريح والترجيح, وما كان من البدع المستحدثة مما هو من السنةالمتبعة، وقد شهد على صلاحه ومعرفته وعلمه بالسنة جمٌّ غفير وأناس كثير, وهو من أشدالناس عملا بالسنة ورفضًا للبدعة، أما ما ورد من الأحاديث المروية في الموطأ وغيرهمما لم يأخذ بها الإمام مالك فلم يكن ذلك عن هوى وإنما كان عن معرفة وعلم ولا يكونإلا عن مستند صحيح ظهر له فهو الخبير بالصحيح من الحديث والسقيم، وهو حجة في هذاالباب وعالم أهل الحجاز ولم يبلغ أحد في زمانه مرتبته في العلم بالحديث والسنةوالرجال، فكان من أشد الناس انتقادا لهم فلا يُبلّغ من الحديث إلا ما كان صحيحًاولا ينقل إلا عن ثقة, وقد روى مائة ألف حديث جمع منه في موطئه عشرة آلاف ثم لم يزل يعرضها على الكتاب والسنة ويختبرها بالآثار والأخبار حتى وصلت إلى خمسمائة , وفي المدارك للقاضي عياض من الأدلة على ذلك ما يشفي الغليل,
وكان يقول رحمه الله: ما رواه الناس مثل ما روينا فنحن وهم سواء ما خالفناهم فيه فنحن أعلم به منهم.
يقول ابن عبد البر في الجامع: ليسلأحد من علماء الأمة أن يثبت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرده دون ادعاءنسخ عليه يباشر مثله أو إجماع أو بعمل يجب على أصله الانقياد إليه أو طعن في سندهولو فعل ذلك لسقطت عدالته فضلا عن أن يتخذ إمامًا ولزمه إثم الفسق ، قال هذا فيالرد على الليث بن سعد فيما ادعاه من أن مالكًا خالف السنة في سبعين مسألة قال فيهابرأيه، فنحن نرى الحافظ ابن عبد البر يستبعد صدور المخالفة من مالك للحديث الذييرويه ثم يعمل بخلافه دون أن يكون له سند يعتمد عليه ويعول عليه من نسخ أوترجيح.
على أن الإمام مالك لميقل أصلًا بأن عمل أهل المدينة هو الإجماع الذي يعد المصدر الثالث من مصادر التشريعإذ تعابيره في الموطأ لا تخرج عن قوله: (هذا الأمر الذي أدركت عليه الناس وأهلالعلم ببلدنا، أو الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا، أو الأمر الذي لا اختلاف فيهعندنا، أو ما أعرف شيئًا مما أدركت عليه الناس أو السنة عندنا، أو ليس على هذا العمل عندنا، أو الأمر الذي سمعت من أهل العلم، أو السنة التي لا اختلاف فيه
عندناأو السنة التي عندنا والتي لا شك فيها، أو قوله وليس العمل على هذا) هذه هي الصيغالتي استعملها مالك في موطئه قاصدًا بها عمل أهل المدينة.
فما ذكره مالك في عمل أهل المدينة هوبمثابة العرف الذي يوجد في أي مكان، ولذلك قال ابن خلدون في مقدمته (ص445): ولوذكرت المسألة (يعني عمل أهل المدينة) في باب فعل النبي صلى الله عليه وسلم وتقريرهأو مع الأدلة المختلف فيها مثل قول الصحابي وشرع من قبلنا والاستصحاب لكانأليق.
فهذاالعمل الذي عليه أهل المدينة يرفع الخلاف ويرجح ما هم عليه على غيرهم من المذاهبعلى أن مالكًا هو أكثر الناس تحرجا من البدع والشبهات وتمسكًا بما عليه الصحابةوالتابعون، وإنما يرجح عمل أهل المدينة على غيرهم لأن أهلها أقرب إلى صفاء التشريعونقاوته، وهم أبعد الناس عن أن يكونوا على ضلالة من أمرهم وهم أقرب الناس عهدابالرسول وأصحابه وأتباعهم ، وهذا شبيه بما كان عليه أبو يوسف صاحب أبي حنيفة حينكان يقدم العرف على الحديث ويقول: "إن الحديث ليس إلا تأكيدًا أو إقرارًا للعرفالذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لو وجد عليه الصلاة والسلام هذاالعرف قد تغير تغيرًا موافقًا لأصل الدين لأقره، ومثل هذا فعل الشافعي، فقد أخذبكثير من عمل أهل مكة وكذلك ينقل عن أبي حنيفة في حكمه بعمل أهل العراق، نقل ذلك الشيخ الحجوي (كتاب الفكر السامي ص 2/167).
وإذا كان هؤلاء الأئمة اعتبروا عرف هذهالبلدان فعمل أهل المدينة أولى بالاعتبار، ثم إن العمل الذي كان بالمدينة شائعا على عهد مالك رحمه الله, منه ما كان معمولا به
على الدوام وهو الذي قال فيه ابن رشد فيمقدماته (ص 2/565): وما استمر عليه العمل بالمدينة واتصل به فهو عنده -أي مالك- مقدم على أخبار الآحاد العدول، لأن المدينة دار النبي صلى الله عليه وسلم وبها توفيصلى الله عليه وسلم وأصحابه المتوافرون فيستحيل أن يتصل العمل منهم في شيء على خلافما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد علموا النسخفيه.
ثمقال ابن عبد البر"وذكر عبدالرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر قدم بعدما توفي عاصم أخوه, فسأل عنهفقال أين قبر أخي؟ فدلوه عليهفأتاه فدعا له. قال عبد الرزاق: وبهنأخذ.
قال (أي عبد الرزاق): وأخبرناعبيد الله بن عمر عن نافع قال: كان ابن عمر إذا انتهى إلى جنازة قد صُلي عليها, دعا وانصرف ولم يعد الصلاة.
وذكر (أي عبد الرزاق) عن الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قال: لا تعاد على ميتصلاة.
قال (أي عبد الرزاق) قالمعمر: كان الحسن إذافاتته صلاة على جنازة لم يصل عليها, وكان قتادةيصليعليها بعد إذا فاتته".
قلت: وسند الأثرين صحيح عن ابن عمر (انظر المصنف رقم 6546 و6545 والأوسط 3038), وأما أثر إبراهيم النخعي فسنده ضعيف لتدليس المغيرة بن مقسم.
انظر المصنف رقم 6544) وهو عند ابن أبي شيبة (رقم37537 (من طريقشعبة عن المغيرة به بلفظ: كانوا يكرهون أن يصلوا بين القبور, وكذا أثر الحسن البصريللانقطاع بينه وبين معمر (انظر المصنف رقم 6547), وقد جاء مرسلا صحيحا عنه بلفظ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلمعَنِ الصَّلاَةِ بَيْنَ الْقُبُورِ. منطريق حفص بن غياث عن أشعث الحدّاني عن الحسن به, (انظر ابن أبي شيبة رقم37531), ثم رأيت يحي بن سعيد القطان ينكر على من ادعى أن الحسنكان يصلي بين القبور (انظر تهذيب الكمال عند ترجمة: سهل بن أبي الصلت), قال عمرو بنعلي عن يحي بن سعيد القطان: روى (أي سهل بن أبي الصلت) شيئا منكرا أنه رأى الحسنيصلي بين سطور القبور. وحدثنا الأشعث عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهىعن الصلاة بين القبور –كأنه يثبته-.
وأما أثر معمر عن قتادة فصحيح الإسناد عنه (انظر المصنفرقم 6547).
وأختم هذه الفقرة بأصح وأصرحما ورد عن أنس رضي الله عنه : أنه كره أن يصلي على الجنازة في المقبرة. (انظر ابنأبي شيبة رقم37536 و7669وابنالمنذر 3053) من طريق عاصم الأحول عن ابن سيرين عن أنس به , ولا يخفىالقارئ أن إطلاق الكراهة عند السلف هي بمعنى التحريم. واللهأعلم.
ثم باشرالإمام ابن عبد البر ذكر مذهب المجيزين مع ذكر أدلتهمفقال: " وقال الشافعي وأصحابه من فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر إن شاء الله وهو رأى عبد الله بن وهب ومحمد بن عبد الله بنعبد الحكم وهو قول أحمد ابن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي وسائر أصحاب الحديثقال أحمد ابن حنبل رويت الصلاة على القبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوهحسان كلها". انتهى كلامه.

*************************
وهذه تعليقاتي وبيان تلك الملاحظات أنزلها باللون الأزرق ، الداكن والفاتح حتى تكون مغايرة للون الذي أنزل به الجملة في موضع الملاحظة من جزءه باللون المذكور أعلاه حتى يتميز كلامه من ملاحظاتي .فأقول وبالله استعين .
