أبو بكر يوسف لعويسي
16-Apr-2012, 05:35 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله وصحبه وسلم .
أما بعد : قال الله تعالى :(( وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ))
قال الشيخ السعدي -رحمه الله - في تفسيرها وقوله:(( وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ)) والحق هو ما أوحاه الله إلى رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - فأمره الله أن يقول ويعلن، قد جاء الحق الذي لا يقوم له شيء، وزهق الباطل أي: اضمحل وتلاشى.
وقوله تعالى :(( إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ))أي : هذا وصف الباطل، ولكنه قد يكون له صولة وروجان إذا لم يقابله الحق فعند مجيء الحق يضمحل الباطل، فلا يبقى له حراك.ولهذا لا يروج الباطل إلا في الأزمنة والأمكنة الخالية من العلم بآيات الله وبيناته . انتهى كلامه .نعم صدق الشيخ والله ، لا يروج الباطل إلا في الأزمان والأماكن التي تكاد تكون خالية من العلم ، أو هناك شيء من العلم لكن على مذهب الفقهاء والأشاعرة والصوفية ، فقد كانت منطقتنا كغيرها من كثير من المناطق في القطر الجزائري التي تعج بالأضرحة والأولياء - المزعومين - والذبح والنذر لهم وإقامة الموالد عندها والوجد والتغبير واختلاط النساء بالرجال والاعتقادات الفاسدة والباطلة فيهم من الاستغاثة بهم ، وطلب المدد منهم ، والخوف منهم وأن المعترض عليهم والمنتقص لأوليائهم سيصيبه الجنون أو المرض أو المصائب حتى الموت ، وأن هؤلاء الذين يقومون على خدمتهم شرفاء كرماء عندهم السر لإظهار الكرامات و الحكمة التي استمدوها من أولئك الأولياء لذلك تجد أحدهم يدخل يده في القدر وهو يغلي فيأخذ منه طعاما ويأكله ، والآخر يلحس منجلا أبيضا من شدة النار ، وثالث يضرب بالعصا البارود وآخر يخرج لك بخورا من بين يديه الفارغتين ، أو يأخذ منك الدراهم التي في جيبك دون أن يقرب منك وهكذا... كل هذا حتى يخافهم الناس فلا يتجرأ أحد على الإنكار عليهم فمن فعل ذلك فعلوا به كيت.. وكيت.. بما معهم من قدرة خارقة ، كل ذلك بسبب الجهل الذي كانت المنطقة -كغيرها - تعيشه وفقدان العلم الشرعي المبني على قوة الحجة البيان وقوة اليقين والإيمان ، وفي سنة من السنوات - قبل ثلث قرن من الزمان تقريبا - وبعد معرفتي للتوحيد بدراسة بعض الكتب فيه والاستقامة على منهج أهل السنة على ما كان عندي من جهل بحقيقته بسبب النقص في العلم لأنني كنت مبتدأ قمت بدرس في مسجد الشيخ ( بلقاسم بن منيع ) بمنطقة تاكسنة ولاية جيجل وكانت منسابة موسم جني الزيتون وعلمت أن القوم يريدون أن يذبحوا للولي الفلاني حتى يبارك لهم في الغلة التي يجنونها ، وأن يمر الموسم عليهم بسلام فتكلمت في الدرس على الشرك والذبح للأولياء المقبورين وأنه لا يجوز الذبح لهم، وأن ذلك من الشرك وأن النفع والضر بيده سبحانه ، وأن التقرب إليهم من العبادة التي لا يجوز صرف شيء منها لغير الله ، فقاموا علي وكادوا أن يقتلونني ... وتذهب تلك الأيام وتأتي غيرها وينتشر التوحيد في الكثير منهم واندثرت مظاهر الشرك وزالت معظم القباب والأضرحة التي كانت بفضل الله تعالى ...وبفضل انتشار شيء من العلم على يد بقايا من تلامذة ابن باديس – رحمه الله – ومنهم الشيخ محمد الطاهر الساحلي -رحمه الله - وبعض طلاب العلم بعده ممن حملوا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وكتبه ونشروها فجاء الحق وزهق الباطل ...ولكن أهل الباطل لا يملون ولا يكلون وخاصة أهل الشعوذة والكهانة والسحر في إضلال عوام المسلمين ، وإغوائهم وابتزاز أموالهم والسيطرة على عقولهم بشتى الطرق المختلفة ، وقد حصلت لي قصتان في السوق البلدي للمدينة جيجل، على مرأى ومسمع من العشرات من الناس واحدة مع دجال ساحر مشعوذ ، وأخرى مع كاهن ساحر بالجان متعوذ ..
