أبو يوسف عبدالله الصبحي
28-Aug-2012, 09:11 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ...
أما بعد :
وأنا أطالع سير أعلام النبلاء(10/ 148- 149 )في ترجمة أبي نعيم الفضل بن دكين ، مررت بهذه القصة العجيبة :قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ: خَرَجْتُ مَعَ أَحْمَدَ وَيَحْيَى إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ خَادِماً لَهُمَا.قَالَ: فَلَمَّا عُدْنَا إِلَى الكُوْفَةِ قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أُرِيْدُ أَنْ أَختَبِرَ أَبَا نُعَيْمٍ. فَقَالَ أَحْمَدُ: لاَ تُرِدْ، فَالرَّجُلُ ثِقَةٌ.قَالَ يَحْيَى: لاَ بُدَّ لِي، فَأَخَذَ وَرَقَةً، فَكَتَبَ فِيْهَا ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً، وَجَعَلَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ عَشرَةٍ مِنْهَا حَدِيْثاً لَيْسَ مِنْ حَدِيْثِهِ.ثُمَّ إِنَّهُمْ جَاؤُوا إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، فَخَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى دُكَّانِ طِيْنٍ، وَأَخَذَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَيَحْيَى عَنْ يَسَارِهِ، وَجلَسْتُ أَسْفَلَ الدُّكَّانِ.ثُمَّ أَخْرَجَ يَحْيَى الطَّبَقَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ، فَلَمَّا قَرَأَ الحَادِيَ عَشَرَ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيْثِي، اضرِبْ عَلَيْهِ.ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الثَّانِي، وَأَبُو نُعَيْمٍ سَاكِتٌ، فَقَرَأَ الحَدِيْثَ الثَّانِيَ، فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيْثِي، فَاضرِبْ عَلَيْهِ.ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الثَّالِثَ ثُمَّ قَرَأَ الحَدِيْثَ الثَّالِثَ، فَتَغيَّرَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَانقَلَبَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى يَحْيَى، فَقَالَ: أَمَّا هَذَا - وَذِرَاعُ أَحْمَدَ بِيَدِهِ - فَأَوْرَعُ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هَذَا، وَأَمَّا هَذَا - يُرِيْدُنِي - فَأَقَلُّ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ ذَاكَ، وَلَكِنْ هَذَا مِنْ فِعْلِكَ يَا فَاعِلُ، وَأَخْرَجَ رِجْلَهُ فَرَفَسَ يَحْيَى، فَرَمَى بِهِ مِنَ الدُّكَّانِ، وَقَامَ، فَدَخَلَ دَارَهُ.فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ليَحْيَى: أَلَمْ أَمْنَعْكَ، وَأَقُلْ لَكَ إِنَّهُ ثَبْتٌ.قَالَ: وَاللهِ لَرَفْسَتُهُ لِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَفْرَتِي.
والقصة أخرجها الخطيب في تاريخ بغداد( 12/353 و 354) وهي في بحر الدم فيمن تكلم الإمام أحمد فيهم بمدح أو ذم (1/126)وتهذيب الكمال للمزي (23/211) فتح المغيث - السخاوي (1/277)وتهذيب التهذيب لابن حجر(8/247).
هذه القصة التي تظهر ما كان عليه أهل الحديث من الحرص على اختبار من يأخذون عنهم ، ليكون أخذهم للعلم عن أهله ، والنصيحة بترك الاختبار لمن يعرف حاله قبلُ ، فقد نصح الإمام أحمد ليحي بن معين بحكم أنه يعرف أبا نعيم وأنه ثقة ، وتظهر القصة جزاء من لم يقبل النصيحة أن يصدم وأن يلطم جراء تجنيه على الثقات الأثبات فقد كانت نتيجتها ((رفسة ))وهي الصدمة بالرجل في الصدر ، وعلى الطالب الذي يريد أن يختبر المشايخ الثقات أن يقبل بالنتيجة حتى لو كانت مرة أو توبيخا أو ضربا فقد قبل ابن معين النتيجة وفرح بها فرحا شديدا وكانت أحب إليه من كل شيء فقال فيها -رحمه الله -: وَاللهِ لَرَفْسَتُهُ لِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَفْرَتِي ، وفي بعض الروايات أحب إلي من كل شيء ،فهكذا إظا ظفر الطالب بالشيخ الثقة الحافظ العدل فغنه يفرح بذلك حتى لو كانت النتيجة مرة فالظهر به ظفر بالعلم الصحيح الموثوق ...