أولا : أتأسف على أنك تدعي الاتباع والتمسك بالآثار ؛ ولا تعمل بذلك وتتبع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأهل الآثار في المكاتبات والرسائل والمصنفات ، فقد كان صلى الله عليه وصلم يفتتحها بالبسملة ، أو بالحمدلة ، وهذا مشهور عنه ، وعن أصحابه كما في الصحيحين وغيرهما، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله معظمها في الزاد ، ونقلتها في مقالي ، تذكير الإخوات والأخوات بالسنة في التعاليق والرسائل والمكاتبات ،وتذكرتك هذه ليست كذلك ، فقد افتتحتها بقولك بعذ العنوان والاسم :
المبحث الأول : في بيان كلام ابن عبد البر من التمهيد مع شيء من التعليق على كلام صاحبالإتحاف:
فأين العلم والتأصيل يا أخي وصاحبي ؟؟ ولا إخالك تجهل أن أي خطبة كانت خالية من ذكر الله ، لم تفتتح بالبسملة والحمد لله ، والثناء عليه ، والصلاة والسلام على رسوله ، فهي كاليد الجذماء .أي مقطوعة البركة ، وبذلك جاء الحديث.
ثانيا : لم تبدأ تذكرتك بالسلام أيضا؛ لتدلنا بذلك على تلطفك في النصيحة بالمنصوح الذي تريد أن تذكره ؛ فيظهر بذلك رفقك الذي تستنكره علينا ، وهذا مما يؤكد لي بعدك عن التأصيل والتأسيس ، وعدم تقديرك لحال الُمذّكرين ، وسوء الظن بهم ، أنظر إلى قولك : التعليق على صاحب المقال .. وكأنك تخاطب خصما مجهولا، فأي أدب علمي هذا يا أخي وصاحبي؟ أهذا هو الرفق عندك الذي تطالبني به ، سبحان الله !!
ثالثا : قال أخي وصاحبي :
قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: عليك بالرفق إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه. (رواه مسلم), وهذا يخالف قول الكاتب .. [وأنا أريد أن أحرر المسألة، وأذكر الراجح فيها بالأدلة لأنه كما قلت في المقدمة ظهر في هذه الآونة الأخيرة شباب ضاقت عليهم مسوغات الخلاف المتسعة وذلك لضيق عطنهم، فأصبحوا ينكرون كل قول يخالف ما هم عليه حتى لو كان قولهم شاذا بل لم يكتفوا بذلك حتى رموا من خالفهم فيما اختلف فيه السلف بالبدعة والضلال...وما علم أن فعله هو المُجانب للصواب، وأن سنة المصطفى واضحة في هذا الباب كما سأبينه إن شاء الله].
قلت: افتتح هذا المبحث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : << عليك بالرفق إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه >>. رواه مسلم.
ثم عقبه بقوله : وهذا يخالف قول الكاتب... ثم ذكر كلامي مما يخالف الحديث ..في زعمه .
قلت : ويعني بذلك أنني خالفت قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وأني استعملت الشدة والغلظة في كلامي المذكور الذي نقله عني ، وأنا أرفع هذا الطلب إلى جميع من قرأ رسالتي من العلماء وطلبة العلم ، أن يعيدوا النظر في الكلام المذكور آنفا ؛ فإنه قليل لا يكلفهم وقتا كثيرا ، فإن وافقوه على أنه كما قال واستنتجه أنه مخالف للرفق مخالف للحديث النبوي : فأنا راجع عنه معدل له - إن شاء الله – وإن كانت الأخرى فليستغفر الله من هذا الاتهام.
4- أرجوا منه أن يبين لي موضع الشدة فيه ، وأنا شاكر له صنيعه ذلك ، وليعلم أنني ما وصفت من حال أولئك المخالفين الشباب إلا الشيء اليسير جدا مما رأيت منهم وناقشت بعضهم في حادثة وقعت ، وكيف تصرفوا مع من خالفهم وصلى على الجنازة في مصلى معدٍ للجنائز داخل المقبرة المحاطة بجدار ، أو سياج ، والقبور بعيدة عن المصلى تماما ، وشبهتهم في ذلك أن المقبرة محاطة بجدار ؛ ومادام الأمر كذلك فالصلاة فيها لاتجوز وشنعوا كثيرا على من لم يؤخذ برأيهم ، وأنكروا عليه بشدة ، ورموه بالبدعة ، ولم أقصد قط في كلامي طلاب العلم السنيين، والعلماء السلفيين الذين يعتبرون الخلاف في مواطن النزاع المستساغ ، والمحتمل للإدلة ..فهؤلاء لهم كل التقدير الاحترام .
5- وقال أخي وصاحبي : والصواب الذي لا مرية فيه, أن المسألة المطروحة مسألة خلاف تعارضت ظواهر الأدلة فيها, فتحتاج إلى بعد نظر وبسط وجمع أثر يقول يحيى بن معين: "لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه". ويقول الإمام أحمد:"الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضاً". وقال علي بن المديني: "الباب إذا لم تجمع طرقه، لم يتبين خطؤه".
قلت : قوله : والصواب الذي لا مرية فيه, أن المسألة المطروحة مسألة خلاف تعارضت ظواهر الأدلة فيها..
فلم يتأتي فيه بشيء لأني لم أذكر الإجماع في المسألة ، بل ذكرت أن المسألة خلافية وهذا كلامي واضح غاية الوضوح فقد قلت في المقدمة :[[ أما الصلاة على الجنازة في المقبرة فهو بيت القصيد من مبحثنا هذا، وهي كباق المسائل التي اختلف فيها أهل العلم قديما وحديثا..]] فما وجه اعتراضه بقوله والصواب ..غير تحصيل حاصل ، وتسويد متحامل ، والمسألة كما ترى أيها القاريء أنني ذكرت الخلاف وحررت المسألة بما توصلت إليه من بحث ..
6- وقال أخي وصاحبي: فتحتاج إلى بعد نظر وبسط وجمع أثر...
قلت: فهذا فيه رمي لي بالسطحية ، فلا أعقب عليه بشيء ، وإنما أترك ، للقاريء الكريم أن ينظر بعين الانصاف ، والتجرد عن التعصب والإجحاف ، هل الأمر كذلك في بحثي ، وأنه سطحي أم أنه على خلاف ذلك ؟
7 - ثم ذكر أخي وصاحبي ثلاثة آثار فقال: يقول يحيى بن معين: "لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه". ويقول الإمام أحمد:"الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضاً". وقال علي بن المديني: "الباب إذا لم تجمع طرقه، لم يتبين خطؤه".
قلت : وهذه الآثار تصدق على المخالف ممن وصفناهم إذ لم يستقروا الأحاديث والآثار في المسألة ، كماتصدق على المعترض إذ لم يجمع بين فقه الحديث والحديث ،وأما أنا بحم الله تعالى ،فقد بحثت المسألة ؛ وإن كنت قصرت في البحث فلم أزعم يوما أنني قتلت المسألة بحثا ، ولكن حسبي أنني بحثت واستقريت الأدلة وناقشت قول المخالف ..وجمعت بين الأدلة التي ظاهرها التعارض ، والحمد لله رب لعالمين .
8- وقال أخي وصاحبي : وعليه فقد آثرت ذكر كلام ابن عبد البر كاملا مع الوقوف عند ما يحتاج إلى بيان وتوضيح, مع ما يعتري ويحيط بالعبد من ضعف وزلل ونسيان وسوء بيان. والله الموفق.
قال ابن عبد البر في التمهيد (6/259) عند شرحه لحديث أبي أمامة بن سهل عن أبيه:"... واختلف الفقهاء فيمن فاتته الصلاة على الجنازة فجاء وقد سلم من الصلاة عليها وقد دفنت فقال مالك وأبو حنيفة لا تعاد الصلاة على الجنازة ومن لم يدرك الصلاة مع الناس عليها لم يصل عليها, ولا يصل على القبر وهو قول الثوري والأوزاعي والحسن بن حي والليث بن سعد وقال ابن القاسم قلت لمالك: فالحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على قبر امرأة, قال: قد جاء هذا الحديث وليس عليه العمل".
قلت : أولا : بتر كلام ابن عبد البر الدال على المقصود ، فقد صدره بقوله رحمه الله :" وفيه الصلاة على القبر لمن لم يصل على الجنازة ، وهذا عند كل من أجازه ورأه بحدثان ذلك ، على ما جاءت به الآثار المسندة ،وعن الصحابة أيضا رحمهم الله مثل ذلك وفيه الصف على الجنازة ...وفيه أن سنة الصلاة على القبر كسنة الصلاة على الجنازة سواء ، في الصف عليها والدعاء والتكبير" .
فهذا كلام ابن عبد البر رحمه الله ، وقوله فيه: على ما جاءت الآثار المسندة ، وعن الصحابة أيضا ... يفهم منه أن فيه آثار عن الرسول مسندة ، وعن الصحابة كذلك وذلك ثابت بالتواتر وقد نقلته في بحثي وذكرت من قال بتواتره ، فأغنى عن إعادته.
وقوله رحمه فيه :... وفيه أن سنة الصلاة على القبر كسنة الصلاة على الجنازة سواء في الصف والدعاء والتكبير ..
