المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جواب عن الأسباب التي جعلت الدعوة السلفية في تقهقر أو ركود .



أبو بكر يوسف لعويسي
19-Sep-2011, 08:02 PM
بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

هذا جواب سؤال وجهه لي أحد إخواني ممن يحسنون الظن بأخيهم ومعه بعض الأسئلة ، فأجبته عنه بما ستراه ، وقد اعتذرت له عن الباقي وطلبت منه أن يرفعها للعلماء - حفظهم الله - والسبب الذي دفعني لأجيبه عن هذا السؤال هو في الغالب أن جوابه يعتمد على وجهة النظر ،قد تكون صوابا وقد تكون قاصرة وقد تكون خطأ ، ولذلك أحببت أن أنزله هنا مع إضافات أخرى لم تكن في الجواب المرسل للأخ لعل بعض إخواننا من طلاب العلم ومشايخنا أن يصححوا لي وجهة نظري أو يقوموا لي الخطأ فيها وأكون شاكرا لهم راجعا عنه إلى قولهم ...جزاهم الله خيرا ...
إلىالأخ الكريم ....
السلام عليكم ورحمة الله
أما بعد:
حياك الله أخي بالسلام ، وإني أحمد الله إليك ، والرحلة إلى الحجاز كانت مفيدة رائعة ، والحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات ..
أما بالنسبة لطلبك فإنه يعز علي أن أرفض لك طلبا ، خاصة في العلم ، ولكن ما لا يدرك كله لا يترككله ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال >>: سددوا وقاربوا.. << فمرحبابك أخي ، حسب ما يسمح به وقتي لنتعاون على طلب العلم ،كما تفضلتم - بارك الله فيكم – ولتعلم علمني الله وإياك أخي أنني لست من العلماء ، فلا تغتر ببعض الكتابات التي كتبتها ولا ببعض الكلمات التي ألقيتها وودت والله أني لم أكتب شيئا وخاصة جوابا على الأسئلة التي ترد علي ، فلو توجه أسئلتك – وفقك الله - للعلماء الذين لك صلة بهم وغيرهم إذا استطعت أن تصل إليهم ، ووسائل الاتصال اليوم متوفرة بارك الله فيك .
واعلم- أخي - وإنما استجبت لك بهذا الكتاب لما أعرف من حرصك على التعاون على الحق ، وتحصيل العلم النافع على منهج السلف الصالح ..واعلم أخي الكريم أني ما أهملت رسالتك ، لقد قرأتها ووضعت في البال أني أعود إليها ولكن كثرة الانشغالات أنستني إياها حتى ذكرتني - ذكرك الله فيمن عنده - هاهو جوابي عليها وأسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحبه ويرضاه .
أما بالنسبة للأسئلة التي طرحتها ،فكما قلت لك آنفا وجهها للعلماء ،أما بخصوص السؤال الأول منها فجوابه يعتمد على وجهة نظر ، من خلال واقع الدعوة السلفية والواقع والتجربة التي يعيشها طالب العلم ، ولذلك أحببت أن أعطيك وجهة نظري من خلال ذلك ليس إلا ، وهي مجرد وجهة تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ . وسؤالك يقولك :
إن الملاحظ في الساحة يجد أن الدعوة السلفية في تراجع وتقهقركبيرين، خصوصا بعد موت الأئمة الثلاثة، وكذا الشيخ مقبل ثم النجمي ثم الغديان،والمتأمل ببصيرة وإدراك يرى أنه ليس هناك دواع كبيرة جدا لهدا التقهقر، بسبب ماخلفه هؤلاء الأعلام من ميراث حي غض طري، ولو الواحد تتلمذ عليه لكان بحق طالب علممتمكن، فما ترى يا شيخنا السبب الرئيسي لهدا التقهقر؟ وما الدواعي له؟ وهل طلبةالعلم الدين يربطون الشباب بهم ويقصرون نظرهم عليهم بدون إحالتهم لكتب وأشرطة هؤلاءالأئمة يعتبر عاملا في دلك، لأن الشاب يتعلقبطالب معين، قد يربيهم من حيث لا يشعرعلى التحزب له، ولو قدر انحرافه انحرف معه فئة معينة وهكذا مما يؤدي إلى شق الصفالسلفي والتنازع المؤدي للفشل لا محالة، -وبارك الله فيكم-.
فأقول وبالله التوفيق :
أولا : اعلم - رحمك الله - أن الدعوة السلفية مازالت بخير- والحمد لله -رغم ما تلاحظه من ركود وفتور، وخاصةبعد موت العلماء الذين ذكرتهم ،وغيرهم ممن لم تذكرهم ، الدعوة السلفية أخي بخير وهذا صحيح لأن هذه المظاهر التي نراها من استقامة الشبابوحبهم للسنة ورجوعهم للحق وتمسكهم بالمنهج السلفي على ما هم عليه تقصير لم نكن نراها بهذا الشكل قبل ثلث قرن من الزمان ، هي مظاهر إيجابية وظاهرة صحية - والحمد لله - وقد انتشر المنهج السلفي في كثير من الأقطار الإسلامية والكافرة حتى في بلاد كان الدخول فيها للمساجد من قبل الشباب جريمة يعاقب عليها ومجرد تدين الشاب أو الشابة يشكل خطرا عليهما وعلى عائلتهما فضلا عن الانتساب للسنة والمنهج السلفي علانية وصراحة .. فإن هذا هو الخطر بعينه ، واليوم هذه المظاهر خفت وقلت كثيرا، وأصبحت معالم المنهج السلفي واضحة عند الكثير من الناس أصبحوا يرجعون إلى السنة زرافات ووحدانا بعد أن كان هناك خلط كبير وعدم التمييز لسبيل المؤمنين من سبيل من سبل أهل الأهواء ، والفضل يعود لله ثم للعلماء الذين أوقفوا حياتهم على هذه الدعوة السلفية المباركة .
