أبو بكر يوسف لعويسي
21-Sep-2012, 11:27 PM
الحمد لله وحده ، قاهر الظالمين ونصار المظلومين ، مجيب المضطرين ، وأصلي وأسلم على سيد الخلق أجمعين وإمام المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
إن حرمة الأنبياء أمواتا هي كحرمتهم أحياء ولا فرق ، فنحن المسلمون لا نفرق في الإيمان بهم واحترامهم وتقديرهم وتعظيم حرماتهم أحياء وأمواتا .قال القاضي عياض في الشفا بتعريف حقوق (2/40)المصطفى - مذيلا بالحاشية المسماة مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء لأحمد بن محمد بن محمد الشمني .
واعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ، وتوقيره وتعظيمه ، لازم كما كان حال حياته ، وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم ، وذكر حديثه وسنته ، وسماع اسمه وسيرته ، ومعاملة آله وعترته ، وتعظيم أهل بيته وصحابته.قال أبو بكر بن العربي في كتابه أحكام القرآن ، تحقيق علي محمد البجاوي ( 4 / 1702 – 1703) : حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا ، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثل كلامه المسموع من لفظه ...
وإنما نفاضل بينهم في المنزلة عند الله ، كما أخبرنا الله في كتابه : {{ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض }} ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته ، فأفضلهم أولي العزم من الرسل ، وأفضلهم جميعا نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليهم ،حيث قال:<< << أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ >> مسلم (2278)وفي لفظ البخاري (4712) ومسلم (194): قَالَ:<< أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ >> .
فحرمة الأنبياء عندنا معشر أمة الإسلام عظيمة لأننا شهود عليهم ولهم يوم القيامة قال تعالى :{{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ( البقرة :143) أي خيار الأمم ، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الناس ، فالرسل جميعا يشهدون لكم بالفضل لأنهم يطلبون الشهادة لهم منكم أنهم بلغوا ما أرسلوا به .. كما قال تعالى: {{ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ }} [ الحج : 78].
وأعظمهم حرمة عد الله أفضلهم عنده منزلة وهو نبينا صلى الله عليه وسلم ولا ينتهكها بالسب والشتم والأذى إلا كافر أو منافق خسيس ..وهذه الـتهجمات القــبيحة التي لا تصـدر من العـبيـد إلى السادة – ولا من الرعية إلى الرعاة والحكام هي لاشـك من أقبح ما أقدم عليه أولئك السفلة من الكفار والمنافقين ، الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم أدب إنسانيتهم ، ونفخ فيهم شدة الكره والبغض والحسد لأفضل خلق الله وما جاء به من الدين من أجل رحمتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة ،قال الله تعالى :{{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}} (الأنبياء : 107) وعن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :<< يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة >> أخرجه الحاكم (1/91 ، رقم 100) وقال هذا حديث صحيح على شرطهما فقد احتجا جميعا بمالك بن سعير و التفرد من الثقات مقبول .ووافقه الذهبي ،وأخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (8/257) ، قال الهيثمي (8/257) : رجاله رجال الصحيح . والطبراني في الصغير (1/168 ، رقم 264) . و الأوسط (3/223 ، رقم 2981) . قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 2345 في صحيح الجامع وهو في الصحيحة (490).
فلو عرف أولئك الكفار حقيقة ذلك وأن الله أرسله رحمة لهم ولإسعادهم في الدنيا والآخرة ما تجرءوا وما أقدموا على ما فعلوه وقالوه ، قاتلهم الله أنى يؤفكون .وإن الاستهزاء بالأنبياء والسخرية منهم ليس وليد الساعة فقد سُخر من الكثير من الأنبياء والرسل واستهزأ بهم ، وكذبوا وقوتلوا ، فلا غرابة إذا فهذه سنة الله في الذين مضوا قبلنا ، وهذا لا يثني أهل الحق ولا يضعف من عزيمتهم عن المضي قدما في دعوتهم إلى الله عز وجل وبيان دينه الذي ارتضاه لهم ، وبيان فضائل النبي وأخلاقه والتعريف به والدعوة إلى سنته ، ولا يدفعهم هذا التصرف القبيح المشين إلى أن يتصرفوا تصرفات لا مسئولة تسيء إلى دينهم ، فهذا نوح أول الرسل أخبرنا الله تعالى أن قومه سخروا منه ، واستهزءوا به ، ومع ذلك صبر عليهم ألف سنة إلا خمسين عامة يدعوهم ليلا ونهارا سرا وجهارا ، بالحجة والبرهان واللين والحكمة حتى إذا يئس منهم دعا ربه بقوله إني مغلوب فانتصر ، قال الله تعالى :{{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ& فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ }} القمر (9) -(10):وقال عز من قائل :{{ ويَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ)) (هود : 38).ثم يتوعدهم الله تعالى بقوله :{{ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (هود: 39 ).
وهكذا حال أولياء الشيطان أعداء الله كلما جاءهم رسول من عند الله إلا سخروا منه وكذبوه واستهزءوا به وآذوه ونسبوه إلى مالا يحب أحدهم أن ينسب إليه من الجنون ، والكذب ، والاحتقار ،والسحر ، وغير ذلك .. قال تعالى :{{ وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا}}( الفرقان: 41).قال ابن كثير – رحمه الله – (6/113)يخبر تعالى عن استهزاء المشركين بالرسول، صلوات الله وسلامه عليه، إذا رأوه، كما قال: { وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } [ الأنبياء : 36] يعنونه بالعيب والنقص، وقال هاهنا: { وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا } ؟ أي: على سبيل التنقص والازدراء -قبَّحهم الله –قال الشيخ السعدي – رحمه الله – (3/442)أي: وإذا رآك يا محمد هؤلاء المكذبون لك المعاندون لآيات [الله] المستكبرون في الأرض استهزءوا بك واحتقروك وقالوا -على وجه الاحتقار والاستصغار- { أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا } أي: غير مناسب ولا لائق أن يبعث الله هذا الرجل، وهذا من شدة ظلمهم وعنادهم وقلبهم الحقائق فإن كلامهم هذا يفهم أن الرسول -حاشاه- في غاية الخسة والحقارة وأنه لو كانت الرسالة لغيره لكان أنسب.ولذلك قالوا كما أخبرنا الله عنهم :{{ { وَقَالُوا لَوْلا نُزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } .
قال الشيخ السعدي . فهذا الكلام لا يصدر إلا من أجهل الناس وأضلهم، أو من أعظمهم عنادا وهو متجاهل، قصده ترويج ما معه من الباطل بالقدح بالحق وبمن جاء به، وإلا فمن تدبر أحوال محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وجده رجل العالم وهمامهم ومقدمهم في العقل والعلم واللب والرزانة، ومكارم الأخلاق ومحاسن الشيم والعفة والشجاعة والكرم وكل خلق فاضل، وأن المحتقر له والشانئ له قد جمع من السفه والجهل والضلال والتناقض والظلم والعدوان ما لا يجمعه غيره، وحسبه جهلا وضلالا أن يقدح بهذا الرسول العظيم والهمام الكريم.وقال تعالى وتقدس :{{وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ }}(الأنبياء : 36).قال ابن كثير في تفسيره :(3/1899). يقول تعالى لنبيه صلوات الله وسلمه عليه {وإذا رآك الذين كفروا} يعني كفار قريش كأبي جهل وأشباهه { إن يتخذونك إلا هزواً} أي يستهزئون بك وينتقصونك ، يقولون: {أهذا الذي يذكر آلهتكم} يعنون أهذا الذي يسب آلهتكم ويسفه أحلامكم, قال تعالى {وهم بذكر الرحمن هم كافرون} أي وهم كافرون بالله ومع هذا يستهزئون برسول الله.ويواسي الله سبحانه وتعالى نبيه ورسوله ألا يلتفت إليهم وأن يمضي في دعوته قائلا له {{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)) (الأنعام : 10). ويكرر نفس الآية في سورة ( الأنبياء :41). ثم يتوعدهم الله بأنه سيفعل بهم ما فعل بمن قبلهم من المكذبين فيقول :{{ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (الأنعام :11) وهذا فيه بشارة له وللمؤمنين بأن الله تعالى قادر على الانتقام من أعدائه المكذبين لرسله والمستهزئين بهم.وإذا كان الأمر كذلك وهذه سنة أعداء الله مع رسله ، وتلك سنة الله فيهم فقد أمره الله بالصدع بالحق والمضي فيما أرسل من أجله وعدم الالتفات لهم فقال تعالى :{{ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }}( الحجر : 99)قال السعدي – رحمه الله (3/45) في تفسيرها: ثم أمر الله رسوله أن لا يبالي بهم ، ولا بغيرهم ، وأن يصدع بما أمر الله ، ويعلن بذلك لكل أحد ولا يعوقنه عن أمر الله عائق ولا تصده أقوال المتهوكين . وقوله : وأعرض عن المشركين ؛أي لا تبال بهم ، واترك مشاتمتهم ومسابتهم ، مقبلا على شأنك . {{ إنا كفيناك المستهزئين}}.
بك وبما جئت به ، وهذا وعد من الله لرسوله ، أن لا يضره المستهزئون ، وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة . وقد فعل تعالى ، فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به ، إلا أهلكه الله ، وقتله شر قتله .قلت : وهذه الكفاية في حياته وبعد مماته فحرمته حيا كحرمته ميتا ولا فرق ، والله الذي أرسله وارتضاه رسولا ، لا يرضى أن يستهزأ به في حياته فيكفيه ذلك يومها وهو حي ، ويرضى أن يستهزأ به بعد موته فلا يكفيه ولا ينتقم ممن نال منه بعد موته هذا ترده الأدلة الكثيرة ..منها هذه الآية ، فهي عامة في حياته وبعد مماته ..
ثم إن الطعن فيه ميتا هو طعن في المرسل ، وفي الذي جاء به ، وإن الطعن فيه أيضا طعن في الرسل الذين بشروا به ...وليس من شك أن السخرية من الرسول والاستهزاء به والتكذيب له ، هي سخرية وتكذيب بجميع الرسل الذين بشروا به ، وهذا كفر يستحق صاحبه القتل ، ولكن ذلك ليس لآحاد المسلمين بل هو لولي أمرهم ، وأهل الحل والعقد منهم .ويتبين ذلك أي : عظم هذا الجرم ، وأنه أعظم من مجرد الردة في هذه القصة التي أخرجها البخاري ومسلم .فعن عبد العزيز بن صهيب عن أنس – رضي الله عنه - قال: << كان رجل نصرانيا فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانيا فكان يقول: لا يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا فألقوه فحفروا له واعمقوا في الأرض ما استطاعوا فأصبح وقد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه. أي ليس من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وهذه معجزة تؤكد صدق نبوته ، وأن الله يغار على حرمة نبيه وينتقم ممن لا تطلهم يد رسول الله أو عجز عن أخذ الحق منهم .ورواه مسلم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: << كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب قال: فرفعوه قالوا: هذا قد كان يكتب لمحمد فأعجبوا به فما لبث أن قصم الله عنقه فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها ثم عادوا فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها فتركوه منبوذا>> .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فهذا الملعون الذي افترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يدري إلا ما كتب له قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دفن مرارا وهذا أمر خارج عن العادة يدل كل أحد على أن هذا عقوبة لما قاله وأنه كان كاذبا إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد إذ كان عامة المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا.ونظير هذا ما حدثناه أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عما جربوه مرات متعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا قالوا: كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس منه حتى إذ تعرض أهله لسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والوقيعة في عرضه فعجلنا فتحة وتيسر ولم يكد يتأخر إلا يوما أو يومين أو نحو ذلك ثم يفتح المكان عنوة ويكون فيهم ملحمة عظيمة قالوا: حتى إن كنا لنستبشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه مع امتلاء القلوب غيظا عليهم بما قالوا فيه.وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل المغرب حالهم مع النصارى كذلك ومن سنة الله أن يعذب أعداءه تارة بعذاب من عنده وتارة بأيدي عباده المؤمنين . الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 116- 117) .
وقد نصر الله رسوله على قومه:ومن صور تأييد الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن الله نصره على قومه، وأهلك الله المكذبين منهم ، قال تعالى : {{ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }} ( التوبة : 40)
قال ابن كثير - رحمه الله - : (4/155) أي: تنصروا رسوله، فإن الله ناصره ومؤيده وكافيه وحافظه.وكما نصره الله وهو بين أظهرهم فإن الله ناصره على أمثالهم ممن تأخروا عنهم ، ونتيجة نصرته أنه سبحانه جاعل كلمة الذين كفروا هي السفلى ، وكلمة الله هي العليا ، في كل وقت وحين ، والله عزيز حكيم ، لا غالب له ، ولا معقب لأمره ، فكلمة الشرك والكفر والسخرية والاستهزاء جعلها الله هي السفلى ولن ترتفع ، وكلمة الحق سترتفع بإذن الله تعالى وتنتصر ..
فلا يظنن الذين كفروا من المكذبين والمستهزئين في هذا العصر إذا عجزت الأمة عن أخذ الحق ورده إلى نصابه أن الله عاجز على نصرة نبيه وأنهم في من منأى عن الهلاك ، فقد انتصر الله لنبيه من أقوام في حياته وبعد موته فسلط عليهم من جنوده ما جعلها الله معجزة لتوكيد صدق نبوته ورسالته .
