المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [ خطبة ]التحذير من المخدرات- خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ



أبو الوليد خالد الصبحي
16-Mar-2010, 10:53 PM
التحذير من المخدرات- خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ

إن الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِهِ اللهُ فلا مضلَّ له؛ ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبِه وسلَّمَ تسليمًاً كثيرًاً إلى يوم الدين.
أما بعدُ:
فيا أيُّها الناسُ، اتقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله،إنَّ اللهَ جلَّ وعلا كرَّمَ الإنسانَ وفضَّلهُ على كثيرٍ مِمَّن خلقَ تفضيلا، وأمدَّهُ بنِعمٍ لا تُحصِيها البصائرُ و الأبصارُ، ولا تُدرِكُ حقيقتَها العقولُ والأبحاثُ، من تلكَ النعمِ نعمةُ العقلِ، لا تعدلُها بعدَ نعمةِ الإسلامِ أيُّ نعمة، ذلكم -يا عبادَ الله- العقلُ الذي هو نعمةٌ، لا تعدلُها أيُّ نعمةٍ بعد نعمةِ الإسلامِ، هذا العقلُ الذي كرَّمَ اللهُ به الإنسانَ، وفضَّلَهُ على كثيرٍ مِمَّن خلقَ تفضيلا، هذا العقلُ يُدركُ به الإنسانُ، يعبدُ ربَّه، ويدركُ به أسرارَ الكونِ، يُمَيِّزُ به بين الخيرِ والشرِّ، والصالحِ والطالحِ، ولقد عَظَّمَ اللهُ شأنَ هذا العقل؛ فجعلَه مناطَ الثوابِ والعقابِ؛ فإذا وُجِدَ العقلُ كان التكليفُ والحسابُ، وإذا فُقِدَ العقلُ؛ فإنّه لا تكليفَ على الإنسان، إذ لا عقلَ له يخاطب به، إذ لا عقل له حتى يُخاطبَ.
أيُّها المسلمُ، ولقد أمرَ الإسلامُ بالمحافظةِ على العقلِ، وصيانتِهِ، ووقايتِهِ، وتكريمِهِ، ذلك أنه هبةٌ من اللهِ، وسببِ لهدايةِ العبدِ، وسكينتِهِ، واطمئنانِهِ، وحذَّرَ من كلِّ ما يَضُرُّ بالعقلِ، أو يَحجُبُه، أو يُسكرُه من الخمرِ والحشيشةِ، و الهروين، أو الكوكايين، والأفيون، وغيرِ ذلك من أنواع المخدراتِ، والمسكراتِ؛ لأنها تدخلُ على العقلِ فتفسدُه، وعلى الفكرِ فتعطِّلُه.
أيُّها المسلمُ، وإنّ من تأمَّلَ كتابَ اللهِ وسنةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، يرى حقًّا أنّ المُخدِّراتِ على اختلافِ أنواعِها هي ضربٌ من ضروبِ الفسادِ، هي فسادٌ كلُّها بكلِّ أحوالِها، وشرٌّ مُستطيرٌ، وضررٌ عظيمٌ، واللهُ جلَّ وعلا إذ قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:90] والخمرُ ما خامَرَ العقلَ.
إذا تأمَّلَ المسلمُ ذلك علمَ أنَّ هذه المخدراتِ من باب أولى تحريمُها؛ إذ ضررُها وشرُّها وفسادُها أعظمُ من الخمرِ بمئاتِ المرَّاتِ، فهي ضررٌ محضٌ، وشرٌّ وبلاءٌ، ومصيبةٌ حلَّت بالعالم كلِّه، ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم إذ نهانا عن كلِّ مسكرٍ، ومُفَتِّرٍ، وقال: "كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلُّ خمرٍ حرامٌ" إذا فهذه المخدراتُ على اختلافها أعظمُ وأشدُّ ضررًا من المسكراتِ، والكلُّ بلاءٌ ومصيبةٌ عافانا الله جميعا من كلِّ مكروهٍ.