فقد ذكرتني هذه القصة بكلمة قالها لي الشيخ المجدد العلامة محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله – وهي أحب إلي من كل شيء ، وإليك أخي القارئ المناسبة التي قال لي فيها الشيخ تلك الكلمة .
لقد سمعت مرة بنزول الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني في جدة عند صهره فطلبت من بعض إخواني الطلاب الجزائريين في معهد الحرم أنذاك ، وهم الأخ عبد الحكيم كيوة ، والأخ مصطفى بلحاج ، والأخ جلول سالمي ، وأنا في شك من الرابع هل كان معنا ؟وهو الربيع دايدي -رحمه الله - فذهبنا إليه ، وحضرنا الدرس وكانت كلمة الشيخ حول حديث :<< إنما جعل الإمام ليؤتم به ..>> رواه مالك في الموطأ (209) والبخاري في عدة مواطن من صحيحه (689)ومسلم (948).
وأثناء الدرس وشرح الشيخ للحديث رن الهاتف الثابت بجنب الشيخ ، فرفعه وكان صوت السماعة مفتوحا عاليا فإذا بدكتور شامي سوري يتصل على الشيخ -رحمه الله - ويدعوه إلى الغداء عنده في مسكنه في مكة المكرمة ، وهو قريب من جامعة أم القرى ، وقد عرفت فيما بعد من الشيخ حين قدمه لنا في بيته أنه من أصدقائه القدامى في سورية ، وأنه ممن كان يحضر عنده بعض الدروس ، (وللأسف لم أحفظ اسمه) فوافق الشيخ - رحمه الله - على الدعوة ولما خرجت عائدا إلى مكة مع الأخوة المذكورين قلت لهم : أنا غدا - بإذن الله تعالى- سأحضر اللقاء وسأذهب إلى المكان الذي تواعد فيه الشيخ مع الدكتور المذكور وهو الشارع الرئيسي ، بالعزيزية - العمارة القريبة من مسجد( فقيه أو بافقيه ) وأطلب منه أن أرافقه إلى الجلسة ، فقالوا لي : وكيف تفعل ذلك وصاحب البيت لم يقدم لك دعوة ؟ وربما لم يجهز الغداء لأكثر من ضيوفه المدعوين ، وذهابك فيه إحراج له ، فقلت لهم : أنا لست ذاهبا من أجل الأكل ، وإنما ذاهب لأستفيد ، ثم قلت لهم لقد بوب البخاري في صحيحه :
34-باب الرجل يتكلف الطعام لإخوانه. حديث رقم (5434)قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ كَانَ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو شُعَيْبٍ ، وَكَانَ لَهُ غُلاَمٌ لَحَّامٌ فَقَالَ اصْنَعْ لِي طَعَامًا أَدْعُو رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَامِسَ خَمْسَةٍ فَدَعَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَامِسَ خَمْسَةٍ فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّكَ دَعَوْتَنَا خَامِسَ خَمْسَةٍ وَهَذَا رَجُلٌ قَدْ تَبِعَنَا فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُ قَالَ بَلْ أَذِنْتُ لَهُ.
وفيه :باب الرَّجُلِ يُدْعَى إِلَى طَعَامٍ فَيَقُولُ وَهَذَا مَعِي. حديث رقم (5461)قال حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا شُعَيْبٍ ، وَكَانَ لَهُ غُلاَمٌ لَحَّامٌ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي أَصْحَابِهِ فَعَرَفَ الْجُوعَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَهَبَ إِلَى غُلاَمِهِ اللَّحَّامِ فَقَالَ اصْنَعْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً لَعَلِّي أَدْعُو النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَامِسَ خَمْسَةٍ فَصَنَعَ لَهُ طُعَيِّمًا ثُمَّ أَتَاهُ فَدَعَاهُ فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَا أَبَا شُعَيْبٍ إِنَّ رَجُلاً تَبِعَنَا فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُ قَالَ : لاََ بَلْ أَذِنْتُ لَهُ.وأزيد اليوم هنا ما بوب مسلم به - باب جَوَازِ اسْتِتْبَاعِهِ غَيْرَهُ إِلَى دَارِ مَنْ يَثِقُ بِرِضَاهُ بِذَلِكَ وَيَتَحَقَّقُهُ تَحَقُّقًا تَامًّا وَاسْتِحْبَابِ الاِجْتِمَاعِ عَلَى الطَّعَامِ. ثم ذكر قصة جابر بن عبد الله في صنع الطعام للنبي في غزوة الخندق ، وقصة خروج أبي بكر وعمر رضي الله عنهم من بيوتهما في وقت ما كان لهما أن يخرجان فيه واصطحاب النبي لهما إلى بيت من الأنصار ...
