المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شَنُّ الغَارَات على أهلِ وحدَةِ الوجُودِ وأهلِ المعيَّةِ بالذََّات



إشراقة السلفية المصرية
28-Apr-2012, 02:14 AM
ذم الكــلام





بسم الله الرحمن الرحيم





هذا فصل من كتاب

شَنُّ الغَارَات على أهلِ وحدَةِ الوجُودِ وأهلِ المعيَّةِ بالذََّات
للشيخ
محمد ابن أبي مدين الشنقيطي


وهو لا يزال مخطوطاً .





قال فيه : " واعلم أن السَّلَفَ الصالح إنما يرجع في صِفَات الله تعالى وأسمائِهِ إلى مُجرَّدِ النَّقلِ وبه يردُّ على من خالفَ ، كردِّ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما على معبدٍ الجُهَنِيِّ في مسألةِ القَدَر بجوابِهِ لجبريلَ عليه السلام ، وهو أول حديث في « صحيح مسلم » ، وقد أخرجه مسلمٌ أيضاً والبخاري عن أبي هريرة مُختصراً ، وغير ذلك مما لا يحصى .

وأما المتكلِّمُون فيرجعونَ في ذلك إلى الدَّليلِ العقلِيِّ ويُحكِّمُونه في ما لا مدخلَ لهُ فيهِ ، فإن وافق الدليلُ النقلي قبلوه وإلا ردُّوهُ أو تأولوه ، وحقيقةُ ذلك الدليلِ العقليِّ مبنيةٌ على تقسيم الفلاسفة العالمَ إلى عرضٍ وجوهرَ ، وهو أمرٌ لا أصل له في دين الإسلام ، لا في كتابٍ ولا في سُنَّةٍ ولا في أقوالِ سلفِ هذه الأُمَّةِ ، فعلى المسلم أن يجعل العقل تابعاً للنَّقل لئلا يقعَ في المهالك .

انظر : « شرح القرطبي لصحيح مسلم » في الكلامِ على حديث : " أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخصم " ، وشرح علي القاري للشفا في الكلام على الباطنِيَّة ، ومقدمة « تاريخ ابن خلدُون » في الكلام على العلوم الإلهيَّات ، والجُزء الأول من «الاعتصام » لأبي إسحاقَ الشَّاطبيِّ ، وكتاب « التعليم والإرشاد » لمُحمد بدرِ الدين الحلبيِّ .

قال العلامة الفقيهُ مُحمَّد يحيى بن محمد المختار بن الطالب عبد الله الداوودي ثم السعيدي الولاتي وطناً المتوفى سنة ثلاثين وثلثمائة ما نصه : " ومذهبُ أهل السنة أن العقل لا عبرة به إلا إذا وافق دليلاً نقلياً من كتاب أو سنة ، فلا يعتبرُ إلا تبعاً للشرع، ولا استقلال له في إثباتِ حكمٍ شرعي " ا.هـ كلامه بلفظه .

وقال السندي في حاشيته على « سُنن ابن ماجه » في الكلام على زيادة الإيمانِ ونُقصانه ما نصه : " والسَّلفُ كانوا يتبعون الوارد ولا يلتفتون إلى نحو تلك المباحث الكلاميَّةِ التي استخرجها المتأخِّرُون " ا.هـ كلامه بلفظه .

وقال العلامة أحمد بك الهاشميُّ في كتابه « جواهر الأدب » ما نصه : " كان السَّلفُ الصالحُ من الصَّحابةِ والتابعين يستدلُّون على عقائدهم بظاهرِ الكتابِ والسُّنَّة ، وما وقع فيهمَا من المتشابه أو أوهم التشبيه المنافي لتنزيه المعبود توقَّفُوا فيه خوفَ أن يحيد فهمُهُم في التأويل عن القصد " ا.هـ كلامه بلفظه .

وبهذا كلِّه تعلم أنَّ الدَّليلَ الذي يُحمل اللَّفظُ على غير ظاهره إنَّمَا هو عند السَّلف النقليُّ لا العقلي، وبه أول الأدلةَ التي احتجَّ بها جهم وأتباعهُ لمعيَّة الذات ، وقد جمعتُ لك – ولله الحمد – في هذا الكتاب من ذلك ما فيه – إن شاء الله تعالى – كفاية .