القصة الأولى : مع الساحر المشعوذ ، ذهبت يوم الجمعة إلى السوق ،فإذا بمجموعة كبيرة من الناس ملتفة حول شخص ، لا تكاد تراه من كثرة الزحام عليه ، فأحببت أن أعرف ماذا يباع ، هناك ، وما هذه السلعة المروجة التي جلبت إليها كل هذه المجموعة الكبيرة من الناس من مختلف المستويات ، فتقدمت منهم وألقيت ببصري بعد أن تسللت من بين بعضهم فإذا برجل شديد الأدمة طويل مربوع قوي البنية لم يتجاوز عمره الثلاثين : وإذا به يقول للناس أن عنده من الحكمة ما يحول به العصا التي كانت في يده إلى ثعبان ، ويدعي أن له كرامات فقلت في نفسي - ما شاء الله - يقلب العصا ثعبانا ، هذا من سحرة موسى ، ومن بين كراماته التي يدعيها أنه يأكل الحديد ، والزجاج ، ويدخل الإبرة الكبيرة في ساعده من أعلى ، ويخرجها من أسفل ، وغير ذلك ...من الخزعبلات والترهات التي يعلب بها على عقول الحاضرين فقد قام بالفعل بكسر زجاجة مصباح وأكل زجاجها ، وقام بسكر موس حلاقة وأكله ، فقلت لمن بجانبي أطلب منه أن يحول العصا ثعبانا ، فقال لي أخاف منه ، فقلت له لا تخاف ، افعل وسترى ما يحصل له ، فقال لي لا أفعل ، فطلبت منه أن يتأخر ، وتقدمت فطلبت من هذا الساحر المشعوذ أن يحول العصا ثعبانا كما يقول ، وأن يأكل علبة بيبسي( الحديدية فارغة) إن استطاع ، وقد التقطتها من الأرض وجدتها مرمية بجانبي ، ثم قلت له إن فعلت ذلك أعطيتك جميع ما في جيبي من المال، فقال أو تفعل ؟قلت : سأفعل .. فوضع إزارا على العصا وبدأ يتمتم وبدأت بقراءة آية الكرسي والآذان والناس مندهشون ومشدوهون ، ينتظرون كيف سيقضي علي ويأخذ مالي ، فقلت افعل ما لها لم ترجع ثعبانا ، فقال انتظر ، ورجع إلى عزيمته ورجعت إلى القرآن والآذان ..حاول وهو يرتعد ويذهب ويجيء ، فلما تبين له أنه عاجز وأن شياطين الجن الذين كانوا معه تركوه ، صرخ في وجهي قائلا ، اذهب عني أيها الإرهابي أنتم من تقتلون الناس ، فاندفعت إليه وأخذت بعضده وقلت له أما الآن وقد قلت هذه فلن يفكك مني عنها إلى القضاء ، ولم أكمل كلامي معه حتى تدخلت الشرطة التي كانت تجوب السوق ، وقالوا لقد شهد المشهد وسمعنا ما دار بينكما فمسكوا به وكبلوا يديه بالحديد وذهبوا بنا إلى محافظة الشرطة ، وأثناء الطريق طلب منه أحدهم أن يفك عنه الحديد ويخلى سبيله فلم يستطع ، فأدخلوه في الحبس الاحتياطي وجعلوني في مكتب ، ثم اتصلوا بالمحافظ المناوب لأن القضية كانت صباح الجمعة ، وهو يوم عطلة ، فجاء الضابط المناوب وأخبروه الخبر ، فذهب إليه وقال له : إذا كان عندك شيء من الحكمة وتستطيع أن تفتح باب الحبس المغلق دون كسر وتخرج فافعل ، والله لن نتعرض لك بشيء بل نأخذ صاحبك مكانك ، فعجز وبدأ يبكي ويشتكي ،عيالا وأنها هذه هي حرفته التي يعيل بها أولاده وأهله ، فسجلوا قضيتنا وطلبوا مني الانصراف والحضور من الغد السبت عند القاضي ...وفي الساعة العاشرة من صباح السبت نودي على اسمي فدخلت على القاضي وإذا بالرجل واقفا ، فسألني القاضي عنه فأخبرته خبره فقال له كم تحفظ من القرآن ؟؟ قال بعض السور القصيرة . قال له : كم كتاب درست في الفقه والعلم وما هو مستواك الدراسي ؟؟ قال : الرجل لم أدخل المدرسة قط ، فقال له : وتدعي أن لك حكمة وكرامة ، حول لي العصا ثعبانا هنا أمامه وأنا أطلق سراحك وآخذ صاحبك مكانك ، فبدأ يبكي ويشتكي عيالا وفقرا وأنها هذه حرفته ليس عنده حرفة غيرها ، فقال له تضحك على الناس وتكذب عليهم وتبتز أموالهم بالباطل لتطعهما أهلك ، تطعمهم الحرام ، ألا تستحي ؟؟ ثم أمر به إلى السجن الرسمي .. ((وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)) والحمد لله رب العالمين .
