المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وَ اللَّهُ هُــوَ الْغَـــنِيُّ الْحَــمِيــدُ



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
07-May-2011, 02:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


وَ اللَّهُ هُــوَ الْغَـــنِيُّ الْحَــمِيدُ ــ لفضيلة الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
وبعد
فبالأمس شرحوا شيئا ،جزءا من حديث أبي ذر ، الحديث القدسي ، شرحوا شيئا منه وأحب اليوم أن أكمل شرحه بما ييسره الله تبارك وتعالى ، هو حديث عظيم ينبغي حفظه وتذكر ما دلت عليه من المعاني العظيمة الدالة على عظمة الله وكبريائه وغناه عن عباده سبحانه وتعالى وافتقارعباده إليه سبحانه وتعالى الغني الحميد الذي وسعت رحمته كل شيء .
أظن أنا وصلنا فيه إلى" يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم وشرحت أظن هذه الجملة وعندها وقفت ، بعدها " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكي شيئا ".
عباد الله منذ خلق آدم إلى آخر نفس كلهم لوكانوا على قلب آدم ومحمد وإبراهيم في التقوى والصلاح والإستقامة وعبدوا الله ليلا و نهارا مع الجن والملائكة كل هذا لا يزيد في ملك الله ذرة سبحانه وتعالى تصوروا أيها الإخوة يعني هذا الرب العظيم ، هذه العظمة ، هذا الغنى عن العباد وأعمالهم وتقواهم وصلاحهم وجهادهم والذي يعمل صالحا فلنفسه وإن أساء فعليها الذي يعمل صالحا لنفسه هو بحاجة إلى أن يعمل وأن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى وأن يخشاه وأن يتقيه وأن يراقبه ، أما الله سبحانه وتعالى فهو الغني الحميد ، ليس بحاجة إلى هذه الأعمال يشرع التشريعات للعباد لمصالحهم لا لحاجته سبحانه وتعالى . فأنت حينما تعبد الله وتتصدق وتجاهد لا لحاجة الله إليك وإنما لمصلحتك ولمنفعتك لأنك تقصد من الله هذا العمل جزاءا عظيما فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة أما الله سبحانه وتعالى بيّن ذلك ليس بحاجة إلى شيء من هذه الأعمال كلها ، وما خلق الخلق بحاجة إليهم ولا شرع لهم العبادات ولا كلفهم التكاليف وإلى غير ذلك تعالى الله عن ذلك لذا ينبغي أن يذكرالإنسان مدى عظمة الله سبحانه وتعالى ومدى غناه عن الخلق ، ومدى افتقار العباد إلى الله سبحانه وتعالى (( إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد )) [ إبراهيم : 8 ] . سبحانه وتعالى لا يضروا الله شيئا والأعمال الصالحة والعبادات كلهالا تزيده شيئا سبحانه وتعالى .
" يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكه شيئا " لا يزيد في ملكه أعمال الملائكة والأعمال الصالحة والإستقامة لا تزيد في ملك الله شيئا وكفرهم بالله لو كفروا جميعا من أولهم إلى آخرهم إنسهم وجنهم لا يضروا الله شيئا سبحانه وتعالى الغني الحميد والكون واسع لا نستطيع أن نتصور مدى عظمة الله ومدى عظمة ملكه وجلالة صفاته وعظمته ما نستطيع .
هذا الحديث حديث عظيم لمن تدبره , لو كفر الناس كلهم ، كانوا على قلب إبليس ، كلهم كانوا كفارا على قلب هذا الخبيث والله لا يضروا الله شيئا ولا ينقص من ملكه مثقال ذرة سبحانه وتعالى وهذا يجعل الإنسان يعظم الله تبارك وتعالى ويتصور مدى ملكه ومدى عظمته ,ومدى غناه ينبغي أن تمتلئ جوارحه وقلبه بهذه المعاني ، بهذه المعرفة العظيمة فيزداد إيمانه ويقوى يقينه وهذا ينفعه ويقربه إلى الله ويرفع درجاته عند الله عزوجل ... بالعبادات والأعمال الصالحة ....سبحانه وتعالى ، أنت الفقير المسكين المحتاج إلى الله سبحانه وتعالى في كل لحظة من لحظات حياتك ، إلى الصحة ، إلى العافية ، إلى الرزق إلى ، إلى ، إلى كل ما تحتاج له , أنت فقير إلى الله سبحانه وتعالى .