فهذا الأسْدُ جند من جند الله سلطه الله على ابن عمه(عتبة بن أبي لهب): نصرة لنبيه الله .لقد كان (عتبة بن أبي لهب) من أشد المتطاولين على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، بلغ من جرمه وعدوانه أن أمسك بتلابيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفل في وجهه الشريف، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسلط عليه الله كلبًا من كلابه.ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره أن ابن عساكر أورد في تاريخ دمشق في ترجمة (عتبة بن أبي لهب) من طريقه عن هَبَّار بن الأسود قال: كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزا إلى الشام، فتجهزت معهما، فقال ابنه عتبة: والله لأنطلقنّ إلى محمد ولأوذينه في ربه فانطلق حتى أتى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد، هو يكفر بالذي {{ دنى فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى}}( النجم :9).فقال النبي -صلى الله عليه وسلم -: << اللهم ابعث إليه كلبا من كلابك>>، ثم انصرف عنه فرجع إلى أبيه فقال: يا بني، ما قلت له؟ فذكر له ما قال له، قال: فما قال لك؟ قال: "اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك" قال: يا بني، والله ما آمنُ عليك دُعاءه.فسرنا حتى نزلنا الشراة، وهي مأْسَدَة، ونزلنا إلى صَوْمَعة راهب، فقال الراهب: يا معشر العرب، ما أنزلكم هذه البلاد فإنها تسرح الأسْدُ فيها كما تسرح الغنم؟ فقال لنا أبو لهب: إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي، وإن هذا الرجل قد دعا على ابني دعوةً، والله ما آمنها عليه، فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة، وافرشوا لابني عليها، ثم افرشوا حولها، ففعلنا، فجاء الأسد فَشَمّ وجوهنا، فلما لم يجد ما يريد تَقَبّض، فوثب، فإذا هو فوق المتاع، فشم وجهه ثم هزمه هَزْمة فَفَضخ رأسه. فقال أبو لهب: قد عرفت أنه لا ينفلت عن دعوة محمد.وقد أخرجه الحاكم في المستدرك - وقال : صحيح الإسناد ووافقه الذهبي - من حديث أبي نوفل قال : << كان لهب بن أبي لهب يسب النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال صلّى اللّه عليه وسلّم :<< اللهم سلط عليه كلبا من كلابك - أو كلبك - >> فخرج في قافلة يريد الشام فنزلوا منزلا فيه سباع فقال : إني أخاف دعوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم فجعلوا متاعه حوله وقعدوا يحرسونه فجاء أسد فانتزعه وذهب به .وأخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (17/301) (20/382)والبيهقي في دلائل النبوة (2/338) وقال :كذا قال عباس بن الفضل وليس بالقوي : لهب بن أبي لهب وأهل المغازي يقولون عتبة بن أبي لهب وقال بعضهم عتيبة وفيما أخبرنا أبو عبد الله قراءة عليه قال كانت أم كلثوم يعني ابنة رسول الله في الجاهلية تحت عتيبة بن أبي لهب وكانت رقية تحت أخيه عتبة بن أبي لهب فلما أنزل الله عز وجل ( " تبت يدا أبي لهب ) قال أبو لهب لابنيه عتيبة وعتبة رأسي ورؤوسكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد وسأل النبي عتبة طلاق رقية وسألته رقية ذلك وقالت له أم كلثوم بنت حرب ابن أمية وهي حمالة الحطب طلقها يا بني فإنها قد صبت فطلقها وطلق عتيبة أم كلثوم وجاء النبي حين فارق أم كلثوم فقال كفرت بدينك وفارقت ابنتك لا تحبني ولا أحبك ثم تسلط على رسول الله فشق قميصه فقال رسول الله أما إني أسأل الله أن يسلط عليه كلبه فخرج نفر من قريش حتى نزلوا في مكان من الشام يقال له الزرقاء ليلا فأطاف بهم الأسد تلك الليلة فجعل عتيبة يقول يا ويل أمي هو والله آكلي كما دعا محمد علي قتلني ابن أبي كبشة وهو بمكة وأنا بالشام فعوى عليه الأسد من بين القوم وأخذ برأسه فضغمه ضغمة فذبحهقال أبو عبد الله فحدثنا بجميع ذلك محمد بن إسماعيل الحافظ قال حدثنا الثقفي قال حدثنا أحمد بن المقدام قال حدثنا زهير بن العلاء العبدي عن ا بن أبي عروبة عن قتادة قال زهير وحدثنا هشام بن عروة عن أبيه أن الأسد لما طاف بهم تلك الليلة انصرف عنهم فناموا وجعل عتيبة في وسطهم فأقبل الأسد يتخطاهم حتى أخذ برأس عتيبة ففدغهقال المقريزي في كتابه إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع ،(12/117)تحقيق محمد عبد الحميد النميسي :
وأما افتراس الأسد عتيبة بن أبي لهب بدعاء المصطفى صلّى الله عليه وسلم ربه عز وجل أن يسلط عليه كلبا من كلابه .فخرج الحارث بن أبي أسامه من حديث الأسود بن شيبان ، قال أبو نوفل ، عن أبيه قال : كان عتيبة بن أبي لهب يسب النبي - صلّى الله عليه وسلم- قال : فقال النبي صلّى الله عليه وسلم اللَّهمّ سلط عليه كلبك ، قال : فخرج يريد الشام في قافلة مع أصحابه ، قال : فنزلوا منزلا ، فقال : والله إني لأخاف دعوة محمد ، فقالوا له : كلا ، قال : فحطوا المتاع حوله ، وقعدوا يحرسونه ، فجاء السبع فانتزعه ، فذهب به.وقال سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن عثمان بن عروة بن الزبير ، عن أبيه ، عن هبار بن الأسود ، قال : كان أبو لهب وابنه عتيبة قد تجهزا إلي الشام ، وتجهزت معه ، فقال ابنه عتيبة : لأنطلقنّ إليه ، ولأوذينه في ربه ، فانطلق حتى أتى النبي صلّى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد هو يكفر بالذي{{ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى }} (سورة النجم : 9) فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- : اللَّهمّ ابعث عليه كلبا من كلابك ، ثم انصرف عنه ، فرجع إليه ، فقال : أي بني! ما قلت له ؟ قال : كفرت بإلهه الّذي يعبد ، قال : فماذا قال لك ؟ قال : قال : اللَّهمّ ابعث عليه كلبا من كلابك ، قال : أي بني! والله ما آمن عليك دعوة محمد ، قال : فسرنا حتى نزلنا الشراة - وهي مأسدة - فنزلنا إلى صومعة راهب فقال : يا معشر العرب! ما أنزلكم هذه البلاد وإنها مسرح الضيغم ؟ فقال لنا أبو لهب : إنكم قد عرفتم سني وحقي ؟ قلنا : أجل ، فقال : إن محمدا قد دعا على ابني دعوة ، والله لا آمنها عليه ، فاجمعوا متاعكم إلي هذه الصومعة ، ثم افترشوا لابني عتيبة عليه ، ثم افترشوا حوله.قال : ففعلنا ، جمعنا المتاع حتى ارتفع ، ثم فرشنا له عليه ، وفرشنا حوله فبتنا نحن حوله ، وأبو لهب معنا أسفل ، وبات هو فوق المتاع ، فجاء الأسد ، فشم وجوهنا ، فلما لم يجد ما يريد ، تقبض ثم وثب ، فإذا هو فوق المتاع ، فشم وجهه ، ثم هَزَمَهُ هَزْمَة فنضخ رأسه ، فقال : سبعي يا كلب لم يقدر على غيرك ، ووثبنا ، فانطلق الأسد ، وقد نضخ رأسه ، فقال أبو لهب : قد عرفت والله ما كان لينفلت من دعوة محمد صلّى الله عليه وسلم.فقال حسان رضي الله تبارك وتعالى عنه :
سائل بني الأشعر جئتهم ما كان أنباء أبي واسع ... لا وسع الله له قبره بل ضيق الله على القاطع .
رحم نبي جده ثابت يدعو إلى نور الله ساطع ... أسبل بالحجر لتكذيبه دون قريش نهزة القاذع .
فاستوجب الدعوة منه بما تبين للناظر والسامع ... أن سلط الله بها كلبه يمشي الهوينا مشية الخادع
حتى أتاه وسط أصحابه وبه علتهم سنة الهاجع ...فالتقم الرأس من يافوخه والنحر منه فغرة الجائع
أسلمتموه وهو يدعوكم بالنسب الأدنى وبالجامع ... والليث يعلوه بأنيابه منعفرا وسط الدم الناقع .
