المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [فوائد مستخلصة] وصية الله لعباده ،ووصايا لقمان الحكيم لابنه [ الوصية الثالثة، مهمة أيضا ] .الشيخ أبي بكر يوسف لعويسي الجزائري الخاطبي



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
31-Aug-2012, 02:33 AM
وصية الله لعباده ،ووصايا لقمان الحكيم لابنه [ الوصية الثالثة، مهمة أيضا ] وصية الله لعباده ،ووصايا لقمان الحكيم لابنه [ الوصية الثالثة، مهمة أيضا ]
الوصية الثالثة :
قال الله تعالى على لسان لقمان لابنه وهو يوصيه {{ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صخْرَةٍ أوْ فِي السَّمَوَاتِ أوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِها اللهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }} .
في هذه الاية الكريمة ، مازال لقمان يغرس في ابنه من الوصاية النافعة الجامعة ، لتكون نبراسا يقتذى به ، ويعرفه بأسماء الله تعالى وصفاته - المعبود الحق - الذي ينبغي أن يراقب في السر والعلن ، وأن يعظم في النفوس ، فتكون الأعمال كلها لله ، وان الله لايخفى عليه شيء منها ، صغيرها وكبيرها ، حسنها وسيئها ،لأنه هو من يحصيها ويأتي بها يوم القيامة ،
وإذا كان لقمان حريصا على ذلك لابنه فإن نبينا عليه الصلاة والسلام جعلها سنة متبعة وموعظة نافعة ، ووصية جامعة ، لأمته ، فقال لابن عباس وهو غلام حدث :<< يا غلام ، إني أعلمك كلمات ، احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، وإذا سألت فاسأل الله ، ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم ان المة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشيء ، لم ينعوك إلا بشيء كتبه الله لك ، وغن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ،لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ،رفعت الأقلام ، وجفعت الصحف >> رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ، وفي رواية غير الترمذي :<<احفظ الله تجده تجاهك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، واعلم ان ما أخطاك لم يكن ليصبك ، وأما أصابك لم يكن ليحطئك ، واعلم أن أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا >>.أحمد، والحاكم ، تخريج المشكاة [ح5302] وصحيح الجامع 7834 ] وقال صحيح .
كلمة جليلة عظيمة ووصية جامعة نافعة ، وهي قمة في التوحيد ،في إفراده بتوحيد الألوهية ، وأنه مهما يكن من شيء نفعا أو ضرا ، غنا وفقرا ، فاستعن بالله في اتخاذ الأسباب ، ومن اعظمها الدعاء فاسأله وحده ، ولاتلتفت لأحد، فإن الله هو الذي كتبه للعبد أو عليه ، وإذا تعلم العبد ذلك وتربي عليه ،وتيقنه ، دفعه لحفظ حدود الله أمرا ونهيا ، وذلك تمامٌ في مراقبة الله بالتعرف إليه في الشدة والرخاء ، في اليسر والعسر ،في الغيب والشهادة ، وهذا هو التعبد لله ، بالأحسان ، فاعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
وفي هذه الوصايا من الفوائد ما سنذكره إن شاء الله بعد أن أذكر أقوال المفسرين في الآية .
قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله (المتوفى : 310هـ)جامع البيان في تأويل القرآن: [ ج21/ 72 -73 ] بعد ما حكى أن في الآية قولين ..
وأولى القولين بالصواب عندي، القول الثاني؛ أن الله تعالى ذكره لم يعد عباده أن يوفيهم جزاء سيئاتهم دون جزاء حسناتهم، فيقال: إن المعصية إن تك مثقال حبة من خردل يأت الله بها، بل وعد كلا العاملين أن يوفيه جزاء أعمالهما. فإذا كان ذلك كذلك، كانت الهاء في قوله:(إنَّها) بأن تكون عمادا أشبه منها بأن تكون كناية عن الخطيئة والمعصية. وأما النصب في المثقال، فعلى أن في "تَكُ" مجهولا والرفع فيه على أن الخبر مضمر، كأنه قيل: إن تك في موضع مثقال حبة؛ لأن النكرات تضمر أخبارها، ثم يترجم عن المكان الذي فيه مثقال الحبة.