فأعجبتهم الفكرة ، ووافقوا على الذهاب أيضا... فتواعدنا أن نلتقي في ذلك المكان فذهبت مبكرا إلى المكان المحدد ، ولم تمر إلا بعض الدقائق حتى وصل الشيخ - رحمه الله - فذهبت وسلمت عليه ، واستأذنت منه ذاكرا له الحديث الذي بوب عليه البخاري ، فوافق الشيخ وقال لي على شريطة أن نستأذن من صاحب البيت ، فلما جاء صاحب البيت استأذنه الشيخ فأذن لي ولجميع من يرغب في حضور اللقاء فصعدنا البيت وبعد الترحيب بالشيخ وتقديم القهوة والشاي على الطريقة السورية جاء بعض الدكاترة وطلبة العلم لم أعرف منهم إلا الشيخ جميل زينوا والدكتور العقلان -رحمها الله - مدير دار الحديث بمكة المكرمة ، وافتتح الشيخ الجلسة وأول من بدأ بالسؤال هو الشيخ جميل زينوا وكنت جالسا بجنب الشيخ الألباني حاملا لجهاز التسجيل ، أسجل فيه أجوبة الشيخ ومناقشاته وأراقب الشيخ في حركاته .
وهنا لطيفة : أقدمها وهي أن الشيخ من وقت ما جلس جلسة الافتراش في الصلاة لم يتحرك ولم يغير جلسته مع كبر سنه ، وأما أنا فقد غيرت جلستي أكثر من ثلاث مرات ، والكل يأكل ويسأل إذا جاء دوره ، والشيخ يجيب على أسئلة الجميع ، ويأكل وأنا استمع ولما جاء دوري قدمت سؤالي ، ولم أمد يدي إلى الطعام قط ، إلا في أخر الجلسة حيث ذقت الطعام وشربت شايا ، وفي نهاية جوابه على سؤالي قال لي كلمة هي أحب إلي من كل شيء : وهي قوله : كل هؤلاء الحضور ما أكلوا وإنما أنت من أكل كل شيء ، فضحك الجميع لها ، وسلمنا على الشيخ وانصرفنا ...ذكرت هذه القصة بعد تلك القصة التي ذكرتها في الدفاع عن الشيخ الألباني – رحمه الله – والرد على من يتهمه بالإرجاء ليعلم من يشغب علي بالإفتراء والكذب من المفترين والأفاكين أنني من محبي الشيخ حتى النخاع في الله ، واحتسب ذلك قربة عنده سبحانه ، فإنه من أعجب العجب أن يصدر من بعض الشباب السلفي في هذا العصر فقد نمي إلي أني ممن يرمي الشيخ بالإرجاء ، أو ينال منه ، وهذا والله لم يكن حتى في مخيلتي ولا وسوس به الشيطان لي ساعة من نهار فضلا عن أني فكرت فيه أو بحت به ، وهو والله من الكذب والافتراء الذي تعوذت على سماعه ، ووالله لن أسمح لهذا الأفاك الأثيم أمام الله تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين على هذه الفرية وغيرها من الأباطيل والافتراءات التي لم أفكر فيها ولم أعرفها إلا عند سماعها ، ولست أدري ما الغرض من هذه الشائعات والأكاذيب على طلبة العلم السلفيين التي يصدقها بعض المشايخ وطلاب العلم -وللأسف -ولا يصدقون المتبرأ منها ، ولكن الحمد لله الذي جعل لنا يوما نقف فيه ونرى الأمور على حقيقتها ونعلم من كان وراءها وما كان قصده ، فعزائي في كل ما اتهمت به ذلكم اليوم الذي تبلى فيه السرائر ويشكف فيه ما في الصدور ، ويظهر كل شيء في الكتاب المسطور ويقتص الله تعالى للمظلوم من الظالم ..
وكتب :
محب العلم والإنصاف ... على طريقة صالح الأسلاف
كتبه الشيخ :- أبو بكر يوسف لعويسي
-- حفظه الله ورعاه --
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ...