لا يرفع الرحمن مصروعكم ولا يوهن قوة الصارع ... من يرجع العام إلي أهله فما أكل السبع بالراجع .
قد كان فيه لكم عبرة للسيد المتبوع والتابع... من عاد فالليث له عائد أعظم به من خبر شائع . إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع ،(12/119) وكذلك ابن إسحاق في السيرة ودلائل النبوة لأبي نعيم : ( 454 - 457) .
ومن الوقائع العجيبة في انتقام الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ما ذكره الحافظ ابن حجر في كتابه الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (1/386)؛ حيث قال :.. أن بعض أمراء المغل تنصر فحضر عنده جماعة من كبار النصارى والمغل فجعل واحد منهم ينتقص النبي -صلى الله عليه وسلم- وهناك كلب صيد مربوط فلما أكثر من ذلك وثب عليه الكلب فخمشه فخلصوه منه.وقال بعض من حضر: هذا بكلامك في محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال : كلا بل هذا الكلب عزيز النفس رآني أشير بيدي فظن أني أريد أن أضربه، ثم عاد إلى ما كان فيه فأطال فوثب الكلب مرة أخرى فقبض على زردمته فقلعها فمات من حينه فأسلم بسبب ذلك نحو أربعين ألفا من المغل" .المختصر القويم في دلائل نبوة الرسول الكريم (1/272)وليد نور .و الزَرْدَمَةُ: موضعُ الازْدِرامِ والابتلاع. ويقال زَرْدَمَهُ، أي عَصَرَ حَلْقَهُ. الصحاح في اللغة (1/285).
وخلاصة القول : أن الواجب علينا معشر أمة الإسلام نصرة النبي صلى الله عليه وسلم في أنفسنا وأهلينا بالإيمان به وبما جاء به ، وأن نعظم ذلك في أنفسنا ، بتوقيره وتعزيره ، ونعمل به ، وأن نحب النبي -صلى الله عليه وسلم - حبا جما أكثر من أنفسنا وآبائنا وأبنائنا وذلك بطاعته والإقتداء به ، والمسارعة للأخذ بما جاءنا به ، استجابة لما يحينا ، وأن نحكم شريعته والأخذ بأوامره واجتناب نواهيه واتباع سنته وتعظيمها في نفوسنا ونُعلم ذلك أهالينا من الآباء والأبناء ، والأخوة والأخوات والأقارب وندرس سيرته ، وندعو المسلمين ومن نستطيع الوصول إليهم إلى هذه الأمور التي ذكرتها ، مع الحفاظ على الواجبات من تحقيق التوحيد الذي كان يدعو إليه والذي أرسله من أجله ، وانزله عليه كتابه ، والحفاظ على الصلوات التي أوصى بها حياته ، وإقامة الجماعة والجمعة ، والدعوة إلى توحيد صفوفنا ، حتى نكون صفا واحدا كالبنيان المرصوص ، ونسعى لنشر المودة والرحمة بيننا ، حتى نكون كما وصفنا :<< مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ..>>
وأن نوثق الولاية والنصرة التي جعلها الله بين المسلمين ، على ما كان عليه وأصحابه على مراد الله تعالى ، ونظهر البراء ومعادة الكافرين ، وإظهار ما عندهم من الباطل والشبه بالحج والبراهين ، ونتخلق بأخلاقه التي أدبه ربه بها ونظهر لهم فضائل ديننا وما فيه من أخلاق سامية يفتقدونها ، كما ينبغي أن نظهر لهم الوسطية التي جاء بها -صلى الله عليه وسلم -، ووصف الله بها هذه الأمة ، وأنه ليس من ديننا الإفراط والغلو ، والتفريط والتمييع ، فديننا هو خير الأديان وأفضلها ونبينا هو خير الأنبياء وأمتنا هي خير الأمم وذلك بتمسكها بكتاب ربها وسنة نبيها والوسطية التي كان عليها نبينا وصحابته من غير إفراط ولا تفريط .كما يجب علينا أن نعرف بنبينا وما كان عليه من سمو وأعلى مراتب الكمال والأخلاق والعقل والآداب وسمو النفس والرحمة بالخلق .وَإذا كان مَعْلُوما أَنَّ حُرْمَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ وَفَاتِهِ كَحُرْمَتِهِ فِي أَيَّامِ حَيَاتِهِ ، فعلى الأمة أن تحفظ حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في خاصة نفسه وفي آله وأزواجه أمهات المؤمنين وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، وفي كل ما له صلة بأمر هذا الدين.
وعلينا إذا عجزت الأمة في مجموعها من قتال أولئك الكفار ، لأنها متفرقة مختلفة ضعيفة ، فإن الدعاء من أعظم سلاح المؤمنين ، فعلينا أن نرفع أكف الضراعة ، والاضطرار إلى العزيز القهار الذي يجيب المضطر إذا دعاه ، ويكشف السوء ، فنصرة النبي تكون بنصرة الله ونصرة دينه ، وسنة نبيه في أنفسنا ، قال تعالى :{{ إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم }} والله تعالى لا ينصرنا بالشعارات الجوفاء ، ولا بالوسائل غير المشروعة التي جاء بها أولئك الكفرة ممن ينالون من ربنا سبحانه ونبينا وديننا ، فالمظاهرات والمسيرات ، والاعتصامات ، والهتافات ودعوى المقاطعة ، والحرق للرايات (( الأعلام )) فهو ليس من شرعنا ولا من سنة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا من هدي أصحابه خير البشر ، فإذا ضعفنا فما علينا إلا الصبر واللجوء إلى الله تعالى والتضرع بصدق ، ونحاول ما استطعنا إصلاح أنفسنا ونصرة ديننا على مراد الله ومراد رسوله بفهم سلفنا الصالح في أنفسنا قبل غيرنا ، فإذا فعلنا أنجز الله لنا ما وعدنا به ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ...
أما والحالة هذه من ذل وهوان وبعد عن الله وعن شرعه ، وعن سنة نبيه ، وتمييع دينه ، أو إظهاره على غير وجهه المراد لله كما يفعله خوارج العصر وأهل التكفير من الاغتيالات والتفجير في المستأمنين ، والأبرياء، والمسلمين ، فهذا ينذر بانتقامات واعتداءات أكثر من ملل أهل الكفر والنفاق ، ويشدد من وطأتهم على الضعفاء منا ممن يصلون إليهم ، فانظروا إلى ما يقوم به اليهود حين يقوم أحدهم في فلسطين يفجر نفسه فيقتل واحدا أو عشرة ، فيأتي اليهود فيدمرون قرية بكاملها أو يقتلون المئات من الأبرياء ، أفيقوا يا قوم واتقوا الله ، واعلموا أن هذه الاعتداءات بشائر فارجعوا إلى دينكم وألزموا غرز العلماء الكبار فهم عن علم تكلموا وبحلم سكتوا فهم أهل الحكمة وأهل الخشية وأهل الورع وأهل العلم على منهاج النبوة .
وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه اللهم نسألك بأسمائك الحسنة وصفاتك العلى أن تنتصر لنبيك إذ ضعفنا وأن تقصم ظهر أولئك الذين أذوك في حبيبك وخليلك وانتهكوا حرمته وأن ترينا فيهم عجائب قدرتك يا سميع الدعاء .
