أبو عبد الله المعتز بالله الجيلالي السلفي
06-Sep-2012, 10:08 PM
من عوائق الطلب .. أخذ العلم عن الأصاغر
للشيخ عبد السلام بن برجس العبد الكريم -رحمه الله تعالى- وذلك من كتابه "عوائق الطلب".
لقد فشت ظاهرة أخذ العلم عن صغار الأسنان بين طلاب العلم في هذا الزمن.
وهذه الظاهرة في الحقيقة داء عضال , ومرضٌ مزمن ، يعيق الطالب عن مراده ، ويعوجَ به عن طريق السليم الموصل الى العلم.
وذلك لأن أخذ العلم عن صغار الأسنان ، الذين لم ترسخ قدمهم في العلم ، ولم تشب لحاهم فيه ، مع وجود من هو أكبر منهم سناً ، وأرسخ قدماً ، يضعف أساس المبتدئ ، ويحرمه الاستفادة من خبرة العلماء الكبار ، وأكتساب أخلاقهم ، التى قومها العلم والزمـن... إلى غير ذلك من التعليلات التى يوحي بها أثر ابن مسعودِ -رضى الله عنه- حيث يقول : ( ولايزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن،أمنائهم، وعلمائهم ، فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا(
وثبت الحديث عن أبى أمية الجمحى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر.
وقد أختلف الناس فى تفسير _ الصغار _ هنا على أقوال ذكرها ابن عبد البر رحمه الله في _ الجامع _ ( 1/157 ) والشاطبى رحمه الله في الأعتصام ( 2/93 )
وقد ذهب أبن قتيبة _ رحمه الله _ الى أن الصغار هم صغار الأسنان ، فقال على أثر ابن مسعود الآنف الذكر :( يريد لايزال الناس بخير ماكان علمائهم المشايخ ، ولم يكن علمائهم الاحداث ، لأن الشيخ قد زالت عنه متعة الشباب ، وحِدته ، وعجلته ، وسفهه ، واستصحب التجربة والخبرة ، ولايدخل عليه في علمه الشبهة ، ولا يغلب عليه الهوى ، ولايميل به الطمع ، ولا يستزله الشيطان استزلال الحدث ، فمع السن :الوقار ، والجلالة ، والهيبة.
والحدث قد تدخل عليه هذه الامور التى أمنت على الشيخ ، فإذا دخلت عليه ، وأفتى هلك وأهلك)اهـ.(1)
وقد روى ابن عبد البر عن عمر ابن الخطاب -رضى الله عنه -أنه قال : قد علمت متى صلاح الناس ، ومنى فسادهم : إذا جاء الفقه من قبل الصغير استعصى عليه الكبير ، وإذا جاء الفقه من الكبير تابعه الصغير فاهتديا.
وروى ابن عبد البر –أيضا- عن أبى الأحوص عن عبد الله قال : (إنكم لن تزالوا بخير مادام العلم في كباركم ، فإذا كان العلم في صغاركم سفه الصغير الكبير.
ففى هذين الاثرين تعليل لعدم الأخذ عن "الصغير" آخر غير الذى ذكره ابن قتيبة ، وهو: خشية رد العلم إذا جاء من الصغير.
وعلى كل فإن لفظة "الصغير" عامة تتناول :الصغير حساً ومعنىً.
وهذا الحكم ليس على إطلاقه في "صغير السن" فقد أفتى ودرس جماعة من الصحابة والتابعين في صغرهم ، بحضرة الأكابر. إلاً أن هؤلاء يندر وجود مثلهم فيمن بعدهم ، فإن وُجدُوا ، وعلم صلاحهم ، وسُبرَ علمهم فظهرت رصانته ، ولم يوجد من الكبار أحدٌ يؤخذ عنه العلوم التي معهم ، وأُمنت الفتنة فليؤخذ عنهم.
قال الحجاج بن أرطاة رحمه الله : كانوا يكرهون أن يُحدًث الرجل حتى يرى الشيب في لحيته (2).
وليس المراد أن يهجر علم الحدث مع وجود الأكابر كلاً ، وإنما المراد إنزال الناس منازلهم ، فحقُ الحدث النًابغِ أن ينتفع به في المدارسة ، والمذاكرة ، والمباحثة... أما أن يصدر للفتوى ، ويكتب إليه بالأسئلة فلا وألف لا ، لأن ذلك قتل له ، وفتنة وتغرير.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله : لو رأيت رجلا أجتمع الناس حوله لقلت : هذا مجنون ، من الذى أجتمع الناس حوله لايحب أن يجوًد الناس كلامه لهم.
