المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل صلاة التراويح في المسجد افضل ام في البيت ؟؟؟



أبو بكر يوسف لعويسي
19-Aug-2011, 06:27 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
هل صلاة التراويح (( القيام )) مع الجماعة في المسجد أفضل أم في البيت أفضل ؟(1 )
أما بعد : لا يشك مسلم أن صلاة قيام رمضان – التراويح – سنة وليست بواجبة ، وقد نقل ابن عبد البر في التمهيد عن الطحاوي أنها فرض كفائي ثم رد عليه ، ولا يشك أن النبي صلى الله عليه وسلم رغب فيها ترغيبا عظيما،ولو جاء فيها إلا قوله صلى الله عليه وسلم:<< من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه >>رواه الشيخان.
وقد فعلها صلى الله عليه وسلم بمفرده ، كما فعلها في جماعة ، ولكن تركها خوفا على أمته ، وشفقة أن تفرض عليهم فلا يستطيعون تأديتها ، ولما توفي صلى الله عليه وسلم، وانقطع التشريع بانقطاع الوحي ، وكمل الدين ، وتمت النعمة ، حيث لا خوف على الأمة ، رجع حكمها إلى ما سنه صلى الله عليه وسلم ، لذلك جمع عمر (2) الناس في صلاة التراويح على إمام واحد للرجال وهو أبي بن كعب ، وإمام واحد للنساء وهو تميم الداري.وفي رواية أنه : سليمان بن أبي حثمة ، إحياء لسنة ماتت في الناس.
ولما رآهم مجتمعين قال رضي الله عنه :<< نعمت البدعة هذه والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون ، يعني آخر الليل>> ( 3).
وذلك مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم : << أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل >>(4). ولأن أسمع الدعاء ما كان في جوف الليل، ولأن ربنا ينزل إلى السماء الدنيا إذا بقي من الليل ثلثه كما في حديث النزول المتواتـر ولقوله صلى الله عليه وسلم : << أفضل الصلاة : صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة >>(5) لأنـها أبعد ما تكون عن الـرياء والسمعة وأقرب إلى الخشـوع والطمأنينة، ومن هنا يقال أن تأدية صلاة التراويح في البيت سواء في أول الليل أو وسطه أو آخره لمن يقدر ولا يعجز أفضل ، وتكون في الثلث الأخير من الليل أفضل ، إلا في العشر الأواخر حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد أكثر،فيحي الليل كله، ويوقظ أهله، أما إذا عجز المسلم لوحده،ونشط مع الجماعة فلا بأس من تأديتها مع الجماعة وذلك أفضل له.
وقد اختلف أهل العلم في ذلك فقالت طائفة القيام في البيت أفضل في رمضان ، منهم مالك والشافعي ، وغيرهما ، وقال جمهور أهل العلم أن صلاة التراويح جماعة أفضل ، لفعل عمر والصحابة ، وبقي عمل المسلمين على ذلك كما قال النووي في شرحه لمسلم (6) ولأن الاجتماع بركة ، وله فضيلة ،بدليل الفرائض ، ولأنه ربما يكسل في الإفراد وينشط عند مشاهدة الجمع . (7).
وهناك مذاهب أخرى كثيرة في المسألة المذكورة من أجودها ما نقله عبد الحق الإشبيلي في التهجد( ص176)وقال رجل للحسن البصري :أصلي قيام رمضان في البيت أو في المسجد؟ فقال له الحسن: الموضع الذي ترى فيه عينيك أدمع، وقلبك أرق وأخشع فألزمه.
وقال الشافعي إن صلى رجل لنفسه في بيته في رمضان فهو أحب إلي؛ وإن صلى في جماعة فهو حسن (8).
وقال الليث بن سعد- كما نقله ابن عبد البر -:( 9)لو أن الناس كلهم قاموا في رمضان لأنفسهم وأهليهم حتى يترك المسجد لا يقوم فيه ، لكان ينبغي أن يخرجوا إلى المسجد حتى يقوموا فيه في رمضان ، لأن قيام رمضان من الأمر الذي لا ينبغي للناس تركه،وهو مما سن عمر للمسلمين وجمعهم عليه، وأما إذا كانت الجماعة قد قامت في المسجد فلا بأس أن يقوم لنفسه في بيته وأهل بيته.
ولخص القرطبي مذهبه في التفسير بقوله( 10):لو قام الناس في بيوتهم ، ولم يقم أحد في المسجد لا ينبغي أن يخرجوا إليه .
