المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بهذا نعرف أنَّ دعوة التمييع المعاصر أخطر على دعوتنا وشبابنا من الدعوات المنحرفة الأخرى



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
23-Jul-2011, 11:58 AM
بهذا نعرف أنَّ دعوة التمييع المعاصر أخطر على دعوتنا وشبابنا من الدعوات المنحرفة الأخرى


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَنْ سار على نهجه إلى يوم الدِّين؛ أما بعد:

فقد وصلني مؤخراً قرص ليزري قام بنشره خفية أحد دعاة التمييع المعاصر - من مناصري الحلبي ومتعصبيه في بلدنا – بعنوان [أقوال العلماء في فتنة العصر].

ويشتمل هذا القرص على مجموعة من الأشرطة الصوتية، وعلى الصورة الآتية:

(أشرطة للشيخ لألباني، وأشرطة للشيخ ابن عثيمين، وأشرطة متفرقة)
والمتفرقة تحتوي على:

(شريطين للشيخ ابن باز، وشريط للشيخ ابن عثيمين، وشريطين لسماحة المفتي الحالي، وشريطين للشيخ عبد المحسن العباد، وشريط للشيخ عبيد الجابري، وشريط للشيخ صالح آل الشيخ، وشريط لإمام المسجد الحرام عبد الرحمن السديس، وشريط لعلي الحلبي).

وقد قام هؤلاء بوضع عناوين لهذه الأشرطة تدل على الغاية المقصودة من هذا القرص، مثل:

(اجتهاد العالم لا يلزم غيره)، (الاستفادة من أهل البدع)، (فتنة الحجاز)، (التسامح مع المبتدع)، (التساهل مع أهل البدع)، (التفريق بين العقيدة والمنهج)، (الرحمة مع أهل البدع)، (الشفقة على أهل البدع)، (الصلاة خلف أهل البدع)، (لا أنصح اليوم بالمقاطعة)، (حكم الصلاة في مساجد أهل البدع)، (حكم الترحم على أهل البدع)، (قول العالم في إقامة الحجة لا يلزم غيره)، (كيف نعامل أهل البدع)، (مَنْ ابتدع ولم يكن ذلك ديدنه)، (معاملة المخالف بين المتساهل والمتشدد)، (مَنْ وقع في بدعة لا يعني أنه مبتدع)، (هل يجوز الثناء على أهل البدع)، (هجر المبتدعة في هذا الزمان)، (مَنْ هو المبتدع؟)، (قاصمة الظهر للتبديع)، (ما حكم الإخوان المسلمين؟)، (الاختلاف في فهم النصوص لا يعد تفرقاً إذا كانت النية حسنة)، (العثيمين وسيد قطب)، (الألباني وسيد قطب)، (الالباني وسلمان العودة)، (قواعد عرعور)، (الألباني - الإخوان والتبليغ)، (البعثية)، (البنا)، (جماعة التبليغ)، (وحدة الأديان لابن عثيمين)، (ابن باز وسيد قطب)، (الإخوان والسلفيين - العثيمين)، (التفريق بين البدعة والمبتدع)، (الإخوان وأنصار السنة – ابن باز)، (كلمة العباد حول الفتنة)، (عبيد الجابري لا يبدع سيد).....إلى آخر العناوين.

ولست هنا بصدد بيان ما في أشرطة المشايخ من محتوى، سواء كان حقاً لا لبس وإنما اللوم على فهم السامع لها المتبع لهواه، أو كان اجتهاداً قديماً بسبب عدم الإطلاع على حقيقة الأمر وحال المنحرفين دعاة ودعوات، وقد تراجعوا عنه في أشرطة وكتابات موثَّقة في آخر أيامهم كما يعلم الجميع.

وإنما أردتُ أن أُبيَّن للقراء أنَّ هؤلاء المميعة أشد فتنة وأخطر إفساداً من الإخوان والتبليغ والقطبية والحزبيين والتكفيريين على شبابنا السلفي ودعوتنا السلفية المعاصرة.