وعنى بقوله:{{ مِثْقالَ حَبَّةٍ}} : زنة حبة. فتأويل الكلام إذن: إن الأمر إن تك زنة حبة من خردل من خير أو شرّ عملته، فتكن في صخرة، أو في السموات، أو في الأرض، يأت بها الله يوم القيامة، حتى يوفيك جزاءه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله:{{ يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ }} من خير أو شحدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن ويحيى، قالا ثنا أبو سفيان، عن السدي، عن أبي مالك {{ فَتَكُن فِي صخْرَةٍ أوْ فِي السَّمَوَاتِ أوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِها اللهُ }} قال: يعلمها الله.
وقوله:{{ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }} يقول: إن الله لطيف باستخراج الحبة من موضعها حيث كانت خبير بموضعها.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد،عن قَتادة( إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) أي: لطيف باستخراجها، خبير بمستقرّها.
وقال القرطبي : [ج14/ 66 -68 ] الجامع لأحكام القرآنتحقيق هشام سمير البخاري.
المعنى: وقال لقمان لابنه يا بنّي. وهذا القول من لقمان إنما قصد به إعلام ابنه بقدر قدرة الله تعالى. وهذه الغاية التي أمكنه أن يفهمه، لأن الخردلة يقال: إن الحّس لا يدرك لها ثقلا، إذ لا ترجح ميزانا. أي لو كان للإنسان رزق مثقال حّبة خردل في هذه المواضع جاء الله بها حتى يسوقها إلى من هي رزقه؛ أي لا تهتم للرزق حتى تشتغل به عن أداء الفرائض، وعن اتباع سبيل من أناب إلّي.
قلت: [أي القرطبي ] ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن مسعود: "لا تكثر همك ما يقدر يكون وما ترزق يأتيك" . وقد نطقت هذه الآية بأن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا؛ سبحانه لا شريك له.
وقيل: المعنى أنه أراد الأعمال، المعاصي والطاعات؛ أي إن تك الحسنة أو الخطيئة مثقال حبة يأت بها الله؛ أي لا تفوت الإنسان المقدر وقوعها منه. وبهذا المعنى يتحصل في الموعظة ترجية وتخويف مضاف . ذلك إلى تبيين قدرة الله تعالى. وفي القول الأول ليس فيه ترجية ولا تخويف.
قوله تعالى: {{ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ }} قيل: معنى الكلام المبالغة والانتهاء في التفهيم؛ أي أن قدرته تعالى تنال ما يكون في تضاعيف صخرة وما يكون في السماء والأرض.
قال : أبو الفداء إسماعيل كثير (المتوفى : 774هـ) تفسير القرآن العظيم ، بتحقيق سامي بن محمد سلامة :
وقوله: {{ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ }} أي: أحضرها الله يوم القيامة حين يضع الموازين القسط، وجازى عليها إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر. كما قال تعالى: {{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }} [الأنبياء: 47]، وقال تعالى: {{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }} [الزلزلة:7 ، 8 ]ولو كانت تلك الذرة محصنة محجبة في داخل صخرة صَمَّاء، أو غائبة ذاهبة في أرجاء السموات أو الأرض فإن الله يأتي بها؛ لأنه لا تخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض؛ولهذا قال: {{ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }} أي: لطيف العلم، فلا تخفى عليه الأشياء وإن دَقت ولطفت وتضاءلت { خَبِيرٌ } بدبيب النمل في الليل البهيم.
والظاهر -والله أعلم -أن المراد: أن هذه الحبة في حقارتها لو كانت داخل صخرة، فإن الله سيبديها ويظهرها بلطيف علمه.
كما قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لَهِيعة، حدثنا دَراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن أحدكم يعمل في صخرة صَمَّاء، ليس لها باب ولا كوَّة، لخرج عمله للناس كائنًا ما كان".قال المحقق : المسند (3/28) وحسنه الهيثمي في المجمع (10/225) وفيه ابن لهيعة عن دراج وهما ضعيفان.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي :في كتابه تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (المتوفى : 1376هـ):[ ج4/ 108].
{{ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ }} التي هي أصغر الأشياء وأحقرها، {{ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ }} أي في وسطها {{ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ }} في أي جهة من جهاتهما {{ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ }} لسعة علمه، وتمام خبرته وكمال قدرته، ولهذا قال: {{ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }} أي: لطف في علمه وخبرته، حتى اطلع على البواطن والأسرار، وخفايا القفار والبحار.
والمقصود من هذا، الحث على مراقبة اللّه، والعمل بطاعته، مهما أمكن، والترهيب من عمل القبيح، قَلَّ أو كَثُرَ.