أيُّها المسلمُ، وهذه المخدراتُ، منها أشياءُ نباتيةٌ، وأشياءُ مستحضرةٌ ومُصَنَّعَةٌ، فهي من أشدِّها وأعظمِها نكايةً بالإنسان، وإذا تأمَلَّ المسلمُ الأسبابَ التي تُؤَدِّي بعضََ ضعفاءِ الإيمانِ لتعاطي هذه المخدرات يجدُ أنّ هناك أسبابًا عديدةً، فأعظمُها ضَعفُ الإيمان، وقلَّةُ الخوفِ من اللهِ، فمن ضَعُفَ إيمانُه وقلَّ خوفُه من اللهِ، ولم يكن حياءٌ عنده؛ فإنّه يَتَعاطَى هذه المخدِّراتِ الضَّارَّةَ؛ إذ الإيمانُ يَردَعُه عنها، يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهو مؤمنٌ، ولا يشربُ الخمرَ حينَ يشربُها وهو مؤمنٌ " فإنَّ الإيمانَ الصحيحَ القويَّ المُتَمَكِّنَ من القلبِ يحولُ بين المسلمِ وبين تعاطي هذه المخدراتِ الضارَّةِ المُفسِدَةِ المُؤذيةِ، وسببٌ آخرُ جلساءُ السُّوءِ، ورُفقاءُ السُّوءِ، الذين لا خيرَ فيهم، أمَّةٌ فاسدةٌ، تريدُ إفسادَ غيرِها، فئةٌ منحرفةٌ تريدُ أن ينحرفَ غيرُها، فئةٌ ساقطةٌ تريد أن تقضِيَ على كلِّ خيرٍ في أيِّ يأ] إنسان؛ فليحذرِ الشابُّ المسلمُ من هذه المجالسِ الرَّديئةِ السيِّئةِ المعمورة بالباطل، ولْينظُرْ من يصاحبُ، ومن يثخالِلُ؛ فإنك إذا رافقتَ رُفقةَ السُّوءِ والبلاءِ أوقَعُوك في المصائبِ من حيثُ لا تشعرُ، ذلك أن طبيعةَ رفقاءِ السُّوءِ تفرِضُ عليهم أن يعُمَّ شرُّهم جميعُ الحاضرين، ولا يَرضَوْنَ أن يجلسِ معهم من لا يوافِقُهم على باطنِهم، ولا يساعدُهم في باطنِهم؛ فإنَّ محبةََ بعضِهم لبعضٍ، لم تقمْ على دينٍ، ولكن على شرٍّ وبلاءٍ (الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ) [الزخرف:67]؛ فهؤلاءِ الرفقاءُ السوءُ يسعونَ في إغراءِ، هذا الإنسانُ في هذا المخدِّر، قليلا قليلا، حتى يتمكَّنَ من نفسه؛ فيكونَ من المُدمنين لها، المُعتادِينَ عليها، الذين يصعُبُ عليهم التخلُّصُ منها، هكذا جليسُ السُّوءِ، جليسُ السُّوءِ لا يحبُّك، جليسُ السُّوءِ، لا ينصحُك جليسُ السوءِ، لا يُريكُ خيرا، جليسُ السوءِ، جليسُ السوءِ يحبُّ أن يقضيَ على أخلاقِكَ، وشِيَمِكَ، وكرامتِكَ، وفَضيلتِكَ.
ومن أسبابها أن مُتعاطيِّ هذه المخدراتِ يزعمون جهلا وبغيًا، أنّ تعاطِيَهم لها يُقَوي نشاطَهم وأداءَهم لأعمالِهم التي أُنيطَت بهم، وأنَّهُم يسهرون، ويكثرُ الإنتاجُ، ويكثرُالإنتاجُ والعملُ، وهذه من المغالطاتِ؛ لأنّ هذا النشاطَ المزعومَ يَعقُبُهُ فتورٌ وبلاءٌ عظيمٌ، نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ، يعدونها تذهبُ القلقَ والأََرَقَ، وأنها تُذهِبُ الهمومَ، وكلُّ هذا من تزيينِ الشيطانِ فأيضا فأتي من بلاء يعقب حسرات ونادمات قد ينفعه شيء لكن عواقبه سوء وفساد وانحراف وانحلال من القيم والفضائل، نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ.