قلت : وهذا فيه إخلال بسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي أحياها عمر رضي الله عنه ، فلا ينبغي الالتفات إليه .
ونقله القطب في مدارك المرام (ص115) عن بعض الشافعية ،وقال: ومنهم من قال: إن كان يحفظ القرآن ، ويأمن من التكاسل عن القيام فهو في البيت أفضل وإن كان بالعكس ففي المسجد أفضل .
والراجح في المسألة هو ما نقله ابن عبد البر : (11) وقد ذكر الخلاف، والمذاهب والأقوال في ذلك ثم قال:كل من اختار التفرد فينبغي أن يكون ذلك على أن لا يقطع معه القيام في المساجد، فأما التفرد الذي يقطع معه القيام في المساجد فلا.
وقال في الاستذكار(12)واختلفوا في الأفضل من القيام مع الناس أو الإنفراد في شهر رمضان ؛ فقال مالك والشافعي : صلاة المنفرد في بيته في رمضان أفضل .وقال مالك : وكان ربيعة وغير واحد من علمائنا ينصرفون ولا يقومون مع الناس .قال مالك وأنا أفعل ذلك ( يعني الانصراف) وما قام رسول الله إلا في بيته .
وروينا عن ابن عمر، وسالم ، والقاسم ، وإبراهيم ، ونافع ، أنهم كانوا ينصرفون ، ولا يقومون مع الناس . وجاء عن عمر وعلي أنهما كانا يأمران من يقوم للناس في المسجد ولم يجيء عنهما أنهما كانا يقومان معهم .
وقد احتجوا بحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قيام رمضان :<< أيها الناس ، صلوا في بيوتكم ؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة >>.متفق عليه (ح 447).
قال الشافعي : ولا سيما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده على ما في ذلك من فضل .
وقال في الاستذكار:(13) القيام في رمضان نافلة ، ولا مكتوبة إلا الخمس ، وما زاد عليها تطوع بدليل حديث طلحة : هل علي غيرها ؟قال :<< لا ، إلا أن تطوع >> .وقد قال صلى الله عليه وسلم << صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة >>(14)فإذا كانت النافلة في البيت أفضل منها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه بألف صلاة ، فأي فضل أبين من هذا .
وقال مرة في التمهيد(15) : القيام في رمضان تطوع ، وكذلك قيام الليل كله ، وقد خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفرض على أمته ، فمن أوجبه فرضا أوقع ما خشيه رسول الله وخافه، وكرهه على أمته، وإذا صح أنه تطوع فقد علمنا{ بالسنة } أن التطوع في البيوت أفضل ، إلا أن قيام رمضان لابد أن يقام إتباعا لعمر ، واستدلالا بسنة رسول الله في ذلك ، فإذا قامت الصلاة في المساجد فالأفضل عندي حينئذ حيث تصلح للمصلي نيته وخشوعه وإخباته ، وتدبر ما يتلوه في صلاته ، فحيث كان ذلك مع قيام سنة عمر، فهو أفضل – إن شاء الله – وبالله التوفيق.
قلت :هذا ما رجحه الحسن البصري رحمه الله باعتبار الخشوع والانتفاع من سماع القرآن ، فقد قال له رجل:أصلي قيام رمضان في البيت أو في المسجد؟ فقال له الحسن: الموضع الذي ترى فيه عينيك أدمع، وقلبك أرق وأخشع فألزمه (16).
وعن صالح المري سأل رجل الحسن البصري يا أبا سعيد هذا ؛ رمضان أظلني وقد قرأت القرآن فأين تأمرني أن أقوم، وحدي أم أنضم إلى جماعة المسلمين فأقوم معهم؟ فقال له: إنما أنت عبد مرتاد لنفسك فانظر أي الموطنين كان أوجل لقلبك وأحسن لتيقظك فعليك به(17).
من اختار الصلاة وحده على القيام مع الناس : وإليك جملة من أقوال السلف ممن اختار القيام في البيت على الجماعة ؛ فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير فصلى فيها ليالي حتى اجتمع إليه ناس ثم فقدوا صوته فظنوا أنه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح به ليخرج فقال( 18):<< مازال بكم الذي رأيت من صنيعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم قيام الليل ، ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة >>. وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : << صلاتكم في بيوتكم أفضل من صلاتكم في مسجدي هذا إلا المكتوبة >>(19).وقال الليث ما بلغنا أن عمر وعثمان رضي الله عنهما كانا يقومان في رمضان مع الناس في المسجد . قال القسطلاني في إرشاد الساري (3/426) عند قول الراوي ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم : وهذا فيه إشعار بأن عمر كان لا يواظب على الصلاة معهم ، ولعله كان يرى أن فعلها في بيته ، ولا سيما في آخر الليل أفضل.