ثانيا : هذا الركود الذي سألت عنه يختلف نسبيا من بلد لآخر ولا يمكن أن نعممه وموت العلماء الذين جاء ذكرهم في السؤال لا شك أنه من أسباب تقهقر الدعوة السلفية وتفرقها ، كيف لا يكون كذلك وموتهم مصيبة كبيرة وثلمة في الإسلام فقد جاء في الأثر عن الحسن البصري قال : كانوا يقولون : " موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار ".إسناده صحيح. سلسلة الآثار الصحيحة أو الصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين (1/37 /109 ) للشيخ أبي عبد الله الداني بن منير آل زهوي. اختصره : أحمد بن علي البلوشي.
وذكره في أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب (1/294 /1537 )لمحمد بن درويش بن محمد الحوت وزاد فيه : "خبر موت العالم ..." رواه أبو بكر بن لال من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا، ومن حديث عائشة عند البزار وقال: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ يَرْوِي أَحَادِيثَ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا ، وَهَذَا مِنْهَا . كشف الأستار عن زوائد البزار (1/100) وفي البدر المنير قال : إنه من كلام علي -رضي الله عنه- ولكنه معضل ..ويعضده ما جاء في تفسير قوله تعالى :{{ أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها}} كما عند ابن جرير الطبري (16/497) عن ابن عباس قال: ذهابُ علمائها وفقهائِها وخيار أهلِها.
وذكره البغوي في شرح السنة (1/315) وابن كثير في تفسيره (4/472) عن ابن عباس فقال بعد جاء بأقوال أهل العلم في الآية .وفي رواية :" خرابها بموت فقهائها وعلمائها وأهل الخير منها". وكذا قال مجاهد أيضا: هو موت العلماء. وفي هذا المعنى روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن عبد العزيز أبي القاسم المصري الواعظ (سكن أصبهان ) حدثنا أبو محمد طلحة بن أسد المرئي بدمشق، أنشدنا أبو بكر الآجرى بمكة قال: أنشدنا أحمد بن غزال لنفسه:
الأرض تحيَا إذا ما عَاش عالمها ... مَتَى يمُتْ عَالم منها يمُت طَرفُ ...
كالأرض تحْيَا إذا ما الغيث حَل بها ... وإن أبى عَاد في أكنافهَا التَّلَفُ ...
ونسبه الطبراني في التفسير المنسوب إليه للحسن حيث قال :وقال الحسنُ : (أرَادَ بنَقْصِ أطْرَافِ الأَرْضِ ذهَابِ فُقَهَائِهَا وَخِيَارَ أهْلِهَا). قال : وَمَثَلُ الْعُلَمَاءِ مَثَلُ النُّجُومِ إذا بَدَتْ اقْتَدَوْا بهَا ، وإذا أظْلَمَتْ سَكَنوا ، وَمَوْتُ الْعَالِمِ ثُلْمَةٌ فِي الإسْلاَمِ لاَ يَسُدُّهَا شَيْءٌ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.
وهذا الأثر : لا يصح رفعه فقد رواه الحاكم في المستدرك 2 : 350 ، من طريق الثوري عن طلحة بن عمرو ، وقال :" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ، وتعقبه الذهبي ، فقال :" طلحة بن عمرو" ، قال أحمد :" متروك" . قال الشيخ الألباني : ( موضوع ) انظر حديث رقم : 5894 في ضعيف الجامع . ولكن قد صح السند به إلى الحسن رحمه الله .
وفي سنن الدارمي برقم (241 ) حدثنا أبو النعمان حدثنا ثابت بن يزيد حدثنا هلال هو بن خباب قال : سألت سعيد بن جبير قلت يا أبا عبد الله ما علامة هلاك الناس؟ قال : إذا هلك علماؤهم. وهذا إسناده صحيح .
ويؤيد هذا ما في الصحيحين واللفظ للبخاري من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :<< إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا >>. وهذا عين الهلاك .أخرجه البخاري (ح100)باب كيف يقبض العلم . ومسلم (ح 2673 )وأحمد(6511 ).
و في سنن الترمذي(ح 2653): عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ : هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ العِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لاَ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الأَنْصَارِيُّ : كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا القُرْآنَ فَوَاللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا ، فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ ، إِنْ كُنْتُ لأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ عِنْدَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ ؟ قال الشيخ الألباني ( صحيح ) انظر حديث رقم : 6990 في صحيح الجامع .