أيُّها المسلمُ، وعندما يتأمَّلُ المسلمُ أضرارَ هذه المخدراتِ لَيَجِدُ لها أضرارًا على أمنِ المجتمعِ، وعلى اقتصادِهِ، وعلى المجتمعِ كلِّه، وأنّ لها أضرارًا على المسلم، في أمنِه، واقتصادِه، وصحتِّه، وعلى كيان المجتمعِ كلِّه، يجدُه ضررًا وبلاءً عظيمًا، لكن سبحانَ من طبعَ على قلوبِ من شاءَ من عباده؛ إنها تتحكمُ بالعقل، وتحرفه؛ فهذا العقلُ ينحرفُ، حتى تنعكس الأشياءُ في نظرِه؛ فيرى القريبَ بعيدًا، والبعيدَ قريبًا، ويتخيَّلُ غيرَ ما وقعَ، ويذهلُ عن الواقعِ، مع ما تَعقُبُهُ من فتورٍ في الجسدِ، وخُدُورٍ في الأعصابِ، وخدوٍر في الأعصاب، وتَمَيُّعٍ في الأخلاقِ، وخَوَرٍ في النفس، وعدمِ قدرةٍ على القيامِ بالواجبِ؛ فأمراضُها الصِّحِيَّةُ، فأمراضها الصِّحِيَّةُ، من ضعف في أو العصبية، هبوطٌ في القلب، ضعفٌ في العقل، قلَّةٌ التصوُّر، ضعفُ الإنتاج والأداء، ثمّ انظر إلى ضررٍها على أمن المجتمع؛ فأمنُ المجتمعِ يتأثرُ بهذه المُخَدِّراتِ السيئةِ؛ فأنواعُ الجرائمِ المختلفةِ من سرقةٍ و سلبٍ واغتصابٍ، وأنواعِ الجرائمِ تجدُها عند مُتعاطِي المخدِّراتِ؛ لأنه يبحثُ عنها بكلِّ وسيلةٍ يُمكنُهُ، وربَّما ضحَّى بعرضه، ومحارمِه في سبيل الحصولِ على هذا البلاءِ الذي اختلطَ بجسدِهِ؛ فأصبحَ -والعياذُ بالله- مشغوفا به، دائمًا وأبدًا.
إنّ الاتزانَ العقليَّ والأخلاقيَّ مفقودٌ عند مُتعاطي المُخَدِّراتِ؛ فالأمنُ الاجتماعيّ يختلُّ؛ بهؤلاء الفئةُ الذين تراهم وراءَ كلَّ الجرائم، وكلِّ المصائب، فكلُّ جريمةٍ تُصُوٍرت بشاعتُها وشدَّتُها ومرارتُها فاعلم أنها غالبا، أنها غالبا من وراء متعاطيّ المخدِّراتِ، فَقَدوا اتِّزانَهم العقليَّ وسلوكهم؛ فلا يبالون بما يقع منهم، قد يصعد مرتفعا لينتحرَ، وقد ينتحرُ وقد يَجْني على محارمِه، على أولادِه وبناتِه، وقد يفعلُ كلَّ القبائح التي -نسأل اللهَ العافيةَ- يُستَحْيَى مِن ذِكرِها.
أيُّها المسلمُ، وإذا تأملت ذلك أيضا في خطِّ السيرِ، تجدُ أنّ كثيرًا ممّا يحدُثُ من حوادثِ السيرِ نتيجةً من تعاطي المخدِّراتِ، تراهُ أحيانًا يمشي ويصعد الرصيفَ، ويقتلعُ بعضَ الأشياء، وتراه يسقط عواميد الكهرباء، وغير ذلك، ترى تصرُّفه في سيره، ترى تصرفا جنونيًا، فاقدَ العقل لا شك عند السير يقعُ في أحداث ويقع ويقع، لكنّ الأحداثَ التي تقع من أرباب المخدراتِ تراها بشعةً، وترى تصرفاتٍ لا يليقُ بإنسان أن يفعلَها؛ فتراه يسيرُ فما يشعرُ إلا وقد صًعِدَ الرَّصيفَ جهلا، وقد هدَّدَ أشخاصًا؛ فتكون الجنايةُ على البشر، من قتلِ النفوسِ، وتدميرِ المُمتلكاتِ وإعاقةِ الأبرياءِ، أمورٌ عظيمةٌ كثيرةٌ، يُحدثُها متعاطيّ المخدِّراتِ لقلَّةِ اتِّزانهم، وفقدِهم التوازنَ في العقل والرأي؛ فهم فئةٌ مُؤذِيةٌ، ومفسدةٌ، نسألُ اللهَ السلامةََ والعافيةََ.
