المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أهْل الشام سَوْط الله في أرضه



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
16-Jun-2012, 01:04 PM
http://www.noor-alyaqeen.com/mlafat/7.gif

أهْل الشام سَوْط الله في أرضه

...أَيْقَنّا بَعْد ذلك لماذا لم تَنْجح المُحاولات لتثبيت دولة اليَهُود ؟ وذلك أنه مُنْذُ سنة 1948 ، وكلّ مُحاوَلة للصُّلْح وتثبيت دولة اليَهُود يُفْشِلها اليَهُود أنفسهم ، وذلك لأن الله يُلْهِمهم الخطأ فيَرفُضون كلّ الحُلول ؛ لأن اليَهُود لا يُعالِجون أي أمْر إلا بالحِقْد والتآمُر والخَدِيعة ، ويُقرِّر الله ألاَّ عَقْل عِنْدهم ، فيقول : ﴿ لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ ، وذلك كلُّه يَجْرِي حتى يأتي اليوم الموعود يوم تَتخلَّص المَعْركة أو دِيار المسلمين من الإيديولوجيات المُنافِية للإسلام ، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر في حديث قِتال اليَهُود "أن الحَجَر والشَّجَر سيَنْطِق ويقول : يا مُسلِمْ يا عَبْدَ اللَّهِ خَلْفِي يَهُودِيٌّ فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ" ، إِذَنْ لن يكون قِتال النِّصْر في فِلَسْطِين قِتالا يَمِينيّا رَجْعيّا ، ولا يَساريّا تَقدُّميّا ، وإنما يكون قتالا إسلاميّا في سبيل الله كما كان دائما قِتال النَّصْر للمُسلِمين : ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا ﴾




، وبَعْدُ . . فإن الآية الأُولى من سورة الإسراء نَصّتْ على بَرَكة الأرض التي تُحِيط بالمَسْجد الأقصى وكذلك آيات أُخْرى نَصَّتْ على هذه البركة مِثْل قوله تعالى في حقّ الخليل إبراهيم :
﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾، وقوله ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ﴾، والبَرَكة الزِّيادة في كلّ شيء وليست بَرَكة هذه الأرض مادِّيّة ، وإنما بَرَكتها بالإضافة إلى الأشياء المادية بَرَكات مَعْنوية ، تَتمثَّل في أنها عُشّ الأنبياء ، ولذلك فَكّر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في دَفْنه في بيْت المَقْدِس عنْد وَفاته باعتبارها عُشّ الأنبياء وكانت لم تُفْتَح بَعْدُ ، وهي مَهْبِط الوَحْي ، وهي مَسْرَى النبي ومِعْراجه منها صلى الله عليه وسلم ، وهي القِبْلة الأُولى ، فقد صَلَّى المُسلِمون إلى مَسجِدها سِتّة عشر شهرا ، ومَسْجِدها تُشَدّ إليه الرِّحال ، كما ورد في الحديث الذي رَواه البُخاريّ ومُسلِم عن النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تُشَدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مَسْجِدي هذا والمَسْجِد الحَرام والمَسْجِد الأَقْصى " .