2 - فلم يبق من المفارقة إلا المكان ، فمنعوا الجنازة في المقبرة ؛ وأجازوا الصلاة على القبر بين القبور وداخلها ، وهذا تفريق بين متماثلين ، مع اتحاد العلة في المنع ، والأحكام في الفعل فإنها سواء ؛ وأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها داخل المقبرة ، ولو كان شيئا حراما لم يفعله في مكان تحرم الصلاة فيه ، فالعلة في الجميع واحدة ، سواء كانت نجاسة المقبرة -كما يقولون - أو سدا لذرائع الشرك ، فإن كانت النجاسة فلا يعقل أن يبيح صلاة دون أخرى تماثلها في الأحكام وتتحد معها في العلة ؛ وهي نجاسة المكان ، فتكون واحدة مباحة في مكان نجس والثانية ممنوعة محظورة.
وإن كانت ذرائع الشرك فهي موجودة في الصلاة على القبر أشد منها في الصلاة على الجنازة داخل المقبرة على طرفها أو بعيدا عن القبور .وما كان للصحابة أن يفعلوها ؛ فهي لم تكن ممنوعة يوما ما ثم أبيحت يوم صلى أبو هريرة على أمنا عائشة وأمنا أم سلمة في البقيع ، فليس لهم أن يبيحوا أمرا حظره الشرع ، والوحي قد انقطع ، فدل هذا على أنها كانت مباحة.والله اعلم .
9- قال أخي وصاحبي : قلت : إن إبطال عمل أهل المدينة أو إجماع أهل المدينة عند الجمهور خلافا لمالك ليس بإطلاق, بل يجب الوقوف عنده والتريث في رده, ذلك لأن الاختلاف فيما يرجع إلى الأحكام الشرعية لم يقع كثيرًا إلا في المسائل الاجتهادية كاختلاف اجتهاد بعض الخلفاء، واختلاف الخلفاء الراشدين الذي هو من قبيل السنة لقوله عليه
الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عيها بالنواجذ", ثم إن مالكًا رحمه الله لا يَعتمد العمل به إذا كان مخالفًا للمروي الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يقول: كل كلام فيه مقبول ومردود إلا كلام صاحب هذا القبر –يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم-، وهو القائل أيضا: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا ما في رأيي فما وافق الكتاب والسنة فخذوا به وما لم يوافق الكتاب والسنة من ذلك فاتركوه. إلخ ...
قلت: ثم جاء صاحبي يركض وهو يجر القلم ؛ وفي يده الأخرى عمل أهل المدينة ، وقد أطال النفس وسود صحائف كثيرة في إثبات حجية عمل أهل المدينة دون التفصيل المذكور عند المحققين من المالكية كالقاضي عياض ، والقاضي عبد الوهاب ،وحتى ابن عبد البر ، والباجي وغيرهم ...وقدلخصه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عنهم تلخصيا جيدا وسيأتي قريبا.
وهو يريد بذلك أن يبرر ويقرر لرد مالك للحديث الثابت أنه ليس عليه عمل أهل المدينة ، وما علم أن عمل أهل المدينة إذا خالف الحديث لا اعتبار به ، فكيف إذا خالف ما كان عليه الصحابة والنقل المتواتر عنهم ؟
وتنزلا معه في عمل أهل المدينة نقول له لم تبين لنا أي نوع من عمل أهل المدينة تقصد ، كما - سأذكره عن أهل العلم – وهو على أنواع عندهم ، فإن كان يقصد العمل القديم وهو ماكان على سبيل النقل أي تناقله جيل عن جيل إلى عهد الإمام مالك فهذا نعم أو ما كان على عهد الصحابة إلى ما قبل مقتل عثمان رضي الله عنه ؛ وهذا أيضا حجة وحينئذ نقول له أن هذه المسألة التي جرى فيها النزاع بيننا وأردت أن تستدل لها بعمل أهل الدينة ليست من هذا القبيل ، ولا يصلح عمل أهل المدينة دليلا لها ، بل هو دليل عليها وهو لنا ؛ فقد كان في عهدهم رضوان الله عليهم الصلاة على الميت على القبر كما رواه مالك ،وغيره ، وقال ابن القاسم قلت لمالك: فالحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على قبر امرأة, قال: قد جاء هذا الحديث وليس عليه العمل".
وقدساق ابن عبد البر رحمه الحديث بأسانيده إليه ، ثم ذكر ما فيه من الفقه ورجح سنية الصلاة على القبر غير معتبر في ذلك رد مالك للحديث ، وقد جئت أنت ببعضه وبترت المهم منه في قوله: [[..على ما جاءت به الآثار المسندة ،وعن الصحابة أيضا رحمهم الله مثل ذلك..وفيه أن سنة الصلاة على القبر كسنة الصلاة على الجنازة سواء، في الصف عليها والدعاء والتكبير]].
وإن كنت تقصد بعمل أهل المدينة المتأخر مما كان عن اجتهاد فهو ليس حجة عند أهل العلم حتى المحققين من المالكية إلا بعض مقلدة المالكية ، كما أفاده شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وقبلهما ابن حزم ، ومن المتأخرين الشوكاني وكثير من أهل العلم رحمهم الله.
قال شيخ الإسلام رحمه الله مجموع الفتاوى [ج20/ 303 ] والتحقيق في مسألة إجماع أهل المدينة أن منه ماهو متفق عليه بين المسلمين ، ومنه ماهو قول جمهور أئمة المسلمين ؛ ومنه ما لا يقول به إلا بعضهم ، وذلك أن إجماع أهل المدينة على أربع مراتب :
1- ما يجري مجرى النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛مثل : نقل مقدارهم الصاع والمد؛ وهذا حجة باتفاق .
2- العمل القديم بالمدينة قبل مقتل عثمان بن عفان –رضي الله عنه- وهذا حجة عند جمهور العلماء ؛ فإن الجمهور على أن سنة الخلفاء الراشدين حجة ، وما يعلم لأهل المدينة عمل قديم على عهد الخلفاء الراشدين مخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- إذا تعارض في المسألة دليلان – كحديثين ، أو قياسين – وجهل أيهما أرجح ، وأحدهما يعمل به أهل المدينة ؛ففي هذا نزاع ، فمذهب مالك والشافعي أنه يرجح بمعمل أهل المدينة ، ومذهب أبي حنيفة لايرجح ، ولأصحاب أحمد وجهان ، ومن كلامه أنه رحمه الله قال : إذا رأى أهل المدينة حديثا وعملوا به فهو الغاية .
وقد اعترض عليه الزركشي كما في البحر المحيط [4/484 ] فقال : وادعى ابن تيمية أنه مذهب الشافعي وأحمد بناءً على قولهما : إن اجتهادهم في ذلك الزمن مرجح

على اجتهاد غيرهم ؛ فيرجح أحد الدليلين لموافقة أهل المدينة ] وقال مرة أخرى رحمه الله : إنه محمول على إجماع المتقدمين من أهل المدينة . ا هـ .
4- العمل المتأخر بالمدينة ؛ فهذا : هل هو حجة شرعية يجب اتباعه أولا ؟ فالذي عليه أئمة الناس أنه ليس بحجة شرعية ، هذا مذهب الشافعي ، وأحمد وأبي حنيفة – وغيرهم – وهو قول المحققين من أصحاب مالك ، وربما جعله حجة بعض أهل المغرب من أصحابه ، وليس معه للأئمة نص ولا دليل ، بل هم أهل تقليد .ولم أر في كلام مالك ما يوجب جعل هذا حجة .أ ه .
وأما ابن القيم تلميذه فقد تكلم عليه في غير موضع من كتبه ؛ ولولا خشية الطول لنقلته كاملا لنفاسته ، ولكن أنقل الغرض منه، قال رحمه الله تعالى : في إعلام الموقعين [ج4/ 239] [[ الكلام على عمل أهل المدينة ]] فهذا أصل قد نازعهم فيه الجمهور ، وقالوا : عمل أهل المدينة كعمل غيرهم من أهل الأمصار ، ولا فرق بين عملهم وعمل أهل الحجاز والعراق والشام فمن كانت السنة معهم فهم أهل العمل المتبع ، وإذا اختلف علماء المسلمين لم يكن عمل بعضهم حجة على بعض ، وإنما الحجة اتباع السنة ، ولا تترك السنة لكون عمل بعض المسلمين على خلافها أو عمل بها غيرهم .ولو ساغ ترك السنة لعمل بعض الأمة على خلافها لتركت السنن وصارت تبعا لغيرها ،فأن عَمِل بها ذلك الغير عُمِل بها وإلا فلا ، والسنة هي العيار على العمل وليس العمل هو عيارا على السنة ، ولم تضمن لنا
العصمة قط في عمل مصر من الأمصار دون سائرها ، والجدران والمساكن والبقاع لا تأثير لها في ترجيح الأقوال ، وإنما التأثير لأهلها وسكانها .وهذا كلام جميل وجيد ، وقد ناقش المسألة مناقشة رائعة ممتعة مستفيدا من ابن حزم رحمه الله في كتابه الإحكام [ج4/ 204- 218 ] فقد شنع على من يقول بحجية عمل أهل المدينة مطلقا .
