المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [ صوتية وتفريغها ] : النظرة الشرعية في حُكم الانتخابات الرئاسية - لفضيلة الشيخ هشام البيلي -حفظه الله-



أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد
18-Apr-2012, 12:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:

[ النظرة الشرعية في حُكم الانتخابات الرئاسية ]
فضيلة الشيخ/ هشام بن فؤاد البيليّ -حفظه الله وسدّد على طريق الحق خُطاه-

في هذا المقطع الماتع يُوضِّح الشيخُ -حفظه الله- العلة الأساسية في المنع من المشاركة في الانتخابات بصفةٍ عامةٍ والانتخابات الرئاسية بصفةٍ خاصةٍ.
وأنه لا فَرْقَ بين انتخابات رئاسة وبين الانتخابات التي كانت من قبل والانتخابات التي ستأتي؛ لأنّ أصل هذه الانتخابات، والتصويت القائم على رأي الأغلبية أصلٌ جاهليٌّ -وإنْ اختلفت صوره-، وهو مضاد لقاعدة "قبول الحق ورد الباطل".
وعليه، فأنا وأنتَ مأموران أن نترك هذه الجاهلية الجهلاء ونُقْبِل على شريعة ربنا -سبحانه وتعالى-.
وإنْ لم تكفنا الشريعة، وإنْ لم يثق الإنسان في أنّ النصرةَ إنما تكون في الاتباع؛ فلا كفاه الله، قال -سبحانه وتعالى-: « أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ». [الزمر: 36].
وعليه؛ فلا يجوز وضع هذا الصوت، ولا يجوز المشاركة -قط- في هذه الانتخابات من قريبٍ أو من بعيدٍ.
كما ردَّ الشيخُ -حفظه الله- على معظم الشبهات المثارة حول هذا الموضوع، حيث ردَّ على قولهم: لكن هذا أمرٌ واقعٌ!! ولا حيلةَ لنا فيه، وردَّ على قولهم: لكن هذا من باب «ارتكاب أخف الشرين لدفع أعلاهما»، وتلكَ قاعدةٌ معروفةٌ شرعيةٌ عند العلماء، وردَّ على قولهم: هل نتركها للعَلمانيين؟!!
وأوضح الشيخُ -حفظه الله- الفرقَ بين التدرج والاستدراج -لمَن يزعمون أنهم سيتدرجون في تطبيق الشريعة -.
التدرج: أن تبدأ من لبنة الإسلام القوية، أن تبدأ من حيث لا معصية، لا مخالفة ثم تبني بعد ذلك عليها.
أما الاستدراج: أن تبدأ بالمعصية ثم تتدنى شيئًا فشيئًا.
وختامًا: فمَن أراد تطبيق الشريعة؛ فليكن ذلك بالشريعة!! فليكن ذلك بالشريعة، ولا تغتروا بأنّ الذي يرفع هذه الدعاوى أحزابٌ إسلامية سواء من هنا أو هناك؛ فإنّ الإسلامَ بريءٌ من كل انتساب إليه يخالف كتاب الله ويخالف سنة رسول الله -ولو صدر هذا من الصحابة-!!

لتحميل المقطع الصوتي بصيغة MP3
اضغط هنـــا (http://archive.org/download/Albeialy_AlEntekhabat/Albeialy_AlEntekhabat.mp3) === اضغط هنـــا (http://www.up.noor-alyaqeen.com/uploads/www.noor-alyaqeen.com13346606641.mp3)

أو يمكنك التحميل من الموقع الرسمي للشيخ من هنـــا. (http://www.albeialy.com/sound.php?action=mhadrat_show&id=3766&n=0)

التفريغ:
PDF - جاهز للطباعة
اضغط هنـــا (http://archive.org/download/Albeialy_AlEntekhabat_1/Albeialy_AlEntekhabat.pdf) === اضغط هنـــا. (http://www.up.noor-alyaqeen.com/uploads/www.noor-alyaqeen.com13347371191.pdf)

WORD - للتعديل.