ذلك لأنَّ دفاع الإخوان والتبليغ والدعوات المنحرفة عن سيد قطب وأهل البدع الذين ينتمون لهم لا غرابة فيه، ولا يغتر به سلفي، وإنما يغتر الشاب السلفي بمَنْ ينسب نفسه إلى الدعوة السلفية وإلى العلماء الثلاث (الألباني وابن باز وابن عثيمين) رحمهم الله تعالى ومع هذا ينشر مثل هذا القرص، والذي لو وقع في أيدي الإخوان والتبليغ وأهل الانحراف لفرحوا به أيما فرح.

فعجباً لمَنْ يدَّعي السلفية كيف ينشر مثل هذا القرص؟!

وكيف سيكون جوابه لو أنكر عليه إخواني تبديع سيد قطب وحسن البنا بعد ذلك؟!

وكيف سيكون جوابه لو أنكر عليه أحد تبديع سلمان العودة؟!

وكيف سيكون جوابه لو أنكر عليه أحد تبديع الإخوان المسلمين والتبليغ؟!

بل كيف سيكون جوابه لو أنكر عليه صوفي أو رافضي أو أشعري أو معتزلي أو خارجي معاملته بشدة؛ كالهجر والتبديع والتحذير والإنكار، وهو يدعو إلى التساهل والشفقة والرحمة والثناء والاستفادة والدراسة على أهل البدع؟!

فهؤلاء المميعة أشد على دعوتنا وشبابنا من أهل البدع الآخرين، وليس في ذلك غرابة، لأنَّ من المعلوم أنَّ المنافق الذي ينتسب إلى الإسلام ظاهراً أشد خطراً من الكافر الذي يظهر الكفر ويحارب المسلمين علانية، وكذلك السمَّاعون لأهل النفاق أشد على أهل الإسلام من أهل النفاق أنفسهم، وكلما كان المنحرف أقرب إلى أهل الحق كلما كان كلامه ومواقفه أشد فتنة عليهم من غيرهم.

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى [المجموع 233-234]: ((فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعًا تخالف الكتاب ويلبسونها على الناس ولم تبين للناس فسد أمر الكتاب وبُدِّل الدين؛ كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم ينكر على أهله. وإذا كان أقوام ليسوا منافقين لكنهم سمَّاعون للمنافقين قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقًا؛ وهو مخالف للكتاب وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين كما قال تعالى: "لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالًا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم"، فلا بد أيضًا من بيان حال هؤلاء؛ بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم!!، فإنَّ فيهم إيمانًا يوجب موالاتهم وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين فلا بد من التحذير من تلك البدع وإنْ اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم؛ بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق لكن قالوها ظانين أنها هدى وأنها خير وأنها دين ولم تكن كذلك؛ لوجب بيان حالها)).

ولا بد أن يعلم السلفي أنَّ صاحب الباطل لا يمكن له أن ينفق وينشر باطله إلا أن يظهره بصورة الحق؛ فيكون كلامه حقاً أريد به باطل، أو يلبس شيئاً من الحق بباطله، فيلتبس أمره على السذَّج من الناس أو على مَنْ يُحسن الظنَّ به من أهل العلم.

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [المجموع 35/190]: ((ولا يُنفق الباطلُ في الوجود إلا بثوب من الحق, كما أنَّ أهل الكتاب لبسوا الحق بالباطل, فبسبب الحق اليسير الذي معهم يضلون خلقاً كثيراً عن الحق الذي يجب الإيمان به, ويدعونه إلى الباطل الكثير الذي هم عليه. وكثيراً ما يعارضهم من أهل الإسلام مَنْ لا يحسن التمييز بين الحق والباطل, ولا يقيم الحجة التي تدحض باطلهم, ولا يبين حجة الله التي أقامها برسله, فيحصل بذلك فتنة)).

وقال في [درء تعارض العقل والنقل 1/120]: ((الذين يعارضون الكتاب والسنة بما يسمونه عقليات من الكلاميات والفلسفيات ونحو ذلك إنما يبنون أمرهم في ذلك على أقوال مشتبهة مجملة تحتمل معاني متعددة، ويكون ما فيها من الاشتباه لفظاً ومعنى يوجب تناولها لحق وباطل، فبما فيها من الحق يقبل ما فيها من الباطل لأجل الاشتباه والالتباس، ثم يعارضون بما فيها من الباطل نصوص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.