أما بعد :
وأنا أطالع سير أعلام النبلاء(10/ 148- 149 )في ترجمة أبي نعيم الفضل بن دكين ، مررت بهذه القصة العجيبة :قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ: خَرَجْتُ مَعَ أَحْمَدَ وَيَحْيَى إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ خَادِماً لَهُمَا.قَالَ: فَلَمَّا عُدْنَا إِلَى الكُوْفَةِ قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أُرِيْدُ أَنْ أَختَبِرَ أَبَا نُعَيْمٍ. فَقَالَ أَحْمَدُ: لاَ تُرِدْ، فَالرَّجُلُ ثِقَةٌ.قَالَ يَحْيَى: لاَ بُدَّ لِي، فَأَخَذَ وَرَقَةً، فَكَتَبَ فِيْهَا ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً، وَجَعَلَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ عَشرَةٍ مِنْهَا حَدِيْثاً لَيْسَ مِنْ حَدِيْثِهِ.ثُمَّ إِنَّهُمْ جَاؤُوا إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، فَخَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى دُكَّانِ طِيْنٍ، وَأَخَذَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَيَحْيَى عَنْ يَسَارِهِ، وَجلَسْتُ أَسْفَلَ الدُّكَّانِ.ثُمَّ أَخْرَجَ يَحْيَى الطَّبَقَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ، فَلَمَّا قَرَأَ الحَادِيَ عَشَرَ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيْثِي، اضرِبْ عَلَيْهِ.ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الثَّانِي، وَأَبُو نُعَيْمٍ سَاكِتٌ، فَقَرَأَ الحَدِيْثَ الثَّانِيَ، فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيْثِي، فَاضرِبْ عَلَيْهِ.ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الثَّالِثَ ثُمَّ قَرَأَ الحَدِيْثَ الثَّالِثَ، فَتَغيَّرَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَانقَلَبَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى يَحْيَى، فَقَالَ: أَمَّا هَذَا - وَذِرَاعُ أَحْمَدَ بِيَدِهِ - فَأَوْرَعُ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هَذَا، وَأَمَّا هَذَا - يُرِيْدُنِي - فَأَقَلُّ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ ذَاكَ، وَلَكِنْ هَذَا مِنْ فِعْلِكَ يَا فَاعِلُ، وَأَخْرَجَ رِجْلَهُ فَرَفَسَ يَحْيَى، فَرَمَى بِهِ مِنَ الدُّكَّانِ، وَقَامَ، فَدَخَلَ دَارَهُ.فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ليَحْيَى: أَلَمْ أَمْنَعْكَ، وَأَقُلْ لَكَ إِنَّهُ ثَبْتٌ.قَالَ: وَاللهِ لَرَفْسَتُهُ لِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَفْرَتِي.
والقصة أخرجها الخطيب في تاريخ بغداد( 12/353 و 354) وهي في بحر الدم فيمن تكلم الإمام أحمد فيهم بمدح أو ذم (1/126)وتهذيب الكمال للمزي (23/211) فتح المغيث - السخاوي (1/277)وتهذيب التهذيب لابن حجر(8/247).
هذه القصة التي تظهر ما كان عليه أهل الحديث من الحرص على اختبار من يأخذون عنهم ، ليكون أخذهم للعلم عن أهله ، والنصيحة بترك الاختبار لمن يعرف حاله قبلُ ، فقد نصح الإمام أحمد ليحي بن معين بحكم أنه يعرف أبا نعيم وأنه ثقة ، وتظهر القصة جزاء من لم يقبل النصيحة أن يصدم وأن يلطم جراء تجنيه على الثقات الأثبات فقد كانت نتيجتها ((رفسة ))وهي الصدمة بالرجل في الصدر ، وعلى الطالب الذي يريد أن يختبر المشايخ الثقات أن يقبل بالنتيجة حتى لو كانت مرة أو توبيخا أو ضربا فقد قبل ابن معين النتيجة وفرح بها فرحا شديدا وكانت أحب إليه من كل شيء فقال فيها -رحمه الله -: وَاللهِ لَرَفْسَتُهُ لِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَفْرَتِي ، وفي بعض الروايات أحب إلي من كل شيء ،فهكذا إظا ظفر الطالب بالشيخ الثقة الحافظ العدل فغنه يفرح بذلك حتى لو كانت النتيجة مرة فالظهر به ظفر بالعلم الصحيح الموثوق ...