اضغط هنـــا (http://archive.org/download/Albeialy_AlEntekhabat_1/Albeialy_AlEntekhabat.doc) === اضغط هنـــا. (http://www.up.noor-alyaqeen.com/uploads/www.noor-alyaqeen.com13347371192.doc)

صورة من ملف التفريغ:
http://img594.imageshack.us/img594/3472/18042012101637.png

القراءة المباشرة:
"..فبيّن النبي أنّ فئامًا من هذه الأمّة -فئامًا- «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ» أي: ليتبعنّ بعضكم سَنَن، وإلا فبعض الأمّة الذين يتمسَّكون بالسنَّة لا يَتْبَعون سَنَن هؤلاء.
فهذه الأمّة أكثرها سيتبع سنَّة اليهود والنصارى، وأعظمُ هذا في أمرين: الشرك والوثنية، والثاني: التفرق.
فالتفرق والتعددية سمة أهل الجاهلية، ولهذا قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: « أَبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ وأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُم؟!!».
فأيما تفرُّق يكون من أمر الجاهلية، أيما حزبية أو تفرُّق يكون من أمر الجاهلية.
فما علامةُ السنَّة؟! ما علامةُ الإسلام؟!
صراطٌ واحد .. جماعةٌ واحدة .. طائفةٌ واحدة.
وما علامةُ أهل الجاهلية؟!
طُرق .. سُبل .. جماعات .. فِرق .. وهكذا.
وكذلك الشرك والوثنية والحكم بغير ما أنزل الله -حكم الجاهلية- كلُّ هذا من أمر الجاهلية إيه؟ من أمر الجاهلية -أيضًا- «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ».
ولهذا يا إخواني بعض الناس يسأل -مثلاً- يقول -مثلاً يعني- بعد التقرير بأنّ «الانتخابات» و«البرلمانات» من أمر الجاهلية-، يقول بعضُ الناس: هل هناك فَرْقٌ بين انتخابات الرئاسة، والانتخابات البرلمانية في مجلس الشعب أو كذا؟، هل الفرق .. هل هناك فرق بين هذه الانتخابات وهذه الانتخابات؟!
هذا إنما قال هذا بناءً على ماذا؟
بناءً على أنه يظن أنّ الممنوع في الانتخابات أنّ الانتخابات لمجلس الشعب أو كذا إنما هي انتخابات لإيه؟ العلةُ في التحريم فيها أنّ هؤلاء إنما يُشرِّعون، ونحن -الآن- نقوم بالانتخابات من أجل التشريع، ولهذا لما جاءوا إلى انتخابات الشورى قالوا: هذه تختلف في حكمها، ولما جاءوا في انتخابات الرئاسة قالوا: هذه تختلف في إيه؟ تختلف في حكمها؛ لأنه لابدَّ من رئيسٍ ولابد من رجلٍ تجتمع عليه الأمّة وكذا وكذا، وليس عند التشريع، وليس، وليس عندهم.
هؤلاء لا يفقهون المعنى الأصليّ الذي من أجله حُرِّمت هذه الانتخابات بشتى صورها -ولو كانت انتخابات في محليّات-!!
المعنى ما هو؟
المعنى: أنه من أمر الجاهلية!!..
المعنى: مشابهة أهل الجاهلية فيما هم عليه؛ فإنه طالما أنه الاعتماد على «الأكثرية»وأخذ «الأكثرية»، وهي التي تحكم وهي التي يقع بها الاختيار.. هذا من أمر الجاهلية إذا علمناه.
فإذًا نعلم أنّ هذه الانتخابات مهما تنوعت صورها سواءً كانت في الرئاسة، أو كانت في مجلس الشعب، أو كانت في الشورى، أو كانت في المحليّات، أو كانت في كذا.. أنها مردودةٌ لهذه العلة -لهذه العلة-، قال -سبحانه وتعالى-: «أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ». [المائدة: 50].
فهذه العلة هي الأعم -هي الأعم- وإنْ اختلفت بعض صور الانتخاب هنا عن هنا عن هنا عن هنا، إلا أنّ الأصلَ الجامع ما هو؟
الأصلُ الجامع هو: النهي عن مشابهة غير المسلمين فيما يختصون به في هذا الباب وفي غيره؛ فإنهم يعتمدون على «الأكثرية».