وقال السيوطي في كتابه : « الدُّرِّ المنثور في التفسير بالمأثور في الكلام على قوله تعالى : ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ﴾ الآية [آل عمران : 7] الآية " : أخرجَ الهرويُّ في «ذم الكلام » عن الإمامِ الشَّافعي رضي الله عنه قال : حُكمي في أهلِ الكلام حكمُ عمرَ في صَبِِيغ : أن يضرَبُوا بالجريد والنعال ، ويحملُوا على الإبل ، ويطافَ بهم في العشائر والقبائلِ ، وينادى عليهم : هذا جزاءُ من ترك الكتاب والسنة وأقبلَ على الكلام " ا.هـ كلامه بلفظه . ومثله في كتاب « شرف أصحاب الحديثِ » للحافظ الخطيب البغداديِّ .

وفي كتاب « التعليم والإرشاد » لمحمد بدر الدين الحلبي ما نصُّه : " قال الفخرُ الرازيُّ : ولقد تأملتُ الطُّرقَ الكلامية والمناهج الفلسفية ، فما رأيتُهَا تشفي غليلاً ، ولا تروي عليلاً ، ورأيتُ أقرب الطُّرق طريقُ القرآن ، اقرأ في الإثبات : ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ و﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ﴾ .

واقرأ في النفي : ﴿ لَيسَ كمثلِهِ شَيٌء ﴾ ، ﴿ ولا يحيطُونَ بِهِ علمَاً ﴾ ، ومن جرَّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي " ا.هـ منه بلفظه .

قلتُ : قد نقلَ ابنُ القيِّم في الجزء الأول من كتابه « إغاثةِ اللَّهفانِ من مصائد الشيطان » كلامَ الفخر الرازي المذكور وقال عقِبهُ ما نصُّه : " فهذه ألفاظُهُ في آخر كتُبِه ، وهو أفضلُ أهل زمانه على الإطلاق في علمِ الكلام والفلسفة ، وكلامُ أمثاله في مثلِ ذلك كثيرٌ جدَّاً ، قد ذكرناه في كتاب «الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة»، وغيره ، وذكرنا قول بعض العارفين بكلام هؤلاء : آخرُ أمر ِالمتكلمين الشك ، وآخر أمر ِالمُتصَوِّفين الشَّطحُ .

والقرآنُ يوصلك إلى نفس اليقين في هذه المطالب التي هي أعلى مطالب العباد ، ولذلك أنزله من تكلَّمَ به ، وجعلَهُ شفاءً لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين " ا.هـ كلامه بلفظه .

وقال الإمامُ محمَّد بن الحسين السنوسي في « شرح الكبرى » في الكلام على معنى ما رويَ عن الفخر الرازي أنه قال عند موته : " اللهم إيمان العجائز " ، وفي رواية عنه: " من لزم مذهب العجائز كان هو الفائزُ " ما نصُّه : " يحتملُ أن يكون سبب دعائهِ بهذا ما عُلم من حاله من الولوعِ بحفظ آراء الفلاسفة وأصحابِ الأهواءِ ، وتكثيرِ الشُّبَه لهُم ، وتقويةِ إيرادها مع ضعفِهِ عن تحقيق الجواب عن كثيرٍ منها ، على ما يظهرُ من تأليفِه .

ولقد استرقُّوه في بعض العقائد فخرج إلى قريب من شنيعِ أهوائِهم ، ولهذا يحذر الشيوخ من النظر في كثيرٍ من تأليفه .
قال الشيخ أبو عبد الله المَقَّرِي التلمساني رحمه الله تعالى : من تحقَّق كلام ابن الخطيب وجده في تقرير الشبهة أشد منه في ...... عنها ، وفي هذا ما لا يخفى .
أنشدني شيخي أبو عبد الله الأيلي قال : أنشدني عبد الله بن إبراهيم الزَّمُوري قال : أنشدني تقيُّ الدين ابنُ تيمية لنفسه :
محصّلٌ في أصول الدين حاصله
من بعد تحصيلهِ علمٌ بلا دين

أصل الضلالة في الإفك المبين فما
فيه فأكثره وحي الشياطين

قال : وكان بيده قضيبٌ فقال : لو أدركتُ فَخر الدين لضربته بقضيبي على رأسه . ا.هـ كلام السنوسي بلفظه . انظر حاشية اليُوسي على « شرح الكبرى » ، وحاشية الأمير على « شرح الجوهرة » .

قلت : « محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من الحكماء والمتكلمين » للإمام فخر الدين محمد بن عمر بن الخطيب الرازي .