أما بعد :
إن حرمة الأنبياء أمواتا هي كحرمتهم أحياء ولا فرق ، فنحن المسلمون لا نفرق في الإيمان بهم واحترامهم وتقديرهم وتعظيم حرماتهم أحياء وأمواتا .قال القاضي عياض في الشفا بتعريف حقوق (2/40)المصطفى - مذيلا بالحاشية المسماة مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء لأحمد بن محمد بن محمد الشمني .
واعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ، وتوقيره وتعظيمه ، لازم كما كان حال حياته ، وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم ، وذكر حديثه وسنته ، وسماع اسمه وسيرته ، ومعاملة آله وعترته ، وتعظيم أهل بيته وصحابته.قال أبو بكر بن العربي في كتابه أحكام القرآن ، تحقيق علي محمد البجاوي ( 4 / 1702 – 1703) : حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا ، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثل كلامه المسموع من لفظه ...
وإنما نفاضل بينهم في المنزلة عند الله ، كما أخبرنا الله في كتابه : {{ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض }} ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته ، فأفضلهم أولي العزم من الرسل ، وأفضلهم جميعا نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليهم ،حيث قال:<< << أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ >> مسلم (2278)وفي لفظ البخاري (4712) ومسلم (194): قَالَ:<< أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ >> .
فحرمة الأنبياء عندنا معشر أمة الإسلام عظيمة لأننا شهود عليهم ولهم يوم القيامة قال تعالى :{{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ( البقرة :143) أي خيار الأمم ، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الناس ، فالرسل جميعا يشهدون لكم بالفضل لأنهم يطلبون الشهادة لهم منكم أنهم بلغوا ما أرسلوا به .. كما قال تعالى: {{ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ }} [ الحج : 78].
وأعظمهم حرمة عد الله أفضلهم عنده منزلة وهو نبينا صلى الله عليه وسلم ولا ينتهكها بالسب والشتم والأذى إلا كافر أو منافق خسيس ..وهذه الـتهجمات القــبيحة التي لا تصـدر من العـبيـد إلى السادة – ولا من الرعية إلى الرعاة والحكام هي لاشـك من أقبح ما أقدم عليه أولئك السفلة من الكفار والمنافقين ، الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم أدب إنسانيتهم ، ونفخ فيهم شدة الكره والبغض والحسد لأفضل خلق الله وما جاء به من الدين من أجل رحمتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة ،قال الله تعالى :{{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}} (الأنبياء : 107) وعن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :<< يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة >> أخرجه الحاكم (1/91 ، رقم 100) وقال هذا حديث صحيح على شرطهما فقد احتجا جميعا بمالك بن سعير و التفرد من الثقات مقبول .ووافقه الذهبي ،وأخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (8/257) ، قال الهيثمي (8/257) : رجاله رجال الصحيح . والطبراني في الصغير (1/168 ، رقم 264) . و الأوسط (3/223 ، رقم 2981) . قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 2345 في صحيح الجامع وهو في الصحيحة (490).
فلو عرف أولئك الكفار حقيقة ذلك وأن الله أرسله رحمة لهم ولإسعادهم في الدنيا والآخرة ما تجرءوا وما أقدموا على ما فعلوه وقالوه ، قاتلهم الله أنى يؤفكون .وإن الاستهزاء بالأنبياء والسخرية منهم ليس وليد الساعة فقد سُخر من الكثير من الأنبياء والرسل واستهزأ بهم ، وكذبوا وقوتلوا ، فلا غرابة إذا فهذه سنة الله في الذين مضوا قبلنا ، وهذا لا يثني أهل الحق ولا يضعف من عزيمتهم عن المضي قدما في دعوتهم إلى الله عز وجل وبيان دينه الذي ارتضاه لهم ، وبيان فضائل النبي وأخلاقه والتعريف به والدعوة إلى سنته ، ولا يدفعهم هذا التصرف القبيح المشين إلى أن يتصرفوا تصرفات لا مسئولة تسيء إلى دينهم ، فهذا نوح أول الرسل أخبرنا الله تعالى أن قومه سخروا منه ، واستهزءوا به ، ومع ذلك صبر عليهم ألف سنة إلا خمسين عامة يدعوهم ليلا ونهارا سرا وجهارا ، بالحجة والبرهان واللين والحكمة حتى إذا يئس منهم دعا ربه بقوله إني مغلوب فانتصر ، قال الله تعالى :{{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ& فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ }} القمر (9) -(10):وقال عز من قائل :{{ ويَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ)) (هود : 38).ثم يتوعدهم الله تعالى بقوله :{{ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (هود: 39 ).
وهكذا حال أولياء الشيطان أعداء الله كلما جاءهم رسول من عند الله إلا سخروا منه وكذبوه واستهزءوا به وآذوه ونسبوه إلى مالا يحب أحدهم أن ينسب إليه من الجنون ، والكذب ، والاحتقار ،والسحر ، وغير ذلك .. قال تعالى :{{ وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا}}( الفرقان: 41).قال ابن كثير – رحمه الله – (6/113)يخبر تعالى عن استهزاء المشركين بالرسول، صلوات الله وسلامه عليه، إذا رأوه، كما قال: { وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } [ الأنبياء : 36] يعنونه بالعيب والنقص، وقال هاهنا: { وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا } ؟ أي: على سبيل التنقص والازدراء -قبَّحهم الله –قال الشيخ السعدي – رحمه الله – (3/442)أي: وإذا رآك يا محمد هؤلاء المكذبون لك المعاندون لآيات [الله] المستكبرون في الأرض استهزءوا بك واحتقروك وقالوا -على وجه الاحتقار والاستصغار- { أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا } أي: غير مناسب ولا لائق أن يبعث الله هذا الرجل، وهذا من شدة ظلمهم وعنادهم وقلبهم الحقائق فإن كلامهم هذا يفهم أن الرسول -حاشاه- في غاية الخسة والحقارة وأنه لو كانت الرسالة لغيره لكان أنسب.ولذلك قالوا كما أخبرنا الله عنهم :{{ { وَقَالُوا لَوْلا نُزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } .
قال الشيخ السعدي . فهذا الكلام لا يصدر إلا من أجهل الناس وأضلهم، أو من أعظمهم عنادا وهو متجاهل، قصده ترويج ما معه من الباطل بالقدح بالحق وبمن جاء به، وإلا فمن تدبر أحوال محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وجده رجل العالم وهمامهم ومقدمهم في العقل والعلم واللب والرزانة، ومكارم الأخلاق ومحاسن الشيم والعفة والشجاعة والكرم وكل خلق فاضل، وأن المحتقر له والشانئ له قد جمع من السفه والجهل والضلال والتناقض والظلم والعدوان ما لا يجمعه غيره، وحسبه جهلا وضلالا أن يقدح بهذا الرسول العظيم والهمام الكريم.وقال تعالى وتقدس :{{وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ }}(الأنبياء : 36).قال ابن كثير في تفسيره :(3/1899). يقول تعالى لنبيه صلوات الله وسلمه عليه {وإذا رآك الذين كفروا} يعني كفار قريش كأبي جهل وأشباهه { إن يتخذونك إلا هزواً} أي يستهزئون بك وينتقصونك ، يقولون: {أهذا الذي يذكر آلهتكم} يعنون أهذا الذي يسب آلهتكم ويسفه أحلامكم, قال تعالى {وهم بذكر الرحمن هم كافرون} أي وهم كافرون بالله ومع هذا يستهزئون برسول الله.ويواسي الله سبحانه وتعالى نبيه ورسوله ألا يلتفت إليهم وأن يمضي في دعوته قائلا له {{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)) (الأنعام : 10). ويكرر نفس الآية في سورة ( الأنبياء :41). ثم يتوعدهم الله بأنه سيفعل بهم ما فعل بمن قبلهم من المكذبين فيقول :{{ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (الأنعام :11) وهذا فيه بشارة له وللمؤمنين بأن الله تعالى قادر على الانتقام من أعدائه المكذبين لرسله والمستهزئين بهم.وإذا كان الأمر كذلك وهذه سنة أعداء الله مع رسله ، وتلك سنة الله فيهم فقد أمره الله بالصدع بالحق والمضي فيما أرسل من أجله وعدم الالتفات لهم فقال تعالى :{{ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }}( الحجر : 99)قال السعدي – رحمه الله (3/45) في تفسيرها: ثم أمر الله رسوله أن لا يبالي بهم ، ولا بغيرهم ، وأن يصدع بما أمر الله ، ويعلن بذلك لكل أحد ولا يعوقنه عن أمر الله عائق ولا تصده أقوال المتهوكين . وقوله : وأعرض عن المشركين ؛أي لا تبال بهم ، واترك مشاتمتهم ومسابتهم ، مقبلا على شأنك . {{ إنا كفيناك المستهزئين}}.
بك وبما جئت به ، وهذا وعد من الله لرسوله ، أن لا يضره المستهزئون ، وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة . وقد فعل تعالى ، فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به ، إلا أهلكه الله ، وقتله شر قتله .قلت : وهذه الكفاية في حياته وبعد مماته فحرمته حيا كحرمته ميتا ولا فرق ، والله الذي أرسله وارتضاه رسولا ، لا يرضى أن يستهزأ به في حياته فيكفيه ذلك يومها وهو حي ، ويرضى أن يستهزأ به بعد موته فلا يكفيه ولا ينتقم ممن نال منه بعد موته هذا ترده الأدلة الكثيرة ..منها هذه الآية ، فهي عامة في حياته وبعد مماته ..
ثم إن الطعن فيه ميتا هو طعن في المرسل ، وفي الذي جاء به ، وإن الطعن فيه أيضا طعن في الرسل الذين بشروا به ...وليس من شك أن السخرية من الرسول والاستهزاء به والتكذيب له ، هي سخرية وتكذيب بجميع الرسل الذين بشروا به ، وهذا كفر يستحق صاحبه القتل ، ولكن ذلك ليس لآحاد المسلمين بل هو لولي أمرهم ، وأهل الحل والعقد منهم .ويتبين ذلك أي : عظم هذا الجرم ، وأنه أعظم من مجرد الردة في هذه القصة التي أخرجها البخاري ومسلم .فعن عبد العزيز بن صهيب عن أنس – رضي الله عنه - قال: << كان رجل نصرانيا فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانيا فكان يقول: لا يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا فألقوه فحفروا له واعمقوا في الأرض ما استطاعوا فأصبح وقد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه. أي ليس من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وهذه معجزة تؤكد صدق نبوته ، وأن الله يغار على حرمة نبيه وينتقم ممن لا تطلهم يد رسول الله أو عجز عن أخذ الحق منهم .ورواه مسلم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: << كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب قال: فرفعوه قالوا: هذا قد كان يكتب لمحمد فأعجبوا به فما لبث أن قصم الله عنقه فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها ثم عادوا فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها فتركوه منبوذا>> .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فهذا الملعون الذي افترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يدري إلا ما كتب له قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دفن مرارا وهذا أمر خارج عن العادة يدل كل أحد على أن هذا عقوبة لما قاله وأنه كان كاذبا إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد إذ كان عامة المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا.ونظير هذا ما حدثناه أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عما جربوه مرات متعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا قالوا: كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس منه حتى إذ تعرض أهله لسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والوقيعة في عرضه فعجلنا فتحة وتيسر ولم يكد يتأخر إلا يوما أو يومين أو نحو ذلك ثم يفتح المكان عنوة ويكون فيهم ملحمة عظيمة قالوا: حتى إن كنا لنستبشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه مع امتلاء القلوب غيظا عليهم بما قالوا فيه.وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل المغرب حالهم مع النصارى كذلك ومن سنة الله أن يعذب أعداءه تارة بعذاب من عنده وتارة بأيدي عباده المؤمنين . الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 116- 117) .
وقد نصر الله رسوله على قومه:ومن صور تأييد الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن الله نصره على قومه، وأهلك الله المكذبين منهم ، قال تعالى : {{ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }} ( التوبة : 40)
قال ابن كثير - رحمه الله - : (4/155) أي: تنصروا رسوله، فإن الله ناصره ومؤيده وكافيه وحافظه.وكما نصره الله وهو بين أظهرهم فإن الله ناصره على أمثالهم ممن تأخروا عنهم ، ونتيجة نصرته أنه سبحانه جاعل كلمة الذين كفروا هي السفلى ، وكلمة الله هي العليا ، في كل وقت وحين ، والله عزيز حكيم ، لا غالب له ، ولا معقب لأمره ، فكلمة الشرك والكفر والسخرية والاستهزاء جعلها الله هي السفلى ولن ترتفع ، وكلمة الحق سترتفع بإذن الله تعالى وتنتصر ..
فلا يظنن الذين كفروا من المكذبين والمستهزئين في هذا العصر إذا عجزت الأمة عن أخذ الحق ورده إلى نصابه أن الله عاجز على نصرة نبيه وأنهم في من منأى عن الهلاك ، فقد انتصر الله لنبيه من أقوام في حياته وبعد موته فسلط عليهم من جنوده ما جعلها الله معجزة لتوكيد صدق نبوته ورسالته .