ليه يعتمدون على «الأكثرية»؟!
قالوا: غير المسلمين يعتمدون على «الأكثرية»؛ لأنه لا مُرَجِّح عندهم إلا «الأكثرية» -هم كلهم هلكى- فنأخذ بـ «الأكثرية».
أما عندكَ، لماذا تأخذ بـ «الأكثرية»؟!! أنتَ عندكَ ضابطٌ آخر، ألا وهو ضابط «الحق والباطل»؛ فلو كان رجلٌ واحدٌ على الحق وألف على الباطل، ونريد أن نأخذ الرأي.. نأخذ بـ «الحق» ولّا نأخذ بـ «الأكثرية»؟!
نأخذ بـ «الحق» ولو كان واحدًا، وعليه فإنّ خطر الأمر يكمن في أنكَ تقلب قاعدة «الاتِّباع» وقاعدة «القبول» إلى قاعدة أهل الجاهلية؛ فبدلاً من أن تكون «الحق» صارت «الأكثرية»!!
ونحن نعلم -سَلفًا- أنّ الشريعة إنما جعلت «الأكثرية» على الباطل -غالبًا-، ولهذا قال -سبحانه-: « وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ» [الأنعام: 116]، وقال -سبحانه-: «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ» [يوسف: 106].
فهذه «الأكثرية» -غالبًا- ما تكون على الباطل؛ فإرجاعُ الحكم إلى «الأكثرية» عملٌ بالباطل وتقديمٌ للباطل على الحق، وقد قال -سبحانه وتعالى-: «فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ» [يونس: 32].
«فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ»؟!، ولو كان الحق على واحد، ولهذا نحن نُجْمِع على هذا، الأمّة مجمعة على هذا، ولهذا إذا سألنا أصحابَ البرلمانات، وقلنا لهم: ما تقولون في هذه المسألة: رجلٌ معه حقٌ، ومليون معهم باطلٌ، فأيُّ الأمرين نُقَدِّم؟
يقولون: نُقَدِّم الحق ولو كان مع رجلٍ واحدٍ.
نقول: فعلام لا تُقَدِّمون هذا -الآن-؟!! فعلام لا تُقَدِّمون هذا -الآن-؟!! وتقولون -بئه- بالفرق بين انتخابات كذا، وانتخابات كذا، وانتخابات كذا؟!!
لا فَرْقَ!! لأنّ الأصلَ الذي يندرج تحته كل هذه الأوامر إنما هي أصلٌ جاهليٌّ، وليس أصلاً جاهليًا من باب -مثلاً- مشابهة في ملبس أو مطعم أو مشرب.
دا أصلٌ جاهليٌّ في مسألةٍ من أخطر المسائل، ألا وهي قاعدة: «قبول الحق، وردّ الباطل»؛ فإنه قَلَبَ الأمر!! بدلاً من أن يُقبَل الحق بناءً على كونه حقًّا -كَثُرَ الناسُ عليه أو قلُّوا- جُعلَ القبولُ في الكثرة!! سواءً كانوا على الحق أو على الباطل!!
فانظر -بارك الله فيكَ- إلى عكس قاعدة الشرع العظيمة، ألا وهي قاعدة: «قبول الحق».
يبئه هنا هذا في أصل وليس في أمرٍ إيه؟ في أمرٍ فرعيّ يمكن أن نقول..
يعني إذا كانت المشابهة ممنوعة في ثيابٍ تميّز به هؤلاء، أو في منطقٍ تميّز به هؤلاء، أو أي شيء مما قد يبدو صغيرًا تميّز به هؤلاء وَجَبَ أن أخالفهم في ذلك، فكيف بهذا الأصل العظيم؟!!
وهو تقريرُ.. تقريرُ هذا الأمر إلى الدنيا كلها أنّ الأمر في أي اختيارٍ إنما يقع على الأكثر بناءً على الكثرة، لا بناءً على الـ إيه؟ على كونه حقًّا، ويُرَّد على كونه باطلاً.. فهذا أمرٌ ليس بالسهل.