وإنّ متعاطِيَها لا تثقُ به في عمل، ولا تَطمئِنُّ إلى سرِّه، فسرِّه مكشوفٌ، وأحوالُه واضحةٌ، وإنه فقدَ العقلَ؛ فكلُّ شيء يمكن أن تسمعَه منه؛ فلا تراه حافظا لسر ولا مُؤديًا لعمل، بل الأُمَّةُ على خطرٍ منه في أيِّ عملٍ ما يَتَوَلَّاهُ، وإنك إذا نظرتَ إلى تهديدِ اقتصادِ الأُمَّةِ، نظرتَ إلى الأموالِ تُنزفُ في الحصولِ عليها، ورأيت، ورأيت، ورأيتَها أيضا تعين على البطالة؛ فَمُتعاطِيها لا يعملُ، ولا ينفعُ، إنما نومٌ وكسلٌ، ثمَّ إجرامٌ وبلاءٌ؛ فالبطالةُ وقلَّةُ العمل، إنما هي في متعاطي المخدرات غالبًا، وإذا نظرتَ إليها، إلى المجتمع عمومًا وجدتَ أن الأفرادَ والجماعاتِ كلَّهم مُتَأَذُّونَ منها، وكلُّهم واقعون تحتَ وطأتِها الخبيثةِ؛ فالأسرةُ تتفكك، إذ صاحبُ المخدرات لا يُبالي ببيته، ولا بأولاده، ولا ببناته، ولا بزوجته، ولا بأبيه، ولا بأمِّة، نومٌ وسهرٌ، ثمَّ انغماسٌ في الجرائم، فَتَتَفَكَّكُ الأسرة؛ فلا يجدون من يُؤويهم، ولا من يشرفُ على حياتهم؛ فيكون الضياعُ -نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ، نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ.
إنَّ مُرَوِّجيها يَسعوْنَ في إفسادِ عقولِ المُتعاطين لها، إفسادِ عقولِهم وأخلاقِهم والزجِّ بهم في الهاوية؛ فترى البيوتَ خرابًا وترى الأسرةَ مُتفككةً، وترى صاحبَهم ما بين سجن، وما بين هروبٍ، وما بين ضعفٍ في نفسه، لا يدري ما حوله، مُهتزٌّ عقلُه، مضطربٌ أمرُه، نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ.
أيُّها المسلمون، إنّ علاجَ هذه الأمورِ علاجٌ عظيمٌ، إنه فسادٌ في الأرض، واللهُ يقولُ: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة:33] فإذا كان قاطعُ الطريقِ، ومهدِّدُ الأفرادِ بالسَّلبِ والنَّهبِ، فإنّ صاحبَ المخدِّر مُهدِّدٌ لأمن الأمة كلِّها، ناشرٌ للفساد، ناشرٌ للظلم والعدوان في المجتمع المسلم.
أيُّها المسلمُ، وإنّ من فضلِ اللهِ علينا، أن حكومتنا -وفقها الله- أقامت أماكنَ لمحاربةِ المخدِّراتِ والقضاءِ عليها، وأجهزةً قائمةً بهذا الواجب، تتعاملُ مع أولئك بكلِّ ممكنٍ، رغمَ حِيَلِهم والقوةَ والنشاطَ، ونشكرُهم على جهودِهم المتواصِلَةِ، وعلى قيامهم بهذه المهمةِ العظيمةِ؛ إذ هي جهادٌ في سبيل الله، وحمايةٌ للمجتمع من أن يَنْزَلِقَ في هاويةِ المخدِّراتِ، فالأجهزةُ الأمنيَّةُ التي هُيِّئَت لمُكافحةِ المخدِّرات والدفاع عنها، نقرأُ في الصحفِ دائما، كم حاولوا من إدخال مئات الكيلوات من الحشيشِ، والأفيون، وغيرِ ذلك، ولكنَّ اللهَ هيَّأَ لهم من عرفَ حِيَلَهم، وتعاملَ معهم رغمَ ما بذلوهُ من حِيَلٍ شيطانيةٍ لإغراقِ المجتمعِ بهذه الخبائثِ، إلا أنّ اللهَ جعلَ لهم ذلك بالمرصاد، وهذه من نعمة اللهِ على المسلمين؛ فهؤلاء المفسدون، من المُرَوِّجين وباعَتِها ومُسَوِّقِيها، يجبُ أن يُوقَفُوا عند حدِّهم، وأن تُنزَلَ بهم العقوبةُ الرادعةُ لهم، ولأمثالهم من المجرمين؛ لأن شريعةَ الإسلام جاءت بتحقيقِ المصالحِ وتكثيرِها، وتقليل المفاسدِ وقَطْعِ دابرِها.