والقصة الثانية : مع كاهن ساحر وهي شبيهة بالأولى ، من حيث المكان والزمان فهي في نفس السوق ، وفي يوم الجمعة صباحا ، ولكن بينهما مدة ، نزلت السوق كالعادة فرأيت زحاما شديدا فاقتربت منهم وألقيت بنظري فإذا رجل كبير في السن تجاوز الستين من عمره وإذا هو جالس على الأرض وفي يده قلم من القصب وأمامه محبرة ( دواة حبر) على الطريقة القديمة ، وعنده قطع من الأوراق بيضاء صغيرة على شكل مربـعات مستطيلة، وأمامه مصحف ، ومحفظة ، وعصا ،وجلد ثعبان ، وتمائم كثيرة وبـعض الأغراض مبعثرة على فَرش أمامه ، ومن أراد أن يـعرف هل هو من أهل النار أومن أهل الجنة ؟ أو لِمَ لَمْ تربـح تجارته ؟ أو سبب تأخره عن الزواج ، أو عدم الـنجاح في العمل والتجارة أو الدراسة ، أو عدم الحصول على وظيفة إلخ .. تقرب منه ، وأعطاه يده مقلوبة ، رحى الكف إلى الأرض ، وظاهرها إلى السماء ، فكتب عليها بقلمه ، اسم الشخص ، واسم أمه ، ثم يكتب أرقاما وهو يحسب أو يقرأ عزيمته ، ثم يخبر الشخص بما له ، وما عليه ، وأن من كان من أهل الجنة يعطيه صك الغفران المتمثل في تميمة يحملها معه ، ومن كان من أهل النار أعطاه تميمة حتى تشفع له فلا يدخلها ، فتقدمت منه قليلا ، مكبرا ومؤذنا وبدأت في تلاوة آية الكرسي ، فإذا به يصرخ ويقول : يا عبد النار ارجع من هنا ، ويا شمهروش اقترب من هنا ، فعرفت أنهما جنيان هربا من القرآن ، فناديت في الحضور قائلا : ألا تسمعون ما يقول : إنه يقول : يا عبد النار ، ولا يقـول يا عبد الله ، يا شمهروش ، إنه ينادي خدمه من الجن ، أيها الـناس ما لكم ؟ أضـرب على أبصاركم وأسماعكم ؟ أفيقوا .. وكان قبلُ يظهر لهم كرامة من كراماته فيأخذ قطعة من الورق الأبيض ويرفعها عالية في السماء ثم يضع أسفل منها قلمه ، ولا يلتصق القلم بالورق ، بل يكون بعيدا عنها نحو نصف متر ثم يقوم بعزيمته فتشتعل النار في القلم ومنه تطير إلى الورقة لتحرقها، فاقتربت منه وجلسـت إليه ، وأخذت ورقة من أوراقه ، فرفعتها ثم قلت له : أتحداك إن أشعلت فيها النار وهي في يدي ، فإن فعلت خرجت لك من ملكي فتعالت بعض أصوات الحاضرين اشعلها ، اشعلها ، فغضب وقام آخذا عصاه وقال لي اذهب عني أيها الشيطان . فقلت له : من الشيطان ؟ الذي يتدجل على الناس ، ويتكهن لهم ، أم الذي ينصح للناس ، فقال: إن لم تذهب سأكسر رأسك بهذه العصا ، وأضاف قائلا: إن لي ثمانين جنديا أعيلهم – يعني من الجن – الجمعة المقبلة أًحضرهم ، فإن كانت بك شجاعة فتعال وسترى . يخوفني بذلك ، فتوجهت إلى الناس قائلا : إياكم أن يتأخر أحد منكم في الموعد المضروب ، ثم قام وذهب ولم يعد ، أخزاه الله :(( وقل جاء الحق وزهق الباطل عن الباطل كان زهوقا )).