فهذا الأسْدُ جند من جند الله سلطه الله على ابن عمه(عتبة بن أبي لهب): نصرة لنبيه الله .لقد كان (عتبة بن أبي لهب) من أشد المتطاولين على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، بلغ من جرمه وعدوانه أن أمسك بتلابيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفل في وجهه الشريف، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسلط عليه الله كلبًا من كلابه.ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره أن ابن عساكر أورد في تاريخ دمشق في ترجمة (عتبة بن أبي لهب) من طريقه عن هَبَّار بن الأسود قال: كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزا إلى الشام، فتجهزت معهما، فقال ابنه عتبة: والله لأنطلقنّ إلى محمد ولأوذينه في ربه فانطلق حتى أتى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد، هو يكفر بالذي {{ دنى فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى}}( النجم :9).فقال النبي -صلى الله عليه وسلم -: << اللهم ابعث إليه كلبا من كلابك>>، ثم انصرف عنه فرجع إلى أبيه فقال: يا بني، ما قلت له؟ فذكر له ما قال له، قال: فما قال لك؟ قال: "اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك" قال: يا بني، والله ما آمنُ عليك دُعاءه.فسرنا حتى نزلنا الشراة، وهي مأْسَدَة، ونزلنا إلى صَوْمَعة راهب، فقال الراهب: يا معشر العرب، ما أنزلكم هذه البلاد فإنها تسرح الأسْدُ فيها كما تسرح الغنم؟ فقال لنا أبو لهب: إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي، وإن هذا الرجل قد دعا على ابني دعوةً، والله ما آمنها عليه، فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة، وافرشوا لابني عليها، ثم افرشوا حولها، ففعلنا، فجاء الأسد فَشَمّ وجوهنا، فلما لم يجد ما يريد تَقَبّض، فوثب، فإذا هو فوق المتاع، فشم وجهه ثم هزمه هَزْمة فَفَضخ رأسه. فقال أبو لهب: قد عرفت أنه لا ينفلت عن دعوة محمد.وقد أخرجه الحاكم في المستدرك - وقال : صحيح الإسناد ووافقه الذهبي - من حديث أبي نوفل قال : << كان لهب بن أبي لهب يسب النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال صلّى اللّه عليه وسلّم :<< اللهم سلط عليه كلبا من كلابك - أو كلبك - >> فخرج في قافلة يريد الشام فنزلوا منزلا فيه سباع فقال : إني أخاف دعوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم فجعلوا متاعه حوله وقعدوا يحرسونه فجاء أسد فانتزعه وذهب به .وأخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (17/301) (20/382)والبيهقي في دلائل النبوة (2/338) وقال :كذا قال عباس بن الفضل وليس بالقوي : لهب بن أبي لهب وأهل المغازي يقولون عتبة بن أبي لهب وقال بعضهم عتيبة وفيما أخبرنا أبو عبد الله قراءة عليه قال كانت أم كلثوم يعني ابنة رسول الله في الجاهلية تحت عتيبة بن أبي لهب وكانت رقية تحت أخيه عتبة بن أبي لهب فلما أنزل الله عز وجل ( " تبت يدا أبي لهب ) قال أبو لهب لابنيه عتيبة وعتبة رأسي ورؤوسكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد وسأل النبي عتبة طلاق رقية وسألته رقية ذلك وقالت له أم كلثوم بنت حرب ابن أمية وهي حمالة الحطب طلقها يا بني فإنها قد صبت فطلقها وطلق عتيبة أم كلثوم وجاء النبي حين فارق أم كلثوم فقال كفرت بدينك وفارقت ابنتك لا تحبني ولا أحبك ثم تسلط على رسول الله فشق قميصه فقال رسول الله أما إني أسأل الله أن يسلط عليه كلبه فخرج نفر من قريش حتى نزلوا في مكان من الشام يقال له الزرقاء ليلا فأطاف بهم الأسد تلك الليلة فجعل عتيبة يقول يا ويل أمي هو والله آكلي كما دعا محمد علي قتلني ابن أبي كبشة وهو بمكة وأنا بالشام فعوى عليه الأسد من بين القوم وأخذ برأسه فضغمه ضغمة فذبحهقال أبو عبد الله فحدثنا بجميع ذلك محمد بن إسماعيل الحافظ قال حدثنا الثقفي قال حدثنا أحمد بن المقدام قال حدثنا زهير بن العلاء العبدي عن ا بن أبي عروبة عن قتادة قال زهير وحدثنا هشام بن عروة عن أبيه أن الأسد لما طاف بهم تلك الليلة انصرف عنهم فناموا وجعل عتيبة في وسطهم فأقبل الأسد يتخطاهم حتى أخذ برأس عتيبة ففدغهقال المقريزي في كتابه إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع ،(12/117)تحقيق محمد عبد الحميد النميسي :
وأما افتراس الأسد عتيبة بن أبي لهب بدعاء المصطفى صلّى الله عليه وسلم ربه عز وجل أن يسلط عليه كلبا من كلابه .فخرج الحارث بن أبي أسامه من حديث الأسود بن شيبان ، قال أبو نوفل ، عن أبيه قال : كان عتيبة بن أبي لهب يسب النبي - صلّى الله عليه وسلم- قال : فقال النبي صلّى الله عليه وسلم اللَّهمّ سلط عليه كلبك ، قال : فخرج يريد الشام في قافلة مع أصحابه ، قال : فنزلوا منزلا ، فقال : والله إني لأخاف دعوة محمد ، فقالوا له : كلا ، قال : فحطوا المتاع حوله ، وقعدوا يحرسونه ، فجاء السبع فانتزعه ، فذهب به.وقال سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن عثمان بن عروة بن الزبير ، عن أبيه ، عن هبار بن الأسود ، قال : كان أبو لهب وابنه عتيبة قد تجهزا إلي الشام ، وتجهزت معه ، فقال ابنه عتيبة : لأنطلقنّ إليه ، ولأوذينه في ربه ، فانطلق حتى أتى النبي صلّى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد هو يكفر بالذي{{ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى }} (سورة النجم : 9) فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- : اللَّهمّ ابعث عليه كلبا من كلابك ، ثم انصرف عنه ، فرجع إليه ، فقال : أي بني! ما قلت له ؟ قال : كفرت بإلهه الّذي يعبد ، قال : فماذا قال لك ؟ قال : قال : اللَّهمّ ابعث عليه كلبا من كلابك ، قال : أي بني! والله ما آمن عليك دعوة محمد ، قال : فسرنا حتى نزلنا الشراة - وهي مأسدة - فنزلنا إلى صومعة راهب فقال : يا معشر العرب! ما أنزلكم هذه البلاد وإنها مسرح الضيغم ؟ فقال لنا أبو لهب : إنكم قد عرفتم سني وحقي ؟ قلنا : أجل ، فقال : إن محمدا قد دعا على ابني دعوة ، والله لا آمنها عليه ، فاجمعوا متاعكم إلي هذه الصومعة ، ثم افترشوا لابني عتيبة عليه ، ثم افترشوا حوله.قال : ففعلنا ، جمعنا المتاع حتى ارتفع ، ثم فرشنا له عليه ، وفرشنا حوله فبتنا نحن حوله ، وأبو لهب معنا أسفل ، وبات هو فوق المتاع ، فجاء الأسد ، فشم وجوهنا ، فلما لم يجد ما يريد ، تقبض ثم وثب ، فإذا هو فوق المتاع ، فشم وجهه ، ثم هَزَمَهُ هَزْمَة فنضخ رأسه ، فقال : سبعي يا كلب لم يقدر على غيرك ، ووثبنا ، فانطلق الأسد ، وقد نضخ رأسه ، فقال أبو لهب : قد عرفت والله ما كان لينفلت من دعوة محمد صلّى الله عليه وسلم.فقال حسان رضي الله تبارك وتعالى عنه :
سائل بني الأشعر جئتهم ما كان أنباء أبي واسع ... لا وسع الله له قبره بل ضيق الله على القاطع .
رحم نبي جده ثابت يدعو إلى نور الله ساطع ... أسبل بالحجر لتكذيبه دون قريش نهزة القاذع .
فاستوجب الدعوة منه بما تبين للناظر والسامع ... أن سلط الله بها كلبه يمشي الهوينا مشية الخادع
حتى أتاه وسط أصحابه وبه علتهم سنة الهاجع ...فالتقم الرأس من يافوخه والنحر منه فغرة الجائع
أسلمتموه وهو يدعوكم بالنسب الأدنى وبالجامع ... والليث يعلوه بأنيابه منعفرا وسط الدم الناقع .