أيُّها المسلمُ، وإذ أُقيمت مراكزُ صحيةٌ لتخليص من ابتُلِي بها، من شرِّها، مراكزُ صحيةٌ؛ فعلى أولئك التوبةُ إلى الله والرجوع إلى هذه المراكزِ الصحيَّةِ لعلَّ اللهَ أن ينفعَهم بعلاجٍ يَكفي من شرِّها، ويَرتاحَ من شرِّها، ويعلمُ أنه كان في بلاءٍ عظيمٍ، وإنَّ كلَّ مسلمٍ يجبُ أن يكونَ حارسًا للأمة من هذه المخدِّراتِ، لا يَتَسَتَّرُ على أهلها، ولا يعتذرُ لهم، ولا يرحمُهم، ولا يؤويهم، بل ينصحُهم، ويُخَوِّفُهم، ويُبّلِّغُ عنهم، إن استمروا في ضلالهم، وفي طغيانهم؛ لأن فسادَهم لا يقتصرُ على أنفسهم؛ إذ هذه المخدِّراتُ ضررُها غيرُ محدودٍ، ضررُها متعدٍّ، نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ، فالواجبُ على المسلمِ تقوى اللهِ، والحذرُ منها، و ليعلمِ المسلمُ أن بيعَها حرامٌ، وتسويقَها حرامٌ، وأن شراءَها حرامٌ، وأن تعاطيَها حرامٌ، وأن المالَ المكتسبَ منها، مالٌ خبيثٌ، سحتٌ، ضارٌّ، غيرُ نافعٍ، يُعَذَّبُ به صاحبُه في الدنيا والآخرة.
أيُّها المسلمُ، اتَّقِ اللهَ في نفسك، وإن كنت قد ابتُليتَ بشيء من ذلك؛ فتبْ إلى اللهِ، وارجعْ إلى اللهِ، واسأله العفوَ والعافيةَ؛ فإنَّ اللهَ جلَّ وعلا يتوب على من تاب (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ، لي ولكم، ولسائر المسلمين، من كلِّ ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:
الحمد لله، حمدا كثيرا، طيِّبا مباركا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدا عبدُه ورسوله، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه، وسلّضمَ تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيُّها الناسُ، اتقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ اللهِ، لقد ابتُليت الأمَّةُ بهذا الداءِ العُضالِ، بهذه المخدرات، ذلك الداءُ العُضالُ الذي يهدد الحضاراتِ بالفناءِ، والقيمَ بالزَّوالِ، والأخلاقَ بالدَّمارِ، عصاباتٌ إجراميةٌ، لا دينَ ولا ضميرَ، تحاولُ إفسادَ الأمَّةِ والقضاءَ على كِيانِها وأخلاقِها، وتدميرَ كِيانها، حتى لا تشعرَ بمسؤوليةٍ أبدا، إنّه البلاءُ العظيمُ، إنه يهدد قيمَ الأمَّة، حتى كرامَتها ودينَها وأخلاقَها واقتصادَها وقوَّتَها؛ فتُؤذَى الأمَّةُ بهذه المخدِّرات، إنها عصابةُ إجرامٍ تُرَوِّجُ هذه المخدِّراتِ لأجل إفسادِ البشريةِ، نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ، فالعالَم بأَسْرِهِ يُعاني من أضرارها، مسلمين وغيرَ مسلمين لأنها ضررٌ محضٌ، كم من جرائمَ ارتُكِبَت، وكم من فواحشَ اقتُرِفت، كم من أعراضٍ انتُهكت، وكم من نفوس أُزهِقَت، وكم من بيوت دُمِّرَت، وكم من أسرة شُتِّتَت، وكم وكم، بأسباب هذه المخدرات إنها -والله- البلاءُ العظيمُ، إنها المصيبةُ التي يجب التعاونُ والتكاتفُ في محاربتها بكلِّ سبيلٍ؛ لأنها بلاءٌ متى ما استشرى في المجتمع عمَّ الجميعَ، نسأل اللهَ أن يحفظنا وذريَّتَنا وجميعَ المسلمين من كيدها أنه بلاء عظيم، إنها العصابةُ الإجرامية التي تريدُ إفسادَ الأمَّة والقضاءَ على كِيانها وأخلاقِها، تُرَوِّجُ هذه المخدراتِ، كم يربحُ أهلُها من الأموالِ الطائلةِ بأسباب ذالك، ولكن -والعياذُ بالله- هي أموالُ سُحتٍ، أموالٌ خبيثةٌ أموالٌ لا خير فيها، أموالٌ تعينُ على الباطل (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال:36]؛ فليحذرِ المسلمُ من أن يخدعه المالُ؛ فيفسدَ دينَه ويفسدَ أمتَه، احذر أيُّها المسلمُ، أن يخدعك هذا المالُ فتفسدَ دينَك وتفسدَ أمَّتَك، ويضعُفَ إسلامُك، وتُنَمِّيَ أسرتَك على مكاسبَ خبيثةٍ، تتحمَّل أوزارَها وآثامَها؛ فحاسبْ نفسَك أخي، وابتعِدْ عن رفقاءِ السوءِ، وجلساءِ الرَّذيلةِ، والذين يسهرون اللياليَ الطويلة في سبيل المخدرات والمسكرات، فوالله لا خيرَ فيهم، ولا في صحبتهم ولا في معاشرتهم إنهم بلاءٌ وسُمٌّ قاتلٌ؛ فاحذر كلَّ الحذرِ من أولئك.