وهكذا تنتشر الخرافة والدجل والسحر والاعتقادات الفاسدة بهذه السخافات من هؤلاء المجرمين الظلمة في أوساط المجتمع حتى بين المثقفين – زعموا - وللأسف ،فإنني أعرف من طبقات الناس على مستوى رفيع أطباء ومعلمين ومسئولين ممن انخدعوا بسهولة ، وانجروا وراء هم يقدسونهم ويخافونهم ، فمنهم من يحمل معه تميمة لتحفظه ، ومنهم من جعلها في عيادته ومنهم في سيارته ومتجره ،ومنهم من يعمل له السحر ليبقي في حتى لا ينافسه أحد فيما هو فيه من تجارة أو منصب ، وهكذا يعتقدون أنها تدفع عنهم الشر أو تجلب لهم الخير ، ويعتقدون أنها من أناس صالحون ، وهي مجرد آيات من القرآن مع أنهم لم يتحققوا مما فيها أصلا نسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا وأن يغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وأن يهدي قومنا ويقطع دابر هؤلاء حيث كانوا وأينما وجدوا . آمين والحمد لله رب العالمين .
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله وصحبه وسلم .
أما بعد : قال الله تعالى :(( وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ))
قال الشيخ السعدي -رحمه الله - في تفسيرها وقوله:(( وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ)) والحق هو ما أوحاه الله إلى رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - فأمره الله أن يقول ويعلن، قد جاء الحق الذي لا يقوم له شيء، وزهق الباطل أي: اضمحل وتلاشى.
وقوله تعالى :(( إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ))أي : هذا وصف الباطل، ولكنه قد يكون له صولة وروجان إذا لم يقابله الحق فعند مجيء الحق يضمحل الباطل، فلا يبقى له حراك.ولهذا لا يروج الباطل إلا في الأزمنة والأمكنة الخالية من العلم بآيات الله وبيناته . انتهى كلامه .نعم صدق الشيخ والله ، لا يروج الباطل إلا في الأزمان والأماكن التي تكاد تكون خالية من العلم ، أو هناك شيء من العلم لكن على مذهب الفقهاء والأشاعرة والصوفية ، فقد كانت منطقتنا كغيرها من كثير من المناطق في القطر الجزائري التي تعج بالأضرحة والأولياء - المزعومين - والذبح والنذر لهم وإقامة الموالد عندها والوجد والتغبير واختلاط النساء بالرجال والاعتقادات الفاسدة والباطلة فيهم من الاستغاثة بهم ، وطلب المدد منهم ، والخوف منهم وأن المعترض عليهم والمنتقص لأوليائهم سيصيبه الجنون أو المرض أو المصائب حتى الموت ، وأن هؤلاء الذين يقومون على خدمتهم شرفاء كرماء عندهم السر لإظهار الكرامات و الحكمة التي استمدوها من أولئك الأولياء لذلك تجد أحدهم يدخل يده في القدر وهو يغلي فيأخذ منه طعاما ويأكله ، والآخر يلحس منجلا أبيضا من شدة النار ، وثالث يضرب بالعصا البارود وآخر يخرج لك بخورا من بين يديه الفارغتين ، أو يأخذ منك الدراهم التي في جيبك دون أن يقرب منك وهكذا... كل هذا حتى يخافهم الناس فلا يتجرأ أحد على الإنكار عليهم فمن فعل ذلك فعلوا به كيت.. وكيت.. بما معهم من قدرة خارقة ، كل ذلك بسبب الجهل الذي كانت المنطقة -كغيرها - تعيشه وفقدان العلم الشرعي المبني على قوة الحجة البيان وقوة اليقين والإيمان ، وفي سنة من السنوات - قبل ثلث قرن من الزمان تقريبا - وبعد معرفتي للتوحيد بدراسة بعض الكتب فيه والاستقامة على منهج أهل السنة على ما كان عندي من جهل بحقيقته بسبب النقص في العلم لأنني كنت مبتدأ قمت بدرس في مسجد الشيخ ( بلقاسم بن منيع ) بمنطقة تاكسنة ولاية جيجل وكانت منسابة موسم جني الزيتون وعلمت أن القوم يريدون أن يذبحوا للولي الفلاني حتى يبارك لهم في الغلة التي يجنونها ، وأن يمر الموسم عليهم بسلام فتكلمت في الدرس على الشرك والذبح للأولياء المقبورين وأنه لا يجوز الذبح لهم، وأن ذلك من الشرك وأن النفع والضر بيده سبحانه ، وأن التقرب إليهم من العبادة التي لا يجوز صرف شيء منها لغير الله ، فقاموا علي وكادوا أن يقتلونني ... وتذهب تلك الأيام وتأتي غيرها وينتشر التوحيد في الكثير منهم واندثرت مظاهر الشرك وزالت معظم القباب والأضرحة التي كانت بفضل الله تعالى ...وبفضل انتشار شيء من العلم على يد بقايا من تلامذة ابن باديس – رحمه الله – ومنهم الشيخ محمد الطاهر الساحلي -رحمه الله - وبعض طلاب العلم بعده ممن حملوا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وكتبه ونشروها فجاء الحق وزهق الباطل ...ولكن أهل الباطل لا يملون ولا يكلون وخاصة أهل الشعوذة والكهانة والسحر في إضلال عوام المسلمين ، وإغوائهم وابتزاز أموالهم والسيطرة على عقولهم بشتى الطرق المختلفة ، وقد حصلت لي قصتان في السوق البلدي للمدينة جيجل، على مرأى ومسمع من العشرات من الناس واحدة مع دجال ساحر مشعوذ ، وأخرى مع كاهن ساحر بالجان متعوذ ..
القصة الأولى : مع الساحر المشعوذ ، ذهبت يوم الجمعة إلى السوق ،فإذا بمجموعة كبيرة من الناس ملتفة حول شخص ، لا تكاد تراه من كثرة الزحام عليه ، فأحببت أن أعرف ماذا يباع ، هناك ، وما هذه السلعة المروجة التي جلبت إليها كل هذه المجموعة الكبيرة من الناس من مختلف المستويات ، فتقدمت منهم وألقيت ببصري بعد أن تسللت من بين بعضهم فإذا برجل شديد الأدمة طويل مربوع قوي البنية لم يتجاوز عمره الثلاثين : وإذا به يقول للناس أن عنده من الحكمة ما يحول به العصا التي كانت في يده إلى ثعبان ، ويدعي أن له كرامات فقلت في نفسي - ما شاء الله - يقلب العصا ثعبانا ، هذا من سحرة موسى ، ومن بين كراماته التي يدعيها أنه يأكل الحديد ، والزجاج ، ويدخل الإبرة الكبيرة في ساعده من أعلى ، ويخرجها من أسفل ، وغير ذلك ...