قال شارحهُ العلامة علي بن عمر القزويني المتوفى سنة خمس وسبعين وستمائة رحمه الله تعالى ما نصه : " وفي هذا الزمان لم يبق من الكتب التي يتداولونَهَا في علم الأصُول سوى « المحصل » ، والذي اسمه غيرُ مطابق لمعناه ، وفيه من الغثِّ والسَّمين ما لا يحصى " ا.هـ كلامه بلفظه .

قلتُ : أخرجَ ابن سعد في الجزء الخامس من « طبقاته » بسنده إلى جعفر بن بُرقان قال : جاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز فسأله عن شيء من الأهواء فقال له : الزم دين الصَّبيِّ في الكتاب ، والأعرابي والهُ عما سوى ذلك .

فلعل هذا هو مستندُ الفخر الرازي في دعائِهِ السابق ، والعلم عند الله .

وقال السُّيوطي في شرحه لنقايته ما نصه : " (أصول الدين) : بدأتُ به لأنه أشرف العلوم مطلقاً ، لأنه يبحث عمَّ ا تتوقف صحة الإيمان عليه وتتماته ، ولست أعني به علم الكلام ، وهو ما ت..... الأدلة العقلية ، وتنقل فيه أقوال الفلاسفة فذاكَ حرامٌ بإجماع السلف ، نصَّ عليه الشافعي رحمه الله تعالى ، ومن كلامه فيه : لأن يلقى الله العبدُ بكل ذنب ما خلا الشرك ، خيرٌ لهُ من أن يلقاه بشيء من علمِ الكلام " ا.هـ كلامه بلفظه .

ونقلَ الشيخ ...... عن بعض العلماء أنه قال : الناظرُ في علم الكلام كالناظر في عين الشمس ؛ كلما ازداد نظراً ازداد عمىً .

وقال الغزاليُّ في « الإحياء » ما نصُّه : " قال الشافعيُّ رضي الله عنه : " لو يَعلمُ الناسُ ما في الكلام من الأهواء لفَرُّوا منه فراَرهُم من الأسد .

وقال أيضاً : قد اطلعْتُ لأهل الكلام على شيء ما ظننته قَطٌُّ ( ) .

وقال أيضاً : إذا سمعتَ الرَّجُل يقول الاسم هو المسمى أو غيره فاشهد أنه من أهل الكلام ولا دين له .

وحَكَى الكرابيسي أنَّ الشَّافعيَّ سُئل عن شيء من الكلام فغضب، وقالَ : يُسئلُ عن هذا حفصٌ الفرد وأصحابه ، أخزاهم الله ! .

ولما مرض الشافعي رضي الله عنه دخل عليه حفصٌ الفرد فقال له: من أنا ؟ . فقال: أنت حفص الفرد، لا حفظك الله ولا رعاك حتى تتوبَ مما أنت فيهِ .
وقال الإمامُ أحمدُ رضي الله عنه : لا يفلح صاحبُ الكلام أبداً، ولا تكاد ترى أحداً ينظرُ في الكلام إلا وفي قلبه مرضٌ .

وبالغ في ذمِّه حتى هجر الحارث المحاسبي مع زهده وورعه لتصنيفه كتاباً في الردِّ على المبتدعة وقال له: ويحكَ ! ألست تحكي بدعتهم أولاً ثم ترد عليهم ؟ ألستَ تحملُ الناس بتصنيفك على مطالعة كلام أهل البدعة ، والتفكُّر في تلك الشبهات ، فيدعوهم ذلك إلى الرأي والبحث ! .
وقال أيضاً : علماءُ الكلام زنادقة .
وقال الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه : لا تجوز شهادةُ أهل البدعِ والأهواء .

قال بعضُ أصحابِهِ : أراد بأهل الأهواء أهلَ الكلام على أي مذهبٍ كانُوا.
وقدِ اتَّفَق أهل الحديث من السلف على هذا ، ولا ينحصرُ ما نقل عنهم من التشديدات فيه " ا.هـ كلامه بلفظه .

وفي ترجمةِ الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه لعبد الحليم الجندي ما نصُّه : " قال أبو حنيفة : كنتُ أظنُّ أن علم َالكلام أجلُّ العلوم ، فلما مضت مدّةٌ من عُمُري تفكرت وقلتُ : السلف كانو أعلمَ بالحقائقِ ، ولم ينتصبوا مجادلين ، وخاضُوا في علم الشريعة ورغبوا فيه ، وعلمُوا وتعلموا وتناظرُوا عليه ، فتركتُ الكلام واشتغلتُ بالفقه ، ورأيتُ المشتغلينَ بالكلام ليس سيماهم سيماء الصالحين ، قاسيةٌ قلوبهم ، غليظةٌ أفئدتُهُم " . ا.هـ من تلك الترجمة باللفظ ، ورواه العلامة أحمد أمين في الجزء الثاني من كتابه « ضحى الإسلام» ولفظُهُ عنده : " كنتُ أعدُّ الكلام أفضلَ العلوم ، ثم علمتُ أنَّهُ لو كان فيه خير لتعاطاه السلف الصَّالحُ ، فهجرتُهُ " .