وقال أيضا : بلغنى أن العلماء فى ما مضى كانوا إذا تعلموا عملوا ، وإذا عملوا شغلوا ، وإذا شغلوا فقدوا ، وإذا فقدوا طلبوا ، فإذا طلبوا هربوا(3).
فيا أيها الطلاب : إذا أردتم العلم من منابعة فهاؤهم العلماء الكبار ، الذين شابت لحاهم ، ونحلت جسوهم ، وذبلت قواهم في العلم والتعليم ، الزموهم قبل أن تفقدوهم ،واستخرجوا كنوزهم قبل أن توارى معهم ، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.
تنبية : في هذا الزمان اختل معيار كثير من العامة في تقييم العلماء، فجعل كل من وعظ موعظة بليغة ، أو ألقى محاضرات هادفة ، أو خطب الجمعة مرتجلا ... عالماً يرجع اليه في الافتاء ويؤخذ العلم عنه.
وهذه رزية مؤلمة ، وظاهرة مزرية ، تطاير شرارها ، وعم ضررها ، إذا هى إسناد العلم الى غير أهله ، وإذا وسد الأمر الى غير أهله فانتظر الساعة.
- فليحذر الطالب من أخذ العلم عن هؤلاء ، الا اذا كانوا من أهل العلم المعروفين ، فما كل من أجاد التعبير كان عالما ، ولا كل من حرف وجوه الناس اليه بالوقيعة في ولاة أمور المسلمين ، أو بذكر نسب وفيات الايدز ونحوها يكون عالما.
-وليس معنى ما تقدم -كما يفهم البعض- عدم الاستماع اليهم ، أو الانتفاع بمواعظهم ، كلا ، إنما المراد عدم أخذ العلم الشرعى عنهم ، وعدم رفعهم الى منازل العلماء ، والله الموفق.
منقول من موقع الشيخ والتحقيق كان من رسالتي "عوائق الطلب " ص 29-34 طبعة الدار الأثرية عنابة.
http://www.burjes.com/burjes_article012.php
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نصيحة أهل الحديث ،للخطيب البغدادي ص 16
(2) أخبار القضاة ،لوكيع (2/54)
(3) السير (8/434)
للشيخ عبد السلام بن برجس العبد الكريم -رحمه الله تعالى- وذلك من كتابه "عوائق الطلب".
لقد فشت ظاهرة أخذ العلم عن صغار الأسنان بين طلاب العلم في هذا الزمن.
وهذه الظاهرة في الحقيقة داء عضال , ومرضٌ مزمن ، يعيق الطالب عن مراده ، ويعوجَ به عن طريق السليم الموصل الى العلم.
وذلك لأن أخذ العلم عن صغار الأسنان ، الذين لم ترسخ قدمهم في العلم ، ولم تشب لحاهم فيه ، مع وجود من هو أكبر منهم سناً ، وأرسخ قدماً ، يضعف أساس المبتدئ ، ويحرمه الاستفادة من خبرة العلماء الكبار ، وأكتساب أخلاقهم ، التى قومها العلم والزمـن... إلى غير ذلك من التعليلات التى يوحي بها أثر ابن مسعودِ -رضى الله عنه- حيث يقول : ( ولايزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن،أمنائهم، وعلمائهم ، فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا(
وثبت الحديث عن أبى أمية الجمحى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر.
وقد أختلف الناس فى تفسير _ الصغار _ هنا على أقوال ذكرها ابن عبد البر رحمه الله في _ الجامع _ ( 1/157 ) والشاطبى رحمه الله في الأعتصام ( 2/93 )
وقد ذهب أبن قتيبة _ رحمه الله _ الى أن الصغار هم صغار الأسنان ، فقال على أثر ابن مسعود الآنف الذكر :( يريد لايزال الناس بخير ماكان علمائهم المشايخ ، ولم يكن علمائهم الاحداث ، لأن الشيخ قد زالت عنه متعة الشباب ، وحِدته ، وعجلته ، وسفهه ، واستصحب التجربة والخبرة ، ولايدخل عليه في علمه الشبهة ، ولا يغلب عليه الهوى ، ولايميل به الطمع ، ولا يستزله الشيطان استزلال الحدث ، فمع السن :الوقار ، والجلالة ، والهيبة.