" يا عبادي لوأن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر " .

كل الناس ، كل الجن ، كل الإنس يسألون الله عزوجل ويعطيهم كل ما يطلبون لا ينقص ذلك من ملك الله شيء ، المخيط إذا أدخل في البحر ماذا ينقص ؟ المحيط الذي تمده البحار كلها إذا أدخل فيه المخيط تنقصه شيئا ؟لا شيء فهذا يجعل الإنسان يفكر في عظمة الله وسعة ملكه وغناه سبحانه وتعالى .
إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإن ذلك لا يغيض من ملكه شيئا
يد الله سحّاء الليل والنهار ،أرأيتم ماذا أنفق منذ خلق السموات والأرض ؟فإن ذلك كله لا ينقص شيئا من ملك الله سبحانه وتعالى .
حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره . الله أكبر .
الله سبحانه وتعالى من رحمته احتجب بهذا النور لو أبعد هذا الحجاب لهلك كل شيء لاحترق كل شيء من نور وجهه سبحانه وتعالى وجلالة عظمته , شيء عظيم ما نقدر أن نعبرعن معنى الحديث هذا وعن ما يتضمنه من المعاني العظيمة فيأخذ كل إنسان بقدر ما يحفظ، سبحانه وتعالى ((تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده )) [ الإسراء : 44 ] . كل شيء خاضع إلى جلاله وخاضع لعظمته ، كل شيء يعبده طوعا وكرها كل شيء ذليل أمام الله سبحانه وتعالى ماشي وفق إرادة الله شاء أم أبى ، هو الذي يخلق كما يريد هو الذي يجعلك غنيا أو فقيرا هو الذي يجعلك ملكاأوكناسا ووو، كل شيءخاضع لإرادته ومشيئته وهذه المخلوقات كلها تسبح بحمده ، السموات والأرض والجبال والبحار والنجوم والأسماك والحيوانات والأشجار كل شيء يسبح بحمده لعظمته وجلاله وكبريائه سبحانه وتعالى .
فعظموا الله وقدروا حق قدره لأن الكفار والفاسقين والمجرمين (( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون )) [ الزمر : 67 ] . ما قدروا الله حق قدره والله ، الذي يتخذ مع الله أندادا ، الذي يعصي الله ليلا ، نهارا هوما عظم الله وما قدر الله حق قدره لجهله وغبائه وبلادة مشاعره وكفره و كنوده وجحوده والعياذ بالله إن كان كافرا ولفسقه وانحرافه إن كان فاسقا ما قدر الله حق قدره.
سبحان من لو سجدنا بالجباه له على شفا الشوك والمحقنة من الإبر، لن نبلغ العشر والمعشار من نعمته ولا العشير ولا المعشار (...) لوسجدنا بالجباه و العيون له سبحانه وتعالى .
لهذا الملائكة يسبحون ليلا ونهارا لا يفترون فهم عرفوا الله وعرفوا قدره يسبحون الليل والنهار لا يفترون ((الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم )) [ غافر : 7 ] حملة العرش والملائكة ما من موضع شبر في السموات إلا ولله ملك ساجد سبحانه وتعالى (( قتل الإنسان ما أكفره ))[ عبس : 17 ] ـ (( إن الإنسان لظلوم كفار )).[ إبراهيم : 34 ] .
الله خلقك من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم أعطاك السمع والبصر وأمدك بالنعم وأنت تعصيه ؟ وذاك يكفر به (( قتل الإنسان ما أكفره )).[ عبس : 17 ]
فأيها الإخوة ....هذه الأحاديث وادبروا هذه الأيات في عظمة الله سبحانه وتعالى فإنها تزيدنا إيمانا وإقبالا على طاعة الله وقيام بما نستطيع من حقوقه ولا نوفيه شيء من حقه أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا ممن يحب الله ، ويقدره قدره ، ويعظمه ويجله ،ويخضع لعظمته وجلاله ويطيع أوامره ويجتنب نواهيه إن ربنا سميع الدعاء .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


تم تفريغ هذه المادة يوم 21 ـ 1 ـ 1432 هـ بقسنطينة

.

المصدر :
شريط بعنوان : لقاء مفتوح [ 4 ـ 2 ـ 2005 ] لفضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله .


للإستماع

http://ia700102.us.a...mfto7-rabee.wma (http://ia700102.us.archive.org/8/items/rabee12345/lqa2-mfto7-rabee.wma)

أبو عبد المحسن زهير التلمساني
07-May-2011, 04:14 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك أخي الوليد ونفع بك إخوانك السلفيين

صدق الشيخ حفظه الله إنه حديث عظيم ينبغي حفظه
ولتوسع في الموضوع أنقل شرح الشيخ المحدث بخاري المدينة النبوية العلامة عبد المحسن العباد البدر حفظه الله ورعاه ورزقه العافية في البدن والدين

عن أبي ذر الغفاريِّ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزَّ وجلَّ أنَّه قال:[[ يا عبادي! إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم مُحرَّماً، فلا تظالَموا، يا عبادي! كلُّكم ضالٌّ إلاَّ مَن هَديته، فاستهدوني أهْدِكم، يا عبادي! كلُّكم جائعٌ إلاَّ مَن أطعمته، فاستطعموني أُطْعمكم، يا عبادي! كلُّكم عارِ إلاَّ مَن كَسوته، فاستكسوني أَكْسُكُم، يا عبادي! إنَّكم تُخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعاً، فاستغفروني أغفرْ لكم، يا عبادي! إنَّكم لن تَبلُغوا ضُرِّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أتقى قلبِ رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في مُلكي شيئاً، يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أفجَر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من مُلكي شيئاً، يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيتُ كلَّ واحد مسألتَه، ما نقص ذلك مِمَّا عندي إلاَّ كما ينقص المِخْيَط إذا أُدخل البحر، ياعبادي! إنَّما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثمَّ أوَفِّيكم إيَّاها، فمَن وَجَدَ خيراً فليحمَد الله، ومَن وَجَدَ غيرَ ذلك فلا يَلُومنَّ إلاَّ نفسه]]
رواه مسلم


الشرح:

قوله: "عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِّه"هذا من الأحاديث القدسية، وهذه العبارة من العبارات التي يُعبَّر بها عن الحديث القدسي، ومثلها عبارة: "قال الله عزَّ وجلَّ فيما يرويه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم"، والحديث القدسي هو ما يسنده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربِّه تعالى ويضيفه إليه، ويشتمل على ضمائر التكلُّم التي تعود إليه سبحانه وتعالى.


قوله: "يا عبادي! إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم مُحرَّماً، فلا تظالَموا"، الظلم وضعُ الشيء في غير موضعه، وقد حرَّمه الله على نفسه ومنَعها منه، مع قدرته عليه وعلى كلِّ شيء، فلا يقع منه الظلم أبداً؛ لكمال عدله سبحانه وتعالى، قال الله عزَّ وجلَّ: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ}، وقال: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً}، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}، وقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً}، أي: لا يخاف نقصاً من حسناته ولا زيادة في سيّئاته، أو تحميله سيِّئات غيره، ونفيُ الظلم عن الله عزَّ وجلَّ في هذه الآيات متضمِّنٌ إثبات كمال عدله سبحانه، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/36): "وكونُه خَلَقَ أفعالَ العباد وفيها الظلم لا يقتضي وصفه بالظلم سبحانه وتعالى، كما أنَّه لا يُوصف بسائر القبائح التي يفعلها العباد، وهي خَلْقُهُ وتقدِيرُه، فإنَّه لا يُوصَف إلاَّ بأفعاله، لا يوصف بأفعال عباده، فإنَّ أفعالَ عباده مخلوقاته ومفعولاته، وهو لا يوصف بشيء منها، إنَّما يوصف بما قام به مِن صفاته وأفعاله، والله أعلم".