وراجع تمام كلام ابن القيم في كتبه إعلام الموقعين ، وبدائع الفوائد [ج4/32] . وقال الشوكاني في إرشاد الفحول [ج1/ 140] تحقيق أحمد عزو عناية : وعمل أهل المدينة لا تقوم به الحجة على ما سيأتي على أنَّا نمنع ثبوت هذا الإجماع الفعلي عنهم.
وقال رحمه في إرشاد الفحول "124": إجماع أهل المدينة على انفرادهم ليس بحجة عند الجمهور لأنهم بعض الأمة، وقال مالك: إذا أجمعوا لم يعتد بخلاف غيرهم.. وقال الباجي: إنما أراد ذلك بحجية إجماع أهل المدينة فيما كان طريقه النقل المستفيض كالصاع والمد والأذان والإقامة وعدم وجوب الزكاة في الخضروات مما تقتضي العادة بأن يكون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لو تغير عما كان عليه لعلم؛ فأما مسائل الاجتهاد فهم وغيرهم سواء. انتهى. أصول الفقه على منهج أهل الحديث [ص 56 -57] لزكريا بن غلام قادر الباكستاني .
وقال الغزالي في المستصفى [ج1/ 351] وقد تُكلف لمالك رحمه الله تأويلات ومعاذير استقصيناها في كتاب تهذيب الأصول ولا حاجة إليها هاهنا وربما احتجوا بثناء
رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة وعلى أهلها ؛ وذلك يدل على فضيلتهم وكثرة ثوابهم لسكناهم المدينة ولا يدل على تخصيص الإجماع بهم .
فأقول لأخي وصاحبي : إذا كان إجماع أهل المدينة على أربع مراتب ، قسم واحد متفق عليه؛ وهو حجة ،وهو ماكان مستنده النقل ، والثاني فيما كان عليه الصحابة فيما كان متقدما على مقتل عثمان رضي الله عنه ، وهو قول الجمهور وأنه حجة .
والثالث: إذا تعارض في المسألة دليلان فيعتبر من المرجحات الخارجية وهو مختلف فيه ، والمحققون على عدم الاعتداد به ، أما القسم الرابع : وهو العمل المتأخر بالمدينة وهذ ليس بحجة عند المحققين .
وهنا أسأل – أخي وصاحبي- في أي أنواع عمل أهل المدينة تصنف مسألتنا هذه فيه؟ فإذا قلت في الأول ، كذبتك الأحاديث المسندة ، ومنها ما نقله مالك نفسه حيث لم يعمل بالنقل فيه الذي كان قد وراه في موطأه .
وإن قلت بالثاني ، كذبتك الآثار المسندة عن الصحابة كما نقلها ابن عبد البر وغيره وسأنقل لك طائفة منها ، وقد صححت أنت طائفة منها ، وإن قلت بالثالث ، قيل لك كيف ترجح بأمرٍ خارجي لايثبت عند مخالفك ، وأنت أيضا توافق على ثبوت الدليل في المسألة ، وإنما تختلف معه في توجيه الدليل وهذا لايصلح ... أما حملها على النوع الرابع فلا حجة لك فيه لأنه مردود عند العلماء كما رأيت .
والآثار عن الصحابة في ذلك كثيرة ، وقد ساق ابن عبد البر في التمهيد أغلبها ، فقد ذكر- رحمه الله- فعل الصحابة في ذلك وأن عملهم على ذلك ، فذكر فعل عائشة أنها أتت المقبرة فصلت على قبر أخيها ، وكذلك فعل ابن عمر مع أخيه عاصم لما توفي ولم يحضره ، وعلي ابن أبي طالب، وعبد الله ابن مسعود ، وقرظة بن كعب ،وأبي موسى الأشعري، وأنس بن مالك ، وسلمان بن ربيعة ،وهشام بن عروة، وغيرهم من التابعين .. رضي الله عنهم أجمعين ، وإن كان في بعضها ضعف فهي ثابتة بمجوعها .ومن أراد أن يطلع عليها جميعها فعليه بكتاب التمهيد ضمن موسوعة شروح الموطأ [ج7/ص509-إلى 529] وكذلك ذكر بعضا منها ابن أبي شيبة في المصنف ، وعبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن حبان ، في الأوسط وابن حزم رحمه في كتابه المحلى [ج 5/ 210- 211] غيرهم .
وأضيف هنا ما أخرجه عبد الرزاق عن بن جريج لعله يكون فاصلا في محل النزاع قال: قلت: لنافع أكان ابن عمر يكره أن يصلي وسط القبور؟ قال: "لقد صلينا على عائشة وأم سلمة وسط البقيع، قال: والإمام يوم صلينا على عائشة رضي الله عنها؛ أبو هريرة وحضر ذلك عبد الله بن عمر. المصنف لعبد الرزاق (1/407/1593)، (3/525/6570).
وقال ابن جريج هنا:< أخبرني نافع قال صلينا ...> وسنده صحيح.وأخرجه الطبراني في الكبير (23/29/72)، والبيهقي في الكبرى (2/435) أيضاً.
قال الشيخ الألباني رحمه الله : "هذا الأثر أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (1/407/1594) بسند صحيح عن نافع". انتهى من كتابه تحذير الساجد من اتخاذ القبور مسجد (ص 188}.
فأقول لصاحبي : هذا عمل أهل المدينة ، فهل فِعل هؤلاء الجمع كان بالمدينة أم خارجها حتى تتمسك بعمل أهل المدينة الذي خالفهم؟.
وعلى فرض قول مالك أنه لم يكن من عمل أهل المدينة في عصره ، فهؤلاء الصحابة كانوا في المدينة ، فهل يعني عندكم أنهم إذا خرجوا من المدينة بما معهم من العلم عن رسول الله وخالفوهم فيه من جاء بعدهم من أهل المدينة يترك علمهم لهؤلاء ولايعمل به ؟ حتى مالك لا يرضى بهذا فهو رحمه الله لما جاءه المنصور وطلب منه أن يجمع الناس على الموطأ نهاه ؛ وقال لاتفعل فإن صاحبة رسول الله تفرقوا في الأمصار وكل أخذ معه من العلم مما ليس عند الآخر فاترك الناس يعملون بما بلغهم من علم عن رسول الله .وهو الذي قال : أوكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا سنة نبينا لجدل هذا الرجل .
ققال في التاج والأكليل لمختصر خليل بعد قول أبي عُمَرَ بن عبد البر: وَالصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ أَوْ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مُبَاحٌ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَلَا رَسُولُهُ وَلَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى كَرَاهَتِهِ ، وَفِعْلُ الْخَيْرِ لَا يَجِبُ أَنْ يُمْنَعَ إلَّا بِدَلِيلٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ .قَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ : لَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِمُحَمَّدٍ .
قُلْنَا : مَا عَمِلَهُ مُحَمَّدٌ يُعْمَلُ وَتَعْمَلُ بِهِ أُمَّتُهُ مِنْ بَعْدِهِ .
وقال : ابن رشد بعد نقله قول ابن القاسم لمالك في الحديث ورد مالك عليه قال: والصلاة على القبر ثابتة باتفاق من أصحاب الحديث .الهداية في تخريج أحاديث البداية [ج4/348].
قلت : وهذا هو الحق ، فلا اعتبار لقول أو عمل أحد مع قوله أو عمله صلى الله عيه وسلم .
وقال أخي وصاحبي : ثم قال ابن عبد البر"وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر قدم بعدما توفي عاصم أخوه, فسأل عنه فقال أين قبر أخي؟ فدلوه عليه فأتاه فدعا له. قال عبد الرزاق: وبه نأخذ.
قال أي( عبد الرزاق): وأخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع قال: كان ابن عمر إذا انتهى إلى جنازة قد صُلي عليها, دعا وانصرف ولم يعد الصلاة .
قال أخي وصاحبي بعد هذا النقل عن ابن عبد البر ، قلت: وسند الأثرين صحيح عن ابن عمر ( انظر المصنف رقم 6546 و6545 ] والأوسط 3038).
قلت : أما الأول فهو في ترك الصلاة على أخيه فقد علمت أنه ثبت عنه أنه صلى على أخيه ، من طريقين صحيحين ، بل من عدة طرق ، الأول ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق ابن عليه ،والثاني ما أخرجه ابن حزم من طريق حماد بن سلمة ، وهما في غاية الصحة.وإليك التفصيل ، والثالث ما أخرجه المنذري في الأوسط على خلاف ما عزاه إليه صاحبي وأخي ، كما سيأتي بيانه .
هذا الأثر الذي اعتمده أخي وصاحبي "وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر قدم بعدما توفي عاصم أخوه, فسأل عنه فقال أين قبر أخي؟ فدلوه عليه فأتاه فدعا له . رواه عبد الرزاق [6546] هكذا بدون ذكر الصلاة ، فقد جاء ما يعارضه وهو أصح وأقوى منه ففي مصنف ابن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب [هو السختياني ] عن نافع قال : توفي عاصم بن عمر وابن عمر غائب؛ فقدم بعد ذلك قال أيوب : أحسبه قال بثلاث؛ قال: فقال : أروني قبر أخي فأروه فصلى عليه ].