فإنْ قال قائلٌ: لكن هذا أمرٌ واقعٌ!! ولا حيلةَ لنا فيه؛ فندخل على مبدإ القوم ونحن نعلم أن الأكثرية إنما ستختار، وعليه تكون المصلحة في هذا.
كان الجوابُ عن هذا: متى كان «واقعية الأمر» دليلاً على السير فيه؟!! متى كان هذا؟!! فإنّ «واقعية الأمر» -أيضًا- في كثير من الأمور تفرض نفسها..
«واقعية الأمر» في التحاكم لغير الله ورسوله في المحاكم وهكذا فرضت نفسها..«واقعية الأمر» في بدعٍ كثيرة تُمارَس في المساجد فرضت نفسها، فعلامَ لا تتحاكم إلى غير ما أنزل الله؟! وعلام لا تأتي هذه البدع في المساجد كما تأتي المساجد الأخرى بهذه البدع؟!
و«واقعية الأمر» في الأفراح على خلاف السنَّة فرضت نفسها، فعلامَ تميّزتَ في فرحكَ وعُرسكَ؟!!
و«واقعية الأمر» في المآتم فرضت نفسها؛ فعلامَ تميّزتَ بمأتمكَ وجعلته على السنَّة؟!!
«واقعية الأمر» -أيضًا- فرضت نفسها في اللباس، فعلامَ لم تلحق بلباسٍ غير شرعيٍّ كما عليه قومكَ؟!!
«واقعية الأمر» في التبرج!! المجتمع -الآن- في جُلِّه على هذا التبرج، فعلامَ لا تُخْرِج ابنتكَ متبرجةً بدعوى أنّ «واقعية الأمر» فرضت نفسها على ذلك؟!!
فإنْ جئتَ إلى هذا الأمر بالذات، وقلتَ: «واقعية الأمر»، فقد وقعتَ في التناقض!!؛ لأنكَ إنْ أصّلتَ هذا فَأَصِّل لغيره!!
الأمر الثالث: قد يقول لكن هذا من باب «ارتكاب أخف الشرَّيْن لدفع أعلاهما»، وتلكَ قاعدةٌ معروفةٌ شرعيةٌ عند العلماء.
نقول: أما القاعدةُ فهي قاعدةٌ صحيحةٌ -ولا شك- أنّ ارتكاب أخف الشرَّيْن وارتكاب أخف الضررين دفعًا لأعلاهما أنّ هذا -فعلاً- هذه قاعدة، لكنْ إسقاط هذه القاعدة على الواقع..
سنسألكَ سؤالاً:
ما الشرُّ الأعلى، وما الشرُّ الأدنى؟
فإنْ قلتَ: الشرّ الأعلى أن نتركها للعَلمانيين.
نقول: لِمَ؟ لِمَ هذا شرٌّ؟ لِمَ كان هذا شرًّا؟
قال: لأنهم سيحكمون بغير ما أنزل الله!!
نقول -إذًا-: وما الشرُّ الأدنى؟
يقول: أنْ أدخلَ في الانتخابات.
نقول: وهذا الأدنى تدفعُ به ماذا؟ هل تدفع به الأكبر، وهو الحكم بغير ما أنزل الله فتحكم أنتَ بما أنزل الله؟! أو أنكَ تدخل فتحكم -أيضًا- بغير ما أنزل الله!! فيكون شَرُّكَ كشَرِّهم.
وأضيفُ إليك تصحيحًا -لمعرفة الشر الأدنى من الأكبر- ألا وهو: إنّ الشرَّ الأدنى أن تُرتكب المعاصي والمخالفات مجرّدةً عن لصقها بالشرع وإلحاقها بالشرع، وأما الأعلى أن ترتكب المعاصي وأن ترتكب المخالفات مع إصباغها بالصبغة الشرعية.