وقال ابن عبد البر رحمه الله الاستذكار (5/37) :وفي خروجه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، دليل أنه كان يتخلف عنهم ، إما لأمور المسلمين وإما للإنفراد بنفسه في الصلاة .
فقد روي بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس ، قال : سمعت ابن عباس يقول : دعاني عمر أتغذى عنده في شهر رمضان – يعني السحور – فسمع هيعة الناس حين انصرفوا من القيام ، فقال عمر: أما إن الذي بقي من الليل أحب إلي مما مضى منه .
وروينا عن ابن عمر، وسالم ، والقاسم ، وإبراهيم ، ونافع ، أنهم كانوا ينصرفون ، ولا يقومون مع الناس . وجاء عن عمر وعلي أنهما كانا يأمران من يقوم للناس في المسجد ولم يجيء عنهما أنهما كانا يقومان معهم .
وقد احتجوا بحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قيام رمضان :<< أيها الناس ، صلوا في بيوتكم ؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة >>.متفق عليه .أهـ كلامه
وقال مالك : كان ابن هرمز من القراء ينصرف فيقوم بأهله في بيته ، وكان ربيعة ينصرف، وكان القاسم وسالم ينصرفان لا يقومان مع الناس، وقد رأيت يحي بن سعيد يقوم مع الناس ، وأنا لا أقوم مع الناس لا أشك في أن قيام الرجل في بيته أفضل من القيام مع
الناس إذا قوي على ذلك ، وما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في بيته وعن نافع قال : كان ابن عمر يصلي العشاء في المسجد في رمضان ثم ينصرف (20).
وعن عبيد الله بن عمر رحمه الله أنه كان يرى مشيختهم القاسم وسالما ونافعا ينصرفون ولا يقومون مع الناس (21).
وقال أبو الأسود أن عروة بن الزبير رضي الله عنه كان يصلي العشاء الآخرة مع الناس في رمضان ثم ينصرف إلى منزله ولا يقوم مع الناس(22).
وقال الشافعي إن صلى رجل لنفسه في بيته في رمضان فهو أحب إلي؛ وإن صلى في جماعة فهو حسن (23).

الهوامش :
1 - ولمعرفة أقوال أهل العلم في المسألة بالتفصيل أنظر هذه المصادر غير مأمور ، شرح صحيح مسلم للنووي ( 6/39)، وجامع الترمذي (ج3/170) ، والسنن الكبرى للبيهقي (2/494)، والاستذكار لابن عبد البر(5/159)، وتحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (3/448)، وفتح الباري( 4/297)، والإحياء للغزالي( 1/202) ونـيل الأوطار للشوكاني(3/60)وغيرها كثير .
2- مع أن عمر رضي الله عنه الذي جمعهم على إمام واحد لم يكن يـصلي معهم لأن قول راوي الحديث : خرجت معه ليلـة أخرى ،والناس يصلون بصلاة قارئهم ، ينص على أن عمر لم يكن يصلي معهم ،وقد أشار القسطلاني في إرشاد الساري (3/426) عند هذه الفقرة من الحديث فقال : وهذا فيه إشعار بأن عمر كان لا يواظب على الصلاة معهم ، ولعله كان يرى أن فعلها في بيته ، ولا سيما في آخر الليل أفضل.
3- قال الحافـظ في الــفتح : ( 4/298) هذا تـصريح منه بأن الصلاة في آخر الليل أفضل من أوله ، ولكن لـيس فيه أن الـصلاة في قيام الليل فرادى أفضل من التجمع .وكذلك قال ابن عبد البر قبله في التمهيد .
4- رواه مسلم (ح1163) بترقيم محمد فؤاد عبد الـباقي ، والترمذي( 438)وابن ماجة (1742) وإرواء الغليل ( 449) قال وفي الباب عن جابر وبلال وأبي أمامة قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح قال أبو عيسى وأبو بشر اسمه جعفر بن أبي وحشية واسم أبي وحشية إياس . وقال الشيخ الألباني :صحيح .