قلت: وهذا إسناد صحيح ،فإسماعيل بن علية ثقة مأمون صدوق ورعا تقيا [تهذيب التهذيب [ج1/241-242].وأيوب السختياني ثقة ثبت [تهذيب التهذيب [ج1/348-349]، ونافع الإمام مولى ابن عمر فهذا من أصح الإسانيد ..
والطريق الثاني : ما أخرجه ابن حزم [ج3/ 210 ] من طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه قدم وقد مات أخوه عاصم فقال : أين قبر أخي ؟ فدل عليه فصلى عليه ودعا له .
وهذا أيضا إسناد صحيح فحماد بن سلمة إمام وثقه جمع من أهل العلم ، راجع :[ تهذيب التهذيب /ج 3/ 11-14] وحديثه عن أيوب من أثبت الأحاديث كما قال الإمام أحمد فيما نقله عنه الحفط في التهذيب .
وقد أحرجه البيهقي [ج4/49][ 6816 ] من طريق ثالث ،قال: وأخبرنا محمد بن الحسين أنبأ عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع قال قدم بن عمر بعد وفاة عاصم بن عمر بثلاث فأتى قبره فصلى عليه.وهناك طريق رابع عند المنذري وسيأتي .
وهذا أيضا إسناد صحيح ، ومما يرجح أن الرواية التي فيها الصلاة أرجح أن ابن أبي شيبة قد بوب " باب في الميت يصلى عليه بعد ما دفن من فعله .
وبعد أن ذكر الأحاديث والآثار الواردة في ذلك؛ ومنها أثر ابن عمر الذي فيه الصلاة ، وأثر ابن سرين الذي أهمله صاحبي قال : حدثنا هشيم قال أخبرنا ابن عون قال كنت مع ابن سرين ونحن نريد جنازة ؛ فسبقنا بها حتى دفنت قال فقال ابن سرين تعالى حتى نصنع كما صنعوا قال : فكبر على القبر أربعا .
وبعد ذكره لهذه الآثار وغيرها قال : من كان لايرى الصلاة عليها إذا دفنت وقد صلى عليها.[أي باب من كان لا يرى الصلاة ...] ثم ذكره حديث المغيرة عن إبراهيم قال : لايصلى على الميت مرتين .وهو الذي رواه عبد الرزاق ب[ رقم 6544] عن الثوري عن مغيرة به ..وسيأتي الكلام عليه .
وقال حدثنا هشيم قال أخبرنا أبوحرة عن الحسن أنه كان إذا سبق بالجنازة استغفر لها، ويجلس أو ينصرف ، وهذا الأثر هو الذي رواه عبد الرزاق [برقم 6547] عن معمر عن رجل عن الحسن به ..وسيأتي الكلام عليه أيضا .
فلم يذكر ابن أبي شيبة أثرا عن ابن عمر أنه دعا وانصرف؛ ولا ذكره فيمن لا يرى الصلاة على القبر ، ولو كان شيئا ثابتا ما أهمله ، وهذا مما يقوي ماذهبنا إليه أن الرواية الصحيحة عن ابن عمر هي ثبوت صلاته على قبر أخيه كما رجحه ابن حزم وغيره .ويؤكد هذا أيضا شهوده صلاة الجنازة على عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما داخل البقيع وراء أبي هريرة كما مر آنفا قريبا .
وقال المنذري في الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف عند حديث أَنَسٍ،برقم [3103] " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ بَعْدَمَا دُفِنَتْ "وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ، فَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ الصَّلَاةَ عَلَى الْقَبْرِ، وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ أَمَرَ قَرَظَةَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جَنَازَةٍ قَدْ صَلَّى عَلَيْهَا مَرَّةً.فأنت ترى أنه ذكر عبد الله بن عمر فيمن يرون الصلاة على القبر .
قال هذا بعد أن روى بسنده رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في الصلاة على أخيه ، وستأتي بعد قليل في موضعها المناسب لها، وهذا ممايؤيد ويؤكد الرواية التي فيها أنه أتى قبر أخيه فصلى عليه .
وأما الأثر الثاني الذي تمسك به أخي وصاحبي هو: قال أي( عبد الرزاق): وأخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع قال: كان ابن عمر إذا انتهى إلى جنازة قد صُلي عليها, دعا وانصرف ولم يعد الصلاة .
قلت: فهذا إسناده صحيح ، ولكن ليس فيه أن الجنازة كانت لأخيه ، وإنما فيه إذا انتهى إلى جنازة [ أي جنازة ] دعا وانصرف .
وهذا جوابه أن يقال : إن الصلاة على الجنازة فرض كفاية ، وليس بواجب على المسلم أنه كلما مر بجنازة مسلم [أي جنازة ] دفنت وصُلي عليها أن يصلي عليها ، ولكن مطلوب منه أن يدعو لصاحبها وينصرف .وعلى هذا يحمل هذا الأثر ولا إشكال فيه ، ولا يتعارض مع الأثر الذي فيه الصلاة على أخيه ، لأن أخاه له الحق الزائد على غيره من المسلمين ؛وقد كان غائبا حين مات ، لذلك أعاد الصلاة عليه على قبره ،وهي مؤذون فيها وقد بوب البيهقي في سنن الكبرى [ج4/ 28] باب الولي يبر قريبه بعد موته بالصلاة عليه والاستغفار له .
ونقل القاضي عياض في إكمال المعلم شرح صحيح مسلم [ج3/ 225] حسب ما في الشاملة عن أبى حنيفة قال بعد قوله أنه لايصلى على من صلي عليه :.. إلاّ أن يكون وليَّه ، فله إعادة الصلاة عليه ، وعن مالك - أيضا - جواز ذلك.
فهذا هو الفقه الصحيح وهكذا ينبغي فهم الآثار ، وليعلم أن لفظ الصلاة إذا أطلق فإنه ينصرف إلى الصلاة المعهودة ، وليس إلى الدعاء ،كما قال ابن عبد البر رحمه الله ، وقد نقلته عنه في رسالتي .وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم صلاة :بوب البخاري في صحيحه باب السنة في صلاة الجنازة : [[ وقال النبي صلاى الله عليه وسلم :<< من صلى على جنازة ]] وقال : << صلوا على صاحبكم >> وغير هذا من الأدلة التي تثبت أن الصلاة إذا أطلقت يراد بها الصلاة الجنازة بالاشتراك مع ذات الركوع والسجود.ولا يقصد بها الدعاء.
وقال ابن حزم رحمه الله [ج3/ 210- 211] : قال بعضهم كان ابن عمر لا يصلي على القبر ؟ قلنا : نعم كان لا يصلي سائر الصلوات على القبر ، ويصلي الجنازة على القبر أبدا .
قال : وهذا لو صح لكان قد صح ما يعارضه ، وهو أنه رضي الله عنه صلى صلاة الجنازة على القبر ، ثم لو لم يأت هذا عنه لكان قد عارضه ماصح عن الصحابة في ذلك ، فكيف ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يصح عن ابن عمر إلا ما ذكرناه .
ثم ذكر رحمه الله أثر عائشة ، وعلي ، وأنس ، وابن مسعود ، وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وقتادة .
قلت :ويقال لصاحبي أنه رضي الله عنه كان أشد الصحابة حرصا على الاتباع ، كما كان مالك أشد العلماء تحريا للرجال وتحذيرا من البدع ، وأشد الناش أخذا بأفعال ابن عمر رضي عنهما.
وقد أحالنا أخي وصاحبي ؛ للتأكد من الأثرين إلى الأوسط برقم [[ 3038 ]] ولم يبين لنا ما يقصد بالأوسط ، هل هو المعجم الأوسط للطبراني ،أو الأوسط للمنذري ،فإن كان يقصد بالأول فلم أجده فيه بهذا الرقم في النسخة الموجودة ضمن الشاملة ، ولا في نسخة محمود الطحان , وإنما فيه : حدثنا أنس بن سلم الخولاني قال نا معلل بن نفيل الحراني قال نا عتاب بن بشير عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن الحارث [ ص 242 ] عن علي قال كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا قدم من سفر صلى ركعتين .فلست أدري على أي نسخة اعتمد .
وإن كان يقصد بالأوسط للمنذري فالرقم فيه ليس كذلك بل هو برقم [ 3105 ] قال حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، " قَدِمَ بَعْدَ وَفَاةِ عَاصِمٍ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ " وأنظر أخي القاريء كيف أوهم بأحالتنا للمنذري تحت ذلك الرقم أنه أخرج أثر ابن عمر بلفظ دعا وانصرف ، والأمر كما ترى ليس كذلك .ففيه: [[ أتى قبره فصلى عليه ]] ولكن لا نلومه على هذا التلبيس فلعله ينقل بواسطة دون الرجوع إلى الأصل .
وأما هذا الرقم [ 3038]- الذي أحالنا عليه ففيه قال: [حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، أَنَّ أَبَاهُ، كَانَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ الْجَنَازَةِ].فليس هو الأثر المذكور.
ونقل أخي وصاحبي عن ابن عبد البر فقال: وذكر (أي عبد الرزاق) عن الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قال: لا تعاد على ميت صلاة.