وقد حرَّم الله تعالى على عباده الظلم، فلا يظلمُ أحد نفسَه ولا يظلم غيرَه.

قوله: "يا عبادي! كلُّكم ضالٌّ إلاَّ مَن هَديته، فاستهدوني أهْدِكم"، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/39 40): "قد ظنَّ بعضُهم أنَّه معارض لحديث عياض بن حمار عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل: خلقت عبادي حُنفاء وفي رواية: مسلمين فاجتالتهم الشياطين)، وليس كذلك، فإنَّ الله خلق بني آدم وفطَرَهم على قبول الإسلام والميل إليه دون غيره، والتهيؤ لذلك والاستعداد له بالقوَّة، لكن لا بدَّ للعبد من تعليم الإسلام بالفعل، فإنَّه قبل التعليم جاهلٌ لا يعلم شيئاً، كما قال عزَّ وجلَّ:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً}،وقال لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى}، والمراد وَجَدَك غيرَ عالِم بما علَّمك من الكتاب والحكمة، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ}، فالإنسانُ يُولَد مفطوراً على قبول الحقِّ، فإن هداه الله سبَّب له مَن يعلِّمه الهدى، فصار مهتدياً بالفعل، بعد أن كان مهتدياً بالقوة، وإن خذله الله قيَّض له مَن يعلِّمه ما يغيِّر فطرتَه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كلُّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه ويُنَصِّرانه ويُمَجِّسانه)".

وفي هذا الحديث الأمر بسؤال الله الهداية، وهي تشمل هداية الدلالة والإرشاد وهداية التوفيق والتسديد، وحاجة العباد إلى الهداية أشدُّ من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وقد جاء في سورة الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، فهم يسألون الله عزَّ وجلَّ أن يُثبِّتَهم على الهداية الحاصلة، وأن يزيدهم هدى على هدى.

قوله: "يا عبادي! كلُّكم جائعٌ إلاَّ مَن أطعمته، فاستطعموني أُطْعمكم، يا عبادي! كلُّكم عار إلاَّ مَن كَسوته، فاسْتكسوني أَكْسُكُم"، في هاتَين الجملتين بيان شدَّة افتقار العباد إلى ربِّهم، وحاجتهم إليه في تحصيل أرزاقهم وكسوتهم، وأنَّ عليهم أن يسألوه سبحانه وتعالى طعامهم وكسوتهم.


قوله: "يا عبادي! إنَّكم تُخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعاً، فاستغفروني أغفرْ لكم"، أوجب الله عزَّ وجلَّ على العباد امتثال الأوامر واجتناب المنهيات، والعباد يحصل منهم التقصير في أداء ما وجب عليهم، والوقوع في شيء مِمَّا نُهوا عنه، وطريق السلامة من ذلك رجوعهم إلى الله، وتوبتهم من ذنوبهم، وسؤال الله عزَّ وجلَّ أن يغفرها لهم، وفي الحديث: "كلُّ بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون"حديث حسن، أخرجه ابن ماجه (4251) وغيرُه.

قوله: "يا عبادي! إنَّكم لن تَبلُغوا ضُرِّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني"، قال ابن رجب (2/43): "يعني أنَّ العبادَ لا يقدرون أن يوصلوا نفعاً ولا ضرًّا؛ فإنَّ الله تعالى في نفسه غنيٌّ حميد، لا حاجة له بطاعات العباد، ولا يعود نفعها إليه، وإنَّما هم ينتفعون بها، ولا يتضرَّر بمعاصيهم، وإنَّما هم يتضرَّرون بها، قال الله تعالى: {وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً}، وقال: {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً}".

قوله: "يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أتقى قلبِ رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في مُلكي شيئاً، يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً"، في هاتين الجملتين بيان كمال ملك الله عزَّ وجلَّ، وكمال غناه عن خلقه، وأنَّ العبادَ لو كانوا كلُّهم على أتقى ما يكون أو أفجر ما يكون، لَم يزد ذلك في ملكه شيئاً، ولم ينقص شيئاً، وأنَّ تقوى كلّ إنسان إنَّما تكون نافعةً لذلك المتَّقي، وفجورَ كلّ فاجر إنَّما يكون ضررُه عليه.