وفي الجزء الثالث من « أخبارِ القضاة » لوكيع بن خلف في ترجمة القاضي أبي يوسف يعقوبَ بنِ إبراهيمَ الأنصاريُّ صاحبِ أبي حنيفة ما نصه : قال أبُو يوسف : العلم بالكلام جهل ، ومن طلب العلم به تزندقَ ، ومن طلب المال بالكيمياء أفتقَرَ ، ومن طلب الحديث بالغرائب كذَبَ " ا.هـ منه بلفظه .
وقال الحافظُ شرفُ الدِّين عبد المومن بن خلف الدُّيمياطيُّ المتوفى سنة خمس وسبعمائة رحمه الله تعالى :
وما العلم إلا في كتابٍ وسنَّةٍ
وما الجهل إلا في كلام ومنطقِ

وما الخير إلا في سكوتٍ بحسبةٍ
وما الشَّرُّ إلا في كلامٍ ومنطقِ

وقال الحافظ ابنُ حَجَر في كتاب التَّوحيدِ من « فتحِ الباري » ما نصه : صَحَّ عن السلفِ أنهم نَهَوا عن علمِ الكلامِ ، وعَدُّوهُ ذريعةً للشَّكِّ والارتيابِ ، وَقَدْ قَطَعَ بَعْضُ الأَئِمَّةِ بِأَنَّ الصَّحَابَة لَمْ يَخُوضُوا فِي الْجَوْهَر وَالْعَرَض وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ مَبَاحِث الْمُتَكَلِّمِينَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ طَرِيقهمْ فَكَفَاهُ ضَلَالًا ، وَأَفْضَى الْكَلَام بِكَثِيرٍ مِنْ أَهْله إِلَى الشَّكِّ ، وَبِبَعْضِِهِمْ إِلَى الْإِلْحَاد وَبِبَعْضِِهِمْ إِلَى التَّهَاوُن بِوَظَائِف الْعِبَادَات ، وَسَبَبُ ذَلِكَ إِعْرَاضهمْ عَنْ نُصُوص الشَّارِعِ وَتَطَلُّبهمْ حَقَائِق الْأُمُور مِنْ غَيْره ، وَلَيْسَ فِي قُوَّةِ الْعَقْلِ مَا يُدْرِكُ مَا فِي نُصُوص الشَّارِع مِنْ الْحِكَم الَّتِي اِسْتَأْثَرَ بِهَا ، وَقَدْ رَجَعَ كَثِير مِنْ أَئِمَّتهمْ عَنْ طَرِيقهمْ " .

قال القرطبي – وهو الإمام أبو العبَّاس أحمد بن عمر بن إبراهيم شارح « صحيح مسلم » المتوفى سنة ستٍّ وخمسين وستمائة ، رحمه الله تعالى : " وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ إِلَّا مَسْأَلَتَانِ هُمَا مِنْ مَبَادِئِهِ لَكَانَ حَقِيقًا بِالذَّمِّ :
إِحْدَاهُمَا : قَوْلُ بَعْضهمْ إِنَّ أَوَّل وَاجِب الشَّكّ ، إِذْ هُوَ اللَّازِم عَنْ وُجُوب النَّظَر أَوْ الْقَصْد إِلَى النَّظَر ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ إِمَام الحرمين بِقَوْلِهِ : " رَكِبْتُ الْبَحْر الأعظم " .
ثَانِيَتُهمَا : قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْهُم : إِنَّ مَنْ لَمْ يَعرِفِ اللَّهَ بِالطُّرُقِ الَّتِي رَتَّبُوهَا وَالْأَبْحَاثِ الَّتِي حَرَّرُوهَا لَمْ يَصِحّ إِيمَانُهُ ، حَتَّى لَقَدْ أُورِدَ عَلَى بَعْضهمْ أَنَّ هَذَا يَلْزَم مِنْهُ تَكْفِير أَبِيك وَأَسْلَافك وَجِيرَانك ! . فَقَالَ لَا تُشَنِّعُ عَلَيَّ بِكَثْرَةِ أَهْلِ النَّارِ .