وقد ضعف أخي وصاحبي؛ أثر المغيرة عن إبراهيم ، بالمغيرة بن مقسم ووصفه بأنه مدلس دون أن يردنا إلى من ضعفه بذلك ، وقد أساء في هذا لراو من رواة الكتب الستة ، منهم البخاري ومسلم .
فأقول : المغيرة بن مقسم قال عنه ابن فضيل كان يدلس ، وكنا لانكتب عنه إلا ماقال حدثنا ،وقال أحمد :حديث مغيرة مدخول ؛ عامة مايروي عن إبراهيم إنما سمعه من حماد ومن يزيد بن الوليد والحارث العكلي وعبيدة وغيرهم ، وجعل يضعف حديث المغيرة عن إبراهيم وحده .وذكره ابن حبان في الثقات وقال : كان مدلسا ، وقال : اسماعيل القاضي : ليس بالقوي فيمن لقي لأنه مدلس .
وقد نفى عنه التدليس أبو داود قال الأجري : قلت لأبي داود سمع مغيرة من مجاهد قال نعم ؛ ومن أبي وائل ، كان لا يدلس ، سمع من إبراهيم مائة وثمانين حديثا ، ووثقه العجلي ونفى عنه التدليس بأنه يبينه إذا استفسر عنه فقال : مغيرة ثقة فقيه الحديث إلا أنه كان يرسل الحديث عن إبراهيم فإذا وُقف أخبرهم ممن سمعه، وكان من فقهاء أصحاب إبرهيم ، ووثقه ابن معين ، وأبو حاتم ، وقال معمر كان أبي يحثني على حديث مغيرة وقال شعبة كان مغيرة أحفظ من الحكم ، وفي رواية أحفظ من حماد ، وتضعيف أحمد له إنما في حديث إبراهيم ، وقد ثبت السماع منه ، وعاصره ، وإذا أرسل عنه ووُقف أخبر عمن سمعه ، ونفى عنه أبو داود التدليس ، وهو من رجال الستة ، كما قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب [ج11/ 241- 242] الترجمة [484]. قلت فإذا كان حاله كذلك فإنه يكفيه ذلك لقبول حديثه ولو في غير إبرهيم كما قال الإمام أحمد ، فكيف يضعف هكذا بجرة قلم ولا يبين حاله بالتفصيل الذي ذكرناه ،فإن هذا عدوان وظلم لرجل أخرج له أصحاب الكتب الستة الأصول المعتمدة ، نعم يكمن أن نرد هذه الرواية لأنها من روايته عن إبراهيم ، وبذلك يسقط هذا الأثر من النزاع ؛ ولكن لايصح أن نرد جميع مروياته ، وإلا ضعفنا ماأخرج له صاحبا الصحيحين ، وأصحاب السنن الأربعة.
وأضف إلى ذلك على فرض صحتها - وهي كذلك - لأنا لانسلم له مادعاه فيه من التدليس والتضعيف ، فأقول : إن قوله لا تعاد الصلاة على ميت ..
فهذا صحيح ،وهو قول جماهير أهل العلم ، فيمن صُلي عليه ،لأنه سقط حق الميت بصلاة البعض عليه؛ فإنه من فروض الكفاية ؛وقد قام به البعض ، ومع ذلك فمن أراد أن يعيد عليه الصلاة ممن لم يدركها ، فلا مانع من ذلك لقرابة ، أو وفاء بوصية أو عهد أو بر ، لفعل الصحابة وعملهم في المدينة وغيرها ؛ فقد صلوا على الميت ، ثم أعادوا الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى على قبر من لم يأذنوه بالصلاة عليه . فقد صفهم و صلى بهم .ومن هنا يقال لاتعاد الصلاة على الميت على سبيل الوجوب لأنه قد تم .
قال القاضى عياض في إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم [ج3/225] : تحصيل مذهب مالك وأصحابه المشهور أقوال أكثرهم فيمن لم يُصل عليه حين دفن أنه يصلى عليه فى قبره ، وعنه - اْيضا - وهو قول سحنون وأشهب لا يصلى عليه ، ومشهور قوله وقول أصحابه فيمن صلى عليه ليس لمن فاتته الصلاة عليه إعادة الصلاة عليه ، وهو قول الليث

والثورى وأبى حنيفة قال : إلاّ أن يكون وليَّه ، فله إعادة الصلاة عليه ، وعن مالك - أيضا - جواز ذلك ، وهو قول الشافعى والاْوزاعى وأحمد وإسحق وغيرهم .
وقال أخي وصاحبي نقلا عن ابن عبد البر : وقال (أي عبد الرزاق) قال معمر: كان الحسن إذا فاتته صلاة على جنازة لم يصل عليها, وكان قتادة يصلي عليها بعد إذا فاتته".
وقد ضعفه بقوله : وكذا أثر الحسن البصري للانقطاع بينه وبين معمر (انظر المصنف رقم 6547), وقد جاء مرسلا صحيحا عنه بلفظ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلاَةِ بَيْنَ الْقُبُورِ. من طريق حفص بن غياث عن أشعث الحدّاني عن الحسن به, (انظر ابن أبي شيبة رقم [37531]
قلت في هذا من الملاحظات :
1- أن سند عبد الرزاق في المصنف برقم [6547] ليس فيها انقطاع بل هو موصول فقدجاء فيه: عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن الحسن فذكره ...
2- فيها رجل مبهم وهو المجهول ، فيقال ضعيف لجهالة من لم يسم ، ولا يقال فيه انقطاع ، إلا على مذهب من يرى أن المبهم كالمعدم ؛ وهذا غير صحيح فإن السند فيه رجل لم يسم ، لأنه يحتمل أن يأتي في بعض طرقه تسميته .
3- لعله لا ينقل مباشرة من المصنف ،وهذا قصور في التحقيق أن لا يرجع إلى المصدر الأصل للتوثيق ، فإن كان لايستطيع الرجوع إليه فعليه أن يبرأ ذمته بذكر الواسطة أو أن صاحبي لا يفرق بين الانقطاع والجهالة .
وأما قوله بعد تضعيفه له : وقد جاء مرسلا صحيحا عنه بلفظ :" نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلاَةِ بَيْنَ الْقُبُور"ِ. من طريق حفص بن غياث عن أشعث الحدّاني عن الحسن به:
قلت : وهو كذلك عنده برقم [ 37531] كما في الشاملة ،قال حَدَّثَنَا حَفْصٌ ، عَنْ أَشْعَثَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلاَةِ بَيْنَ الْقُبُورِ.
وفي هذا عدة ملاحظات :
1- إن مراسيل الحسن البصري رحمه الله ؛ ليست حجة ؛ وهي كالريح عند علماء الحديث ..
وهذا بعض النقل من شرح علل الترمذي للحافظ ابن رجب رحمه الله [1/273-320 ] وقال أحمد في رواية الفضل بن زياد : (( مرسلات سعيد بن المسيب أصح المرسلات ، ومرسلات إبراهيم لا بأس بها ، وليس في المرسلات أضعف من مراسيل الحسن وعطاء بن أبي رباح ، فإنهما يأخذان عن كل أحد]].
وقال أحمد في رواية الميموني وحنبل عنه)) : مرسلات سعيد ابن المسيب صحاح لا نرى أصح من مرسلاته . زاد الميموني : وأما الحسن وعطاء فليس هي بذاك . هي أضعف المراسيل كلها . فإنهما كانا يأخذان عن كل(( .وقال ابن سعد : (( قالوا : ما أرسل الحسن ولم يسند فليس بحجة ((.
1- المرسل : جمهور العلماء لا يقبلونه ، وقبله آخرون بضوابط، وأما مرسيل الحسن وإن قال بعض أهل العلم بالتفصيل فيها ، وقبلها بعضهم بتلك الضوابط ؛ فالراجح عند جمهور المحدثين أنها لا شيء إذا لم يسند، وهي من أضعف المراسيل .
2- وصاحبي هنا قبله ، بقوله : وقد صح عنه مرسلا .. مع أنه رد مرسل سعيد بن المسيب في صلاته صلى الله عليه وسلم على أم سعد بعد شهر - كما سيأتي – مناقشته فيه وللأسف يأخذ بما يوافق مذهبه ، ويترك غيره مع أن غالبية أهل العلم أخذوا بمراسيل سعيد بن المسيب رحمه الله.
3 - المرسل حتى لو صح فإنه من قبل الضعيف ، وفيه اختلاف كثير بين أهل العلم ، فكيف وقد خالفه ما هو أصح منه ، وقلنا بمرسل سعيد بن المسيب لقبول أهل العلم له . كما قال الشافعي في الأم [3/188] أنظر معرفة السنن والأثار[ ج1/142 -167] ، وجامع التحصيل [40-48]وعلوم الحديث لابن الصلاح [49] ،والباعث [ج1/ 155].