من الخزعبلات والترهات التي يعلب بها على عقول الحاضرين فقد قام بالفعل بكسر زجاجة مصباح وأكل زجاجها ، وقام بسكر موس حلاقة وأكله ، فقلت لمن بجانبي أطلب منه أن يحول العصا ثعبانا ، فقال لي أخاف منه ، فقلت له لا تخاف ، افعل وسترى ما يحصل له ، فقال لي لا أفعل ، فطلبت منه أن يتأخر ، وتقدمت فطلبت من هذا الساحر المشعوذ أن يحول العصا ثعبانا كما يقول ، وأن يأكل علبة بيبسي( الحديدية فارغة) إن استطاع ، وقد التقطتها من الأرض وجدتها مرمية بجانبي ، ثم قلت له إن فعلت ذلك أعطيتك جميع ما في جيبي من المال، فقال أو تفعل ؟قلت : سأفعل .. فوضع إزارا على العصا وبدأ يتمتم وبدأت بقراءة آية الكرسي والآذان والناس مندهشون ومشدوهون ، ينتظرون كيف سيقضي علي ويأخذ مالي ، فقلت افعل ما لها لم ترجع ثعبانا ، فقال انتظر ، ورجع إلى عزيمته ورجعت إلى القرآن والآذان ..حاول وهو يرتعد ويذهب ويجيء ، فلما تبين له أنه عاجز وأن شياطين الجن الذين كانوا معه تركوه ، صرخ في وجهي قائلا ، اذهب عني أيها الإرهابي أنتم من تقتلون الناس ، فاندفعت إليه وأخذت بعضده وقلت له أما الآن وقد قلت هذه فلن يفكك مني عنها إلى القضاء ، ولم أكمل كلامي معه حتى تدخلت الشرطة التي كانت تجوب السوق ، وقالوا لقد شهد المشهد وسمعنا ما دار بينكما فمسكوا به وكبلوا يديه بالحديد وذهبوا بنا إلى محافظة الشرطة ، وأثناء الطريق طلب منه أحدهم أن يفك عنه الحديد ويخلى سبيله فلم يستطع ، فأدخلوه في الحبس الاحتياطي وجعلوني في مكتب ، ثم اتصلوا بالمحافظ المناوب لأن القضية كانت صباح الجمعة ، وهو يوم عطلة ، فجاء الضابط المناوب وأخبروه الخبر ، فذهب إليه وقال له : إذا كان عندك شيء من الحكمة وتستطيع أن تفتح باب الحبس المغلق دون كسر وتخرج فافعل ، والله لن نتعرض لك بشيء بل نأخذ صاحبك مكانك ، فعجز وبدأ يبكي ويشتكي ،عيالا وأنها هذه هي حرفته التي يعيل بها أولاده وأهله ، فسجلوا قضيتنا وطلبوا مني الانصراف والحضور من الغد السبت عند القاضي ...وفي الساعة العاشرة من صباح السبت نودي على اسمي فدخلت على القاضي وإذا بالرجل واقفا ، فسألني القاضي عنه فأخبرته خبره فقال له كم تحفظ من القرآن ؟؟ قال بعض السور القصيرة . قال له : كم كتاب درست في الفقه والعلم وما هو مستواك الدراسي ؟؟ قال : الرجل لم أدخل المدرسة قط ، فقال له : وتدعي أن لك حكمة وكرامة ، حول لي العصا ثعبانا هنا أمامه وأنا أطلق سراحك وآخذ صاحبك مكانك ، فبدأ يبكي ويشتكي عيالا وفقرا وأنها هذه حرفته ليس عنده حرفة غيرها ، فقال له تضحك على الناس وتكذب عليهم وتبتز أموالهم بالباطل لتطعهما أهلك ، تطعمهم الحرام ، ألا تستحي ؟؟ ثم أمر به إلى السجن الرسمي .. ((وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)) والحمد لله رب العالمين .