فهذا الحديث مع الحديث السابق يبين لنا كيفية رفع العلم وذهابه ونقصه باختلاسه ، وما بقي منه بين بأيدي الناس والجهال الذين اتخذوهم رؤساء فتصدروا لهم لا ينتفعون به كما لم ينتفع أهل الإنجيل والتوراة منهما، ولاشك أن بعض الجهال ممن تلبسوا بلبوس المنهج السلفي هم من هذا الصنف الذي لم ينتفع بالفهم الصحيح الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ، وأنا لا أتكلم عن بقية العلماء الربانيين وشيوخ العلم والسنة الأحياء الذين يمثلون الوسطية التي عليها الطائفة المنصورة ، - وأنت تعلم أن الطائفة تطلق على الواحد فما فوق - فحاشاهم فهم قلة قليلة قائمة بواجبها على أحسن وجه إلا أن ذلك لا يرقى إلى المطلوب الذي يتطلع إليه الإسلام ، بالنسبة لعدد المسلمين. فأمراض المسلمين كثيرة وعلاجها بالفهم الصحيح حتى تسلك سبيل المؤمنين يحتاج إلى آلاف العلماء الربانيين فموت أولئك العلماء الكبار وغيرهم ممن لحق بهم من العلماء السلفيين في هذا العصر كان حقا من أعظم الأسباب لتقهقر الدعوة السلفية .
ثالثا : إن السبب الثاني : هو قلة العلماء ، في كثير من البلاد الإسلامية مما ساهم في ظهور بعض الجهال المتعالمين كما جاء في الحديث السابق ، وكذلك ظهور الأغرار الأغمار حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام ممن يفسرون نصوص الوحيين حسب مشاربهم ، ويؤولونها حسب أرائهم ، وأهوائهم ولا يلزمون غرز العلماء ولا يرجعون إليهم ولا إلى العتيق مماتركه العلماء الأوائل من السلف ومن سار على نهجهم من المعاصرين الأموات والأحياء من أئمة الهدى، وإذا رجعواضربوا فتاوى العلماء ببعضها البعض ، وقرؤوها على وجوه مختلفة ، وتأويلات فاسدة بعيدة ، وتعصبوا لذلك ، وخاصة في مسائل النقد ولجرح والتعديل ، ومسائل العذر بالجهل ، ووسائل الدعوة وغير ذلك ، وسبب ذلك – والله أعلم – راجع إما لعدم فقه قواعد هذا العلم العظيم ، والجهل بضوابط التعامل في الخلاف ، أو لحاجة في نفس يعقوب من المدسوسين أو للتحاسد والتباغض الذي نهينا عنه ، فأدى ذلك ببعض الطلاب والحالة هذه إلى ترك الطلب وبآخرين إلى العزلة والانشغال بعبادته وإقباله على ربه ولا يهمه غير ذلك والبعض الآخر رضي لنفسه أن يلتف حوله بعض الطلاب فقط ولا يلتفت إلى غيرهم ، ومن هذاالصنف نوع مشتغل بدنياه قد أثرت عليه ، فليس عنده من الوقت الكافي لطلب العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والدعوة إلى الله في حدود علمه وقدرته ، ويتعذربتفرق السلفيين واختلافهم ، كما أدى بالبعض الآخر إلى التعصب إلى جماعة معينة أوجهة معينة ، أو بلد معين ، أو شيخ معين ولا يقبل غير ذلك إلا ما وافق على ما هو عليه ، أما إذا خولف فالويل ثم الويل لمن خالفه ، وبالبعض الآخر إلى التقليد والانتصار للشيخ أو المنهجية أو التأويل الذي جاء به من يقلده ،والبعض الآخر بقي يتفرج من بعيد متأسفا لما يجري بين أبناء المنهج الواحد ، أبناءالفرقة الناجية والطائفة المنصورة...
السبب الثالث : هو الاختلاف في فهم قواعد وضوابط المنهج السلفي بين غال فيهوجاف عنه ، ممن شوهوا جمال هذا المنهج وسلامته ، كالاختلاف في مسائل أصولية ومنها وأهمها العذر بالجهل ، وجنس العمل هل هو من مسمى الإيمان ، وسائل الدعوة وسبلها ، وفيقبول الجرح والتعديل ورده من المجرح والمعدل ، والإجماع والاجتهاد فيه ، وفي قبول خبر الثقة ، ومن هو الثقة الذي يقبل ؟ وهل هو ثقة عند من هو ثقة في سلسلة لا تكاد تنتهي ، والمجهول ، ومتى ترتفع عنه الجهالة ومن يرفعها ؟ وحدود المنهج الصحيح ، وتقعيد بعض القواعد التي لم تكن في عصر أولئك العلماء الكبار ، وغير ذلك مما كان سببا في صد بعض الناس وإعراضهم عن قبول الحق ، وبعض الشباب إلى النفرة من السلفيين بعد استقامتهم قائلين إذا كان هذه هو المنهج فأنا أبقى كما كنت أفضل لي ، كما أدى هذا إلى تقهقر البعض الآخر عنه ،بسبب الحيرة التي انتابتهم وهم يرون هذا الاختلاف الذي أدى إلى الصد عن العلماء أهل العدل والورع والتقى ، أئمة الهدى أهل الوسطية، كالشيخ المفتي العام ، وهيئة كبار العلماء ، والشيخ ربيع حامل لواء الجرح والتعديل ، والشيخ صالح الفوزان ، والشيخعبد المحسن العباد والشيخ عبيد الجابري ، والشيخ محمد بن هادي ، والشيخ محمد علي فركوس - حفظهم الله جميعا- وغيرهم ... من العلماء والشيوخ السنيين السلفيين ، في الحجاز وخارجها ووصف بعضهم بالغلاة وبعضهم بعدم فقه الواقع ، والآخر بالسكوت عن الحق فيما يجري فحصل بذلك التقهقر والفتور وعدم الإقبال ..