والحدث قد تدخل عليه هذه الامور التى أمنت على الشيخ ، فإذا دخلت عليه ، وأفتى هلك وأهلك)اهـ.(1)
وقد روى ابن عبد البر عن عمر ابن الخطاب -رضى الله عنه -أنه قال : قد علمت متى صلاح الناس ، ومنى فسادهم : إذا جاء الفقه من قبل الصغير استعصى عليه الكبير ، وإذا جاء الفقه من الكبير تابعه الصغير فاهتديا.
وروى ابن عبد البر –أيضا- عن أبى الأحوص عن عبد الله قال : (إنكم لن تزالوا بخير مادام العلم في كباركم ، فإذا كان العلم في صغاركم سفه الصغير الكبير.
ففى هذين الاثرين تعليل لعدم الأخذ عن "الصغير" آخر غير الذى ذكره ابن قتيبة ، وهو: خشية رد العلم إذا جاء من الصغير.
وعلى كل فإن لفظة "الصغير" عامة تتناول :الصغير حساً ومعنىً.
وهذا الحكم ليس على إطلاقه في "صغير السن" فقد أفتى ودرس جماعة من الصحابة والتابعين في صغرهم ، بحضرة الأكابر. إلاً أن هؤلاء يندر وجود مثلهم فيمن بعدهم ، فإن وُجدُوا ، وعلم صلاحهم ، وسُبرَ علمهم فظهرت رصانته ، ولم يوجد من الكبار أحدٌ يؤخذ عنه العلوم التي معهم ، وأُمنت الفتنة فليؤخذ عنهم.
قال الحجاج بن أرطاة رحمه الله : كانوا يكرهون أن يُحدًث الرجل حتى يرى الشيب في لحيته (2).
وليس المراد أن يهجر علم الحدث مع وجود الأكابر كلاً ، وإنما المراد إنزال الناس منازلهم ، فحقُ الحدث النًابغِ أن ينتفع به في المدارسة ، والمذاكرة ، والمباحثة... أما أن يصدر للفتوى ، ويكتب إليه بالأسئلة فلا وألف لا ، لأن ذلك قتل له ، وفتنة وتغرير.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله : لو رأيت رجلا أجتمع الناس حوله لقلت : هذا مجنون ، من الذى أجتمع الناس حوله لايحب أن يجوًد الناس كلامه لهم.
وقال أيضا : بلغنى أن العلماء فى ما مضى كانوا إذا تعلموا عملوا ، وإذا عملوا شغلوا ، وإذا شغلوا فقدوا ، وإذا فقدوا طلبوا ، فإذا طلبوا هربوا(3).
فيا أيها الطلاب : إذا أردتم العلم من منابعة فهاؤهم العلماء الكبار ، الذين شابت لحاهم ، ونحلت جسوهم ، وذبلت قواهم في العلم والتعليم ، الزموهم قبل أن تفقدوهم ،واستخرجوا كنوزهم قبل أن توارى معهم ، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.
تنبية : في هذا الزمان اختل معيار كثير من العامة في تقييم العلماء، فجعل كل من وعظ موعظة بليغة ، أو ألقى محاضرات هادفة ، أو خطب الجمعة مرتجلا ... عالماً يرجع اليه في الافتاء ويؤخذ العلم عنه.
وهذه رزية مؤلمة ، وظاهرة مزرية ، تطاير شرارها ، وعم ضررها ، إذا هى إسناد العلم الى غير أهله ، وإذا وسد الأمر الى غير أهله فانتظر الساعة.
- فليحذر الطالب من أخذ العلم عن هؤلاء ، الا اذا كانوا من أهل العلم المعروفين ، فما كل من أجاد التعبير كان عالما ، ولا كل من حرف وجوه الناس اليه بالوقيعة في ولاة أمور المسلمين ، أو بذكر نسب وفيات الايدز ونحوها يكون عالما.
-وليس معنى ما تقدم -كما يفهم البعض- عدم الاستماع اليهم ، أو الانتفاع بمواعظهم ، كلا ، إنما المراد عدم أخذ العلم الشرعى عنهم ، وعدم رفعهم الى منازل العلماء ، والله الموفق.
منقول من موقع الشيخ والتحقيق كان من رسالتي "عوائق الطلب " ص 29-34 طبعة الدار الأثرية عنابة.
http://www.burjes.com/burjes_article012.php
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نصيحة أهل الحديث ،للخطيب البغدادي ص 16
(2) أخبار القضاة ،لوكيع (2/54)
(3) السير (8/434)