وهذا الذي تفعله أنتَ -الآن-!!؛ فإنكَ دخلتَ ضمن «الديمقراطية» التي.. تقول أنا أحظى بالعلمانيين من تطبيقها، وضمن الحكم بغير ما أنزل الله، وأصبغتَ ذلك بالصبغة الإسلامية؛ فجعلتَ هذا من الجهاد!! وجعلتَ هذا من سبيل التمكين!! وجعلتَ هذا من الأمور التي ينبغي على المسلمين وَعْيُها والقيامُ بها، ودلّلتَ..
فلما سُئلتَ -مثلاً- عن «ولاية المرأة»، صرتَ تجيب إجابةً دبلوماسيةً في أنّ المسألة خلافية، وكذا وكذا، وعند المصلحة والمفسدة.
ولما سُئلتَ عن العمل بـ «الديمقراطية» -أيضًا- فرَّقتَ بين «الديمقراطية» كمذهب عند أهلها وبين «آليات الديمقراطية»، فصرتَ تبرِّر لهذه المخالفات بالتبريرات الشرعية، فغايةُ ما حصّلنا من دخولكَ -الآن- إلى هذه الحياة السياسية أنكَ ماذا صنعتَ؟!!
أنه بدلاً من أنها كانت ديمقراطيةً عاريةً عن الأدلة الشرعية جئتنا أنتَ بديمقراطية قائمة على الأدلة الشرعية!! بدلاً من أن كانت المعاصي عاريةً عن الانتساب إلى الشريعة جئتَ أنتَ بمعاصي ألصقتها بالشريعة!!، وعليه فَشَرُّكَ هذا شَرٌّ أكبر!!
فإنْ قلتَ: وما الحيلة في ذلك إنْ تركنا هذا المجال.. فما الحيلة في ذلك؟
أقولُ:
أولاً: ليس هذا تركًا للمجال، وإنما هو ترك لمخالفة لا أريد أن أشارك قومي فيها؛ حيث إنه لم يتسنَّ لي المشاركة فيها إلا بالمخالفة، ثم احتلال كل مكانٍ آخر في المجتمع أُصْلِح من خلاله؛ ليعودَ هذا الإصلاح وثمرته على الأصل الذي نختلف أنا وإياك فيه، قال -سبحانه وتعالى-: « إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ». [الرعد: 11].
وثانيةً: أقول: إنّ تركَ هذا المجال الجاهلي والإقبالَ على المنهج النبويّ الذي هو -وهو فقط- الوحيد في حصول التمكين به.. حتى يحصل التمكين لابد أن يكون هذا التمكين على منهاج النبوة كما قال -سبحانه وتعالى-: « وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ». [النور: 55]، وقال -سبحانه وتعالى-: « الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ». [الحج: 41].
ولهذا طبَّق النبيُّ ذلك عمليًا؛ فقد ترك مكةَ -كلها- وحول الكعبة الأصنام.. ترك مكةَ، وترك الكعبة -كلها- لما كان ذلك يؤدي إلى ما يؤدي من إيه.. لما عرضوا عليه أن يعبد إلههم يومًا، ونعبد إلهه يومًا، فرفض النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقع هذا الاختلاط في الطرق والمناهج، وأبى -صلى الله عليه وسلم- ذلك، بل وهاجر -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة، وقبل ذلك أمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة.
هذه الهجرة.. لو كان يسعهم البقاء في مكة ضمن أنظمتهم وضمن طرقهم لما أمر النبي بالهجرة -على شدتها- إلى الحبشة، وبالهجرة إلى المدينة -على شدتها أيضًا- وكان فيها ترْك الأموال وترْك الديار.
ولكنه لما لم يسعه الدخول في أنظمتهم، ولم يتمكن النبي -صلى الله عليه وسلم- من إزاحة هذه الأصنام ولا الحفاظ على أصحابه داخل مكة، آثر أن يهاجر بأصحابه؛ فمكّنه الله -عز وجل- وفتح لديه حتى دخل مكة بعد ذلك فاتحًا.
وعليه، نقول: لا فَرْقَ بين انتخابات رئاسة وبين الانتخابات التي كانت من قبل والانتخابات التي ستأتي؛ لأنّ أصل هذه الانتخابات، والتصويت القائم على رأي الأغلبية -أصلُ هذا- أصلٌ جاهليٌّ -وإنْ اختلفت صوره-.