فقد ذكرتني هذه القصة بكلمة قالها لي الشيخ المجدد العلامة محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله – وهي أحب إلي من كل شيء ، وإليك أخي القارئ المناسبة التي قال لي فيها الشيخ تلك الكلمة .
لقد سمعت مرة بنزول الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني في جدة عند صهره فطلبت من بعض إخواني الطلاب الجزائريين في معهد الحرم أنذاك ، وهم الأخ عبد الحكيم كيوة ، والأخ مصطفى بلحاج ، والأخ جلول سالمي ، وأنا في شك من الرابع هل كان معنا ؟وهو الربيع دايدي -رحمه الله - فذهبنا إليه ، وحضرنا الدرس وكانت كلمة الشيخ حول حديث :<< إنما جعل الإمام ليؤتم به ..>> رواه مالك في الموطأ (209) والبخاري في عدة مواطن من صحيحه (689)ومسلم (948).
وأثناء الدرس وشرح الشيخ للحديث رن الهاتف الثابت بجنب الشيخ ، فرفعه وكان صوت السماعة مفتوحا عاليا فإذا بدكتور شامي سوري يتصل على الشيخ -رحمه الله - ويدعوه إلى الغداء عنده في مسكنه في مكة المكرمة ، وهو قريب من جامعة أم القرى ، وقد عرفت فيما بعد من الشيخ حين قدمه لنا في بيته أنه من أصدقائه القدامى في سورية ، وأنه ممن كان يحضر عنده بعض الدروس ، (وللأسف لم أحفظ اسمه) فوافق الشيخ - رحمه الله - على الدعوة ولما خرجت عائدا إلى مكة مع الأخوة المذكورين قلت لهم : أنا غدا - بإذن الله تعالى- سأحضر اللقاء وسأذهب إلى المكان الذي تواعد فيه الشيخ مع الدكتور المذكور وهو الشارع الرئيسي ، بالعزيزية - العمارة القريبة من مسجد( فقيه أو بافقيه ) وأطلب منه أن أرافقه إلى الجلسة ، فقالوا لي : وكيف تفعل ذلك وصاحب البيت لم يقدم لك دعوة ؟ وربما لم يجهز الغداء لأكثر من ضيوفه المدعوين ، وذهابك فيه إحراج له ، فقلت لهم : أنا لست ذاهبا من أجل الأكل ، وإنما ذاهب لأستفيد ، ثم قلت لهم لقد بوب البخاري في صحيحه :
34-باب الرجل يتكلف الطعام لإخوانه. حديث رقم (5434)قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ كَانَ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو شُعَيْبٍ ، وَكَانَ لَهُ غُلاَمٌ لَحَّامٌ فَقَالَ اصْنَعْ لِي طَعَامًا أَدْعُو رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَامِسَ خَمْسَةٍ فَدَعَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَامِسَ خَمْسَةٍ فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّكَ دَعَوْتَنَا خَامِسَ خَمْسَةٍ وَهَذَا رَجُلٌ قَدْ تَبِعَنَا فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُ قَالَ بَلْ أَذِنْتُ لَهُ.
وفيه :باب الرَّجُلِ يُدْعَى إِلَى طَعَامٍ فَيَقُولُ وَهَذَا مَعِي. حديث رقم (5461)قال حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا شُعَيْبٍ ، وَكَانَ لَهُ غُلاَمٌ لَحَّامٌ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي أَصْحَابِهِ فَعَرَفَ الْجُوعَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَهَبَ إِلَى غُلاَمِهِ اللَّحَّامِ فَقَالَ اصْنَعْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً لَعَلِّي أَدْعُو النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَامِسَ خَمْسَةٍ فَصَنَعَ لَهُ طُعَيِّمًا ثُمَّ أَتَاهُ فَدَعَاهُ فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَا أَبَا شُعَيْبٍ إِنَّ رَجُلاً تَبِعَنَا فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُ قَالَ : لاََ بَلْ أَذِنْتُ لَهُ.وأزيد اليوم هنا ما بوب مسلم به - باب جَوَازِ اسْتِتْبَاعِهِ غَيْرَهُ إِلَى دَارِ مَنْ يَثِقُ بِرِضَاهُ بِذَلِكَ وَيَتَحَقَّقُهُ تَحَقُّقًا تَامًّا وَاسْتِحْبَابِ الاِجْتِمَاعِ عَلَى الطَّعَامِ. ثم ذكر قصة جابر بن عبد الله في صنع الطعام للنبي في غزوة الخندق ، وقصة خروج أبي بكر وعمر رضي الله عنهم من بيوتهما في وقت ما كان لهما أن يخرجان فيه واصطحاب النبي لهما إلى بيت من الأنصار ...
