المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أمارات الكذَّاب (مَنْ اسْتَحْلَى رَضَاعَ الْكَذِبِ عَسِرَ فِطَامُهُ) لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي الشافعي-رحمه الل-



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
29-Jun-2011, 03:00 PM
قال الماوردي-رحمه الله-في كتاب أدب الدنيا والدين:

(...قَالَتْ الْحُكَمَاءُ: (مَنْ اسْتَحْلَى رَضَاعَ الْكَذِبِ عَسِرَ فِطَامُـــــــــــــــهُ).

وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: (لَا يَلْزَمُ الْكَذَّابَ شَيْءٌ إلَّا غَلَبَ عَلَيْــــــــــــــــــــهِ).

وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْكَذَّابِ قَبْلَ خِبْرَتِهِ أَمَارَاتٍ دَالَّةً عَلَيْهِ، فَمِنْهَا:

1- أَنَّك إذَا لَقَّنْتَهُ الْحَدِيثَ تَلَقَّنَهُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ مَا لَقَّنْته وَبَيْنَ مَا أَوْرَدَهُ فَرْقٌ عِنْدَهُ.

2- وَمِنْهَا: أَنَّك إذَا شَكَّكْتَهُ فِيهِ تَشَكَّكَ حَتَّى يَكَادَ يَرْجِعُ فِيهِ، وَلَوْلَاك مَا تَخَالَجَهُ الشَّكُّ فِيهِ.

3- وَمِنْهَا: أَنَّك إذَا رَدَدْت عَلَيْهِ قَوْلَهُ حُصِرَ وَارْتَبَكَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نُصْرَةُ الْمُحْتَجِّينَ، وَلَا بُرْهَانُ الصَّادِقِينَ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: (الْكَذَّابُ كَالسَّرَابِ).

4- وَمِنْهَا: مَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ مِنْ رِيبَةِ الْكَذَّابِينَ وَيَنُمُّ عَلَيْهِ مِنْ ذِلَّةِ الْمُتَوَهِّمِينَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ لَا يُمْكِنُ الْإِنْسَانُ دَفْعَهَا عَنْ نَفْسِهِ؛ لِمَا فِي الطَّبْعِ مِنْ آثَارِهَا.

وَلِذَلِكَ قَالَتْ الْحُكَمَاءُ: (الْعَيْنَــــــــــــــــــانِ أَنَمُّ مِنْ اللِّسَـــــــــــــــــانِ).

وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَـــــــــــــــغَاءِ: (الْوُجُوهُ مَرَايَا تُرِيك أَسْرَارَ الْبَرَايَا).

وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

تُرِيكَ أَعْيُنُهُمْ مَا فِي صُدُورِهِمْ......إنَّ الْعُيُونَ يُؤَدِّي سِرَّهَا النَّظَرُ

وَإِذَا اتَّسَمَ بِالْكَذِبِ نُسِبَتْ إلَيْهِ شَوَارِدُ الْكَذِبِ الْمَجْهُولَةُ، وَأُضِيفَتْ إلَى أَكَاذِيبِهِ زِيَادَاتٌ مُفْتَعَلَةٌ حَتَّى يَصِيرَ الْكَاذِبُ مَكْذُوبًا عَلَيْهِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَ مَعَرَّةِ الْكَذِبِ مِنْهُ وَمَضَرَّةِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ.

وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:

حَسْبُ الْكَذُوبِ مِنْ الْبَلِيَّةِ......بَعْضُ مَا يُحْكَــــــــــــــــــــى عَلَيْــــــــــــــــــــهِ

فَإِذَا سَمِعْــــــــــــــــــــــــــت بِكِذْبَــــــــــــةٍ......مِنْ غَيْرِهِ نُسِبَـــــــــــــــــــــــــــــتْ إلَيْـــــــــــــــــهِ

ثُمَّ إنَّهُ إنْ تَحَرَّى الصِّدْقَ اُتُّهِمَ، وَإِنْ جَانَبَ الْكَذِبَ كُذِّبَ، حَتَّى لَا يُعْتَقَدُ لَهُ حَدِيثٌ يُصَدَّقُ، وَلَا كَذِبٌ مُسْتَنْكَرٌ.

وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:

إذَا عُرِفَ الْكَذَّابُ بِالْكَذِبِ لَمْ يَكَدْ......يُصَدَّقُ فِي شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ صَادِقَا

وَمِنْ آفَةِ الْكَذَّابِ نِسْيَانُ كِذْبِهِ.....وَتَلْقَاهُ ذَا حِفْظٍ إذَا كَانَ صَادِقَـا...)[1]أهــــ.

[1](أدب الدنيا والدين لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي الشافعي: ص: 417/ ط: دار ابن كثير)