وعليه، فأنا وأنتَ مأموران أن نترك هذه الجاهلية الجهلاء ونُقْبِل على شريعة ربنا -سبحانه وتعالى-.
وإنْ لم تكفنا الشريعة، وإنْ لم يثق الإنسان في أنّ النصرةَ إنما تكون في الاتباع؛ فلا كفاه الله، قال -سبحانه وتعالى-: « أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ». [الزمر: 36].
فلا داعي للفلسفة العقلية ولا للاستحسانات العقلية في معرض أصل من أصول الشريعة، ألا وهو: قاعدة «قبول الحق ورد الباطل»، كيف يُرجع فيها إلى «الأكثرية» -ولو كانوا كفارًا-؟!! وهذا في جميع الانتخابات.. جميع الانتخابات تُدعى إليها الكفار والمسلمون، يُدعى إليها اليهود والنصارى والمسلمون، يُدعى إليها الصالح والطالح، يُدعى إليها المنافق والمؤمن؛ فكيف يتحكّم فيّ أنا في اختياري المنافق واليهودي والنصراني والكافر والشيوعي والشيعي وغير ذلك من مناهج الانحراف؟!!
أنا أسألكم سؤالاً -يا مَن ترون هذا-: لو أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان الأمر بالأغلبية في قريشٍ، وقال: إما أنْ نَتَّبِعَكُم وإما أنْ تَتَّبِعُونا بالتصويت، ونُصَوِّت.. فيا تُرى أكان عبدة الأوثان أكثر أم عبدة الرب -سبحانه وتعالى-؟!
لا شك أن الأكثرية سوف تكون مع قريشٍ -إيه- وقتها.
فإنْ قال قائلٌ: يا شيخ هذا قياسٌ مع الفارق، يا شيخ!! هذا قياسٌ مع الفارق -بارك الله فيك- هذا شركٌ وعبادة أوثان.. وهذا لأه [= ليس كذلك].
نقول: هذا إيه؟! هذا أمر جاهلي، وهذا أمر جاهلي، وإنْ كان هذا الأمر الجاهلي يُفضي -الأول يعني- كان شركًا يُخرِج من الملة، وهذا الأمر الجاهليّ يوشك أن يُخرِجَ من الملة.
فإنّ الله -عز وجل- قال: « وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ»، «الظَّالِمُونَ »، «الفَاسِقُونَ». [المائدة: 47،45،44].
وقال -سبحانه-: «أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ». [المائدة: 50].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أَبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ وأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُم؟! دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ».
فإنّ النبي لم يرضَ بدعوى الجاهلية وهو حيٌّ في أصحابه، فكيف نرضى بدعوى الجاهلية بعد رحيل النبي -صلى الله عليه وسلم-؟!!
إنّ شعارَنا -خلاصة الجواب- .. إنّ شعارَنا في هذا الواقع وما قبله وما سيأتي بعده: أبدعوى الجاهلية والسُّنَّةُ بين أظهرنا؟!!
أبدعوى الجاهلية وكتابُ الله وسنَّة رسول الله، واللهُ مع المتقين ومع الذين أحسنوا ومع الذين أخلصوا التوجه إليه؟!!
أبدعوى الجاهلية وكتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرنا؟!!
وعليه؛ فلا يجوز وضع هذا الصوت، ولا يجوز المشاركة -قط- في هذه البرلمانات من قريبٍ أو من بعيدٍ.
ولا يُقال: بأنّ هذا أمرٌ قد فرض نفسه، ولابد للناس من رأسٍ يجتمعون حوله.
لابد للناس من رأسٍ.. هذا ولا شك -وهذا نعم- من الأمور التي نسعى فيها، ولكن على الطريقة الشرعية، فإذا لم يكن بالطريقة الشرعية فالناس سيأخذون رأسًا.. خلاص «يأخذوا» رأسًا عندهم بطريقتهم!! أما نحن فلن نشارك في إحداث جاهليةٍ، وفي جعل رأسٍ يحكم فينا بغير ما أنزل الله، وهل بغيتنا من هذا كله إلا أن نُحكم بشريعة الله؟!