فأعجبتهم الفكرة ، ووافقوا على الذهاب أيضا... فتواعدنا أن نلتقي في ذلك المكان فذهبت مبكرا إلى المكان المحدد ، ولم تمر إلا بعض الدقائق حتى وصل الشيخ - رحمه الله - فذهبت وسلمت عليه ، واستأذنت منه ذاكرا له الحديث الذي بوب عليه البخاري ، فوافق الشيخ وقال لي على شريطة أن نستأذن من صاحب البيت ، فلما جاء صاحب البيت استأذنه الشيخ فأذن لي ولجميع من يرغب في حضور اللقاء فصعدنا البيت وبعد الترحيب بالشيخ وتقديم القهوة والشاي على الطريقة السورية جاء بعض الدكاترة وطلبة العلم لم أعرف منهم إلا الشيخ جميل زينوا والدكتور العقلان -رحمها الله - مدير دار الحديث بمكة المكرمة ، وافتتح الشيخ الجلسة وأول من بدأ بالسؤال هو الشيخ جميل زينوا وكنت جالسا بجنب الشيخ الألباني حاملا لجهاز التسجيل ، أسجل فيه أجوبة الشيخ ومناقشاته وأراقب الشيخ في حركاته .
وهنا لطيفة : أقدمها وهي أن الشيخ من وقت ما جلس جلسة الافتراش في الصلاة لم يتحرك ولم يغير جلسته مع كبر سنه ، وأما أنا فقد غيرت جلستي أكثر من ثلاث مرات ، والكل يأكل ويسأل إذا جاء دوره ، والشيخ يجيب على أسئلة الجميع ، ويأكل وأنا استمع ولما جاء دوري قدمت سؤالي ، ولم أمد يدي إلى الطعام قط ، إلا في أخر الجلسة حيث ذقت الطعام وشربت شايا ، وفي نهاية جوابه على سؤالي قال لي كلمة هي أحب إلي من كل شيء : وهي قوله : كل هؤلاء الحضور ما أكلوا وإنما أنت من أكل كل شيء ، فضحك الجميع لها ، وسلمنا على الشيخ وانصرفنا ...ذكرت هذه القصة بعد تلك القصة التي ذكرتها في الدفاع عن الشيخ الألباني – رحمه الله – والرد على من يتهمه بالإرجاء ليعلم من يشغب علي بالإفتراء والكذب من المفترين والأفاكين أنني من محبي الشيخ حتى النخاع في الله ، واحتسب ذلك قربة عنده سبحانه ، فإنه من أعجب العجب أن يصدر من بعض الشباب السلفي في هذا العصر فقد نمي إلي أني ممن يرمي الشيخ بالإرجاء ، أو ينال منه ، وهذا والله لم يكن حتى في مخيلتي ولا وسوس به الشيطان لي ساعة من نهار فضلا عن أني فكرت فيه أو بحت به ، وهو والله من الكذب والافتراء الذي تعوذت على سماعه ، ووالله لن أسمح لهذا الأفاك الأثيم أمام الله تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين على هذه الفرية وغيرها من الأباطيل والافتراءات التي لم أفكر فيها ولم أعرفها إلا عند سماعها ، ولست أدري ما الغرض من هذه الشائعات والأكاذيب على طلبة العلم السلفيين التي يصدقها بعض المشايخ وطلاب العلم -وللأسف -ولا يصدقون المتبرأ منها ، ولكن الحمد لله الذي جعل لنا يوما نقف فيه ونرى الأمور على حقيقتها ونعلم من كان وراءها وما كان قصده ، فعزائي في كل ما اتهمت به ذلكم اليوم الذي تبلى فيه السرائر ويشكف فيه ما في الصدور ، ويظهر كل شيء في الكتاب المسطور ويقتص الله تعالى للمظلوم من الظالم ..
وكتب :
محب العلم والإنصاف ... على طريقة صالح الأسلاف
كتبه الشيخ :- أبو بكر يوسف لعويسي
-- حفظه الله ورعاه --