وقال صديق حسن خان في كتابه فتح البيان في مقاصد القرآن [ج5/ 259].وقوله : {{ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ }}فإنها عند كونها في صخرة قد صارت في أخفى مكان وأحرزه حيث كانت في السموات أو في الأرض ،وفي اأخفى مكان منهما يأت بها الله يوم القيامة ويحاسب عليها .
وقوله : {{ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }} لطيف باستخراجها لاتخفى عليه خافية ،بل يصل علمه إلى كل خفي ، فهو خبير بمكانها ، وبكل شيء لايغيب عنه ، ومعنى الآية الإحاطة بالأشياء صغيرها وكبيرها .
الفوائد المستوحاة من الآية الكريمة :
1- تكرار النداء ، ب [ يا بني فإنه أبلغ في التربية وقبول نصحية الولد من والده ، لأن ذلك فيه استعطاف ، ورقة ، وشفقة ، وحب ، واستجابة سريعة ، يظهر ذلك في قول الخليل إبراهيم لابنه : {{... يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى..}} فجاء الجواب من الابن بالسمع والطاعة ،{{ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }} (102) سورة الصافات..}} فلو قال له أبوه ، يا ولد ، تعال أذبحك ، ما حصل منه الاستجابة ، ولكن لما استعطفه بنسبته إلى صلبه بالأبوة ، وحبه بالبنوة ، وعلم الابن أنّ ذلك عن أمر الله خضع للأمر ، عن طواعية لأبيه وبر به فكانت النتيجة ما تعلمون {{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}} (107) سورة الصافات] .
2- وقوله : {{ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا ..}}أي اعلم يقينا أنه مهما يكن من أمر صغير أو كبير جليل أو حقير ، طاعة أو معصية، خير أو شر إن الله يعلمه، ويأت به يوم القيامة فيحاسب عليه ، فيدفعه ذلك إلى توحيد الله ومراقبته في السر والعلن.وتعلم حفظهفي جميع أحواله ، وهكذا قال نبينا عليه الصلاو والسلام : << اتق الله حيث ما كنت ، واتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن >> . رواه أحمد ،والبيهقي في الشعب ، و الترمذي وقال حديث حسن وهو كما قال فقد حسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع برقم [96].
3 – ضرب الأمثال التي تقرب الفهم في التعليم والتربية للأبناء والطلاب ، بما يمكن أن يستوعبوه ولا يخرج عن حد الممكن إلى حد المستحيل , فإن المثقال معروف معهود ، وكذلكم حبة الخردلة ..وإن كانت العقول لاتدرك وزنها ..
4- ضرب الأمثال مما يقرب الفهم للطفل والتلميذ لمعرفة سعة علم الله وإحاطته بكل شيء ، فإذا كان الله لا تغيب عنه وزن ذرة ، ولا حبة خردل مما هو أدق الأشياء فكبيرها من باب أولى في هذا الكون الفسيح ، في سعة السماوات والأرض التي يشاهدها.
5- في الآية تحذير وتذكير ،وموعظة لطيفة ، وتحسيسات مستعطفة للانتباه لما يقوم به الابن أو الطالب من الأعمال ، فإن الله لايخفى عليه من ذلك شيئا، فلا يستخف بالحسنة والسيئة مهما قلت أو صغرت . فعن انس بن مالك رضي الله عنه قال: << إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله من الموبقات >>رواه البخاري [ح6492]وقال : الموبقات المهلكات . هذا في تحقير الذنوب ، أما في الحسنات فقد قال صلى الله عليه وسلم :<<لايحقرن أحدكم شيئا من المعروف ..>> الترمذي ، وهو في صحيح الجامع برقم : [7510]
6 – تعليم الطفل والتلميذ أسماء الله تعالى وتربيتهما على ذلك ، وحثهما على التعبد لله بأسمائه وصفاته ، بمراقبته ، فإنه لطيف خبير ،وهو بكل شيء محيط وإذا كان كذلك فهو على كل شيء قدير .
7- عدم غياب المثقال من حبة الخردل عليه يدل على سعة علم الله وإحاطته بكل شيء ، وسعة سماواته وأراضيه يدل على سعة علمه وقدرته ، وذلك يدل على خبرته بما يجري عليهما وفي باطنهما، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم .والحمد لله رب العالمين .

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
24-Jan-2013, 01:01 AM
للرفع