المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في حكم إنشاء صف وراء صف مقطَّع- للشيخ فركوس حفظه الله



أبو عبد الله المعتز بالله الجيلالي السلفي
24-Aug-2012, 11:34 AM
السـؤال:
من دخل المسجدَ مسبوقًا فوجد أصحابَ الصَّفِّ الأخير يُصلُّون بين السواري -وفي المسجد متَّسع- فهل يدخل معهم أو ينشئ صفًّا جديدًا فيصلي منفردًا؟ وبارك الله فيكم.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِهِ إلى يوم الدِّين، أمّا بعدُ:
فقد وَرَدَ النهيُ عن إقامة الصفِّ بين السواري، فعن قُرَّةَ بنِ إياسٍ رضي الله عنه قال: «كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا»(١)، وعِلَّةُ النهي الانقطاعُ، فإذا خلا الصفّ من انقطاعٍ كالصفِّ الصغير الذي يكون قدر ما بين السَّارِيَتَيْنِ لم يُكْرَه، وكذلك وقوف الإمام بين ساريتين لا يَضُرُّ؛ لأنَّ النبيَّ صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم صَلَّى في الكعبة بين سواريها(٢)، وهذا النهي إنما يتعلَّق بما إذا كان في المسجد سَعَة، فإِنْ ضاق بأهله ولم يجد مكانًا إِلاَّ بين السواري فلا بأس بالصلاة فيه جَرْيًا على قاعدة: «إِذَا ضَاقَ الأَمْرُ اتَّسَعَ»، و«المَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ»، وقد نقل ابنُ العربي المالكي عَدَمَ اختلافِ العلماءِ في جوازه عند الضيق(٣). غير أنّ أفضليةَ الصفّ غيرِ المقطوعِ تبقى قائمةً ولو ضاقَ المسجدُ؛ لأنّ الجوازَ لا ينافي الأفضليةَ.
وعليه، فَإِنْ رأى المسبوقُ -في مسجد واسع- الصفَّ منقطِعًا وأمكن إحداثُ صفٍّ آخرَ بمن معه أو يعلم أنّ المسبوقين مثلَه يلتحقون بصفِّه جاز له ذلك اتقاءً للنهي واستبراءً لدينه، أمَّا إذا غلب على ظَنِّه أنه يُصَلِّي خلفَ الصفِّ المقطّع لوحده بحيث لا يصطفُّ غيرُه معه وخاصّة عند انتهاء صلاة الإمام فعليه أن يعدل عنه لحديث علي بن شيبان رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّمَ رأى رجلاً صَلَّى وحدَه خَلْفَ الصَّفِّ فقال له: «أَعِدْ صَلاَتَكَ فَإِنَّهُ لاَ صَلاَةَ لفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِ»(٤)، ويلزمه الالتحاقُ بالصفِّ المقطّع اضطرارًا لصحّةِ صلاةِ غيرِ المنفردِ ولو مع قطع الصفِّ دون المنفرد عملاً بأهون الشَّرَّيْنِ وأخفِّ المفسدتين، وجزاء النهي يترتّب على المتسبِّب في قطع الصفوف لقوله صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم: «مَنْ قَطَعَ صَفًَّا قِطْعَةً قَطَعَهُ اللهُ»(٥).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلّم تسليمًا.

الجزائر في: 12 محرم 1428ﻫ
الموافق ﻟ: 31 يناير 2007م
منقول من موقع الشيخ
http://www.ferkous.com/site/rep/Bd94.php (http://www.ferkous.com/site/rep/Bd94.php)

١- أخرجه ابن ماجه في «إقامة الصلاة»: (1002)، وابن حبان: (2177)، والحاكم: (819)، والبيهقي: (5244)، من حديث معاوية بن قرة رضي الله عنه، وحسنه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (355).

٢- أخرجه البخاري في «الصلاة»: (483)، ومسلم في «الحج»: (3230)، وأبو داود في «المناسك»: (2023)، والنسائي في «القبلة»: (749)، وأحمد: (5891)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

٣- عارضة الأحوذي: (2/28).

٤- أخرجه ابن ماجه في «إقامة الصلاة»: (1003)، وابن حبان في «صحيحه»: (2202)، وابن خزيمة في «صحيحه»: (1569)، وأحمد: (16735)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (4995)، من حديث علي بن شيبان بن محرز اليمامي رضي الله عنه. والحديث حسنه ابن كثير في «إرشاد الفقيه»: (1/176)، و صححه ابن القيم في «أعلام الموقعين»:(2/259)، والألباني في «الإرواء»: (2/329).

٥- أخرجه أبو داود في «الصلاة» (666)، والنسائي في «الإمامة» (819)، وابن خزيمة (1549)، وأحمد (5691)، والبيهقي (5288)، من حديث عبد اله بن عمر رضي الله عنهما، والحديث صححه النووي في «الخلاصة» (2/707)، وأحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد» (8/82)، والألباني في «السلسلة الصحيحة»6/76).