5- متفق عليه ، اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان( 1/166 –167/ح 447).
6- شرح مسلم (6/39-40).
7- انظر مذاهب الصحابة المؤيدة لإقامتها في المساجد مع تخريجها في رسالة { صلاة التراويح } لشيخنا الألباني رحمه الله( ص9-15) وانظر تأصيلا قويا يؤيد ضرورة إظهار هذه الشعيرة في الموافقات للشاطبي (3/262-264)، واقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام( 275-277) وفتح الباري ( 3/14).
8- وأنظر مذاهب القوم في" كتاب الحوادث والبدع" الطرطوشي(ص 136-138).
9- الاستذكار لابن عبد الــبر( 5/ 159/160).
10 – الجامع لأحكام القرآن( 8 / 372/373) والمذهب المقصود هو مذهب الليث بن سعد.
11 – في كتابه التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد( 8/ 119-120).
21- الاستذكار ( ج5/ 50- 51) ضمن موسوعة شروح موطأ مالك .
13- الاستذكار ( ج5/ 50- 51) ضمن موسوعة شروح الموطأ .
14- إسناده صحيح،أخرجه أبو داود (1044)والبغوي في شرح السنة ( ح965-966)
15- التمهيد (ج5/ 16-17) ضمن موسوعة شروح الموطأ.
16- مختصر قيام الليل للمقريزي (99).
17- نفس المصدر.
18- متفق عليه ، اللـؤلـؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان( 1/166 –167/ح 447).
19- إسناده صـحيـح ، أخرجه أبو داود(1044) بـلـفظ: << صلاة المرء في بيته .. >> والبغوي في شرح السنة( 4/130-131 /ح995،996).
20- - 23 - 22 - 21 نقـلت أقـوالهم من كتاب مختصر قيام الليل لأحمد بن علي المقـريزي (ص 99 ،100).

أبو عبد المحسن زهير التلمساني
19-Aug-2011, 10:18 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

أحسن الله إليك شيخنا الحبيب ، وحفظك وجعل جهودك الطيبة فى ميزان حسناتك.
أفدت وأجدت رفع الله قدرك وزادك علماً وتقى وحلماً.
اللهم آمين

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
26-Nov-2011, 05:54 PM
أحسن الله إليك شيخنا الحبيب ، وحفظك وجعل جهودك الطيبة فى ميزان حسناتك.
حمل من هنا الملف على شكل وارد 2007
http://www.al-amen.com/up/do.php?id=155
حمل من هنا الملف على شكل pdf
http://www.al-amen.com/up/do.php?id=156

ابواوس السلفي الموصلي
24-Jun-2012, 10:59 PM
بوركتم وجزيتم خيرا

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
16-Apr-2020, 08:43 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .

هل صلاة التراويح (( القيام )) مع الجماعة في المسجد أفضل أم في البيت أفضل ؟(1 )

أما بعد : لا يشك مسلم أن صلاة قيام رمضان – التراويح – سنة وليست بواجبة ، وقد نقل ابن عبد البر في التمهيد عن الطحاوي أنها فرض كفائي ثم رد عليه ، ولا يشك أن النبي صلى الله عليه وسلم رغب فيها ترغيبا عظيما،ولو جاء فيها إلا قوله صلى الله عليه وسلم:<< من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه >>رواه الشيخان.
وقد فعلها صلى الله عليه وسلم بمفرده ، كما فعلها في جماعة ، ولكن تركها خوفا على أمته ، وشفقة أن تفرض عليهم فلا يستطيعون تأديتها ، ولما توفي صلى الله عليه وسلم، وانقطع التشريع بانقطاع الوحي ، وكمل الدين ، وتمت النعمة ، حيث لا خوف على الأمة ، رجع حكمها إلى ما سنه صلى الله عليه وسلم ، لذلك جمع عمر (2) الناس في صلاة التراويح على إمام واحد للرجال وهو أبي بن كعب ، وإمام واحد للنساء وهو تميم الداري.وفي رواية أنه : سليمان بن أبي حثمة ، إحياء لسنة ماتت في الناس.
ولما رآهم مجتمعين قال رضي الله عنه :<< نعمت البدعة هذه والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون ، يعني آخر الليل>> ( 3).