السبب الرابع : هوالتفرق والاختلاف الذي وقعت فيه الأمة كما وقع في الذين من قبلها بعد ما جاءتهم البينات الموجبة لاجتماعهم وتوادهم وعدم تفرقهم كما أخبر بذلك ربنا سبحانه في قوله:{{وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }} الآية (213) البقرة .ولكنهم اختلفوا { بغيا بينهم }} أي حسدا وظلما ، وقدقال النبي صلى الله عليه وسلم >>: وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة << وسبب افتراقها هو ذلك البغي من التحاسد والتباغض الذي كان عليه أهل الكتابين قبلنا وقد أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: >> دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ : الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ ، هِيَ الْحَالِقَةُ ، لاأَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ، وَالَّذِي نَفْسِيبِيَدِهِ ، لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّىتَحَابُّوا ، أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثْبِتُ ذَاكُمْ لَكُمْ ؟ أَفْشُواالسَّلام بَيْنَكُمْ.<< أخرجه أحمد 1/167(1430) و (1431) والتِّرْمِذِيّ" 2510 رواه البزار، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد(7/339) وإسناده جيد. كما قال الحافظ ابن حجر وحسنه الشيخ الألباني كما صحيح الجامع (3361). والسلفيون ليسوا في معزل عن هذا التفرق والاختلاف ، وكان المفروض لهم أن يكونوا في معزل عنه ، وأن يكونوا يدا واحدة أو كاليدين تغسل أحداهما الأخرى بل ينبغي أن يكونوا كالجسد الواحد والبينان المرصوص ، حتى لا يتسلل بينهم مدسوس ..
وتعود أسباب الاختلاف إلى سببين أولهما طبيعي والثاني شرعي وكلاهما على مرتبتين مذموم ومحمود ، فالمذموم هو اختلاف التضاد وكل متعلقاته ، والمحمود هو اختلاف التنوع في إيطار نصوص الشرع وأدلته الثابتة والتوقف به بعيد عن التعصب والتقليد المذموم واتباع الهوى مما يجر إلى اختلاف التضاد ، وأسبابه كثيرة طبيعية وشرعية منهي عنها وهي ما سأذكره في السبب الخامس .
والسبب الخامس : عزة النفس وحظوظها ،من التعصب والتعنت والعجب والانشغال بالدنيا وحبها والتنافس عليها،والخوف على فواتها ، والسعي من وراء المنصب ، أو جاه ، أو المال ، أو حب الذكر ، وحب الظهور والتصدر ، والاستحواذ ، والتعصب والاحتقار للغير وعدم التواضع وتقدير العلماء واحترامهم والاختلاف على بعضهم فمنهم من يصف البعض منهم بأنه من العلماء فيأتي آخر أو آخرون فينفون عنه ذلك وينزلونه عن مصاف طلاب العلم فضلا عن العلماء ،ويأتي نوع آخر فيصف شيخه بأنه أوحد أهل زمانه وقد فاق أقرانه فيقابله الآخر بأنه مجهول أو ساقط العدالة لا يؤخذ عنه العلم ولا يلتفت إليه ، وهكذا مما قذف في نفس الكثير من أبناءهذا المنهج الوهن والحيرة وضعف التمييز والركون إلى الدعة والركود إلى الدنيا والتقهقر عن التحصيل والطلب ..
السبب السادس :المظهرية الجوفاء التي لاتسمن ولا تغني من جوع ، في كثير من مجالات الحياة إذ يهتم كثير منا بالمظاهر ونسوا أو تناسوا إصلاح السرائر وتطهيرها وتزكيتها حتى تسموا نفوسهم عن الغثائية التي يعيشونها مما جعل أعادءنا يتكالبون علينا من كل حدب وصب وقد في حديث النبي فيماأخبر به أنه سيقع بسبب المظهرية الجوفاء التي لا تخيف أعداءهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:<<يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومنقلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله منصدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وماالوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت>>. أخرجه أحمد أبو داود عن ثوبان، قال الشيخ الألباني صحيح، المشكاة (5369)،الصحيحة (958). انظر حديث رقم :( 8183 )في صحيح الجامع .
وقال صلى الله عليه وسلم :<<إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لاينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم>> أخرجه أبو داود عن ابن عمر، قال الشيخ الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم : (423) في صحيح الجامع.
والسلفيون – حاشا العلماء - ليسوا في منآى عن هذين الحديثين وإن كان المفروض أن يكونوا في منآى عنهما لأنهم هم من يمثل الفرقة الناجية التي تحمل الفهم الصحيح لهذا الدين ، وإذا سلم البعض منهم منه فإنه يقع فيه البعض الآخر وهذا واقعومشاهد ، ناهيك عن تركهم لمنهج نبيهم في التعامل مع بعضهم البعض ، وخاصة في مسائل الهجر من أجل الدنيا ، أو من أجل مسائل دينية اختلفوا فيها هل هي موجبة للهجر أو لا ، وذلك بسوءفهمهم لما كان عليه أسلافهم وعدم تسليمهم هذه الأمور للعلماء ، وأيضا سوء أخلاق بعضهم ، واستنكار بعضهم لبعض الأمور التي يسع فيها الخلاف ، وتهوين البعض الآخر لمسائل مهمة الأخذ بها من سنن الهدى ، ناهيك عن التظاهر والتكلف الفارغ من بعضهم لبعض شيوخهم أو لبعضهم البعض والتماس الأعذار، وعدم قبولها من الطرف الآخر فيما بينهم ، وتناقل الشائعات التي من ورائها أهل الأهواء عن بعضهم البعض ، ومع ذلك فكل منهم يغني على ليلاه ، وبسلوك هذا الطريق يبتغي مولاه .