وهذا منشأ ضلال مَنْ ضل من الأمم قبلنا، وهو منشأ البدع، فإنَّ البدعة لو كانت باطلاً محضاً لظهرت وبانت وما قبلت، ولو كانت حقاً محضاً لا شوب فيه لكانت موافقة للسنة، فإنَّ السنة لا تناقض حقاً محضاً لا باطل فيه، ولكن البدعة تشتمل على حق وباطل، وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع.

ولهذا قال تعالى فيما يخاطب به أهل الكتاب على لسان محمد صلي الله عليه وسلم: "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون. وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلا وإياي فاتقون. ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون"، فنهاهم عن لبس الحق بالباطل وكتمانه، ولبسه به: خلطه به حتى يلتبس أحدهما بالآخر؛ كما قال تعالى: "ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون"، ومنه: التلبيس وهو التدليس، وهو الغش، لأنَّ المغشوش من النحاس تلبسه فضة تخالطه وتغطيه، كذلك إذا لبس الحق بالباطل يكون قد أظهر الباطل في صورة الحق، فالظاهر حق والباطن باطل.

ثم قال تعالى: "وتكتموا الحق وأنتم تعلمون"؛ وهنا قولان:

قيل: إنه نهاهم عن مجموع الفعلين، وإنَّ الواو واو الجمع التي يسميها نحاة الكوفة واو الصرف كما في قولهم لا تأكل السمك وتشرب اللبن كما قال تعالى: "ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" على قراءة النصب، وكما في قوله تعالى: "أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير. ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص" على قراءة النصب، وعلى هذا فيكون الفعل الثاني في قوله: "وتكتموا الحق" منصوباً، والأول مجزوماً.

وقيل: بل الواو هي الواو العاطفة المشركة بين المعطوف والمعطوف عليه فيكون قد نهى عن الفعلين من غير اشتراط اجتماعهما، كما إذا قيل: لا تكفر وتسرق وتزن، وهذا هو الصواب، كما في قوله تعالى: "يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون"، ولو ذمهم على الاجتماع لقال: وتكتموا الحق بلا نون، وتلك الآية نظير هذه)).

إلى أن قال رحمه الله تعالى: ((إذا عرف هذا؛ فقوله تعالى: "ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق" نهي عنهما، والثاني لازم للأول مقصود بالنهي، فمن لبس الحق بالباطل كتم الحق، وهو معاقب على لبسه الحق بالباطل، وعلى كتمانه الحق، فلا يقال: النهي عن جمعهما فقط، لأنه لو كان هذا صحيحاً لم يكن مجرد كتمان الحق موجباً للذم، ولا مجرد لبس الحق بالباطل موجباً للذم، وليس الأمر كذلك، فإنَّ كتمان أهل الكتاب ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بينه للناس يستحقون به العقاب باتفاق المسلمين، وكذلك لبسهم الحق الذي أنزله الله بالباطل الذي ابتدعوه، وجمع بينهما بدون إعادة حرف النفي لأنَّ اللبس مستلزم للكتمان ولم يقتصر على الملزوم، لأنَّ اللازم مقصود بالنهي)).

وقال رحمه الله تعالى في موضع آخر [1/283]: ((فإنَّ البدعة لا تكون حقاً محضاً موافقاً للسنة؛ إذا لو كانت كذلك لم تكن باطلاً. ولا تكون باطلاً محضاً لا حق فيها إذ لو كانت كذلك لم تخف على الناس، ولكن تشتمل على حق وباطل، فيكون صاحبها قد لبس الحق بالباطل: إما مخطئاً غالطاً، وإما متعمداً لنفاق فيه وإلحاد؛ كما قال تعالى: "لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم"، فأخبر أنَّ المنافقين لو خرجوا في جيش المسلمين ما زادوهم إلا خبالاً، ولكانوا يسعون بينهم مسرعين يطلبون لهم الفتنة، وفي المؤمنين مَنْ يقبل منهم ويستجيب لهم؛ إما لظن مخطئ أو لنوع من الهوى أو لمجموعهما، فإنَّ المؤمن إنما يدخل عليه الشيطان بنوع من الظن وإتباع هواه)).