قوله: "يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيتُ كلَّ واحد مسألتَه، ما نقص ذلك مِمَّا عندي إلاَّ كما ينقص المِخْيَط إذا أُدخل البحر"، هذا يدلُّ على كمال غنى الله سبحانه وتعالى وافتقار عباده إليه، وأنَّ الجنَّ والإنسَ لو اجتمعوا أوَّلُهم وآخرُهم، وسأل كلٌّ ما يريد، وحقَّق الله لهم ذلك، لم ينقص ذلك مِمَّا عند الله إلاَّ كما ينقص المِخيَط إذا أُدخل البحر، والمعنى أنَّه لا يحصل نقصٌ أصلاً؛ لأنَّ ما يعلق بالمخيَط وهو الإبرة من الماء لا يُعتبَر شيئاً، لا في الوزن ولا في رأي العين.

قوله: "ياعبادي! إنَّما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثمَّ أوَفِّيكم إيَّاها، فمَن وَجَدَ خيراً فليحمَد الله، ومَن وَجَدَ غيرَ ذلك فلا يَلُومنَّ إلاَّ نفسه"، الناسُ في هذه الحياة مكلَّفون بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، وكلُّ ما يحصل منهم من عمل خيراً أو شرًّا فهو مُحصًى عليهم، وسيجدُ كلٌّ أمامه ما قدَّم، إن خيراً فخير، وإن شرًّا فشر، قال الله عزَّ وجلَّ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}، فمَن قدَّم خيراً وجد ثوابه أمامه، والثواب من فضل الله على العبد، وفعل الخير في الدنيا هو من توفيق الله عزَّ وجلَّ للعبد، فله الفضل أوَّلاً وآخراً، ومَن وَجَدَ أمامه غير الخير فإنَّما أُتي العبد من قبل نفسه ومعصيته لربِّه وجنايته على نفسه، فإذا وجد أمامه العذاب فلا يلومنَّ إلاَّ نفسه



مِمَّا يُستفاد من الحديث:

1 أنَّ من الأحاديث ما يرويه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربِّه يشتمل على ضمائر التكلُّم ترجع إلى الله، ويُقال له الحديث القدسي.

2 تحريم الله الظلم على نفسه وتنزيهه عنه، مع إثبات كمال ضدِّه وهو العدل.
3 تحريم الله الظلم على العباد لأنفسهم ولغيرهم.
4 شدَّة حاجة العباد إلى سؤال ربِّهم الهُدى والطعام والكسوة وغير ذلك من أمور دينهم ودنياهم.
5 أنَّ الله يحبُّ من عباده أن يسألوه كلَّ ما يحتاجون إليه من أمور الدنيا والدِّين.
6 كمال ملك الله عزَّ وجلَّ، وأنَّ العبادَ لا يبلغون نفعه وضرَّه، بل يعود نفعُهم وضرُّهم إلى أنفسهم.
7 أنَّ العباد لا يسلمون من الخطأ، وأنَّ عليهم التوبة من ذلك والاستغفار.
8 أنَّ التقوى والفجور يكونان في القلوب؛ لقوله: "على أتقى قلب رجل"، و"على أفجر قلب رجل".
9 أنَّ ملكَ الله لا تزيده طاعة المطيعين، ولا تنقصه معاصي العاصين.
10 كمال غنى الله وكمال ملكه، وأنَّه لو أعطى عبادَه أوَّلَهم وآخرَهم كلَّ ما سألوه لم ينقص من ملك الله عزَّ وجلَّ وخزائنه شيئاً.
11 حثُّ العباد على الطاعة، وتحذيرهم من المعصية، وأنَّ كلَّ ذلك محصى عليهم.
12 أنَّ من وفَّقه الله لطريق الخير ظفر بسعادة الدنيا والآخرة، والفضل لله للتوفيق لسلوك سبيل الهُدى، ولحصول الثواب على ذلك.
13 أنَّ مَن فرَّط وأساء العمل ظفر بالخسران، وندم حيث لا ينفع النَّدم.


المصدر من مكتبة الشيخ محسن العباد