المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سبيل هيبة الأمة وعزها / لفضيلة الشيخ عبدالله بن صلفيق الظفيري



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
26-Feb-2012, 09:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

والحمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على رسوله الأمين , وعلى آله وصحبه أجمعين

أمابعد:

فإن الله تعالى رتب سعادة الخلق وانتظام حياتهم وإعلاء شأنهم على الإيمان الصحيح والعمل الصالح، الموافق للفطرة السلمية والعقل السليم. وعلى ما جاء به النبيون. فما وافقت أمة هذا المسلك العظيم إلا نالت من ذلك بقدر تمسكها به.وما خالفت أمة ذلك إلا كان لها من الشقاء والذل والهوان بقدر مخالفتها وبعدها عن هذا المسلك.

وأقرب مثال على ذلك ما كان عليه العرب في الجاهلية من شقاء وذل وهوان وتفرق وتشتت. فلما جاءت الرسالة الإلهية والدعوة النبوية جاء للعرب ميلاد جديد فقويت بعد ضعفها واجتمعت بعد تفرقها واعتزت بعد العيله ، وأصبحت لها الهيبة ودانت لها الأمم بالطاعة والانقياد والقيادة .
وما ذاك إلا تصديق لقول المولى جل وعز
" وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا" النور55
وقوله تعالى:
" {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِإِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }آل عمران103

فحمل العرب راية الإسلام علما وعملا وقلبا وقالبا، فأخرج الله بهم الناس من الظلمات إلى النور ومن جهل الوثنية والشرك إلى التوحيد والإيمان والفطرة السليمة، وأنقذهم من عبادة العباد، وظلم الطواغيت واستبداد الأديان المحرفة إلى الحرية الحقة ألا وهي عبادة رب العباد. حيث رأى الناس فيهم العلم الصحيح والخلق النبيل والأمانة وصدق الكلمة وهكذا تستمر العزة والتمكين والسعادة لمن تمسك بما تمسك به الأولون، ولا تزال على ذلك طائفة من الأمة تحمل هذا الدين الصحيح الكامل الذي ما مات النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد ترك أمته عليه.

كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم حيث قال:
" لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ"
البخاري (3641) ومسلم (1037
ولهذا نقول: إنه لا يحصل اجتماع صحيح للمسلمين يثمر عزة وتمكينا وهيبة بين الأمم إلا على أصلين عظيمين:-

الأول: الاتفاق على مصدر التلقي.
وهو كتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم على فهم الصحابة والتابعين وأتباعهم والسلف الصالح. ودليل ذلك قوله تعالى:
" وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ " آل عمران103
وقوله تعالى:
" فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى " طه 123
قال ابن عباس رضي الله عنهما:
" تكفل الله لمن تمسك بالكتاب والسنة أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة."

وما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم:
" ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ "
وقوله صلى الله عليه وسلم:
" تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي "
وقوله صلى الله عليه وسلم:
" خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم "
وترتب على ذلك أن يجتمع فيهم مقومات الاجتماع والقوة، لأن مشربهم الذي يردون منه واحد.

وخلاف ذلك يحصل من تفرق القلوب والأبدان بقدر البعد عن هذا المشرب. وأشد ذلك إذا تنوع المشرب فبالتالي تختلف الاعتقادات والأعمال وبه تختلف القلوب وتتباغض النفوس، وتكثر الأهواء ويحصل من ذلك من التنازع ما الله به عليم، وهذا نتيجته الهوان أمام أعداء الإسلام. وبه يفرحون لأن ذلك سبب غلبتهم علينا .

الثاني: الاتفاق على الغاية .
وهي تحقيق التوحيد لله تعالى وإفراده بالعبادة. قال الله تعالى:
""وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" الذاريات 56
فهذا الكلام الصريح من الخالق الرب عز وجل في بيان الغاية في خلق الخلق وهي تحقيق العبودية لله عز وجل وهذا يلزم أن تكون أولى اهتمامنا الدعوة إلى التوحيد والتحذير مما يناقض هذا من الشرك وعبادة ما سوى الله تعالى وكذلك الدعوة إلى الإتباع للنبي صلى الله عليه وسلم والتحذير مما يناقض هذا من الأمور المبتدعة، العقدية والعملية. لأن العبادة لا تصح بعد الإخلاص لله إلا بإتباع هديه صلى الله عليه وسلم.

فهذان الأصلان العظيمان هما سبيل الاجتماع و الائتلاف ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله:" الجماعة مقرونة بالسنة والفرقة مقرونة بالبدعة. " وإن للاجتماع على هذه الأصول العظيمة ثمارا عظيمة يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "
فظهر أن سبب الاجتماع والألفة جمع الدين، والعمل به كله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، كما أمر به باطنا وظاهرا. وسبب الفرقة ترك حظ ما أمر العبد به، والبغي بينهم. ونتيجة الجماعة رحمة الله ورضوانه وصلواته وسعادة الدنيا والآخرة، وبياض الوجوه. ونتيجة الفرقة عذاب الله ولعنته وسواد الوجوه، وبراءة الرسول صلى الله عليه وسلم منهم " ا.هـ.

ولقد تجسد هذا التأصيل في الدعوة السلفية الربانية التي مبناها على هذه الأصول العظيمة، ولهذا نال أهلها وأتبعاها من الخير العميم والعلم الصحيح واليقين المبين ما لا يخفى على كل ذي بصيرة متجرد من الهوى.
وهذا ما أخبر الله به في كتابه العزيز حيث يقول تعالى:
" وَلَوْ أَنّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ مّا فَعَلُوهُ إِلاّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ وَلَوْ أَنّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ وَأَشَدّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لاَتَيْنَاهُمْ مّن لّدُنّـآ أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مّسْتَقِيماً * وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرّسُولَ فَأُوْلَـَئِكَ مَعَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مّنَ النّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشّهَدَآءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَىَ بِاللّهِ عَلِيماً " النساء66/67/68


أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يثبتنا على دينه وعلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.ِ

وصلى الله وسلم على نبينا محمد