ومن بَرَكة هذه الأرض استقراءً أنه حينما يَبتعِد المُسلِمون عن مِحْور عِزِّهم ومَرْكز قُوَّتهم وهو الإسلام يَضعُفون ويتمزقون وتُكَثَّر دولهم ودُوَيْلاتهم ؛ فيَسْهُل على العَدُوّ أن يَتسرَّب من خِلالهم ، فيأخذ الأرض المُبارَكة ويأخذ المَسْجِد الأَقْصى ، وعِنْدها يَتحرَّك المُسلِمون حركة حياة من جديد ويَنفُضون غُبار الهَزِيمة فيَعمَلون لاستخلاص هذه الأرض فعن طريق استخلاصها يتِمّ توحيد المسلمين من جديد . ألا تَرَوْن أنه بسبب حريق المسجد الأقصى كان مُؤتمَر القِمّة الإسلامي الأَوّل في المَغْرِب الذي انبثق عنه مُؤتمَر وُزراء الخارجية المُسلِمين الذين كَوَّنوا الأمانة العامّة الإسلامية في جُدّة ، وهذا من بَرَكة هذه الأرض التي باركها الله ، ولذلك لن يَصِل أحد مع اليَهُود وأعوانهم إلى حِلّ حتى يأتي أمْر الله ، ويَتوحَّد المُسلِمون ، ويعود الإسلام مُحرِّكا للحياة في دِيار الإسلام وفي العالم كله .
وقد ظهَرَتْ بَرَكتها في الحُروب الصليبية إذ بَعْد أن أَخَذها المُسلِمون ، وظَنّوا أن الأمْر قد استقَرّ لهم كانت حروبهم سَبَبا في توحيد المُسلِمين من جديد فكان نور الدين زنكي الذي وَحّد الأجزاء المُبعثَرة وأَخَذ الراية منه صلاح الدين ، فكانت حِطِّين النَّصْر المُبِين ، وكانت مَعْركة القُدْس فيما بَعْد ودَخَلها - رَحِمه الله - فأعاد الأمْن والأمان إليها وعاد مَسْجِدها إلى قُدْسِيّته وطُهْره .
وقَدَر أَهْل الشام وفِلَسْطِين منها أنهم مُرابِطون إلى يوم القيامة حيث الكُفّار لا يَتركون الأرض المُباركة يستقِرّ أَهْلها وهم يُريدون مَسْجِدها لِيقيموا عليه الهَيْكَل .
روى الطَّبَراني عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن أهْل الشام وأزواجهم وذَرارِيّهم وعَبِيدهم وإماءهم إلى مُنتهَى الجزيرة مُرابِطون مِمّن نَزَل مَدِينة وقَرْية من المَدائن والقُرَى ، فهو في رِباط أو ثَغْر من الثُّغور فهو في جِهاد" .

وقَدَر أهْل الشام كذلك أن يَنتقِم الله بهم من أعدائه فعن خُرَيْم بن فاتك : " أهْل الشام سَوْط الله في أرضه يَنتقِم بهم مِمّن يشاء من عِباده ، وحَرام على مُنافِقيهم أن يَظْهروا على مُؤمِنيهم ، وأن يموتوا إلا همّا وغمّا وغيْظا وحُزْنا " رَواه الطَّبَرانيّ مرفوعا وأحمد موقوفًا ، ورجاله ثِقات . وعن أبي الدَّرْداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سَمِعه يقول : " المَلْحَمة الكُبْرى بأرْض يُقال لها الغَوْطَةُ ، فيها مَدِينة يُقال لها دِمَشْقُ ، خَيْرُ مَنازل المُسْلِمِين يَوْمَئِذٍ " رَواه الحاكم ، وقال : صحيح الإسناد . وقد رَوى أبو بكر بن شَيْبة عن أبي الزاهِرية ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَعْقِل المُسْلِمِين مِنَ المَلاحِمِ دِمَشْقُ ، ومَعْقِلُهُمْ مِنَ الدَّجَّالِ بَيْتُ الْمَقْدِسِ ، ومَعْقِلُهُمْ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ الطُّورُ " .

وعلى هذا فالأرض المُباركة بَرَكتها بالإضافة إلى الأشياء المادِّيّة التي ذَكَرها المُفسِّرون من الثِّمار والأشجار والأنهار ، والأرض المِعْطاء والسَّهْل الخَصِيب والجبال العالية والأرض المُنخفِضة التي تَجعَلك تَنتقل في ساعة من زمن أو أقَلّ من مُستوى سطح البحر إلى العُلُوّ الشاهِق إلى الغَوْر المُنخفِض ، فهناك البَرَكة المَعْنوية ، والبَرَكة المادِّيّة تتصاغر أمام البَرَكة المَعْنوية والتي باركها الله فجعلها القِبْلة الأُولى يُصَلِّي إليها المُسْلِمون ، وأُسْرِيَ بنبيه إليها ، وعُرِجَ به من مَسْجِدها إلى السماوات العُلا ، وجَعَل مَسْجِدها الأقصى تُشَدّ إليه الرِّحال ، وهي عُشّ الأنبياء ، وهذا مِمّا جَعَل عُمَر بن الخَطّاب رَضِيَ الله عنه يأتي بنَفْسه لتَسَلُّم القُدْس .





موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية و الإفتاء .