وذلك مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم : << أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل >>(4). ولأن أسمع الدعاء ما كان في جوف الليل، ولأن ربنا ينزل إلى السماء الدنيا إذا بقي من الليل ثلثه كما في حديث النزول المتواتـر ولقوله صلى الله عليه وسلم : << أفضل الصلاة : صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة >>(5) لأنـها أبعد ما تكون عن الـرياء والسمعة وأقرب إلى الخشـوع والطمأنينة، ومن هنا يقال أن تأدية صلاة التراويح في البيت سواء في أول الليل أو وسطه أو آخره لمن يقدر ولا يعجز أفضل ، وتكون في الثلث الأخير من الليل أفضل ، إلا في العشر الأواخر حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد أكثر،فيحي الليل كله، ويوقظ أهله، أما إذا عجز المسلم لوحده،ونشط مع الجماعة فلا بأس من تأديتها مع الجماعة وذلك أفضل له.
وقد اختلف أهل العلم في ذلك فقالت طائفة القيام في البيت أفضل في رمضان ، منهم مالك والشافعي ، وغيرهما ، وقال جمهور أهل العلم أن صلاة التراويح جماعة أفضل ، لفعل عمر والصحابة ، وبقي عمل المسلمين على ذلك كما قال النووي في شرحه لمسلم (6) ولأن الاجتماع بركة ، وله فضيلة ،بدليل الفرائض ، ولأنه ربما يكسل في الإفراد وينشط عند مشاهدة الجمع . (7).
وهناك مذاهب أخرى كثيرة في المسألة المذكورة من أجودها ما نقله عبد الحق الإشبيلي في التهجد( ص176)وقال رجل للحسن البصري :أصلي قيام رمضان في البيت أو في المسجد؟ فقال له الحسن: الموضع الذي ترى فيه عينيك أدمع، وقلبك أرق وأخشع فألزمه.
وقال الشافعي إن صلى رجل لنفسه في بيته في رمضان فهو أحب إلي؛ وإن صلى في جماعة فهو حسن (8).
وقال الليث بن سعد- كما نقله ابن عبد البر -:( 9)لو أن الناس كلهم قاموا في رمضان لأنفسهم وأهليهم حتى يترك المسجد لا يقوم فيه ، لكان ينبغي أن يخرجوا إلى المسجد حتى يقوموا فيه في رمضان ، لأن قيام رمضان من الأمر الذي لا ينبغي للناس تركه،وهو مما سن عمر للمسلمين وجمعهم عليه، وأما إذا كانت الجماعة قد قامت في المسجد فلا بأس أن يقوم لنفسه في بيته وأهل بيته.
ولخص القرطبي مذهبه في التفسير بقوله( 10):لو قام الناس في بيوتهم ، ولم يقم أحد في المسجد لا ينبغي أن يخرجوا إليه .
قلت : وهذا فيه إخلال بسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي أحياها عمر رضي الله عنه ، فلا ينبغي الالتفات إليه .
ونقله القطب في مدارك المرام (ص115) عن بعض الشافعية ،وقال: ومنهم من قال: إن كان يحفظ القرآن ، ويأمن من التكاسل عن القيام فهو في البيت أفضل وإن كان بالعكس ففي المسجد أفضل .
والراجح في المسألة هو ما نقله ابن عبد البر : (11) وقد ذكر الخلاف، والمذاهب والأقوال في ذلك ثم قال:كل من اختار التفرد فينبغي أن يكون ذلك على أن لا يقطع معه القيام في المساجد، فأما التفرد الذي يقطع معه القيام في المساجد فلا.
وقال في الاستذكار(12)واختلفوا في الأفضل من القيام مع الناس أو الإنفراد في شهر رمضان ؛ فقال مالك والشافعي : صلاة المنفرد في بيته في رمضان أفضل .وقال مالك : وكان ربيعة وغير واحد من علمائنا ينصرفون ولا يقومون مع الناس .قال مالك وأنا أفعل ذلك ( يعني الانصراف) وما قام رسول الله إلا في بيته .
وروينا عن ابن عمر، وسالم ، والقاسم ، وإبراهيم ، ونافع ، أنهم كانوا ينصرفون ، ولا يقومون مع الناس . وجاء عن عمر وعلي أنهما كانا يأمران من يقوم للناس في المسجد ولم يجيء عنهما أنهما كانا يقومان معهم .
وقد احتجوا بحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قيام رمضان :<< أيها الناس ، صلوا في بيوتكم ؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة >>.متفق عليه (ح 447).
قال الشافعي : ولا سيما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده على ما في ذلك من فضل .