السبب السابع : قد يكون طبيعيا فكل عمل وعامل له نشاط وقوة وإقبال وإدبار وله ورغبة وملل وفتور وكسل وأسبابه قد تكون ذاتية نفسية ، وقد تكون خارجية ،والموفق من داوم واستمر على العمل ولو كان قليلا ففي صحيح البخاري (43): "باب أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهُ" وبسنده إلى عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ قَالَ :<< مَنْ هَذِهِ قَالَتْ >> . قالت : فُلاَنَةُ تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا. قَالَ : << مَهْ عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا >> وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ.وفي صحيح مسلم(782) عنها رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل : أي العمل أحب إلى الله ؟ قال:<< أدومه وإن قل>>.
فهناك كثير من الشباب يتعجلون الطلب والتحصيل وبعض الأمور وينطلقون انطلاقات خاطئة وسرعان ما يفترون وخاصة إذا اعترضتهم عوارض نفسية أو خارجية اجتماعية ودينية يعجزون عن مواجهتها ولا يصبرون عليها فيحصل التقهقر، وقد وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:<< إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً ،وَلكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً ، فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي، فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ>>رواه أحمد ابن حنبل في مسنده (ج 5/ ص 409/6477) ورجاله رجال الصحيح والنَّسائي(4/209)وابن خزيمة في صحيحه (ج3/294) حديث رقم:( 2105).قال الشيخ الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم :( 2152) في صحيح الجامع .
وهذه الأسباب التي ذكرتها وغيرها مما لم أذكره مما يمكن أن يعقب به بعض إخواننا من طلاب العلم أو المشايخ من وجهات نظرهم هي أسباب داخلية وبعضها خارجي، وهي التي تسبب الانهزامية في النفس ، والخور والفتور ، والتقهقر فكيف إذا اجتمع وانضم إلى ذلك الأسباب الخارجية من تكالب الأمم والأحزاب علينا من كل حدب وصوب ، فالسلفيون يعيشون غربة شديدة بين اثنين وسبعين فرقة من فرق الضلالة ، فكيف إذا انضم إلى تلك الفرق الغاوية الضالة الخارجة عن سبيل السلف الصالح فرق الكفر برمتها فلا تسأل بعد ذلك عن حرارة الجمر الذي يقبض عليه المتمسك بالسنة وسط هذا الزخم من المفسدين ، وقلة المعين من الناصحين المصلحين ، فلا شك حينئذ أنه هذا مما يثبط العزائم ويفت في عضد الدعوة السلفية ويدفعها للركود والتقهقر .
تنبيه : الغربة الواقعة اليوم هي غربة الكيف والفهم الصحيح وليست غربة العدد ، فإن تلك الغثائية التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم أنها ستقع والتي تعيشها الأمة اليوم في كثرة عددها ، مما يرفع غربة عددها ويبين مدى غربة فهم السلف وسبيل السلف ، وغربة العلماء اتباع منهج السلف ، فغربة الكم منتفية ولكن غربة الكيف والفهم التي ينتصر بها الإسلام هي الغربة الشديدة التي يعيشها السلفيون .
ولقد تفطن أعداء المنهج السلفي لهذا كما تفطن أعداء الإسلام للإسلام ، وعلموا أين مكمن الضعف والقوة فينا ، وأن جميع الفرق غير الطائفة المنصورة التي يمثلها السلفيون لا تخيفهم ، ولا تقدم ولا تأخر في انتصار المسلمين ، وعلموا أن مكمن قوة المسلمين والخطر الذي يحدق بهم ، والخوف كل الخوف هو في المنهج السلفي الصحيح ، لذلك خططوا بدهاء ومكر لقاعدة فرق تسد لأنها هي الوحيدة التي يمكنهم أن يضعفوا بها الصف السلفي القلب النابض لهذا الدين .
ومع ذلك فكثير من السلفيين - إن لم أقل كلهم - يعرفون هذه الأمور وتلك التي الأحاديث التي أشرت إليها آنفا ويعرفون الآيات والأحاديث التي تحثهم على عدم التفرق والتنازع والاختلاف ، وتأمرهم أو ترغبهم في الألفة والأخوة والاتحاد والتوادد والاعتصام بحبل الله وهم أسعد الناس بهذه النصوص ولكن الكثير منهم تهاون وتكاسل في العمل بها ، واعلم أخي أن للنفوس خبايا ومشارب ، والناس معادن خيارهم فيالجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ، وهذا مما لا يخفى عليكم..لهذا كان هذا الركود والتقهقر الذي لاحظتموه .
وأخيرا إن لم نتفطن لهذا السيل العارم من النزاع بين السلفيين الذي يجري جارفا كل جهود المخلصين من العلماء الصارخين الناصحين والمصلحين ونرجع إليهم لتثبيت أوتاد الوحدة الإسلامية وأسس الأخوة الإيمانية السنية وأواصر المحبة الصادقة لله وفي الله فإنها الكارثة التي تزيد في تقهقر الدعوة السلفية ، فلنستيقظ ولنكن جنودا لهذا الدين مرابطين على ثغور السنة بسلاح العلم الصحيح بفهم السلف الصالح إخوة متحابين كالبنيان المرصوص وليتفطن كل منا حتى لا يؤتى هذا الصرح العظيم من قبله .وسبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك .
وكتب: أبو بكر يوسف لعويسي .

