المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [مقال] نقض شبهة من يقول إن الرد على المخطئ من باب تتبع الزلات والفتن



أبو الوليد خالد الصبحي
26-Mar-2010, 11:19 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد:

فيظن بعض الناس خطأ أو تدليساً ! أن الكلام في الدعاة المتصدرين لدعوة الناس لا يجوز؛ لأنه يدخل في الغيبة، وفي تتبع عورات المسلمين والزلات، وفي الفتنة وفي سوء الظن.
ولا شك أن هذا الظن خطأ لما يلي :
الأول : أن هذا يخالف منهج السلف الصالح؛ فقد كان السلف من أحرص الناس على الرد على كل منحرف ومخالف، وكشف كل زائغ وضال، وفضح كل كذاب لعاب مهما كانت منزلته عند الناس تقرباً إلى الله :
قال عفان كنت عند ابن علية فقال رجل: فلان ليس ممن يؤخذ عنه قال فقال له الآخر: قد اغتبت الرجل! فقال رجل: ليست هذه بغيبة إنما هذا حكم. قال فقال ابن علية: صدقك الرجل يعني الذي قال هذا حكم"
وقال يحيى بن سعيد القطان قال: سألت شعبة وسفيان بن سعيد وسفيان بن عيينة ومالك بن أنس عن الرجل لا يحفظ ويتهم في الحديث ؟ فقالوا جميعاً: بَيِّن أمره"
وقال أبو زرعة عبدالرحمن النصري سمعت أبا مسهر: يسأل عن الرجل يغلط ويهم ويصحف ؟ فقال بَيِّن أمره. فقلت لأبي مسهر: أترى ذلك من الغيبة ؟ قال: لا"
وقال شعبة "تعالوا حتى نغتاب في الله"
وقال الحسن بن الربيع : قال ابن المبارك: المعلى بن هلال هو إلا انه إذا جاء الحديث يكذب! قال فقال له بعض الصوفية: يا أبا عبد الرحمن تغتاب! فقال: اسكت إذا لم نبين كيف يعرف الحق من الباطل أو نحو هذا من الكلام"
وحسن الظن مع ظهور أمارات وقرائن الريبة لا ينفع في هذا الباب قال عبد الرحمن بن مهدي " خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن الحكم والحديث"
فمن خالف الحق وظهرت منه أمور وقرائن تدل على ما يبطن في الباطل لا ينفع معه حسن الظن وهو مؤاخذ بما يصدر منه فكيف بمن وقع في هذا الأمر مرات وكرات وفي كل مرة يعتذر أو يتراجع وكأنه لم يفعل شيئاً فلسنا مغفلين عن أمثال هؤلاء أهل الريبة والزيغ والتلاعب .
وقال ابن أبي زمنين " لم يزل أهل السنة يعيبون أهل الأهواء المضلة، وينهون عن مجالستهم، ويخوفون فتنتهم، ويخبرون بخلاقهم، ولا يرون ذلك غيبة لهم، ولا طعناً عليهم"
وقال ابن رجب " الكلام في الجرح والتعديل جائز، قد أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، لما فيه من تمييز ما يجب قبوله من السنن، مما لا يجوز قبوله. وقد ظن بعض من لا علم عنده أن ذلك من باب الغيبة، وليس كذلك، فإن ذكر عيب الرجل إذا كان فيه مصلحة، ولو كانت خاصة كالقدح في شهادة شاهد الزور، جائز بغير نزاع، فما كان فيه مصلحة عامة للمسلمين أولى. وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن بهز بن أسد قال " لو أن لرجل على رجل عشرة دراهم ثم جحده لم يستطع أخذها منه إلا بشاهدين عدلين فدين الله " أحق أن يؤخذ فيه بالعدول"
وقال ابن رجب " أهل البدع والضلال ومن تشبه بالعلماء وليس منهم؛ يجوز بيان جهلهم، وإظهار عيوبهم تحذيراً من الاقتداء بهم"