قَالَ : وَقَدْ رَدَّ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِمَا عَلَى مَنْ قَالَ بِهِمَا بِطَرِيقٍ مِنْ الرَّدِّ النَّظَرِيِّ وَهُوَ خَطَأ مِنْهُ ، فَإِنَّ الْقَائِل بِالْمَسْأَلَتَيْن كَافِرٌ شَرْعاً ، لِجَعْلِهِ الشَّكّ فِي اللَّه وَاجِباً ، وَمُعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ كُفَّاراً ، حَتَّى يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامه السَّلَفُ الصَّالِحُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَهَذَا مَعْلُوم الْفَسَاد مِنْ الدِّين بِالضَّرُورَةِ ، وَإلا ؛ فلا يُوجَد فِي الشَّرْعِيَّات ضَرُورِيٌّ ! .
وقال البيهقي في كتاب « الاعتقاد » : " سلك بعض أئمتنَا في إثبات الصَّانِعِ وحدوث العالم طريقَ الاستدلال بمُعجِزَاتِ الرِّسَالةِ ؛ لأن دلائِلَها مأخوذَةٌ مِنَ طَريقِ الحِسِّ لمن شاهَدَهَا ، ومن طريق استفاضَةِ الخبر لمَنْ غابَ عَنْهَا ، فلما ثَبَتتِ النُّبوَّةُ صارت أصلاً في وجوب قَبُول ما دعَا إليه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا الوَجْهِ كانَ إيمَانُا الذين استجابوا للرسل " .

ثم ذكر قصةَ النَّجاشيِّ وقولَ جعفرَ بنِ أبي طالبٍ له : " بعث الله إلينا رسُولاً نعرفُ صدقَهُ ، فدعانا إلى الله ، وتَلا علينَا تنزيلاً مِنَ اللهِ لا يشبهِهُ شيءٌ غيرُه ، فصَدَّقنَاه ، وعرَفْنَا أن الذي جاء به الحقُّ .. الحديث بطوله ، أخرجه ابن خزيمة في كتاب الزكاة من « صحيحه » من رواية ابن إسحاق ، وحاله معروف ، وحديثه في درجة الحسن .
ثم قال البيهقيُّ : " فاستدَلُّوا بإعجاز القرآن على صدق النَّبِيِّ صلى الله عليه وسَلَّمَ ، فآمنوا بما جاء به من إثبات الصانع ووحدانيَّته وحدوث العالَم وغير ذلك مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن وغيرِه ، واكتفاءُ غالب من أسلمَ بذلكَ مشهورٌ في الأخبار ، فوجب تصديقُهُ في كلِّ شيءٍ ثبت عنه بطريقِ السمعِ ، ولا يكونُ ذلك تقلِيدَاً ، بل هو اتِّبَاعٌ " . ا.هـ المراد من كلام الحافظ بلفظه .

قلت : قد وقفتُ على كلام البيهقي في كتابه المذكورِ .

قوله : " وَقَدْ قَطَعَ بَعْضُ الأَئِمَّةِ بِأَنَّ الصَّحَابَة لَمْ يَخُوضُوا فِي الْجَوْهَر وَالْعَرَض .. إلخ " : لعلَّه يريدُ بذلكَ البعضَ الإمامَ أبا الوفاء عليَ بن عُقيل الحنبليَّ المتوفى سنة ثلاث عشرةَ وخمسمائة ، رحمه الله تعالى ، فقد ذكر ابن رجبٍ في ترجمته في الجزء الأول من « طبقات الحنابلة » عنه أنه قال : " أنا أقطَعُ أنَّ الصحابةَ ماتُوا وما عرفُوا الجوهرَ والعرضَ ، فإن رضيتَ أن تكونَ مثلَهُم فكن ، وإن رأيت أن طريقةَ المتكلمين أولى من طريقة أبي بكر وعمر فبئس ما رأيت " ا.هـ .
والعلم عند الله تعالى .

وفي « شرح النُّقَاية » للسُّيوطِيِّ في الكلام على الحديث الحسن مانصُّه : " وأعلاه ما قيل بصحته ، كرواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه ، ومحمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن جابر " ا.هـ منه بلفظه .