فإنْ قال قائل: هذا بالتدرج سيأتي.
نقولُ: كيف بالتدرج؟! إنما يُتَصَوَّر التدرج إذا بدأتَ من الإسلام ثم طَبّقتَ واجباته -واجبًا بعد واجبٍ-.
إذا بدأتَ من الشريعة ثم طَبّقت واجبًا بعد واجبٍ، أما هذا فقد بدأتَ من التنازل؛ فتتنازل أمرًا بعد أمرٍ!! ولهذا نُصَحِّحُ لكَ المصطلح، نقول: ليس هذا تدرجًا بل هو استدراجٌ!!
وفَرْقٌ بين التدرج والاستدراج..
التدرج: أن تبدأ من لبنة الإسلام القوية، أن تبدأ من حيث لا معصية، لا مخالفة ثم تبني بعد ذلك عليها.
أما الاستدراج: أن تبدأ بالمعصية ثم تدنى شيئًا فشيئًا.
الواقع الذي يحصل -الآن- في العمل بالديمقراطية، والبرلمانية، والانتخابات، وجواز تولية المرأة، وجواز تولية النصراني -غير المسلم-، والعمل بهذا كله، والصور الملصقة في الطرقات هنا وهناك وغير ذلك من المخالفات، وإقرار الأحزاب، وبناء الدولة الحديثة العصرية على غير ما أنزل الله -عز وجل-، والاتفاق على تنحية شرع الله في هذه المرحلة ..
كلُّ ذلك وتقول: هذا من التدرج!!! هذا من الاستدراج القويّ.. فَرِّقْ بين الأمرين: بين التدرج والاستدراج.
هذا جواب مختصر أردتُ -يعني- التحذير بالمناسبة؛ حتى يكون بيانًا لبعض إخواننا الذين يقولون بأنه يُفَرَّق بين انتخابات الرياسة وغيرها.
وهذا جوابٌ عام؛ حتى تستفيدَ منه في الرياسة، في المحليّات، في أي بابٍ من الأبواب، ولكن عليكَ بتقوى الله، وعليكَ بشرعة الله، وعليكَ بمنهاج النبوة.
وهذا -بإذن الله- إياكَ أن تشك أنه طريقٌ بعيدٌ، بل هو أقصر الطرق لبناء أمتنا وإسعادها، قال -سبحانه وتعالى-: « وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا». [طه: 124].
فكيف تؤسس منهجًا قائمًا على الإعراض عن ذكر الله وشرع الله؟!! ليس لكَ بعد ذلك إلا المعيشة الضنك.
وأظنكم -يا مَن ترون أنّ هذا الفكر إنما هو فكرٌ انهزاميّ- أظنكم -وقد دخلتم إلى «الشعب» وإلى «الشورى» وغير ذلك- أظنكم تحصدون الثمرةَ -الآن-:
 ثمرة الكذب والافتراء!!
 ثمرة تمييع الشريعة!!
 ثمرة التخلي عنها!!
 ثمرة عدم التحدث -أصلاً- بتطبيقها!!
ولقد أفتيتُ من قبل أنه لا يجوز الدخول إلى هذه البرلمانات، ولا عرض الشريعة -حتى- على هذه البرلمانات؛ لتُطَبَّق أولا تُطَبَّق؛ فإنّ شريعة الله لا تُعرض!!
فكيف وأنتم -الآن- في هذه البرلمانات لا تعرضون الشريعة، ولا تحلمون بذلك؛ فلقد قرأنا عن بعض هذه الأحزاب الإسلامية قولَ مُحَدِّثهم: «لا نيةَ لأسلمة مصر!!»، والحزب الآخر الذي يدّعي السلفية، يقول: «نحن سنطبِّق قانون 71 أو دستور 71!!».