وقال ابن قيم الجوزية " جواز الطعن في الرجل بما يغلب على اجتهاد الطاعن حمية أو ذباً عن الله ورسوله، ومن هذا طعن أهل الحديث فيمن طعنوا فيه من الرواة ومن هذا طعن ورثة الأنبياء وأهل السنة في أهل الأهواء والبدع لله لا لحظوظهم وأغراضهم. وجواز الرد على الطاعن إذا غلب على ظن الراد أنه وهم وغلط كما قال معاذ للذي طعن في كعب بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً ولم ينكر رسول الله على واحد منهما"
وقال ابن رجب " لا فرق بين الطعن في رواة حفَّاظ الحديث ولا التمييز بين من تقبل روايته منهم ومن لا تقبل، وبين تبيين خطأ من أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة وتأوَّلَ شيئاً منها على غير تأويله وتمسك بما لا يتمسك به ليُحذِّر من الاقتداء به فيما أخطأ فيه، وقد أجمع العلماء على جواز ذلك"
وقال الشيخ صالح الفوزان " القاعـدة التنبيه على الخطأ والانحراف بعد تشخيصه، وإذا اقتضى الأمر أن يصرح باسم الأشخاص المخالفين حتى لا يغتر بهم، وخصوصاً الأشخاص الذين عندهم انحراف في الفكر أو انحراف في السيرة والمنهج، وهم مشهورون عند الناس، ويحسنون فيهم الظن، فلا بأس أن يُذْكَروا بأسمائهم وأن يُحَذر من منهجهم، والعلماء بحثوا في علم التجريح والتعديل فذكروا الرواة وما قيل فيهم من القوادح، لا من أجل أشخاصهم، وإنما من أجل نصيحة الأمة أن تتلقى عنهم أشياء فيها تجنٍّ على الدين، أو كذبٍ على رسول الله e، فالقاعدة أولاً أن ينبه على الخطأ ولا يذكر صاحبه إذا كان يترتب على ذكره مضرة أو ليس لذكره فائدة، أما إذا اقتضى الأمر أن يصرح باسمه لأجل تحذير الناس من منهجه، فهذه من النصيحة لله وكتابه ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وخصوصاً إذا كان له نشاط بين الناس، ويحسنون الظن به، ويقتنون أشرطته وكتبه، لا بد من البيان، وتحذير الناس منه؛ لأن السكوت ضرر على الناس، فلا بد من كشفه لا من أجل التجريح أو التشهي، وإنما من أجل النصيحة لله وكتابه ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"
وسئل الشيخ صالح الفوزان "هل بيان بعض أخطاء الكتب الحزبية، أو الجماعات الوافدة إلى بلادنا، يعتبر من التعرض للدعاة ؟ فأجاب " لا هذا ليس من التعرض للدعاة ؛ لأن هذه الكتب ليست كتب دعوة، وهؤلاء – أصحاب هذه الكتب والأفكار – ليسوا من الدعاة إلى الله على بصيرة، وعلم وعلى حق. فنحن حين نبين أخطاء هذه الكتب – أو هؤلاء الدعاة – ليس من باب التجريح للأشخاص لذاتهم، وإنما من باب النصيحة للأمة أن تتسرب إليها أفكار مشبوهة، ثم تكون الفتنة، وتتفرق الكلمة، وتتشتت الجماعة، وليس غرضنا الأشخاص، غرضنا الأفكار الموجودة بالكتب التي وفدت إلينا باسم الدعوة"
هذا أولاً