وقال في موضع آخر [3/374]: ((وقد ذمَّ اللهُ تعالى في القرآن ثلاثة أنواع من المجادلة:

ذم أصحاب المجادلة بالباطل ليدحض به الحق، وذم المجادلة في الحق بعد ما تبين، وذم المحاجة فيما لا يعلم المحاج؛ فقال تعالى: "وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق"، وقال تعالى: "يجادلونك في الحق بعد ما تبين"، وقال: "ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم"، والذي ذمه السلف والأئمة من المجادلة والكلام هو من هذا الباب.

فإنَّ أصل ذمهم الكلام المخالف للكتاب والسنة، وهذا لا يكون في نفس الأمر إلا باطلاً، فمن جادل به جادل بالباطل، وإن كان ذلك الباطل لا يظهر لكثير من الناس أنه باطل لما فيه من الشبهة، فإنَّ الباطل المحض الذي يظهر بطلانه لكل أحد لا يكون قولاً ومذهباً لطائفة تذب عنه، وإنما يكون باطلاً مشوباً بحق كما قال تعالى: "لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون"، أو تكون فيه شبهة لأهل الباطل وإنْ كانت باطلة، وبطلانها يتبين عند النظر الصحيح)).

أقول بعد هذا البيان:

فإذا عرف السلفي أنَّ صاحب الباطل لا يمكن أن يأت بباطل محض، لأنَّ ذلك لا يخفى على الناس، ولا يمكن له بذلك أن يصل إلى مآربه، لهذا يحرص صاحب الباطل دوماً إلى إدخال شيء من الحق في باطله، فبما فيه من الحق يلتبس الأمر على الناس، وهذا ما فعله دعاة التمييع عندما جمعوا أشرطة العلماء المشار إليها آنفاً على غير ما أرادوا!، وفي غير المحل الذي قصدوه!، هذا مع بتر كلامهم من سياقه!، وتحريفه بالعناوين الباطلة!؛ لينشروا فكر التمييع في أعلى صوره بين الشباب السلفي؛ والله المستعان.

والذي لاحظتُه بعد سماعي لهذه الأشرطة:

1- أنَّ هؤلاء يحملون كلام العلماء في مسائل الاجتهاد الفرعية المختلف فيها بين أهل السنة على القضايا المنهجية المختلف فيها بين أهل السنة وأهل البدع.

2- كذلك يحملون كلام العلماء على أهل العلم الأوائل الذين وقعوا في بعض البدع الخفية عن غفلة وشبهة واجتهاد ولم نعلم هل قامت الحجة عليهم أم لا؟، مع ما لهم من جد وجهاد في نشر السنة وعلوم الشريعة وإنكار البدع؛ كالحافظ ابن حجر والنووي، يحملونه على أهل البدع المعاصرين الذين قامت عليهم الحجة ولا زالوا في إصرار وعناد، أو أهل البدع الذين خالفوا أهل السنة في الأصول الظاهرة التي تميز أهل السنة عن غيرهم من فرق الضلال؛ وإنْ لم نعلم قيام الحجة عليهم.

3- أنهم يؤمنون ببعض كلام أهل العلم في موضع أو مجلس ويكفرون بكلامهم الآخر؛ وهو الأخير، أو يكفرون بما وراءه وهو الحق الذي لا محيص عنه، فمثلاً كلام الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في سيد قطب وفي سلمان العودة كان قديماً!، وقد ظهر للشيخ أمرهما أكثر بعد كتابات الشيخ ربيع حفظه الله تعالى، فصرح بضلالهم بما لا يخفى على أحد، وأثنى على ردود الشيخ ربيع وكتاباته فيهم، فهل من الإنصاف أن يُنشر كلام الشيخ الألباني القديم ويعرض عن كلامه الأخير بعد أن ظهر له ما لم يظهر من قبل؟!!، وهل من الإنصاف أن يُنشر كلام الشيخ الألباني في الشيخ ربيع حول سلمان العودة؟! وكذلك كلام الشيخين ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى في الإخوان والتبليغ وسيد قطب كان قديماً، ولهم كلام قبل موتهم يُحذِّرون من هؤلاء ويصفونهم بالبدعة والضلال، ومَنْ أراد أن يعرف ذلك بالتفصيل فعليه أن يقرأ رسالة [الإخوان المسلمون والتبليغ بين علماء السلفيين الأكابر ودعاة التمييع المعاصر] لكاتب هذه السطور.