وقال في الاستذكار:(13) القيام في رمضان نافلة ، ولا مكتوبة إلا الخمس ، وما زاد عليها تطوع بدليل حديث طلحة : هل علي غيرها ؟قال :<< لا ، إلا أن تطوع >> .وقد قال صلى الله عليه وسلم << صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة >>(14)فإذا كانت النافلة في البيت أفضل منها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه بألف صلاة ، فأي فضل أبين من هذا .
وقال مرة في التمهيد(15) : القيام في رمضان تطوع ، وكذلك قيام الليل كله ، وقد خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفرض على أمته ، فمن أوجبه فرضا أوقع ما خشيه رسول الله وخافه، وكرهه على أمته، وإذا صح أنه تطوع فقد علمنا{ بالسنة } أن التطوع في البيوت أفضل ، إلا أن قيام رمضان لابد أن يقام إتباعا لعمر ، واستدلالا بسنة رسول الله في ذلك ، فإذا قامت الصلاة في المساجد فالأفضل عندي حينئذ حيث تصلح للمصلي نيته وخشوعه وإخباته ، وتدبر ما يتلوه في صلاته ، فحيث كان ذلك مع قيام سنة عمر، فهو أفضل – إن شاء الله – وبالله التوفيق.
قلت :هذا ما رجحه الحسن البصري رحمه الله باعتبار الخشوع والانتفاع من سماع القرآن ، فقد قال له رجل:أصلي قيام رمضان في البيت أو في المسجد؟ فقال له الحسن: الموضع الذي ترى فيه عينيك أدمع، وقلبك أرق وأخشع فألزمه (16).
وعن صالح المري سأل رجل الحسن البصري يا أبا سعيد هذا ؛ رمضان أظلني وقد قرأت القرآن فأين تأمرني أن أقوم، وحدي أم أنضم إلى جماعة المسلمين فأقوم معهم؟ فقال له: إنما أنت عبد مرتاد لنفسك فانظر أي الموطنين كان أوجل لقلبك وأحسن لتيقظك فعليك به(17).
من اختار الصلاة وحده على القيام مع الناس : وإليك جملة من أقوال السلف ممن اختار القيام في البيت على الجماعة ؛ فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير فصلى فيها ليالي حتى اجتمع إليه ناس ثم فقدوا صوته فظنوا أنه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح به ليخرج فقال( 18):<< مازال بكم الذي رأيت من صنيعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم قيام الليل ، ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة >>. وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : << صلاتكم في بيوتكم أفضل من صلاتكم في مسجدي هذا إلا المكتوبة >>(19).وقال الليث ما بلغنا أن عمر وعثمان رضي الله عنهما كانا يقومان في رمضان مع الناس في المسجد . قال القسطلاني في إرشاد الساري (3/426) عند قول الراوي ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم : وهذا فيه إشعار بأن عمر كان لا يواظب على الصلاة معهم ، ولعله كان يرى أن فعلها في بيته ، ولا سيما في آخر الليل أفضل.
وقال ابن عبد البر رحمه الله الاستذكار (5/37) :وفي خروجه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، دليل أنه كان يتخلف عنهم ، إما لأمور المسلمين وإما للإنفراد بنفسه في الصلاة .
فقد روي بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس ، قال : سمعت ابن عباس يقول : دعاني عمر أتغذى عنده في شهر رمضان – يعني السحور – فسمع هيعة الناس حين انصرفوا من القيام ، فقال عمر: أما إن الذي بقي من الليل أحب إلي مما مضى منه .
وروينا عن ابن عمر، وسالم ، والقاسم ، وإبراهيم ، ونافع ، أنهم كانوا ينصرفون ، ولا يقومون مع الناس . وجاء عن عمر وعلي أنهما كانا يأمران من يقوم للناس في المسجد ولم يجيء عنهما أنهما كانا يقومان معهم .
وقد احتجوا بحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قيام رمضان :<< أيها الناس ، صلوا في بيوتكم ؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة >>.متفق عليه .أهـ كلامه
وقال مالك : كان ابن هرمز من القراء ينصرف فيقوم بأهله في بيته ، وكان ربيعة ينصرف، وكان القاسم وسالم ينصرفان لا يقومان مع الناس، وقد رأيت يحي بن سعيد يقوم مع الناس ، وأنا لا أقوم مع الناس لا أشك في أن قيام الرجل في بيته أفضل من القيام مع
الناس إذا قوي على ذلك ، وما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في بيته وعن نافع قال : كان ابن عمر يصلي العشاء في المسجد في رمضان ثم ينصرف (20).