الثاني: أن السكوت عن المبتدعة وعن الجهال المتصدرين وعن الكذابين اللعابين فيه تغرير بالعامة، وتدليس عليهم، فيظنون أنهم على حق وخير، والواقع أكبر شاهد على ذلك، قال الشيخ صالح الفوزان " لا يجوز تعظيم المبتدعة والثناء عليهم، ولو كان عندهم شيء من الحق؛ لأن مدحهم والثناء عليهم يروج بدعتهم، ويجعل المبتدعة في صفوف المقتدى بهم من رجالات هذه الأمة. والسلف حذرونا من الثقة بالمبتدعة، وعن الثناء عليهم، ومن مجالستهم، والمبتدعة يجب التحذير منهم، ويجب الابتعاد عنهم، ولو كان عندهم شيء من الحق، فإن غالب الضُلاَّل لا يخلون من شيء من الحق؛ ولكن ما دام عندهم ابتداع، وعندهم مخالفات، وعندهم أفكار سيئة، فلا يجوز الثناء عليهم، ولا يجوز مدحهم، ولا يجوز التغاضي عن بدعتهم؛ لأن في هذا ترويجاً للبدعة، وتهويناً من أمر السنة، وبهذه الطريقة يظهر المبتدعة ويكونون قادة للأمة - لا قدَّر الله - فالواجب التحذير منهم"
الثالث: أن الرد على المخالف ليس المقصود منه تنقصه أو الفضيحة بل المقصود منه النصيحة، هذا الظاهر، والسرائر علمها عند الله، تبلى يوم تلتقي الخصوم، سئل الشيخ صالح الفوزان السؤال التالي: ما حكم من أحب عالماً أو داعية، وقال : إني أحبه حبًا كثيرًا، لا أريد أن أسمع أحداً يرد عليه، وأنا آخذ بكلامه حتى وإن كان مخالفاً للدليل، لأن هذا الشيخ أعرف منا بالدليل ؟ فأجاب بقوله " هذا تعصب ممقوت مذموم، ولا يجوز. نحن نحب العلماء – ولله الحمد- ونحب الدعاة في الله ، لكن إذا أخطأ واحد منهم في مسألة فنحن نُبَيِّن الحق في هذه المسألة بالدليل، ولا يُنقص ذلك من محبة المردود عليه، ولا من قدره . يقول الإمام مالك – رحمه الله - " ما مِنَّا إلا رادٌ ومردودٌ عليه؛ إلا صاحب هذا القبر" يعني : رسول الله e. نحن إذا رددنا على بعض أهل العلم، وبعض الفضلاء؛ ليس معنى هذا أننا نبغضه أو نتنقصه، وإنما نُبَيِّن الصواب، ولهذا يقول بعض العلماء لما أخطأ بعض زملائه، قال " فلان حبيبنا، ولكن الحق أحب إلينا منه"، هذا هو الطريق الصحيح. ولا تفهموا أن الرَّد على بعض العلماء في مسألة أخطأ فيها معناه تَنَقُّص لـه أو بُغض، بل ما زال العلماء يرد بعضهم على بعض، وهم أخوة ومتحابون . ولا يجوز لنا أن نأخذ كل ما يقوله الشخص أخذاً مسلّماً؛ أصاب أو أخطأ، لأن هذا تعصُّب. الذي يؤخذ قوله كله ولا يترك منه شيئاً هو رسول الله e، لأنه مبلِّغ عن ربه، لا ينطق عن الهوى، أما غيره فهم يخطئون ويصيبون، وإن كانوا من أفضل الناس، هم مجتهدون يخطئون ويصيبون . ليس أحد معصومًا من الخطأ إلا رسول الله e. يجب أن نعرف هذا، ولا نتكتّم على الخطأ محاباة لفلان، بل علينا أن نُبَيِّن الخطأ. يقول النبي e "الدين النصيحـة" قلنا : لمن ؟ قال : لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم" وبيان الخطأ من النصيحة للجميع، وأما كتمانه فهو مخالف للنصيحة"
الرابع: أن الخطأ لو كان خفياً لا يطلع عليه الناس، لكان رده بالخفاء، أما إن أظهر فوجب رده في العلن إلا أن يتراجع صاحبه تراجعاً واضحاً بينا يذكر فيه الخطأ ويعترف فيه بالزلل وأنه يتوب إلى الله من هذا الأمر أما مجرد الاكتفاء بالتراجع العام واتهام الآخرين من الناصحين فهذا سوء على سوء ودليل على أمور أخرى.




محبكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول

يوم الخميس 9/ ربــــــيع الآخر / 1431هـ

المصدر (http://wahyain.com/forums/showthread.php?t=1207)