4- أنَّ هؤلاء المميعة يأخذون نتفاً من كلام أهل العلم في بعض المجالس الخاصة في موقف معيَّن أو شخصية معينة لأحوال خاصة، ثم يبنون عليه منهجاً عاماً ينسبونه لأولئك العلماء، وهذا نفسه ما أنكره الشيخ الألباني رحمه الله تعالى نفسه حين قال: ((الآثار السلفية إذا لم تكن متضافرة متواترة؛ فلا ينبغي أن يؤخذ عن فرد من أفرادها منهج!، هذا المنهج خلاف ما هو معلوم عن السلف أنفسهم!!)).

وقال الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في رده على مَنْ يستدل ببعض النقول عن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى لمشروعية الموازنة في الحكم على الأعيان في كتابه [منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف ص61]: ((لقد ذهبتم تفتشون في تراث السلف لعلكم تجدون فيه من كلامهم ومواقفهم ما توقفون به السلفيين الظالمين في نظركم عند حدهم!؛ فلم تجدوا من كلام ولا مواقف أحد منهم، من الصحابة، من القرن الأول للتاريخ الإسلامي إلى القرن الثامن، لم تجدوا شيئًا إلا نتفًا من كلام ابن تيمية الذي كانت حياته كلها جهادًا ونضالًا وهجومًا على أهل البدع؛ فإذا أدرك أنه قد دمَّر معاقلهم، وثلَّ عروشهم أدركته رقة تشبه رقة أبي بكر على أسرى قريش يوم بدر؛ فيقول كلمات في قوم قد يكونون قريبين إلى السنة ولهم مع ذلك جهاد يدافعون فيه عن السنة وعن وأهلها؛ فتأخذون تلك النتف وتسمونها: "منهج أهل السنة والجماعة"!، وتشنون بها الغارة على البقية من المجتهدين من أهل السنة الذين تكالبت عليهم فرق الضلال والبدع؛ إنَّ هذه النتف التي تجدونها في كلام ابن تيمية لا يجوز أن نسميها منهج ابن تيمية!، فضلًا عن أن نسميها منهج أهل السنة والجماعة)).

فمثلاً: كلام الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في كشف منهج الإخوان والتحذير منه وبيان ضلالهم وفسادهم معلوم لا ينكره إلا مكابر، فأما كلامه فيهم في جلسة واحدة بعد زيارة المأربي له وحرصه الشديد على استحصال كلام من الشيخ في إدخال الإخوان في إطار أهل السنة؛ فلا يُمكن أن يضرب بهذا الكلام ما سبق من منهج الألباني العام في الإنكار على الإخوان المسلمين وبيان انحرافهم عن منهج السلف.

5- قام هؤلاء المميعة بتحريف كلام العلماء؛ حيث جعلوه في غير موضعه، فمثلاً كلام العلماء في التفريق بين البدعة والمبتدع، أو مَنْ وقع في البدع وبين إطلاق حكم الابتداع عليه؛ هو كلام حق، وإنما أرادوا بذلك دفع غلو البعض الذين دعوا إلى هجر كتب العلماء المعروفين الذين وقعوا في البدعة عن اجتهاد لا عن إصرار وعناد، والذين حرَّموا الترحم على هؤلاء العلماء، فجاء هؤلاء المميعة فجعلوا كلامهم في المبتدعة مطلقاً.

6- قام هؤلاء المميعة أيضاً ببتر كلام العلماء؛ حيث قطعوا التسجيل الصوتي من سياق كلامهم، فمثلاً كلامهم كان في ابن حجر والنووي وأمثالهم فجعلوه في مثل سيد قطب وحسن البنا وسلمان العودة وأمثالهم.



