المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تذكير ببعض الحجج على ذكريات الحج وما تسعد به المهج (( للشيخ علي الحلبي )) كتبه: أبو بكر يوسف لعويسي



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
21-Nov-2011, 12:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وكفى والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين المصطفى وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان ووفى .وسلم تسليما كثيرا خالصا مصفى .
أما بعد :
لقد اطلعت على مقال للشيخ علي الحلبي – هداه الله - في منتداه بعنوان " من ذكريات الحج وما تسعد به المهج " فشدني العنوان لقراءته أملا أن أكون ممن تسعد مهجهم من السلفيين بأخبار سارة يتحفنا بها الشيخ علي- وفقه الله – من ذكريات الحج وما كانت له من لقاءات علمية نافعة مع العلماء والمشايخ ، والفوائد الفرائد التي نالها من تجوله بين رياض الجنة ، ومما شهده من المنافع التي ينالها الحاج فيما أخبر به الله تعالى بقوله :{{ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ }} أي: لينالوا ببيت الله منافع دينية، من العبادات الفاضلة، والعبادات التي لا تكون إلا فيه والتي تسبب لهم الغفران والقرب من الرحمن والرجوع من حجهم كيوم ولدتهم أمهاتهم بطهارة نفوسهم والأبدان ..
وإنّ من أعظم تلك المنافع التي تكون سببا في غفران الذنوب والرجوع منها كيوم الولادة ثمرة إصلاح ذات البين والتخلص من حقوق العباد ،قبل يوم المعاد ، وتوحيد الصف والكلمة بهضم النفس وكسر شموخ كبرها ، وتطهيرها من الأحقاد الدفينة ورواسب الطغيان بالعلم والعجب والغرور الذي يؤدي إلى الاستكبار ، هذا الذي كنت آمل أن أراه في مقال الشيخ علي ، لأنه هو الذي يجب على كل قاصد لبيت الله الحرام ، كما كنت آمل أن يحكي لنا ملخص زيارته لأهل العلم وعلى رأسهم الشيخ المجاهد ربيع السنة ، والشيخ الفوزان ، ومشايخ المدينة ممن يخالفهم ويصفهم بالغلاة ، أو الحاقدين أو الكذبة أو .. فيتحللهم من مظالمه ويعفو عن تجاوزاتهم التي يراها في حقه .
ولما قرأت المقال خاب أملي ورأيت كيف - عادت حليمة إلى عادتها القديمة - وكأن الشيخ علي عاد من الحج الأكبر وفي جعبته ذكريات نتائج المعارك التي خاضها مع الغلاة أصحاب الفتن ، فخرج علينا بجواب على سؤال كان كثيرا ما يطرحه على الذين كانوا يفاتحونه من المشاغبين وغيرهم .. في أسباب الفتن الواقعة بينه وبين الغلاة الحاقدين ، ذلكم السؤال والجواب عليه الذي كان يسكتهم به ويقحمهم الحجة ..
أهذه هي الذكريات التي تسعد بها المهج يا- شيخ علي - ؟؟ ألم يكن الأفضل –لك وأنت عائد من الحج الأكبر بنفس زكية طاهرة أن تفتح صفحة جديدة مشرقة بالصفح والعفو عمن ظلمك ، والصلح مع من ظلمتهم ، والتواضع لمشايخك ومن هم أكبر منك سنا وعلما ، والتحلم والرفق لمن هم دونك ، والتفضل بالفضل لنظرائك وأقرانك ... فتكون قد أسعدت المهج حقيقة ، فليتك يا شيخ علي تمثلت في ذكرياتك قول الأحنف بن قيس :
ما عاداني أحد قط إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث :
1- إن كان أعلى مني ، عرفت قدره ..
2- وإن كان دوني رفعت قدري عنه ..
3- وإن كان نظيري تفضلت عليه ...
وقد نظمه أحدهم شعرا فقال :
سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب ... وإن كثرت منه إلي الجرائم
فما الناس إلا واحد من ثلاثة ... شريف ومشرف ومثل مقاوم
فأما الذي فوقي فأعرف قدره ... وأتبع فيه الحق والحق لازم
وأما الذي دوني فأحلم دائما ... أصون به عرضي وإن لام لائم
وأما الذي مثلي فإن زل أو هاف ...تفضلت إن الفضل بالفخر لازم .
فما أروع هذا لو كان ، وهو في الإمكان ، بل هو من الإحسان ، ولا يزيد صاحبه إلا شرفا وفضلا عند أهل الفضل والإيمان ..
فهل رأيتم قط مثل هذا الإنصاف ، والتواضع والترفع بالعفو والتفضل دون الإجحاف ، فقد كان السلفيون علماء وطلبة العلم ينتظرون رجوعك من الحج الأكبر بتراجعك ، وأن تطل عليهم من ذاكرتك بالعدل والإنصاف والرجوع عن المؤاخذات التي أخذت عليك حتى لو كان البعض منها مجانبا للصواب ، فمن الإنصاف أن تقبل الحق الذي عندهم وترد الإلزامات الفاشلة والفهوم العاطلة على - حد وصفك لردود أهل العلم - بالتي هي أحسن للتي هي أقوم ، بالعدل والورع ، ولكنك على العكس من ذلك رجعت وفي مخيلتك وجعبتك ذكريات تنبئ عن الإصرار والاستكبار ، والتنقيص من أهل الحديث والآثار ، ذكريات تتهمهم فيها بأنهم كذبة حاسدين حاقدين ، وأن ردودهم عليك مجرد إلزامات فاشلة ؛ وأن فهومهم عاطلة ، وتربّص مريض.. وعدوان وتحريض .. وغيرها .. أهذه هي الذكريات التي تسعد المهج يا شيخ علي ؟؟؟
ولست أدري هل هذه الأوصاف منك لهم تصنفها في قاموس الغلاة فتصفهم بما أنت واقع فيه ؟ أو في قاموس الانتقام ؛ فهذه بضاعتكم ردت إليكم ، فتقع فيما تستنكره عليهم .. وكلاهما لا يليق بمثلك خاصة وأنت تنزه نفسك عن ذلك بالحلف ، والبيان والكتابة والصوت والصورة ، في الماضي الحاضر والمستقبل ..
ثم جئت في آخر مقالك لتزيد الطين بلة ونفوس الأتباع علة ، فأخذت ما عند الشيخ ربيع – حفظه الله - من الحق الذي وصف به الحدادية لترميه وإخوانه به ، فانظر إلى ذكرياتك التي تقول فيها :
ولقد ذكّرتني(!) هذه الصنائع الشنائع : بكلام حقّ خالص قاله الدكتور ربيع المدخلي- هداه الله- يبيّن - فيه- شيئاً من أصولِ بعض الفرق (!) التي ضلّلها –وما أكثرَها!-؛ من أنهم : ( ...لهم أصلٌ خبيثٌ، وهو : أنهم إذا ألصقوا بإنسان قولاً هو بريءٌ منه ، ويُعلن براءته منه: فإنهم يُصرّون على الاستمرار على رمي ذلك المظلوم بما ألصقوه...! )
أهذه هي الذكريات التي تسعد بها المهج ؟ تصفها بالصنائع الشنائع ، ثم تحملها سلاحا في يدك وقلمك لتحاربهم به ، أليس صنيعك هذا شنيع ؟ أليس هو من الإلزام الفاشل والفهم العاطل ، والرمي بالباطل ؟؟؟ أم ماذا تسميه ؟؟ أم هذا من الإنصاف البعيد عن الغلو والإجحاف الذي تدعيه ، ثم ترمي به خيار الناس ممن ناصحوك وأرادوا لك الخير ، ومدوا لك أيديهم بأن لهم أصل خبيث ، وفهوم عاطلة ، وأنهم كذبة وحاقدون ..وغير ذلك .. ألم يكن الجدير بك أن تتنزه عن هذا الخلق الذي ترميهم به ليبقى وصمة عار عليهم لا عليك ، ألم يكن الأجدر بك إن عجزت عن ذلك أن تصلح فيما بينك وبين ربك سبحانه تعالى وأنت ذاهب إلى الحج إذ لم تستطع أن تصلح ذات البين ،بينك وبينهم وتترك من تكلموا فيك أو ردوا عليك ولو بالكذب إلى ربهم خاصة كما تطالبهم بذلك في مقالك ، وأنت راجع من بلد الله الحرام بالمنافع التي شهدتها هناك حتى لا تفسدها على نفسك ؟؟
لقد طالعنا الشيخ علي - هداه الله ووفقه – بأمر غريب عجيب في ذكرياته وآهاته ،وهو سؤال كان يطرحه على الكثير ممن يفاتحونه في الخلاف الذي بينه وبين العلماء السلفيين فقال : ذلك السؤالُ الذي كنت أكرّر طرحَه على بعض إخواننا الذين كانوا يُفاتحونني – ولا أقول : أُفاتحهم!-البحثَ حول الخلافات (بل الفتن) الجارية بين السلفيين ...
فكان سؤالي –الموعودُ به-يَرِدُ ثمّةَ ؛ فأقول :أيهما -يا أخي- (أنجى) لك عند ربك –يومَ القيامة - وقد يكون قبل ذلك-:
* أن تصدّق مَن هو كاذبٌ –في نفس الأمر-..!؟
* أو أن تكذّب مَن هو صادقٌ –في نفس الأمر-؟!
ثم أجاب عليه بقوله :
....لا يشك عاقلٌ- يدري ما يخرج من رأسه- أن الخيار (الأول)هو الحق الذي خلافُه هو الباطلُ بعينه!ويدلُّ عليه –يقيناً لا مرية فيه-: ما ورد في «الصحيحين»: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ:« رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلاً يَسْرِقُ، فَقَالَ لَهُ: أَسَرَقْتَ؟
قَالَ: كَلا -وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ-. فَقَالَ عِيسَى:».
وهذا منه –عليه الصلاة والسلام-في شأنٍ عايَنَهُ..وتحقّق منه.. ورآه ..
ومع ذلك : صدّق مَن حلف له بالله ؛ تعظيماً له – جل في علاه ، وعظُم في عالي سماه- ، وإحالةً للكاذب إلى ربه ومولاه ..
وجوابا عليه أقول :
أولا : ألم يكن الأجدر بك يا شيخ علي - وأنت تدري ما يخرج من رأسك - أن تصدق أولئك الكذبة ، أو الكاذبون الجاهلون كما تصفهم – في هذا الكلام : ولكني أعلمُ -بالمقابل- أن أولئك الكاذبين - أو الرادين- ليس في جِعابهم شيءٌ من العلم المحقّق –جواباً على أجوبتي وبياني – إلا أن يقولوا مردّدين ، ويُردّدوا قائلين-بالاجتراء الأفين-: هذا كذّاب ! سياسي ! فيلسوف!! متلاعب! ... إلى آخر تلك الأسطوانة القبيحة المشدوخة التي سئم منها العقلاء –ولا أقول : العلماء-!!
والذين ترميهم بكل هذه التهم ، وأعظمها شناعة الكذب الذي كتبت مقالك من أجله فتحيلهم إلى ربهم ؟؟ وتسكت عنهم ، فلِمَ تطلب من غيرك أن يصدقوا الكاذب وأن يحيلوا أمره إلى ربه ومولاه ثم لا تفعله أنت معهم ؟ ألم يقل ربك سبحانه {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) }}؟؟.
ثانيا :قولك : ....لا يشك عاقلٌ- يدري ما يخرج من رأسه- أن الخيار (الأول) هو الحق الذي خلافُه هو الباطلُ بعينه..
ويقصد بالخيار الأول قوله : * أن تصدّق مَن هو كاذبٌ –في نفس الأمر-..!؟
فأقول : يا- شيخ علي - ذلك في زمن السنوات الخداعات حين يظهر الرويبضات كما قال - صلى الله عليه وسلم - :<< سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب و يكذب فيها الصادق و يؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين و ينطق فيها الرويبضة قيل: و ما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة >>. (حم هـ ك) عن أبي هريرة -رضي الله عنه -.
قال الشيخ الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم :(3650) في صحيح الجامع، والسلسلة الصحيحة (4/508) رقم (1887). وزاد فيه أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/151) << وَيَشْهَدُ فِيهِ الْمَرْءُ وَإِنْ لَمْ يُسْتَشْهَدْ وَيَحْلِفُ الْمَرْءُ وَإِنْ لَمْ يُسْتَحْلَفْ >> ويشهد لهذه الجملة الأخيرة قوله عليه الصلاة والسلام : << احفظوني في أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشوا الكذب حتى يشهد الرجل و ما يستشهد و يحلف و ما يستحلف >>.
السنن الكبرى للنسائي(5/388)رقم (9180-9181) عن ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما.
قال الشيخ الألباني –رحمه الله - : ( صحيح ) انظر حديث رقم : (206) في صحيح الجامع و السلسلة الصحيحة (431 و 1116).
في هذا الوقت - يا شيخ علي - حين يفشو الكذب ، ويكذب الرجل ويحلف على ذلك وهو يعلم أنه كاذب ؛ بل تجده يحذر من الكذب ، ويرمي غيره بالكذب وهو واقع فيه - وأعيذك ونفسي من ذلك - حينها يُصدق الكاذب في نفس الأمر ، أما ودين الله قائم في النفوس ، وعبادة الله بالإحسان ، والمراقبة للواحد الديّان ، والحق منتصر شامخ ، والسنة الغراء قوية ، والجماعة بها متماسكة ، وطلب العلم على منهج السلف وأخذه عن الأكابر الثقات الأثبات فلا يصدق الكاذب في نفس الأمر ؛ ولو أقسم مائة قسم ، وخاصة من يحدث عن الله ورسوله ،ممن يكذبون في حديثهم كيف يقبل منهم كذبهم وينسب إلى الدين ..وإلى رسول رب العالمين .
فعلى قولك هذا- يا شيخ علي - ينبغي أن نهدم ما قعده علماء الحديث من جرح الرواة ووصفهم بالكذب وغيره من القوادح ، فمن ثبت كذبه ،على هذه القاعدة يقبل منه يمينه ويصدق فيما يخبر عنه أو يحدث به ...ويترك أمره إلى الله ..
إن ما ذكرته يا شيخ علي إنما هو في درأ الحدود بالشبهات ، فإذا أقسم المدعى عليه على شبهته قبل منه ذلك ورضي بحلفه ، ووكل أمره إلى الله ، أما إذا ثبت البينة الواضحة العادلة والقرائن الدالة على كذبه والشهود متوافرون فكيف تعطل الحدود والحقوق؟ ويقبل ما ينسب إلى الدين من الكاذبين ؟؟
فقد بوب البخاري باب " مَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْيَمِينِ " وَقَالَ النَّبِيُ :- صلى الله عليه وسلم - : << لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ >>. وَقَالَ طَاوُوسٌ ، وَإِبْرَاهِيمُ ، وَشُرَيْحٌ : " الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ ". شرح البخاري (8/68).قال الحافظ في تغليق التعليق (3/393) وَأما قَول شُرَيْح فَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي الجعديات بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم إِلَيْهِ حَدثنَا عَلّي بن الْجَعْد ثَنَا شريك عَن عَاصِم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن شُرَيْح قَالَ : من ادَّعَى قضائي فَهُوَ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِي بِبَيِّنَة، الْحق أَحَق من قضائي، الْحق أَحَق من يَمِين فاجرة .
قال بدر الدين العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (20/370):
وقد طول الشراح في معنى كلام هؤلاء بحيث إن الناظر فيه لا يرجع بمزيد فائدة وحاصل معنى كلامهم أن المدعى عليه إذا حلف دفع المدعي باليمين ثم إذا أقام المدعي البينة المرضية وهو معنى العادلة على دعواه ظهر أن يمين المدعى عليه كانت فاجرة أي كاذبة فسماع هذه البينة العادلة أولى بالقبول من تلك اليمين الفاجرة فتسمع هذه البينة ويقضى بها والله أعلم .
يا شيخ علي ؛ إن اليمينَ الفاجرةَ تَدَعُ الديارَ بَلاقِع. أي : خالية من سكانها إذا توافقوا على التجرؤ على الأيمان الفاجرة ، وسكتوا عن الكاذب الذي بان كذبه .
فإن الكاذب- يا شيخ علي - فاسق والفاسق ساقط العدالة وشرع الله لنا في هذه الدنيا أحكاما نعامله بها ، والله تعالى يقول :{{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) }}فأين موقع هذه الآية من تصديق الفاسق الذي يفجر في يمينه ليصرف أتباعه عن الحق الذي عند غيره ...؟؟أو يغتصب حقا أو يوقع عداوة بين المسلمين تجري بها دماؤهم ..
فلا بد من التثبت من حديث الفاسق لأنه قد يصدق ، حتى لا يظلم أحد ، أما من علم كذبه حقيقة وظهر للعيان بقرائن الأحوال والبيان ، وقامت عليه البينة العادلة سواء في مسألة دينية أو حقوق العباد أو انتحال باطل ؟؟ فهذا يرد حلفه ويمينه الفاجرة ، وعليه وزره ويبين له باطله ويؤخذ بجريرته .....
فعن أبي أمامة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال :<< من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة >> فقال له رجل وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ؟ قال :<< وإن كان قضيبا من أراك >>. أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه .
قال صلى الله عليه وسلم :<< ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهْوَ كَاذِبٌ وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ ...>> الفتح (3/148)( 2369) ورواية لمسلم << ..وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ>> (306). فإن الذي ينفق سلعته العلمية الدينية بالحلف الكذب واليمين الفاجرة لهو أشد وأكبر جرما ممن ينفق سلعته الدنيوية ...وأعيذ نفسي وإياك من هذا الخلق ...
يا -شيخ علي- ولو فتح هذا الباب دون الضوابط التي ذكرها أهل العلم وخاصة قواعد أهل الحديث ، لضاع الحق واختلط بالباطل ، وتجرأ على الدين والقول على الله والكذب على رسوله ، ولضاعت الحدود وحقوق العباد فإن اليمينَ الفاجرةَ تَدَعُ الديارَ بَلاقِع. أي : خالية من سكانها إذا توافقوا على التجرؤ على الأيمان الفاجرة ، وسكتوا عن الكاذب الذي بان كذبه .
فكل من حلف يمينا فاجرة قائلا : << والله الذي لا إله إلا هو >> ما سرقت ولا زنيت ، ولا أفتيت ، ولا نقلت عن الله ورسوله ، ولا حدثت فلانا ، ولا أثنيت على المبتدعة ولا عدلت أحدا من أهل الأهواء ولا .. طعنت في علماء السنة ولا.. ولا أخذت حقا .. ولا أصبت حدا .. والبينة قائمة عليه عادلة واضحة بخطه ولسانه والشهود العدول شهدوا عليه ممن خبروه ، نصدقه على قولك ونكل أمره إلى الله ، فهل هذا يستقيم عندك يا -شيخ علي - وهو الذي تصبوا إليه وتطالب به ..
مع أن الدليل الذي استشهدت به هو من شرع من قبلنا وقد اختلف فيه العلماء ولا إخالك تجهل ذلك ، ولكن لا بأس أن أذكر نفسي وإياك وإخواننا القراء بذلك وإليك بعض أقوالهم ..
قال البخاري بسنده إلى أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلاً يَسْرِقُ فَقَالَ لَهُ أَسَرَقْتَ قَالَ كَلاَّ وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَقَالَ عِيسَى آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ عَيْنِي. الحديث متفق عليه ، اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (1527).
وهذا لفظ البخاري(4/204)رقم ( 3444 ) ورد على الاستفهام ، وورد في لفظ مسلم (4/1838)رقم 2368)وغيره بلفظ : << سرقتَ دون الاستفهام >> وفي أخره << فقال عيسى: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ نفسي>> .
قال الشيخ علي – وفقه الله - وهذا منه –عليه الصلاة والسلام-في شأنٍ عايَنَهُ..وتحقّق منه ..ورآه..
ومع ذلك : صدّق مَن حلف له بالله ؛ تعظيماً له –جل في علاه ، وعظُم في عالي سماه- ،
وإحالةً للكاذب إلى ربه ومولاه ..
وأقف معك في هذا الحديث على ثلاث وقفات ، ثم أعود إلى قولك : ومع ذلك صدق من حلف له بالله ...
الأولى : هي قول النبي صلى الله عليه وسلم :<< رأى عيسى رجلا يسرق >> والسؤال المطروح عليك يا- شيخ علي - هل عيسى عاينه حقيقة يسرق ورآه بعينه يأخذ متاع غيره من حرزه كما تدعيه - فكذّب حقيقة اليقين الذي معه، فالمشاهدة أعلى اليقين ، فكيف يكذّب عينه ويصدّق قول المدّعى عليه ، ويترك ذلك إلى كذب السارق حقيقة ، تعظيما للحلف باسم الله تعالى ليعطل حدا من حدود الله ؟؟ ويضيع حقوق العباد ، أم يقال : لَعَلَّهُ أَخَذَ مَا لَهُ فِيهِ حَقٌّ أَوْ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْأَخْذَ إلَّا لِلتَّقْلِيبِ وَالنَّظَرِ وَصَرْفِهِ إلَى مَوْضِعِهِ ، أَوْ ظَهَرَ لِعِيسَى أَوَّلًا بِظَاهِرِ مَدِّ يَدِهِ وَإِدْخَالِهَا فِي مَتَاعِ غَيْرِهِ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا فَلَمَّا حَلَفَ لَهُ أَسْقَطَ ظَنَّهُ وَتَرَكَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ويحتمل أن يكون رآه مد يده إلى الشيء فظن أنه تناوله فلما حلف له رجع عن ظنه .كما قاله أهل العلم .انظر لذلك الفتح ، وشرح ابن بطال للبخاري .وطرح التثريب ، وشرح مسلم .
ويحتمل أنه تناول المتاع فرآه عيسى في يده فقال له سرقت ... فرد الرجل المتاع ونفى عن نفسه السرقة ، وأكد ذلك بالقسم ، وهنا لا يمكن إثبات السرقة لأن المتاع في مكانه وعند صاحبه وقوله -صلى الله عليه وسلم :<< يسرق >> فعل مضارع يفيد العمل في الحال والاستمرار فيه وعدم الانتهاء منه فلما رد المتاع وقعت الشبهة لإثبات السرقة فالرجل ما في حوزته شيء وزاد تأكيد ذلك بالقسم أنه ما سرق ولا أراد السرقة .. فمن ألصق به التهمة ربما رجعت عليه ، ويطالب بالبينة لأن الرجل أنكر وحلف ، وهو ما في يده شيء ، ويؤكد هذا الاحتمال صيغة الاستفهام عند البخاري وغيره ..<< أَسَرَقْتَ >> فقال الرجل : كلا ...ومما يزيده قوة رواية مسلم << وكذبت نفسي >> بدل عيني أو بصري كما في بعض الروايات ، فإن المشاهدة يقين ولكن يمكن أن يختلط على العين الأمر، أما النفس فيمكن أن يكون فيها يقين ويمكن أن يكون فيها الاحتمال قائم ، وخاصة إذا لم يرى شيئا من المسروق في حوزة السارق .
وحينها يقال : أن عيسى ترك مؤاخذته للشبهة القائمة وهو أنه يحتمل أن يكون صادقا وأنه ما سرق ولا أراد : قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ : يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا دَرْءُ الْحَدِّ بِالشُّبُهَاتِ .
الوقفة الثانية : وعيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قال:<< سرقتَ >> فهذه الجملة وردت هكذا في لفظ مسلم بدون استفهام ، بل هي خبر يفيد تقرير الفعل ، ووردت في صحيح البخاري وغيره بالاستفهام .
قال أبو الفضل زيد الدين العراقي في طرح التثريب(8/322) بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ...}ثم ذكره وقال: ( فِيهِ ) فَوَائِدُ :
( الثَّانِيَةُ ) : قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ ظَاهِرُ قَوْلِهِ سَرَقْت أَنَّهُ خَبَرٌ وَكَأَنَّهُ حَقَّقَ السَّرِقَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ رَآهُ قَدْ أَخَذَ مَالًا لِغَيْرِهِ مِنْ حِرْزٍ فِي خُفْيَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَفْهِمًا لَهُ عَنْ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فَحَذَفَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ وَحَذْفُهَا قَلِيلٌ.
وَقَوْلُ الرَّجُلِ كَلًّا نَفْيٌ لِذَلِكَ ثُمَّ أَكَّدَهُ بِالْيَمِينِ .
قُلْت : (أي العراقي) احْتِمَالُ الِاسْتِهَامِ بَعِيدٌ لِقَوْلِهِ أَوْلَا {رَأَى عِيسَى رَجُلًا يَسْرِقُ } فَجَزَمَ بِتَحْقِيقِ سَرِقَتِهِ .
قال كاتب هذه السطور : كيف يكون الاستفهام بعيدا وقد جاء صريحا في صحيح البخاري وغيره ... ولا يكون بين الاستفهام والرؤية تناقض ، رآه بعينه وحتى يتأكد استفهم منه .. وهذا يقع كثيرا ، وقد بينت ذلك في الجملة الأولى في قوله عليه الصلاة والسلام :<< رأى عيسى رجلا يسرق >>.
وأحسن منه أن يقال ما قاله الْقَاضِي عِيَاض : ظَاهِرُهُ صَدَّقْت مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ وَكَذَّبْت مَا ظَهَرَ لِي مِنْ ظَاهِرِ سَرِقَتِهِ . فَلَعَلَّهُ أَخَذَ مَا لَهُ فِيهِ حَقٌّ أَوْ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْأَخْذَ إلَّا لِلتَّقْلِيبِ وَالنَّظَرِ وَصَرْفِهِ إلَى مَوْضِعِهِ ، أَوْ ظَهَرَ لِعِيسَى أَوَّلًا بِظَاهِرِ مَدِّ يَدِهِ وَإِدْخَالِهَا فِي مَتَاعِ غَيْرِهِ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا فَلَمَّا حَلَفَ لَهُ أَسْقَطَ ظَنَّهُ وَتَرَكَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . نقله الحافظ العراقي طرح التثريب(8/322)والحافظ في الفتح (6/489).
والجملة الثالثة : هي : قول عيسى عليه السلام :<< كَلاَّ وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ >> .
قلت: إن للسرقة حد من حدود الله ، وهو أن تقطع يده إذا ثبت في حقه بالبراهين والبينة العادلة والقرائن والشهود ، وانتفت الشبهة ..
وإنما يترك الحد للشبهة القائمة فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول لأسامة بين زيد : << أتشفع في حد من حدود الله ؟؟>> صحيح البخاري (4/213) (3475) و(8/199)(6788)، ومسلم (5/114)(4505).
فإنه لا يشفع في حد من حدود الله ثابت بواسطة أو يمين صادقة فضلا عن كاذبة وإنما يترك لشبهة لقوله صلى الله عليه وسلم :<< ادرءوا الحدود بالشبهات >> . وهذا الحديث وإن كان سنده ضعيفا مرفوعا فقد صح عن مجموعة من الصحابة رضوان الله عليهم قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (12/328): و َأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ فِيهِ عَنِ الصَّحَابَةِ رِوَايَةُ عَاصِمٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ.
وقال في السنن الصغرى(3/302)(2590) : وروي عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وغيرهم من الصحابة في " درء الحدود بالشبهات " .
ويحتمل أن ترك عيسى عليه السلام لتطبيق الحد مع تيقنه السرقة من الرجل بالمشاهدة أنه كان شريعة لهم ، أو أنه لم يكن يستطيع تطبيق الحدود أو أنه كان في بداية أمره ...
قال الحافظ العراقي في المصدر السابق : ( الْخَامِسَةُ ) : اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى مَنْعِ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مَنْعُهُ مُطْلَقًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ جَوَازُهُ إلَّا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً فَيَمْتَنِعُ الْحُكْمُ فِيهَا بِالْعِلْمِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَامْتِنَاعُ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ الْحُكْمِ فِيهَا بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ مُحْتَمَلٌ لَأَنْ تَكُونَ شَرِيعَتُهُ مَنْعَ الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ مُطْلَقًا وَلَأَنْ [ تَكُونَ ] شَرِيعَتُهُ مَنْعَ الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مِنْهَا ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ السَّرِقَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ احْتِمَالًا ثُمَّ هَذَا الِاسْتِدْلَال مِنْ أَصْلِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قلت : وهذا واضح أنه من شرع من قبلنا فإن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بدين الحق، وجعله خاتم النبيين، وجعل شريعته خاتمة الشرائع، والأحكام في كل شريعة قسمان : أصول، وفروع : فالأصول هي الإيمان بالله وأسمائه وصفاته، والإيمان بالكتب والرسل والملائكة والبعث والجزاء وبالجنة والنار، والاستسلام لله وحده وإفراده بالعبادة.
وهذا القسم قد اتفقت عليه شرائع الأنبياء جميعا، كما قال تعالى : { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران19]، وقال : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران85].
وأما الفروع فقد اختلفت فيها الشرائع، وهي المقصودة في هذا الباب.ومنها هذه المسألة ، وهي مسألة الحدود فقد جعل لها أحكاما ،وقواعد حين توارد الشبهات فتدرأ الحدود بها .
ومعلوم عندك - يا شيخ علي - أن البينة على المدعي فإن انتفت فاليمين على من أنكر ، وإليك هذا الحكم الذي حكم به رسول الله: أَن رجلا من حَضرمَوْت وَآخر من كِنْدَة أَتَيَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ الْحَضْرَمِيّ : يَا رَسُول الله ، إِن هَذَا قد غلبني عَلَى أَرض كَانَت لأبي . فَقَالَ الْكِنْدِيّ : هِيَ أرضي فِي يَدي أزرعها فَلَيْسَ [ لَهُ ] فِيهَا حق ! فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - للحضرمي : << أَلَك بَيِّنَة ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : فلك يَمِينه . قَالَ : يَا رَسُول الله ، الرجل فَاجر لَا يُبَالِي عَلَى مَا حلف عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ يتورع من شَيْء . فَقَالَ : لَيْسَ لَك مِنْهُ إِلَّا ذَلِك . فَانْطَلق ليحلف فَقَالَ رَسُول الله لما أدبر الرجل : لَئِن حلف عَلَى مَاله ليأكله ظلما ليلقين الله وَهُوَ عَنهُ معرض >> .
والسؤال المطروح عليك يا - شيخ علي - لو كانت البينة عند الرجل أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضيّع حق الرجل الذي معه البينة لحلف الرجل الذي وصفه بأنه لا يبالي على ما حلف ؟؟
والمراد بشرع من قبلنا : ما نقل إلينا بطريق صحيح من الشرائع السماوية السابقة.
والطريق الصحيح لمعرفة شرع من قبلنا هو نقل القرآن والسنة النبوية الثابتة، ولا عبرة بما في الكتب التي في أيدي اليهود والنصارى اليوم؛ لأنه قد طرأ عليها التحريف والتبديل.
وما أخبرنا به في القرآن والسنة من شرائع الأنبياء السابقين، يمكن تقسيمه إلى الأقسام التالية :
1- ما أخبرناه الله عنهم أو رسوله صلى الله عليه وسلم وورد في شريعتنا ما يبطله ويرده فهذا لا خلاف في أنه ليس بحجة، ومثاله قوله تعالى : {{ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ }} [الأنعام146].
2ـ - ما أخبرناه الله عنهم أو رسوله صلى الله عليه وسلم ووجد في شريعتنا ما يؤيده : وهذا لا خلاف في أنه شرع لنا، ولكن الدليل على ثبوته هو ما ورد في شريعتنا لا ما ورد في شرائع الأنبياء السابقين ، ولذلك يقال العبرة بما في شرعنا لا بما في شرعهم ومثاله في قوله تعالى : {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }} [البقرة183] فهذه الآية تدل على أن الصيام كان مشروعا على من قبلنا من الأمم ثم فرض علينا.
3 - ما نقل إلينا ولم يقترن بما يدل على نسخه أو رده أو مشروعيته في حقنا :
فهذا هو محل الخلاف بين العلماء، أهو شرع لنا يلزمنا العمل به أم لا؟.
فهل هذا الحديث الذي استدللت به من القسم الأول الذي يرد أو الثاني الذي يقبل أو الثالث فينظر فيه ؟؟
والجواب عليه أن يقال أن الحديث يتناول عدة مسائل :
المسألة الأولى : إقامة الحدود بالبينات والبراهين والشهود .. مع انعدام الشبهة فإذا حلف وهو كاذب أي كذبته البينة العادلة والقرائن والشهود ، فهذا لاشك أنه مخالف لشرعنا وإن كان شرعا لمن قبلنا فيكون من القسم الأول .
والمسألة الثانية : في درأ الحدود بالشبهات فإذا انعدمت البينة العادلة وقامت الشبهة فيكون من القسم الثاني الذي يقبل .. ويعمل به في درأ الحدود بالشبهات كما بوب عليه غير واحد من أهل العلم ..
والمسألة الثالثة : في تعظيم الحلف بالله وقبوله من الحالف ولو كان كاذبا فهل هو على إطلاقه أم مقيد بالشبهة لدرأ الحد مع انعدام البينة والحجة ؟؟
فقد بينت ذلك سابقا وأضيف هنا ما جاء في شرعنا مما يخالفه ففي البخاري من حديث عمر رضي الله عنه 2641- حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُتْبَةَ قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَقُولُ : إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ.
فهل عندكم يا - شيخ علي- أن من ثبت كذبه وأنه يكذب ويتحرى الكذب ويقسم على ذلك أنكم تقبلون ظاهره ولا تصفونه بالكذب وتكلون أمره إلى الله فتقبلون منه الحديث ، وتتجاوزون عنه في الحقوق التي اغتصبها باليمين الفاجرة ؟؟ أم تحكمون بظاهر أمره أنه كذاب وساقط العدالة وغير ثقة ، وأن تأخذ منه الحقوق .. وترد على أصحابها ...بالبينة العادلة .
وأما قولك : ومع ذلك : صدّق مَن حلف له بالله ؛ تعظيماً له –جل في علاه ، وعظُم في عالي سماه- ، وإحالةً للكاذب إلى ربه ومولاه ..
لا شك يا شيخ علي أن من حُلف له بالله عليه أن يرضى ، وأن يعظم الله تعالى ، لكن على الحالف أيضا ألا يحلف إلا بالله ، ولا يحلف إلا وهو صادق.وقد مرت معك أحاديث تبين عظيم جرم من حلف بالله وهو كاذب وأن اليمين الفاجرة من أكبر الكبائر ، وأضيف هنا : قوله- صلى الله عليه وسلم- :<< لا تحلفوا بآبائكم من حلف بالله فليصدق ومن حلف له بالله فليرض ومن لم يرض بالله فليس من الله >> أخرجه ابن ماجة عن ابن عمر . قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : (7247) في صحيح الجامع وصحيح ابن ماجة(1708) و الإرواء (2698).
وفي سنن أبي داود( 3250 ) وصحيح النسائي (3769 ) وصحيح ابن حبان(4357)قال << وَلاَ تَحْلِفُوا بِاللَّهِ إِلاَّ وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ >> قال الشيخ الألباني : صحيح .
فهذا الذي يُصدق ، و يُصدق أيضا المستور الذي لا يُعلم من حاله شيءٌ فهو على الأصل أو يصدق من قامت الشبهة والاحتمال عنده، أما من عرف من حاله الكذب وأنه يحلف أيمانا فاجرة فهذا لا يصدق يا شيخ علي ولا هو محل ثقة لا في الدين ولا في الدنيا ، << .. وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا >> البخاري (6094) ومسلم (6803) هذا فيمن يكذب دون الحلف فكيف بمن يقسم بالله أيمانا فاجرة ؟؟ أيصدق ويترك حاله لله وقد عاث في الأرض فسادا يا شيخ علي؟؟ فإن كان الأمر عنك كذلك فأقبل من الغلاة الكاذبين وكل أمرهم إلى خالقهم ..
وأما قولك :
فـأقول لفضيلته- سدده الله-: التفِتْ حولك-فضيلةَ الشيخ- ؛ فماذا أنت راءٍ –ولا أريدُ أن أقول : ماذا أنت فاعلٌ!!-؟!
أيعني هذا الاتهام المبطن أن بطانة الشيخ هي من تألبه عليك يا شيخ علي ؟ فيقبل التلقين ، أم تعني أن من حول الشيخ ربيع بطانة سوء وأنهم مجرد كذبة حاقدون متربصين مرضى تحذره منهم ، أو تتهدده إن لم يطردهم أو يتخلص منهم ..؟؟فإنه سيلاقي الويلات بسبهم .
يا شيخ علي اعلم - وفقك الله - أن الشيخ ربيع ما حوله إلا طلاب العلم السلفيين ، ومعه الكثير من العلماء الذين أيدوه فيما أخذ على تلك الفرق الضالة ، وفيما رد به عليك ..
يا شيخ علي ... هذا تذكير برد بضاعتك عليك : التفِتْ حولك-فضيلةَ الشيخ- ؛ فماذا أنت فاعل – ولا أريدُ أن أقول : ماذا أنت راء!!-؟! فإن زمام التحكم في منتدى (( كل السلفيين)) قد أفلت وأن ضرره يعود عليك ولا تجني من وراء ذلك إلا الشوك ..
أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويجنبنا اتباعه ، وأن يصلح أحوالنا ويهدينا وإخواننا الذي بغوا علينا إنه سميع مجيب .

وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين .

ليلة الاثنين 24/12/1432هـ

الموافق ل/20/11/2011م

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
21-Nov-2011, 12:26 PM
بارك الله فيك شيخنا الفاضل ونفع بك ورد كل من ان حرف عن المنهج السلفي الحق..اللهم امين

حمل من هنا الملف وارد2007
http://www.al-amen.c...p/do.php?id=144 (http://www.al-amen.com/up/do.php?id=144)

حمل من هنا ملف pdf


http://www.al-amen.c...p/do.php?id=145 (http://www.al-amen.com/up/do.php?id=145)

للرفع

أبو محمد ياسر الليبي
23-Nov-2011, 12:47 AM
يا شيخ علي ... هذا تذكير برد بضاعتك عليك : التفِتْ حولك-فضيلةَ الشيخ- ؛ فماذا أنت فاعل – ولا أريدُ أن أقول : ماذا أنت راء!!-؟! فإن زمام التحكم في منتدى (( كل السلفيين)) قد أفلت وأن ضرره يعود عليك ولا تجني من وراء ذلك إلا الشوك ..
أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويجنبنا اتباعه ، وأن يصلح أحوالنا ويهدينا وإخواننا الذي بغوا علينا إنه سميع مجيب .

السلام عليك ورحمة الله
جزى الله الشيخ عنا وعن أهل السنة خيرا، ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فقد أديت الذي عليك ). فلقد نصحت وصدقت،
وصدق من قال: ان اراد الله به الخير سيظهر وان كان غير ذلك فسيظهر.
ولقد ظهر محاربا، ومنافحا، ومدافعا بالباطل عن أهل البدع والثورات والمظاهرات، والله المستعان. .

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
08-Sep-2012, 04:42 PM
للرفع

أبو هنيدة ياسين الطارفي
26-Nov-2012, 12:16 PM
بارك الله فيك ياشيخ , فقد أوفيت في وقتها ......