4- على فرض التسليم أنه صح عنه ؛ وهو حجة يقال ذلك في الصلاة المعهودة ، وليس في الصلاة على القبر، فالأثر ليس فيه لفظ الجنائز ، وإنما مطلق الصلاة ؛ وهذا لا نختلف فيه ، وأنتم تثبتون صلاته صلى الله عليه وسلم على القبر، وقد تواترت الطرق بذلك ، وعدم صلاته على الجنازة إذا فاتته فقد أجبت عنه قريبا ، في أثر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .
5- حفص بن غياث فيه كلام لأهل العلم فقد ضعف في أخره ، فكيف حكمتم له بالصحة ؟
قال أخي وصاحبي : وأما أثر معمر عن قتادة فصحيح الإسناد عنه ( انظر المصنفرقم [6547].وهو أنه كان إذا فاتته الصلاة على الجنازة صلى عليها ، وهذا دليل لنا، للآثار عن السلف في الصلاة على القبر .
وقال أخي وصاحبي : وأختم هذه الفقرة بأصح وأصرحما ورد عن أنس رضي الله عنه: أنه كره أن يصلي على الجنازة في المقبرة. (انظر ابنأبي شيبة رقم37536[و7669]وابنالمنذر[3053]من طريق عاصم الأحول عن ابن سيرين عن أنس به, ولا يخفىالقارئ أن إطلاق الكراهة عند السلف هي بمعنى التحريم. واللهأعلم.
قلت:قال ابن أبي شيبة:[ 37536] حَدَّثَنَا حَفْصٌ ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَنَسٍ ؛ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُصَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَقْبَرَةِ.
7669- وحَدَّثَنَا حَفْصُ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُصَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَقْبَرَةِ.
نعم ؛ وهما كذلك عندهما أما ما عزاه لابن المنذر برقم [ 3053 ]فليس كذلكوإنما فيه ؛حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ خِيَارٍ الطَّائِيِّ، قَالَ: " رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي جَنَازَةِ أُمِّ مُصْعَبٍ عَلَى أَتَانٍ لَهُ حَمْرَاءَ "
والجواب على أثر أنس كنت قد أجبت عليه في بحثي ،ولا بأس من نقله هنا مع زيادة فوائد عليه .
أولا :أن هذه الزيادة لا تصح ، لتفرد الحسين بنيزيد بها ، فإن مخرج الحديث واحد ففي مجمع الزوائد للهيثمي جاء بلفظ<<نهىعن الصلاة بين القبور>>وقال : رجاله
رجال الصحيح ، وليس فيه هذه الزيادة،وهذا حق فهو لا يخالف أحاديث النهي عن الصلاة في المقابر واتخاذها مساجد كما أنه لم يروأحد من أصحاب دواوين السنة المعروفة والمشهورة ،هذهالزيادة، بل رووا عن أنس خلافها ، كما في البخاري تعليقا [[ أنه صلى إلى قبر ]] وفي مسلم عنه أنه أخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر .
ثانيا:هذه الزيادة جاءت عند ابن الأعرابي فيمعجمه [235/1]والطبراني في الأوسط [1/ 260] والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة ،بنفس السند ،وفيه الحسين بن يزيد الطحان وهو لين الحديث كما قال أبو حاتم فيما نقلهعنه الحافظ ابن حجر في التهذيب [2/324]، وهو أسوأ حالا من سعيد بن سويد، وقتادة اللذيين ضعفهما صاحبي ، في حديث سعيد بن المسيب في صلاته صلى الله عليه وسلم على أم سعد وسيأتي – إن شاء الله - وكذلك حفص بن غياث؛ وإن كان وثقه بعضهم ،فقد ساء حفظه ، وكان بآخره دخله نسيان ،فأصبح كثير الغلط ، فإن روى عنه من كتبهفصحيح ، وأما من حفظه فقد عرفت ما قيل فيه راجع التهذيب لابن حجر [ج2/358] ولعل هذامن أغلاطه، أو من الحسين بن يزيد عنه .
ثالثا :هذا الأثر فيه اضطراب فمرة يرويه بزيادة ،وأخرى بدون زيادة ،والمخرج واحد، وهي من رواية حسين بن يزيد الطحان عن حفص بن غياث .
رابعا:ما ذكره الشيخ الألباني عن أنس<<كان يكره أن يبنيمسجد بين القبور>>أنها طريق يتقوى بها الحديث المذكور ، هذا لايصلح أن يكونشاهدا للنهي عن صلاة الجنازة بين القبور ، وإنما يصلح أن يكون شاهدا للنهي عنالصلاة بين القبور ، لأن صلاة الجنازة عند القبر فعلها رسول الله صلى الله عليهوسلم ، ورواها أنس عنه وحديثه في صحيح مسلم ؛ونقلها الشيخ الألباني عنهفي إرواء الغليل ، وذكر تواتر المسألة وقد سبق ذلك، وأيضا ما ثبت عنه رضي اللهعنه مما علقه البخاري ، وقد أشرت إليه سابقا ، فهذا مما يضعف هذه الزيادة .واللهأعلم .
خامسا :ويقال أيضا إذا ثبت عن صحابي نقل لفعلٍ عن النبي صلى اللهعليه وسلم وفعل هو ما يوافق ما تواتر عنه صلى آله عليه وسلم ، وعن أصحابه ، ثمجاء عنه نهيٌ عن ذلك الفعل من طريق كهذه ، وفيها الاضطراب ولا يعرف المتقدم من المتأخر، فلا شك في تقديم الفعل علىالنهي وإسقاط هذه الرواية التي لاتبلغ إلى درجة ذلك النقل المتواتر، وهو أحد رواة ذلك النقل ويؤكده فعله.
وأضف هنا أنه معارض بما ثبت عن أنس من فعله ،في الأثر الذي علقه البخاري ووصله ابن حجر في تغليق التعليق [ج2/ 229/ 230 ] أن عمررآه يصلي إلى القبر ... ولم يترك أنس الصلاة ، وإنما تنحى عن جهة القبر ، ولم يأمرهعمر بالإعادة ، وقدعلق عليه الحافظ في الفتح [ج1/ 625] بقوله: أن النهي عن ذلكلايقتضي فساد الصلاة ...
وبقوله فيما رواه مسلم عنه أنه رضي الله عنه نقل صلاةالنبي صلى الله عليه وسلم على القبر ، وبفعل جمع من الصحابة في صلاتهم على عائشة وأم سلمة ، وكان إمامهم أبو هريرة ،وحضر ذلك ابن عمر ،ولهذا يتحتم الترجيح أو الجمع بينها فيقال : إما أن هذاالحديث ضعيف ؛ ويقدم عليه الثابت من نقله وفعله ،وهو الأصح منه ، وموافق لما هومتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفعل الصحابة ، وإما أن الثابت عنه من نهيه عن الصلاة إنما هو في الصلاةالمعهودة ذات الركوع والسجود بين القبور أو إلى القبور ــ أو بناء المساجدبين القبور ، لأن المقبرة ليست موضعا للسجود حتى تتخذ مسجدا ، أو يقال : هذا حالدون حال .
والخلاف المعتبر ليس في هذا [ أي الصلاة على القبر فهذا لا اعتبار لمن خالف ، بعد ثبوته ] ؛ قال الماوردى رحمه الله : رواية الشعبى عن ابن عباس : أنه ( صلى الله عليه وسلم ) صلَى على قبر بعد شهر ، فكانت سنة رسول ( صلى الله عليه وسلم ) ثابتة بذلك ، فمن اْنكرها كان مباهتا ، ولأنه من لم يصل على الميت جاز أن يصلى على القبر ما لم يُبْلَ. من كتاب الحا وى [ 3 / 60 ].
وإنما الخلاف في هذه الصلاة التي صلها النبي هلهي صلاة جنازة ؟ أو صلاة خاصة لها اسم خاص - وهو الصلاة على القبر - ؟ وهل هذه الصلاةالتي حصلت منه صلى الله عليه وسلم بالتواتر هل هي خارج المقبرة أو داخلها؟ حتىتستثنى منها صلاة الجنازة في المقبرة بعيدا عن القبور ، أو على الميت فوق قبره ، أو إلى السرير؛ أو تلحق بها؟ .
والذي يجمع القولين أنها الصلاة على الميت ، وهي نفس صلاة الجنازة سواء بسواء ، والنبي صلى الله عليه وسلم سماها صلاة كما مر ، ولاتفارقها إلا في المكان ، وهذا المكان هو المقبرة ، وهو ليس بموضع سجود ولا ركوع ، وصلاة الجنازة لا ركوع فيها ولا سجود فقد فارقت الصلاة التي تبني لها المساجد في الركوع والسجود والتكبير والقراءة ، والجلوس
والتشهد وغير ذلك ، فليزم من ذلك أن تفارقها في الحكم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى في المكان الصلاة على الميت ، ولم يصلي الصلاة ذات السجود والركوع بل نهى عنها ، فهذا نهيه يحمل على الصلاة المعروفة ذات الركوع والسجود ، وهذا فعله يحمل على جواز ذلك في المكان ؛ وبهذا تكون فارقت الصلاة المعهودة في جميع الأحكام ، إلا في اللفظ بالاشتراك .
