المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكم حلق اللحية؟



أبو يوسف عبدالله الصبحي
21-Jan-2010, 10:34 PM
حكم حلق اللحية؟



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
فإن من البلاوي في زمننا هذا حلق اللحى وقد نادى كثير من الدعاة المضلين بجواز حلق اللحية وأن إعفاءها للإستحباب فأردت توضيح الأمر أكثر وإعلم أخي أن اللحية: اسم للشعر النابت على الخدين والذقن ودليل اللحية قولي وفعلي وتقريري وأبدأ بتعريف الواجب قال العلامة محمد بن صالح العثيمين :الواجب لغة: الساقط واللازم.
واصطلاحاً: ما أمر به الشارع على وجه الإلزام؛ كالصلوات الخمس.
فخرج بقولنا: "ما أمر به الشارع" ؛ المحرم والمكروه والمباح.
وخرج بقولنا: "على وجه الإلزام" ؛ المندوب.
والواجب يثاب فاعله امتثالاً، ويستحق العقاب تاركُه.
ويُسمَّى: فرضاً وفريضة وحتماً ولازماً.
الدليل من القرآن : قال الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ } ، وقال: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ، وقال: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ }{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ } ، وقال: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، وقال: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } .
الدليل من السنة:
الدليل القولي: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما وغيرهما، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « خالفوا المشركين، وفِّروا اللحى وأحفوا الشوارب » ، ولهما عنه أيضا: « أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى » ، وفي رواية: « أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى » ، قال ابن حجر : "وفِّروا" بتشديد الفاء، من التوفير: وهو الإبقاء، أي اتركوها وافرة، وإعفاء اللحية: تركها على حالها. ومخالفة المشركين يفسره حديث أبي هريرة رضي الله عنه: « إن أهل الشرك يعفون شواربهم ويحفون لحاهم فخالفوهم، فأعفوا اللحى وأحفوا الشوارب » رواه البزار بسند حسن، ولمسلم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « خالفوا المجوس » ؛ لأنهم كانوا يقصرون لحاهم ويطولون الشوارب، ولابن حبان، عن ابن عمر قال: « ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم المجوس فقال: إنهم يوفرون سبالهم ويحلقون لحاهم، فخالفوهم » فكان يحفي سباله، وله عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من فطرة الإسلام أخذ الشارب وإعفاء اللحى، فإن المجوس تعفي شواربها وتحفي لحاها، فخالفوهم، خذوا شواربكم وأعفوا لحاكم » ، وفي صحيح مسلم عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « أمرنا بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحية » ، وله عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « جزوا الشوارب وأرخوا اللحى » ومعنى جزوا: قصوا، وأرخوا: أي أطيلوا، ورواه بعضهم بلفظ "أرجو" أي: اتركوا، وما روي بلفظ: "قصوا" لا ينافي الإحفاء؛ لأن رواية الإحفاء في الصحيحين ومعينة للمراد، وفي رواية « أوفوا اللحى » أي: اتركوها وافية. وللبزار عن ابن عباس مرفوعا: « لا تشبهوا بالأعاجم أعفوا اللحى » ، وروى أبو داود عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من تشبه بقوم فهو منهم » وله عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى ». وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أعفوا اللحى وجزوا الشوارب، ولا تشبهوا باليهود والنصارى » ،
الدليل الفعلي: روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية » ، وللترمذي عن عمر : « كث اللحية، » وفي رواية: « كثيف اللحية، » وفي أخرى: « عظيم اللحية، » وعن أنس : « كانت لحيته قد ملأت من ههناإلى ههنا ، وأمر يده على عارضيه.
الدلبل التقريري: وروى ابن أبي شيبة: « أن رجلا من المجوس جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد حلق لحيته وأطال شاربه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قال: هذا ديننا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكن في ديننا أن نحفي الشوارب وأن نعفي اللحية » ، وأخرج الحارث بن أبي أسامة، عن يحيى بن كثير قال: « أتى رجل من العجم المسجد، وقد وفر شاربه وجز لحيته، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على هذا؟ فقال: إن ربي أمرني بهذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أمرني أن أوفر لحيتي وأحفي شاربي » ، وروى ابن جرير، عن زيد بن حبيب قصة رسولي كسرى قال: « ودخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما، فكره النظر إليهما، وقال: ويلكما من أمركما بهذا؟ قالا: أمرنا ربنا، يعنيان: كسرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي ».
أقوال العلماء: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يحرم حلق اللحية. وقال القرطبي : لا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قصها.