أبو هنيدة ياسين الطارفي
19-Sep-2011, 09:28 PM
بارك الله فيك ومن قال لآخيه جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء.
ووفقك الله لكل خير ياشيخ لعويسي ولجميع الاعضاء {الآمين السلفية}.
... إن لم نتفطن لهذا السيل العارم من النزاع بين السلفيين الذي يجري جارفا كل جهود المخلصين من العلماء الصارخين الناصحين والمصلحين ونرجع إليهم لتثبيت أوتاد الوحدة الإسلامية وأسس الأخوة الإيمانية السنية وأواصر المحبة الصادقة لله وفي الله فإنها الكارثة التي تزيد في تقهقر الدعوة السلفية ، فلنستيقظ ولنكن جنودا لهذا الدين مرابطين على ثغور السنة بسلاح العلم الصحيح بفهم السلف الصالح إخوة متحابين كالبنيان المرصوص وليتفطن كل منا حتى لا يؤتى هذا الصرح العظيم من قبله .....

أمين..........أمين........أمين......إن شاء الله.

نسأل الله سبحانه و تعالى أن يبارك في جهودك ونصائحك وأن يرزقنا الاخلاص .

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
20-Sep-2011, 09:30 AM
بارك الله في الشيخ لعويسي ونفع بعلمه وحفظ لنا مشايخ الدعوة السلفية ...اللهم امين

وهذا ملف منسق وارد 0027
http://www.al-amen.com/up/do.php?id=86

أبو عبد الرحمن الجزائري
20-Sep-2011, 12:12 PM
بارك الله فيكم

أبو عثمان زين الدين الباتني
20-Sep-2011, 01:07 PM
جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل بارك فيك وفي علمك وقد أصبت شيخنا كبد الحقيقة وكم نحن بحاجة لمثل هذه الكلمات لعل قلوبنا تحيا ونعمل على اجتناب كل ما يكون سببا في تقهقر هذه الدعوة المباركة ولاسيما الاسباب المذكورة في كلامك وإني أنصح كل سلفي أن يقرأ هذه الكلمات جزى الله خيرا قائلها وكاتبها وناشرها وبارك الله فيكم جميعا

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
10-Jan-2012, 06:59 PM
اللهم امين

أبو عبد الله المعتز بالله الجيلالي السلفي
12-Jan-2012, 05:58 PM
بارك الله فيك

أبو هنيدة ياسين الطارفي
04-May-2012, 05:39 PM
بارك الله فيكم .
ـ ذكر ....لرفع الهمة .

أبو طلحة سعيد السلفي
10-Jun-2012, 02:29 AM
بارك الله في شيخنا يوسف

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
09-Jun-2013, 12:02 PM
للرفع

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
30-Jul-2014, 11:14 PM
للفائدة

أبو الوليد خالد الصبحي
20-Jul-2015, 05:54 PM
وقع الله قدرك شيخنا يوسف لعويسي