وعن عبيد الله بن عمر رحمه الله أنه كان يرى مشيختهم القاسم وسالما ونافعا ينصرفون ولا يقومون مع الناس (21).
وقال أبو الأسود أن عروة بن الزبير رضي الله عنه كان يصلي العشاء الآخرة مع الناس في رمضان ثم ينصرف إلى منزله ولا يقوم مع الناس(22).
وقال الشافعي إن صلى رجل لنفسه في بيته في رمضان فهو أحب إلي؛ وإن صلى في جماعة فهو حسن (23).

الهوامش :
1 - ولمعرفة أقوال أهل العلم في المسألة بالتفصيل أنظر هذه المصادر غير مأمور ، شرح صحيح مسلم للنووي ( 6/39)، وجامع الترمذي (ج3/170) ، والسنن الكبرى للبيهقي (2/494)، والاستذكار لابن عبد البر(5/159)، وتحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (3/448)، وفتح الباري( 4/297)، والإحياء للغزالي( 1/202) ونـيل الأوطار للشوكاني(3/60)وغيرها كثير .
2- مع أن عمر رضي الله عنه الذي جمعهم على إمام واحد لم يكن يـصلي معهم لأن قول راوي الحديث : خرجت معه ليلـة أخرى ،والناس يصلون بصلاة قارئهم ، ينص على أن عمر لم يكن يصلي معهم ،وقد أشار القسطلاني في إرشاد الساري (3/426) عند هذه الفقرة من الحديث فقال : وهذا فيه إشعار بأن عمر كان لا يواظب على الصلاة معهم ، ولعله كان يرى أن فعلها في بيته ، ولا سيما في آخر الليل أفضل.
3- قال الحافـظ في الــفتح : ( 4/298) هذا تـصريح منه بأن الصلاة في آخر الليل أفضل من أوله ، ولكن لـيس فيه أن الـصلاة في قيام الليل فرادى أفضل من التجمع .وكذلك قال ابن عبد البر قبله في التمهيد .
4- رواه مسلم (ح1163) بترقيم محمد فؤاد عبد الـباقي ، والترمذي( 438)وابن ماجة (1742) وإرواء الغليل ( 449) قال وفي الباب عن جابر وبلال وأبي أمامة قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح قال أبو عيسى وأبو بشر اسمه جعفر بن أبي وحشية واسم أبي وحشية إياس . وقال الشيخ الألباني :صحيح .
5- متفق عليه ، اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان( 1/166 –167/ح 447).
6- شرح مسلم (6/39-40).
7- انظر مذاهب الصحابة المؤيدة لإقامتها في المساجد مع تخريجها في رسالة { صلاة التراويح } لشيخنا الألباني رحمه الله( ص9-15) وانظر تأصيلا قويا يؤيد ضرورة إظهار هذه الشعيرة في الموافقات للشاطبي (3/262-264)، واقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام( 275-277) وفتح الباري ( 3/14).
8- وأنظر مذاهب القوم في" كتاب الحوادث والبدع" الطرطوشي(ص 136-138).
9- الاستذكار لابن عبد الــبر( 5/ 159/160).
10 – الجامع لأحكام القرآن( 8 / 372/373) والمذهب المقصود هو مذهب الليث بن سعد.
11 – في كتابه التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد( 8/ 119-120).
21- الاستذكار ( ج5/ 50- 51) ضمن موسوعة شروح موطأ مالك .
13- الاستذكار ( ج5/ 50- 51) ضمن موسوعة شروح الموطأ .
14- إسناده صحيح،أخرجه أبو داود (1044)والبغوي في شرح السنة ( ح965-966)
15- التمهيد (ج5/ 16-17) ضمن موسوعة شروح الموطأ.
16- مختصر قيام الليل للمقريزي (99).
17- نفس المصدر.
18- متفق عليه ، اللـؤلـؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان( 1/166 –167/ح 447).
19- إسناده صـحيـح ، أخرجه أبو داود(1044) بـلـفظ: << صلاة المرء في بيته .. >> والبغوي في شرح السنة( 4/130-131 /ح995،996).
20- - 23 - 22 - 21 نقـلت أقـوالهم من كتاب مختصر قيام الليل لأحمد بن علي المقـريزي (ص 99 ،100).

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
28-Mar-2023, 12:18 AM
يرفع للفائدة