وأخيراً؛ أقول:

لقد خدم هؤلاء المميعة الدعوات المنحرفة الأخرى خدمة عظيمة وزيَّنوا الباطل بأسلوب ماكر، واستدلوا لهم بما لم يحسن أن يستدلوا به قط، وهذه هي طريقة الكرابيسي أخزاه الله تعالى ومَنْ تشبَّه به إلى يوم الدين.

قال الحافظ ابن رجب البغدادي رحمه الله تعالى في شرح علل الترمذي: ((وقد تسلَّط كثيرٌ ممن يطعن في أهل الحديث عليهم بذكر شيء من هذه العلل!، وكان مقصوده بذلك الطعن في الحديث جملة والتشكيك فيه، أو الطعن في غير حديث أهل الحجاز؛ كما فعله حسين الكرابيسي في كتابه الذي سماه بكتاب المدلسين!، وقد ذُكر كتابُه هذا للإمام أحمد فذمه ذماً شديداً، وكذلك أنكره عليه أبو ثور وغيره من العلماء!!. قال المروزي: مضيتُ إلى الكرابيسي وهو إذ ذاك مستورٌ يذب عن السنة ويظهر بأبي عبد الله!!، فقلتُ له: إنَّ كتاب "المدلسين" يريدون أن يعرضوه على أبي عبد الله فأظهر أنك قد ندمتَ حتى أخبر أبا عبد الله، فقال لي: إنَّ أبا عبد الله رجل صالح مثله يوفَّق لإصابة الحق؛ وقد رضيتُ أن يُعرض كتابي عليه!، وقال: قد سألني أبو ثور وابن عقيل وحبيش أن أضرب على هذا الكتاب فأبيتُ عليهم وقلتُ بل أزيد فيه!!!، ولجَّ في ذلك وأبى أن يرجع عنه!.

فجيء بالكتاب إلى أبي عبد الله وهو لا يدري مَنْ وضع الكتاب، وكان في الكتاب الطعن على الأعمش والنصرة للحسن بن صالح. وكان في الكتاب: إنْ قلتَ إنَّ الحسن بن صالح كان يرى رأي الخوارج فهذا ابن الزبير قد خرج!!؛ فلما قُرئ على أبي عبد الله قال: "هذا قد جمع للمخالفين ما لم يحسنوا أن يحتجوا به!!!، حذِّروا من هذا"، ونهى عنه.

وقد تسلَّط بهذا الكتاب طوائف من أهل البدع من المعتزلة وغيرهم في الطعن على أهل الحديث!!؛ كابن عباد الصاحب ونحوه، وكذلك بعض أهل الحديث ينقل منه دسائس - إما أنه يخفى عليه أمرها، أو لا يخفى عليه - في الطعن في الأعمش ونحوه كيعقوب الفسوي وغيره.

وأما أهل العلم والمعرفة والسنة والجماعة فإنما يذكرون علل الحديث نصيحة للدين وحفظاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وصيانة لها وتمييزاً مما يدخل على رواتها من الغلط والسهو والوهم، ولا يوجب ذلك عندهم طعناً في غير الأحاديث المعللة، بل تقوى بذلك الأحاديث السليمة عندهم لبراءتها من العلل وسلامتها من الآفات، فهؤلاء هم العارفون بسنة رسول الله عليه وسلم حقاً، وهم النقاد الجهابذة الذين ينتقدون الحديث انتقاد الصيرفي الحاذق للنقد البهرج من الخالص، وانتقاد الجوهري الحاذق للجوهر مما دلَّس به)).