وما ترشيحُ الأسماء المعروفة إلا دليلاً على هذا الخذلان حينما يُرشِّحون أسماء لوضع دستورٍ بين لاعبي كرةٍ!! وبين الفنانين!! وبين المغنيين!! وبين غير هؤلاء.
ونقول: ولو رشَّحتم.. ولو رشِّحتم علماءَ مصرَ لوضع دستورٍ، فمردودٌ عليكم!!؛ لأننا لا نريد دستورًا.. نريد شريعةً .. لا نريد دستورًا، حتى ولو وضع الدستورَ جميعُ العلماء؛ فإننا لا نريد دستورًا، نريد كتابَ الله، ونريد سنّة رسول الله.
فإنْ لم يكن ذلك متمكنًا لنا؛ فلنعمل بأمر ربنا وهدي نبينا -صلى الله عليه وسلم- حتى يأتي أمرُ الله، قال -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في الصحيحين: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ -[الحق.. الحق]- لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُم ولاَ مَن خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ».
فهذه التنازلات في بدء الحياة السياسية دفع ثمنها الباهظ الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- حتى إنهم ليُفرِّقون بين الدعوة وبين الحزب قائلين بأنّ للدعوة منهجها وبأنّ للحزب منهجه!!
وذلك معروفٌ في تطبيق القاعدة التي كانوا يحاربونها من قبل، ألا وهي: «لا دينَ في السياسة، ولا سياسةَ -إيه؟- ولا سياسةَ في الدين».
فأنصحُ شبابَ المسلمين، وأنصح طلبةَ العلم، وأنصح مَن أغرى الشباب في أن يدخل هذه الحياة السياسية بهذه الدعاوى التي لا واقع لها من: سنطبِّق الشريعة!! سنسعى.. سنسعى.. سنسعى..
وهم إنما يسعون في تغيير الشريعة وتغيير أحكام الله وأحكام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما ترون، والأدلة على ذلك أكثر من أن تُحصى، ولكنّ اللبيبَ بالإشارةِ إيه؟ ولكن اللبيبَ بالإشارةِ يفهمُ.
فمَن أراد تطبيق الشريعة؛ فليكن ذلك بالشريعة!! فليكن ذلك بالشريعة، ولا تغتروا بأنّ الذي يرفع هذه الدعاوى أحزابٌ إسلامية سواء من هنا أو هناك؛ فإنّ الإسلامَ بريءٌ من كل انتساب إليه يخالف كتاب الله ويخالف سنة رسول الله -ولو صدر هذا من الصحابة!!-.
فإنّ النبي لما قال: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»، وقال: «أَبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ وأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُم؟!» إنما قال ذلك لمَن؟!
قال ذلك لمَن سيأتي بعده؟!
قال ذلك لأصحابه!! قال ذلك لأصحابه!!
فكل مخالفة هي من أمر الجاهلية، ونحن مأمورون أن نترك أمر الجاهلية، ولهذا قال البخاري وقد بوّب بابًا في صحيحه في كتاب الإيمان، قال: «بَاب: المَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ»، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذرٍّ -على التعيين-: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ»..
«إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ»: لما عيَّر رجلاً بأمّه.
أما الواقع -الآن- ففيه كم جاهلية؟!!
 جاهلية الحكم بغير ما أنزل الله.
 جاهلية الدستور.
 جاهلية البرلمانات.
 جاهلية تولية المرأة.
 جاهلية تجويز أن يكون الوالي نصرانيًا أو امرأةً -ولو لم يحصل هذا، لكنكَ دخلتَ ضمن نظامٍ يجوِّز هذا-..
بعد ذلك ماذا تريد؟!!
هل بعد ذلك تقول: أنا أستدرج هؤلاء حتى إذا وصلتُ -إن شاء الله- وتمكنتُ، طبّقتُ شرع الله، وألغيتُ كلَّ هذا.. سوف يقول لكَ الناسُ -يومها-: (ارحل)!!". اهـ


وفرَّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
26 جماد أول 1433هـ، الموافق 18/4/2012م.

وإنْ تجد عيبًا فسُد الخللا === جلّ مَن لا عيبَ فيه وعلا.