ولقد أجاد العلامة أبو الكرم خميسُ بن عليِّ بن احمدَ الواسطيُّ المتوفى سنةَ عشْرٍ وخمسمائة ، رحمه الله تعالى ، حيث يقُولُ :
تركت مقالات الكلام جميعها
لمبتدع يهذي بهنَّ إلى الردى

ولازمتُ أصحابَ الحديثِ لأنهم
دُعاةٌ إلى سبل المكارم والهُدَى

وهل تركَ الإنسانُ في الدين غايةً
إذا قالَ قلَّدت النبي محمَّداً ؟!

صلواتُ الله وسلامُه عَليه .
ولأبي مزاحم الخاقانِيِّ :
أهلُ الكلام وأهلُ الرَّأيِ قد عدِمُوا
علمَ الحديثِ الذي ينجو به الرَّجلُ

لوأنهم عَرَفُوا الآثار ما انحرفُوا
عَنْهَا إلى غَيرِها لكنَّهُم جَهِلُوا

وقال ابن كثير في الجزء الأول من « تفسيره » في الكلام على خاتمة آية الكرسي ما نصُّهُ : " وهذهِ الآياتُ ومَا في معنَاهَا من الأحاديثِ الصِّحَاحِ ؛ الأجودُ فِيهَا طريقَةُ السَّلَفِ الصَّالِحِ ؛ إمرارُهَا كمَا جاءت من غَير تكييف ولا تشْبيهٍ" ا.هـ كلامه بلفظه .

وقال تقي الدين ابن تيمية في « العقيدة الحَمَويَّةِ الكُبرى » ما نصُّهُ : فَلَئِنْ كَانَ الْحَقُّ مَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ السَّالِبُونَ النَّافُونَ مِنْ هَذِهِِ الْعِبَارَاتِِ وَنَحْوِهَا دُونَ مَا يُفْهَمُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إمَّا نَصَّاً وَإِمَّا ظَاهِرًا ؛ كَيْفَ يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ ثُمَّ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَلَى خَيْرِ الْأُمَّةِ أَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ دَائِماً بِمَا هُوَ إمَّا نَصٌّ أو ظَاهِرٌ فِي خِلَافِ الْحَقِّ ، ثُمَّ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ لَا يَبُوحُونَ بِهِ قَطُّ ، وَلَا يَدُلُّونَ عَلَيْهِ ، حَتَّى يَجِيءَ أَنْبَاطُ الْفُرْسِ وَالرُّومِ وَأفراخُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْفَلَاسِفَةِ يُبَيِّنُونَ لِلْأُمَّةِ الْعَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْتَقِدَهَا ! .

لَئِنْ كَانَ مَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمُونَ الْمُتَكَلِّفُونَ هُوَ الِاعْتِقَادُ الْوَاجِبُ ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ أُحِيلُوا فِي مَعْرِفَتِهِ عَلَى مُجَرَّدِ عُقُولِهِمْ ، وَأَنْ يَدْفَعُوا بِمُقْتَضَى قِيَاسَ عُقُولِهِمْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ظَاهِراً ؛ لَقَدْ كَانَ تَرْكُ النَّاسِ بِلَا كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ : أَهْدَى لَهُمْ وَأَنْفَعَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ، بَلْ كَانَ وُجُودُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ضَرَراً مَحْضاً فِي أَصْلِ الدِّينِ ! .
فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ عَلَى مَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ : إنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعِبَادِ لَا تَطْلُبُوا مَعْرِفَةَ اللَّهِ وَلا مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الصِّفَاتِ نَفْياً وَإِثْبَاتاً لا مِنْ الْكِتَابِ وَلا مِنْ السُّنَّةِ ، وَلَا مِنْ طَرِيقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ ، وَلَكِنْ اُنْظُرُوا أَنْتُمْ : فَمَا وَجَدْتُمُوهُ مُسْتَحِقَّاً لَهُ مِنْ الصِّفَاتِ فَصِفُوهُ بِهِ - سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُوداً فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ - وَمَا لَمْ تَجِدُوهُ مُسْتَحِقَّاً لَهُ فِي عُقُولِكُمْ فَلَا تَصِفُوهُ بِهِ ! .

هَذَا حَقِيقَةُ الْأَمْرِ عَلَى رَأْيِ الْمُتَكَلِّمِينَ ، وَهَذَا الْكَلَامُ قَدْ رَأَيْته صَرَّحَ بِمَعْنَاهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ، وَهُوَ لَازِمٌ لِجَمَاعَتِهِمْ لُزُوماً لا مَحِيدَ عَنْهُ " ا.هـ كلامه بلفظه