وحكى أبو محمد بن حزم: الإجماع على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض، واستدل بحديث ابن عمر : « خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى » ، وبحديث زيد بن أرقم المرفوع: « من لم يأخذ شاربه فليس منا » صححه الترمذي، وبأدلة أخر، قال في الفروع: هذه الصيغة عند أصحابنا تقتضي التحريم، وقال في الإقناع: ويحرم حلقها،وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فمخالفتهم أمر مقصود للشارع، والمشابهة في الظاهر تورث مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة، قال: ومشابهتهم فيما ليس من شرعنا يبلغ التحريم في بعضه إلى أن يكون من الكبائر، وقد يصير كفرا بحسب الأدلة الشرعية، وقال: وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم في الجملة، وما كان مظنة لفساد خفي غير منضبط علق الحكم به ودار التحريم عليه، فمشابهتهم في الظاهر سبب لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال المذمومة، بل في نفس الاعتقادات، وتأثير ذلك لاينضبط، ونفس الفساد الحاصل من المشابهة قد لا يظهر، وقد يتعسر أو يتعذر زواله، وكل ما كان سببا إلى الفساد فالشارع يحرمه.
وروي عن ابن عمر: "من تشبه بهم حتى يموت حشر معهم" ، ، وفي شروط عمر على أهل الذمة أن يحلقوا مقادم رؤوسهم ليتميزوا من المسلمين، فمن فعل ذلك فقد تشبه بهم،. وأيضا نهى الله تبارك وتعالى عن اتباع أهوائهم فقال: { وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ } ، وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ } ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ومتابعتهم فيما يختصون به من دينهم وتوابع دينهم اتباع لأهوائهم. ،
ورخص بعض أهل العلم في أخذ ما زاد على القبضة؛ لفعل ابن عمر ، وأكثر العلماء يكرهه، وهو أظهر لما تقدم، وقال النووي : والمختار تركها على حالها، وألا يتعرض لها بتقصير شيء أصلا، وقال الخطيب في الدر المختار: وأما الأخذ منها وهي دون القبضة كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال فلم يبحه أحد .
وذكر الغزالي في الإحياء: أن نتف الفنيكين بدعة وهما: جانبا العنفقة، قال: وشهد عند عمر بن عبد العزيز رجل كان ينتف فنيكيه فرد شهادته، ورد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وابن أبي ليلى قاضي المدينة شهادة من كان ينتف لحيته. قال الإمام أبو شامة : وقد حدث قوم يحلقون لحاهم وهو أشد مما نقل عن المجوس من أنهم كانوا يقصونها،فيا عجبا لو رأى أهل زماننا.
شبهة والرد عليها:
1- الأخذ من طولها وعرضها كما روي ذلك في حديث عند الترمذي. قال الحافظ ابن حجر في الفتح‏:‏ وهذا أخرجه الترمذي ونقل عن البخاري أنه قال في رواية عمر بن هارون لا أعلم له حديث منكرا إلا هذا. وقال النووي في المجموع شرح المهذب وأما حديث عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها فرواه الترمذي بإسناد ضعيف لا يحتج به‏.‏وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حديث موضوع .
2- القول بالكراهة فإن الأمر لا يدل على الوجوب جزما وإن علل بمخالفة الكفار وأقرب مثل على ذلك هو الأمر بصبغ الشيب مخالفة لليهود والنصارى فإن بعض الصحابة لم يصبغوا فدل على أن الأمر للاستحباب‏.وقد رد الشيخ صالح الفوزان على هذه الشبهة فقال: إن القول بكراهة حلق اللحية فقط ترجيح باطل لا دليل عليه‏.‏ والأدلة الصحيحة تقتضي خلافه وتدل على أن الصواب هو القول الأول وهو تحريم حلق اللحية‏.‏ وأما قياس الأمر بإعفاء اللحية على الأمر بصبغ الشيب في أن كلا منهما يفيد الاستحباب فهو قياس باطل لأنه قياس مع الفارق إذ الأمر بإعفاء اللحية لم يأت ما يصرفه عن الوجوب إلى الاستحباب بخلاف الأمر بصبغ الشيب فقد جاء ما يصرفه عن الوجوب إلى الاستحباب قال النووي في شرح صحيح مسلم‏:‏ وقال القاضي‏:‏ اختلف السلف من الصحابة والتابعين في الخضاب وفي جنسه فقال بعضهم ترك الخضاب أفضل ورووا عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن تغيير الشيب‏.‏ ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يغير شيبه‏.‏ روي هذا عن عمر وعلي وأُبَيّ وآخرين رضي الله عنهم‏.‏ وقال آخرون الخضاب أفضل وخضب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم للأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره ، إلى أن قال‏:‏ قال الطبري الصواب أن الآثار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير الشيب وبالنهي عنه كلها صحيحة وليس فيها تناقض بل الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب أبي قحافة والنهي لمن له شمط فقط قال‏:‏ واختلاف السلف في فعل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك مع أن الأمر والنهي في ذلك ليس للوجوب بالإجماع ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض خلافه في ذلك‏.
الخاتمة:
الله تبارك وتعالى جمل الرجال باللحى، فاللحية زينة الرجال، ومن تمام الخلق، وبها ميز الله الرجال من النساء، ومن علامات الكمال، ونتفها في أول نباتها تشبه بالمرد، ومن المنكرات الكبار ، وكذلك حلقها أو قصها أو إزالتها بالنورة من أشد المنكرات، ومعصية ظاهرة، ومخالفة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقوع فيما نهى عنه.وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا.