المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وجوب احترام الأئمة الأربعة و غيرهم من أهل العلم و الاستفادة من علومهم الشيخ محمد بن هادي المدخلي



أبو الوليد خالد الصبحي
13-Feb-2010, 12:40 PM
وجوب احترام الأئمة الأربعة و غيرهم من أهل العلم و الاستفادة من علومهم



http://www.ajurry.com/vb/images/bismalh.gif



ان احترام العلماء واجب أوجبه الله-سبحانه و تعالى- على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم فقد ثبت
عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : " ليس منا من لم يجل كبيرنا و يرحم صغيرنا و يعرف لعالمنا حقه"
خرجه الامام أحمد(1) و ابنه عبد الله في -زوائده على المسند-(2) و الحاكم(3) - و اللفظ له- من حديث
عبادة بن الصامت - رضي الله عنه.
فمحبة علماء الشرع دين يدان الله به قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في و صيته المشهورة للكُمَيْل
بن زياد : (و محبة العالم دين يدان بها)(4).
__________________________
1-انظر:المسند (323/5).
2- المصدر السابق في الموضع نفسه.
3-انظر المستدرك :(122/1).
4- خرجه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء (79/80) و من طريقه خرجه الخطيب البغدادي في الفقيه و المتفقه(182/1) ط: عادل العزازي.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى- شارحا قول علي هذا:
(لأن العلم ميراث الأنبياء و العلماء ورثتهم فمحبة العلم و أهله محبة لميراث الأنبياء وورثتهم و بغض
العلم بغض لميراث الأنبياء وورثتهم...)الى أن قال -رحمه الله-:
( و أيضا فان الله سبحانه عليم يحب كل عليم و انما يضع علمه عند من يحبه فمن أحب العلم و أهله فقد
أحب ما أحبه الله و ذلك مما يدان به) انتهى(1).
( و اعلم أخي-طالب العلم- وفقني الله و اياك لمرضاته و جعلنا ممن يخشاه و يتقيه حق تقاته أن : لحوم
العلماء -رحمة الله عليهم- مسمومة و عادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة لأن الوقيعة فيهم بما هم منه
براء أمره عظيم و التناول لأعراضهم بالزور و الافتراء مرتع وخيم و الاختلاق على من اختاره الله منهم
لنعش العلم خلق ذميم (2).
قال الامام أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله- :
( و علماء السلف من السابقين و من بعدهم من التابعين -أهل الخبر و الأثر و أهل الفقه و النظر-
لا يذكرون الا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل(3).
______________________________
1- انظر مفتاح دار السعادة(136/1) ط: مكتبة الرياض الحديثة.
2-انظر تبيين كذب المفتري(ص/29).
3- العقيدة الطحاوية مع شرحها (ص 492) ط الثالثة: المكتب الاسلامي.
قال ابن أبي العز - شارحا قول الطحاوي السابق-:
(... فيجب على كل مسلم بعد موالاة الله و رسوله موالاة المؤمنين كما نطق به القران خصوصا العلماء
الذين هم ورثة َ الأنبياء الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم يُهتدى بهم في ظلمات البر و البحر و قد أجمع
المسلمون على هدايتهم و درايتهم اذ كل أمة قبل مبعث محمد صلى الله عليه و سلم علماؤها شرارها الا
المسلمين فان علماءهم خيارهم فانهم خلفاء الرسول في أمته و المحيون لما مات من سنته فبهم قام الكتاب
و به قاموا و بهم نطق الكتاب و به نطقوا و كلهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباع الرسول صلى الله
عليه و سلم و لكن اذا وُجدَ لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلابد له في تركه من عذر).(1)
________________________________
1- المصدر السابق.
و كلام ابن أبي العز هذا هو كلام شيخ الاسلام ابن تيمية- رحمه الله- بالحرف في مقدمة كتابه النافع العظيم :(رفع الملام عن الأئمة الأعلام) انظره في ص5/3 ط: الجامعة الاسلامية.
و أئمة الدعوة -رحمهم الله تعالى- في هذه المسألة على هذا المسلك الذي ذكره هؤلاء الأئمة - رحمهم الله-.
1- فهذا امامهم و شيخهم مجدد الدعوة الاسلامية شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب - رضي الله عنه- يقول
في رسالته التي بعث بها الى الشيخ عبد العزيز الحصين مجيبا له عن المسائل التي سأل عنها حول
الزكاة و المضاربة و النقود المغشوشة قال:
( تتمة في اتباع النصوص مع احترام العلماء :
اذا فهمتم هذا فقد تبين لكم في غير موضع أن دين الاسلام حق بين باطلين و هدى بين ضلالتين و هذه
المسائل وأشباهها مما يقع الخلاف فيه بين السلف و الخلف من غير نكير من بعضهم على بعض فاذا رأيتم
من يعمل ببعض هذه الأقوال المذكورة بالمنع مع كونه قد اتقى الله ما استطاع لم يحل لأحد الانكار عليه اللهم
الا أن يتبين الحق فلا يحل لأحد أن يتركه لقول أحد من الناس.
و قد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يختلفون في بعض المسائل من غير نكير ما لم يتبين النص.
فينبغي للمؤمن أن يجعل همه و مقصده معرفة أمر الله و رسوله في مسائل الخلاف و العمل بذلك.
و يحترم أهل العلم و يوقرهم و لو أخطأوا لكن لا يتخذهم أربابا من دون الله هذا طريق المنعم عليهم.
أما اطراح كلامهم و عدم توقيرهم فهو طريق المغضوب عليهم.
وأما اتخاذهم أربابا من دون الله اذا قيل : قال الله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قيل :هم أعلم منا
فهذا هو طريق الضالين). (1) انتهى كلامه -رحمه الله-.
2-و يقول الامام عبد الله بن الامام محمد بن عبد الوهاب -رحمهما الله- في رسالته الى عبد الله بن عبد الله
الصنعاني:
( و أما متابعة الرسول صلى الله عليه و سلم فواجب على أمته متابعته في الاعتقادات و الأقوال و الأفعال)
و ساق بعض الايات و الأحاديث في هذا ثم قال له:
( فتأمل -رحمك الله- ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه بعده و التابعون لهم باحسان
الى يوم الدين و ما عليه الائمة المقتدى بهم من أهل الحديث و الفقهاء كأبي حنيفة و مالك و الشافعي
و أحمد بن حنبل -رضي الله عنهم أجمعين- لكي تتبع اثارهم.(2)
________________________
1-انظر مجموعة الرسائل النجدية(11-12/1) و مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ط: جامعة الامام (القسم الثالث: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه و سلم و الفتاوي):(ص/7).
2- الدرر السنية (136/1) ط: القديمة. و انظر مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ط (القسم الخامس)
الرسائل الشخصية (ص/106-107).
قلت:
و الذي ذكره الامام محمد-رحمه الله- من احترام العلماء و توقيرهم ولو أخطأوا هذا هو الواجب على كل
مؤمن يخاف الله و يتقيه.
و لو أنا كلما أخطأ امام في اجتهاده في احاد المسائل خطأً مغفورا له قمنا عليه و بدعناه و هجرناه لما
سلم معنا أحد. (1)
و في هذا المعنى يقول شيخ الاسلام -قدس الله روحه-:
( و لا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة و ان كان ذلك في المسائل العلمية و لولا ذلك لهلك أكثر
فضلاء الأمة و اذا كان الله يغفر لمن جهل تحريم الخمر لكونه نشأ بأرض جهل مع كونه لم يطلب العلم
فالفاضل المجتهد في طلب العلم بحسب ما أدركه في زمانه و مكانه اذا كان مقصوده متابعة الرسول
صلى الله عليه و سلم بحسب امكانه هو أحق بأن يتقبل الله حسناته و يثيبه على اجتهاداته و لا يؤاخذ بما
أخطأ تحقيقا لقوله تعالى :( ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا) (1) انتهى كلامه (2).
و اذا لم نتعامل مع علماء الاسلام على ضوء ما ذكره هؤلاء الأئمة الأعلام فاننا سنقع حينئذ في المحظور
الذي نهوا عنه و هو :
الطعن في أهل العلم و الانصراف عما كتبوه و دونوه و عدم الاستفادة منه و هذا جهل و حمق-و رب الكعبة
فمن ذا الذي يستغني عن فتح الباري للحافظ ابن حجر -مثلا- و كذا شرح صحيح مسلم للحافظ النووي
و أمثالها لغيرهم من علماء الاسلام -رحمهم الله-.
قال الذهبي- رحمه الله - في سير أعلام النبلاء- (3) :
( قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام -و كان أحد المجتهدين-: ما رأيت في كتب الاسلام في العلم مثل :
المحلى لابن حزم و كتاب المغني للشيخ موفق الدين.
_____________________________
1-سورة البقرة الاية 286.
2- انظر مجموع الفتاوي:165/20.
3-(193/18).
قلت( القائل الذهبي) : لقد صدق الشيخ عز الدين.
و ثالثهما: السنن الكبير للبيهقي و رابعهما التمهيد لابن عبد البر.
فمن حصل هذه الدواوين و كان من أذكياء المفتين و أدمن المطالعة فيها فهو العالم حقا) انتهى.
قال محمد بن هادي:
و خامسها عندي : فتح الباري.
و يقارب كتاب المغني للموفق كتابُ المجموع شرح المهذب للنووي.
و أقول :يقاربه و يدانيه أما أنه يساويه فلا -و الله-.
فان الامام موفق الدين قد طال عمره حتى قوي و ازداد علمه بينما النووي توفي مبكرا و كذلك فان الموفق
قد أكمل شرح مختصر الخِرَقِي كله بنفسه فجاء كتابه المغني على وتيرة واحدة.
و هذا بخلاف النووي فانه قد كمل عَمَلَه بعده عدد من العلماء فاختلف النفَسُ في الشرح.
نعم عندي أن النووي أمكنُ في المعرفة بالصحيح و الضعيف من الحديث الموفق.
و الله يغفر لهما جميعا و يسامحهما و يجزيهما عنا و عن المسلمين خيرا.
انتهى.

من كتاب الاقناع بما جاء عن أئمة الدعوة من الأقوال في الاتباع.
للشيخ الفاضل محمد بن هادي بن علي المدخلي.