أسألُ اللهَ أن يحفظَنا بالإسلام، وأن يوفِّقَنا لصالح الأقوال والأعمال، واعلموا رحمكم اللهُ أن أحسنَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعة؛ ومن شذَّ شذَّ في النار، وصلوا رحمكم الله على عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: ٥٦].
اللهم صلِّ وسلِّم، وبارك على عبدك ورسولك، محمدٍ، وارضَ اللَّهُمَّ عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين، وعن التابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وجودِك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّرْ أعداءَ الدين، وانصُر عبادَك الموحدين، واجعلْ اللَّهُمَّ هذا البلدَ آمنا مطمئنا، وسائرَ بلاد المسلمين، يا ربَّ العالمين، اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتَنا وولاةَ أمرنا، اللهم وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمَّ وفِّقهم لما فيه صلاحُ الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّق إمامَنا إمامَ المسلمين عبدَ الله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللَّهمَّ أمِدَّه بعونك، وتوفيقك، وتأييدك، اللَّهمَّ كُن له ناصراً ومؤيدًا، اللَّهمَّ أَرِهِ الحقَّ حقًا وارزُقه اتباعَه، وأرِهِ الباطلَ باطلاً، ورازقُه اجتنابَه، ودُلَّهُ على كلِّ عملِ تـُحِّبُّه وترضاه، واجعله بركةً على أمَّته، وعلى المسلمين جميعا، إنك على كل شيء قدير، قدير،اللّهمَّ شُدَّ عَضُدَهُ بوليِّ عهده سلطانَ بنِ عبدِ العزيز، وبارِك له في عُمُره وعمله، وأمِدَّهُ بصحةٍ وسلامةٍ وعافيةٍ، اللّهمَّ ووفِّق النائبَ الثانيَّ لكلِّ خيرٍ، واجعلهم جميعا دعاةَ خيرٍ، وأُمَّةَ هُدًى؛ إنك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:١٠]، (َّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: ٢٣].
اللّهمّ أنت اللهُ، لا إله إلا أنت، أنتَ الغنيُّ ونحن الفقراءُ، أنزل علينا الغيثَ واجعل ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتك، وبلاغًا إلى حين، اللَّهمَّ أَغِثْنَا، اللهم أَغِثْنا، اللهم أغثتنا، اللهم أغثنا، اللهم سُقْيَا رحمةٍ، لا سُقْيا بلاءٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ اللهم اسقِنا غيثًا هنيئًا مريئًا، سَحًّا غَدَقًا، طَبَقًا مُجَلِّلًا، نافعا غيرَ ضارٍّ، عاجلا غيرَ آجلٍ، يا أرحمَ الراحمين؛ إنك على كلِّ شيء قدير، ربَّنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذابَ النار.
عباد الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]؛ فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكرْكُم، واشكروه على عمومِ نعمِه يزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، والله يعلمُ ما تصنعون.

استمـاع (http://af.org.sa/archive/menbar_daawah/al-shiek/1431-3-26.ram) – حفـظ (http://af.org.sa/page.php?pg=media_desc&media_id=1065&cat_id=57)