والقصة الثانية : مع كاهن ساحر وهي شبيهة بالأولى ، من حيث المكان والزمان فهي في نفس السوق ، وفي يوم الجمعة صباحا ، ولكن بينهما مدة ، نزلت السوق كالعادة فرأيت زحاما شديدا فاقتربت منهم وألقيت بنظري فإذا رجل كبير في السن تجاوز الستين من عمره وإذا هو جالس على الأرض وفي يده قلم من القصب وأمامه محبرة ( دواة حبر) على الطريقة القديمة ، وعنده قطع من الأوراق بيضاء صغيرة على شكل مربـعات مستطيلة، وأمامه مصحف ، ومحفظة ، وعصا ،وجلد ثعبان ، وتمائم كثيرة وبـعض الأغراض مبعثرة على فَرش أمامه ، ومن أراد أن يـعرف هل هو من أهل النار أومن أهل الجنة ؟ أو لِمَ لَمْ تربـح تجارته ؟ أو سبب تأخره عن الزواج ، أو عدم الـنجاح في العمل والتجارة أو الدراسة ، أو عدم الحصول على وظيفة إلخ .. تقرب منه ، وأعطاه يده مقلوبة ، رحى الكف إلى الأرض ، وظاهرها إلى السماء ، فكتب عليها بقلمه ، اسم الشخص ، واسم أمه ، ثم يكتب أرقاما وهو يحسب أو يقرأ عزيمته ، ثم يخبر الشخص بما له ، وما عليه ، وأن من كان من أهل الجنة يعطيه صك الغفران المتمثل في تميمة يحملها معه ، ومن كان من أهل النار أعطاه تميمة حتى تشفع له فلا يدخلها ، فتقدمت منه قليلا ، مكبرا ومؤذنا وبدأت في تلاوة آية الكرسي ، فإذا به يصرخ ويقول : يا عبد النار ارجع من هنا ، ويا شمهروش اقترب من هنا ، فعرفت أنهما جنيان هربا من القرآن ، فناديت في الحضور قائلا : ألا تسمعون ما يقول : إنه يقول : يا عبد النار ، ولا يقـول يا عبد الله ، يا شمهروش ، إنه ينادي خدمه من الجن ، أيها الـناس ما لكم ؟ أضـرب على أبصاركم وأسماعكم ؟ أفيقوا .. وكان قبلُ يظهر لهم كرامة من كراماته فيأخذ قطعة من الورق الأبيض ويرفعها عالية في السماء ثم يضع أسفل منها قلمه ، ولا يلتصق القلم بالورق ، بل يكون بعيدا عنها نحو نصف متر ثم يقوم بعزيمته فتشتعل النار في القلم ومنه تطير إلى الورقة لتحرقها، فاقتربت منه وجلسـت إليه ، وأخذت ورقة من أوراقه ، فرفعتها ثم قلت له : أتحداك إن أشعلت فيها النار وهي في يدي ، فإن فعلت خرجت لك من ملكي فتعالت بعض أصوات الحاضرين اشعلها ، اشعلها ، فغضب وقام آخذا عصاه وقال لي اذهب عني أيها الشيطان . فقلت له : من الشيطان ؟ الذي يتدجل على الناس ، ويتكهن لهم ، أم الذي ينصح للناس ، فقال: إن لم تذهب سأكسر رأسك بهذه العصا ، وأضاف قائلا: إن لي ثمانين جنديا أعيلهم – يعني من الجن – الجمعة المقبلة أًحضرهم ، فإن كانت بك شجاعة فتعال وسترى . يخوفني بذلك ، فتوجهت إلى الناس قائلا : إياكم أن يتأخر أحد منكم في الموعد المضروب ، ثم قام وذهب ولم يعد ، أخزاه الله :(( وقل جاء الحق وزهق الباطل عن الباطل كان زهوقا )).
وهكذا تنتشر الخرافة والدجل والسحر والاعتقادات الفاسدة بهذه السخافات من هؤلاء المجرمين الظلمة في أوساط المجتمع حتى بين المثقفين – زعموا - وللأسف ،فإنني أعرف من طبقات الناس على مستوى رفيع أطباء ومعلمين ومسئولين ممن انخدعوا بسهولة ، وانجروا وراء هم يقدسونهم ويخافونهم ، فمنهم من يحمل معه تميمة لتحفظه ، ومنهم من جعلها في عيادته ومنهم في سيارته ومتجره ،ومنهم من يعمل له السحر ليبقي في حتى لا ينافسه أحد فيما هو فيه من تجارة أو منصب ، وهكذا يعتقدون أنها تدفع عنهم الشر أو تجلب لهم الخير ، ويعتقدون أنها من أناس صالحون ، وهي مجرد آيات من القرآن مع أنهم لم يتحققوا مما فيها أصلا نسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا وأن يغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وأن يهدي قومنا ويقطع دابر هؤلاء حيث كانوا وأينما وجدوا . آمين والحمد لله رب العالمين .