لا يرفع الرحمن مصروعكم ولا يوهن قوة الصارع ... من يرجع العام إلي أهله فما أكل السبع بالراجع .
قد كان فيه لكم عبرة للسيد المتبوع والتابع... من عاد فالليث له عائد أعظم به من خبر شائع . إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع ،(12/119) وكذلك ابن إسحاق في السيرة ودلائل النبوة لأبي نعيم : ( 454 - 457) .
ومن الوقائع العجيبة في انتقام الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ما ذكره الحافظ ابن حجر في كتابه الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (1/386)؛ حيث قال :.. أن بعض أمراء المغل تنصر فحضر عنده جماعة من كبار النصارى والمغل فجعل واحد منهم ينتقص النبي -صلى الله عليه وسلم- وهناك كلب صيد مربوط فلما أكثر من ذلك وثب عليه الكلب فخمشه فخلصوه منه.وقال بعض من حضر: هذا بكلامك في محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال : كلا بل هذا الكلب عزيز النفس رآني أشير بيدي فظن أني أريد أن أضربه، ثم عاد إلى ما كان فيه فأطال فوثب الكلب مرة أخرى فقبض على زردمته فقلعها فمات من حينه فأسلم بسبب ذلك نحو أربعين ألفا من المغل" .المختصر القويم في دلائل نبوة الرسول الكريم (1/272)وليد نور .و الزَرْدَمَةُ: موضعُ الازْدِرامِ والابتلاع. ويقال زَرْدَمَهُ، أي عَصَرَ حَلْقَهُ. الصحاح في اللغة (1/285).
وخلاصة القول : أن الواجب علينا معشر أمة الإسلام نصرة النبي صلى الله عليه وسلم في أنفسنا وأهلينا بالإيمان به وبما جاء به ، وأن نعظم ذلك في أنفسنا ، بتوقيره وتعزيره ، ونعمل به ، وأن نحب النبي -صلى الله عليه وسلم - حبا جما أكثر من أنفسنا وآبائنا وأبنائنا وذلك بطاعته والإقتداء به ، والمسارعة للأخذ بما جاءنا به ، استجابة لما يحينا ، وأن نحكم شريعته والأخذ بأوامره واجتناب نواهيه واتباع سنته وتعظيمها في نفوسنا ونُعلم ذلك أهالينا من الآباء والأبناء ، والأخوة والأخوات والأقارب وندرس سيرته ، وندعو المسلمين ومن نستطيع الوصول إليهم إلى هذه الأمور التي ذكرتها ، مع الحفاظ على الواجبات من تحقيق التوحيد الذي كان يدعو إليه والذي أرسله من أجله ، وانزله عليه كتابه ، والحفاظ على الصلوات التي أوصى بها حياته ، وإقامة الجماعة والجمعة ، والدعوة إلى توحيد صفوفنا ، حتى نكون صفا واحدا كالبنيان المرصوص ، ونسعى لنشر المودة والرحمة بيننا ، حتى نكون كما وصفنا :<< مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ..>>
وأن نوثق الولاية والنصرة التي جعلها الله بين المسلمين ، على ما كان عليه وأصحابه على مراد الله تعالى ، ونظهر البراء ومعادة الكافرين ، وإظهار ما عندهم من الباطل والشبه بالحج والبراهين ، ونتخلق بأخلاقه التي أدبه ربه بها ونظهر لهم فضائل ديننا وما فيه من أخلاق سامية يفتقدونها ، كما ينبغي أن نظهر لهم الوسطية التي جاء بها -صلى الله عليه وسلم -، ووصف الله بها هذه الأمة ، وأنه ليس من ديننا الإفراط والغلو ، والتفريط والتمييع ، فديننا هو خير الأديان وأفضلها ونبينا هو خير الأنبياء وأمتنا هي خير الأمم وذلك بتمسكها بكتاب ربها وسنة نبيها والوسطية التي كان عليها نبينا وصحابته من غير إفراط ولا تفريط .كما يجب علينا أن نعرف بنبينا وما كان عليه من سمو وأعلى مراتب الكمال والأخلاق والعقل والآداب وسمو النفس والرحمة بالخلق .وَإذا كان مَعْلُوما أَنَّ حُرْمَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ وَفَاتِهِ كَحُرْمَتِهِ فِي أَيَّامِ حَيَاتِهِ ، فعلى الأمة أن تحفظ حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في خاصة نفسه وفي آله وأزواجه أمهات المؤمنين وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، وفي كل ما له صلة بأمر هذا الدين.
وعلينا إذا عجزت الأمة في مجموعها من قتال أولئك الكفار ، لأنها متفرقة مختلفة ضعيفة ، فإن الدعاء من أعظم سلاح المؤمنين ، فعلينا أن نرفع أكف الضراعة ، والاضطرار إلى العزيز القهار الذي يجيب المضطر إذا دعاه ، ويكشف السوء ، فنصرة النبي تكون بنصرة الله ونصرة دينه ، وسنة نبيه في أنفسنا ، قال تعالى :{{ إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم }} والله تعالى لا ينصرنا بالشعارات الجوفاء ، ولا بالوسائل غير المشروعة التي جاء بها أولئك الكفرة ممن ينالون من ربنا سبحانه ونبينا وديننا ، فالمظاهرات والمسيرات ، والاعتصامات ، والهتافات ودعوى المقاطعة ، والحرق للرايات (( الأعلام )) فهو ليس من شرعنا ولا من سنة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا من هدي أصحابه خير البشر ، فإذا ضعفنا فما علينا إلا الصبر واللجوء إلى الله تعالى والتضرع بصدق ، ونحاول ما استطعنا إصلاح أنفسنا ونصرة ديننا على مراد الله ومراد رسوله بفهم سلفنا الصالح في أنفسنا قبل غيرنا ، فإذا فعلنا أنجز الله لنا ما وعدنا به ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ...
أما والحالة هذه من ذل وهوان وبعد عن الله وعن شرعه ، وعن سنة نبيه ، وتمييع دينه ، أو إظهاره على غير وجهه المراد لله كما يفعله خوارج العصر وأهل التكفير من الاغتيالات والتفجير في المستأمنين ، والأبرياء، والمسلمين ، فهذا ينذر بانتقامات واعتداءات أكثر من ملل أهل الكفر والنفاق ، ويشدد من وطأتهم على الضعفاء منا ممن يصلون إليهم ، فانظروا إلى ما يقوم به اليهود حين يقوم أحدهم في فلسطين يفجر نفسه فيقتل واحدا أو عشرة ، فيأتي اليهود فيدمرون قرية بكاملها أو يقتلون المئات من الأبرياء ، أفيقوا يا قوم واتقوا الله ، واعلموا أن هذه الاعتداءات بشائر فارجعوا إلى دينكم وألزموا غرز العلماء الكبار فهم عن علم تكلموا وبحلم سكتوا فهم أهل الحكمة وأهل الخشية وأهل الورع وأهل العلم على منهاج النبوة .
وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه اللهم نسألك بأسمائك الحسنة وصفاتك العلى أن تنتصر لنبيك إذ ضعفنا وأن تقصم ظهر أولئك الذين أذوك في حبيبك وخليلك وانتهكوا حرمته وأن ترينا فيهم عجائب قدرتك يا سميع الدعاء .