قلتُ:

وأُذكِّر نفسي وإخواني بأنَّ كلام العلماء يحتج له لا يحتج به، وما أجمل ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [الفتاوى الكبرى 6/92]: ((إنَّ الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكانة عليا، قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور: لا يجوز أن يتبع فيها!!، مع بقاء مكانته ومنزلته في قلوب المؤمنين؛ واعتبر ذلك بمناظرة الإمام عبد الله بن المبارك قال: "كنا بالكوفة فناظروني في ذلك يعني "النبيذ المختلف فيه" فقلتُ لهم: تعالوا فليحتج المحتج منكم عمَّنْ يشاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالرخصة، فإنْ لم يتبين الرد عليه عن ذلك الرجل بشدة صحت عنه، فاحتجوا، فما جاؤوا عن أحد برخصة إلا جئناهم بشدة، فلما لم يبق في يد أحد منهم إلا عبد الله بن مسعود وليس احتجاجهم عنه في شدة النبيذ بشيء يصح عنه، إنما يصح عنه أنه لم ينبذ له في الجَرِّ إلا حَذِرًا.

قال ابن المبارك: فقلتُ للمحتج عنه في الرخصة؛ يا أحمق عد إنَّ ابن مسعود لو كان ها هنا جالسًا فقال: هو لك حلال، وما وصفنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الشدة، كان ينبغي لك أن تحذر أو تجر أو تخشى؟

فقال قائلهم: يا أبا عبد الرحمن؛ فالنخعي والشعبي وسمى عدة معهما كانوا يشربون الحرام؟!!

فقلتُ لهم: عدوا عند الاحتجاج تسمية الرجال!؛ فربَّ رجل في الإسلام مناقبه كذا وكذا وعسى أن يكون منه زلة أفلأحد أن يحتج بها؟!

فإنْ أبيتم، فما قولكم في عطاء وطاووس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة؟

قالوا: كانوا خيارًا.

قلتُ: فما قولكم في الدرهم بالدرهمين يدًا بيد؟

فقالوا: حرام.

فقال ابن المبارك: إنَّ هؤلاء رأوه حلالاً؛ فماتوا وهم يأكلون الحرام؟!!

فبقوا وانقطعت حجتهم!.

قال ابن المبارك: ولقد أخبرني المعتمر بن سليمان قال: رآني أبي وأنا أنشد الشعر، فقال لي: يا بني لا تنشد الشعر، فقلت له: يا أبت كان الحسن ينشد وكان ابن سيرين ينشد!!، فقال لي: أي بني إنْ أخذت بشر ما في الحسن وبشر ما في ابن سيرين اجتمع فيك الشر كله!!".

وهذا الذي ذكره ابن المبارك متفق عليه بين العلماء، فإنه ما من أحد من أعيان الأمة من السابقين الأولين ومن بعدهم إلا لهم أقوال وأفعال خفي عليهم فيها السنة!!، وهذا باب واسع لا يحصى، مع أنَّ ذلك لا يغض من أقدارهم، ولا يسوغ إتباعهم فيها!!، كما قال سبحانه: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول"، قال ابن مجاهد والحكم بن عتيبة ومالك وغيرهم: "ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم"، وقال سليمان التيمي: "إنْ أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله"، قال ابن عبد البر: "هذا إجماع لا أعلم فيه خلافاً"، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في هذا المعنى ما ينبغي تأمله...)) [وذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى جملة من الآثار] ثم قال:

((وهذه آثار مشهورة رواها ابن عبد البر وغيره، فإذا كنا قد حُذِّرنا من "زلة العالم"!، وقيل لنا: أنها أخوف ما يخاف علينا، وأمرنا مع ذلك أنْ لا يرجع عنه!.

فالواجب على مَنْ شرح الله صدره للإسلام: إذا بلغته مقالة ضعيفة عن بعض الأئمة أن لا يحكيها لمن يتقلَّد بها، بل يسكت عن ذكرها إلى أن يتيقن صحتها، وإلا توقف في قبولها!، فما أكثر ما يحكى عن الأئمة ما لا حقيقة له!، وكثير من المسائل يخرجها بعض الأتباع على قاعدة متبوعة مع أنَّ ذلك الإمام لو رأى أنها تفضي إلى ذلك لما التزمها!!، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، ومن علم فقه الأئمة وورعهم علم أنهم لو رأوا هذه الحيل وما أفضت إليه من التلاعب بالدين لقطعوا بتحريم ما لم يقطعوا به أولاً)).

والله الموفِّق.