ولم يبق إلا التفصيل بين الصلاة على القبر ، والصلاة على الجنازة المتحدتين في الأحكام حتى في الأرض سواء بسواء ، لأن العلة كما يقول أهل العلم في النهي عن الصلاة في المقبرة هي نجاسة المقبرة ، أو سدا لذرائع الشرك ، فيقال : إن كانت النجاسة فيستحيل شرعا وعقلا وعرفا أن ينهى النبي عن الصلاة على الميت في مكان نجس ثم يفعلها ويجوزها لأصحابه في نفس المكان الذي نهى عنه .
كذلك يقال : بالنسبة لسد ذرائع الشرك أن علة احتمال وقع الشرك في الصلاة على القبر أشد منها في الصلاة على الجنازة لأن لفظ النهي المتفق عليه جاء بصيغة النهي عن الصلاة بين القبور وإليها ، فلم يبق إلى اتحاد الحكم بين الصلاتين المتماثلتين ، ويؤكد هذا فعل الصحابة رضوان الله عليهم وقد نقلت لك طائفة من ذلك .
وأضيف هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بوسعه أن يصلي تلك الصلاة التي صلاها على القبر في المصلى كما صلى على النجاشي صلاة الغائب ، فخرج بهم إلى
المصلى وصفهم وصلى بهم ، ولكنه هنا قال لهم : دلوني على قبرها وخرج بنفسه إلىالمقبرة ، وصلى داخلها وهذه تسمى صلاة ، وأيضاكان بإمكانه أن يصليها في المسجد كماصلى على سهيل وأخيه إبنا بيضاء كما في حديث أمنا عائشة رضي الله عنها عند مسلم لأن هذه الصلاة في الغالب هي دعاء للميت ، قال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العتيمينرحمه الله : وفيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم للخروج إلى قبرها ليصلي عليه ،وإلا فبإمكانه أن يدعو لها في مكانه .الشرح الممتع [ج2/ 544] . فالنبي صلى اللهعليه وسلم خرج بنفسه إلى المقبرة ، وصلى داخلها وهذه الصلاة التي صلاها تسمى الصلاة على الميت يا قوم .
وهنا شبهة يعتمد عليها المخالف وهي : قولهم أنه لم تكن تنقل الجنائز إلى المقبرة ، فيقال :
أولا: من قال لكم أنها لم تكن تنقل ، وهذا أبو هريرة يصلي على أمنا أم سلمة ؛ وأمنا عائشة داخل البقيع وحضره - ولا شك –جمع كثير من الصحابة والتابعين ، فالمتوفى لا يعتبر أنسان عادي ، حتى يتأخر عن الصلاة عليه المؤمنون ، إنهما من أمهات المؤمنين، وحتى لو كان شخصا عاديا فلا يظن بالصاحبة التفريط في القراطين من الحسنات ، ومع ذلك لم ينكر عليه أحدٌ من هذا الجمع الكثير ، وفيهم ابن عمر.
ثانيا : على فرض وجود المصلى للجنائز – وذلك هو المطلوب والأفضل لنا – يقال أنه لم يكن ينقل الجنائز إلى المقبرة لقرب ذلك من البقيع فإن المسافة التي بين مسجد النبي صلى الله عليه والبقيع قريبة.
ثالثا : إنها لم تكن تنقل حتى يتسنى للنبي أن يصلي عليها؛ لأنه طلب منهم أن لا يموت ميت لهم إلا أخبروه بذلك ، والخبر يكون بإحضاره إلى المصلى ، وليس بطلب النبي أن يذهب إلى المقبرة ، ومع ذلك لما لم يخبروه خرج بهم إلى المقبرة فصلى هناك على من لم يخبروه بموته .
رابعا : هذا لايكون سنة مطردة مع وجود مصلى الجنائز، بل السنة حينئذ أن يصلى عليها في المصلى ؛ ولا يترك المصلى للذهاب بها إلى المقبرة ، والكلام في حال عدم وجود المصلى القريب من المسجد ، أو المقبرة القريبة من المسجد وبينهما المصلى حتى ننزل عليه الحال الذي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبته .
وقال صاحبي حفظه الله ، بعد أثر أنس بن مالك : لايخفى القاريء أن إطلاق الكراهة عند السلف هي بمعنى التحريم .
قلت : هذا صحيح ، أن السلف يطلقون الكراهة على التحريم ، فيما صح فيه الدليل عندهم ،ولم يعارضه شيء مثله أو أقوى منه ،من نفس الراوي ،أما وقد صح عنه ما يخالف ذلك ،وأقوى منه فيقال الجمع أو الترجيح ، ولا نلجأ إلى قاعدة الحظر مقدم على
المبيح إلا بعد تعذر الجمع والترجيح ، وهنا الجمع ممكن وقد مر معك أيها القاريء أنه يحمل النهي عن الصلاة ذات الركوع والسجود ، ويحمل نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفعله على الصلاة على الميت في المقبرة .وهناك جمع ثانٍ ذكره ابن رشد في بداية المجتهد فقال الهداية في تخريج احاديث البداية [ج 2/420]:.. وأمامن ذهب مذهب الجمع ولم يستثن خاصا من عام فقال : أحاديث النهي محمولة على الكراهة ، والأول على الجواز.ويقصد بالأول : حديث:<< وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا >> وفي رواية :<< كلها >> مع أحاديث صلاته في المقبرة.
وفي هذه المسألة لا يحمل النهي على الحرمة للأدلة الواردة ولما بينهاه من عدم التفريق بين الصلاة على القبر؛ والصلاة على الميت داخل المقبرة ، ولتنحي السلف عن القبور في صلاتهم على الجنائز في المقبرة .
أخرج ابن أبي شيبة برقم [7663] حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، قَالَ : كَانُوا إذَاخَرَجُوا مَعَ جِنَازَةٍ فَحَضَرَتِ الصَّلاَة تَنَحَّوْا ، عَنِ الْقُبُورِ.فلو كان شيئا حراما لتنحو عن المقبرة نهائيا .
ولفعل أنس رضي الله عنه فيما أخرجه البخاري معلقا وأوصله الحافظ ابن حجر في تعليق التعليق وابن المنذر برقم[ 37532] على ما في الشاملة قال :حَدَّثَنَا حَفْصٌ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : أَبْصَرَنِي عُمَرُ وَأَنَا أُصَلِّي إِلَى قَبْرٍ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : يَا أَنَسُ ، الْقَبْرَ ، فَجَعَلْتُ أَرْفَعُ رَأْسِي أَنْظُرُ إِلَى الْقَمَرِ ، فَقَالُوا : إِنَّمَا ، يَعْنِي الْقَبْرَ.
ذكره البخاري تعليقاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلفظ ( ورأى عمر أنس بن مالكرضي الله عنه يصلي عند قبر فقال القبر القبر ولم يأمره بالإعادة ) اهـ. وقال ابنحجر في "الفتح" ـ (1/524ـ525) ـ: "أورد أثر عمر الدال على أن النهي في ذلك لا يقتضيفساد الصلاة والأثر المذكور عن عمر رويناه موصولاً في كتاب الصلاة لأبي نعيم شيخالبخاري ولفظه ( بينما أنس يصلي إلى قبر ...] وله طرق أخرى بينتها في تعليق التعليقمنها من طريق حميد عن أنس نحوه زاد فيه فقال بعض من يليني إنما يعني القبر فتنحيتعنه وقوله القبر القبر بالنصب فيهما على التحذير وقوله ولم يأمره بالإعادة استنبطهمن تمادى أنس على الصلاة ولو كان ذلك يقتضي فسادها لقطعها واستأنف" اهـ منهبلفظه.
وهذا ما فهمه الحافظ بن حجر أن النهي لايقتضي الفساد ، ونقله عنه الشنقيطي / أضواء البيان" (3/175 -176]، ولو اقتضى الفساد والحرمة لترك أنس الصلاة نهائيا لما نبهه عمر رضي الله عنهما ولكنه مافعل إلا أنه اجتنب جهة القبر .
وبوب البخاري باب [[ بابما يكره من اتخاذ المساجد على القبور]] ثم قال : ولما مات الحسن بن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهم ضربت امرأته القبة على قبره سنة ثم رفعت فسمعوا صائحا يقول ألا هل وجدوا ما فقدوا فأجابه الآخر بل يئسوا فانقلبوا .
قال الحافظ ابن حجر الفتح:[ج3/238] ولفظها [ أي الترجمة ] يقتضي أن بعض الاتخاذ لايكره ،فإنه يفصل بين ما إذا ترتب على الاتخاذ مفسدة أو لا .
هذا ما تيسر لي جمعه والتعليق به ما جاء في تذكرة أخي وصاحبي، فإن أصبت فمن الله وحده وإن تكن الخرى فحسبي أني الصواب قصدت والحق طلبت ، وأسأله تعالى أن يعفري وله صحابي وجميع المسلمين إن سميع عليم .
والبقية تأتي مع البقية من تذكرته-= إن شاء الله -.

المصدر
http://www.albaidha.net/vb/showthread.php?p=111612



حمل من هنا الملف عل شكل وارد
http://www.up.noor-alyaqeen.com/uploads/www.noor-alyaqeen.com13195372831.docx